الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن الْمُحْرِمُ يَنْوِي وَيُلَبِّي فَإِنْ لَبَّى بِلَا نِيَّةٍ لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ، وَإِنْ نَوَى وَلَمْ يُلَبِّ انْعَقَدَ عَلَى الصَّحِيحِ.
الشَّرْحُ (فَصْلٌ) فِي رُكْنِ الْإِحْرَامِ وَمَا يُطْلَبُ لِلْمُحْرِمِ مِنْ الْأُمُورِ الْآتِيَةِ (الْمُحْرِمُ) أَيْ مُرِيدُ الْإِحْرَامِ (يَنْوِي) بِقَلْبِهِ حَتْمًا دُخُولَهُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ فِيهِمَا، وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ جَزْمًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى النَّفَلَ لَوَقَعَ عَنْ الْفَرْضِ كَمَا مَرَّ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِيجَابِ (وَيُلَبِّي) مَعَ نِيَّةِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ التَّلَفُّظِ بِهَا فَيَنْوِي بِقَلْبِهِ وَيَقُولُ بِلِسَانِهِ: نَوَيْت الْحَجَّ مَثَلًا وَأَحْرَمْت بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ إلَخْ، وَلَا يُسَنُّ ذِكْرُ مَا أَحْرَمَ بِهِ فِي غَيْرِ التَّلْبِيَةِ الْأُولَى، لِأَنَّ إخْفَاءَ الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ وَلَوْ نَوَى بِقَلْبِهِ نُسُكًا وَنَطَقَ لِسَانُهُ بِغَيْرِهِ انْعَقَدَ مَا نَوَاهُ بِقَلْبِهِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، وَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ أَحْرَمَ لَكَ شَعْرِي وَبَشَرِي وَلَحْمِي وَدَمِي (فَإِنْ لَبَّى بِلَا نِيَّةٍ لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ) عَلَى الْأَصَحِّ لِخَبَرِ {إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ}، وَقِيلَ: يَنْعَقِدُ وَتَقُومُ التَّلْبِيَةُ مَقَامَ النِّيَّةِ (وَإِنْ نَوَى وَلَمْ يُلَبِّ انْعَقَدَ عَلَى الصَّحِيحِ) كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَالثَّانِي: لَا يَنْعَقِدُ لِإِطْبَاقِ الْأُمَّةِ عَلَيْهَا عِنْدَ الْإِحْرَامِ كَالصَّلَاةِ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ.
المتن وَيُسَنُّ الْغُسْلُ لِلْإِحْرَامِ، فَإِنْ عَجَزَ تَيَمَّمَ، وَلِدُخُولِ مَكَّةَ، وَلِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَبِمُزْدَلِفَةَ غَدَاةَ النَّحْرِ، وَفِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِلرَّمْيِ.
الشَّرْحُ (وَيُسَنُّ الْغُسْلُ) لِأَحَدِ أُمُورٍ سَبْعَةٍ: أَحَدُهُمَا: (لِلْإِحْرَامِ) أَيْ عِنْدَ إرَادَتِهِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا أَوْ مُطْلَقًا مِنْ رَجُلٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ حَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهُ غُسْلٌ لِمُسْتَقْبَلٍ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ، وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ وَإِحْرَامُهُ جُنُبًا، وَغَيْرُ الْمُمَيِّزِ يُغَسِّلُهُ وَلِيُّهُ؛ لِأَنَّ حِكْمَةَ هَذَا الْغُسْلِ التَّنْظِيفُ، وَلِهَذَا سُنَّ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ خَبَرَ {أَنَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ تَغْتَسِلُ وَتُحْرِمُ وَتَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفَ بِالْبَيْتِ}. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ؟ وَإِذَا اغْتَسَلَتَا نَوَتَا، وَالْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَا الْإِحْرَامَ حَتَّى يَطْهُرَا إنْ أَمْكَنَ التَّأْخِيرُ بِأَنْ أَمْكَنَهُمَا الْمُقَامُ بِالْمِيقَاتِ لِيَقَعَ إحْرَامُهُمَا فِي أَكْمَلِ أَحْوَالِهِمَا، وَيُنْدَبُ أَيْضًا لِمُرِيدِ الْإِحْرَامِ أَنْ يَتَنَظَّفَ بِإِزَالَةِ الشُّعُورِ الْمَطْلُوبِ إزَالَتُهَا كَشَعْرِ الْإِبِطِ وَالْعَانَةِ وَالْأَظْفَارِ وَالْأَوْسَاخِ، وَغَسْلُ الرَّأْسِ بِسِدْرٍ وَنَحْوِهِ، وَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَقْدِيمُ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى الْغُسْلِ كَمَا فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ، وَيُنْدَبُ أَيْضًا أَنْ يُلَبِّدَ الذَّكَرُ شَعْرَهُ بِصَمْغٍ وَنَحْوِهِ لِئَلَّا يَتَوَلَّدَ فِيهِ الْقَمْلُ، وَلَا يَتَشَعَّثُ فِي مُدَّةِ الْإِحْرَامِ، وَيَكُونُ التَّلْبِيدُ بَعْدَ الْغُسْلِ (فَإِنْ عَجَزَ) مُرِيدُ الْإِحْرَامِ عَنْ الْغُسْلِ لِفَقْدِ مَاءٍ أَوْ عَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ (تَيَمَّمَ)؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ يُرَادُ لِلْقُرْبَةِ وَالنَّظَافَةِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا بَقِيَ الْآخَرُ؛ وَلِأَنَّهُ يَنُوبُ عَنْ الْغُسْلِ الْوَاجِبِ فَعَنْ الْمَنْدُوبِ أَوْلَى، وَلَوْ وَجَدَ مَاءً لَا يَكْفِيهِ لِلْغُسْلِ وَيَكْفِيهِ لِلْوُضُوءِ تَوَضَّأَ بِهِ وَتَيَمَّمَ عَنْ الْغُسْلِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَلَوْ وَجَدَ مَاءً لَا يَكْفِي الْوُضُوءَ أَيْضًا اسْتَعْمَلَهُ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَهَلْ يَكْفِيهِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ عَنْ الْغُسْلِ وَبَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ أَوْ يَتَيَمَّمُ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ ثَانِيًا عَنْ الْغُسْلِ ؟ الْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الثَّانِي إنْ لَمْ يَنْوِ بِمَا اسْتَعْمَلَهُ مِنْ الْغُسْلِ وَإِلَّا فَالْأَوَّلُ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ التَّيَمُّمَ عَقِبَ جَمِيعِ الْأَغْسَالِ الْآتِيَةِ لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِ الْحُكْمِ لِكُلِّهَا. وَقَوْلُهُ: فَإِنْ عَجَزَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ يَتَنَاوَلُ الْفِقْدَانَ وَالْمَرَضَ وَالْجِرَاحَةَ وَالْبَرْدَ وَنَحْوَ ذَلِكَ (وَ) الْغُسْلُ الثَّانِي لِدُخُولِ الْحَرَمِ، وَالْغُسْلُ الثَّالِثُ: (لِدُخُولِ مَكَّةَ) وَلَوْ حَلَالًا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي الْمُحْرِمِ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْحَلَالِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ هَذَا مِنْ أَغْسَالِ الْحَجِّ إلَّا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَقَعُ فِيهِ، وَلَوْ فَاتَ لَمْ يَبْعُدْ نَدْبُ قَضَائِهِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَكَذَا بَقِيَّةُ الْأَغْسَالِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ، مَا لَوْ أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ بِعُمْرَةٍ مِنْ قَرِيبٍ كَالتَّنْعِيمِ وَاغْتَسَلَ لَمْ يُنْدَبْ لَهُ الْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَيَظْهَرُ مِثْلُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْحَجِّ إذَا أَحْرَمَ بِهِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ لِكَوْنِهِ لَمْ يَخْطِرْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا هُنَاكَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَوْ لِكَوْنِهِ مُقِيمًا هُنَاكَ (وَ) الْغُسْلُ الرَّابِعُ بَعْدَ الزَّوَالِ (لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ) وَالْأَفْضَلُ كَوْنُهُ بِنَمِرَةَ، وَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ فِي غَيْرِهَا وَقَبْلَ الزَّوَالِ بَعْدَ الْفَجْرِ، لَكِنْ تَقْرِيبُهُ لِلزَّوَالِ أَفْضَلُ كَتَقْرِيبِهِ مِنْ ذَهَابِهِ فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَسُمِّيَتْ عَرَفَةَ قِيلَ لِأَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ تَعَارَفَا ثَمَّ، وَقِيلَ: لِأَنَّ جِبْرِيلَ عَرَّفَ فِيهَا إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنَاسِكَهُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (وَ) الْغُسْلُ الْخَامِسُ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ لِلْوُقُوفِ (بِمُزْدَلِفَةَ) عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ (غَدَاةَ) يَوْمِ (النَّحْرِ) أَيْ بَعْدَ فَجْرِهِ (وَ) الْغُسْلُ السَّادِسُ (فِي) كُلِّ يَوْمٍ مِنْ (أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) الثَّلَاثَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ (لِلرَّمْيِ) أَيْ رَمْيِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ لِآثَارٍ وَرَدَتْ فِيهَا؛ وَلِأَنَّهَا مَوَاضِعُ اجْتِمَاعٍ فَأَشْبَهَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ، وَلَوْ قَدَّمَ الْغُسْلَ عَلَى الزَّوَالِ حَصَلَ أَصْلُ السُّنَّةِ نَظِيرَ غُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَالْغُسْلُ السَّابِعُ لِدُخُولِ الْمَدِينَةِ، وَلَا يُسَنُّ الْغُسْلُ لِلْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ لِقُرْبِهِ مِنْ غُسْلِ عَرَفَةَ، وَلَا لِرَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ اكْتِفَاءً بِغُسْلِ الْعِيدِ، وَلَا لِطَوَافِ الْقُدُومِ لِقُرْبِهِ مِنْ غُسْلِ الدُّخُولِ، وَلَا لِلْحَلْقِ وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَطَوَافِ الْوَدَاعِ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ، وَكَذَا الْمُصَنِّفُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ وَإِنْ جَزَمَ فِي مَنَاسِكِهِ الْكُبْرَى بِاسْتِحْبَابِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ.
المتن وَأَنْ يُطَيِّبَ بَدَنَهُ لِلْإِحْرَامِ، وَكَذَا ثَوْبُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا بَأْسَ بِاسْتِدَامَتِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَلَا بِطِيبٍ لَهُ جُرْمٌ، لَكِنْ لَوْ نَزَعَ ثَوْبَهُ الْمُطَيَّبَ ثُمَّ لَبِسَهُ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ (وَ) يُسَنُّ (أَنْ يُطَيِّبَ) مُرِيدُ الْإِحْرَامِ (بَدَنَهُ لِلْإِحْرَامِ) رَجُلًا كَانَ أَوْ خُنْثَى أَوْ امْرَأَةً شَابَّةً أَوْ عَجُوزًا خَلِيَّةً أَوْ مُتَزَوِّجَةً اقْتِدَاءً بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَقِيلَ لَا يُسَنُّ لِلْمَرْأَةِ كَذَهَابِهَا إلَى الْجُمُعَةِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ زَمَانَ الْجُمُعَةِ وَمَكَانَهَا ضَيِّقٌ وَلَا يُمْكِنُهَا تَجَنُّبُ الرِّجَالِ بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ. نَعَمْ الْمُحِدَّةُ لَا تَتَطَيَّبُ (وَكَذَا ثَوْبُهُ) مِنْ إزَارِ الْإِحْرَامِ وَرِدَائِهِ يُسَنُّ تَطْيِيبُهُ (فِي الْأَصَحِّ) كَالْبَدَنِ، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ يُنْزَعُ وَيُلْبَسُ، وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ الْمُحَرَّرَ فِي اسْتِحْبَابِ تَطْيِيبِ الثَّوْبِ، وَصُحِّحَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَقَالَ: لَا يُنْدَبُ جَزْمًا، وَصَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا الْجَوَازَ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ (وَلَا بَأْسَ بِاسْتِدَامَتِهِ) أَيْ الطِّيبِ فِي الثَّوْبِ (بَعْدَ الْإِحْرَامِ) كَالْبَدَنِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا {كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ} وَالْوَبِيصُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَ الْوَاوِ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ: هُوَ الْبَرِيقُ، وَالْمَفْرِقُ وَسَطُ الرَّأْسِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ جَوَازِ الِاسْتِدَامَةِ مَا إذَا لَزِمَهَا الْإِحْدَادُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ (وَلَا بِطِيبٍ لَهُ جُرْمٌ) لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (لَكِنْ لَوْ نَزَعَ ثَوْبَهُ الْمُطَيَّبَ) أَيْ الَّذِي رَائِحَةُ الطِّيبِ فِيهِ مَوْجُودَةٌ (ثُمَّ لَبِسَهُ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ لُبْسَ الثَّوْبِ الْمُطَيَّبِ أَوْ أَخَذَ الطِّيبَ مِنْ بَدَنِهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الثَّوْبِ أَنْ يُخْلَعَ وَيُلْبَسَ فَجُعِلَ عَفْوًا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَائِحَةُ الطِّيبِ فِيهِ مَوْجُودَةً فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ أَلْقَى عَلَيْهِ مَاءً ظَهَرَتْ رَائِحَتُهُ امْتَنَعَ لُبْسُهُ بَعْدَ نَزْعِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ مَسَّهُ بِيَدِهِ عَمْدًا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَيَكُونُ مُسْتَعْمِلًا لِلطِّيبِ ابْتِدَاءً جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَا عِبْرَةَ بِانْتِقَالِ الطِّيبِ بِإِسَالَةِ الْعَرَقِ، وَلَوْ تَعَطَّرَ ثَوْبُهُ مِنْ بَدَنِهِ لَمْ يَضُرَّ جَزْمًا.
المتن وَأَنْ تُخَضِّبَ الْمَرْأَةُ لِلْإِحْرَامِ يَدَيْهَا.
