الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن هُوَ فَرْضٌ وَكَذَا الْعُمْرَةُ فِي الْأَظْهَرِ.
الشَّرْحُ (كِتَابُ الْحَجِّ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِهِ لُغَةً: الْقَصْدُ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: كَثْرَةُ الْقَصْدِ إلَى مَنْ يُعَظَّمُ. وَشَرْعًا: قَصْدُ الْكَعْبَةِ لِلنَّاسِكِ الْآتِي بَيَانُهُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ: هُوَ قَصْدُ الْأَفْعَالِ الْآتِيَةِ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ صَلَاةِ النَّفْلِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَالِ وَالْبَدَنِ. وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ: الْحَجُّ يَجْمَعُ مَعَانِيَ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا، فَمَنْ حَجَّ فَكَأَنَّمَا صَامَ وَصَلَّى وَاعْتَكَفَ وَزَكَّى وَرَابَطَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَغَزَا، وَبَيَّنَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّا دُعِينَا إلَيْهِ وَنَحْنُ فِي أَصْلَابِ الْآبَاءِ كَالْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ، وَلَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ. رُوِيَ " أَنَّ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا حَجَّ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: إنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانُوا يَطُوفُونَ قَبْلَك بِهَذَا الْبَيْتِ بِسَبْعَةِ آلَافِ سَنَةٍ ". وَقَالَ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ: إنَّ أَوَّلَ مَنْ حَجَّ آدَم عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَإِنَّهُ حَجَّ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ الْهِنْدِ مَاشِيًا، وَقِيلَ: مَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا حَجَّهُ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَمْ يَبْعَثْ اللَّهُ نَبِيًّا بَعْدَ إبْرَاهِيمَ إلَّا وَقَدْ حَجَّ الْبَيْتَ، وَادَّعَى بَعْضُ مَنْ أَلَّفَ فِي الْمَنَاسِكِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ إلَّا عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَ (هُوَ فَرْضٌ) أَيْ مَفْرُوضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} الْآيَةَ، وَلِحَدِيثِ {بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ}، وَلِحَدِيثِ {حُجُّوا قَبْلَ أَنْ لَا تَحُجُّوا، قَالُوا: كَيْفَ نَحُجُّ قَبْلَ أَنْ لَا نَحُجَّ ؟ قَالَ أَنْ تَقْعُدَ الْعَرَبُ عَلَى بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ يَمْنَعُونَ النَّاسَ السَّبِيلَ} وَهُوَ إجْمَاعٌ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ. وَاخْتَلَفُوا مَتَى فُرِضَ ؟ فَقِيلَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، حَكَاهُ فِي النِّهَايَةِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَعَلَى هَذَا قِيلَ فُرِضَ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي، وَقِيلَ السَّنَةِ السَّادِسَةِ، وَصَحَّحَاهُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ فِي الثَّامِنَةِ حَكَاهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: وَقِيلَ فِي التَّاسِعَةِ حَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ. وَقِيلَ فِي الْعَاشِرَةِ: قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ غَلَطٌ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ يَحُجُّ كُلَّ سَنَةٍ، وَلَا يَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ إلَّا مَرَّةً لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحُجَّ بَعْدَ فَرْضِ الْحَجِّ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ، وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ {أَحَجُّنَا هَذَا لِعَامِنَا أَمْ لِلْأَبَدِ ؟ قَالَ: لَا بَلْ لِلْأَبَدِ} وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَيْهَقِيّ الْأَمْرُ بِالْحَجِّ فِي كُلِّ خَمْسَةِ أَعْوَامٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ حَجَّ حَجَّةً أَدَّى فَرْضَهُ، وَمَنْ حَجَّ ثَانِيَةً دَايَنَ رَبَّهُ، وَمَنْ حَجَّ ثَلَاثَ حِجَجٍ حَرَّمَ اللَّهُ شَعْرَهُ وَبَشَرَهُ عَلَى النَّارِ} قِيلَ: إنَّ رَجُلًا قُتِلَ وَأُوقِدَ عَلَيْهِ النَّارُ طُولَ اللَّيْلِ فَلَمْ تَعْمَلْ فِيهِ وَبَقِيَ أَبْيَضَ الْبَدَنِ فَسَأَلُوا سَعْدُونَ الْخَوْلَانِيَّ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَعَلَّهُ حَجَّ ثَلَاثَ حِجَجٍ، قَالُوا: نَعَمْ. وَقَدْ يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ مَرَّةٍ لِعَارِضٍ: كَنَذْرٍ وَقَضَاءٍ عِنْدَ إفْسَادِ التَّطَوُّعِ (وَكَذَا الْعُمْرَةُ) فَرْضٌ (فِي الْأَظْهَرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} أَيْ ائْتُوا بِهِمَا تَامَّيْنِ، وَلِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ {قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ ؟ قَالَ: نَعَمْ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ} وَأَمَّا خَبَرُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ جَابِرٍ {سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ ؟ قَالَ: لَا وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَك} فَضَعِيفٌ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى ضَعْفِهِ، وَلَا يُغْتَرُّ بِقَوْلِ التِّرْمِذِيِّ فِيهِ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: إنَّهُ بَاطِلٌ. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ عَدَمُ وُجُوبِهَا مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَى السَّائِلِ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ، قَالَ: وَقَوْلُهُ: أَنْ تَعْتَمِرَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ. وَالْعُمْرَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ مَعَ ضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَبِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ، لُغَةً: الزِّيَارَةُ، وَقِيلَ الْقَصْدُ إلَى مَكَان عَامِرٍ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ عُمْرَةً، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي الْعُمْرِ كُلِّهِ، وَشَرْعًا: قَصْدُ الْكَعْبَةِ لِلنُّسُكِ الْآتِي بَيَانُهُ، وَلَا يُغْنِي عَنْهَا الْحَجُّ وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا، وَيُفَارِقُ الْغُسْلَ حَيْثُ يُغْنِي عَنْ الْوُضُوءِ بِأَنَّ الْغُسْلَ أَصْلٌ فَأَغْنَى عَنْ بَدَلِهِ، وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ أَصْلَانِ. فَائِدَةٌ: النُّسُكُ إمَّا فَرْضُ عَيْنٍ، وَهُوَ عَلَى مَنْ لَمْ يَحُجَّ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ. وَإِمَّا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَهُوَ إحْيَاءُ الْكَعْبَةِ كُلَّ سَنَةٍ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَإِمَّا تَطَوُّعٌ، وَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْأَرِقَّاءِ وَالصِّبْيَانِ، إذْ فَرْضُ الْكِفَايَةِ لَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِمْ لَكِنْ لَوْ تَطَوَّعَ مِنْهُمْ مَنْ يَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ الْمُخَاطَبِينَ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قِيَاسًا عَلَى الْجِهَادِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ. وَيُسَنُّ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ أَنْ لَا يُؤَخِّرَ ذَلِكَ عَنْ سَنَةِ الْإِمْكَانِ مُبَادَرَةً إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَمُسَارَعَةً إلَى الطَّاعَاتِ. قَالَ تَعَالَى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} وَإِنْ أَخَّرَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ وَفَعَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ لَمْ يَأْثَمْ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَهُ إلَى السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ بِلَا مَانِعٍ، وَقِيسَ بِهِ الْعُمْرَةُ، لَكِنَّ التَّأْخِيرَ إنَّمَا يَجُوزُ بِشَرْطِ الْعَزْمِ عَلَى الْفِعْلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنْ لَا يَتَضَيَّقَ بِنَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ خَوْفِ عَضْبٍ، فَلَوْ خَشِيَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ الْعَضْبَ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْمُوَسَّعَ إنَّمَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ بِشَرْطِ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ السَّلَامَةُ إلَى وَقْتِ فِعْلِهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَمِثْلُهُ مَنْ خَشِيَ هَلَاكَ مَالِهِ.
المتن وَشَرْطُ صِحَّتِهِ: الْإِسْلَامُ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ وَالْمَجْنُونِ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِ الْمُمَيِّزِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِالْمُبَاشَرَةِ إذَا بَاشَرَهُ الْمُكَلَّفُ الْحُرُّ، فَيُجْزِئُ حَجُّ الْفَقِيرِ دُونَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ.
الشَّرْحُ (وَشَرْطُ صِحَّتِهِ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (الْإِسْلَامُ) فَقَطْ فَلَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ أَصْلِيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْعِبَادَةِ، وَلَوْ ارْتَدَّ فِي أَثْنَاءِ نُسُكِهِ بَطَلَ فِي الْأَصَحِّ فَلَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهِ، وَعِبَارَةُ الْكِتَابِ لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي نَفْيِ اشْتِرَاطِ مَا عَدَا الْإِسْلَامَ، وَلِذَلِكَ قَيَّدْتُهُ بِفَقَطْ مَعَ أَنَّ الْمُحَرَّرَ قَدْ صَرَّحَ بِهِ، فَقَالَ: وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْحَجِّ لِلشَّخْصِ إلَّا الْإِسْلَامُ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ: مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ أَيْضًا الْوَقْتُ وَالنِّيَّةُ مَمْنُوعٌ فِي النِّيَّةِ، فَإِنَّ النِّيَّةَ مِنْ الْأَرْكَانِ. وَأَمَّا الْوَقْتُ أَيْ اتِّسَاعُهُ فَفِيهِ خِلَافٌ يَأْتِي، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ مَا ذُكِرَ تَكْلِيفٌ (فَلِلْوَلِيِّ) فِي الْمَالِ وَلَوْ وَصِيًّا وَقَيِّمًا بِنَفْسِهِ وَبِمَأْذُونِهِ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ الْوَلِيُّ نُسُكَهُ أَوْ أَحْرَمَ بِهِ (أَنْ يُحْرِمَ عَنْ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ) لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَرَفَعَتْ امْرَأَةٌ إلَيْهِ صَبِيًّا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا حَجٌّ ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَك أَجْرٌ} وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد {فَأَخَذَتْ بِعَضُدِ صَبِيٍّ وَرَفَعَتْهُ مِنْ مِحَفَّتِهَا} وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ الصَّبِيَّ الَّذِي يُحْمَلُ بِعَضُدِهِ وَيَخْرُجُ مِنْ الْمِحَفَّةِ لَا تَمْيِيزَ لَهُ (وَ) أَنْ يُحْرِمَ عَنْ (الْمَجْنُونِ) قِيَاسًا عَلَى الصَّبِيِّ خِلَافًا لِلْكَثِيرِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِالْمَنْعِ وَإِنْ نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ وَاخْتَارَهُ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ نَوْعِ مَنْ يَصِحُّ عِبَادَتُهُ فَيَنْوِي الْوَلِيُّ بِقَلْبِهِ جَعْلَ كُلٍّ مِنْهُمَا مُحْرِمًا أَوْ يَقُولُ أَحْرَمْت عَنْهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُمَا وَلَا مُوَاجَهَتُهُمَا بِالْإِحْرَامِ وَلَا يَصِيرُ الْوَلِيُّ بِذَلِكَ مُحْرِمًا. وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ الْمُمَيِّزِ أَيْضًا وَإِنْ أَفْهَمَتْ عِبَارَتُهُ خِلَافَهُ، فَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ لَمْ يُمَيِّزْ أَوْ مَيَّزَ كَانَ أَوْلَى، وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الْإِحْرَامِ، وَلَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ كَمَا سَيَأْتِي. وَالْمُرَادُ بِالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ: الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْوَلِيِّ كَالْجَدِّ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ الْإِحْرَامُ عَمَّنْ ذُكِرَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَأَجَابُوا عَمَّا يُوهِمُهُ الْحَدِيثُ السَّابِقُ مِنْ جَوَازِ إحْرَامِ الْأُمِّ عَنْهُ بِاحْتِمَالِ أَنَّهَا كَانَتْ وَصِيَّةً أَوْ أَنَّ الْأَجْرَ الْحَاصِلَ لَهَا إنَّمَا هُوَ أَجْرُ الْحَمْلِ وَالنَّفَقَةِ، إذْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهَا الَّتِي أَحْرَمَتْ بِهِ أَوْ أَنَّ الْوَلِيَّ أَذِنَ لَهَا فَإِنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِمَنْ يُحْرِمُ عَنْ الصَّبِيِّ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ الْوَلِيُّ ثُمَّ أَعْطَاهُ لِمَنْ يُحْضِرُهُ الْحَجَّ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ، وَحَيْثُ صَارَ الصَّبِيُّ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ مُحْرِمًا فَعَلَ الْوَلِيُّ الْمَذْكُورَ بِهِ وَكَذَا بِالْمَجْنُونِ مَا لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ، وَلَا يَكْفِي فِيهِ فِعْلُ الْوَلِيِّ فَقَطْ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِصْحَابِهِ مَعَهُ فَيَطُوفُ بِهِ وَيَسْعَى وَلَكِنْ يَرْكَعُ عَنْهُ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ وَالطَّوَافِ، فَإِنْ أَرْكَبَهُ الْوَلِيُّ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَلْيَكُنْ سَائِقًا أَوْ قَائِدًا لِلدَّابَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْمُتَّجَهُ الْجَزْمُ بِوُجُوبِ طَهَارَةِ الْخَبَثِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الطَّوَافِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ طَهَارَةُ الْحَدَثِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ، لَكِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ وَالصَّبِيُّ مُتَوَضِّئَيْنِ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ مُتَوَضِّئًا دُونَ الْوَلِيِّ لَمْ يُجْزِهِ، أَوْ بِالْعَكْسِ فَوَجْهَانِ وَكَأَنَّهُ اغْتَفَرَ صِحَّةَ وُضُوءِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا اغْتَفَرَ صِحَّةَ طُهْرِ الْمَجْنُونَةِ الَّتِي انْقَطَعَ حَيْضُهَا لِتَحِلَّ لِحَلِيلِهَا الْمُسْلِمِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّشْبِيهِ أَنَّ الْوَلِيَّ يَنْوِي عَنْهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَيَحْضُرُ الْوَلِيُّ مِنْ ذِكْرِ الْمَوَاقِفِ وُجُوبًا فِي الْوَاجِبَةِ وَنَدْبًا فِي الْمَنْدُوبَةِ، فَإِنْ قَدَرَ مَنْ ذُكِرَ عَلَى الرَّمْيِ رَمَى وُجُوبًا، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ تَنَاوُلِ الْأَحْجَارِ نَاوَلَهَا لَهُ وَلِيُّهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الرَّمْيِ اُسْتُحِبَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَضَعَ الْحَجَرَ فِي يَدِهِ ثُمَّ يَرْمِيَ بِهِ بَعْدَ رَمْيِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَمَى عَنْ نَفْسِهِ وَقَعَ الرَّمْيُ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الصَّبِيَّ، وَلَوْ فَرَّطَ الصَّبِيُّ فِي شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ كَانَ وُجُوبُ الدَّمِ فِي مَالِ الْوَلِيِّ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَنْعُهُ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ ارْتَكَبَ مِنْهَا شَيْئًا وَهُوَ مُمَيِّزٌ وَتَعَمَّدَ فِعْلَ ذَلِكَ فَالْفِدْيَةُ فِي مَالِ الْوَلِيِّ فِي الْأَظْهَرِ. أَمَّا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فَلَا فِدْيَةَ فِي ارْتِكَابِهِ مَحْظُورًا عَلَى أَحَدٍ، وَالنَّفَقَةُ الزَّائِدَةُ بِسَبَبِ السَّفَرِ فِي مَالِ الْوَلِيِّ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ الْمُوَرِّطُ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَبِلَ لِلْمُمَيِّزِ نِكَاحًا، إذْ الْمَنْكُوحَةُ قَدْ تَفُوتُ وَالنُّسُكُ، يُمْكِنُ تَأْخِيرُهُ إلَى الْبُلُوغِ، وَفَارَقَ ذَلِكَ أُجْرَةَ تَعْلِيمِهِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ حَيْثُ وَجَبَتْ فِي مَالِ الصَّبِيِّ بِأَنَّ مَصْلَحَةَ التَّعْلِيمِ كَالضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَفْعَلْهَا الْوَلِيُّ فِي الصِّغَرِ احْتَاجَ الصَّبِيُّ إلَى اسْتِدْرَاكِهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ بِخِلَافِ الْحَجِّ، وَبِأَنَّ مُؤْنَةَ التَّعْلِيمِ يَسِيرَةٌ غَالِبًا، وَإِذَا جَامَعَ الصَّبِيُّ فِي حَجِّهِ فَسَدَ وَقَضَى وَلَوْ فِي الصِّبَا كَالْبَالِغِ الْمُتَطَوِّعِ بِجَامِعِ صِحَّةِ إحْرَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيُعْتَبَرُ فِيهِ لِفَسَادِ حَجِّهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْبَالِغِ مِنْ كَوْنِهِ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ مُخْتَارًا مُجَامِعًا قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَيُكْتَبُ لِلصَّبِيِّ ثَوَابُ مَا عَمِلَ مِنْ الطَّاعَاتِ وَلَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ بِالْإِجْمَاعِ.
تَنْبِيهٌ: تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْإِحْرَامُ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَسَكَتَ الشَّيْخَانِ عَنْ الْإِحْرَامِ عَنْ الْعَبْدِ. وَقَالَ الْإِمَامُ: إنْ كَانَ بَالِغًا فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ، وَمَفْهُومُهُ الْجَوَازُ فِي الصَّغِيرِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ كَتَزْوِيجِهِ ا هـ. وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: رَأَيْتُ فِي الْأُمِّ الْجَزْمَ بِالصِّحَّةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالصَّغِيرِ، ثُمَّ سَاقَ كَلَامَ الْأُمِّ: وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهَا عَلَى الصَّغِيرِ فَيَتَوَافَقُ الْكَلَامَانِ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ (وَإِنَّمَا تَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِ الْمُمَيِّزِ) وَلَوْ صَغِيرًا وَرَقِيقًا كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ. وَيُشْتَرَطُ إذْنُ الْوَلِيِّ لِلصَّغِيرِ الْحُرِّ وَإِذْنُ السَّيِّدِ لِلصَّغِيرِ الرَّقِيقِ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنَا لَهُمَا وَاسْتَقَلَّا بِالْإِحْرَامِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: يَصِحُّ وَلَكِنْ لَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا، فَلَا تَصِحُّ مُبَاشَرَةُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ غَيْرِ مُمَيِّزٍ (وَإِنَّمَا يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ) وَعُمْرَتِهِ (بِالْمُبَاشَرَةِ) أَوْ النِّيَابَةِ (إذَا بَاشَرَهُ) الْمُسْلِمُ (الْمُكَلَّفُ) أَيْ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ (الْحُرُّ) وَإِنْ لَمْ يُكَلَّفْ بِالْحَجِّ، وَالْمُرَادُ الْمُكَلَّفُ فِي الْجُمْلَةِ لَا بِالْحَجِّ، وَلِهَذَا قَالَ (فَيُجْزِئُ حَجُّ الْفَقِيرِ) وَكُلُّ عَاجِزٍ إذَا جَمَعَ الْحُرِّيَّةَ وَالتَّكْلِيفَ كَمَا لَوْ تَكَلَّفَ الْمَرِيضُ حُضُورَ الْجُمُعَةِ، أَوْ الْغَنِيُّ خَطَرَ الطَّرِيقِ وَحَجَّ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: بِالْمُبَاشَرَةِ تَقْيِيدٌ مُضِرٌّ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي وُقُوعِ الْحَجِّ عَنْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَكُونَ الَّذِي بَاشَرَهُ مُكَلَّفٌ سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَجُّ لِلْمُبَاشِرِ أَمْ كَانَ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ كَالْمَيِّتِ وَالْمَعْضُوبِ، وَلَوْ تَكَلَّفَ الْفَقِيرُ الْحَجَّ وَأَفْسَدَهُ ثُمَّ قَضَاهُ كَفَاهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ تَكَلَّفَ وَأَحْرَمَ بِنَفْلٍ وَقَعَ عَنْ فَرْضِهِ أَيْضًا، فَلَوْ أَفْسَدَهُ ثُمَّ قَضَاهُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ (دُونَ) حَجِّ (الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ) إذَا كَمَّلَا بَعْدَهُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ عَتَقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى} رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْحَجَّ وَظِيفَةُ الْعُمُرِ لَا يَتَكَرَّرُ فَاعْتُبِرَ وُقُوعُهُ فِي حَالِ الْكَمَالِ، فَإِنْ كَمَّلَا قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ وَأَدْرَكَا بَعْدَ الْكَمَالِ زَمَنًا يُعْتَدُّ بِمِثْلِهِ فِي الْوُقُوفِ أَوْ بَعْدَهُ وَعَادَا قَبْلَ فَوَاتِ الْوُقُوفِ أَجْزَأَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا أَدْرَكَا مُعْظَمَ الْعِبَادَةِ، فَصَارَ كَإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ وَأَعَادَ السَّعْيَ مِنْهُمَا مَنْ كَانَ قَدْ سَعَى بَعْدَ الْقُدُومِ لِوُقُوعِهِ فِي حَالِ النُّقْصَانِ، وَيُخَالِفُ الْإِحْرَامَ فَإِنَّهُ مُسْتَدَامٌ بَعْدَ الْكَمَالِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِهِ أَيْضًا إذَا تَقَدَّمَ الطَّوَافُ أَوْ الْحَلْقُ وَأَعَادَهُ بَعْدَ إعَادَةِ الْوُقُوفِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ تَجِبُ إعَادَتُهُ لِتَبَيُّنِ وُقُوعِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَلَوْ كَمَّلَ مَنْ ذُكِرَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ كَانَ كَكَمَالِهِ قَبْلَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ: أَيْ وَأَتَى بِمَا مَضَى قَبْلَ كَمَالِهِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ كَمَّلَ بَعْدَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ أَنَّهُ يَكْفِي كَمَا لَوْ أَعَادَ الْوُقُوفَ بَعْدَ الْكَمَالِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَالطَّوَافُ فِي الْعُمْرَةِ كَالْوُقُوفِ فِي الْحَجِّ ا هـ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيَنْبَغِي إذَا كَانَ عَوْدُهُ بَعْدَ الطَّوَافِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ ثَانِيًا كَالسَّعْيِ، وَلَمْ أَرَ الْمَسْأَلَةَ مُصَرَّحًا بِهَا ا هـ. وَهُوَ حَسَنٌ، وَوُقُوعُ الْكَمَالِ فِي أَثْنَاءِ الْعُمْرَةِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ أَيْضًا، وَالطَّوَافُ فِيهَا كَالْوُقُوفِ فِي الْحَجِّ، وَلَا دَمَ عَلَى مَنْ ذُكِرَ بِإِتْيَانِهِ بِالْإِحْرَامِ بَعْدَ الْكَمَالِ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ كَامِلًا لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ وَلَا إسَاءَةَ عَلَيْهِ، وَحَيْثُ أَجْزَأَ مَنْ ذَكَرَ مَا أَتَى بِهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتِهِ وَقَعَ إحْرَامُهُ أَوَّلًا تَطَوُّعًا وَانْقَلَبَ بَعْدَ الْكَمَالِ فَرْضًا عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ فِي الصَّبِيِّ وَالرَّقِيقِ وَالْمَجْنُونِ إذَا حَجَّ عَنْهُ وَلِيُّهُ ثُمَّ أَفَاقَ كَبُلُوغِ الصَّبِيِّ فِيمَا ذُكِرَ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ فِي عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ مَا يُوهِمُ اشْتِرَاطَ الْإِفَاقَةِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ.
المتن وَشَرْطُ وُجُوبِهِ: الْإِسْلَامُ وَالتَّكْلِيفُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالِاسْتِطَاعَةُ.
الشَّرْحُ (وَشَرْطُ) أَيْ وَشُرُوطُ (وُجُوبِهِ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (الْإِسْلَامُ، وَالتَّكْلِيفُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالِاسْتِطَاعَةُ) بِالْإِجْمَاعِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا} فَلَا يَجِبُ عَلَى كَافِرٍ أَصْلِيٍّ وُجُوبُ مُطَالَبَةٍ بِهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ وَهُوَ مُعْسِرٌ بَعْدَ اسْتِطَاعَتِهِ فِي الْكُفْرِ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لَهَا، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ فَإِنَّ النُّسُكَ يَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ بِاسْتِطَاعَتِهِ فِي الرِّدَّةِ، وَلَا عَلَى غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَلَا عَلَى مَنْ فِيهِ رِقٌّ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ مُسْتَحَقَّةٌ فَلَيْسَ مُسْتَطِيعًا، وَلَا عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَطِيعِ لِمَفْهُومِ الْآيَةِ. وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسَ مَرَاتِبَ: الصِّحَّةُ الْمُطْلَقَةُ، وَصِحَّةُ الْمُبَاشَرَةِ، وَالْوُقُوعُ عَنْ النَّذْرِ، وَالْوُقُوعُ عَنْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ، وَالْوُجُوبُ، فَيُشْتَرَطُ مَعَ الْوَقْتِ الْإِسْلَامُ وَحْدَهُ لِلصِّحَّةِ، وَمَعَ التَّمْيِيزِ لِلْمُبَاشَرَةِ، وَمَعَ التَّكْلِيفِ لِلنَّذْرِ، وَمَعَ الْحُرِّيَّةِ لِوُقُوعِهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتِهِ، وَمَعَ الِاسْتِطَاعَةِ لِلْوُجُوبِ.
المتن وَهِيَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: اسْتِطَاعَةُ مُبَاشَرَةٍ، وَلَهَا شُرُوطٌ أَحَدُهَا: وُجُودُ الزَّادِ وَأَوْعِيَتِهِ وَمُؤْنَةِ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ، وَقِيلَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِبَلَدِهِ أَهْلٌ وَعَشِيرَةٌ لَمْ تُشْتَرَطْ نَفَقَةُ الْإِيَابِ، فَلَوْ كَانَ يَكْتَسِبُ كُلَّ يَوْمٍ مَا يَفِي بِزَادِهِ وَسَفَرُهُ طَوِيلٌ لَمْ يُكَلَّفْ الْحَجَّ، وَإِنْ قَصُرَ وَهُوَ يَكْتَسِبُ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ كُلِّفَ
الشَّرْحُ (وَهِيَ) أَيْ الِاسْتِطَاعَةُ (نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: اسْتِطَاعَةُ مُبَاشَرَةٍ) لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بِنَفْسِهِ (وَلَهَا شُرُوطٌ) سَبْعَةٌ، وَغَالِبُهَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَتْنِ، وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفَ عَدَّهَا أَرْبَعَةً، فَقَالَ: (أَحَدُهَا: وُجُودُ الزَّادِ) الَّذِي يَكْفِيهِ (وَأَوْعِيَتِهِ) حَتَّى السُّفْرَةِ (وَمُؤْنَةِ) أَيْ كُلْفَةِ (ذَهَابِهِ) لِمَكَّةَ (وَإِيَابِهِ) أَيْ رُجُوعِهِ مِنْهَا إلَى بَلَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا أَهْلٌ وَعَشِيرَةٌ (وَقِيلَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِبَلَدِهِ) بِهَاءِ الضَّمِيرِ (أَهْلٌ) مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ كَالزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ (وَعَشِيرَةٌ) أَيْ أَقَارِبُ وَلَوْ كَانُوا مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ - أَيْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا (لَمْ تُشْتَرَطْ) فِي حَقِّهِ (نَفَقَةُ الْإِيَابِ) لِأَنَّ الْبِلَادَ كُلَّهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ سَوَاءٌ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ لِمَا فِي الْغُرْبَةِ مِنْ الْوَحْشَةِ، وَالْوَجْهَانِ جَارِيَانِ أَيْضًا فِي الرَّاحِلَةِ لِلرُّجُوعِ.
تَنْبِيهٌ: يَدْخُلُ فِي الْمُؤْنَةِ الزَّادُ وَأَوْعِيَتُهُ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْمُؤْنَةِ أَغْنَى عَنْهُمَا فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَهْلٌ أَوْ عَشِيرَةٌ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لَأَغْنَى عَمَّا قَدَّرْته وَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ وُجُودَ أَحَدِهِمَا كَافٍ فِي الْجَزْمِ بِاشْتِرَاطِ نَفَقَةِ الْإِيَابِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بِبَلَدِهِ مَسْكَنٌ، وَمَا إذَا كَانَ لَهُ فِي الْحِجَازِ حِرْفَةٌ تَقُومُ بِمُؤْنَتِهِ وَإِلَّا اُشْتُرِطَتْ نَفَقَةُ الْإِيَابِ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ عَبَّرَ بِمُؤْنَةِ الْإِيَابِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الصُّوَرَ الَّتِي زِدْتهَا وَنَحْوَهَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْمَعَارِفِ وَالْأَصْدِقَاءِ لِتَيَسُّرِ اسْتِبْدَالِهِمْ (فَلَوْ) لَمْ يَجِدْ مَا ذُكِرَ، وَلَكِنْ (كَانَ يَكْتَسِبُ كُلَّ يَوْمٍ) فِي سَفَرِهِ (مَا يَفِي بِزَادِهِ) وَبَاقِي مُؤَنِهِ (وَسَفَرُهُ طَوِيلٌ) مَرْحَلَتَانِ فَأَكْثَرُ (لَمْ يُكَلَّفْ الْحَجَّ) وَلَوْ كَانَ يَكْسِبُ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْقَطِعُ عَنْ الْكَسْبِ لِعَارِضٍ وَبِتَقْدِيرِ عَدَمِ الِانْقِطَاعِ، فَالْجَمْعُ بَيْنَ تَعَبِ السَّفَرِ وَالْكَسْبِ فِيهِ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ (وَإِنْ قَصُرَ) السَّفَرُ كَأَنْ كَانَ بِمَكَّةَ، أَوْ عَلَى دُونِ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْهَا (وَهُوَ يَكْتَسِبُ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ) أَيْ أَيَّامِ الْحَجِّ (كُلِّفَ) الْحَجَّ بِأَنْ يَخْرُجَ لَهُ لِقِلَّةِ الْمَشَقَّةِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَكْسِبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَا يَفِي بِهِ فَقَطْ فَلَا يُكَلَّفُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْقَطِعُ عَنْ كَسْبِهِ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ، وَقَدَّرَ فِي الْمَجْمُوعِ أَيَّامَ الْحَجِّ بِمَا بَيْنَ زَوَالِ سَابِعِ ذِي الْحَجَّةِ وَزَوَالِ ثَالِثَ عَشَرَهُ، وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ يَنْفِرُ النَّفْرَ الْأَوَّلَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ زَادًا وَاحْتَاجَ إلَى أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ كُرِهَ لَهُ اعْتِمَادًا عَلَى السُّؤَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ وَإِلَّا مُنِعَ بِنَاءً عَلَى تَحْرِيمِ الْمَسْأَلَةِ لِلْمُكْتَسِبِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَوْ كَانَ يَقْدِرُ فِي الْحَضَرِ عَلَى أَنْ يَكْتَسِبَ فِي يَوْمٍ مَا يَكْفِيهِ لِذَلِكَ الْيَوْمِ وَلِلْحَجِّ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الِاكْتِسَابُ ؟ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَفَقُّهًا: إذَا كَانَ السَّفَرُ قَصِيرًا لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَلْزَمُوهُ بِهِ فِي السَّفَرِ فَفِي الْحَضَرِ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ طَوِيلًا فَكَذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ ا هـ. وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ خِلَافَهُ فِي الطَّوِيلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ الِاكْتِسَابُ لِإِيفَاءِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فَلَا يُجَابُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ لِإِيفَائِهِ أَوْلَى. وَالْوَاجِبُ فِي الْقَصِيرِ إنَّمَا هُوَ الْحَجُّ لَا الِاكْتِسَابُ، فَقَدْ نَقَلَ الْخُوَارِزْمِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ اكْتِسَابَ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي السَّفَرِ بَيْنَ الْقَصِيرِ وَالطَّوِيلِ.
المتن الثَّانِي وُجُودُ الرَّاحِلَةِ لِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ، فَإِنْ لَحِقَهُ بِالرَّاحِلَةِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ اُشْتُرِطَ وُجُودُ مَحْمِلٍ، وَاشْتُرِطَ شَرِيكٌ يَجْلِسُ فِي الشِّقِّ الْآخَرِ، وَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ، وَهُوَ قَوِيٌّ عَلَى الْمَشْيِ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ، فَإِنْ ضَعُفَ فَكَالْبَعِيدِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَاضِلَيْنِ عَنْ دَيْنِهِ وَمُؤْنَةِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ، وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنِهِ وَعَبْدٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِخِدْمَتِهِ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ صَرْفُ مَالِ تِجَارَتِهِ إلَيْهِمَا.
الشَّرْحُ (الثَّانِي) مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِطَاعَةِ (وُجُودُ الرَّاحِلَةِ) الصَّالِحَةِ لِمِثْلِهِ بِشِرَاءٍ أَوْ اسْتِئْجَارٍ بِثَمَنِ أَوْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ (لِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ) فَأَكْثَرُ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ أَمْ لَا، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِلْقَادِرِ عَلَى الْمَشْيِ الْحَجُّ خُرُوجًا مِنْ خِلَافٍ أَوْجَبَهُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي اسْتِحْبَابِ الْمَشْيِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: لَا يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ الْخُرُوجُ مَاشِيَةً لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ، وَرُبَّمَا تَظْهَرُ لِلرِّجَالِ إذَا كَانَتْ مَاشِيَةً، وَعَلَى الْأَوَّلِ لِوَلِيِّهَا مَنْعُهَا كَمَا قَالَهُ فِي التَّقْرِيبِ، وَالرُّكُوبُ لِوَاجِدِ الرَّاحِلَةِ أَفْضَلُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ يَرْكَبَ عَلَى قَتَبٍ أَوْ رَحْلٍ لَا مَحْمِلٍ وَهَوْدَجٍ. وَالرَّاحِلَةُ - وَالْهَاءُ فِيهَا لِلْمُبَالَغَةِ - هِيَ النَّاقَةُ الَّتِي تَصْلُحُ لَأَنْ تَرْحَلَ، وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ بِهَا كُلُّ مَا يُرْكَبُ مِنْ الْإِبِلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى. قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: وَفِي مَعْنَى الرَّاحِلَةِ كُلُّ دَابَّةٍ اُعْتِيدَ الْحَمْلُ عَلَيْهَا فِي طَرِيقِهِ مِنْ بِرْذَوْنٍ أَوْ بَغْلٍ، أَوْ حِمَارٍ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرُوا مَسَافَةَ الْقَصْرِ هُنَا مِنْ مَبْدَأِ سَفَرِهِ إلَى مَكَّةَ لَا إلَى الْحَرَمِ عَكْسَ مَا اعْتَبَرُوهُ فِي حَاضِرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الْمُتَمَتِّعِ رِعَايَةً لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِيهِمَا (فَإِنْ لَحِقَهُ بِالرَّاحِلَةِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ) وَضَبَطَهَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بِمَا يُوَازِي ضَرَرُهُ الضَّرَرَ الَّذِي بَيْنَ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ، وَعَبَّرَ غَيْرُهُ بِمَا يَخْشَى مِنْهُ الْمَرَضَ. قَالَ الْإِمَامُ: وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ بِأَنْ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا فِيمَا أَظُنُّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ وَقْفَةٌ لِلْمُتَأَمِّلِ أَوْ كَانَ أُنْثَى وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهَا وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى ( اُشْتُرِطَ وُجُودُ مَحْمِلٍ) بِفَتْحِ مِيمِهِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ بِخَطِّ مُؤَلِّفِهِ، وَقِيلَ عَكْسُهُ، وَهُوَ الْخَشَبَةُ الَّتِي يَرْكَبُ فِيهَا بِبَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ بِعِوَضِ مِثْلٍ دَفْعًا لِلضَّرَرِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَلِأَنَّهُ أَسْتَرُ لِلْأُنْثَى وَأَحْوَطُ لِلْخُنْثَى. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَحْسُنُ الضَّبْطُ فِي حَقِّ الْأُنْثَى بِمَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهَا أَوْ عَادَةُ أَمْثَالِهَا فِي سَفَرِهَا الدُّنْيَوِيِّ وَغَايَةُ الرِّفْقِ أَنْ يَسْلُكَ بِالْعِبَادَةِ مَسْلَكَ الْعَادَةِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ نِسَاءِ الْأَعْرَابِ وَالْأَكْرَادِ وَالتُّرْكُمَانِ كَالرِّجَالِ فَإِنَّ الْوَاحِدَةَ مِنْهُنَّ تَرْكَبُ الْخَيْلَ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ بِلَا مَشَقَّةٍ ا هـ. وَمَعَ هَذَا فَالسَّتْرُ مِنْهَا مَطْلُوبٌ، فَإِنْ لَحِقَ مَنْ ذُكِرَ فِي رُكُوبِ الْمَحْمِلِ الْمَشَقَّةُ الْمَذْكُورَةُ اُعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ الْكَنِيسَةُ، وَهِيَ أَعْوَادٌ مُرْتَفِعَةٌ فِي جَوَانِبِ الْمَحْمِلِ يَكُونُ عَلَيْهَا سِتْرٌ دَافِعٌ لِلْحَرِّ وَالْبَرْدِ (وَاشْتُرِطَ شَرِيكٌ) أَيْضًا مَعَ وُجُودِ الْمَحْمِلِ (يَجْلِسُ فِي الشِّقِّ الْآخَرِ) لِتَعَذُّرِ رُكُوبِ شِقٍّ لَا يُعَادِلُهُ شَيْءٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ النُّسُكُ، وَإِنْ وَجَدَ مُؤْنَةَ الْمَحْمِلِ بِتَمَامِهِ أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً فِي مِثْلِهِ بِالْمُعَادَلَةِ بِالْأَثْقَالِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَإِنْ خَالَفَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ لِمَا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ. وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ لِمُرِيدِ النُّسُكِ رَفِيقٌ مُوَافِقٌ، رَاغِبٌ فِي الْخَيْرِ كَارِهٌ لِلشَّرِّ، إنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ، وَيَحْمِلُ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَيَرَى لَهُ عَلَيْهِ فَضْلًا وَحُرْمَةً، وَإِنْ رَأَى رَفِيقًا عَالِمًا دَيِّنًا كَانَ ذَاكَ هُوَ الْفَضْلُ الْعَظِيمُ. وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: " ابْتَغِ الرَّفِيقَ قَبْلَ الطَّرِيقِ، فَإِنْ عَرَضَ لَكَ أَمْرٌ نَصَرَك، وَإِنْ احْتَجْت إلَيْهِ رَفَدَك " (وَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) أَيْ مَكَّةَ (دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ، وَهُوَ قَوِيٌّ عَلَى الْمَشْيِ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ ) لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ وُجُودُ الرَّاحِلَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، وَأَشْعَرَ تَعْبِيرُهُ بِالْمَشْيِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْحَبْوُ أَوْ الزَّحْفُ وَإِنْ أَطَاقَهُمَا وَهُوَ كَذَلِكَ (فَإِنْ ضَعُفَ) عَنْ الْمَشْيِ بِأَنْ عَجَزَ أَوْ لَحِقَهُ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ (فَكَالْبَعِيدِ) عَنْ مَكَّةَ فَيُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ وُجُودُ الرَّاحِلَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا؛ (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ) مَا ذُكِرَ مِنْ (الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ) مَعَ الْمَحْمِلِ وَالشَّرِيكِ (فَاضِلِينَ عَنْ دَيْنِهِ) حَالًّا كَانَ أَوْ مُؤَجَّلًا، سَوَاءٌ كَانَ لِآدَمِيٍّ أَمْ لِلَّهِ تَعَالَى كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ فِي ذِمَّةِ شَخْصٍ مَالٌ فَإِنْ أَمْكَنَ تَحْصِيلُهُ فِي الْحَالِ فَكَالْحَاصِلِ عِنْدَهُ وَإِلَّا فَكَالْمَعْدُومِ (وَ) عَنْ (مُؤْنَةِ) أَيْ كُلْفَةِ (مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ) لِئَلَّا يُضَيَّعُوا. وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ} وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَاضِلًا عَنْ دَسْتِ ثَوْبٍ يَلِيقُ بِهِ، وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ.
تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْمُؤْنَةِ يَشْمَلُ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ وَالْخِدْمَةَ وَالسُّكْنَى وَإِعْفَافَ الْأَبِ، وَكَذَا أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَثَمَنُ الْأَدْوِيَةِ حَيْثُ احْتَاجَ إلَيْهَا الْقَرِيبُ وَالْمَمْلُوكُ، فَهِيَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمُحَرَّرِ بِالنَّفَقَةِ، وَلَكِنْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: مَنْ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْدِرُ عَلَى النَّفَقَةِ فَلَا تَجِبُ عَلَى قَرِيبِهِ دُونَ الْمُؤْنَةِ فَتَجِبُ وَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ قَدْ يُوهِمُ جَوَازَ الْحَجِّ عِنْدَ فَقْدِ مُؤْنَةِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ؛ لِأَنَّهُمَا جَعَلَا ذَلِكَ شَرْطًا لِلْوُجُوبِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَتْرُكَ لَهُمْ نَفَقَةَ الذَّهَابِ وَالْإِيَابِ وَإِلَّا فَيَكُونُ مُضَيِّعًا لَهُمْ. قَالَهُ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَغَيْرِهِ (وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ) أَيْ مَا سَبَقَ جَمِيعِهِ (فَاضِلًا) أَيْضًا (عَنْ مَسْكَنِهِ) اللَّائِقِ بِهِ الْمُسْتَغْرِقِ لِحَاجَتِهِ (وَ) عَنْ (عَبْدٍ) يَلِيقُ بِهِ وَ (يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِخِدْمَتِهِ) لِمَنْصِبٍ أَوْ عَجْزٍ كَمَا يُبْقَيَانِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ مَعَهُ تَقْدِيرٌ صَرَفَهُ إلَيْهِمَا مُكِّنَ مِنْهُ. وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يُبَاعَانِ قِيَاسًا عَلَى الدَّيْنِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ الدَّارُ مُسْتَغْرِقَةً لِحَاجَتِهِ وَكَانَتْ سُكْنَى مِثْلِهِ وَالْعَبْدُ يَلِيقُ بِهِ كَمَا قَرَّرْت بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ. فَأَمَّا إذَا أَمْكَنَ بَيْعُ بَعْضِ الدَّارِ وَلَوْ غَيْرَ نَفِيسَةٍ وَوَفَى ثَمَنُهُ بِمُؤْنَةِ الْحَجِّ، أَوْ كَانَا نَفِيسَيْنِ لَا يَلِيقَانِ بِمِثْلِهِ وَلَوْ أَبْدَلَهُمَا لَوَفَى التَّفَاوُتُ بِمُؤْنَةِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ جَزْمًا وَلَوْ كَانَا مَأْلُوفَيْنِ، بِخِلَافِهِ فِي الْكَفَّارَةِ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعُهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِأَنَّ لَهَا بَدَلًا، وَالْأَمَةُ كَالْعَبْدِ وَلَوْ كَانَتْ لِلتَّمَتُّعِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَكَلَامُهُمْ يَشْمَلُ الْمَرْأَةَ الْمَكْفِيَّةَ بِإِسْكَانِ الزَّوْجِ وَإِخْدَامِهِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَدْ تَنْقَطِعُ فَتَحْتَاجُ إلَيْهِمَا، وَكَذَا الْمَسْكَنُ لِلْمُتَفَقِّهَةِ السَّاكِنِينَ بِبُيُوتِ الْمَدَارِسِ وَالصُّوفِيَّةِ بِالرُّبُطِ وَنَحْوِهِمَا ا هـ. وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ مِنْ أَنَّ هَؤُلَاءِ مُسْتَطِيعُونَ لِاسْتِغْنَائِهِمْ فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ الْمُعْتَبَرُ، وَلِهَذَا تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى مَنْ كَانَ غَنِيًّا لَيْلَةَ الْعِيدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا تَكَلَّمُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّدَقَةِ بِمَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ هُنَاكَ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْحَاجَةِ حَاجَةُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ، فَلَمْ يَعْتَبِرُوا حَاجَتَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ مَا ذُكِرَ فَاضِلًا أَيْضًا عَنْ كُتُبِ الْعَالِمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ تَصْنِيفٍ وَاحِدٍ نُسْخَتَانِ فَيَبِيعَ إحْدَاهُمَا، وَحُكْمُ خَيْلِ الْجُنْدِيِّ وَسِلَاحِهِ كَكُتُبِ الْفَقِيهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ، وَهَذَانِ يَجْرِيَانِ فِي الْفِطْرَةِ، وَالْحَاجَةُ إلَى النِّكَاحِ لَا تَمْنَعُ الْوُجُوبَ، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ لِخَائِفِ الْعَنَتِ تَقْدِيمُ النِّكَاحِ وَلِغَيْرِهِ تَقْدِيمُ النُّسُكِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يَلْزَمُهُ صَرْفُ مَالِ تِجَارَتِهِ إلَيْهِمَا) أَيْ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا وَيَلْزَمُ مَنْ لَهُ مُسْتَغِلَّاتٌ يَحْصُلُ مِنْهَا نَفَقَتُهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَصْرِفَهَا لِمَا ذُكِرَ فِي الْأَصَحِّ كَمَا يَلْزَمُهُ صَرْفُ مَا ذُكِرَ فِي دَيْنِهِ، وَيُخَالِفُ الْمَسْكَنَ وَالْخَادِمَ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِمَا فِي الْحَالِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا يُتَّخَذُ ذَخِيرَةً لِلْمُسْتَقْبَلِ. وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ مَا ذُكِرَ لِئَلَّا يَلْتَحِقَ بِالْمَسَاكِينِ، وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ كَسْبٌ أَوْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فِيهِ بُعْدٌ. قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: مَنْ اسْتَطَاعَ الْحَجَّ وَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى أَفْلَسَ فَعَلَيْهِ الْخُرُوجُ إلَى الْحَجِّ، وَإِنْ عَجَزَ بِالْإِفْلَاسِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَكْتَسِبَ قَدْرَ الزَّادِ، فَإِنْ عَجَزَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ الزَّكَاةَ وَالصَّدَقَةَ وَيَحُجَّ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَمَاتَ مَاتَ عَاصِيًا.
المتن الثَّالِثُ أَمْنُ الطَّرِيقِ فَلَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ سَبُعًا أَوْ عَدُوًّا أَوْ رَصَدِيًّا وَلَا طَرِيقَ سِوَاهُ لَمْ يَجِبْ الْحَجُّ، وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ رُكُوبِ الْبَحْرِ إنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْبَذْرَقَةِ، وَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمَاءِ وَالزَّادِ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُعْتَادِ حَمْلُهُ مِنْهَا بِثَمَنِ الْمِثْلِ، وَهُوَ الْقَدْرُ اللَّائِق بِهِ، فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَعَلَفِ الدَّابَّةِ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ وَفِي الْمَرْأَةِ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا زَوْجٌ، أَوْ مَحْرَمٌ أَوْ نِسْوَةٌ ثِقَاتٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ مَحْرَمٍ لِإِحْدَاهُنَّ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُهَا أُجْرَةُ الْمَحْرَمِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ إلَّا بِهَا.
الشَّرْحُ تَنْبِيهٌ وَيُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ النُّسُكِ وُجُودُ الْمَاءِ وَالزَّادِ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُعْتَادِ حَمْلُهُ مِنْهَا بِثَمَنِ الْمِثْلِ (الثَّالِثُ) مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِطَاعَةِ (أَمْنُ الطَّرِيقِ) وَلَوْ ظَنًّا فِي كُلِّ مَكَان بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ (فَلَوْ خَافَ) فِي طَرِيقِهِ (عَلَى نَفْسِهِ) أَوْ عُضْوِهِ أَوْ نَفْسٍ مُحْتَرَمَةٍ مَعَهُ أَوْ عُضْوِهَا (أَوْ مَالِهِ) وَلَوْ يَسِيرًا، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَقْيِيدُهُ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلنَّفَقَةِ وَالْمُؤَنِ، أَمَّا إذَا أَرَادَ اسْتِصْحَابَ مَالٍ خَطِيرٍ لِلتِّجَارَةِ وَكَانَ الْخَوْفُ لِأَجْلِهِ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ (سَبُعًا أَوْ عَدُوًّا أَوْ رَصَدِيًّا) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِهَا، وَهُوَ مَنْ يَرْصُدُ - أَيْ يَرْقُبُ مَنْ يَمُرُّ لِيَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا (وَلَا طَرِيقَ) لَهُ (سِوَاهُ لَمْ يَجِبْ الْحَجُّ) عَلَيْهِ لِحُصُولِ الضُّرِّ، وَالْمُرَادُ بِالْأَمْنِ الْأَمْنُ الْعَامُّ حَتَّى لَوْ كَانَ الْخَوْفُ فِي حَقِّهِ وَحْدَهُ قُضِيَ مِنْ تَرِكَتِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ النَّصِّ، وَجَزَمَ فِي الْكِفَايَةِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْخَوْفُ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ وَالنَّفْرِ الْقَلِيلِ لَمْ يُمْنَعْ الْوُجُوبُ، وَلَا فَرْقَ فِي الَّذِي يُخَافُ مِنْهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ لَكِنْ إنْ كَانُوا كُفَّارًا وَأَطَاقَ الْخَائِفُونَ مُقَاوَمَتَهُمْ سُنَّ لَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا لِلنُّسُكِ وَيُقَاتِلُوهُمْ لِيَنَالُوا ثَوَابَ النُّسُكِ وَالْجِهَادِ، وَإِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ لَمْ يُسَنَّ لَهُمْ الْخُرُوجُ وَالْقِتَالُ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ الْكُفَّارُ مِثْلَيْنَا أَوْ أَقَلَّ لِمَ لَا يَجِبُ قِتَالُهُمْ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ السِّيَرِ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ انْصِرَافُنَا عَنْهُمْ حِينَئِذٍ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَهَذَا بِخِلَافِهِ. وَيُكْرَهُ بَذْلُ الْمَالِ لِلرَّصَدِيِّ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْرِيضِ عَلَى التَّعَرُّضِ لِلنَّاسِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا. فَإِنْ قِيلَ قَدْ قَيَّدُوا تَخْصِيصَ الْكَرَاهَةِ فِي بَابِ الْإِحْصَارِ بِالْكُفَّارِ. . أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّهَا هُنَاكَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَبَذْلُ الْمَالِ عَلَى الْمُحْرِمِ أَسْهَلُ مِنْ قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا قَبْلَهُ فَلَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ لِارْتِكَابِ الذُّلِّ وَعَارِضُ الْكَرَاهَةِ هُنَاكَ اسْتِمْرَارُ الْبَقَاءِ عَلَى الْإِحْرَامِ. نَعَمْ إنْ كَانَ الْمُعْطِي هُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ وَجَبَ الْحَجُّ كَمَا نَقَلَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ عَنْ الْإِمَامِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَسَكَتَ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ، وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْوُجُوبِ لِلْمِنَّةِ ا هـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ خِلَافًا لِابْنِ الْعِمَادِ. أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ آمِنٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ سُلُوكُهُ وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ مِنْ الْأَوَّلِ (وَالْأَظْهَرُ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْمَذْهَبِ (وُجُوبُ رُكُوبِ الْبَحْرِ) بِسُكُونِ الْحَاءِ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا لِمَنْ لَا طَرِيقَ لَهُ غَيْرُهُ وَلَوْ امْرَأَةً (إنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ) فِي رُكُوبِهِ كَسُلُوكِ طَرِيقِ الْبَرِّ عِنْدَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ، فَإِنْ غَلَبَ الْهَلَاكُ أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ لَمْ يَجِبْ، بَلْ يَحْرُمُ فِي الْأَوَّلِ قَطْعًا، وَفِي الثَّانِي عَلَى الصَّحِيحِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ، وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ مُطْلَقًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَوْفِ وَالْخَطَرِ وَتَعَسُّرِ دَفْعِ عَوَارِضِهِ. وَالثَّالِثُ: يَجِبُ مُطْلَقًا لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ، وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ وَإِذَا لَمْ نُوجِبْ رُكُوبَهُ وَجَوَّزْنَاهُ اُسْتُحِبَّ لِلرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِذَا لَمْ نُجَوِّزْهُ فَرَكِبَهُ لِعَارِضٍ فَإِنْ كَانَ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا قَطَعَهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهِ، أَوْ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ أَقَلَّ أَوْ تَسَاوَيَا فَلَا رُجُوعَ لَهُ بَلْ يَلْزَمُهُ التَّمَادِي لِقُرْبِهِ مِنْ مَقْصِدِهِ فِي الْأَوَّلِ وَاسْتِوَاءِ الْجِهَتَيْنِ فِي حَقِّهِ فِي الثَّانِي، وَهَذَا بِخِلَافِ جَوَازِ تَحَلُّلِ الْمُحْرِمِ إذَا أَحَاطَ بِهِ الْعَدُوُّ؛ لِأَنَّ الْمُحْصَرَ مَحْبُوسٌ وَعَلَيْهِ فِي مُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ مَشَقَّةٌ بِخِلَافِ رَاكِبِ الْبَحْرِ. نَعَمْ إنْ كَانَ مُحْرِمًا كَانَ كَالْمُحْصَرِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَصِحُّ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الذَّهَابِ وَمَنْعِهِ مِنْ الِانْصِرَافِ مَعَ أَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي؟. أُجِيبَ بِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ خَشِيَ الْعَضْبَ أَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَضَاقَ وَقْتُهُ أَوْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ تِلْكَ السَّنَةَ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ اسْتِقْرَارُ الْوُجُوبِ، هَذَا إنْ وَجَدَ بَعْدَ الْحَجِّ طَرِيقًا آخَرَ فِي الْبَرِّ وَإِلَّا فَلَهُ الرُّجُوعُ لِئَلَّا يَتَحَمَّلَ زِيَادَةَ الْخَطَرِ بِرُكُوبِ الْبَحْرِ فِي رُجُوعِهِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْكَثْرَةِ وَالتَّسَاوِي الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ النَّظَرُ إلَى الْمَسَافَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْخَوْفِ فِي جَمِيعِ الْمَسَافَةِ. أَمَّا لَوْ اخْتَلَفَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْمَوْضِعِ الْمَخُوفِ وَغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ أَمَامَهُ أَقَلُّ مَسَافَةً لَكِنَّهُ أَخْوَفُ أَوْ هُوَ الْمَخُوفُ لَا يَلْزَمُهُ التَّمَادِي وَإِنْ كَانَ أَطْوَلَ مَسَافَةً وَلَكِنَّهُ سَلِيمٌ وَخَلَفَ الْمَخُوفَ وَرَاءَهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ ا هـ. وَهُوَ بَحْثٌ حَسَنٌ، وَلَا خَطَرَ فِي الْأَنْهَارِ الْعَظِيمَةِ كَجَيْحُونٍ وَسَيْحُونٍ وَالدِّجْلَةِ فَيَجِبُ رُكُوبُهَا مُطْلَقًا إذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا؛ لِأَنَّ الْمُقَامَ فِيهَا لَا يَطُولُ، وَالْخَطَرُ فِيهَا لَا يَعْظُمُ لِأَنَّ جَانِبَهَا قَرِيبٌ يُمْكِنُ الْخُرُوجُ إلَيْهِ سَرِيعًا بِخِلَافِ الْبَحْرِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَانَ التَّصْوِيرُ فِيمَا إذَا كَانَ يَقْطَعُهَا عَرْضًا. أَمَّا لَوْ كَانَ السَّيْرُ فِيهَا طُولًا فَهِيَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ كَالْبَحْرِ وَأَخْطَرَ ا هـ. وَهُوَ كَمَا قَالَ خُصُوصًا أَيَّامَ زِيَادَةِ النِّيلِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (وَ) الْأَظْهَرُ (أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْبَذْرَقَةِ) وَهِيَ بِمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَذَالٍ سَاكِنَةٍ مُعْجَمَةٍ وَمُهْمَلَةٍ عَجَمِيَّةٍ مُعَرَّبَةٍ الْخِفَارَةُ لِأَنَّهَا أُهْبَةٌ مِنْ أُهَبِ الطَّرِيقِ مَأْخُوذَةٌ بِحَقٍّ فَكَانَتْ كَأُجْرَةِ الدَّلِيلِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ الطَّرِيقُ إلَّا بِهِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ مَنْ يَأْخُذُ مِنْهُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَيَخْفِرُهُ بِحَيْثُ يَأْمَنُ مَعَهُ فِي غَالِبِ الظَّنِّ وَجَبَ اسْتِئْجَارُهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ الْإِمَامِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ إنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الدَّلِيلِ وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ مُشْعِرَةً بِخِلَافِهِ. وَالثَّانِي وَأَجَابَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ النَّصِّ: لَا تَلْزَمُهُ لِأَنَّهَا خُسْرَانٌ لِدَفْعِ الظَّالِمِ فَأَشْبَهَ التَّسْلِيمَ إلَى الظَّالِمِ فَلَا يَجِبُ الْحَجُّ مَعَ طَلَبِهَا، وَمَعَ هَذَا فَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ.
