الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
الشَّرْحُ (فَصْلٌ) فِي أَدَاءِ زَكَاةِ الْمَالِ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُتَرْجِمَ لَهُ بِبَابٍ، وَكَذَا لِلْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَهُ فَإِنَّهُمَا غَيْرُ دَاخِلَيْنِ فِي التَّبْوِيبِ، فَلَا يَحْسُنُ التَّعْبِيرُ بِالْفَصْلِ، وَلِهَذَا عَقَدَ فِي الرَّوْضَةِ لِهَذَا الْفَصْلِ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ ثَلَاثَةَ أَبْوَابٍ: بَابًا فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَبَابًا فِي تَعْجِيلِهَا، وَبَابًا فِي تَأْخِيرِهَا.
المتن فَصْلٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الْفَوْرِ إذَا تَمَكَّنَ، وَذَلِكَ بِحُضُورِ الْمَالِ وَالْأَصْنَافِ.
الشَّرْحُ (تَجِبُ الزَّكَاةُ) أَيْ أَدَاؤُهَا (عَلَى الْفَوْرِ)؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الْمُسْتَحِقِّينَ إلَيْهَا نَاجِزَةٌ (إذَا تَمَكَّنَ) مِنْ الْأَدَاءِ كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ؛ وَلِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِدُونِهِ تَكْلِيفٌ بِمَا لَا يُطَاقُ، فَإِنْ أَخَّرَ أَثِمَ وَضَمِنَ إنْ تَلِفَ كَمَا سَيَأْتِي. نَعَمْ أَدَاءُ زَكَاةِ الْفِطْرِ مُوَسَّعٌ بِلَيْلَةِ الْعِيدِ وَيَوْمِهِ كَمَا مَرَّ (وَذَلِكَ) أَيْ التَّمَكُّنُ (بِحُضُورِ الْمَالِ) فَلَا يَجِبُ الْإِخْرَاجُ عَنْ الْمَالِ الْغَائِبِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَإِنْ جَوَّزْنَا نَقْلَ الزَّكَاةِ لِاحْتِمَالِ تَلَفِهِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْهِ. نَعَمْ إنْ مَضَى بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ مُدَّةٌ يُمْكِنُ الْمُضِيُّ إلَى الْغَائِبِ فِيهَا صَارَ مُتَمَكِّنًا كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعْطَاءُ (وَ) حُضُورُ (الْأَصْنَافِ) أَيْ الْمُسْتَحِقِّينَ أَوْ حُضُورُ الْإِمَامِ أَوْ السَّاعِي لِاسْتِحَالَةِ الْإِعْطَاءِ بِدُونِ الْقَابِضِ، وَبِجَفَافِ الثِّمَارِ، وَتَنْقِيَةِ الْحَبِّ وَالْمَعْدِنِ، وَخُلُوِّ الْمَالِكِ مِنْ مُهِمٍّ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ كَصَلَاةٍ وَأَكْلٍ، وَإِنْ حَضَرَ بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ دُونَ بَعْضٍ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ حَتَّى لَوْ تَلِفَ الْمَالُ ضَمِنَ حِصَّتَهُمْ، وَيَجُوزُ تَأْخِيرُهَا لِيَتَرَوَّى حَيْثُ تَرَدَّدَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَاضِرِينَ، وَكَذَا لِانْتِظَارِ قَرِيبٍ أَوْ جَارٍ أَوْ أَحْوَجَ أَوْ أَصْلَحَ، أَوْ لِانْتِظَارِ الْأَفْضَلِ مِنْ تَفْرِقَتِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ إذَا لَمْ يَشْتَدَّ ضَرَرُ الْحَاضِرِينَ. نَعَمْ لَوْ تَلِفَ الْمَالُ حِينَئِذٍ ضَمِنَ.
المتن وَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ زَكَاةَ الْمَالِ الْبَاطِنِ وَكَذَا الظَّاهِرُ عَلَى الْجَدِيدِ، وَلَهُ التَّوْكِيلُ، وَالصَّرْفُ إلَى الْإِمَامِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ جَائِزًا.
الشَّرْحُ (وَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ زَكَاةَ الْمَالِ الْبَاطِنِ) وَهُوَ النَّقْدَانِ، وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ، وَالرِّكَازُ كَمَا مَرَّ لِمُسْتَحِقِّهِ، وَإِنْ طَلَبَهَا الْإِمَامُ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِقَبْضِهَا لِلْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. نَعَمْ إنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَالِكَ لَا يُزَكِّي فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لَهُ أَدِّهَا وَإِلَّا ادْفَعْهَا إلَيَّ. وَكَلَامُهُ قَدْ يُفْهِمُ جَوَازَ مُبَاشَرَةِ السَّفِيهِ لِذَلِكَ، وَلَيْسَ مُرَادًا لِمَا سَيَأْتِي فِي الْحَجْرِ (وَكَذَا الظَّاهِرُ) وَهُوَ النَّعَمُ وَالْمُعَشَّرُ وَالْمَعْدِنُ كَمَا مَرَّ (عَلَى الْجَدِيدِ) قِيَاسًا عَلَى الْبَاطِنِ، وَالْقَدِيمُ يَجِبُ صَرْفُهَا إلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} الْآيَةَ، وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ، هَذَا إنْ لَمْ يَطْلُبْهَا الْإِمَامُ، فَإِنْ طَلَبَهَا وَجَبَ تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ جَائِرًا بَذْلًا لِلطَّاعَةِ، بِخِلَافِ زَكَاةِ الْمَالِ الْبَاطِنِ، إذْ لَا نَظَرَ لَهُ فِيهَا كَمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا أُلْحِقَ الْجَائِرُ بِغَيْرِهِ لِنَفَاذِ حُكْمِهِ وَعَدَمِ انْعِزَالِهِ بِالْجَوْرِ، فَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ تَسْلِيمِهَا إلَيْهِ قَاتَلَهُمْ، وَإِنْ قَالُوا: نُسَلِّمُهَا لِلْمُسْتَحِقِّينَ بِأَنْفُسِنَا لِامْتِنَاعِهِمْ مِنْ بَذْلِ الطَّاعَةِ (وَلَهُ) مَعَ الْأَدَاءِ فِي الْمَالَيْنِ (التَّوْكِيلُ) فِيهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ، فَجَازَ التَّوْكِيلُ فِي أَدَائِهِ: كَدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ جِوَارُ تَوْكِيلِ الْكَافِرِ وَالرَّقِيقِ وَالسَّفِيهِ وَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي الْكَافِرِ وَالصَّبِيِّ تَعْيِينُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ مِثْلَهُ فِي الصَّبِيِّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْكَافِرِ (وَالصَّرْفُ) بِنَفْسِهِ وَوَكِيلِهِ (إلَى الْإِمَامِ) أَوْ السَّاعِي؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْتَحِقِّينَ فَجَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءَ بَعْدَهُ كَانُوا يَبْعَثُونَ السُّعَاةَ لِأَخْذِ الزَّكَوَاتِ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ) مِنْ تَسْلِيمِ الْمَالِكِ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِهِمْ وَأَقْدَرُ عَلَى الِاسْتِيعَابِ وَلِتَيَقُّنِ الْبَرَاءَةِ بِتَسْلِيمِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَرَّقَ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يُعْطِي