الشَّرْحُ (وَ) يُسَنُّ (أَنْ تُخَضِّبَ الْمَرْأَةُ) غَيْرُ الْمُحِدَّةِ (لِلْإِحْرَامِ يَدَيْهَا) أَيْ كُلَّ يَدٍ مِنْهَا إلَى الْكُوعِ فَقَطْ بِالْحِنَّاءِ خَلِيَّةً كَانَتْ أَوْ مُزَوَّجَةً، شَابَّةً أَوْ عَجُوزًا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ، وَلِأَنَّهُمَا قَدْ يَنْكَشِفَانِ وَتَمْسَحُ وَجْهَهَا بِشَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّهَا تُؤْمَرُ بِكَشْفِهِ فَتَسْتَتِرُ بَشَرَتُهُ بِلَوْنِ الْحِنَّاءِ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ بِالْحِنَّاءِ تَعْمِيمًا دُونَ التَّطْرِيفِ وَالتَّنْقِيشِ وَالتَّسْوِيدِ. أَمَّا بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَيُكْرَهُ لَهَا ذَلِكَ مَا فِيهِ مِنْ الزِّينَةِ وَإِزَالَةِ الشَّعَثِ، وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَخَرَجَ بِالْمَرْأَةِ الرَّجُلُ وَالْخُنْثَى فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا ذَلِكَ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَبِغَيْرِ الْمُحِدَّةِ الْمُحِدَّةُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا أَيْضًا، وَيُنْدَبُ لِغَيْرِ الْمُحْرِمَةِ أَيْضًا وَإِنْ أَفْهَمَتْ عِبَارَتُهُ اخْتِصَاصَ النَّدْبِ بِالْمُحْرِمَةِ لَكِنَّهُ لِلْمُحْرِمَةِ آكَدُ. نَعَمْ يُكْرَهُ لِلْخَلِيَّةِ مِنْ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ.
المتن وَيَتَجَرَّدُ الرَّجُلُ لِإِحْرَامِهِ عَنْ مَخِيطِ الثِّيَابِ وَيَلْبَسُ إزَارًا وَرِدَاءً أَبْيَضَيْنِ وَنَعْلَيْنِ
الشَّرْحُ (وَيَتَجَرَّدُ الرَّجُلُ) وُجُوبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ كَالرَّافِعِيِّ (لِإِحْرَامِهِ عَنْ مَخِيطِ الثِّيَابِ) لِيَنْتَفِيَ عَنْهُ لُبْسُهُ فِي الْإِحْرَامِ الَّذِي هُوَ مُحْرِمٌ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي، لَكِنْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ بِسُنِّيَّتِهِ، وَاسْتَحْسَنَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِلْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَتْنِ كَالْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ وَهُوَ الْإِحْرَامُ لَمْ يُوجَدْ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا، وَإِنَّمَا يَجِبُ النَّزْعُ عَقِبَهُ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخَانِ فِي الصَّيْدِ عَدَمَ وُجُوبِ إزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ مَعَ أَنَّ الْمُدْرَكَ فِيهِمَا وَاحِدٌ. وَأُجِيبَ مِنْ جِهَةِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْوَطْءَ يَقَعُ فِي النِّكَاحِ فَلَا يَحْرُمُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ النَّزْعُ عَقِبَهُ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ الْمَعْصِيَةِ، وَلِأَنَّ مُوجِبَهُ لَيْسَ الْوَطْءَ بَلْ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُ الْإِحْرَامِ بِالْوَطْءِ. وَأَمَّا الصَّيْدُ فَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ بِالْإِحْرَامِ كَمَا سَيَأْتِي بِخِلَافِ نَزْعِ الثَّوْبِ لَا يَحْصُلُ بِهِ فَيَجِبُ قَبْلَهُ كَمَا يَجِبُ السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ قَبْلَ وَقْتِهَا عَلَى بَعِيدِ الدَّارِ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَتْنِ بِنَاءً عَلَى أَنْ يَتَجَرَّدَ بِالنَّصْبِ، وَقَدْ ضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ بِالرَّفْعِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَقَدْ رَأَيْت فِي الْأَصْلِ قَابِلَتَهُ عَلَى خَطِّ الْمُصَنِّفِ: وَيَتَجَرَّدُ مَضْبُوطًا بِضَمِّ الدَّالِ: أَيْ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فَلَا يُعْطَفُ عَلَى السُّنَنِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: مَخِيطٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَأَوْلَى مِنْهُ مُحِيطٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ لِشُمُولِهِ اللِّبْدَ وَالْمَنْسُوجَ وَلَوْ حَذَفَ لَفْظَ الثِّيَابِ كَانَ أَوْلَى فَإِنَّهُ يَجِبُ نَزْعُ الْخُفِّ وَالنَّعْلِ (وَ) يُسَنُّ أَنْ يَكُونَ النَّزْعُ قَبْلَ الطِّيبِ، وَأَنْ (يَلْبَسَ) الرَّجُلُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ ( إزَارًا وَرِدَاءً) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (أَبْيَضَيْنِ) لِخَبَرِ {الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ}، وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَا جَدِيدَيْنِ وَإِلَّا فَمَغْسُولَيْنِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَغْسِلَ الْجَدِيدَ الْمَقْصُورَ لِنَشْرِ الْقَصَّارِينَ لَهُ عَلَى الْأَرْضِ، وَقَدْ اسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حَصَى الْجِمَارِ احْتِيَاطًا، وَهَذَا أَوْلَى بِهِ، وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِ أَنَّ غَيْرَ الْمَقْصُورِ كَذَلِكَ: أَيْ إذَا تُوُهِّمَتْ نَجَاسَتُهُ لَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَيُكْرَهُ الْمَصْبُوغُ وَلَوْ بِنِيلَةٍ أَوْ مَغْرَةٍ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ أَشْعَثُ أَغْبَرُ فَلَا يُنَاسِبُهُ الْمَصْبُوغُ أَيْ بِغَيْرِ الزَّعْفَرَانِ لِمَا مَرَّ فِي بَابِ اللِّبَاسِ أَنَّ لُبْسَهُ حَرَامٌ عَلَى الرَّجُلِ، وَقَيَّدَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ كَرَاهَةَ الْمَصْبُوغِ بِمَا صُبِغَ بَعْدَ النَّسْجِ، وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا كَرَاهَةَ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ (وَ) يُسَنُّ أَنْ يَلْبَسَ (نَعْلَيْنِ) لِخَبَرِ {لِيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ} رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَخَرَجَ بِالرَّجُلِ الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى إذْ لَا نَزْعَ عَلَيْهِمَا فِي غَيْرِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ.
المتن وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ.
الشَّرْحُ (وَ) أَنْ (يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) لِلْإِحْرَامِ قَبْلَهُ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَحْرَمَ}، وَيُحْرِمَانِ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ فِي غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَفِي الثَّانِيَةِ الْإِخْلَاصَ، وَلَوْ كَانَ إحْرَامُهُ فِي وَقْتِ فَرِيضَةٍ فَصَلَّاهَا أَغْنَتْ عَنْهَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فِيهِ نَظَرٌ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُمَا سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ فَلَا تَنْدَرِجُ كَسُنَّةِ الصُّبْحِ وَغَيْرِهَا، وَمِثْلُ الْفَرِيضَةِ الرَّاتِبَةُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِحْرَامُ بَعْدَ صَلَاةٍ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا فِي مَسْجِدِ الْمِيقَاتِ إنْ كَانَ ثَمَّ مَسْجِدٌ، وَلَا فَرْقَ فِي صَلَاتِهِمَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَغَيْرِهِ.
المتن ثُمَّ الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ إذَا انْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ أَوْ تَوَجَّهَ لِطَرِيقِهِ مَاشِيًا، وَفِي قَوْلٍ يُحْرِمُ عَقِبَ الصَّلَاةِ.
الشَّرْحُ (ثُمَّ الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ) الشَّخْصُ إنْ كَانَ رَاكِبًا (إذَا انْبَعَثَتْ) أَيْ اسْتَوَتْ (بِهِ رَاحِلَتُهُ) أَيْ دَابَّتُهُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ قَائِمَةً إلَى طَرِيقِ مَكَّةَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (أَوْ) يُحْرِمَ إذَا (تَوَجَّهَ لِطَرِيقِهِ) حَالَ كَوْنِهِ (مَاشِيًا) لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ {أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَهْلَلْنَا - أَيْ أَرَدْنَا أَنْ نُهِلَّ - أَنْ نُحْرِمَ إذَا تَوَجَّهْنَا}، وَعِبَارَةُ التَّنْبِيهِ إذَا بَدَأَ بِالسَّيْرِ أَحْرَمَ، وَهِيَ أَخَصْرُ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ وَأَشْمَلُ (وَفِي قَوْلٍ يُحْرِمُ عَقِبَ الصَّلَاةِ) جَالِسًا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: إنَّهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَنْ يُحْرِمُ مِنْ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا. نَعَمْ الْإِمَامُ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَخْطُبَ يَوْمَ السَّابِعِ بِمَكَّةَ، وَأَنْ يُحْرِمَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ فَيَتَقَدَّمَ إحْرَامُهُ مَسِيرَهُ بِيَوْمٍ؛ لِأَنَّ مَسِيرَهُ لِلنُّسُكِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ كَلَامُ غَيْرِهِ يُنَازِعُهُ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ غَرِيبٌ وَمُحْتَمَلٌ.
المتن وَيُسْتَحَبُّ إكْثَارُ التَّلْبِيَةِ وَرَفْعُ صَوْتِهِ بِهَا فِي دَوَامِ إحْرَامِهِ، وَخَاصَّةً عِنْدَ تَغَايُرِ الْأَحْوَالِ كَرُكُوبٍ وَنُزُولٍ وَصُعُودٍ وَهُبُوطٍ وَاخْتِلَاطِ رُفْقَةٍ.
الشَّرْحُ (وَيُسْتَحَبُّ) لِلْمُحْرِمِ (إكْثَارُ التَّلْبِيَةِ) مِنْ لَبَّ، وَأَلَبَّ بِالْمَكَانِ: أَقَامَ بِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ طَاهِرٍ وَحَائِضٍ وَجُنُبٍ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّهُ شِعَارُ النُّسُكِ (وَرَفْعُ صَوْتِهِ) أَيْ الذَّكَرِ (بِهَا) رَفْعًا لَا يَضُرُّ نَفْسَهُ (فِي دَوَامِ إحْرَامِهِ) هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِإِكْثَارُ وَرَفْعُ - أَيْ مَا دَامَ مُحْرِمًا - فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ}. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَأَقَرَّهُ اسْتِثْنَاءُ التَّلْبِيَةِ الْمُقَارِنَةِ لِلْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ لَا يَجْهَرُ بِهَا. أَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَخْفِضُ صَوْتُهَا بِحَيْثُ تَقْتَصِرُ عَلَى سَمَاعِ نَفْسِهَا فَإِنْ رَفَعَتْ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ، وَيُسَنُّ لِلْمُلَبِّي فِي التَّلْبِيَةِ إدْخَالُ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ (وَخَاصَّةً) هُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مَخْتُومٌ بِالتَّاءِ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَهُوَ خُصُوصًا أَيْ يَتَأَكَّدُ، وَقَوْلُهُ (عِنْدَ تَغَايُرِ الْأَحْوَالِ) مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ قُصِدَ بِهِ إفَادَةُ ضَابِطٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا قَوْلُهُ (كَرُكُوبٍ وَنُزُولٍ وَصُعُودٍ وَهُبُوطٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا بِخَطِّهِ مَصْدَرٌ، وَيَجُوزُ فَتْحُهُ اسْمُ مَكَان يَصْعَدُ فِيهِ وَيَهْبِطُ (وَاخْتِلَاطِ رُفْقَةٍ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ كَمَا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ اسْمٌ لِجَمَاعَةٍ يُرْفَقُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَأَشَارَ بِالْكَافِ فِي كَرُكُوبٍ إلَى عَدَمِ الْحَصْرِ فِيمَا ذُكِرَ، فَتَتَأَكَّدُ فِي أُمُورٍ أُخَرَ كَإِقْبَالِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَفَرَاغٍ مِنْ صَلَاةٍ وَعِنْدَ نَوْمٍ أَوْ يَقَظَةٍ مِنْهُ، وَعِنْدَ سَمَاعِ رَعْدٍ أَوْ هَيَجَانِ رِيحٍ، قَائِمًا وَقَاعِدًا، وَمُضْطَجِعًا وَمُسْتَلْقِيًا، رَاكِبًا وَمَاشِيًا، وَيَتَأَكَّدُ الِاسْتِحْبَابُ فِي الْمَسَاجِدِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَرَامِ وَغَيْرِهِ وَوَقْتِ السَّحَرِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَغَيْرِهِمْ فِي أَصْلِ الِاسْتِحْبَابِ، وَتُكْرَهُ التَّلْبِيَةُ فِي مَوَاضِعِ النَّجَاسَاتِ كَغَيْرِهَا مِنْ الْأَذْكَارِ تَنْزِيهًا لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى.
المتن وَلَا تُسْتَحَبُّ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ، وَفِي الْقَدِيمِ تُسْتَحَبُّ فِيهِ بِلَا جَهْرٍ، وَلَفْظُهَا: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، وَإِذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ قَالَ: لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ، وَإِذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الْجَنَّةَ وَرِضْوَانَهُ وَاسْتَعَاذَ بِهِ مِنْ النَّارِ.
الشَّرْحُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ تَغَايُرِ الْأَحْوَالِ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (وَلَا تُسْتَحَبُّ) التَّلْبِيَةُ (فِي طَوَافِ الْقُدُومِ) لِأَنَّهُ جَاءَ فِيهِ أَدْعِيَةٌ وَأَذْكَارٌ خَاصَّةٌ فَصَارَ كَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالْوَدَاعِ، وَلَا تُسْتَحَبُّ فِي السَّعْيِ بَعْدَهُ أَيْضًا وَلَا فِي الطَّوَافِ الْمُتَطَوِّعِ بِهِ لِمَا ذُكِرَ (وَفِي الْقَدِيمِ تُسْتَحَبُّ فِيهِ) وَفِي السَّعْيِ بَعْدَهُ وَفِي الْمُتَطَوِّعِ بِهِ فِي أَثْنَاءِ الْإِحْرَامِ. لَكِنْ (بِلَا جَهْرٍ) فِي ذَلِكَ لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ. وَأَمَّا طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَالْوَدَاعِ فَلَا تُسْتَحَبُّ فِيهِمَا قَطْعًا (وَلَفْظُهَا: لَبَّيْكَ) وَمَعْنَاهَا أَنَا مُقِيمٌ فِي طَاعَتِكَ. مَأْخُوذٌ مِنْ لَبَّ بِالْمَكَانِ لَبًّا وَأَلَبَّ بِهِ إلْبَابًا إذَا أَقَامَ بِهِ، وَزَادَ الْأَزْهَرِيُّ إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ وَإِجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ، وَهُوَ مُثَنَّى مُضَافٌ أُرِيدَ بِهِ التَّكْثِيرُ سَقَطَتْ نُونُهُ لِلْإِضَافَةِ (اللَّهُمَّ) أَصْلُهُ يَا اللَّهُ حُذِفَ حَرْفُ النِّدَاءِ وَعُوِّضَ عَنْهُ الْمِيمُ (لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ) أَرَادَ بِنَفْيِ الشَّرِيكِ مُخَالَفَةَ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: لَا شَرِيكَ لَكَ إلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ (إنَّ الْحَمْدَ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا عَلَى التَّعْلِيلِ أَيْ لِأَنَّ الْحَمْدَ (وَالنِّعْمَةَ لَكَ) بِنَصَبِ النِّعْمَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَيَجُوزُ رَفْعُهَا عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَإِنْ شِئْت جَعَلْت خَبَرَ إنَّ مَحْذُوفًا - أَيْ إنَّ الْحَمْدَ لَكَ وَالنِّعْمَةَ مُسْتَقِرَّةٌ لَكَ (وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ) وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَيُسَنُّ أَنْ يَقِفَ وَقْفَةً لَطِيفَةً عِنْدَ قَوْلِهِ: وَالْمُلْكَ. ثُمَّ يَبْتَدِئَ بِلَا شَرِيكٍ لَهُ، وَأَنْ يُكَرِّرَ التَّلْبِيَةَ ثَلَاثًا إذَا لَبَّى، وَالْقَصْدُ بِلَبَّيْكَ الْإِجَابَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: قَامَ إبْرَاهِيمُ عَلَى مَقَامِهِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ، فَمَنْ حَجَّ الْيَوْمَ فَهُوَ مِمَّنْ أَجَابَ إبْرَاهِيمَ حِينَئِذٍ، وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَاتِ وَلَا يَنْقُصَ عَنْهَا، وَلَا تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَزِيدُ فِي تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْك وَالرَّغْبَاءُ إلَيْكَ وَالْعَمَلُ. زَادَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ بِيَدَيْكَ لَبَّيْكَ وَهُوَ مَا أَوْرَدَهُ الرَّافِعِيُّ (وَإِذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ) أَوْ يَكْرَهُهُ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ اكْتِفَاءً بِذِكْرِ مُقَابِلِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ} أَيْ وَالْبَرْدَ (قَالَ) نَدْبًا (لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ) أَيْ الْحَيَاةَ الْمَطْلُوبَةَ الدَّائِمَةَ الْهَنِيَّةَ (عَيْشُ) أَيْ حَيَاةُ الدَّارِ (الْآخِرَةِ) قَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ وَرَأَى جَمْعَ الْمُسْلِمِينَ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا. وَقَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَشَدِّ أَحْوَالِهِ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا. وَمَنْ لَا يُحْسِنُ التَّلْبِيَةَ بِالْعَرَبِيَّةِ يُلَبِّي بِلُغَتِهِ. وَهَلْ يَجُوزُ لِلْقَادِرِ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ أَنْ يُلَبِّيَ بِالْعَجَمِيَّةِ ؟ وَجْهَانِ بَنَاهُمَا الْمُتَوَلِّي عَلَى الْخِلَافِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ تَسْبِيحَاتِ الصَّلَاةِ وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الْجَوَازِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ هُنَا الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ مُفْسِدٌ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ بِخِلَافِ التَّلْبِيَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْبِنَاءِ الِاتِّحَادُ فِي التَّرْجِيحِ (وَإِذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ صَلَّى) وَسَلَّمَ (عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَقِبَ فَرَاغِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} أَيْ لَا أُذْكَرُ إلَّا وَتُذْكَرُ مَعِي لِطَلَبِي وَتَقُولُ ذَلِكَ بِصَوْتٍ أَخْفَضَ مِنْ صَوْتِ التَّلْبِيَةِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْهُ. قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: وَيُصَلِّي عَلَى آلِهِ (وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى) بَعْدَ ذَلِكَ (الْجَنَّةَ وَرِضْوَانَهُ وَاسْتَعَاذَ بِهِ مِنْ النَّارِ) كَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. لَكِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْجُمْهُورُ ضَعَّفُوهُ، وَيُسَنُّ أَنْ يَدْعُوَ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا أَحَبَّ دِينًا وَدُنْيَا. قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لَك وَلِرَسُولِك وَآمَنُوا بِكَ، وَوَثِقُوا بِوَعْدِك، وَوَفَوْا بِعَهْدِك، وَاتَّبَعُوا أَمْرَك، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ وَفْدِك الَّذِينَ رَضِيت وَارْتَضَيْت، اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي أَدَاءَ مَا نَوَيْت وَتَقَبَّلْ مِنِّي يَا كَرِيمُ. خَاتِمَةٌ: يُسَنُّ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فِي التَّلْبِيَةِ إلَّا بِرَدِّ سَلَامٍ فَإِنَّهُ مَنْدُوبٌ وَتَأْخِيرُهُ عَنْهَا أَحَبُّ، وَقَدْ يَجِبُ الْكَلَامُ فِي أَثْنَائِهَا لِعَارِضٍ كَأَنْ رَأَى أَعْمَى يَقَعُ بِبِئْرٍ، وَيُكْرَهُ التَّسْلِيمُ عَلَيْهِ فِي أَثْنَائِهَا لِأَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَقْطَعَهَا.
المتن الْأَفْضَلُ دُخُولُهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ، وَأَنْ يَغْتَسِلَ دَاخِلُهَا مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ بِذِي طَوًى وَيَدْخُلَهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ، وَيَقُولَ إذَا أَبْصَرَ الْبَيْتَ: اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَزِدْ مِنْ شَرَفِهِ وَعِظَمِهِ مِمَّنْ حَجَّهُ أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا، اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ ثُمَّ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ
الشَّرْحُ (بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ) زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ يُقَالُ: مَكَّةُ بِالْمِيمِ وَبَكَّةَ بِالْبَاءِ لُغَتَانِ، وَقِيلَ بِالْمِيمِ اسْمٌ لِلْحَرَمِ كُلِّهِ، وَبِالْبَاءِ اسْمٌ لِلْمَسْجِدِ وَقِيلَ بِالْمِيمِ الْبَلَدُ، وَبِالْبَاءِ الْبَيْتُ مَعَ الْمَطَافِ، وَقِيلَ بِدُونِهِ، وَلَهَا أَسْمَاءٌ كَثِيرَةٌ تَقْرُبُ مِنْ ثَلَاثِينَ اسْمًا ذَكَرَهَا الدَّمِيرِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَا نَعْلَمُ بَلَدًا أَكْثَرَ اسْمًا مِنْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لِكَوْنِهِمَا أَفْضَلَ الْأَرْضِ، وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ الصِّفَاتِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّسْمِيَةِ وَكَثْرَةِ الْأَسْمَاءِ تَدُلُّ عَلَى شَرَفِ الْمُسَمَّى. وَلِهَذَا كَثُرَتْ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قِيلَ: إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى أَلْفَ اسْمٍ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ. وَمَكَّةُ أَفْضَلُ الْأَرْضِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي تَفْضِيلِ الْمَدِينَةِ، وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الْأَرْضِ، وَالْخِلَافُ فِيمَا سِوَاهُ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ مَكَّةَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ {سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي سُوقِ مَكَّةَ يَقُولُ: وَاَللَّهِ إنَّك لَخَيْرُ الْأَرْضِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَيَّ وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْت مِنْك مَا خَرَجْت} رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ الْبَكْرِيُّ: وَهُوَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {اللَّهُمَّ إنَّك تَعْلَمُ أَنَّهُمْ أَخْرَجُونِي مِنْ أَحَبِّ الْبِلَادِ إلَيَّ فَأَسْكِنِّي أَحَبَّ الْبِلَادِ إلَيْك} فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي نَكَارَتِهِ وَضَعْفِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِحْبَابِ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْإِيضَاحِ: الْمُخْتَارُ اسْتِحْبَابُهُ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْوُقُوعُ فِي الْأُمُورِ الْمَحْذُورَةِ وَ (الْأَفْضَلُ) لِلْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ وَلَوْ قَارِنًا (دُخُولُهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ إذَا لَمْ يَخْشَ فَوْتَهُ لِلِاتِّبَاعِ، وَلِكَثْرَةِ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ السُّنَنِ الْآتِيَةِ (وَأَنْ يَغْتَسِلَ دَاخِلُهَا) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ يَغْتَسِلَ الْجَائِيُّ (مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ) وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ (بِذِي طُوًى) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَطَوًى بِالْقَصْرِ وَتَثْلِيثِ الطَّاءِ وَالْفَتْحُ أَجْوَدُ: وَادٍ بِمَكَّةَ بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ وَأَقْرَبُ إلَى السُّفْلَى، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى بِئْرٍ مَطْوِيَّةٍ بِالْحِجَارَةِ. يَعْنِي مَبْنِيَّةً بِهَا، وَالطَّيُّ الْبِنَاءُ، وَيَجُوزُ فِيهَا الصَّرْفُ وَعَدَمُهُ عَلَى إرَادَةِ الْمَكَانِ أَوْ الْبُقْعَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي الدَّاخِلِ بَيْنَ كَوْنِهِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ تَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِالْحَاجِّ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ مُقْتَضَى حَدِيثِ، الصَّحِيحَيْنِ اسْتِحْبَابُهُ لِمُحْرِمٍ وَحَلَالٍ وَالرَّاجِحُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ. أَمَّا الْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا أَعَادَهُ لِبَيَانِ مَحِلِّهِ وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْ ذِي طُوًى، وَأَمَّا الْجَائِيُّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ كَالْيَمَنِ فَيَغْتَسِلُ مِنْ نَحْوِ تِلْكَ الْمَسَافَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: وَلَوْ قِيلَ بِاسْتِحْبَابِهِ لِكُلِّ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ لَمْ يَبْعُدْ ا هـ. وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ، وَإِطْلَاقُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَغَيْرِهِ (وَ) أَنْ (يَدْخُلَهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمَدِّ وَالتَّنْوِينِ، وَهِيَ الثَّنِيَّةُ الْعُلْيَا، وَهِيَ مَوْضِعٌ بِأَعْلَى مَكَّةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقِهِ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَوَّبَهُ لِمَا قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ إنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَجَ إلَيْهِ قَصْدًا، وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ تَخْصِيصَهُ بِالْآتِي مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ لِلْمَشَقَّةِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْغُسْلِ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي كَدَاءٍ مِنْ الْحِكْمَةِ الْآتِيَةِ غَيْرُ حَاصِلَةٍ بِسُلُوكِ غَيْرِهَا، وَفِي الْغُسْلِ مِنْ قَصْدِ النَّظَافَةِ حَاصِلٌ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَأَنْ يَخْرُجَ مِنْ ثَنِيَّةِ كُدًى بِضَمِّ الْكَافِ وَالْقَصْرِ وَالتَّنْوِينِ وَهِيَ الثَّنِيَّةُ السُّفْلَى عِنْدَ جَبَلِ قُعَيْقِعَانَ؛ {لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْخُلُ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَيَخْرُجُ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى}، وَالثَّنِيَّةُ الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَخُصَّتْ الْعُلْيَا بِالدُّخُولِ لِقَصْدِ الدَّاخِلِ مَوْضِعًا عَالِي الْمِقْدَارِ، وَالْخَارِجُ عَكْسُهُ، وَلِأَنَّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حِينَ قَالَ: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ} إبْرَاهِيمَ كَانَ عَلَى الْعُلْيَا كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَضِيَّتُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ، وَيُسَنُّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ أَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي قَلْبِهِ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ الْخُشُوعِ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَيَتَذَكَّرُ جَلَالَةَ الْحَرَمِ وَمَزِيَّتَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ هَذَا حَرَمُكَ وَأَمْنُك، فَحَرِّمْنِي عَلَى النَّارِ. وَأَمِّنِّي مِنْ عَذَابِك يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَك، وَاجْعَلْنِي مِنْ أَوْلِيَائِك وَأَهْلِ طَاعَتِك، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ نَهَارًا وَمَاشِيًا إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَأَنْ يَكُونَ حَافِيًا إنْ لَمْ تَلْحَقْهُ مَشَقَّةٌ وَلَمْ يَخَفْ نَجَاسَةَ رِجْلَهُ، وَدُخُولُهُ أَوَّلُ النَّهَارِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ أَفْضَلُ اقْتِدَاءً بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يَكُونَ دُخُولُ الْمَرْأَةِ فِي نَحْوِ هَوْدَجٍ لَيْلًا أَفْضَلُ، وَأَنْ يَكُونَ دُخُولُهُ بِخُشُوعٍ مُتَضَرِّعًا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَكُونُ مِنْ دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ الْبَلَدُ بَلَدُكَ وَالْبَيْتُ بَيْتُك جِئْتُ أَطْلُبُ رَحْمَتَك وَأَؤُمُّ طَاعَتَك مُتَّبِعًا لِأَمْرِك رَاضِيًا بِقَدَرِك مُسْلِمًا لِأَمْرِك. أَسْأَلُك مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّ إلَيْك الْمُشْفِقِ مِنْ عَذَابِك أَنْ تَسْتَقْبِلَنِي بِعَفْوِك، وَأَنْ تَتَجَاوَزَ عَنِّي بِرَحْمَتِك، وَأَنْ تُدْخِلَنِي جَنَّتَك (وَ) أَنْ (يَقُولَ) دَاخِلُهَا (إذَا أَبْصَرَ الْبَيْتَ) أَيْ الْكَعْبَةَ وَالدَّاخِلُ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا يَرَى الْبَيْتَ مِنْ رَأْسِ الرَّدْمِ قَبْلَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ أَوْ وَصَلَ مَحِلَّ رُؤْيَتِهِ وَلَمْ يَرَهُ لِعَمًى أَوْ ظُلْمَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ رَافِعًا يَدَيْهِ (اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا) هُوَ التَّرَفُّعُ وَالْإِعْلَاءُ (وَتَعْظِيمًا) هُوَ التَّبْجِيلُ (وَتَكْرِيمًا) هُوَ التَّفْضِيلُ (وَمَهَابَةً) هِيَ التَّوْقِيرُ وَالْإِجْلَالُ (وَزِدْ مِنْ شَرَفِهِ وَعِظَمِهِ مِمَّنْ حَجَّهُ أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا) هُوَ الِاتِّسَاعُ فِي الْإِحْسَانِ وَالزِّيَادَةُ فِيهِ، وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَكَرِّمْهُ بَدَلَ وَعَظِّمْهُ (اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ) أَيْ ذُو السَّلَامَةِ مِنْ النَّقَائِصِ (وَمِنْكَ السَّلَامُ) أَيْ ابْتَدَأَ مِنْكَ، وَمَنْ أَكْرَمْتَهُ بِالسَّلَامِ فَقَدْ سَلِمَ (فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ) أَيْ سَلِّمْنَا بِتَحِيَّتِك مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ بِإِسْنَادٍ لَيْسَ بِقَوِيٍّ: وَيُسَنُّ أَنْ يَدْعُوَ بِمَا أَحَبَّ مِنْ الْمُهِمَّاتِ وَأَهَمُّهَا الْمَغْفِرَةُ (ثُمَّ يَدْخُلُ) عَقِبَ ذَلِكَ (الْمَسْجِدَ) الْحَرَامَ (مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ) أَحَدِ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِهِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّ بَابَ الْكَعْبَةِ وَالْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فِي جِهَةِ ذَلِكَ الْبَابِ، وَهِيَ أَشْرَفُ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ، وَشَيْبَةُ اسْمُ رَجُلٍ مِفْتَاحُ الْكَعْبَةِ فِي يَدِ وَلَدِهِ، وَهُوَ ابْنُ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الدُّخُولَ مِنْ هَذَا الْبَابِ إنَّمَا يُسَنُّ لِمَنْ أَتَى مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَيَدْخُلُهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ قَالَ الرَّافِعِيُّ أَطْبَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ الدُّخُولِ مِنْهُ لِكُلِّ قَادِمٍ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي طَرِيقِهِ أَمْ لَا بِخِلَافِ الدُّخُولِ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا، فَإِنْ فِيهِ الْخِلَافَ الْمَارَّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّوَرَانَ حَوْلَ الْمَسْجِدِ لَا يَشُقُّ بِخِلَافِهِ حَوْلَ الْبَلَدِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ إلَى الصَّفَا، وَهُوَ الْمُسَمَّى الْآنَ بِبَابِ الصَّفَا، وَمِنْ بَابِ بَنِي سَهْمٍ إذَا خَرَجَ إلَى بَلَدِهِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى الْيَوْمَ بِبَابِ الْعُمْرَةِ.