تَنْبِيهٌ: تَبِعَ الْمُصَنِّفُ الْمُحَرَّرَ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَكِنَّ الَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ وَالرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَجْهَانِ (وَيُشْتَرَطُ) فِي وُجُوبِ النُّسُكِ (وُجُودُ الْمَاءِ وَالزَّادِ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُعْتَادِ حَمْلُهُ مِنْهَا بِثَمَنِ الْمِثْلِ) فَإِنْ لَمْ يُوجَدَا أَوْ أَحَدُهُمَا، كَأَنْ كَانَ عَامَ جَدْبٍ وَخَلَا بَعْضُ الْمَنَازِلِ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ انْقَطَعَتْ الْمِيَاهُ أَوْ وَجَدَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ لَمْ يَلْزَمْهُ النُّسُكُ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَحْمِلْ ذَلِكَ مَعَهُ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ حَمَلَهُ عَظُمَتْ الْمُؤْنَةُ إلَّا أَنْ تَكُونَ زِيَادَةً يَسِيرَةً فَتُغْتَفَرَ، وَلَا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ فِي شِرَاءِ الْمَاءِ لِلطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَهَا بَدَلٌ، بِخِلَافِ الْحَجِّ قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ (وَهُوَ) أَيْ ثَمَنُ الْمِثْلِ (الْقَدْرُ اللَّائِقُ بِهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ) وَإِنْ غَلَتْ الْأَسْعَارُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيَجِبُ حَمْلُ الْمَاءِ وَالزَّادِ بِقَدْرِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ كَحَمْلِ الزَّادِ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى مَكَّةَ وَحَمْلِ الْمَاءِ مِنْ مَرْحَلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَانَ هَذَا عَادَةَ طَرِيقِ الْعِرَاقِ وَإِلَّا فَعَادَةُ الشَّامِ حَمْلُهُ غَالِبًا بِمَفَازَةِ تَبُوكَ، وَهِيَ ضِعْفُ ذَلِكَ ا هـ. وَكَذَا عَادَةُ أَهْلِ مِصْرَ حَمْلُهُ إلَى الْعَقَبَةِ وَالضَّابِطُ الْعُرْفُ، وَالظَّاهِرُ اخْتِلَافُهُ بِاخْتِلَافِ النَّوَاحِي (وَ) وُجُودُ (عَلَفِ الدَّابَّةِ) بِفَتْحِ اللَّامِ (فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ) لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ تَعْظُمُ بِحَمْلِهِ لِكَثْرَتِهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ الْعَادَةِ كَالْمَاءِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ وَإِلَّا لَمَا لَزِمَ آفَاقِيًّا الْحَجُّ أَصْلًا، فَإِنْ عَدِمَ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ جَازَ لَهُ الرُّجُوعُ، وَلَوْ جَهِلَ الْمَانِعَ وَثَمَّ أَصْلٌ اُسْتُصْحِبَ وَإِلَّا وَجَبَ الْخُرُوجُ، وَيَتَبَيَّنُ لُزُومُ الْخُرُوجِ بِتَبَيُّنِ عَدَمِ الْمَانِعِ، فَلَوْ ظَنَّ كَوْنَ الطَّرِيقِ فِيهِ مَانِعٌ فَتَرَكَ الْخُرُوجَ ثُمَّ بَانَ أَنْ لَا مَانِعَ لَزِمَهُ النُّسُكُ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا كَمَا فِي التَّنْبِيهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ السَّيْرِ الْمُعْتَادِ لِأَدَاءِ النُّسُكِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ وَإِنْ اعْتَرَضَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَاسْتِقْرَارِهِ لَا لِوُجُوبِهِ، فَقَدْ صَوَّبَ الْمُصَنِّفُ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا يَشْهَدُ لَهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ رِفْقَةٍ يَخْرُجُ مَعَهُمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ الْخُرُوجَ فِيهِ، وَأَنْ يَسِيرُوا السَّيْرَ الْمُعْتَادَ، فَإِنْ خَرَجُوا قَبْلَهُ أَوْ أَخَّرُوا الْخُرُوجَ بِحَيْثُ لَا يَصِلُونَ إلَى مَكَّةَ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ مَرْحَلَةٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ، أَوْ كَانُوا يَسِيرُونَ فَوْقَ الْعَادَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْخُرُوجُ، هَذَا إنْ احْتَاجَ إلَى الرُّفْقَةِ لِدَفْعِ الْخَوْفِ، فَإِنْ أَمِنَ الطَّرِيقَ بِحَيْثُ لَا يَخَافُ الْوَاحِدُ فِيهَا لَزِمَهُ، وَلَا حَاجَةَ لِلرُّفْقَةِ، وَلَا نَظَرَ إلَى الْوَحْشَةِ بِخِلَافِهَا فِيمَا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لِمَا هُنَا بِخِلَافِهِ ثَمَّ (وَ) يُشْتَرَطُ (فِي) وُجُوبِ نُسُكِ (الْمَرْأَةِ) زَائِدًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الرَّجُلِ (أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا زَوْجٌ أَوْ مَحْرَمٌ) لَهَا بِنَسَبٍ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ نِسْوَةٌ): بِكَسْرِ النُّونِ وَضَمِّهَا جَمْعُ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهَا (ثِقَاتٌ) لِأَنَّ سَفَرَهَا وَحْدَهَا حَرَامٌ وَإِنْ كَانَتْ فِي قَافِلَةٍ لِخَوْفِ اسْتِمَالَتِهَا وَخَدِيعَتِهَا، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ {لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ} وَفِي رِوَايَةٍ فِيهِمَا: {لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ} لَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الزَّوْجِ وَالْمَحْرَمِ كَوْنَهُمَا ثِقَتَيْنِ كَمَا قَالُوا نِسْوَةٌ ثِقَاتٌ، وَهُوَ فِي الزَّوْجِ وَاضِحٌ. وَأَمَّا فِي الْمَحْرَمِ فَيُشْبِهُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّ الْوَازِعَ الطَّبِيعِيَّ أَقْوَى مِنْ الشَّرْعِيِّ، وَكَالْمَحْرَمِ عَبْدُهَا الْأَمِينُ وَالْمَمْسُوحُ. وَشَرَطَ الْعَبَّادِيُّ فِي الْمَحْرَمِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا، وَيُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ، وَيَنْبَغِي مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِالصَّبِيِّ، إذْ لَا يَحْصُلُ لَهَا مَعَهُ الْأَمْنُ عَلَى نَفْسِهَا إلَّا فِي مُرَاهِقٍ ذِي وَجَاهَةٍ بِحَيْثُ يَحْصُلُ مَعَهُ الْأَمْنُ لِاحْتِرَامِهِ، وَأَفْهَمَ تَقْيِيدُهُ فِي النِّسْوَةِ الثِّقَاتِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي غَيْرُ الثِّقَاتِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الْمَحَارِمِ لِعَدَمِ الْأَمْنِ، وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ بُلُوغُهُنَّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِخَطَرِ السَّفَرِ إلَّا أَنْ يَكُنَّ مُرَاهِقَاتٍ فَيَظْهَرَ الِاكْتِفَاءُ بِهِنَّ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ ثَلَاثٌ غَيْرُهَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ بَعِيدٌ لَا مَعْنَى لَهُ، بَلْ الْمُتَّجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِأَقَلِّ الْجَمْعِ، وَهُوَ ثَلَاثٌ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ الِاكْتِفَاءُ بِالْمَرْأَتَيْنِ لِأَنَّهُنَّ يَصِرْنَ ثَلَاثًا، وَلَا شَكَّ فِيهِ عِنْدَ مَنْ يَكْتَفِي بِاجْتِمَاعِ نِسْوَةٍ لَا مَحْرَمَ لِإِحْدَاهُنَّ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ ا هـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ لِانْقِطَاعِ الْأَطْمَاعِ عَنْهُنَّ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِنَّ، وَلَا يَجِبُ الْخُرُوجُ مَعَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ.
تَنْبِيهٌ: مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ اشْتِرَاطِ النِّسْوَةِ هُوَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ. أَمَّا الْجَوَازُ فَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ لِأَدَاءِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ مَعَ الْمَرْأَةِ الثِّقَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي شَرْحَيْ الْمُهَذَّبِ وَمُسْلِمٍ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فَافْهَمْهُ فَإِنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا: شَرْطُ وُجُوبِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَالثَّانِيَةُ: شَرْطُ جَوَازِ الْخُرُوجِ لِأَدَائِهَا وَقَدْ اشْتَبَهَتَا عَلَى كَثِيرٍ حَتَّى تَوَهَّمُوا اخْتِلَافَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ وَحْدَهَا إذَا أَمِنَتْ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ مَا دَلَّ مِنْ الْأَخْبَارِ عَلَى جَوَازِ السَّفَرِ وَحْدَهَا. أَمَّا حَجُّ التَّطَوُّعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَسْفَارِ الَّتِي لَا تَجِبُ فَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُجَ إلَيْهِ مَعَ امْرَأَةٍ بَلْ وَلَا مَعَ النِّسْوَةِ الْخُلَّصِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، لَكِنْ لَوْ تَطَوَّعَتْ بِحَجٍّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَمَاتَ فَلَهَا إتْمَامُهُ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ، وَلَهَا الْهِجْرَةُ مِنْ بِلَادِ الْكُفْرِ وَحْدَهَا. وَيُشْتَرَطُ فِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ مَحْرَمٌ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ لَا أَجْنَبِيَّاتٍ، كَذَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْأَحْدَاثِ عَنْ أَبِي الْفُتُوحِ وَأَقَرَّهُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمَا قَالَهُ فِي الْأَجْنَبِيَّاتِ لَا يَسْتَقِيمُ فَإِنَّ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ جَوَازُ خَلْوَةِ الرَّجُلِ بِنِسْوَةٍ، وَقَدْ ذَكَرَهُ هُوَ قُبَيْلَ هَذَا بِقَلِيلٍ عَلَى الصَّوَابِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْأَمْرَدُ الْجَمِيلُ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ، يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ فِي حَقِّهِ مَا يَأْمَنُ مَعَهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَرِيبٍ وَنَحْوِهِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا ا هـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ (وَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ مَحْرَمٍ) أَوْ زَوْجٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (لِإِحْدَاهُنَّ) لِمَا مَرَّ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنُوبُهُنَّ أَمْرٌ فَيَسْتَعِنَّ بِهِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يَلْزَمُهَا أُجْرَةُ الْمَحْرَمِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ) مَعَهَا (إلَّا بِهَا) إذَا كَانَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَأُجْرَةِ الْبَذْرَقَةِ وَأَوْلَى بِاللُّزُومِ؛ لِأَنَّ الدَّاعِيَ إلَى الْتِزَامِ هَذِهِ الْمُؤْنَةِ مَعْنِيٌّ فِيهَا فَأَشْبَهَ مُؤْنَةَ الْحَمْلِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ، وَأُجْرَةُ الزَّوْجِ كَالْمَحْرَمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَفِي أُجْرَةِ النِّسْوَةِ نَظَرٌ لِلْإِسْنَوِيِّ، وَالْمُتَّجَهُ إلْحَاقُهُنَّ بِالْمَحْرَمِ، وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ حَجُّ التَّطَوُّعِ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ، وَكَذَا السَّفَرُ لِلْفَرْضِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ امْتَنَعَ مَحْرَمُهَا مِنْ الْخُرُوجِ بِالْأُجْرَةِ لَمْ يُجْبَرْ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ حَدِّ الزِّنَا. نَعَمْ لَوْ كَانَ عَبْدُهَا مَحْرَمًا لَهَا كَانَ لَهَا إجْبَارُهُ، وَكَذَا لَا يُجْبَرُ الزَّوْجُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: نَعَمْ إنْ كَانَ قَدْ أَفْسَدَ حَجَّهَا وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْجَاجُ بِهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ بِلَا أَجْرٍ. فَإِنْ قِيلَ: مَا فَائِدَةُ لُزُومِ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي؟. أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ التَّعْصِيَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ عَنْهَا مِنْ تَرِكَتِهَا، أَوْ تَكُونُ نَذَرَتْ الْحَجَّ فِي سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ خَشِيَتْ الْعَضْبَ، فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ الْمَرْأَةُ عَلَيْهَا لَمْ يَلْزَمْهَا النُّسُكُ.
المتن ، الرَّابِعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ بِلَا مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَعَلَى الْأَعْمَى الْحَجُّ إنْ وَجَدَ قَائِدًا، وَهُوَ كَالْمَحْرَمِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ، وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ كَغَيْرِهِ لَكِنْ لَا يُدْفَعُ الْمَالُ إلَيْهِ، بَلْ يَخْرُجُ مَعَهُ الْوَلِيُّ أَوْ يَنْصِبُ شَخْصًا لَهُ:
الشَّرْحُ (الرَّابِعُ) مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِطَاعَةِ (أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ) أَوْ فِي مَحْمِلٍ وَنَحْوِهِ (بِلَا مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ) فَمَنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهَا أَصْلًا أَوْ ثَبَتَ فِي مَحْمِلٍ عَلَيْهَا لَكِنْ بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ لِكِبَرٍ وَغَيْرِهِ انْتَفَى عَنْهُ اسْتِطَاعَةُ الْمُبَاشَرَةِ، وَلَا تَضُرُّ مَشَقَّةٌ تُحْتَمَلُ فِي الْعَادَةِ (وَعَلَى الْأَعْمَى الْحَجُّ) وَالْعُمْرَةُ (إنْ وَجَدَ) مَعَ مَا مَرَّ (قَائِدًا) يَقُودُهُ وَيَهْدِيهِ عِنْدَ نُزُولِهِ وَيُرَكِّبُهُ عِنْدَ رُكُوبِهِ (وَهُوَ) فِي حَقِّهِ (كَالْمَحْرَمِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ) فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ، وَلَوْ أَمْكَنَ مَقْطُوعُ الْأَطْرَافِ الثُّبُوتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ لَزِمَهُ بِشَرْطِ وُجُودِ مُعِينٍ لَهُ، وَالْمُرَادُ بِالرَّاحِلَةِ هُنَا الْبَعِيرُ بِمَحْمِلٍ أَوْ غَيْرِهِ خِلَافُ الرَّاحِلَةِ فِيمَا سَبَقَ فَإِنَّهَا الْبَعِيرُ الْخَالِي عَنْ الْمَحْمِلِ (وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ كَغَيْرِهِ) فِي وُجُوبِ النُّسُكِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فَيَصِحُّ إحْرَامُهُ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ (لَكِنْ لَا يُدْفَعُ الْمَالُ إلَيْهِ) لِئَلَّا يُبَذِّرَهُ (بَلْ يَخْرُجُ مَعَهُ الْوَلِيُّ) بِنَفْسِهِ إنْ شَاءَ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ بِالْمَعْرُوفِ (أَوْ يَنْصِبُ شَخْصًا لَهُ) ثِقَةً يَنُوبُ عَنْ الْوَلِيِّ وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ مُتَبَرِّعًا كَافِيًا لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أُجْرَتَهُ كَأُجْرَةِ مَنْ يَخْرُجُ مَعَ الْمَرْأَةِ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي إذَا قَصُرَتْ مُدَّةُ السَّفَرِ أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِ النَّفَقَةُ، لِقَوْلِهِمْ فِي الْوَصَايَا وَغَيْرِهَا: إنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُسَلِّمَهُ نَفَقَةَ أُسْبُوعٍ فَأُسْبُوعٍ إذَا كَانَ لَا يُتْلِفُهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَلِيَّ فِي الْحَضَرِ يُرَاقِبُهُ، فَإِنْ أَتْلَفَهَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ السَّفَرِ فَرُبَّمَا أَتْلَفَ وَلَا يَجِدُ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ فَيُضَيَّعُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: هَذَا إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَإِنْ تَبَرَّعَ الْوَلِيُّ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ السَّفِيهُ مِنْ غَيْرِ تَمْلِيكٍ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ.
تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ أَنْ تُوجَدَ هَذِهِ الْمُعْتَبَرَاتُ فِي إيجَابِ الْحَجِّ فِي الْوَقْتِ، فَلَوْ اسْتَطَاعَ فِي رَمَضَانَ مَثَلًا ثُمَّ افْتَقَرَ فِي شَوَّالٍ فَلَا اسْتِطَاعَةَ، وَكَذَا لَوْ افْتَقَرَ بَعْدَ حَجِّهِمْ وَقَبْلَ رُجُوعِ مَنْ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ الذَّهَابُ وَالْإِيَابُ.