غَيْرَ الْمُسْتَحِقِّ، وَلَوْ اجْتَمَعَ الْإِمَامُ وَالسَّاعِي فَالدَّفْعُ إلَى الْإِمَامِ أَوْلَى قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (إلَّا أَنْ يَكُونَ جَائِرًا) فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُفَرِّقَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ وَفِي شَكٍّ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ، وَالثَّانِي: الْأَفْضَلُ الصَّرْفُ إلَى الْإِمَامِ مُطْلَقًا، وَالثَّالِثُ: الْأَفْضَلُ تَفْرِقَتُهُ بِنَفْسِهِ مُطْلَقًا لِيَخُصَّ الْأَقَارِبَ وَالْجِيرَانَ وَالْأَحَقَّ وَيَنَالَ أَجْرَ التَّفْرِيقِ وَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِالْأَصَحِّ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ. أَمَّا الظَّاهِرَةُ: فَتَسْلِيمُهَا كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ إلَى الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ جَائِرًا أَفْضَلُ مِنْ تَفْرِيقِ الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ لَهَا ا هـ. ثُمَّ إنْ لَمْ يَطْلُبْهَا الْإِمَامُ فَلِلْمَالِكِ تَأْخِيرُهَا مَا دَامَ يَرْجُو مَجِيءَ السَّاعِي، فَإِنْ أَيِسَ مِنْ مَجِيئِهِ وَفَرَّقَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ طَالَبَهُ السَّاعِي وَجَبَ تَصْدِيقُهُ وَيَحْلِفُ اسْتِحْبَابًا إنْ اُتُّهِمَ، وَصَرْفُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ التَّوْكِيلِ بِلَا خِلَافٍ.
تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْعَادِلِ الْعَادِلُ فِي الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ جَائِرًا فِي غَيْرِهَا كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي الْمُرَادِ بِالْعَدْلِ وَالْجَوْرِ هُنَا.
المتن وَتَجِبُ النِّيَّةُ فَيَنْوِي هَذَا فَرْضُ زَكَاةِ مَالِي، أَوْ فَرْضُ صَدَقَةِ مَالِي وَنَحْوَهُمَا، وَلَا يَكْفِي هَذَا فَرْضُ مَالِي، وَكَذَا الصَّدَقَةُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَجِبُ تَعْيِينُ الْمَالِ، وَلَوْ عَيَّنَ لَمْ يَقَعْ عَنْ غَيْرِهِ، وَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ النِّيَّةُ إذَا أَخْرَجَ زَكَاةَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَتَكْفِي نِيَّةُ الْمُوَكِّلِ عِنْدَ الصَّرْفِ إلَى الْوَكِيلِ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْوِيَ الْوَكِيلُ عِنْدَ التَّفْرِيقِ أَيْضًا، وَلَوْ دَفَعَ إلَى السُّلْطَانِ كَفَتْ النِّيَّةُ عِنْدَهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يُجْزِئْ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ نَوَى السُّلْطَانُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُ السُّلْطَانَ النِّيَّةُ إذَا أَخَذَ زَكَاةَ الْمُمْتَنِعِ، وَأَنَّ نِيَّتَهُ تَكْفِي.
الشَّرْحُ (وَتَجِبُ النِّيَّةُ) فِي الزَّكَاةِ لِلْخَبَرِ الْمَشْهُورِ، وَالِاعْتِبَارُ فِيهَا بِالْقَلْبِ كَغَيْرِهَا (فَيَنْوِي: هَذَا فَرْضُ زَكَاةِ مَالِي، أَوْ فَرْضُ صَدَقَةِ مَالِي وَنَحْوَهُمَا) كَزَكَاةِ مَالِي الْمَفْرُوضَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ أَوْ الْوَاجِبَةِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ لِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى الْمَقْصُودِ، وَلَوْ نَوَى زَكَاةَ الْمَالِ دُونَ الْفَرِيضَةِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُ يُشْعِرُ بِاشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْفَرِيضَةِ مَعَ نِيَّةِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا فَرْضًا، بِخِلَافِ صَلَاةِ الظُّهْرِ مَثَلًا فَإِنَّهَا قَدْ تَكُونُ نَفْلًا، وَلَوْ قَالَ هَذِهِ زَكَاةٌ أَجْزَأَهُ أَيْضًا (وَلَا يَكْفِي: هَذَا فَرْضُ مَالِي)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَصْدُقُ عَلَى النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَغَيْرِهِمَا (وَكَذَا الصَّدَقَةُ) أَيْ صَدَقَةُ مَالِي أَوْ الْمَالِ لَا يَكْفِي (فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَصْدُقُ عَلَى صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَالثَّانِي: يَكْفِي لِظُهُورِهَا فِي الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ عُهِدَتْ فِي الْقُرْآنِ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ. قَالَ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الْآيَةَ. أَمَّا لَوْ نَوَى الصَّدَقَةَ فَقَطْ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ: أَنَّ الصَّدَقَةَ تُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الْمَالِ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ}. (وَلَا يَجِبُ) فِي النِّيَّةِ (تَعْيِينُ الْمَالِ) الْمُخْرَجِ عَنْهُ عِنْدَ الْإِخْرَاجِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ لَا يَخْتَلِفُ بِهِ كَالْكَفَّارَاتِ، فَلَوْ مَلَكَ مِنْ الدَّرَاهِمِ نِصَابًا حَاضِرًا وَنِصَابًا غَائِبًا عَنْ مَحِلِّهِ، فَأَخْرَجَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ مُطْلَقًا ثُمَّ بَانَ تَلَفُ الْغَائِبِ فَلَهُ الْمُخْرَجُ عَنْ الْحَاضِرِ (وَلَوْ عَيَّنَ لَمْ يَقَعْ عَنْ غَيْرِهِ) وَلَوْ بَانَ الْمُعَيَّنُ تَالِفًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ الْغَيْرَ، فَلَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً وَخَمْسَةَ أَبْعِرَةٍ، فَأَخْرَجَ شَاةً عَنْ الْأَبْعِرَةِ فَبَانَتْ تَالِفَةً لَمْ تَقَعْ عَنْ الشِّيَاهِ، هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ أَنَّهُ إنْ بَانَ ذَلِكَ الْمَنْوِيُّ عَنْهُ تَالِفًا فَعَنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ فَبَانَ تَالِفًا وَقَعَ عَنْ الْآخَرِ، وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي الْغَائِبِ إنْ كَانَ بَاقِيًا فَبَانَ بَاقِيًا أَجْزَأَهُ عَنْهُ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي إنْ كَانَ مُوَرِّثِي قَدْ مَاتَ فَبَانَ مَوْتُهُ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ، وَالْفَرْقُ عَدَمُ الِاسْتِصْحَابِ لِلْمَالِ فِي هَذِهِ، إذْ الْأَصْلُ فِيهَا بَقَاءُ الْحَيَاةِ وَعَدَمُ الْإِرْثِ وَفِي تِلْكَ بَقَاءُ الْمَالِ، وَنَظِيرُهُ أَنْ يَقُولَ فِي لَيْلَةِ آخِرِ شَهْرِ رَمَضَانَ: أَصُومُ غَدًا عَنْ شَهْرِ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْهُ فَيَصِحُّ، وَلَوْ قَالَ فِي لَيْلَةِ آخِرِ شَعْبَانَ أَصُومُ غَدًا إنْ كَانَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لَمْ يَصِحَّ (وَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ النِّيَّةُ إذَا أَخْرَجَ زَكَاةَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ) وَالسَّفِيهِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ وَاجِبَةٌ، وَقَدْ تَعَذَّرَتْ مِنْ الْمَالِكِ فَقَامَ بِهَا وَلِيُّهُ كَالْإِخْرَاجِ، فَإِذَا دَفَعَ بِلَا نِيَّةٍ لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَلِوَلِيِّ السَّفِيهِ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُفَوِّضَ النِّيَّةَ لَهُ كَغَيْرِهِ (وَتَكْفِي نِيَّةُ الْمُوَكِّلِ عِنْدَ الصَّرْفِ إلَى الْوَكِيلِ) عَنْ نِيَّةِ الْوَكِيلِ عِنْدَ الصَّرْفِ إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ (فِي الْأَصَحِّ) لِوُجُودِ النِّيَّةِ مِنْ الْمُخَاطَبِ بِالزَّكَاةِ مُقَارِنَةً لِفِعْلِهِ (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْوِيَ الْوَكِيلُ عِنْدَ التَّفْرِيقِ) عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ (أَيْضًا) لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ. وَالثَّانِي لَا تَكْفِي نِيَّةُ الْمُوَكِّلِ وَحْدَهُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْوَكِيلِ الْمَذْكُورَةِ، كَمَا لَا تَكْفِي نِيَّةُ الْمُسْتَنِيبِ فِي الْحَجِّ وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْعِبَادَةَ فِي الْحَجِّ فِعْلُ النَّائِبِ فَوَجَبَتْ النِّيَّةُ مِنْهُ، وَهِيَ هُنَا بِمَالِ الْمُوَكِّلِ فَكَفَتْ نِيَّتُهُ. وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ نَوَى الْوَكِيلُ وَحْدَهُ لَمْ يَكْفِ إلَّا إنْ فَوَّضَ إلَيْهِ الْمُوَكِّلُ النِّيَّةَ وَكَانَ الْوَكِيلُ أَهْلًا لَهَا كَافِرًا أَوْ صَبِيًّا، وَلَوْ نَوَى الْمُوَكِّلُ وَحْدَهُ عِنْدَ تَفْرِقَةِ الْوَكِيلِ جَازَ قَطْعًا، وَلَوْ عَزَلَ مِقْدَارَ الزَّكَاةِ وَنَوَى عِنْدَ الْعَزْلِ جَازَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَضُرُّ تَقْدِيمُهَا عَلَى التَّفْرِقَةِ كَالصَّوْمِ لِعُسْرِ الِاقْتِرَانِ بِأَدَاءِ كُلِّ مُسْتَحِقٍّ؛ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الزَّكَاةِ سَدُّ حَاجَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ بِهَا، وَلَوْ نَوَى بَعْدَ الْعَزْلِ وَقَبْلَ التَّفْرِقَةِ أَجْزَأَهُ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ تُقَارِنْ النِّيَّةُ أَخْذَهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَقَالَ فِيهِ عَنْ زِيَادَةَ الْعَبَّادِيِّ إنَّهُ لَوْ دَفَعَ مَالًا إلَى وَكِيلِهِ لِيُفَرِّقَهُ تَطَوُّعًا ثُمَّ نَوَى بِهِ الْفَرْضَ ثُمَّ فَرَّقَهُ الْوَكِيلُ وَقَعَ عَنْ الْفَرْضِ إذَا كَانَ الْقَابِضُ مُسْتَحِقًّا (وَلَوْ دَفَعَ) الزَّكَاةَ (إلَى السُّلْطَانِ كَفَتْ النِّيَّةُ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ السُّلْطَانُ عِنْدَ الدَّفْعِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُهُمْ فَالدَّفْعُ إلَيْهِ كَالدَّفْعِ إلَيْهِمْ، وَلِهَذَا لَوْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ الزَّكَاةُ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَالِكِ شَيْءٌ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، وَالسَّاعِي فِي ذَلِكَ كَالسُّلْطَانِ. (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ) الْمَالِكُ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى السُّلْطَانِ (لَمْ يُجْزِئْ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ نَوَى السُّلْطَانُ) عِنْدَ الْقَسْمِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْتَحِقِّينَ وَالدَّفْعُ إلَيْهِمْ بِلَا نِيَّةٍ لَا يُجْزِئُ فَكَذَا نَائِبُهُمْ. وَالثَّانِي: يُجْزِئُ نَوَى السُّلْطَانُ أَوْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِيمَا يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ وَيُفَرِّقُهُ عَلَى الْأَصْنَافِ إنَّمَا هُوَ الْفَرْضُ فَأَغْنَتْ هَذِهِ الْقَرِينَةُ عَنْ النِّيَّةِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي النِّيَّةِ جَازَ كَغَيْرِهِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْأَصَحِّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُ السُّلْطَانَ النِّيَّةُ إذَا أَخَذَ زَكَاةَ الْمُمْتَنِعِ) مِنْ أَدَائِهَا نِيَابَةً عَنْهُ. وَالثَّانِي: لَا تَلْزَمُهُ وَتُجْزِئُهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ نِيَّتَهُ) أَيْ السُّلْطَانِ (تَكْفِي) فِي الْإِجْزَاءِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ فِي النِّيَّةِ كَمَا فِي التَّفْرِقَةِ. وَالثَّانِي: لَا تَكْفِي؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَنْوِ، وَهُوَ مُتَعَبِّدٌ بِأَنْ يَتَقَرَّبَ بِالزَّكَاةِ وَمَحِلُّ لُزُومِ السُّلْطَانِ النِّيَّةَ إذَا لَمْ يَنْوِ الْمُمْتَنِعُ عِنْدَ الْأَخْذِ مِنْهُ قَهْرًا. فَإِنْ نَوَى كَفَى وَبَرِئَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَتَسْمِيَتُهُ حِينَئِذٍ مُمْتَنِعًا إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ امْتِنَاعِهِ السَّابِقِ، وَإِلَّا فَقَدْ صَارَ بِنِيَّتِهِ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ. فَلَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامُ وَلَا الْمَأْخُوذُ مِنْهُ لَمْ يَبْرَأْ بَاطِنًا. وَكَذَا ظَاهِرًا فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِ السُّلْطَانُ عِنْدَ الْأَخْذِ وَنَوَى عِنْدَ الصَّرْفِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ يَنْبَغِي أَنْ يُجْزِئَ وَإِنْ بَحَثَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ خِلَافَهُ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَمُولِيُّ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَالِكِ وَالْمَالِكُ لَوْ نَوَى فِي هَذِهِ الْحَالَّةِ أَجْزَأَهُ. وَلَوْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ عَلَى الْأُولَى كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَجْهَيْنِ فِي اللُّزُومِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الِاكْتِفَاءِ.