المتن وَيَبْتَدِئُ بِطَوَافِ الْقُدُومِ، وَيَخْتَصُّ طَوَافُ الْقُدُومِ بِحَاجٍّ دَخَلَ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ.
الشَّرْحُ (وَيَبْتَدِئُ) نَدْبًا أَوَّلَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ قَبْلَ تَغْيِيرِ ثِيَابِهِ وَاكْتِرَاءِ مَنْزِلِهِ وَنَحْوِهِمَا (بِطَوَافِ الْقُدُومِ) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الطَّوَافَ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ لَا الْمَسْجِدِ فَلِذَلِكَ يُبْدَأُ بِهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ خَافَ فَوْتَ مَكْتُوبَةٍ أَوْ سُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ أَوْ وَجَدَ جَمَاعَةً قَائِمَةً أَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً مَكْتُوبَةً، فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ ذَلِكَ عَلَى الطَّوَافِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَلَوْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ قَطَعَهُ وَصَلَّى؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ يَفُوتُ وَالطَّوَافُ لَا يَفُوتُ، وَلَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ قَطَعَهُ إنْ كَانَ نَفْلًا نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ مَنْ لَهُ عُذْرٌ يَبْدَأُ بِإِزَالَتِهِ، وَلَوْ قَدِمَتْ امْرَأَةٌ نَهَارًا وَهِيَ ذَاتُ جَمَالٍ أَوْ شَرَفٍ. وَهِيَ الَّتِي لَا تَبْرُزُ لِلرِّجَالِ سُنَّ لَهَا أَنْ تُؤَخِّرَهُ إلَى اللَّيْلِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضٌ بِمَا إذَا أَمِنَتْ الْحَيْضَ الَّذِي يَطُولُ زَمَنُهُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ حَسَنٌ، وَالْخُنْثَى كَالْأُنْثَى كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ مُنِعَ النَّاسُ مِنْ الطَّوَافِ صَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الطَّوَافَ عَلَيْهَا فِيمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ إتْيَانِ الْمَسْجِدِ الْبَيْتَ وَتَحِيَّتُهُ الطَّوَافُ، وَلِأَنَّهَا تَحْصُلُ بِرَكْعَتَيْهِ غَالِبًا، وَلَوْ أَخَّرَ طَوَافَ الْقُدُومِ فَفِي فَوَاتِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَفُوتُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَفُوتُ بِالْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا تَفُوتُ بِهِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ، نَعَمْ يَفُوتُ بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَا بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ (وَيَخْتَصُّ طَوَافُ الْقُدُومِ) فِي الْمُحْرِمِ (بِحَاجٍّ دَخَلَ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ) مُفْرِدًا كَانَ أَوْ قَارِنًا؛ لِأَنَّ الْحَاجَّ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَالْمُعْتَمِرَ قَدْ دَخَلَ وَقْتُ طَوَافِهِمَا الْمَفْرُوضِ، فَلَا يَصِحُّ قَبْلَ أَدَائِهِ أَنْ يَتَطَوَّعَا بِطَوَافٍ قِيَاسًا عَلَى أَصْلِ النُّسُكِ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَا نَحْنُ فِيهِ الصَّلَاةَ حَيْثُ أَمَرَ بِالتَّحِيَّةِ قَبْلَ الْفَرْضِ. أَمَّا الْحَلَالُ فَيُسَنُّ طَوَافُ الْقُدُومِ لَهُ وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ وَكَمَا يُسَمَّى طَوَافَ الْقُدُومِ يُسَمَّى طَوَافَ الْقَادِمِ وَطَوَافَ الْوُرُودِ وَالْوَارِدِ وَالتَّحِيَّةِ. فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ أَسْبَاطٍ: بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ وَزَمْزَمَ قُبُورُ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ نَبِيًّا، وَإِنَّ قَبْرَ هُودٍ وَصَالِحٍ وَشُعَيْبٍ وَإِسْمَاعِيلَ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: اُعْتُرِضَ عَلَى تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ مَقْلُوبٌ وَصَوَابُهُ وَيَخْتَصُّ حَاجٌّ دَخَلَ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِطَوَافِ الْقُدُومِ فَإِنَّ الْبَاءَ تَدْخُلُ عَلَى الْمَقْصُورِ ا هـ لَكِنَّ هَذَا أَكْثَرِيٌّ لَا كُلِّيٌّ فَالتَّعْبِيرُ بِالصَّوَابِ خَطَأٌ.
المتن وَمَنْ قَصَدَ مَكَّةَ لَا لِنُسُكٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ، إلَّا أَنْ يَتَكَرَّرَ دُخُولُهُ كَحَطَّابٍ وَصَيَّادٍ.
الشَّرْحُ (وَمَنْ قَصَدَ مَكَّةَ) أَوْ الْحَرَمَ (لَا لِنُسُكٍ اُسْتُحِبَّ) لَهُ (أَنْ يُحْرِمَ بِحَجٍّ) إنْ كَانَ فِي أَشْهُرِهِ وَيُمْكِنُهُ إدْرَاكَهُ (أَوْ عُمْرَةٍ) قِيَاسًا عَلَى التَّحِيَّةِ وَهَذَا مَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَعَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ (وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ) وَهُوَ مَنْصُوصُ الْأُمِّ وَجَعَلَهُ فِي الْبَيَانِ الْأَشْهَرَ، وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ، وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ حَدِيثُ الْمَوَاقِيتِ السَّابِقُ هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَلَوْ وَجَبَ بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ لَمَا عَلَّقَهُ عَلَى الْإِرَادَةِ (إلَّا أَنْ يَتَكَرَّرَ دُخُولُهُ كَحَطَّابٍ وَصَيَّادٍ) فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا جَزْمًا لِلْمَشَقَّةِ بِالتَّكْرِيرِ، وَعَلَى الْوُجُوبِ لَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَا قَضَاءَ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ.
تَنْبِيهٌ: مَا ذُكِرَ مِنْ الْحَصْرِ غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ يُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا مِنْ الْحِلِّ، وَأَنْ لَا يَدْخُلَ لِقِتَالٍ مُبَاحٍ وَلَا خَائِفًا مِنْ ظَالِمٍ أَوْ غَرِيمٍ يَحْبِسُهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ لَا يُمْكِنُهُ مَعَهُ الظُّهُورُ لِأَدَاءِ النُّسُكِ وَأَنْ يَكُونَ حُرًّا فَالرَّقِيقُ لَا إحْرَامَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَصَدَ الْحَرَمَ كَقَصْدِ مَكَّةَ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ كَمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَتُهُ خِلَافَهُ.
المتن لِلطَّوَافِ بِأَنْوَاعِهِ وَاجِبَاتٌ وَسُنَنٌ: أَمَّا الْوَاجِبَاتُ فَيُشْتَرَطُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ، فَلَوْ أَحْدَثَ فِيهِ تَوَضَّأَ وَبَنَى، وَفِي قَوْلٍ يَسْتَأْنِفُ، وَأَنْ يَجْعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَمُبْتَدِئًا بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مُحَاذِيًا لَهُ فِي مُرُورِهِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ فَلَوْ بَدَأَ بِغَيْرِ الْحَجَرِ لَمْ يُحْسَبْ، فَإِذَا انْتَهَى إلَيْهِ ابْتَدَأَ مِنْهُ، وَلَوْ مَشَى عَلَى الشَّاذَرْوَانِ أَوْ مَسَّ الْجِدَارَ فِي مُوَازَاتِهِ أَوْ دَخَلَ مِنْ إحْدَى فَتْحَتَيْ الْحِجْرِ وَخَرَجَ مِنْ الْأُخْرَى لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَسِّ وَجْهٌ، وَأَنْ يَطُوفَ سَبْعًا وَدَاخِلَ الْمَسْجِدِ.
الشَّرْحُ (فَصْلٌ) فِيمَا يُطْلَبُ فِي الطَّوَافِ مِنْ وَاجِبَاتٍ وَسُنَنٍ (لِلطَّوَافِ بِأَنْوَاعِهِ) مِنْ قُدُومٍ وَرُكْنٍ وَوَدَاعٍ وَمَا يَتَحَلَّلُ بِهِ فِي الْفَوَاتِ وَطَوَافِ نَذْرٍ وَتَطَوُّعٍ (وَاجِبَاتٌ) لَا بُدَّ مِنْهَا فِيهِ شُرُوطًا كَانَتْ أَوْ أَرْكَانًا فَلَا يَصِحُّ بِدُونِهَا وَلَوْ كَانَ نَفْلًا (وَسُنَنٌ) يَصِحُّ بِدُونِهَا (أَمَّا الْوَاجِبُ) فِي الطَّوَافِ فَثَمَانِيَةٌ: أَحَدُهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَيُشْتَرَطُ) لَهُ (سَتْرُ الْعَوْرَةِ) كَسَتْرِهَا فِي الصَّلَاةِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا طَافَ عَارِيًّا وَأَجْزَأَهُ كَمَا لَوْ صَلَّى كَذَلِكَ (وَ) ثَانِيهَا (طَهَارَةُ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ) فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ كَمَا نَطَقَ بِهِ الْخَبَرُ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ {لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ} قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى غَلَبَةُ النَّجَاسَةِ فِي الْمَطَافِ، وَقَدْ اخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا الْعَفْوَ عَنْهَا، قَالَ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَالْقَمْلِ وَالْبَقِّ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا مَرَّ، وَكَمَا فِي كَثْرَةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ، وَكَمَا فِي طِينِ الشَّارِعِ الْمُتَيَقَّنِ نَجَاسَتُهُ ا هـ. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: لَمْ أَرَ لِلْأَئِمَّةِ تَشْبِيهُ مَكَانِ الطَّوَافِ بِالطَّرِيقِ فِي حَقِّ الْمُنْتَقِلِ وَهُوَ تَشْبِيهٌ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَدْ عَدَّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ الْبِدَعِ غَسْلَ بَعْضِ النَّاسِ الْمَطَافَ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْقِيَاسُ مَنْعُ الْمُتَيَمِّمِ وَالْمُتَنَجِّسِ الْعَاجِزَيْنِ عَنْ الْمَاءِ مِنْ طَوَافِ الرُّكْنِ لِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ فَلَا فَائِدَةَ فِي فِعْلِهِ، وَإِنَّمَا فُعِلَتْ الصَّلَاةُ كَذَلِكَ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ، وَالطَّوَافُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ إذَا صَلَّى ثُمَّ قَدَرَ عَلَى التَّيَمُّمِ بَعْدَ الْوَقْتِ لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ فِي الْحَضَرِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ (فَلَوْ أَحْدَثَ فِيهِ) عَمْدًا ( تَوَضَّأَ) وَأَوْلَى مِنْهُ تَطَهَّرَ لِيَشْمَلَ الْغُسْلَ (وَبَنَى) مِنْ مَوْضِعِ الْحَدَثِ سَوَاءٌ أَكَانَ عِنْدَ الرُّكْنِ أَمْ لَا (وَفِي قَوْلٍ يَسْتَأْنِفُ) كَمَا فِي الصَّلَاةِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الطَّوَافَ يُحْتَمَلُ فِيهِ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِيهَا، فَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَخِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْعَمْدِ وَأَوْلَى بِالْبِنَاءِ إنْ قَصُرَ الْفَصْلُ، وَكَذَا إنْ طَالَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ أَوْ بَدَنُهُ أَوْ مَطَافُهُ بِمَا لَا يُعْفَى عَنْهُ أَوْ انْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْ عَوْرَتِهِ كَأَنْ بَدَا شَيْءٌ مِنْ شَعْرِ رَأْسِ الْحُرَّةِ أَوْ ظُفْرٍ مِنْ رِجْلِهَا لَمْ يَصِحَّ الْمَفْعُولُ بَعْدُ، فَإِنْ زَالَ الْمَانِعُ بَنَى عَلَى مَا مَضَى كَالْمُحْدِثِ، سَوَاءٌ أَطَالَ الْفَصْلُ أَمْ قَصُرَ كَمَا مَرَّ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْوِلَاءِ فِيهِ كَالْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ. لَكِنْ يُسَنُّ الِاسْتِئْنَافُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَلَوْ نَامَ فِي الطَّوَافِ عَلَى هَيْئَةٍ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ لَمْ يَنْقَطِعْ طَوَافُهُ (وَ) ثَالِثُهَا (أَنْ يَجْعَلَ) الطَّائِفُ، (الْبَيْتَ) فِي طَوَافِهِ (عَنْ يَسَارِهِ) مَارًّا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ إلَى جِهَةِ الْبَابِ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مَعَ خَبَرِ {خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ}. فَإِنْ جَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ وَمَشَى أَمَامَهُ أَوْ اسْتَقْبَلَهُ أَوْ اسْتَدْبَرَهُ وَطَافَ مُعْتَرِضًا أَوْ جَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ وَمَشَى الْقَهْقَرَى لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ لِمُنَابَذَتِهِ لِمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ، وَلَوْ طَافَ مُسْتَلْقِيًا عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ عَلَى وَجْهِهِ مَعَ مُرَاعَاةِ كَوْنِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ صَحَّ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ طَافَ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ إلَى أَسْفَلَ وَرِجْلَاهُ إلَى فَوْقُ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ زَادَ الْمُصَنِّفُ مَا زِدْته لَكَانَ أَوْلَى لِيُخْرِجَ هَذِهِ الصُّوَرَ الْمَذْكُورَةَ، وَقَدْ ذَكَرَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَنْقَسِمُ إلَى اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ قِسْمًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَأَكْثَرُ ذَلِكَ مِمَّا يَمُجُّهُ السَّمْعُ وَلَا يَقْبَلُ تَجْوِيزَهُ الذِّهْنُ وَكَانَ السُّكُوتُ عَنْهُ أَوْلَى، وَيُسْتَثْنَى، مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اسْتِقْبَالُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فِي ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ كَمَا سَيَأْتِي (وَ) رَابِعُهَا كَوْنُهُ (مُبْتَدِئًا) فِي ذَلِكَ (بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (مُحَاذِيًا) بِالْمُعْجَمَةِ (لَهُ) أَيْ الْحَجَرِ أَوْ بَعْضِهِ (فِي مُرُورِهِ) عَلَيْهِ ابْتِدَاءً (بِجَمِيعِ بَدَنِهِ) بِأَنْ لَا يَتَقَدَّمَ جُزْءٌ مِنْ بَدَنِهِ عَلَى جُزْءٍ مِنْ الْحَجَرِ، وَالْمُرَادُ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ جَمِيعُ الشِّقِّ الْأَيْسَرِ، وَاكْتَفَى بِمُحَاذَاةِ جُزْءٍ مِنْ الْحَجَرِ كَمَا اكْتَفَى بِمُحَاذَاةِ جَمِيعِ بَدَنِهِ بِجُزْءٍ مِنْ الْكَعْبَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَصِفَةُ الْمُحَاذَاةِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْبَيْتَ وَيَقِفَ عَلَى جَانِبِ الْحَجَرِ الَّذِي لِجِهَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ بِحَيْثُ يَصِيرُ جَمِيعُ الْحَجَرِ عَنْ يَمِينِهِ وَمَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ عِنْدَ طَرَفِهِ. ثُمَّ يَنْوِيَ الطَّوَافَ وَيَمُرَّ مُسْتَقْبِلًا إلَى جِهَةِ يَمِينِهِ حَتَّى يُجَاوِزَ الْحَجَرَ، فَإِذَا جَاوَزَهُ انْفَتَلَ وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَهَذَا خَاصٌّ بِالطَّوْفَةِ الْأُولَى فَلَيْسَ لَنَا حَالَةٌ يَجُوزُ اسْتِقْبَالُ الْبَيْتِ فِيهَا فِي الطَّوَافِ إلَّا هَذِهِ، فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ كَمَا مَرَّ وَهَذَا مَنْدُوبٌ، فَلَوْ جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ ابْتَدَأَ. مِنْ غَيْرِ اسْتِقْبَالٍ صَحَّ وَفَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُحَاذَاةَ الْوَاجِبَةَ تَتَعَلَّقُ بِالرُّكْنِ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ لَا بِالْحَجَرِ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ فُرِضَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ نُحِّيَ عَنْ مَكَانِهِ وَجَبَتْ مُحَاذَاةُ الرُّكْنِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَيُسَنُّ حِينَئِذٍ اسْتِلَامُ مَحَلِّهِ وَتَقْبِيلُهُ وَالسُّجُودُ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي (فَلَوْ بَدَأَ) فِي طَوَافِهِ (بِغَيْرِ الْحَجَرِ) كَأَنْ ابْتَدَأَ بِالْبَابِ (لَمْ يُحْسَبْ) مَا طَافَهُ (فَإِذَا انْتَهَى إلَيْهِ) أَيْ الْحَجَرِ (ابْتَدَأَ مِنْهُ) وَحُسِبَ لَهُ الطَّوَافُ مِنْ حِينَئِذٍ كَمَا لَوْ قَدَّمَ الْمُتَوَضِّئُ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ غَسْلَ عُضْوٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ يَجْعَلُ الْوَجْهَ أَوَّلَ وُضُوئِهِ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ النِّيَّةَ إذَا كَانَتْ وَاجِبَةً لَا بُدَّ مِنْ اسْتِحْضَارِهَا عِنْدَ مُحَاذَاةِ الْحَجَرِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا خُرُوجُ جَمِيعِ بَدَنِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَيْتِ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ مَشَى عَلَى الشَّاذَرْوَانِ) وَهُوَ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْخَارِجُ عَنْ عُرْضِ جِدَارِ الْبَيْتِ مُرْتَفِعًا عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ تَرَكَتْهُ قُرَيْشٌ لِضِيقِ النَّفَقَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ: وَالشَّاذَرْوَانُ ظَاهِرٌ فِي جَوَانِبِ الْبَيْتِ، لَكِنْ لَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ: أَيْ وَكَأَنَّهُمْ تَرَكُوا رَفْعَهُ لِتَهْوِينِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ أُحْدِثَ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ عِنْدَهُ شَاذَرْوَانُ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَفَطَّنَ لِدَقِيقَةٍ، وَهِيَ أَنَّ مَنْ قَبَّلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فَرَأْسُهُ فِي حَالِ التَّقْبِيلِ فِي جُزْءٍ مِنْ الْبَيْتِ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُقِرَّ قَدَمَيْهِ فِي مَحَلِّهِمَا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ التَّقْبِيلِ وَيَعْتَدِلَ قَائِمًا (أَوْ) أَدْخَلَ جُزْءًا مِنْ بَدَنِهِ فِي جُزْءٍ مِنْ الْبَيْتِ كَأَنْ (مَسَّ الْجِدَارَ) الْكَائِنَ (فِي مُوَازَاتِهِ) أَيْ الشَّاذَرْوَانِ، أَوْ أَدْخَلَ جُزْءًا مِنْهُ فِي هَوَاءِ الشَّاذَرْوَانِ، أَوْ هَوَاءِ غَيْرِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْبَيْتِ (أَوْ دَخَلَ مِنْ إحْدَى فَتْحَتَيْ الْحِجْرِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ الْمَحُوطِ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ بِجِدَارٍ قَصِيرٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلِّ الرُّكْنَيْنِ فَتْحَةٌ (وَخَرَجَ مِنْ) الْفَتْحَةِ (الْأُخْرَى) أَوْ خَلَّفَ مِنْهُ قَدْرَ الَّذِي مِنْ الْبَيْتِ وَهُوَ سِتَّةُ أَذْرُعٍ وَاقْتَحَمَ الْجِدَارَ وَخَرَجَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ (لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ) فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ. أَمَّا فِي غَيْرِ الْحِجْرِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} وَإِنَّمَا يَكُونُ طَائِفًا بِهِ إذَا كَانَ خَارِجًا عَنْهُ وَإِلَّا فَهُوَ طَائِفٌ فِيهِ. وَأَمَّا الْحِجْرُ فَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا طَافَ خَارِجَهُ. وَقَالَ {خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ} وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا {سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْجَدْرِ أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ ؟ قَالَ نَعَمْ، قُلْت: فَمَا بَالُهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ ؟ قَالَ: إنَّ قَوْمَك قَصَّرَتْ بِهِمْ النَّفَقَةُ. قُلْت: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا ؟ قَالَ: فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمُك لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مِنْ شَاءُوا، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَك حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجِدَارَ فِي الْبَيْتِ وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ بِالْأَرْضِ لَفَعَلْت} وَظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّ الْحِجْرَ جَمِيعَهُ مِنْ الْبَيْتِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ وَظَاهِرُ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الَّذِي هُوَ مِنْ الْبَيْتِ قَدْرُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ تَتَّصِلُ بِالْبَيْتِ، وَقِيلَ: سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ، وَلَفْظُ الْمُخْتَصَرِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا، وَمَعَ ذَلِكَ يَجِبُ الطَّوَافُ خَارِجَهُ لِمَا مَرَّ لِأَنَّ الْحَجَّ بَابُ اتِّبَاعٍ، وَعُلِمَ مِنْ مَنْعِ مُرُورِ بَعْضِ الْبَدَنِ عَلَى الشَّاذَرْوَانِ أَنَّ مُرُورَ بَعْضِ ثِيَابِهِ لَا يَضُرُّ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَسِّ وَجْهٌ) بِصِحَّةِ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ بَدَنِهِ خَارِجٌ فَيُصَدَّقُ أَنَّهُ طَائِفٌ بِالْبَيْتِ وَذَهَبَ إلَيْهِ الْفُورَانِيُّ (وَ) خَامِسُهَا (أَنْ يَطُوفَ) بِالْبَيْتِ (سَبْعًا) مِنْ الطَّوَفَاتِ وَلَوْ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا لِلِاتِّبَاعِ، فَلَوْ تَرَكَ مِنْ السَّبْعِ شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ لَمْ يُجْزِهِ، فَلَوْ شَكَّ فِي الْعَدَدِ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ كَعَدَدِ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ، فَلَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ طَافَ سَبْعًا فَأَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِأَنَّهُ سِتًّا اُسْتُحِبَّ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ. قَالَهُ فِي الْأَنْوَارِ وَجَزَمَ بِهِ السُّبْكِيُّ بِخِلَافِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ زِيَادَةَ الرَّكَعَاتِ مُبْطِلَةٌ بِخِلَافِ الطَّوَافِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُحَاذِيَ شَيْئًا مِنْ الْحِجْرِ بَعْدَ الطَّوْفَةِ السَّابِعَةِ مِمَّا حَاذَاهُ أَوَّلًا (وَ) سَادِسُهَا كَوْنُهُ (دَاخِلَ الْمَسْجِدِ) لِلِاتِّبَاعِ أَيْضًا فَلَا يَصِحُّ حَوْلَهُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَيَصِحُّ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ وَإِنْ وَسِعَ وَحَالَ حَائِلٌ بَيْنَ الطَّائِفِ وَالْبَيْتِ كَالسِّقَايَةِ وَالسَّوَارِي. نَعَمْ لَوْ زِيدَ فِيهِ حَتَّى بَلَغَ الْحِلَّ فَطَافَ فِيهِ فِي الْحِلِّ لَمْ يَصِحَّ كَمَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَيَصِحُّ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ أَعْلَى مِنْ الْبَيْتِ كَالصَّلَاةِ عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ مَعَ ارْتِفَاعِهِ عَنْ الْبَيْتِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ فَرَّقَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الصَّلَاةِ جِهَةُ بِنَائِهَا فَإِذَا عَلَا كَانَ مُسْتَقْبِلًا، وَالْمَقْصُودُ فِي الطَّوَافِ نَفْسُ بِنَائِهَا، فَإِذَا عَلَا لَمْ يَكُنْ طَائِفًا بِهِ. وَسَابِعُهَا: نِيَّةُ الطَّوَافِ إنْ اسْتَقَلَّ بِأَنْ لَمْ يَشْمَلْهُ نُسُكٌ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ كَالطَّوَافِ الْمَنْذُورِ وَالْمُتَطَوَّعِ بِهِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَطَوَافُ الْوَدَاعِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ لِأَنَّهُ يَقَعُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَنَاسِكِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي خِلَافُ الَّذِي شَمِلَهُ نُسُكٌ وَهُوَ طَوَافُ الرُّكْنِ لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَطَوَافُ الْقُدُومِ فَلَا يُحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى نِيَّةٍ لِشُمُولِ نِيَّةِ النُّسُكِ لَهُ. وَثَامِنُهَا: عَدَمُ صَرْفِهِ لِغَيْرِهِ كَطَلَبِ غَرِيمٍ كَمَا فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ صَرَفَهُ انْقَطَعَ لَا إنْ نَامَ فِيهِ عَلَى هَيْئَةٍ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ. .
المتن وَأَمَّا السُّنَنُ فَأَنْ يَطُوفَ مَاشِيًا
الشَّرْحُ (وَأَمَّا السُّنَنُ) الْمَطْلُوبَةُ لِلطَّائِفِ فَثَمَانِيَةٌ: أَحَدُهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَأَنْ يَطُوفَ مَاشِيًا) وَلَوْ امْرَأَةً لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ لَا مَحْمُولًا عَلَى آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لِمُنَافَاةِ الْخُشُوعِ، وَلِأَنَّ الْبَهِيمَةَ قَدْ تُؤْذِي النَّاسَ وَتُلَوِّثُ الْمَسْجِدَ. نَعَمْ إنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ {أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَدِمَتْ مَرِيضَةً فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: طُوفِي وَرَاءَ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ} وَفِيهِمَا {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ رَاكِبًا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِيَظْهَرَ فَيُسْتَفْتَى} فَلِمَنْ اُحْتِيجَ إلَى ظُهُورِهِ لِلْفَتْوَى أَنْ يَتَأَسَّى بِهِ، فَلَوْ رَكِبَ بَهِيمَةً بِلَا عُذْرٍ لَمْ يُكْرَهُ وَكَانَ خِلَافَ الْأَوْلَى كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ، هَذَا عِنْدَ أَمْنِ التَّلْوِيثِ، وَإِلَّا حَرُمَ إدْخَالُهَا الْمَسْجِدَ، وَقَوْلُ الْإِمَامِ: وَفِي الْقَلْبِ مِنْ إدْخَالِ الْبَهِيمَةِ شَيْءٌ: أَيْ الَّتِي لَا يُؤْمَنُ تَلْوِيثُهَا الْمَسْجِدَ، فَإِنْ أَمْكَنَ الِاسْتِيثَاقُ فَذَاكَ أَيْ خِلَافُ الْأُولَى وَإِلَّا فَإِدْخَالُهَا مَكْرُوهٌ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ لِمَا سَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّ إدْخَالَ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَا يُؤْمَنُ تَلْوِيثُهَا الْمَسْجِدَ حَرَامٌ، وَمَا فَرَّقَ بِهِ مِنْ أَنَّ إدْخَالَ الْبَهِيمَةِ إنَّمَا هُوَ لِحَاجَةِ إقَامَةِ السُّنَّةِ كَمَا فَعَلَهُ إطْلَاقُهُ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُخَفْ تَلْوِيثُهَا، وَلَا يُقَاسُ ذَلِكَ عَلَى إدْخَالِ الصِّبْيَانِ الْمُحْرِمِينَ الْمَسْجِدَ، لِأَنَّ ذَلِكَ ضَرُورِيٌّ، وَأَيْضًا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ عِنْدَ الْخَوْفِ بِالتَّحَفُّظِ وَنَحْوِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْبَهِيمَةُ، وَنَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ الْكَرَاهَةَ عِنْدَ أَمْنِ التَّلْوِيثِ عَنْ جَزْمِ الرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ فِي مَجْمُوعِهِ فِي الْفَصْلِ الْمَعْقُودِ لِأَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ. وَقَالَ: إنَّ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَلِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَمَا رُدَّ بِهِ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ مِنْ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ بِأَنَّ مَنْ حَفِظَ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ مَمْنُوعٌ، إذْ الْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي، وَالْإِسْنَوِيُّ مُثْبِتُ الْكَرَاهَةِ، وَغَيْرُهُ نَافٍ لَهَا. وَقَالَ الْأُشْمُونِيُّ فِي بَسْطِ الْأَنْوَارِ: قُلْت نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى كَرَاهَةِ الرُّكُوبِ بِلَا عُذْرٍ وَجَزَمَ بِهَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. وَقَالَ مِنْ " زِيَادَتِهِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: إدْخَالُ الصِّبْيَانِ فِي الْمَسْجِدِ حَرَامٌ إنْ غَلَبَ تَنْجِيسُهُمْ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ فَمَكْرُوهٌ. قَالَ أَعْنِي الْأُشْمُونِيَّ: وَأَقَلُّ مَرَاتِبِ الْبَهَائِمِ أَنْ تَكُونَ كَالصِّبْيَانِ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ بِلَا شَكٍّ، وَمَعَ ذَلِكَ فَتَرْكُ الْكَرَاهَةِ هُنَا كَمَا مَرَّ أَوْلَى لِلْحَاجَةِ لِإِقَامَةِ السُّنَّةِ، بِخِلَافِ إدْخَالِهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَيُكْرَهُ عِنْدَ الْأَمْنِ كَمَا مَرَّ أَيْضًا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَحُكْمُ طَوَافِ الْمَحْمُولِ عَلَى أَكْتَافِ الرِّجَالِ كَالرَّاكِبِ فِيمَا ذُكِرَ، وَإِذَا كَانَ مَعْذُورًا فَطَوَافُهُ مَحْمُولًا أَوْلَى مِنْهُ رَاكِبًا صِيَانَةً لِلْمَسْجِدِ مِنْ الدَّابَّةِ، وَرُكُوبُ الْإِبِلِ أَيْسَرُ حَالًا مِنْ رُكُوبِ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ. ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَفِيهِ: وَلَوْ طَافَ زَحْفًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْمَشْيِ صَحَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ حَافِيًا فِي طَوَافِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ أَيْ عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ. قَالَ فِي الْإِمْلَاءِ: وَأُحِبُّ لَوْ كَانَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَافِيًا أَنْ يُقَصِّرَ فِي الْمَشْيِ لِتَكْثُرَ خُطَاهُ رَجَاءَ كَثْرَةِ الْأَجْرِ لَهُ.