المتن النَّوْعُ الثَّانِي: اسْتِطَاعَةُ تَحْصِيلِهِ بِغَيْرِهِ، فَمَنْ مَاتَ وَفِي ذِمَّتِهِ حَجٌّ وَجَبَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَالْمَعْضُوبُ الْعَاجِزُ عَنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ وَإِنْ وَجَدَ أُجْرَةَ مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَزِمَهُ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا فَاضِلَةً عَنْ الْحَاجَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَنْ حَجَّ بِنَفْسِهِ، لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ نَفَقَةُ الْعِيَالِ ذَهَابًا وَإِيَابًا، وَلَوْ بَذَلَ وَلَدُهُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ مَالًا لِلْأُجْرَةِ لَمْ يَجِبْ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ بَذَلَ الْوَلَدُ الطَّاعَةَ وَجَبَ قَبُولُهُ، وَكَذَا الْأَجْنَبِيُّ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ (النَّوْعُ الثَّانِي: اسْتِطَاعَةُ تَحْصِيلِهِ) أَيْ الْحَجِّ لَا بِالْمُبَاشَرَةِ بَلْ (بِغَيْرِهِ، فَمَنْ مَاتَ وَفِي ذِمَّتِهِ حَجٌّ) وَاجِبٌ مُسْتَقِرٌّ بِأَنْ تَمَكَّنَ بَعْدَ اسْتِطَاعَتِهِ مِنْ فِعْلِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ بَعْدَ انْتِصَافِ لَيْلَةِ النَّحْرِ وَمُضِيِّ إمْكَانِ الرَّمْيِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ إنْ دَخَلَ الْحَاجُّ بَعْدَ الْوُقُوفِ ثُمَّ مَاتَ أَثِمَ وَلَوْ شَابًّا، وَإِنْ لَمْ تَرْجِعْ الْقَافِلَةُ (وَجَبَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ) وَلَوْ كَانَ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا مُسْتَأْجَرًا عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ وَزَادَ عَلَى الْمُحَرَّرِ قَوْلَهُ (مِنْ تَرِكَتِهِ) وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ كَمَا يَقْضِي مِنْهَا دَيْنَهُ لِرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا {أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا ؟ قَالَ: نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ أَكُنْت قَاضِيَتَهُ ؟ قَالَتْ نَعَمْ. قَالَ: اقْضُوا دَيْنَ اللَّهِ فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ} وَلَفْظُ النَّسَائِيّ {أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ ؟ قَالَ: أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ أَكُنْت قَاضِيَهُ ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ} فَشَبَّهَ الْحَجَّ بِالدَّيْنِ الَّذِي لَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْحُكْمِ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا جَوَّزَ لَهُ التَّأْخِيرَ لَا التَّفْوِيتَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَأْثَمْ إذَا مَاتَ أَثْنَاءَ وَقْتِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتٍ يَسَعُهَا؛ لِأَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا مَعْلُومٌ فَلَا تَقْصِيرَ مَا لَمْ يُؤَخِّرْهُ عَنْهُ وَالْإِبَاحَةُ فِي الْحَجِّ بِشَرْطِ الْمُبَادَرَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَإِذَا مَاتَ قَبْلَ فِعْلِهِ أَشْعَرَ الْحَالُ بِالتَّقْصِيرِ، وَاعْتِبَارُ إمْكَانِ الرَّمْيِ نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ التَّهْذِيبِ وَأَقَرَّهُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَا بُدَّ مِنْ زَمَنٍ يَسَعُ الْحَلْقَ أَوْ التَّقْصِيرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ رُكْنٌ، وَيُعْتَبَرُ الْأَمْنُ فِي السَّيْرِ إلَى مَكَّةَ لِلطَّوَافِ لَيْلًا ا هـ. وَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ الْحَجِّ سِنِينَ فَلَمْ يَحُجَّ ثُمَّ مَاتَ أَوْ عَضَبَ فَعِصْيَانُهُ مِنْ السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ لِجَوَازِ التَّأْخِيرِ إلَيْهَا فَيَتَبَيَّنُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ عَضْبِهِ فِسْقُهُ فِي السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ بَلْ وَفِيمَا بَعْدَهَا فِي الْمَعْضُوبِ إلَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَلَا يُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيَنْقُضُ مَا شَهِدَ بِهِ فِي السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ بَلْ وَفِيمَا بَعْدَهَا فِي الْمَعْضُوبِ إلَى مَا ذُكِرَ كَمَا فِي نَقْضِ الْحُكْمِ بِشُهُودٍ بَانَ فِسْقُهُمْ، فَإِنْ حَجَّ عَنْهُ الْوَارِثُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِاسْتِئْجَارٍ سَقَطَ الْحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ، وَلَوْ فَعَلَهُ أَجْنَبِيٌّ جَازَ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ كَمَا لَهُ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ بِلَا إذْنٍ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إذْنٍ كَمَا مَرَّ، لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ، بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنْ لَمْ يَخْلُفْ تَرِكَةً لَمْ يَجِبْ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ لَا عَلَى الْوَارِثِ وَلَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْأَدَاءِ بَعْدَ الْوُجُوبِ كَأَنْ مَاتَ أَوْ جُنَّ أَوْ تَلِفَ مَالُهُ قَبْلَ حَجِّ النَّاسِ لَمْ يَقْضِ مِنْ تَرِكَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْعُمْرَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَالْحَجِّ. فَإِنْ قِيلَ: يُسْتَثْنَى مِنْ الصَّوَابِ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَوَقَعَ عَنْهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ خَرَجَ بِقَوْلِهِ: مِنْ تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ لَا تَرِكَةَ لَهُ عَلَى الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ زَوَالُ مِلْكِهِ بِالرِّدَّةِ (وَالْمَعْضُوبُ) بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ مِنْ الْعَضْبِ، وَهُوَ الْقَطْعُ كَأَنَّهُ قُطِعَ عَنْ كَمَالِ الْحَرَكَةِ، وَبِصَادٍ مُهْمَلَةٍ كَأَنَّهُ قُطِعَ عَصَبُهُ، وَوَصَفَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (الْعَاجِزُ عَنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ) حَالًا أَوْ مَآلًا؛ لِكِبَرٍ أَوْ زَمَانَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ فِي مَعْنَى التَّفْسِيرِ لِلْمَعْضُوبِ وَلَيْسَتْ خَبَرًا لَهُ بَلْ الْخَبَرُ جُمْلَتَا الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فِي قَوْلِهِ (وَإِنْ وَجَدَ أُجْرَةَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ) أَيْ مِثْلِ مُبَاشَرَتِهِ. أَيْ فَمَا دُونَهَا (لَزِمَهُ) الْحَجُّ بِهَا لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ كَمَا تَكُونُ بِالنَّفْسِ تَكُونُ بِبَذْلِ الْمَالِ وَطَاعَةِ الرِّجَالِ، وَلِهَذَا يُقَالُ لِمَنْ لَا يُحْسِنُ الْبِنَاءَ: إنَّك مُسْتَطِيعٌ بِنَاءَ دَارِك إذَا كَانَ مَعَهُ مَا يَفِي بِبِنَائِهَا، وَإِذَا صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ لِلْآيَةِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ {أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ ؟ قَالَ نَعَمْ} وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. نَعَمْ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَزِمَهُ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ لِقِلَّةِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَك أَنْ تَقُولَ: إنَّهُ قَدْ لَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ فَيُضْطَرُّ إلَى الِاسْتِنَابَةِ ا هـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أُجْرَةَ مَاشٍ. قِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْجَارُ إذَا كَانَ السَّفَرُ طَوِيلًا كَمَا لَا يُكَلَّفُ الْخُرُوجَ مَاشِيًا، وَالْأَصَحُّ اللُّزُومُ، لِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي مَشْيِ غَيْرِهِ إلَّا إذَا كَانَ أَصْلًا أَوْ فَرْعًا كَمَا يَأْخُذُ مِمَّا سَيَأْتِي فِي الْمُطَاعِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّ الْمَعْضُوبَ لَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَحَجَّ عَنْهُ ثُمَّ شُفِيَ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ، وَلَا يَقَعُ الْحَجُّ عَنْهُ عَلَى الْأَظْهَرِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ الْأُجْرَةَ كَمَا رَجَّحَاهُ هُنَا وَإِنْ رَجَّحَا قَبْلَهُ بِيَسِيرٍ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ، فَقَدْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: إنَّ الْمَذْكُورَ هُنَا هُوَ الصَّوَابُ (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا) أَيْ الْأُجْرَةِ السَّابِقَةِ (فَاضِلَةً عَنْ الْحَاجَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَنْ حَجَّ بِنَفْسِهِ) وَتَقَدَّمَ بَيَانُهَا (لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ نَفَقَةُ الْعِيَالِ) وَلَا غَيْرُهَا مِنْ مُؤَنِهِمْ (ذَهَابًا وَإِيَابًا) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُفَارِقْ أَهْلَهُ يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُ نَفَقَتِهِمْ وَنَفَقَتُهُ كَنَفَقَتِهِمْ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَأَقَرَّهُ. نَعَمْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْأُجْرَةِ فَاضِلَةً عَنْ مُؤْنَتِهِمْ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَعَنْ مُؤْنَتِهِ يَوْمَ الِاسْتِئْجَارِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْمُؤْنَةِ بَدَلَ النَّفَقَةِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا زِدْته (وَلَوْ) وَجَدَ دُونَ الْأُجْرَةِ وَرَضِيَ بِهِ أَجِيرٌ لَزِمَهُ الِاسْتِئْجَارُ لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ، وَالْمِنَّةُ فِيهِ لَيْسَتْ كَالْمِنَّةِ فِي الْمَالِ، فَلَوْ لَمْ يَجِدْ أُجْرَةً وَ (بَذَلَ) بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ أَعْطَى لَهُ (وَلَدُهُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ مَالًا لِلْأُجْرَةِ لَمْ يَجِبْ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ) لِمَا فِي قَبُولِ الْمَالِ مِنْ الْمِنَّةِ، وَالثَّانِي: يَجِبُ كَبَذْلِ الطَّاعَةِ، وَالْخِلَافُ فِي الْأَجْنَبِيِّ مُرَتَّبٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي الِابْنِ، وَأَوْلَى بِأَنْ لَا يَجِبَ قَالَهُ فِي الْبَيَانِ، وَالْأَبُ كَالِابْنِ فِي أَصَحِّ احْتِمَالَيْنِ لِلْإِمَامِ، وَالِاحْتِمَالُ الْآخَرُ أَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ كَانَ الْوَلَدُ الْمُطِيعُ عَاجِزًا عَنْ الْحَجِّ أَيْضًا وَقَدَرَ عَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرَ لَهُ مَنْ يَحُجَّ وَبَذَلَ لَهُ ذَلِكَ وَجَبَ الْحَجُّ عَلَى الْمَبْذُولِ لَهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَجَمَاعَةٍ، وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ تَصْحِيحِ الْمُتَوَلِّي لَوْ اسْتَأْجَرَ الْمُطِيعُ إنْسَانًا لِلْحَجِّ عَنْ الْمُطَاعِ الْمَعْضُوبِ، فَالْمَذْهَبُ لُزُومُهُ إنْ كَانَ الْمُطِيعُ وَلَدًا لِتَمَكُّنِهِ. فَإِنْ كَانَ الْمُطِيعُ أَجْنَبِيًّا فَفِيهِ وَجْهَانِ ا هـ. وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ لُزُومُهُ، وَكَلَامِ الْبَغَوِيِّ عَدَمُ لُزُومِهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا اعْتَمَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِيهِ، وَكَالْوَلَدِ فِي هَذَا الْوَالِدُ (وَلَوْ بَذَلَ الْوَلَدُ) وَإِنْ سَفَلَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (الطَّاعَةَ) فِي النُّسُكِ بِنَفْسِهِ (وَجَبَ قَبُولُهُ) وَهُوَ الْإِذْنُ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمِنَّةَ فِي ذَلِكَ لَيْسَتْ كَالْمِنَّةِ فِي الْمَالِ لِحُصُولِ الِاسْتِطَاعَةِ، فَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يَأْذَنْ الْحَاكِمُ عَنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّ الْحَجَّ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّرَاخِي (وَكَذَا الْأَجْنَبِيُّ) لَوْ بَذَلَ الطَّاعَةَ يَجِبُ قَبُولُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا ذُكِرَ، وَالْأَبُ وَالْأُمُّ فِي بَذْلِ الطَّاعَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَمَحَلُّ اللُّزُومِ إذَا وَثِقَ بِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ حَجٌّ وَلَوْ نَذْرًا، وَكَانُوا مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُمْ فَرْضُ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَكُونُوا مَعْضُوبِينَ، وَلَوْ تَوَسَّمَ الطَّاعَةَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَزِمَهُ أَمْرُهُ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَلْزَمُ الْوَلَدَ طَاعَتُهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ بِخِلَافِ إعْفَافِهِ، لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ هُنَا عَلَى الْوَالِدِ بِامْتِنَاعِ وَلَدِهِ مِنْ الْحَجِّ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلشَّرْعِ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ لَا يَأْثَمُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّهُ لَحِقَ الْوَالِدَ وَضَرَرُهُ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالنَّفَقَةِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ كَانَ الِابْنُ وَإِنْ سَفَلَ أَوْ الْأَبُ وَإِنْ عَلَا مَاشِيًا أَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَمِنْ الْأَجْنَبِيِّ مُعَوَّلًا عَلَى الْكَسْبِ أَوْ السُّؤَالِ وَلَوْ رَاكِبًا، أَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ مَغْرُورًا بِنَفْسِهِ بِأَنْ كَانَ يَرْكَبُ مَفَازَةً لَيْسَ فِيهَا كَسْبٌ وَلَا سُؤَالٌ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولٌ فِي ذَلِكَ لِمَشَقَّةِ مَشْيِ مَنْ ذُكِرَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَشْيِ الْأَجْنَبِيِّ وَالْكَسْبُ قَدْ يَنْقَطِعُ وَالسَّائِلُ قَدْ يَرُدُّ وَالتَّغْرِيرُ بِالنَّفْسِ حَرَامٌ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْمَشْيِ وَالْمُكْتَسِبَ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ لَا يُعْذَرُ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ، فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وُجُوبُ الْقَبُولُ فِي الْمَكِّيِّ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ رَجَعَ الْمُطِيعُ وَلَوْ بَعْدَ الْإِذْنِ لَهُ عَنْ طَاعَتِهِ قَبْلَ إحْرَامِهِ جَازَ، لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِشَيْءٍ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الشُّرُوعُ، أَوْ بَعْدَهُ فَلَا لِانْتِفَاءِ ذَلِكَ. وَإِذَا رَجَعَ فِي الْأُولَى قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ أَهْلُ بَلَدِهِ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُطَاعِ، وَلَوْ امْتَنَعَ الْمَعْضُوبُ مِنْ الِاسْتِئْجَارِ لِمَنْ يَحُجُّ عَنْهُ أَوْ مِنْ اسْتِنَابَةِ الْمُطِيعِ لَمْ يُلْزِمْهُ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ وَلَمْ يَنُبْ عَنْهُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ وَالِاسْتِنَابَةُ وَاجِبَيْنِ عَلَى الْفَوْرِ فِي حَقِّ مَنْ عَضَبَ مُطْلَقًا فِي الْإِنَابَةِ وَبَعْدَ يَسَارِهِ فِي الِاسْتِئْجَارِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْحَجِّ عَلَى التَّرَاخِي كَمَا مَرَّ، وَلِأَنَّهُ لَا حَقَّ فِيهِ لِلْغَيْرِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ وَلَوْ مَاتَ الْمُطِيعُ أَوْ رَجَعَ عَنْ الطَّاعَةِ أَوْ مَاتَ الْمُطَاعُ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ إمْكَانِ الْحَجِّ اسْتَقَرَّ الْوُجُوبُ فِي ذِمَّةِ الْمُطَاعِ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ مُطِيعٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْمَالِ وَلَا بِطَاعَةِ الْمُطِيعِ ثُمَّ عَلِمَ بِذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَتَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ وَعُمْرَتِهِ كَمَا فِي النِّيَابَةِ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِالنَّفَقَةِ وَهِيَ قَدْرُ الْكِفَايَةِ كَمَا يَجُوزُ بِالْإِجَارَةِ وَالْجَعَالَةِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ بِهَا لَمْ يَصِحَّ لِجَهَالَةِ الْعِوَضِ، وَلَوْ قَالَ الْمَعْضُوبُ: مَنْ يَحُجُّ عَنِّي فَلَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ، فَمَنْ حَجَّ عَنْهُ مِمَّنْ سَمِعَهُ أَوْ سَمِعَ مَنْ أَخْبَرَهُ عَنْهَا اسْتَحَقَّهَا، وَإِنْ أَحْرَمَ عَنْهُ اثْنَانِ مُرَتَّبًا اسْتَحَقَّهَا الْأَوَّلُ، فَإِنْ أَحْرَمَا مَعًا أَوْ جُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا مَعَ جَهْلِ سَبْقِهِ أَوْ بِدُونِهِ وَقَعَ حَجُّهُمَا عَنْهُمَا وَلَا شَيْءَ لَهُمَا عَلَى الْقَائِلِ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَلَوْ عَلِمَ سَبْقَ أَحَدِهِمَا ثُمَّ نَسِيَ فَقِيَاسُ نَظَائِرِهِ تَرْجِيحُ الْوَقْفِ، وَلَوْ كَانَ الْعِوَضُ مَجْهُولًا كَأَنْ قَالَ: مَنْ حَجَّ عَنِّي فَلَهُ ثَوْبٌ وَقَعَ الْحَجُّ عَنْهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ. خَاتِمَةٌ: الِاسْتِئْجَارُ فِيمَا ذُكِرَ ضَرْبَانِ: اسْتِئْجَارُ عَيْنٍ، وَاسْتِئْجَارُ ذِمَّةٍ، فَالْأَوَّلُ كَاسْتَأْجَرْتُكَ لِتَحُجَّ عَنِّي أَوْ عَنْ مَيِّتِي هَذِهِ السَّنَةَ، فَإِنْ عَيَّنَ غَيْرَ السَّنَةِ الْأُولَى لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ وَإِنْ أَطْلَقَ صَحَّ، وَحُمِلَ عَلَى السَّنَةِ الْحَاضِرَةِ فَإِنْ كَانَ لَا يَصِلُ إلَى مَكَّةَ إلَّا لِسَنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ، فَالْأُولَى مِنْ سِنِي إمْكَانِ الْوُصُولِ، وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ قُدْرَةُ الْأَجِيرِ عَلَى الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ وَاتِّسَاعُ الْمُدَّةِ لَهُ، وَالْمَكِّيُّ وَنَحْوُهُ يُسْتَأْجَرُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَالضَّرْبُ الثَّانِي كَقَوْلِهِ: أَلْزَمْت ذِمَّتَك تَحْصِيلَ حَجَّةٍ، وَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ فِي هَذَا الضَّرْبِ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ، فَإِنْ أَطْلَقَ حُمِلَ عَلَى الْحَاضِرَةِ فَيَبْطُلُ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ، وَلَا يُشْتَرَطُ قُدْرَتُهُ عَلَى السَّفَرِ لِإِمْكَانِ الِاسْتِنَابَةِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ، وَلَوْ قَالَ أَلْزَمْت ذِمَّتَك لِتَحُجَّ عَنِّي بِنَفْسِك صَحَّ وَتَكُونُ إجَارَةَ عَيْنٍ، وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْعَاقِدِينَ أَعْمَالَ الْحَجِّ وَلَا يَجِبُ ذِكْرُ الْمِيقَاتِ، وَيُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لِلْقِرَانِ فَالدَّمُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، فَإِنْ شَرَطَهُ عَلَى الْأَجِيرِ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ لِلْقِرَانِ مُعْسِرًا فَالصَّوْمُ الَّذِي هُوَ بَدَلُ الدَّمِ عَلَى الْأَجِيرِ: لِأَنَّ بَعْضَهُ وَهُوَ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ فِي الْحَجِّ وَاَلَّذِي فِي الْحَجِّ مِنْهُمَا هُوَ الْأَجِيرُ، وَجِمَاعُ الْأَجِيرِ مُفْسِدٌ لِلْحَجِّ وَتَنْفَسِخُ بِهِ إجَارَةُ الْعَيْنِ لَا إجَارَةُ الذِّمَّةِ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِزَمَانٍ، وَيَنْقَلِبُ فِيهِمَا الْحَجُّ لِلْأَجِيرِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ الْمَطْلُوبَ لَا يَحْصُلُ بِالْحَجِّ الْفَاسِدِ فَانْقَلَبَ لَهُ كَمُطِيعِ الْمَعْضُوبِ إذَا جَامَعَ فَسَدَ حَجُّهُ وَانْقَلَبَ لَهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ فِي فَاسِدِهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَعَلَيْهِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَ الْقَضَاءِ عَنْ نَفْسِهِ بِحَجٍّ آخَرَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي عَامٍ آخَرَ أَوْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، وَلِلْمُسْتَأْجِرِ فِيهَا الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ عَلَى التَّرَاخِي لِتَأَخُّرِ الْمَقْصُودِ، وَيَسْقُطُ فَرْضُ مَنْ حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ بِمَالٍ حَرَامٍ كَمَغْصُوبٍ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا كَمَا فِي الصَّلَاةِ فِي مَغْصُوبٍ أَوْ ثَوْبِ حَرِيرٍ.