المتن لَا يَصِحُّ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ عَلَى مَالِكِ النِّصَابِ، وَيَجُوزُ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَلَا تُعَجَّلُ لِعَامَيْنِ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ (فَصْلٌ) فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ (لَا يَصِحُّ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ) فِي مَالٍ حَوْلِيٍّ (عَلَى مَالِكِ النِّصَابِ) فِي الزَّكَاةِ الْعَيْنِيَّةِ كَأَنْ مَلَكَ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَعَجَّلَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ لِتَكُونَ زَكَاةً إذَا تَمَّ النِّصَابُ وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ وَاتَّفَقَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ لِفَقْدِ سَبَبِ وُجُوبِهَا وَهُوَ الْمَالُ الزَّكَوِيُّ، فَأَشْبَهَ أَدَاءَ الثَّمَنِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَتَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْيَمِينِ، وَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ فَعَجَّلَ شَاتَيْنِ فَبَلَغَتْ عَشْرًا بِالتَّوَالُدِ لَمْ يُجْزِئْهُ مَا عَجَّلَ عَنْ النِّصَابِ الَّذِي كَمُلَ الْآنَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْدِيمِ زَكَاةِ الْعَيْنِ عَلَى النِّصَابِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْرَجَ زَكَاةَ أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إلَّا مِائَتَيْنِ، وَلَوْ عَجَّلَ شَاةً عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةٍ ثُمَّ وَلَدَتْ أَرْبَعِينَ ثُمَّ هَلَكَتْ الْأُمَّهَاتُ لَمْ يُجْزِهِ الْمُعَجَّلُ عَنْ السِّخَالِ؛ لِأَنَّهُ عَجَّلَ الزَّكَاةَ عَنْ غَيْرِهَا فَلَا يُجْزِئُهُ عَنْهَا، وَلَوْ مَلَكَ مِائَةً وَعِشْرِينَ شَاةً فَعَجَّلَ عَنْهَا شَاتَيْنِ فَحَدَثَتْ سَخْلَةٌ قَبْلَ الْحَوْلِ لَمْ يُجْزِئْهُ مَا عَجَّلَهُ عَنْ النِّصَابِ الَّذِي كَمُلَ الْآنَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَنْ تَصْرِيحِ الْأَكْثَرِينَ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْكَبِيرِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ النِّتَاجَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بِمَثَابَةِ الْمَوْجُودِ فِي أَوَّلِهِ، وَخَرَجَ بِالْعَيْنِيَّةِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ فَيَجُوزُ التَّعْجِيلُ فِيهَا بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ النِّصَابَ فِيهَا يُعْتَبَرُ آخِرَ الْحَوْلِ، فَلَوْ اشْتَرَى عَرْضًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَعَجَّلَ زَكَاةَ مِائَتَيْنِ، أَوْ قِيمَتُهُ مِائَتَانِ فَعَجَّلَ زَكَاةَ أَرْبَعِمِائَةٍ وَحَالَ الْحَوْلُ وَهُوَ يُسَاوِي ذَلِكَ أَجْزَأَهُ (وَيَجُوزُ) تَعْجِيلُهَا فِي الْمَالِ الْحَوْلِيِّ (قَبْلَ) تَمَامِ (الْحَوْلِ) فِيمَا انْعَقَدَ حَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعَبَّاسَ {سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ}. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ؛ وَلِأَنَّهُ وَجَبَ بِسَبَبَيْنِ وَهُمَا النِّصَابُ وَالْحَوْلُ، فَجَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا كَتَقْدِيمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ عَلَى الْحِنْثِ، فَلَوْ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَابْتَاعَ عَرْضًا يُسَاوِيهِمَا فَعَجَّلَ زَكَاةَ أَرْبَعِمِائَةٍ وَحَالَ الْحَوْلُ وَهُوَ يُسَاوِيهِمَا أَجْزَأَهُ الْمُعَجَّلُ (وَلَا تُعَجَّلُ لِعَامَيْنِ فِي الْأَصَحِّ) وَلَا لِأَكْثَرَ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ زَكَاةَ غَيْرِ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْعَقِدْ حَوْلُهُ، وَالتَّعْجِيلُ قَبْلَ انْعِقَادِ الْحَوْلِ لَا يَجُوزُ كَالتَّعْجِيلِ قَبْلَ كَمَالِ النِّصَابِ فِي الزَّكَاةِ الْعَيْنِيَّةِ، فَإِنْ عَجَّلَ لِعَامَيْنِ فَأَكْثَرَ أَجْزَأَهُ عَنْ الْأَوَّلِ دُونَ غَيْرِهِ لِمَا مَرَّ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ الْإِجْزَاءُ؛ عَنْهُ مُطْلَقًا، وَهُوَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ كَالسُّبْكِيِّ مُسَلَّمٌ إنْ مَيَّزَ حِصَّةَ كُلِّ عَامٍ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْإِجْزَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُجْزِئَ عَنْ خَمْسِينَ شَاةً مَثَلًا إنَّمَا هُوَ شَاةٌ مُعَيَّنَةٌ لَا شَائِعَةٌ وَلَا مُبْهَمَةٌ، وَالثَّانِي: يَجُوزُ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسَلَّفَ مِنْ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ عَامَيْنِ، وَصَحَّحَ هَذَا الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَزَوْهُ لِلنَّصِّ، وَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَبْقَى بَعْدَ التَّعْجِيلِ نِصَابٌ كَتَعْجِيلِ شَاتَيْنِ مِنْ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ شَاةً. وَأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّ الْحَدِيثَ مُرْسَلٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ تَسَلَّفَ صَدَقَةَ عَامَيْنِ مَرَّتَيْنِ، أَوْ صَدَقَةَ مَالَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَوْلٌ مُفْرَدٌ.
المتن وَلَهُ تَعْجِيلُ الْفِطْرَةِ مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ، وَالصَّحِيحُ مَنْعُهُ قَبْلَهُ.
الشَّرْحُ (وَلَهُ تَعْجِيلُ الْفِطْرَةِ مِنْ أَوَّلِ) لَيْلَةِ (رَمَضَانَ)؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِسَبَبَيْنِ وَهُمَا الصَّوْمُ وَالْفِطْرُ فَجَازَ تَقْدِيمُهَا عَلَى أَحَدِهِمَا؛ وَلِأَنَّ التَّقْدِيمَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ جَائِزٌ بِاتِّفَاقِ الْمُخَالِفِ فَأُلْحِقَ الْبَاقِي بِهِ قِيَاسًا بِجَامِعِ إخْرَاجِهَا فِي جُزْءٍ مِنْهُ (وَالصَّحِيحُ مَنْعُهُ) أَيْ التَّعْجِيلِ (قَبْلَهُ) أَيْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ تَقْدِيمٌ عَلَى السَّبَبَيْنِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمُخْرَجِ عَنْهُ فِي نَفْسِهِ سَبَبٌ. وَأَجَابَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِأَنَّ مَا لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى اثْنَيْنِ مِنْهَا بِدَلِيلِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَإِنَّ سَبَبَهَا الزَّوْجِيَّةُ وَالظِّهَارُ وَالْعَوْدُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا تُقَدَّمُ عَلَى الْأَخِيرَيْنِ.
المتن وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ زَكَاةِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ، وَلَا الْحَبِّ قَبْلَ اشْتِدَادِهِ، وَيَجُوزُ بَعْدَهُمَا.
الشَّرْحُ (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ زَكَاةِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ، وَلَا الْحَبِّ قَبْلَ اشْتِدَادِهِ)؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ إدْرَاكُ الثِّمَارِ فَيَمْتَنِعُ التَّقْدِيمُ عَلَيْهِ، وَأَيْضًا لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ تَحْقِيقًا وَلَا تَخْمِينًا. وَالثَّانِي: يَجُوزُ كَزَكَاةِ الْمَوَاشِي وَالنَّقْدِ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا بَعْدَ ظُهُورِهِ. أَمَّا قَبْلَهُ فَيَمْتَنِعُ قَطْعًا (وَ) الصَّحِيحُ أَنَّهُ (يَجُوزُ بَعْدَهُمَا) أَيْ صَلَاحِ الثَّمَرِ وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ قَبْلَ الْجَفَافِ وَالتَّصْفِيَةِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ حُصُولُ النِّصَابِ كَمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ لِمَعْرِفَةِ قَدْرِهِ تَخْمِينًا؛ وَلِأَنَّ الْوُجُوبَ قَدْ ثَبَتَ إلَّا أَنَّ الْإِخْرَاجَ لَا يَجِبُ، وَهَذَا تَعْجِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْإِخْرَاجِ، لَا عَلَى أَصْلِ الْوُجُوبِ فَهُوَ أَوْلَى بِالْإِخْرَاجِ مِنْ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِلْجَهْلِ بِالْقَدْرِ، وَلَوْ أَخْرَجَ مِنْ عِنَبٍ لَا يَتَزَبَّبُ، أَوْ رُطَبٍ لَا يَتَتَمَّرُ أَجْزَأَ قَطْعًا إذْ لَا تَعْجِيلَ.
المتن وَشَرْطُ إجْزَاءِ الْمُعَجَّلِ بَقَاءُ الْمَالِكِ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ إلَى آخِرِ الْحَوْلِ، وَكَوْنُ الْقَابِضِ فِي آخِرِ الْحَوْلِ مُسْتَحِقًّا وَقِيلَ إنْ خَرَجَ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لَمْ يُجْزِهِ.