المتن وَيَسْتَلِمَ الْحَجَرَ أَوَّلَ طَوَافِهِ وَيُقَبِّلَهُ، وَيَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَجَزَ اسْتَلَمَ، فَإِنْ عَجَزَ أَشَارَ بِيَدِهِ، وَيُرَاعَى ذَلِكَ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ، وَلَا يُقَبِّلُ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ وَلَا يَسْتَلِمُهُمَا، وَيَسْتَلِمُ الْيَمَانِيَّ وَلَا يُقَبِّلُهُ.
الشَّرْحُ (وَ) ثَانِيهَا أَنْ (يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ) الْأَسْوَدَ بَعْدَ اسْتِقْبَالِهِ: أَيْ يَلْمَسَهُ بِيَدِهِ (أَوَّلَ طَوَافِهِ) وَيُسَنُّ أَنْ تَكُونَ يَدُهُ الْيُمْنَى (وَيُقَبِّلَهُ) لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الِاسْتِلَامِ بِالْيَدِ اسْتَلَمَ بِخَشَبَةٍ وَنَحْوِهَا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْيَدِ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَسْتَلِمُهُ بِهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُسَنُّ أَنْ يُخَفِّفَ الْقُبْلَةَ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ لَهَا صَوْتٌ، وَلَا يُسَنُّ لِلْمَرْأَةِ اسْتِلَامٌ وَلَا تَقْبِيلٌ، وَلَا قُرْبٌ مِنْ الْبَيْتِ إلَّا عِنْدَ خُلُوِّ الْمَطَافِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَإِنْ خَصَّهُ فِي الْكِفَايَةِ بِاللَّيْلِ، وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ (وَيَضَعُ) بَعْدَ ذَلِكَ (جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ) لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ التَّقْبِيلُ وَالسُّجُودُ ثَلَاثًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَهَذَا الْحُكْمُ إنَّمَا هُوَ لِلرُّكْنِ حَتَّى لَوْ نُحِّيَ الْحَجَرُ أَوْ وُضِعَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْكَعْبَةِ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الَّذِي كَانَ فِيهِ وَقَبَّلَهُ وَسَجَدَ عَلَيْهِ. حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الدَّارِمِيِّ وَسَكَتَ عَلَيْهِ (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ تَقْبِيلِهِ وَوَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ لِزَحْمَةٍ مَثَلًا (اسْتَلَمَ) بِيَدِهِ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا عُمَرُ إنَّك رَجُلٌ قَوِيٌّ لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ فَتُؤْذِيَ الضَّعِيفَ إنْ وَجَدْت خَلْوَةً وَإِلَّا فَهَلِّلْ وَكَبِّرْ}. وَقَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ: وَلَوْ كَانَ الزِّحَامُ كَثِيرًا مَضَى وَكَبَّرَ وَلَمْ يَسْتَلِمْ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: كَذَا أَطْلَقُوهُ. وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: إلَّا فِي أَوَّلِ الطَّوَافِ وَآخِرِهِ، فَأُحِبُّ لَهُ الِاسْتِلَامَ وَلَوْ مَعَ الزِّحَامِ، وَهَذَا مَا تَوَقَّى التَّأَذِّي وَالْإِيذَاءَ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْإِسْنَوِيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِلَامِهِ بِيَدِهِ اسْتَلَمَهُ بِنَحْوِ عَصًا، ثُمَّ يُقَبِّلُ مَا اسْتَلَمَهُ بِهِ مِنْ يَدٍ أَوْ نَحْوِ الْعَصَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ {إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ}. وَلِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ نَافِعٍ قَالَ {رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ ثُمَّ يُقَبِّلُ يَدَهُ وَيَقُولُ: مَا تَرَكْته مُنْذُ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ} مَعَ أَنَّ ظَاهِرَهُ مَعَ أَخْبَارٍ أُخَرَ أَنَّهُ يُقَبِّلُ يَدَهُ بَعْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ بِهَا مَعَ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي مَنْسَكِهِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ، لَكِنْ خَصَّهُ الشَّيْخَانِ، وَمُخْتَصَرُ كَلَامِهِمَا يَتَعَذَّرُ تَقْبِيلُهُ كَمَا تَقَرَّرَ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ اسْتِلَامِهِ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا (أَشَارَ) إلَيْهِ (بِيَدِهِ) أَوْ بِشَيْءٍ فِيهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ {طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ} وَلَا يُنْدَبُ أَنْ يُشِيرَ إلَى الْقِبْلَةِ بِالْفَمِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ بِيَدِهِ وَإِنْ كَانَ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يُشِيرُ بِمَا فِيهَا مَعَ أَنَّهُ يُشِيرُ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِلَامَ وَالْإِشَارَةَ إنَّمَا يَكُونَانِ بِالْيَدِ الْيُمْنَى، فَإِنْ عَجَزَ فَبِالْيُسْرَى. قَالَ شَيْخُنَا: عَلَى الْأَقْرَبِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ (وَيُرَاعَى ذَلِكَ) أَيْ الِاسْتِلَامُ وَمَا بَعْدَهُ (فِي كُلِّ طَوْفَةٍ) مِنْ الطَّوَفَاتِ السَّبْعِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَالْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ } وَهُوَ فِي الْأَوْتَارِ آكَدُ لِحَدِيثِ {إنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ} وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَلِمًا فِي افْتِتَاحِهِ وَاخْتِتَامِهِ وَهُوَ أَكْثَرُ عَدَدًا (وَلَا يُقَبِّلُ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ) وَهُمَا اللَّذَانِ عِنْدَهُمَا الْحِجْرُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ (وَلَا يَسْتَلِمُهُمَا) بِيَدِهِ وَلَا بِشَيْءٍ فِيهَا: أَيْ لَا يُسَنُّ ذَلِكَ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَسْتَلِمُ إلَّا الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ} (وَيَسْتَلِمُ) الرُّكْنَ (الْيَمَانِيَّ) نَدْبًا فِي كُلِّ طَوْفَةٍ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (وَلَا يُقَبِّلُهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، وَلَكِنْ يُقَبِّلُ بَعْدَ اسْتِلَامِهِ مَا اسْتَلَمَهُ بِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِلَامِهِ أَشَارَ إلَيْهِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي الصَّيْفِ الْيَمَنِيِّ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْهُ لِتَرَتُّبِهَا عَلَيْهِ عِنْدَ الْعَجْزِ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَكَذَا هُنَا، وَمُقْتَضَى الْقِيَاسُ أَنَّهُ يُقَبِّلُ مَا أَشَارَ بِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي. وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ تَقْبِيلِ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ إنَّمَا هُوَ نَفْيُ كَوْنِهِ سُنَّةً، فَلَوْ قَبَّلَهُنَّ أَوْ غَيْرَهُنَّ مِنْ الْبَيْتِ لَمْ يَكُنْ مَكْرُوهًا وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى، بَلْ يَكُونُ حَسَنًا، كَمَا نَقَلَهُ فِي الِاسْتِقْصَاءِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ. قَالَ: وَأَيَّ الْبَيْتِ قَبَّلَ فَحَسَنٌ غَيْرَ أَنَّا نُؤْمَرُ بِالِاتِّبَاعِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَتَفَطَّنْ لَهُ فَإِنَّهُ أَمْرٌ مُهِمٌّ. فَائِدَةٌ: السَّبَبُ فِي اخْتِلَافِ الْأَرْكَانِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ أَنَّ الرُّكْنَ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ فِيهِ فَضِيلَتَانِ: كَوْنُ الْحَجَرِ فِيهِ، وَكَوْنُهُ عَلَى قَوَاعِدِ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْيَمَانِيُّ فِيهِ فَضِيلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ كَوْنُهُ عَلَى قَوَاعِدِ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ. وَأَمَّا الشَّامِيَّانِ فَلَيْسَ لَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الْفَضِيلَتَيْنِ.
المتن وَأَنْ يَقُولَ أَوَّلَ طَوَافِهِ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ إيمَانًا بِكَ وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلْيَقُلْ قُبَالَةَ الْبَابِ: اللَّهُمَّ إنَّ الْبَيْتَ بَيْتُك، وَالْحَرَمُ حَرَمُك، وَالْأَمْنُ أَمْنُك، وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ النَّارِ، وَبَيْنَ الْيَمَانِيَّيْنِ: اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَلْيَدْعُ بِمَا شَاءَ، وَمَأْثُورُ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِ مَأْثُورِهِ.
الشَّرْحُ (وَ) ثَالِثُهُمَا: الدُّعَاءُ الْمَأْثُورُ، فَيُسَنُّ (أَنْ يَقُولَ أَوَّلَ طَوَافِهِ) وَكَذَا فِي كُلِّ طَوْفَةٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، لَكِنَّ الْأَوْلَى آكَدُ (بِسْمِ اللَّهِ) أَطُوفُ (وَاَللَّهُ أَكْبَرُ) وَاسْتَحَبَّ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ (اللَّهُمَّ) أَطُوفُ (إيمَانًا بِكَ، وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك، وَوَفَاءً) أَيْ تَمَامًا (بِعَهْدِك) وَهُوَ الْمِيثَاقُ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ، وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ (وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَإِيمَانًا وَمَا بَعْدَهُ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ، وَالتَّقْدِيرُ أَفْعَلُهُ إيمَانًا بِكَ إلَخْ. فَائِدَةٌ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ اسْتَخْرَجَ ذُرِّيَّتَهُ مِنْ صُلْبِهِ، وَقَالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} ، فَأَمَرَ أَنْ يُكْتَبَ بِذَلِكَ عَهْدٌ وَيُدْرَجَ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ (وَلْيَقُلْ) نَدْبًا (قُبَالَةَ الْبَابِ) بِضَمِّ الْقَافِ أَيْ فِي الْجِهَةِ الَّتِي تُقَابِلُهُ (اللَّهُمَّ إنَّ الْبَيْتَ بَيْتُك، وَالْحَرَمُ حَرَمُك، وَالْأَمْنُ أَمْنُك، وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ النَّارِ) هَذَا الدُّعَاءُ مِنْ زَوَائِدِ الْمِنْهَاجِ، وَأَصْلُهُ عَلَى الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَقَدْ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ، وَقَالَ: يُشِيرُ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَشَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: يَعْنِي بِالْعَائِذِ نَفْسَهُ: أَيْ هَذَا الْمُلْتَجِئُ الْمُسْتَعِيذُ بِكَ مِنْ النَّارِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُشِيرُ بِهِ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ، وَأَنَّ الْعَائِذَ هُوَ إبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَطٌ فَاحِشٌ وَقَعَ لِبَعْضِ عَوَامِّ مَكَّةَ، وَعِنْدَ الِانْتِهَاءِ إلَى الرُّكْنِ الْعِرَاقِيِّ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّكِّ وَالشِّرْكِ، وَالنِّفَاقِ وَالشِّقَاقِ، وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ، وَعِنْدَ الِانْتِهَاءِ إلَى تَحْتِ الْمِيزَابِ: اللَّهُمَّ أَظِلَّنِي فِي ظِلِّك يَوْمَ لَا ظِلِّ إلَّا ظِلُّك وَاسْقِنِي بِكَأْسِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرَابًا هَنِيئًا لَا أَظْمَأُ بَعْدَهُ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَبَيْنَ الرُّكْنِ الشَّامِيِّ وَالْيَمَانِيِّ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا، وَعَمَلًا مَقْبُولًا، وَتِجَارَةً لَنْ تَبُورَ يَا عَزِيزُ يَا غَفُورُ - أَيْ وَاجْعَلْ ذَنْبِي ذَنْبًا مَغْفُورًا وَقِسْ بِهِ الْبَاقِيَ، وَالْمُنَاسِبُ لِلْمُعْتَمِرِ أَنْ يَقُولَ: عُمْرَةٌ مَبْرُورَةٌ وَيُحْتَمَلُ اسْتِحْبَابُ التَّعْبِيرِ بِالْحَجِّ مُرَاعَاةً لِلْخَبَرِ، وَيَقْصِدُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الْقَصْدُ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ فِي الدُّعَاءِ الْآتِي فِي الرَّمَلِ، وَمَحَلُّ الدُّعَاءِ بِهَذَا إذَا كَانَ فِي ضِمْنِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَإِلَّا فَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ (وَبَيْنَ الْيَمَانِيَّيْنِ: اللَّهُمَّ) وَفِي الْمَجْمُوعِ - رَبَّنَا (آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً) قِيلَ هِيَ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَقِيلَ الْعِلْمُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) قِيلَ هِيَ الْجَنَّةُ، وَقِيلَ الْعَفْوُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: وَهَذَا أَحَبُّ مَا يُقَالُ فِي الطَّوَافِ إلَيَّ وَأُحِبُّ أَنْ يُقَالَ فِي كُلِّهِ - أَيْ الطَّوَافِ - (وَلْيَدْعُ بِمَا شَاءَ) فِي جَمِيعِ طَوَافِهِ فَهُوَ سُنَّةٌ مَأْثُورًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَأْثُورُ أَفْضَلَ كَمَا قَالَ (وَمَأْثُورُ الدُّعَاءِ) بِالْمُثَلَّثَةِ: أَيْ الْمَنْقُولِ مِنْ الدُّعَاءِ فِي الطَّوَافِ (أَفْضَلُ) مِنْ غَيْرِهِ، وَ (مِنْ الْقِرَاءَةِ) فِيهِ لِلِاتِّبَاعِ (وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِ مَأْثُورِهِ) لِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ ذِكْرٍ، وَالْقُرْآنُ أَفْضَلُ الذِّكْرِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ النَّصِّ، وَفِي الْحَدِيثِ: يَقُولُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْته أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ، وَفَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَيُسَنُّ الْإِسْرَارُ بِالذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُ أَجْمَعُ لِلْخُشُوعِ، وَيُرَاعَى ذَلِكَ أَيْضًا فِي كُلِّ طَوْفَةٍ اغْتِنَامًا لِلثَّوَابِ، وَهُوَ فِي الْأُولَى، ثُمَّ فِي الْأَوْتَارِ آكَدُ.