المتن وَقْتُ إحْرَامِ الْحَجِّ: شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ لَيَالٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَفِي لَيْلَةِ النَّحْرِ وَجْهٌ:
الشَّرْحُ (بَابُ الْمَوَاقِيتِ) لِلنُّسُكِ زَمَانًا وَمَكَانًا: جَمْعُ مِيقَاتٍ، وَالْمِيقَاتُ فِي اللُّغَةِ الْحَدُّ، وَالْمُرَادُ بِهِ هَهُنَا زَمَانُ الْعِبَادَةِ وَمَكَانُهَا، وَقَدْ بَدَأَ بِالزَّمَانِ فَقَالَ: (وَقْتُ إحْرَامِ الْحَجِّ) لِمَكِّيٍّ أَوْ غَيْرِهِ (شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ) بِفَتْحِ الْقَافِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا، وَجَمْعُهُ ذَوَاتُ الْقَعْدَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقُعُودِهِمْ عَنْ الْقِتَالِ فِيهِ (وَعَشْرُ لَيَالٍ) بِالْأَيَّامِ بَيْنَهَا وَهِيَ تِسْعَةٌ (مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا وَجَمْعُهُ ذَوَاتُ الْحِجَّةِ. سُمِّيَ بِذَلِكَ لِوُقُوعِ الْحَجِّ فِيهِ. وَقَدْ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ قَوْله تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} الْبَقَرَةَ بِذَلِكَ: أَيْ وَقْتُ الْإِحْرَامِ بِهِ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ إذْ فِعْلُهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَشْهُرٍ، وَأَطْلَقَ الْأَشْهُرَ عَلَى شَهْرَيْنِ وَبَعْضِ شَهْرٍ تَنْزِيلًا لِلْبَعْضِ مَنْزِلَةَ الْكُلِّ، أَوْ إطْلَاقًا لِلْجَمِيعِ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} أَيْ عَائِشَةُ وَصَفْوَانُ (وَفِي لَيْلَةِ النَّحْرِ) وَهِيَ الْعَاشِرَةُ (وَجْهٌ) أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ وَقْتِهِ لِأَنَّ اللَّيَالِيَ تَبَعٌ لِلْأَيَّامِ، وَيَوْمُ النَّحْرِ لَا يَصِحُّ فِيهِ الْإِحْرَامُ فَكَذَا لَيْلَتُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ إذَا ضَاقَ زَمَنُ الْوُقُوفِ عَنْ إدْرَاكِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ قَالَ: وَهَذَا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْجُمُعَةِ لِبَقَاءِ الْحَجِّ حَجًّا بِفَوَاتِ الْوُقُوفِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ.
المتن فَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ انْعَقَدَ عُمْرَةً عَلَى الصَّحِيحِ، وَجَمِيعُ السَّنَةِ وَقْتٌ لِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ.
الشَّرْحُ (فَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ) أَيْ الْحَجِّ حَلَالٌ (فِي غَيْرِ وَقْتِهِ) كَأَنْ أَحْرَمَ بِهِ فِي رَمَضَانَ أَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا (انْعَقَدَ) إحْرَامُهُ بِذَلِكَ (عُمْرَةً) مُجْزِئَةً عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ (عَلَى الصَّحِيحِ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْمَذْهَبِ، سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ شَدِيدُ التَّعَلُّقِ وَاللُّزُومِ، فَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ الْوَقْتَ مَا أَحْرَمَ بِهِ انْصَرَفَ إلَى مَا يَقْبَلُهُ وَهُوَ الْعُمْرَةُ، وَلِأَنَّهُ إذَا بَطَلَ قَصْدُ الْحَجِّ فِيمَا إذَا نَوَاهُ بَقِيَ مُطْلَقُ الْإِحْرَامِ، وَالْعُمْرَةُ تَنْعَقِدُ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ كَمَا مَرَّ، وَالثَّانِي: لَا يَنْعَقِدُ عُمْرَةً بَلْ يَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُجْزِئًا عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ كَمَا لَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَتَحَلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّمَانَيْنِ لَيْسَ وَقْتًا لِلْحَجِّ، وَخَرَجَ بِحَلَالٍ مَا لَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجٍّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ، فَإِنَّ إحْرَامَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ حَجًّا لِكَوْنِهِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ، وَلَا عُمْرَةً لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَدْخُلُ عَلَى الْعُمْرَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالصَّحِيحِ دُونَ الْمَذْهَبِ مَعَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ طُرُقِ إشَارَةً إلَى ضَعْفِ الْخِلَافِ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ أَحْرَمَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَهُوَ عُمْرَةٌ، أَوْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَانَ إحْرَامُهُ فِي أَشْهُرِهِ أَوْ قَبْلَهَا. قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: كَانَ حَجًّا؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ إحْرَامَهُ الْآنَ وَشَكَّ فِي تَقَدُّمِهِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ لِلْعُمْرَةِ جَمِيعُ السَّنَةِ كَمَا قَالَ (وَجَمِيعُ السَّنَةِ وَقْتٌ لِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ) وَجَمِيعُ أَفْعَالِهَا، فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {اعْتَمَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ: أَيْ فِي ثَلَاثِ أَعْوَامٍ، وَأَنَّهُ اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ} كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَإِنْ أَنْكَرَتْهُ عَلَيْهِ عَائِشَةُ، وَأَنَّهُ قَالَ {عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً} وَفِي رِوَايَةٍ لَهَا " حَجَّةً مَعِي ". وَرُوِيَ أَنَّهُ اعْتَمَرَ فِي رَمَضَانَ وَفِي شَوَّالٍ فَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى عَدَمِ التَّأْقِيتِ، وَقَدْ يَمْتَنِعُ الْإِحْرَامُ بِهَا فِي أَوْقَاتٍ مِنْهَا، مَا لَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ فَإِنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَدْخُلُ عَلَى الْحَجِّ، وَمِنْهَا مَا إذَا أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ نَفْرِهِ لِاشْتِغَالِهِ بِالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ: فَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ التَّشَاغُلِ بِعَمَلِهَا. قَالَ الْجُوَيْنِيُّ: وَلَيْسَ لَنَا مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ حَلَالٌ، وَلَا يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ إلَّا هَذَا، وَاعْتَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِهَا وَهُوَ مُجَامِعٌ لَا تَنْعَقِدُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا امْتِنَاعُ حَجَّتَيْنِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ وَهُوَ إجْمَاعٌ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ. وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا صِحَّةُ إحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ إذَا قَصَدَ تَرْكَ الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. أَمَّا إحْرَامُهُ بِهَا بَعْدَ نَفْرِهِ فَصَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ وَقْتُ الرَّمْيِ بَعْدَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ بَاقِيًا لِأَنَّ بِالنَّفْرِ خَرَجَ مِنْ الْحَجِّ وَصَارَ كَمَا لَوْ مَضَى وَقْتُ الرَّمْيِ. نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: لَا خِلَافَ فِيهِ، وَيُسَنُّ الْإِكْثَارُ مِنْهَا وَلَوْ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ فَلَا تُكْرَهُ فِي وَقْتٍ وَلَا يُكْرَهُ تَكْرَارُهَا {فَقَدْ أَعْمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ فِي عَامٍ مَرَّتَيْنِ، وَاعْتَمَرَتْ فِي عَامٍ مَرَّتَيْنِ بَعْدَ وَفَاتِهِ} وَفِي رِوَايَةٍ ثَلَاثَ عُمَرَ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَفِعْلُهَا فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَيَوْمِ النَّحْرِ لَيْسَ بِفَاضِلٍ كَفَضْلِهِ فِي غَيْرِهِمَا لِأَنَّ الْأَفْضَلَ فِعْلُ الْحَجِّ فِيهِمَا. وَحَكَى الطَّبَرِيُّ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ فِي الطَّوَافِ وَالِاعْتِمَارِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ ؟ ثَالِثُهُمَا: إنْ اُسْتُغْرِقَ زَمَنُ الِاعْتِمَارِ بِالطَّوَافِ فَالطَّوَافُ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَالِاعْتِمَارُ.
المتن وَالْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْحَجِّ فِي حَقِّ مَنْ بِمَكَّةَ نَفْسُ مَكَّةَ، وَقِيلَ كُلُّ الْحَرَمِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَمِيقَاتُ الْمُتَوَجِّهِ مِنْ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ، وَمِنْ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ الْجُحْفَةُ، وَمِنْ تِهَامَةِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ، وَمِنْ نَجْدِ الْيَمَنِ وَنَجْدِ الْحِجَازِ قَرْنٌ، وَمِنْ الْمَشْرِقِ ذَاتُ عِرْقٍ.
الشَّرْحُ ثُمَّ شَرَعَ فِي الْمَكَانِيِّ فَقَالَ: (وَالْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْحَجِّ) وَلَوْ بِقِرَانٍ (فِي حَقِّ مَنْ بِمَكَّةَ) مِنْ أَهْلِهَا وَغَيْرِهِمْ (نَفْسُ مَكَّةَ) لِلْخَبَرِ الْآتِي (وَقِيلَ: كُلُّ الْحَرَمِ) لِأَنَّ مَكَّةَ وَسَائِرَ الْحَرَمِ فِي الْحُرْمَةِ سَوَاءٌ، فَلَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ فِرَاقِهِ بُنْيَانَ مَكَّةَ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى مَكَّةَ إلَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ كَانَ مُسِيئًا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي (وَأَمَّا غَيْرُهُ) وَهُوَ مَنْ لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ إذَا أَرَادَ الْحَجَّ أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي (فَمِيقَاتُ الْمُتَوَجِّهِ مِنْ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ) تَصْغِيرُ الْحَلْفَةِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ، وَأَحَدُ الْحَلْفَاءِ مِثْلُ قَضْبَةٍ وَقَضْبَاءَ، وَهُوَ النَّبَاتُ الْمَعْرُوفُ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَهُوَ عَلَى نَحْوِ عَشْرِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ، فَهِيَ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: وَهُوَ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ سَبْعَةٌ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَالصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ الْمُشَاهَدُ أَنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ تَزِيدُ قَلِيلًا، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْآنَ بِأَبْيَارِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَالْأَفْضَلُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ لِمَنْ هَذَا مِيقَاتُهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمَسْجِدِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَ) الْمُتَوَجِّهِ (مِنْ الشَّامِ) بِالْهَمْزِ وَالْقَصْرِ وَيَجُوزُ تَرْكُ الْهَمْزِ، وَالْمَدِّ مَعَ فَتْحِ الشِّينِ ضَعِيفٌ. وَأَوَّلُهُ كَمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ نَابُلُسُ وَآخِرُهُ الْعَرِيشُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَحَدُّهُ طُولًا مِنْ الْعَرِيشِ إلَى الْفُرَاتِ، وَعَرْضًا مِنْ جَبَلِ طَيِّئٍ مِنْ نَحْوِ الْقِبْلَةِ إلَى بَحْرِ الرُّومِ، وَمَا سَامَتْ ذَلِكَ مِنْ الْبِلَادِ، وَهُوَ مُذَكَّرٌ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَ) مِنْ (مِصْرَ) وَهِيَ الْمَدِينَةُ الْمَعْرُوفَةُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ وَتُصْرَفُ وَلَا تُصْرَفُ وَهُوَ الْفَصِيحُ، وَحَدُّهَا طُولًا مِنْ بَرْقَةَ الَّتِي فِي جَنُوبِ الْبَحْرِ الرُّومِيِّ إلَى أَيْلَةَ، وَمَسَافَةُ ذَلِكَ قَرِيبٌ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَعَرْضُهُ مِنْ مَدِينَةِ أُسْوَانَ وَمَا سَامَتَهَا مِنْ الصَّعِيدِ الْأَعْلَى إلَى رَشِيدٍ وَمَا حَاذَاهَا مِنْ مَسَاقِطِ النِّيلِ فِي الْبَحْرِ الرُّومِيِّ، وَمَسَافَةُ ذَلِكَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا سُمِّيَتْ بِاسْمِ مَنْ سَكَنَهَا أَوَّلًا، وَهُوَ مُضَرُ بْنُ قَيْصَرَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ (وَ) مِنْ (الْمَغْرِبِ الْجُحْفَةُ) وَهِيَ قَرْيَةٌ كَبِيرَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: عَلَى نَحْوِ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: عَلَى خَمْسِينَ فَرْسَخًا مِنْ مَكَّةَ وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ بَعِيدٌ، وَالْمَعْرُوفُ الْمُشَاهَدُ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ السَّيْلَ نَزَلَ عَلَيْهَا فَأَجْحَفَهَا، وَهِيَ الْآنَ خَرَابٌ، وَيُقَالُ لَهَا مَهْيَعَةٌ بِوَزْنِ مَرْتَبَةٍ، وَمَهْيَعَةٌ بِوَزْنِ مَعِيشَةٍ (وَمِنْ تِهَامَةِ الْيَمَنِ) بِكَسْرِ التَّاءِ اسْمٌ لِكُلِّ مَنْ نَزَلَ عَنْ نَجْدٍ مِنْ بِلَادِ الْحِجَازِ وَالْيَمَنُ إقْلِيمٌ مَعْرُوفٌ (يَلَمْلَمُ) وَيُقَالُ لَهُ أَلَمْلَمُ وَهُوَ أَصْلُهُ قُلِبَتْ الْهَمْزَةُ يَاءً، وَيَرَمْرَمُ بِرَاءَيْنِ وَهُوَ مَوْضِعٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ (وَمِنْ نَجْدِ الْيَمَنِ وَنَجْدِ الْحِجَازِ قَرْنٌ) بِسُكُونِ الرَّاءِ، وَيُقَالُ لَهُ قَرْنُ الْمَنَازِلِ وَقَرْنُ الثَّعَالِبِ، وَهُوَ جَبَلٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ، وَوَهِمَ الْجَوْهَرِيُّ فِي تَحْرِيكِ الرَّاءِ وَفِي قَوْلِهِ: أُوَيْسًا الْقَرَنِيَّ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى قَرْنٍ قَبِيلَةٍ مِنْ مُرَادٍ كَمَا ثَبَتَ فِي مُسْلِمٍ، وَنَجْدٌ فِي الْأَصْلِ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ وَيُسَمَّى الْمُنْخَفِضُ غَوْرًا، وَإِذَا أُطْلِقَ نَجْدٌ فَالْمُرَادُ نَجْدُ الْحِجَازِ (وَمِنْ الْمَشْرِقِ) الْعِرَاقُ وَغَيْرُهُ (ذَاتُ عِرْقٍ) وَهِيَ قَرْيَةٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ وَقَدْ خَرِبَتْ وَالْعَقِيقُ، وَهُوَ وَادٍ فَوْقَ ذَاتِ عِرْقٍ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ، وَخُرَاسَانُ أَفْضَلُ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، وَلِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ لَكِنْ رَدَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ فَفِيهِ ضَعْفٌ، وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ الْعَمَلُ بِهِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِاحْتِمَالِ صِحَّتِهِ. وَالْأَصْلُ فِي الْمَوَاقِيتِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، وَقَالَ: هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ} وَخَبَرُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ الْجُحْفَةَ}. وَخَبَرُ النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ}. وَقِيلَ: إنَّ ذَاتَ عِرْقٍ إنَّمَا كَانَ بِاجْتِهَادِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَاَلَّذِي فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ عَنْ مَيْلِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ بِالنَّصِّ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ، وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ لِلرَّافِعِيِّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ بِاجْتِهَادِ عُمَرَ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: إنَّهُ الصَّحِيحُ، وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْأَجِيرُ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مِيقَاتِ الْمَيِّتِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ الَّذِي يَحُجُّ عَنْهُ، فَإِنْ مَرَّ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْمِيقَاتِ أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعٍ بِإِزَائِهِ إذَا كَانَ أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ الْمِيقَاتِ مِنْ مَكَّةَ. حَكَاهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْفُورَانِيِّ وَأَقَرَّهُ. فَائِدَةٌ: قَالَ بَعْضُهُمْ: سَأَلْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ: فِي أَيْ سَنَةٍ أَقَّتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوَاقِيتَ الْإِحْرَامِ قَالَ: عَامَ حَجَّ.
المتن وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِ الْمِيقَاتِ وَيَجُوزُ مِنْ آخِرِهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا لَا يَنْتَهِي إلَى مِيقَاتٍ فَإِنْ حَاذَى مِيقَاتًا أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاتِهِ أَوْ مِيقَاتَيْنِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ مُحَاذَاةِ أَبْعَدِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يُحَاذِ أَحْرَمَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ، وَمِنْ مَسْكَنِهِ، بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمِيقَاتِ فَمِيقَاتُهُ مَسْكَنُهُ.
الشَّرْحُ (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِ الْمِيقَاتِ) وَهُوَ الطَّرَفُ الْأَبْعَدُ مِنْ مَكَّةَ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِحْرَامِ مِنْ وَسَطِهِ وَمِنْ آخِرِهِ لِيَقْطَعَ الْبَاقِيَ مُحْرِمًا، نَعَمْ يُسْتَثْنَى ذُو الْحُلَيْفَةِ كَمَا مَرَّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا حَقٌّ إنْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَسْجِدَ هُوَ الْمَسْجِدُ الْمَوْجُودُ آثَارُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هُوَ ا هـ. (وَيَجُوزُ مِنْ آخِرِهِ) لِوُقُوعِ الِاسْمِ عَلَيْهِ، وَالْعِبْرَةُ بِالْبُقْعَةِ لَا بِمَا بُنِيَ وَلَوْ قَرِيبًا مِنْهَا (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا) فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ (لَا يَنْتَهِي إلَى مِيقَاتٍ) مِمَّا ذُكِرَ (فَإِنْ حَاذَى) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ: أَيْ سَامَتْ (مِيقَاتًا) مِنْهَا بِمُفْرَدِهِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً لَا مِنْ ظَهْرِهِ أَوْ وَجْهِهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَرَاءَهُ وَالثَّانِي أَمَامَهُ (أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاتِهِ) لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ أَتَوْا عُمَرَ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّ لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وَهُوَ جَوْرٌ - أَيْ مَائِلٌ - عَنْ طَرِيقِنَا، وَإِنَّا إنْ أَرَدْنَا قَرْنًا شَقَّ عَلَيْنَا، قَالَ: فَانْظُرُوا حُذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ فَحَدَّ لَهُمْ عُمَرُ ذَاتَ عِرْقٍ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَإِنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مَوْضِعُ الْمُحَاذَاةِ اجْتَهَدَ، وَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يَسْتَظْهِرَ خِلَافًا لِلْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ حَيْثُ أَوْجَبَهُ (أَوْ) حَاذَى (مِيقَاتَيْنِ) طَرِيقُهُ بَيْنَهُمَا، أَوْ كَانَا مَعًا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ مُحَاذَاةِ) أَقْرَبِهِمَا إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ أَبْعَدَ إلَى مَكَّةَ، إذْ لَوْ كَانَ أَمَامَهُ مِيقَاتٌ فَإِنَّهُ مِيقَاتُهُ وَإِنْ حَاذَى مِيقَاتًا أَبْعَدَ فَكَذَا مَا هُوَ بِقُرْبِهِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ إلَيْهِ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاةِ (أَبْعَدِهِمَا) مِنْ مَكَّةَ وَإِنْ حَاذَى الْأَقْرَبَ إلَيْهَا أَوَّلًا كَأَنْ كَانَ الْأَبْعَدُ مُنْحَرِفًا أَوْ وَعْرًا. فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ إلَيْهِ فَكِلَاهُمَا مِيقَاتٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ مِيقَاتَهُ الْأَبْعَدُ إلَى مَكَّةَ وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِيمَا لَوْ جَاوَزَهُمَا مُرِيدًا لِلنُّسُكِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَوْضِعَ الْمُحَاذَاةِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْأَبْعَدِ، أَوْ إلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ لَا إنْ رَجَعَ إلَى الْآخَرِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ إلَيْهَا وَإِلَيْهِ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاتِهِمَا إنْ لَمْ يُحَاذِ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ وَإِلَّا فَمِنْ مُحَاذَاةِ الْأَوَّلِ، وَلَا يَنْتَظِرُ مُحَاذَاةَ الْآخَرِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَارِّ عَلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ أَنْ يُؤَخِّرَ إحْرَامَهُ إلَى الْجُحْفَةِ. قَالَ: وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ أَحْرَمَ مِنْ الْمَوْضِعِ الْمُحَاذِي لِأَبْعَدِهِمَا وَإِنْ شَاءَ لِأَقْرَبِهِمَا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمُرَّ عَلَى مِيقَاتٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ فَتَرَكَهُ وَقَدْ أَحْرَمَ مُحَاذِيًا الْمِيقَاتَ (وَإِنْ لَمْ يُحَاذِ) مِيقَاتًا مِمَّا سَبَقَ (أَحْرَمَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ) إذْ لَا مِيقَاتَ أَقَلُّ مَسَافَةً مِنْ هَذَا الْقَدْرِ، وَالْمُرَادُ تَقَدُّمُ الْمُحَاذَاةِ فِي عِلْمِهِ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا قَالَهُ شَارِحُ التَّعْجِيزِ؛ لِأَنَّ الْمَوَاقِيتَ تَعُمُّ جِهَاتِ مَكَّةَ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُحَاذِيَ أَحَدَهُمَا (وَمِنْ مَسْكَنِهِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمِيقَاتِ فَمِيقَاتُهُ) لِلنُّسُكِ (مَسْكَنُهُ) قَرْيَةً كَانَتْ أَوْ حِلَّةً أَوْ مَنْزِلًا مُنْفَرِدًا فَلَا يُجَاوِزُهُ حَتَّى يُحْرِمَ، وَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ إلَى الْمِيقَاتِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ: {فَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ}.
المتن وَمَنْ بَلَغَ مِيقَاتًا غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكًا ثُمَّ أَرَادَهُ فَمِيقَاتُهُ مَوْضِعُهُ، وَإِنْ بَلَغَهُ مُرِيدًا لَمْ تَجُزْ مُجَاوَزَتُهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ الْعَوْدُ لِيُحْرِمَ مِنْهُ إلَّا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ، أَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ لَزِمَهُ دَمٌ.
الشَّرْحُ (وَمَنْ بَلَغَ) يَعْنِي جَاوَزَ (مِيقَاتًا) مِنْ الْمَوَاقِيتِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا أَوْ مَوْضِعًا جَعَلْنَاهُ مِيقَاتًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِيقَاتًا أَصْلِيًّا (غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكًا ثُمَّ أَرَادَهُ فَمِيقَاتُهُ مَوْضِعُهُ) وَلَا يُكَلَّفُ الْعَوْدَ إلَى الْمِيقَاتِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ (وَإِنْ بَلَغَهُ) أَيْ وَصَلَ إلَيْهِ (مُرِيدًا) نُسُكًا (لَمْ تَجُزْ مُجَاوَزَتُهُ) إلَى جِهَةِ الْحَرَمِ (بِغَيْرِ إحْرَامٍ) بِالْإِجْمَاعِ، وَيَجُوزُ إلَى جِهَةِ الْيَمْنَةِ أَوْ الْيَسْرَةِ، وَيُحْرِمُ مِنْ مِثْلِ مِيقَاتِ بَلَدِهِ أَوْ أَبْعَدَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (فَإِنْ) خَالَفَ وَ (فَعَلَ) مَا مُنِعَ مِنْهُ بِأَنْ جَاوَزَهُ إلَى جِهَةِ الْحَرَمِ (لَزِمَهُ الْعَوْدُ لِيُحْرِمَ مِنْهُ) لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَتَرَكَهُ وَقَدْ أَمْكَنَهُ تَدَارُكَهُ فَيَأْتِي بِهِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: لِيُحْرِمَ مِنْهُ يَقْتَضِي تَعَيُّنَهُ حَتَّى لَا يَقُومَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَوْ عَادَ إلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ مِنْ مِيقَاتٍ آخَرَ جَازَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُفْسِدَ لَمَّا أَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْقَضَاءَ مِنْ الْمِيقَاتِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ فِي الْأَدَاءِ قَالُوا: إنَّهُ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ وَالْإِحْرَامُ مِنْ مِثْلِ مَسَافَتِهِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ حَتَّى ادَّعَى فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَدَمَ الْخِلَافِ فِيهِ، وَيَقْتَضِي أَيْضًا وُجُوبَ تَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ إلَى الْعَوْدِ وَلَيْسَ مُرَادًا أَيْضًا؛ لِأَنَّا إذَا قُلْنَا إنَّ الْعَوْدَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ مُسْقِطٌ لِلدَّمِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا سَيَأْتِي كَانَ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ ثُمَّ يَعُودَ إلَى الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَطْعُ الْمَسَافَةِ مُحْرِمًا كَالْمَكِّيِّ إذَا أَرَادَ الِاعْتِمَارَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ عَلَى الصَّحِيحِ، وَيَقْتَضِي أَيْضًا عَدَمَ وُجُوبِ الْعَوْدِ إذَا أَحْرَمَ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْعِلَّةَ فِي عَوْدَةِ إنْشَاءِ الْإِحْرَامِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ وَلَيْسَ مُرَادًا أَيْضًا، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ وَلَوْ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَلَا فَرْقَ فِيمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَدْ جَاوَزَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا، لِأَنَّ الْمَأْمُورَاتِ لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ فِيهَا بَيْنَ الْعَمْدِ وَغَيْرِهِ كَنِيَّةِ الصَّلَاةِ، لَكِنْ لَا إثْمَ عَلَى النَّاسِي وَالْجَاهِلِ، وَصُورَةُ السَّهْوِ لَا تَدْخُلُ فِي عِبَارَتِهِ، لِأَنَّ السَّاهِيَ عَنْ الْإِحْرَامِ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ، وَرُبَّمَا يُتَصَوَّرُ بِمَنْ أَنْشَأَ سَفَرَهُ مِنْ بَلَدِهِ قَاصِدًا لَهُ وَقَصْدُهُ مُسْتَمِرٌّ فَسَهَا عَنْهُ حِينَ الْمُجَاوَزَةِ. ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ لُزُومِ الْعَوْدِ قَوْلَهُ (إلَّا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ) عَنْ الْعَوْدِ إلَى الْمِيقَاتِ (أَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا) أَوْ كَانَ مَعْذُورًا لِمَرَضٍ شَاقٍّ أَوْ خَافَ الِانْقِطَاعَ عَنْ رُفْقَةٍ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بَلْ يُرِيقُ دَمًا.
تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: إلَّا لِعُذْرٍ كَضِيقِ الْوَقْتِ وَخَوْفِ الطَّرِيقِ لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَشْمَلَ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ تَحْرِيمُ الْعَوْدِ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ عَادَ لَفَاتَ الْحَجُّ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إذَا كَانَ مَاشِيًا وَلَمْ يَتَضَرَّرْ بِالْمَشْيِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَيَتَّجِهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ عَلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا قُلْنَا فِي الْحَجِّ مَاشِيًا ا هـ. قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَالْمُتَّجَهُ لُزُومِ الْعَوْدِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ لِمَا تَعَدَّى فِيهِ فَأَشْبَهَ وُجُوبَ قَضَاءِ الْحَجِّ الْفَاسِدِ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ ا هـ وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ كَانَ قَدْ تَعَدَّى بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِ، وَإِلَّا فَالْمُتَّجَهُ كَلَامُ الْإِسْنَوِيِّ (فَإِنْ لَمْ يَعُدْ) لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَزِمَهُ دَمٌ) بِتَرْكِهِ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا أَوْ تَرَكَهُ فَلِيُهْرِقْ دَمًا " رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَشَرْطُ لُزُومِهِ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ مُطْلَقًا أَوْ بِحَجٍّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُحْرِمْ أَصْلًا؛ لِأَنَّ لُزُومَهُ إنَّمَا هُوَ لِنُقْصَانِ النُّسُكِ لَا بَدَلَ لَهُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي سَنَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ إحْرَامَ هَذِهِ السَّنَةِ لَا يَصْلُحُ لِإِحْرَامِ غَيْرِهَا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَحْرَمَ دُونَهُ يَكُونُ كَالْمُسْلِمِ وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِلْمُزَنِيِّ.
تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَا لَوْ مَرَّ الصَّبِيُّ أَوْ الْعَبْدُ بِالْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ ثُمَّ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ فِي الْعَبْدِ وَابْنُ قَاسِمٍ فِيهِمَا فِي شَرْحَيْهِمَا عَلَى الْكَاتِبِ.
المتن وَإِنْ أَحْرَمَ ثُمَّ عَادَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ عَادَ قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِنُسُكٍ سَقَطَ الدَّمُ، وَإِلَّا فَلَا، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ الْمِيقَاتِ. قُلْت: الْمِيقَاتُ أَظْهَرُ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ (وَإِنْ أَحْرَمَ) مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ (ثُمَّ عَادَ) إلَيْهِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ عَادَ قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِنُسُكٍ سَقَطَ الدَّمُ) عَنْهُ لِأَنَّهُ قَطَعَ الْمَسَافَةَ مِنْ الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا وَأَدَّى الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا بَعْدَهُ فَكَانَ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ مِنْهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ دَخَلَ مَكَّةَ أَمْ لَا، وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ إذَا عَادَ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَيْهَا وَقِيلَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَسْقُطُ مُطْلَقًا (وَإِلَّا) بِأَنْ عَادَ بَعْدَ تَلَبُّسِهِ بِنُسُكٍ وَلَوْ طَوَافَ قُدُومٍ (فَلَا) يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ لِتَأَدِّي النُّسُكِ بِإِحْرَامٍ نَاقِصٍ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمَا يَقْتَضِي أَنَّ الدَّمَ وُجُوبٌ ثُمَّ سَقَطَ بِالْعَوْدِ وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَصُحِّحَ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ أَصْلًا لِأَنَّ وُجُوبَهُ تَعَلَّقَ بِفَوَاتِ الْعَوْدِ وَلَمْ يَفُتْ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَحَيْثُ سَقَطَ الدَّمُ بِالْعَوْدِ لَمْ تَكُنْ الْمُجَاوَزَةُ حَرَامًا كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَالرُّويَانِيُّ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْمُجَاوَزَةُ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ كَمَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ (وَالْأَفْضَلُ) لِمَنْ فَوْقَ الْمِيقَاتِ (أَنْ يُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ) لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا إلَّا الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ لَهُمَا أَنْ يُحْرِمَا مِنْ الْمِيقَاتِ عَلَى النَّصِّ (وَفِي قَوْلٍ) الْأَفْضَلُ الْإِحْرَامُ (مِنْ الْمِيقَاتِ) تَأَسِّيًا بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قُلْت: الْمِيقَاتُ) أَيْ الْإِحْرَامُ مِنْهُ إنْ لَمْ يَلْتَزِمْ بِالنَّذْرِ الْإِحْرَامَ مِمَّا قَبْلَهُ (أَظْهَرُ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي. وَلِأَنَّ فِي مُصَابَرَةٍ بِالْإِحْرَامِ بِالتَّقَدُّمِ عُسْرًا وَتَغْرِيرًا بِالْعِبَادَةِ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا، وَإِنَّمَا جَازَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ دُونَ الزَّمَانِيِّ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْعِبَادَةِ بِالْوَقْتِ أَشَدُّ مِنْهُ بِالْمَكَانِ، وَلِأَنَّ الْمَكَانِيَّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ بِخِلَافِ الزَّمَانِيِّ. أَمَّا إذَا الْتَزَمَ بِالنَّذْرِ الْإِحْرَامَ مِمَّا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُهَذَّبِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ، وَاسْتَشْكَلَ لُزُومُهُ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَعَ تَصْحِيحِهِ أَفْضَلِيَّةَ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَسَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي النَّذْرِ فِيمَا لَوْ نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا وَنَذْكُرُ مَا فِيهِ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ صُوَرٌ: مِنْهَا الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فَالْأَفْضَلُ لَهُمَا الْمِيقَاتُ كَمَا مَرَّ، وَمِنْهَا مَا لَوْ شَكَّ فِي الْمِيقَاتِ لِخَرَابِ مَكَانِهِ، فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَسْتَظْهِرَ نَدْبًا، وَقِيلَ وُجُوبًا، وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ النَّذْرِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
المتن وَمِيقَاتُ الْعُمْرَةِ لِمَنْ هُوَ خَارِجَ الْحَرَمِ مِيقَاتُ الْحَجِّ، وَمَنْ بِالْحَرَمِ، يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ وَلَوْ بِخُطْوَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ وَأَتَى بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ أَجْزَأَتْهُ فِي الْأَظْهَرِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ.
الشَّرْحُ (وَمِيقَاتُ الْعُمْرَةِ) الْمَكَانِيُّ (لِمَنْ هُوَ خَارِجَ الْحَرَمِ مِيقَاتُ الْحَجِّ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ " مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ " (وَمَنْ) هُوَ (بِالْحَرَمِ) مَكِّيٌّ أَوْ غَيْرُهُ (يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ وَلَوْ بِخُطْوَةٍ) أَوْ أَقَلَّ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ مِنْ جِهَاتِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَرْسَلَ عَائِشَةَ بَعْدَ قَضَاءِ الْحَجِّ إلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ}، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْخُرُوجُ وَاجِبًا لَمَا أَمَرَهَا لِضِيقِ الْوَقْتِ بِرَحِيلِ الْحَاجِّ، وَسَبَبُهُ أَنْ يَجْمَعَ فِي إحْرَامِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلِهِ: إلَى أَدْنَى الْحِلِّ أَوْ زَادَ بَدَلَ " وَلَوْ بِخُطْوَةٍ " بِقَلِيلٍ كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا قَدَّرْته وَلِمَنْ بِمَكَّةَ الْقِرَانُ تَغْلِيبًا لِلْحَجِّ (فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ) إلَى أَدْنَى الْحِلِّ (وَأَتَى بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ) بَعْدَ إحْرَامِهِ بِهَا فِي الْحَرَمِ انْعَقَدَتْ عُمْرَتُهُ جَزْمًا، وَ (أَجْزَأَتْهُ) هَذِهِ الْعُمْرَةُ عَنْ عُمْرَتِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِانْعِقَادِ إحْرَامِهِ وَإِتْيَانِهِ بَعْدَهُ بِالْوَاجِبَاتِ (وَ) لَكِنْ (عَلَيْهِ دَمٌ) لِتَرْكِهِ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَالثَّانِي: لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ كَالْحَجِّ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْحِلِّ وَهُوَ عَرَفَةُ.
المتن فَلَوْ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ بَعْدَ إحْرَامِهِ سَقَطَ الدَّمُ عَلَى الْمَذْهَبِ.
الشَّرْحُ (فَلَوْ خَرَجَ) عَلَى الْأَوَّلِ (إلَى) أَدْنَى (الْحِلِّ بَعْدَ إحْرَامِهِ) وَقَبْلَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ (سَقَطَ الدَّمُ عَلَى الْمَذْهَبِ) كَمَا لَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ مُحْرِمًا، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالسُّقُوطِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ انْتَهَى إلَى الْمِيقَاتِ عَلَى قَصْدِ النُّسُكِ ثُمَّ جَاوَزَهُ فَكَانَ مُسِيئًا حَقِيقَةً، وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ هَهُنَا، فَهُوَ شَبِيهٌ بِمَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ، وَالْمُرَادُ بِالسُّقُوطِ عَدَمُ الْوُجُوبِ كَمَا مَرَّ.
المتن وَأَفْضَلُ بِقَاعِ الْحِلِّ الْجِعْرَانَةُ، ثُمَّ التَّنْعِيمُ ثُمَّ الْحُدَيْبِيَةُ.
الشَّرْحُ (وَأَفْضَلُ بِقَاعِ الْحِلِّ) لِمَنْ يُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ (الْجِعْرَانَةُ) لِإِحْرَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَهِيَ بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِ الْعَيْنِ وَتَثْقِيلِ الرَّاءِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى الثَّانِي، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَهِيَ فِي طَرِيقِ الطَّائِفِ عَلَى سِتَّةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَكَّةَ. فَائِدَةٌ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَحْرَمَ مِنْهَا ثَلَاثُمِائَةِ نَبِيٍّ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (ثُمَّ التَّنْعِيمُ) لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ بِالِاعْتِمَارِ مِنْهُ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي عِنْدَ الْمَسَاجِدِ الْمَعْرُوفَةِ بِمَسَاجِدِ عَائِشَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ فَرْسَخٌ، فَهُوَ أَقْرَبُ أَطْرَافِ الْحِلِّ إلَى مَكَّةَ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَلَى يَمِينِهِ جَبَلًا يُقَالُ لَهُ نُعَيْمٌ، وَعَلَى شِمَالِهِ جَبَلًا يُقَالُ لَهُ نَاعِمٌ، وَالْوَادِي نُعْمَانُ (ثُمَّ الْحُدَيْبِيَةُ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ بِالِاعْتِمَارِ مِنْهَا فَصَدَّهُ الْكُفَّارُ فَقَدَّمَ فِعْلَهُ ثُمَّ أَمْرَهُ ثُمَّ هَمَّهُ، كَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّهُ هَمَّ بِالِاعْتِمَارِ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُ كَانَ أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ إلَّا أَنَّهُ هَمَّ بِالدُّخُولِ إلَى مَكَّةَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ - وَهِيَ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ أَفْصَحُ مِنْ تَثْقِيلِهَا - وَهِيَ اسْمٌ لِبِئْرٍ هُنَاكَ بَيْنَ طَرِيقِ جُدَّةَ وَطَرِيقِ الْمَدِينَةِ بَيْنَ جَبَلَيْنِ عَلَى سِتَّةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَكَّةَ. فَإِنْ قِيلَ لِمَ أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ بِالْإِحْرَامِ مِنْ التَّنْعِيمِ مَعَ أَنَّ الْجِعْرَانَةَ أَفْضَلُ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ لِبَيَانِ الْجَوَازِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ. وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ التَّفْضِيلَ لَيْسَ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ. خَاتِمَةٌ: يُسَنُّ لِمَنْ أَحْرَمَ مِنْ بَلَدِهِ أَوْ مِنْ مَكَّةَ أَنْ يَخْرُجَ عَقِبَ إحْرَامِهِ وَلَا يَمْكُثُ بَعْدَهُ، نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ النَّصِّ. وَيُسَنُّ لِمَنْ لَمْ يُحْرِمْ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَمِ بَطْنَ وَادٍ ثُمَّ يُحْرِمَ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ وَغَيْرِهَا، وَحَكَاهُ فِي الْإِبَانَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.