الشَّرْحُ (وَشَرْطُ إجْزَاءِ) أَيْ وُقُوعِ (الْمُعَجَّلِ) زَكَاةً (بَقَاءُ الْمَالِكِ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ) عَلَيْهِ (إلَى آخِرِ الْحَوْلِ) وَبَقَاءُ الْمَالِ إلَى آخِرِهِ أَيْضًا، فَلَوْ مَاتَ أَوْ تَلِفَ الْمَالُ أَوْ بَاعَهُ وَلَمْ يَكُنْ مَالَ تِجَارَةٍ لَمْ يُجْزِئْهُ الْمُعَجَّلُ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ يَبْقَى الْمَالُ وَأَهْلِيَّةُ الْمَالِكِ، وَلَكِنْ تَتَغَيَّرُ صِفَةُ الْوَاجِبِ، كَمَا لَوْ عَجَّلَ بِنْتَ مَخَاضٍ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَتَوَالَدَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ حَتَّى بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ فَلَا تُجْزِئُهُ الْمُعَجَّلَةُ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ صَارَتْ بِنْتَ لَبُونٍ فِي يَدِ الْقَابِضِ، بَلْ يَسْتَرِدُّهَا وَيُعِيدُهَا أَوْ يُعْطِي غَيْرَهَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الشَّرْطِ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ، وَالْمُرَادُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ مَوْصُوفًا بِصِفَةِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ تَثْبُتُ بِالْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وَصْفِهِ بِالْأَهْلِيَّةِ وَصْفُهُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ (وَكَوْنُ الْقَابِضِ) لَهُ (فِي آخِرِ الْحَوْلِ مُسْتَحِقًّا) فَلَوْ خَرَجَ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ بِمَوْتٍ أَوْ رِدَّةٍ لَمْ يُحْسَبْ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ عَنْ الزَّكَاةِ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ عِنْدَ الْوُجُوبِ، وَالْقَبْضُ السَّابِقُ إنَّمَا يَقَعُ عَنْ هَذَا الْوَقْتِ (وَقِيلَ: إنْ خَرَجَ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ) كَأَنْ ارْتَدَّ ثُمَّ عَادَ (لَمْ يُجْزِهِ) أَيْ الْمَالِكَ الْمُعَجَّلُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْأَخْذِ مُسْتَحِقًّا ثُمَّ صَارَ كَذَلِكَ فِي آخِرِ الْحَوْلِ، وَالْأَصَحُّ الْإِجْزَاءُ اكْتِفَاءً بِالْأَهْلِيَّةِ فِي طَرَفَيْ الْوُجُوبِ وَالْأَدَاءِ، وَقَدْ يُفْهَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ مُسْتَحِقًّا فِي آخِرِ الْحَوْلِ، فَلَوْ غَابَ عِنْدَ الْحَوْلِ وَلَمْ يَعْلَمْ حَيَاتَهُ أَوْ احْتِيَاجَهُ لَمْ يُجْزِهِ، لَكِنْ فِي فَتَاوَى الْحَنَّاطِيِّ: الظَّاهِرُ الْإِجْزَاءُ، وَهُوَ أَقْرَبُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَمْ يُصَرِّحْ الشَّيْخَانِ بِالْمَسْأَلَةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ حَصَلَ الْمَالُ عِنْدَ الْحَوْلِ بِبَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِ الْقَابِضِ فَإِنَّ الْمَدْفُوعَ يُجْزِئُ عَنْ الزَّكَاةِ كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخِي، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الْقَابِضُ عَنْ بَلَدِ الْمَالِ أَوْ يُخْرِجَ الْمَالَ عَنْ بَلَدِ الْقَابِضِ وَإِنْ كَانَ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ خِلَافُهُ، وَفِي الْبَحْرِ: لَوْ شَكَّ هَلْ مَاتَ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ بَعْدَهُ أَجْزَأَ فِي أَقْرَبِ الْوَجْهَيْنِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْقَابِضَ إذَا مَاتَ وَهُوَ مُعْسِرٌ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمَالِكَ دَفْعُ الزَّكَاةِ ثَانِيًا إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ وَهُوَ كَذَلِكَ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْجُمْهُورِ.
المتن وَلَا يَضُرُّ غِنَاهُ بِالزَّكَاةِ.
الشَّرْحُ (لَا يَضُرُّ غِنَاهُ بِالزَّكَاةِ) الْمُعَجَّلَةِ إمَّا لِكَثْرَتِهَا أَوْ لِتَوَالُدِهَا وَدَرِّهَا أَوْ التِّجَارَةِ فِيهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَى الزَّكَاةَ لِيَسْتَغْنِيَ فَلَا يَكُونُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مَانِعًا مِنْ الْإِجْزَاءِ، وَأَيْضًا لَوْ أَخَذْنَاهَا مِنْهُ لَافْتَقَرَ وَاحْتَجْنَا إلَى رَدِّهَا إلَيْهِ، فَإِثْبَاتُ الِاسْتِرْجَاعِ يُؤَدِّي إلَى نَفْيِهِ وَيَضُرُّ غِنَاهُ بِغَيْرِهَا كَزَكَاةٍ وَاجِبَةٍ أَوْ مُعَجَّلَةٍ أَخَذَهَا بَعْدَ أُخْرَى وَقَدْ اسْتَغْنَى بِهَا. وَاسْتَشْكَلَ السُّبْكِيُّ مَا إذَا كَانَتَا مُعَجَّلَتَيْنِ وَاتَّفَقَ حَوْلُهُمَا، إذْ لَيْسَ اسْتِرْجَاعُ إحْدَاهُمَا بِالْأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى. ثُمَّ قَالَ: وَالثَّانِيَةُ أَوْلَى بِالِاسْتِرْجَاعِ، وَكَلَامُ الْفَارِقِيِّ يُشْعِرُ بِاسْتِرْجَاعِ الْأُولَى، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ. أَمَّا إذَا كَانَتْ الثَّانِيَةُ وَاجِبَةً فَالْأُولَى هِيَ الْمُسْتَرْجَعَةُ، وَعَكْسُهُ بِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُبَالَاةَ بِعُرُوضِ الْمَانِعِ بَعْدَ قَبْضِ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ. أَمَّا إذَا أَخَذَهُمَا مَعًا فَإِنَّهُ لَا اسْتِرْدَادَ، وَلَوْ اسْتَغْنَى بِالزَّكَاةِ وَبِغَيْرِهَا لَمْ يَضُرَّ أَيْضًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفُ وَجَزَمَا بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا؛ لِأَنَّهُ بِدُونِهَا لَيْسَ بِغَنِيٍّ خِلَافًا لِقَوْلِ الْجُرْجَانِيِّ فِي شَافِيهِ إنَّهُ يَضُرُّ.