المتن وَأَنْ يَرْمُلَ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى: بِأَنْ يُسْرِعَ مَشْيَهُ مُقَارِبًا خُطَاهُ وَيَمْشِي فِي الْبَاقِي، وَيَخْتَصُّ الرَّمَلُ بِطَوَافٍ يَعْقُبُهُ سَعْيٌ وَفِي قَوْلٍ بِطَوَافِ الْقُدُومِ، وَلْيَقُلْ فِيهِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا.
الشَّرْحُ (وَ) رَابِعُهَا (أَنْ يَرْمُلَ) الذَّكَرُ الْمَاشِي وَلَوْ صَبِيًّا (فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى) كُلِّهَا مُسْتَوْعِبًا بِهِ الْبَيْتَ لَا كَمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُهُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالرَّمَلِ فِي بَعْضِهَا، وَالْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الطَّوَافِ بِالْأَشْوَاطِ، وَقِيسَ بِهِ الرَّمَلُ (بِأَنْ يُسْرِعَ) الطَّائِفُ (مَشْيَهُ مُقَارِبًا خُطَاهُ) لَا عَدْوَ فِيهِ وَلَا وَثْبَ (وَيَمْشِي فِي الْبَاقِي) مِنْ طَوَافِهِ عَلَى هِينَتِهِ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ خَبَّ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا}. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ: {رَمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ وَمَشَى أَرْبَعًا} فَإِنْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا حَرَّكَ الدَّابَّةَ وَرَمَلَ بِهِ الْحَامِلُ. وَيُكْرَهُ تَرْكُ الرَّمَلِ بِلَا عُذْرٍ، وَلَوْ تَرَكَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَقْضِهِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ؛ لِأَنَّ هَيْئَتَهَا السُّكُونُ فَلَا يُغَيَّرُ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْجَهْرَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فَلَا يَقْضِي بَعْدَهُمَا لِتَفْوِيتِ سُنَّةِ الْإِسْرَارِ.
تَنْبِيهٌ: كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى هِينَتِهِ كَمَا زِدْته تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ، فَإِنَّ الْإِسْرَاعَ فِي الْمَشْيِ لَيْسَ قَسِيمَةَ الْمَشْي بَلْ التَّأَنِّي فِيهِ. وَالْحِكْمَةُ فِي اسْتِحْبَابِ الرَّمَلِ مَعَ زَوَالِ الْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَ السَّعْيُ لِأَجْلِهِ، وَهُوَ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ غَدًا قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمْ الْحُمَّى، فَلَقُوا مِنْهَا شِدَّةً فَجَلَسُوا مِمَّا يَلِي الْحَجَرَ، فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ، وَأَنْ يَمْشُوا أَرْبَعًا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى قَدْ وَهَنَتْهُمْ، هَؤُلَاءِ أَجْلَدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا}؛ لِأَنَّ فَاعِلَهُ يَسْتَحْضِرُ بِهِ سَبَبَ ذَلِكَ، وَهُوَ ظُهُورُ أَمْرِهِمْ، فَيَتَذَكَّرُ نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى إعْزَازِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ. وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ، وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْإِسْرَاعِ فِيهِ وَلْيَدْعُ بِمَا شَاءَ (وَيَخْتَصُّ الرَّمَلُ) وَيُسَمَّى خَبَبًا (بِطَوَافٍ يَعْقُبُهُ سَعْيٌ) مَشْرُوعٌ بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ طَوَافِ قُدُومٍ أَوْ رُكْنٍ (وَفِي قَوْلٍ) يَخْتَصُّ (بِطَوَافِ الْقُدُومِ) لِأَنَّ {مَا رَمَلَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لِلْقُدُومِ وَسَعَى عَقِبَهُ}، فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَا يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ، وَكَذَا مَنْ سَعَى عَقِبَ طَوَافِهِ لِلْقُدُومِ لَا يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ إنْ لَمْ يُرِدْ السَّعْيَ عَقِبَهُ، وَكَذَا إنْ أَرَادَهُ فِي الْأَظْهَرِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَطْلُوبٍ مِنْهُ، وَإِنْ طَافَ لِلْقُدُومِ وَلَمْ يَسْعَ عَقِبَهُ ثُمَّ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ رَمَلَ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَالْحَاجُّ مِنْ مَكَّةَ يَرْمُلُ فِي طَوَافِهِ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَإِذَا طَافَ لِلْقُدُومِ وَسَعَى عَقِبَهُ وَلَمْ يَرْمُلْ فِيهِ لَا يَقْضِيهِ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَلَوْ طَافَ وَرَمَلَ وَلَمْ يَسْعَ رَمَلَ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لِبَقَاءِ السَّعْيِ عَلَيْهِ (وَلْيَقُلْ فِيهِ) أَيْ فِي رَمَلِهِ (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ) أَيْ مَا أَنَا فِيهِ مِنْ الْعَمَلِ (حَجًّا مَبْرُورًا) وَهُوَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ مَعْصِيَةٌ مَأْخُوذٌ مِنْ الْبِرِّ، وَهُوَ الطَّاعَةُ، وَقِيلَ هُوَ الْمُتَقَبَّلُ (وَذَنْبًا مَغْفُورًا) أَيْ اجْعَلْ ذَنْبِي ذَنْبًا مَغْفُورًا (وَسَعْيًا مَشْكُورًا) وَالسَّعْيُ هُوَ الْعَمَلُ وَالْمَشْكُورُ الْمُتَقَبَّلُ، وَقِيلَ الَّذِي يُشْكَرُ عَلَيْهِ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا قَالَهُ " الرَّافِعِيُّ، هَذَا إذَا كَانَ حَجًّا. فَأَمَّا الْمُعْتَمِرُ فَيَأْتِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي دُعَاءِ الْمَطَافِ، وَسَكَتَ الشَّيْخَانِ عَمَّا يَقُولُهُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ، وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يَقُولَ فِيهَا: رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ، وَتَجَاوَزَ عَمَّا تَعْلَمُ، إنَّكَ أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ، اللَّهُمَّ - {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} -.
المتن وَأَنْ يَضْطَبِعَ فِي جَمِيعِ كُلِّ طَوَافٍ يَرْمُلُ فِيهِ، وَكَذَا فِي السَّعْيِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ جَعْلُ وَسَطِ رِدَائِهِ تَحْتَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَطَرَفَيْهِ عَلَى الْأَيْسَرِ، وَلَا تَرْمُلُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَضْطَبِعُ
الشَّرْحُ (وَ) خَامِسُهَا (أَنْ يَضْطَبِعَ) الذَّكَرُ وَلَوْ صَبِيًّا (فِي جَمِيعِ كُلِّ طَوَافٍ يَرْمُلُ فِيهِ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (وَكَذَا) يَضْطَبِعُ (فِي السَّعْيِ عَلَى الصَّحِيحِ) قِيَاسًا عَلَى الطَّوَافِ بِجَامِعِ قَصْدِ مَسَافَةٍ مَأْمُورٍ بِتَكْرِيرِهَا، وَسَوَاءٌ اضْطَبَعَ فِي الطَّوَافِ قَبْلَهُ أَمْ لَا، وَالثَّانِي لَا لِعَدَمِ وُرُودِهِ، وَكَلَامُهُ قَدْ يُفْهِمُ عَدَمَ اسْتِحْبَابِهِ فِي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِكَرَاهَةِ الِاضْطِبَاعِ فِي الصَّلَاةِ فَيُزِيلُهُ عِنْدَ إرَادَتِهَا وَيُعِيدُهُ عِنْدَ إرَادَةِ السَّعْيِ. وَلَا يُسَنُّ فِي طَوَافٍ لَا يُسَنُّ فِيهِ رَمَلٌ (وَهُوَ جَعْلُ وَسَطِ رِدَائِهِ) بِفَتْحِ السِّينِ فِي الْأَفْصَحِ (تَحْتَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ) وَيَكْشِفَهُ (وَ) جَعْلُ (طَرَفَيْهِ عَلَى الْأَيْسَرِ) كَدَأْبِ أَهْلِ الشَّطَارَةِ، وَالِاضْطِبَاعُ افْتِعَالٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الضَّبُعِ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ، وَهُوَ الْعَضُدُ (وَلَا تَرْمُلُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَضْطَبِعُ) أَيْ لَا يُطْلَبُ مِنْهَا ذَلِكَ، لِأَنَّ بِالرَّمَلِ تَتَبَيَّنَ أَعْطَافُهَا، وَبِالِاضْطِبَاعِ يَنْكَشِفُ مَا هُوَ عَوْرَةٌ مِنْهَا. وَالْمَعْنَى السَّابِقُ، وَهُوَ كَوْنُهُ دَأْبَ أَهْلِ الشَّطَارَةِ يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ بَلْ بِأَهْلِ الشَّطَارَةِ مِنْهُمْ، وَالتَّشْبِيهُ بِهِمْ حَرَامٌ، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى.
المتن وَأَنْ يَقْرُبَ مِنْ الْبَيْتِ، فَلَوْ فَاتَ الرَّمَلُ بِالْقُرْبِ لِزَحْمَةٍ فَالرَّمَلُ مَعَ بُعْدٍ أَوْلَى إلَّا أَنْ يَخَافَ صَدْمَ النِّسَاءِ فَالْقُرْبُ بِلَا رَمَلٍ أَوْلَى، وَأَنْ يُوَالِيَ طَوَافَهُ.
الشَّرْحُ (وَ) سَادِسُهَا (أَنْ يَقْرُبَ مِنْ الْبَيْتِ) لِشَرَفِهِ، وَلِأَنَّهُ أَيْسَرُ فِي الِاسْتِلَامِ وَالتَّقْبِيلِ، وَالْأَوْلَى - كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ - أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ ثَلَاثَ خَطَوَاتٍ لِيَأْمَنَ مُرُورَ بَعْضِ جَسَدِهِ عَلَى الشَّاذَرْوَانِ. نَعَمْ إنْ تَأَذَّى أَوْ أَذَى غَيْرَهُ بِنَحْوِ زَحْمَةٍ فَالْبُعْدُ أَوْلَى، وَهَذَا كُلُّهُ خَاصٌّ بِالرِّجَالِ. أَمَّا الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى فَيَكُونَانِ فِي حَاشِيَةِ الْمَطَافِ فَإِنْ طَافَا خَالِيَيْنِ فَكَالرَّجُلِ فِي اسْتِحْبَابِ الْقُرْبِ (فَلَوْ فَاتَ الرَّمَلُ بِالْقُرْبِ) مِنْ الْبَيْتِ (لِزَحْمَةٍ) أَوْ نَحْوِهَا وَلَمْ يَرْجُ فُرْجَةً مَعَ الْقُرْبِ يَرْمُلُ فِيهَا لَوْ انْتَظَرَ (فَالرَّمَلُ مَعَ بُعْدٍ) عَنْهُ (أَوْلَى) لِأَنَّ الْقُرْبَ فَضِيلَةٌ تَتَعَلَّقُ بِمَوْضِعِ الْعِبَادَةِ، وَالرَّمَلُ فَضِيلَةٌ تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ، وَالْمُتَعَلِّقَةُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى بِالْمُحَافَظَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّلَاةَ بِالْجَمَاعَةِ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثِ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ رَجَاهَا وَقَفَ لِيَرْمُلَ فِيهَا (إلَّا أَنْ يَخَافَ صَدْمَ النِّسَاءِ) بِأَنْ كُنَّ فِي حَاشِيَةِ الْمَطَافِ (فَالْقُرْبُ بِلَا رَمَلٍ أَوْلَى) مِنْ الْبُعْدِ مَعَ الرَّمَلِ مُحَافَظَةً عَلَى الطَّهَارَةِ، وَلَوْ خَافَ مَعَ الْقُرْبِ أَيْضًا لَمْسَهُنَّ فَتَرْكُ الرَّمَلِ أَوْلَى. وَيُسَنُّ أَنْ يَتَحَرَّك فِي مَشْيِهِ وَيَرَى مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهُ لَرَمَلَ كَمَا فِي الْعَدْوِ فِي السَّعْيِ (وَ) سَابِعُهَا (أَنْ يُوَالِيَ) الطَّائِفُ (طَوَافَهُ) اتِّبَاعًا وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَيَجُوزُ الْكَلَامُ فِيهِ وَلَا يَبْطُلُ بِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ فِيهِ النُّطْقَ} وَلَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ إلَّا فِي خَيْرٍ كَأَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ، وَنَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ، وَتَعْلِيمِ جَاهِلٍ، وَجَوَابِ مُسْتَفْتٍ. وَيُكْرَهُ أَنْ يُبْصَقَ فِيهِ، وَأَنْ يَجْعَلَ يَدَيْهِ وَرَاءَ ظَهْرِهِ مُكْتَنِفًا، وَأَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ إلَّا فِي حَالَةِ التَّثَاؤُبِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ، وَأَنْ يُشَبِّكَ أَصَابِعَهُ أَوْ يُفَرْقِعَهَا، وَأَنْ يَكُونَ حَاقِنًا أَوْ حَاقِبًا أَوْ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ تَتُوقُ إلَيْهِ نَفْسُهُ، وَأَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُنْتَقِبَةً وَيُكْرَهُ فِيهِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَكَرَاهَةُ الشُّرْبِ أَخَفُّ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي طَوَافِهِ خَاشِعًا خَاضِعًا، حَاضِرَ الْقَلْبِ، مُلَازِمًا لِلْأَدَبِ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ مُسْتَحْضِرًا فِي قَلْبِهِ عَظَمَةَ مَنْ هُوَ طَائِفٌ بِبَيْتِهِ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَصُونَ نَظَرَهُ عَمَّا لَا يَحِلُّ نَظَرُهُ إلَيْهِ، وَقَلْبَهُ عَنْ احْتِقَارِ مَنْ يَرَاهُ مِنْ الضُّعَفَاءِ وَالْمَرْضَى، وَيُعَلِّمَ السَّائِلَ بِرِفْقٍ، وَهَلْ الْأَفْضَلُ التَّطَوُّعُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِالطَّوَافِ أَوْ الصَّلَاةِ ؟ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الطَّوَافُ أَفْضَلُ، وَظَاهِرُ قَوْلِ غَيْرِهِ أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الصَّلَاةُ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَالطَّوَافُ لِلْغُرَبَاءِ.