المتن يَنْعَقِدُ مُعَيَّنًا بِأَنْ يَنْوِيَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ كِلَيْهِمَا، وَمُطْلَقًا بِأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى نَفْسِ الْإِحْرَامِ، وَالتَّعْيِينُ أَفْضَلُ وَفِي قَوْلٍ الْإِطْلَاقُ فَإِنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ صَرَفَهُ بِالنِّيَّةِ إلَى مَا شَاءَ مِنْ النُّسُكَيْنِ أَوْ إلَيْهِمَا ثُمَّ اشْتَغَلَ بِالْأَعْمَالِ.
الشَّرْحُ (بَابُ الْإِحْرَامِ) وَهُوَ كَمَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الدُّخُولُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ فِيهِمَا أَوْ فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا وَلِأَحَدِهِمَا وَهُوَ الْمُطْلَقُ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى نِيَّةِ الدُّخُولِ فِيمَا ذُكِرَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ هَذَا: أَرْكَانُ الْحَجِّ خَمْسَةٌ: الْإِحْرَامُ. فَالْمُرَادُ هُنَا هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الدُّخُولُ فِيمَا ذُكِرَ. أَيْ بِالنِّيَّةِ. وَكَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ يَسْتَشْكِلُ حَقِيقَةَ الْإِحْرَامِ. فَإِنْ قِيلَ لَهُ: إنَّهُ النِّيَّةُ اعْتَرَضَ بِأَنَّهَا شَرْطٌ فِيهِ، وَشَرْطُ الشَّيْءِ غَيْرُهُ. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: أَقَمْت عَشْرَ سِنِينَ لَا أَعْرِفُ حَقِيقَةَ الْإِحْرَامِ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ إمَّا لِاقْتِضَائِهِ دُخُولَ الْحَرَمِ مِنْ قَوْلِهِمْ: أَحْرَمَ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ، كَأَنْجَدَ إذَا دَخَلَ نَجْدًا، أَوْ لِاقْتِضَائِهِ تَحْرِيمَ الْأَنْوَاعِ الْآتِيَةِ (يَنْعَقِدُ) الْإِحْرَامُ (مُعَيَّنًا بِأَنْ يَنْوِيَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ كِلَيْهِمَا) بِالْإِجْمَاعِ. وَلِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ {خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ} وَلَوْ نَوَى حَجَّتَيْنِ أَوْ نِصْفَ حَجَّةٍ انْعَقَدَ حَجَّةً أَوْ عُمْرَتَيْنِ أَوْ نِصْفَ عُمْرَةٍ انْعَقَدَ عُمْرَةً قِيَاسًا عَلَى الطَّلَاقِ فِي مَسْأَلَتَيْ النِّصْفِ وَإِلْغَاءً لِلْإِضَافَةِ إلَى ثِنْتَيْنِ فِي مَسْأَلَتَيْ الْحَجَّتَيْنِ وَالْعُمْرَتَيْنِ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ فَصَحَّ فِي وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ نَوَى بِتَيَمُّمٍ فَرِيضَتَيْنِ لَا يَسْتَبِيحُ إلَّا وَاحِدَةً كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ، وَفَارَقَ عَدَمَ الِانْعِقَادِ فِي نَظِيرِهِمَا مِنْ الصَّلَاةِ بِأَنَّ الْإِحْرَامَ يُحَافِظُ عَلَيْهِ مَا أَمْكَنَ، وَلِهَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ انْعَقَدَ عُمْرَةً كَمَا مَرَّ (وَ) يَنْعَقِدُ أَيْضًا ( مُطْلَقًا) وَذَلِكَ (بِأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى نَفْسِ الْإِحْرَامِ) بِأَنْ يَنْوِيَ الدُّخُولَ فِي النُّسُكِ الصَّالِحِ لِلْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ أَوْ يَقْتَصِرَ عَلَى قَوْلِهِ: أَحْرَمْت. رَوَى الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مُهِلِّينَ يَنْتَظِرُونَ الْقَضَاءَ - أَيْ نُزُولَ الْوَحْيِ، فَأَمَرَ مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ أَنْ يَجْعَلَ إحْرَامَهُ عُمْرَةً، وَمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَهُ حَجًّا}، وَيُفَارِقُ الصَّلَاةَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الْإِحْرَامُ بِهَا مُطْلَقًا بِأَنَّ التَّعْيِينَ لَيْسَ شَرْطًا فِي انْعِقَادِ النُّسُكِ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِنُسُكِ نَفْلٍ وَعَلَيْهِ نُسُكُ فَرْضٍ انْصَرَفَ إلَى الْفَرْضِ، وَلَوْ قَيَّدَ الْإِحْرَامَ بِزَمَنٍ كَيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ انْعَقَدَ مُطْلَقًا كَمَا فِي الطَّلَاقِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: يَنْبَغِي فِي هَذَا أَوْ فِي مَسْأَلَتَيْ النِّصْفِ عَدَمُ الِانْعِقَادِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعِبَادَاتِ وَالنِّيَّةُ الْجَازِمَةُ شَرْطٌ فِيهَا، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَلَبَةِ وَالسِّرَايَةِ وَيَقْبَلُ الْأَخْطَارَ وَيَدْخُلُهُ التَّعْلِيقُ (وَالتَّعْيِينُ أَفْضَلُ) مِنْ الْإِطْلَاقِ، وَحُكِيَ هَذَا عَنْ نَصِّ الْأُمِّ لِيُعْرَفَ مَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ، قَالُوا: وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْخَلَاصِ (وَفِي قَوْلٍ الْإِطْلَاقُ) أَفْضَلُ مِنْ التَّعْيِينِ، وَحُكِيَ هَذَا عَنْ نَصِّ الْإِمْلَاءِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا حَصَلَ لَهُ عَارِضٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ صَرْفِهِ إلَى مَا لَا يُخَافُ فَوْتُهُ (فَإِنْ أَحْرَمَ) إحْرَامًا (مُطْلَقًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ صَرَفَهُ بِالنِّيَّةِ) لَا بِاللَّفْظِ فَقَطْ (إلَى مَا شَاءَ مِنْ النُّسُكَيْنِ أَوْ إلَيْهِمَا) مَعًا إنْ صَلَحَ الْوَقْتُ لَهُمَا (ثُمَّ اشْتَغَلَ) بَعْدَ الصَّرْفِ (بِالْأَعْمَالِ) فَلَا يُجْزِئُ الْعَمَلُ قَبْلَهُ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ التَّعْبِيرُ بِثُمَّ، لَكِنْ لَوْ طَافَ ثُمَّ صَرَفَهُ لِلْحَجِّ وَقَعَ طَوَافُهُ عَنْ الْقُدُومِ وَإِنْ كَانَ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ، وَلَوْ سَعَى بَعْدَهُ احْتَمَلَ الْإِجْزَاءَ لِوُقُوعِهِ تَبَعًا وَاحْتُمِلَ خِلَافُهُ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِأَنَّهُ رُكْنٌ فَيُحْتَاطُ لَهُ وَإِنْ وَقَعَ تَبَعًا، فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ بِأَنْ فَاتَ وَقْتُ الْحَجِّ صَرَفَهُ لِلْعُمْرَةِ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ. وَعَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَيَّنَ عُمْرَةً كَمَا لَوْ أَحْرَمَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ وَعَلَيْهِ التَّعَيُّنُ، فَإِنْ عَيَّنَ عُمْرَةً مَضَى أَوْ حَجًّا كَانَ كَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَلَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ لَهُ صَرْفَهُ إلَى مَا شَاءَ، وَيَكُونُ عِنْدَ صَرْفِهِ إلَى الْحَجِّ كَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا ثُمَّ أَفْسَدَهُ قَبْلَ التَّعْيِينِ فَأَيَّهُمَا عَيَّنَهُ كَانَ مُفْسِدًا لَهُ.
المتن وَإِنْ أَطْلَقَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ فَالْأَصَحُّ انْعِقَادُهُ عُمْرَةً فَلَا يَصْرِفُهُ إلَى الْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ.
الشَّرْحُ (وَإِنْ أَطْلَقَ) الْإِحْرَامَ (فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ) أَيْ الْحَجِّ (فَالْأَصَحُّ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ (انْعِقَادُهُ عُمْرَةً فَلَا يَصْرِفُهُ إلَى الْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ) أَيْ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَا يَقْبَلُ غَيْرَ الْعُمْرَةِ، وَالثَّانِي يَنْعَقِدُ مُبْهَمًا فَلَهُ صَرْفُهُ إلَى عُمْرَةٍ، وَبَعْدَ دُخُولِ أَشْهُرِ الْحَجِّ إلَى النُّسُكَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ صَرَفَهُ إلَى الْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ كَانَ كَإِحْرَامِهِ بِهِ قَبْلَهَا فَيَنْعَقِدُ عُمْرَةً عَلَى الصَّحِيحِ.
المتن وَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَيْدٌ مُحْرِمًا انْعَدَّ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ إنْ عَلِمَ عَدَمَ إحْرَامِ زَيْدٍ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَإِنْ كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا انْعَقَدَ إحْرَامُهُ كَإِحْرَامِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ إحْرَامِهِ بِمَوْتِهِ جَعَلَ نَفْسَهُ قَارِنًا وَعَمِلَ أَعْمَالَ النُّسُكَيْنِ.
الشَّرْحُ (وَلَهُ) أَيْ لِعَمْرٍو مَثَلًا (أَنْ يُحْرِمَ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ) كَأَنْ يَقُولَ: أَحْرَمْت بِمَا أَحْرَمَ بِهِ زَيْدٌ أَوْ كَإِحْرَامِهِ؛ لِأَنَّ أَبَا مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَهَلَّ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَخْبَرَهُ قَالَ لَهُ: أَحْسَنْت طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَحِلَّ، وَكَذَا فَعَلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَيْدٌ مُحْرِمًا) أَوْ كَانَ كَافِرًا بِأَنْ أَتَى بِصُورَةِ الْإِحْرَامِ، أَوْ مُحْرِمًا إحْرَامًا فَاسِدًا (انْعَقَدَ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا) لِأَنَّهُ قَصَدَ الْإِحْرَامَ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ، فَإِذَا بَطَلَتْ بَقِيَ أَصْلُ الْإِحْرَامِ وَلَغَتْ إضَافَتُهُ لِزَيْدٍ (وَقِيلَ إنْ عَلِمَ عَدَمَ إحْرَامِ زَيْدٍ لَمْ يَنْعَقِدْ) إحْرَامُهُ كَمَا لَوْ عَلَّقَ، فَقَالَ إنْ كَانَ مُحْرِمًا فَقَدْ أَحْرَمْت فَلَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا، وَفَرَّقَ الْأَصَحَّ بِأَنَّ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ تَعْلِيقُ أَصْلِ الْإِحْرَامِ فَلَيْسَ جَازِمًا بِهِ بِخِلَافِ الْمَقِيسِ فَإِنَّهُ جَازِمٌ بِالْإِحْرَامِ فِيهِ (وَإِنْ كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا) بِإِحْرَامٍ صَحِيحٍ (انْعَقَدَ إحْرَامُهُ كَإِحْرَامِهِ) مِنْ تَعْيِينٍ أَوْ إطْلَاقٍ وَيَتَخَيَّرُ فِي الْمُطْلَقِ كَمَا يَتَخَيَّرُ زَيْدٌ، وَلَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ إلَى مَا يَصْرِفُهُ زَيْدٌ، وَلَوْ عَيَّنَ زَيْدٌ قَبْلَ إحْرَامِ عَمْرٍو حَجًّا انْعَقَدَ إحْرَامُ عَمْرٍو مُطْلَقًا، وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ زَيْدٌ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ فَيَنْعَقِدُ لِعَمْرٍو عُمْرَةً لَا قِرَانًا، وَلَا يَلْزَمُهُ إدْخَالُ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِهِ التَّشْبِيهَ فِي الْحَالِ فِي الصُّورَتَيْنِ، فَيَكُونَ فِي الْأُولَى حَاجًّا وَفِي الثَّانِيَةِ قَارِنًا، وَلَوْ أَحْرَمَ قَبْلَ صَرْفِهِ فِي الْأُولَى وَقَبْلَ إدْخَالِ الْحَجِّ فِي الثَّانِيَةِ وَقَصَدَ التَّشْبِيهَ بِهِ فِي حَالِ تَلَبُّسِهِ بِإِحْرَامِهِ الْحَاضِرِ وَالْآتِي، فَفِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَصِحُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِمُسْتَقْبَلٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ جَازِمٌ فِي الْحَالِ، وَيُغْتَفَرُ ذَلِكَ فِي الْكَيْفِيَّةِ دُونَ الْأَصْلِ، فَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يَخْطُرْ بِهِ التَّشْبِيهُ بِإِحْرَامِ زَيْدٍ فِي الْحَالِ وَلَا فِي أَوَّلِهِ، فَإِنْ خَطَرَ لَهُ التَّشْبِيهُ بِأَوَّلِهِ أَوْ بِالْحَالِ فَالِاعْتِبَارُ بِمَا خَطَرَ لَهُ قَطْعًا، وَلَوْ أَخْبَرَهُ زَيْدٌ بِمَا أَحْرَمَ وَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ خِلَافُهُ عَمِلَ بِمَا أَخْبَرَهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَلَوْ عَلَّقَ إحْرَامَهُ عَلَى إحْرَامِ زَيْدٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، كَأَنْ قَالَ إذَا أَوْ نَحْوَهَا كَمَتَى، أَوْ إنْ أَحْرَمَ زَيْدٌ فَأَنَا مُحْرِمٌ لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا، كَمَا لَوْ قَالَ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنَا مُحْرِمٌ لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَعْلَقُ بِالْأَخْطَارِ، أَوْ قَالَ: إنْ كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا فَأَنَا مُحْرِمٌ وَكَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا انْعَقَدَ إحْرَامُهُ وَإِلَّا فَلَا تَبَعًا لَهُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَصِحَّ فِي الْأُولَى كَهَذِهِ إلَّا أَنَّ تِلْكَ تَعْلِيقٌ بِمُسْتَقْبَلٍ، وَهَذِهِ تَعْلِيقٌ بِحَاضِرٍ، وَمَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ مِنْ الْعُقُودِ يَقْبَلُهُمَا جَمِيعًا. وَأُجِيبَ، بِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِحَاضِرٍ أَقَلُّ غَرَرًا لِوُجُودِهِ فِي الْوَاقِعِ فَكَانَ قَرِيبًا مِنْ أَحْرَمْت، كَإِحْرَامِ زَيْدٍ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ بِمُسْتَقْبَلٍ (فَإِنْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ إحْرَامِهِ) وَعَبَّرَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ بِتَعَسَّرَ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ التَّعَذُّرُ، وَسَوَاءٌ عُلِمَ أَنَّهُ أَحْرَمَ أَمْ جُهِلَ حَالُهُ (بِمَوْتِهِ) أَوْ جُنُونِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَغَيْبَةٍ بَعِيدَةٍ (جَعَلَ) عَمْرٌو (نَفْسَهُ قَارِنًا) بِأَنْ يَنْوِيَ الْقِرَانَ وَلَمْ يَجْتَهِدْ وَكَذَا إنْ نَسِيَ الْمُحْرِمُ مَا أَحْرَمَ بِهِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَلَبَّسَ بِالْإِحْرَامِ يَقِينًا فَلَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِيَقِينِ الْإِتْيَانِ بِالْمَشْرُوعِ فِيهِ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ لَا يَجْتَهِدُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَانِي وَالْقِبْلَةِ أَنَّ أَدَاءَ الْعِبَادَةِ ثَمَّ لَا يَحْصُلُ بِيَقِينٍ إلَّا بَعْدَ فِعْلٍ مَحْظُورٍ وَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، أَوْ يَسْتَعْمِلَ نَجِسًا فَلِذَلِكَ جَازَ التَّحَرِّي، وَهُنَا يَحْصُلُ الْأَدَاءُ بِيَقِينٍ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ مَحْظُورٍ (وَعَمِلَ أَعْمَالَ النُّسُكَيْنِ) لِيَتَحَقَّقَ الْخُرُوجُ عَمَّا شَرَعَ فِيهِ فَتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِنْ الْحَجِّ بَعْدَ إتْيَانِهِ بِأَعْمَالِهِ، لِأَنَّهُ إمَّا مُحْرِمٌ بِهِ أَوْ مُدْخِلٌ لَهُ عَلَى الْعُمْرَةِ، وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْ الْعُمْرَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَيَمْتَنِعُ إدْخَالُهَا عَلَيْهِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ. إذْ الْحَاصِلُ لَهُ الْحَجُّ فَقَطْ، وَاحْتِمَالُ حُصُولِ الْعُمْرَةِ لَا يُوجِبُهُ إذْ لَا وُجُوبَ بِالشَّكِّ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى نِيَّةِ الْحَجِّ وَأَتَى بِأَعْمَالِهِ أَجْزَأَهُ عَنْ الْحَجِّ فَقَطْ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ أَيْضًا، فَالْوَاجِبُ لِتَحْصِيلِ الْحَجِّ نِيَّتُهُ أَوْ نِيَّةُ الْقِرَانِ، وَهِيَ أَوْلَى لِتَحْصُلَ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْعُمْرَةِ أَيْضًا عَلَى وَجْهٍ، أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَعْمَالِ الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ لَا الْبَرَاءَةُ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُمَا لِشَكِّهِ فِيمَا أَتَى بِهِ أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى عَمَلِ الْعُمْرَةِ لَمْ يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ أَيْضًا. وَإِنْ نَوَاهَا؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَلَمْ يُتِمَّ أَعْمَالَهُ مَعَ أَنَّ وَقْتَهُ بَاقٍ، وَلَوْ أَحْرَمَ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ وَبَكْرٍ صَارَ مِثْلَهُمَا فِي إحْرَامِهِمَا إنْ اتَّفَقَا فِيمَا أَحْرَمَا بِهِ وَإِلَّا صَارَ قَارِنًا فَيَأْتِي بِمَا يَأْتِيَانِ بِهِ. نَعَمْ إنْ كَانَ إحْرَامُهُمَا فَاسِدًا انْعَقَدَ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، أَوْ أَحْرَمَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إنَّ إحْرَامَهُ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا فِي الصَّحِيحِ، وَمُطْلَقًا فِي الْفَاسِدِ.
|