المتن وَأَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ، يَقْرَأُ فِي الْأُولَى قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْإِخْلَاصَ، وَيَجْهَرُ لَيْلًا، وَفِي قَوْلٍ تَجِبُ الْمُوَالَاةُ وَالصَّلَاةُ، وَلَوْ حَمَلَ الْحَلَالُ مُحْرِمًا وَطَافَ بِهِ حُسِبَ لِلْمَحْمُولِ، وَكَذَا لَوْ حَمَلَهُ مُحْرِمٌ قَدْ طَافَ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ قَصْدَهُ لِلْمَحْمُولِ فَلَهُ، وَإِنْ قَصَدَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لَهُمَا فَلِلْحَامِلِ فَقَطْ.
الشَّرْحُ (وَ) ثَامِنُهَا (أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ) وَتُجْزِئُ عَنْهُمَا الْفَرِيضَةُ وَالرَّاتِبَةُ كَمَا فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَفِعْلُهُمَا (خَلْفَ الْمَقَامِ) الَّذِي لِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ لِلِاتِّبَاعِ ثُمَّ فِي الْحِجْرِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: تَحْتَ الْمِيزَابِ، ثُمَّ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، ثُمَّ فِي الْحَرَمِ حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْأَمْكِنَةِ مَتَى شَاءَ مِنْ الْأَزْمِنَةِ، وَلَا يَفُوتَانِ إلَّا بِمَوْتِهِ، وَمَالَ الْإِسْنَوِيُّ إلَى أَنَّ فِعْلَهُمَا فِي الْكَعْبَةِ أَوْلَى مِنْهُ خَلْفَ الْمَقَامِ، وَالْأَفْضَلُ مَا فِي الْمَتْنِ، لِأَنَّ الْبَابَ بَابُ اتِّبَاعٍ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهُمَا خَلْفَ الْمَقَامِ، وَقَالَ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ}. وَقَالَ فِي التَّوَسُّطِ: وَلَا أَحْسَبُ فِي أَفْضَلِيَّةِ فِعْلِهِمَا خَلْفَ الْمَقَامِ خِلَافًا بَيْنَ الْأَئِمَّةِ وَهُوَ إجْمَاعٌ مُتَوَارَثٌ لَا يُشَكُّ فِيهِ، بَلْ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُمَا إلَّا خَلْفَ الْمَقَامِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ، وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ الْمَسْجِدِ بَيْتَ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا ثُمَّ بَاقِيَ مَكَّةَ ثُمَّ الْحَرَمَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يُخَالِفُهُ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَيُسَنُّ لَهُ إذَا أَخَّرَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ إرَاقَةُ دَمٍ أَيْ كَدَمِ التَّمَتُّعِ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ الْمُقْرِي بِمَا إذَا صَلَّاهُمَا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ لِتَأَخُّرِهِمَا إلَيْهِ عَنْ الْحَرَمِ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ التَّقْيِيدِ، وَيُصَلِّيهِمَا الْأَجِيرُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ، وَالْوَلِيُّ عَنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، وَلَوْ وَالَى بَيْنَ أَسَابِيعَ طَوَافَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ وَالَى بَيْنَ رَكَعَاتِهَا لِكُلِّ طَوَافٍ رَكْعَتَيْهِ جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَالْأَفْضَلُ خِلَافُهُ بِأَنْ يُصَلِّيَ عَقِبَ كُلِّ طَوَافٍ رَكْعَتَيْهِ، وَلَوْ صَلَّى لِلْجَمِيعِ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُكْرَهْ (يَقْرَأُ فِي الْأُولَى) مِنْهُمَا سُورَةَ ({قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وَ) يَقْرَأُ (فِي الثَّانِيَةِ) سُورَةَ (الْإِخْلَاصِ) لِلِاتِّبَاعِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِمَا فِي قِرَاءَتِهِمَا مِنْ الْإِخْلَاصِ الْمُنَاسِبِ لِمَا هُنَا لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ (وَيَجْهَرُ) فِيهِمَا (لَيْلًا) مَعَ مَا أُلْحِقَ بِهِ مِنْ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَسَكَتَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ لِلْعِلْمِ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ. وَيُسَنُّ فِيمَا فِي ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الْكُسُوفِ وَغَيْرِهِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ شِعَارِ النُّسُكِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي النَّوَافِلِ الْمَفْعُولَةِ لَيْلًا أَنْ يَتَوَسَّطَ فِيهَا بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّهُ فِي النَّافِلَةِ الْمُطْلَقَةِ كَمَا مَرَّ (وَفِي قَوْلٍ تَجِبُ الْمُوَالَاةُ) بَيْنَ أَشْوَاطِهِ وَأَبْعَاضِهَا (وَ) تَجِبُ (الصَّلَاةُ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَتَى بِالْأَمْرَيْنِ وَقَالَ: خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ} وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ. أَمَّا الْمُوَالَاةُ: فَلِمَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّ الْخِلَافَ هُنَا هُوَ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ هُنَاكَ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي التَّفْرِيقِ الْكَثِيرِ بِلَا عُذْرٍ، فَإِنْ فَرَّقَ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا بِعُذْرٍ لَمْ يَضُرَّ جَزْمًا كَالْوُضُوءِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَالْكَثِيرُ هُوَ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بِتَرْكِهِ تَرْكُ الطَّوَافِ: إمَّا بِالْإِضْرَابِ عَنْهُ، أَوْ بِظَنٍّ أَنَّهُ أَتَمَّهُ. وَمِنْ الْعُذْرِ إقَامَةُ الْمَكْتُوبَةِ لَا صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالرَّوَاتِبِ بَلْ يُكْرَهُ قَطْعُ الطَّوَافِ الْوَاجِبِ لَهُمَا. وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلِخَبَرِ " هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا ؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ " وَالْقَوْلَانِ فِي وُجُوبِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ إذَا كَانَ فَرْضًا، فَإِنْ كَانَ نَفْلًا فَسُنَّةٌ قَطْعًا، وَقِيلَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ، وَلَا بُعْدَ فِي اشْتِرَاطِ فَرْضٍ فِي نَفْلٍ كَالطَّهَارَةِ وَالسِّتْرِ فِي النَّافِلَةِ، وَعَلَى الْوُجُوبِ يَصِحُّ الطَّوَافُ بِدُونِهِمَا، إذْ لَيْسَا بِشَرْطٍ وَلَا رُكْنٍ لَهُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ سُنَنِ الطَّوَافِ إذَا دَخَلَ تَحْتَ نُسُكِ النِّيَّةِ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ طَوَافُ إفَاضَةٍ أَوْ نَذْرٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ زَمَنُهُ وَدَخَلَ وَقْتَ مَا عَلَيْهِ فَنَوَى غَيْرُهُ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ عَنْ نَفْسِهِ تَطَوُّعًا أَوْ قُدُومًا أَوْ وَدَاعًا وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ أَوْ النَّذْرِ كَمَا فِي وَاجِبِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَقَوْلُهُمْ: إنَّ الطَّوَافَ يَقْبَلُ الصَّرْفَ: أَيْ إذَا صَرَفَهُ لِغَيْرِ طَوَافٍ آخَرَ كَطَلَبِ غَرِيمٍ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْخِصَالِ أَنَّ سُنَنَ الطَّوَافِ تَصِلُ إلَى نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ خَصْلَةً وَفِيمَا ذَكَرْته لَكَ كِفَايَةٌ لِمَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى، نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ الْمُتَّبِعِينَ وَلَا يَجْعَلَنَا مِنْ الْمُبْتَدِعِينَ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُحْرِمِ أَنْ يَطُوفَ بِنَفْسِهِ (وَ) لِهَذَا (لَوْ حَمَلَ الْحَلَالُ مُحْرِمًا) لِمَرَضٍ أَوْ صِغَرٍ أَوَّلًا لَمْ يَطُفْ الْمُحْرِمُ عَنْ نَفْسِهِ لِإِحْرَامِهِ وَلَمْ يَصْرِفْهُ عَنْ نَفْسِهِ (وَطَافَ بِهِ) وَلَمْ يَنْوِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لَهُمَا (حُسِبَ) الطَّوَافُ (لِلْمَحْمُولِ) عَنْ الطَّوَافِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ إحْرَامُهُ كَرَاكِبِ بَهِيمَةٍ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: حُسِبَ لِلْمَحْمُولِ بِشَرْطِهِ - أَيْ بِشَرْطِ الطَّوَافِ فِي حَقِّ الْمَحْمُولِ مِنْ طَهَارَةٍ، وَسَتْرِ عَوْرَةٍ، وَدُخُولِ وَقْتٍ، وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَإِلَّا وَقَعَ لِلْحَامِلِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ طَافَ عَنْ نَفْسِهِ لِإِحْرَامِهِ، فَكَمَا لَوْ حَمَلَ حَلَالًا، وَسَيَأْتِي أَوْ صَرَفَهُ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَقَعْ عَنْهُ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ، وَإِنْ نَوَاهُ الْحَامِلُ لِنَفْسِهِ أَوْ لَهُمَا وَقَعَ لَهُ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ فِي حَقِّهِ. (وَكَذَا) يُحْسَبُ لِلْمَحْمُولِ أَيْضًا (لَوْ حَمَلَهُ مُحْرِمٌ قَدْ طَافَ عَنْ نَفْسِهِ) لِإِحْرَامِهِ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ طَوَافِهِ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ الْمُحْرِمُ الْحَامِلُ طَافَ عَنْ نَفْسِهِ وَدَخَلَ وَقْتُ طَوَافِهِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ قَصْدَهُ لِلْمَحْمُولِ فَلَهُ) خَاصَّةً تَنْزِيلًا لِلْحَامِلِ مَنْزِلَةَ الدَّابَّةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعْ لِلْحَامِلِ؛ لِأَنَّهُ صَرَفَهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِنَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُصْرَفَ الطَّوَافُ إلَى غَرَضٍ آخَرَ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ، وَالثَّانِي: لِلْحَامِلِ خَاصَّةً كَمَا إذَا أَحْرَمَ عَنْ غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ فَرْضُهُ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِنَا لَا يَضُرُّ الصَّارِفَ، وَالثَّالِثُ: يَقَعُ لَهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ دَارَ وَالْآخَرَ قَدْ دِيرَ بِهِ (وَإِنْ قَصَدَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لَهُمَا) أَوْ أَطْلَقَ (فَلِلْحَامِلِ فَقَطْ) وَإِنْ قَصَدَ مَحْمُولَهُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ الطَّائِفُ وَلَمْ يَصْرِفْهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَمَنْ هُنَا يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ حَمَلَ حَلَالٌ حَلَالًا وَنَوَيَا وَقَعَ لِلْحَامِلِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُقَاسُ بِالْمُحْرِمَيْنِ الْحَلَالَانِ النَّاوِيَانِ، فَيَقَعُ لِلْحَامِلِ مِنْهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ وَسَوَاءٌ فِي الصَّغِيرِ حَمَلَهُ وَلِيُّهُ الَّذِي أَحْرَمَ عَنْهُ أَمْ غَيْرُهُ. لَكِنْ يَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا فِي حَمْلِ غَيْرِ الْوَلِيِّ أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ لِأَنَّ الصَّغِيرَ إذَا طَافَ رَاكِبًا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ وَلِيُّهُ سَائِقًا أَوْ قَائِدًا كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَمَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، فَلَوْ لَمْ يَحْمِلْهُ بَلْ جَعَلَهُ فِي شَيْءٍ مَوْضُوعٍ عَلَى الْأَرْضِ وَجَذَبَهُ، فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِطَوَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِطَوَافِ الْآخَرِ لِانْفِصَالِهِ عَنْهُ وَنَظِيرُهُ لَوْ كَانَ بِسَفِينَةٍ وَهُوَ يَجْذِبُهَا.
تَنْبِيهٌ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا نَوَاهُمَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ عَلَى خِلَافِهِ إلَّا أَنَّ نَصَّ الْأُمِّ فِي وُقُوعِهِ لِلْمَحْمُولِ، وَنَصَّ الْإِمْلَاءِ فِي وُقُوعِهِ لَهُمَا كَذَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ فَالنَّصَّانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى نَفْيِ مَا ذُكِرَ، وَنَصُّ الْأُمِّ أَقْوَى عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ هُنَا بِخُصُوصِهِ أَظْهَرُ مِنْ نَصِّ الْإِمْلَاءِ فَيَجِبُ الْأَخْذُ بِهِ، وَاعْتَرَضَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْبَحْرِ مِنْ نَقْلِهِ عَنْ الْإِمْلَاءِ مِنْ وُقُوعِهِ لَهُمَا غَلَطٌ بَلْ الَّذِي فِيهِ فِي عِدَّةِ نُسَخٍ عَنْ الْإِمْلَاءِ وُقُوعُهُ لِلْحَامِلِ دُونَ الْمَحْمُولِ، وَرَجَّحَهُ الْأَصْحَابُ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْقِيَاسِ، فَإِنَّهُ لَوْ نَوَى الْحَجَّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَقَعَ لَهُ فَكَذَا رُكْنُهُ قَالَ: وَالْبَاعِثُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ حُبُّ التَّغْلِيظِ، وَالرَّجُلُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثِقَةٌ، وَلَكِنَّهُ كَثِيرُ الْوَهْمِ فِي الْفَهْمِ وَالنَّقْلِ عَلَى مَا تَبَيَّنَ، فَاَللَّهُ يَغْفِرُ لَنَا وَلَهُ ا هـ. وَتَصْوِيرُ الْمُصَنِّفِ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا كَانَ الْمَحْمُولُ وَاحِدًا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَإِلَّا لَوْ كَانَ الْمَحْمُولُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ لَمْ يَخْتَلِفْ الْحُكْمُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْكَافِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي أَحْكَامِ الْمَحْمُولِ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَفِيهِ نَظَرٌ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَإِنْ حَمَلَهُ فِي الْوُقُوفِ أَجْزَأَ فِيهِمَا. يَعْنِي مُطْلَقًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ ثَمَّ السُّكُونُ أَيْ الْحُضُورُ، وَقَدْ وُجِدَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُنَا الْفِعْلُ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمَا، وَلَوْ طَافَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ مُعْتَقِدًا أَنَّ إحْرَامَهُ عُمْرَةٌ فَبَانَ حَجًّا وَقَعَ عَنْهُ كَمَا لَوْ طَافَ عَنْ غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ طَوَافٌ.
|