المتن وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْمُعَجَّلُ زَكَاةً اسْتَرَدَّ إنْ كَانَ شَرَطَ الِاسْتِرْدَادَ إنْ عَرَضَ مَانِعٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ قَالَ: هَذِهِ زَكَاتِي الْمُعَجَّلَةُ فَقَطْ اسْتَرَدَّ، وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّعْجِيلِ وَلَمْ يَعْلَمْهُ الْقَابِضُ لَمْ يَسْتَرِدَّ، وَأَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي مُثْبِتِ الِاسْتِرْدَادِ صُدِّقَ الْقَابِضُ بِيَمِينِهِ، وَمَتَى ثَبَتَ وَالْمُعَجَّلُ تَالِفٌ وَجَبَ ضَمَانُهُ وَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَأَنَّهُ لَوْ وَجَدَهُ نَاقِصًا فَلَا أَرْشَ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَرِدُّ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً
الشَّرْحُ (وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْمُعَجَّلُ زَكَاةً) لِعُرُوضِ مَانِعٍ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ ثَانِيًا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. نَعَمْ لَوْ عَجَّلَ شَاةً مِنْ أَرْبَعِينَ فَتَلِفَتْ بِيَدِ الْقَابِضِ لَمْ يَجِبْ التَّجْدِيدُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْقِيمَةُ، وَلَا يَكْمُلُ بِهَا نِصَابُ السَّائِمَةِ، وَ (اسْتَرَدَّ) الْمَالِكُ (إنْ كَانَ شَرَطَ الِاسْتِرْدَادَ إنْ عَرَضَ مَانِعٌ) عَمَلًا بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ دَفَعَهُ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ الْقَابِضُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَإِذَا عَرَضَ مَا يَمْنَعُ الِاسْتِحْقَاقَ اسْتَرَدَّ: كَمَا إذَا عَجَّلَ أُجْرَةَ الدَّارِ ثُمَّ انْهَدَمَتْ فِي الْمُدَّةِ، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ قَبْلَ عُرُوضِ الْمَانِعِ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَبَرَّعَ بِالتَّعْجِيلِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ كَمَنْ عَجَّلَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا، وَفُهِمَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ إنْ شَرَطَ الِاسْتِرْدَادَ بِدُونِ مَانِعٍ لَا يَسْتَرِدُّ وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَفِي صِحَّةِ الْقَبْضِ حِينَئِذٍ نَظَرٌ ا هـ. وَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ قَالَ) عِنْدَ دَفْعِهِ بِنَفْسِهِ (هَذِهِ زَكَاتِي الْمُعَجَّلَةُ فَقَطْ) أَوْ عَلِمَ الْقَابِضُ أَنَّهَا مُعَجَّلَةٌ (اسْتَرَدَّ) لِذِكْرِهِ التَّعْجِيلَ أَوْ الْعِلْمَ بِهِ وَقَدْ بَطَلَ. وَالثَّانِي: لَا يَسْتَرِدُّ وَيَكُونُ تَطَوُّعًا.
تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ بِالْمَذْهَبِ كَانَ أَوْلَى، فَإِنَّ الصَّحِيحَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ هُوَ الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا دَفَعَ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ كَمَا قَدَّرْتُهُ. أَمَّا إذَا فَرَّقَ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّ قَطْعًا إذَا ذَكَرَ التَّعْجِيلَ، وَلَا حَاجَةَ إلَى شَرْطِ الرُّجُوعِ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُصَرِّحَ بِعِلْمِ الْقَابِضِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فَإِنَّهُ قَدْ احْتَاجَ إلَيْهِ بَعْدَ هَذَا فِي عَكْسِ الْمَسْأَلَةِ وَصَرَّحَ بِهِ فَقَالَ (وَ) الْأَصَحُّ وَصَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ الْقَطْعَ بِهِ (أَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّعْجِيلِ) بِأَنْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الزَّكَاةِ أَوْ سَكَتَ وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا ( وَلَمْ يَعْلَمْهُ الْقَابِضُ لَمْ يَسْتَرِدَّ) وَيَكُونُ تَطَوُّعًا لِتَفْرِيطِ الدَّافِعِ بِتَرْكِ الْإِعْلَامِ عِنْدَ الْأَخْذِ. وَالثَّانِي: يَسْتَرِدُّ لِظَنِّهِ الْوُقُوعَ عَنْ الزَّكَاةِ وَلَمْ يَقَعْ عَنْهَا. وَالثَّالِثُ: إنْ كَانَ الْمُعْطِي هُوَ الْإِمَامُ رَجَعَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَالِكُ فَلَا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يُعْطِي مَالَ الْغَيْرِ فَلَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ تَطَوُّعًا، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: وَلَمْ يَعْلَمْهُ الْقَابِضُ عَمَّا إذَا عَلِمَهُ عِنْدَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّ كَمَا مَرَّ. وَلَوْ تَجَدَّدَ لَهُ الْعِلْمُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَهَلْ هُوَ كَالْمُقَارِنِ أَوْ لَا ؟ قَالَ السُّبْكِيُّ: فِي كَلَامِ أَبِي حَامِدٍ وَالْإِمَامِ مَا يُفْهِمُ أَنَّهُ كَالْمُقَارِنِ. وَهُوَ الْأَقْرَبُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي مُثْبِتِ الِاسْتِرْدَادِ) وَهُوَ التَّصْرِيحُ بِالرُّجُوعِ عِنْدَ عُرُوضِ مَانِعٍ، أَوْ فِي ذِكْرِ التَّعْجِيلِ أَوْ عَلِمَ الْقَابِضُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ (صُدِّقَ الْقَابِضُ) أَوْ وَارِثُهُ (بِيَمِينِهِ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ؛ وَلِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى انْتِقَالِ الْمِلْكِ، وَالْأَصْلُ اسْتِمْرَارُهُ؛ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ هُوَ الْأَدَاءُ فِي الْوَقْتِ وَيَحْلِفُ الْقَابِضُ عَلَى الْبَتِّ وَوَارِثُهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَالثَّانِي: يُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِقَصْدِهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَعْطَى ثَوْبًا لِغَيْرِهِ وَتَنَازَعَا فِي أَنَّهُ عَارِيَّةٌ أَوْ هِبَةٌ صُدِّقَ الدَّافِعُ، وَوَقَعَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَعُدَّ مِنْهُ سَبْقُ الْقَلَمِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ عِلْمِ الْقَابِضِ بِالتَّعْجِيلِ. أَمَّا فِيهِ فَيُصَدَّقُ الْقَابِضُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ حَلِفِهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالتَّعْجِيلِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَرَفَ بِمَا قَالَهُ الدَّافِعُ لَضَمِنَ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي نَقْصِ الْمَالِ عَنْ النِّصَابِ أَوْ تَلَفِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ، فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَصْدِيقُ الْقَابِضِ بِيَمِينِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ وَقْفَةٌ (وَمَتَى ثَبَتَ) الِاسْتِرْدَادُ (وَالْمُعَجَّلُ تَالِفٌ وَجَبَ ضَمَانُهُ) بِالْمِثْلِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَبِالْقِيمَةِ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِغَرَضِ نَفْسِهِ. (وَالْأَصَحُّ) فِي الْمُتَقَوِّمِ (اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ يَوْمَ) أَيْ وَقْتَ (الْقَبْضِ)؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهَا حَصَلَ فِي مِلْكِ الْقَابِضِ فَلَا يَضْمَنُهُ، وَالثَّانِي قِيمَتُهُ وَقْتَ التَّلَفِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ انْتِقَالِ الْحَقِّ إلَى الْقِيمَةِ، وَفِي مَعْنَى تَلَفِهِ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَوْ وَجَدَهُ نَاقِصًا) نَقْصَ أَرْشِ صِفَةٍ كَالْمَرَضِ وَالْهُزَالِ حَدَثَ قَبْلَ سَبَبِ الرَّدِّ (فَلَا أَرْشَ) لَهُ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ كَالْأَبِ إذَا رَجَعَ فِي الْمَوْهُوبِ نَاقِصًا، وَالثَّانِي لَهُ أَرْشُهُ؛ لِأَنَّ جُمْلَتَهُ مَضْمُونَةٌ فَكَذَلِكَ جُزْؤُهُ وَلَيْسَ كَالْهِبَةِ، فَإِنَّ جُمْلَتَهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ فَجُزْؤُهَا أَوْلَى. أَمَّا نَقْصُ الْجُزْءِ كَتَلَفِ شَاةٍ مِنْ شَاتَيْنِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِبَدَلِ التَّالِفِ قَطْعًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَالْكِفَايَةِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَا يَسْتَرِدُّ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً) كَلَبَنٍ وَوَلَدٍ حَدَثَتْ قَبْلَ وُجُوبِ سَبَبِ الِاسْتِرْدَادِ؛ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ فِي مِلْكِهِ وَاللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ وَنَحْوُ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ كَالْمُنْفَصِلِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ مُنْفَصِلٌ حُكْمًا، وَالثَّانِي: يَسْتَرِدُّهَا مَعَ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ. أَمَّا لَوْ حَلَّ النَّقْصُ أَوْ الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الرُّجُوعِ أَوْ كَانَ الْقَابِضُ حَالَ الْقَبْضِ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ فَيَجِبُ الْأَرْشُ، وَيَسْتَرِدُّ الزِّيَادَةَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ، وَاحْتُرِزَ بِالْمُنْفَصِلَةِ عَنْ الْمُتَّصِلَةِ كَالسِّمَنِ وَالتَّعْلِيمِ فَإِنَّهَا تَتْبَعُ الْأَصْلَ، وَلَوْ وُجِدَ الْمُعَجَّلُ بِحَالِهِ وَأَرَادَ الْقَابِضُ أَنْ يَرُدَّ بَدَلَهُ وَلَمْ يَرْضَ الْمَالِكُ فَفِيهِ الْخِلَافُ فِي الْقَرْضِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ، فَيَكُونُ الْأَصَحُّ إجَابَةَ الْمَالِكِ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْأَصَحِّ يَقْتَضِي إثْبَاتَ الْخِلَافِ وَقُوَّتِهِ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْمَذْهَبِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَقِيلَ: وَجْهَانِ.
المتن وَتَأْخِيرُ الزَّكَاةِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ، وَلَوْ تَلِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ فَلَا، وَلَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَغْرَمُ قِسْطَ مَا بَقِيَ.
الشَّرْحُ (وَتَأْخِيرُ) أَدَاءِ (الزَّكَاةِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ (يُوجِبُ الضَّمَانَ) لَهَا وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ كَأَنْ أَخَّرَ لِطَلَبِ الْأَفْضَلِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ) الْمُزَكَّى أَوْ أَتْلَفَ لِتَقْصِيرِهِ بِحَبْسِ الْحَقِّ عَنْ مُسْتَحِقِّهِ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَجَمِيعُ مَا بَعْدَهَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالتَّعْجِيلِ، فَكَانَ يَنْبَغِي إفْرَادُهُ بِفَصْلٍ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَفِي جَعْلِهِ التَّلَفَ غَايَةً نَظَرٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ مَحَلُّ الضَّمَانِ. وَأَمَّا قَبْلَ التَّلَفِ فَيُقَالُ: وَجَبَ الْأَدَاءُ وَلَا يَحْسُنُ فِيهِ الْقَوْلُ بِالضَّمَانِ فَكَانَ يَنْبَغِي إسْقَاطُ الْوَاوِ (وَلَوْ تَلِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ) وَبَعْدَ الْحَوْلِ بِلَا تَقْصِيرٍ (فَلَا) ضَمَانَ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ. أَمَّا إذَا قَصَّرَ كَأَنْ وَضَعَهُ فِي غَيْرِ حِرْزِ مِثْلِهِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ (وَلَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ) بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ وَبَقِيَ بَعْضُهُ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَغْرَمُ قِسْطَ مَا بَقِيَ) بَعْدَ إسْقَاطِ الْوَقْصِ، فَلَوْ تَلِفَ وَاحِدٌ مِنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ، فَفِي الْبَاقِي أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ شَاةٍ أَوْ مَلَكَ تِسْعَةً مِنْهَا حَوْلًا فَهَلَكَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ خَمْسَةٌ وَجَبَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ شَاةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّمَكُّنَ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ، وَأَنَّ الْأَوْقَاصَ عَفْوٌ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فِيهِمَا أَوْ أَرْبَعَةٌ وَجَبَتْ شَاةٌ، وَالثَّانِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّمَكُّنَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ بِاللُّزُومِ بَدَلَ الْغُرْمِ كَانَ أَوْلَى، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ يَبْقَى قِسْطُ مَا بَقِيَ.
المتن وَإِنْ أَتْلَفَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ، وَهِيَ تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ تَعَلُّقَ شَرِكَةٍ.
الشَّرْحُ (وَإِنْ أَتْلَفَهُ) الْمَالِكُ (بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ) سَوَاءٌ أَقُلْنَا التَّمَكُّنُ شَرْطٌ لِلضَّمَانِ أَمْ لِلْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْإِتْلَافِ، فَإِنْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ. فَإِنْ قُلْنَا التَّمَكُّنُ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ وَعَلَّقْنَا الزَّكَاةَ بِالْعَيْنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِيهِمَا انْتَقَلَ الْحَقُّ إلَى الْقِيمَةِ كَمَا لَوْ قَتَلَ الرَّقِيقُ الْجَانِيَ وَالْمَرْهُونَ (وَهِيَ) أَيْ الزَّكَاةُ (تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ) الَّذِي تَجِبُ فِيهِ (تَعَلُّقَ شَرِكَةٍ) بِقَدْرِهَا لِظَاهِرِ الْأَدِلَّةِ؛ وَلِأَنَّهَا تَجِبُ بِصِفَةِ الْمَالِ مِنْ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ،.
المتن وَفِي قَوْلٍ تَعَلُّقَ الرَّهْنِ، وَفِي قَوْلٍ بِالذِّمَّةِ. فَلَوْ بَاعَهُ قَبْلَ إخْرَاجِهَا، فَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُهُ فِي قَدْرِهَا، وَصِحَّتُهُ فِي الْبَاقِي.
الشَّرْحُ وَلَوْ امْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ إخْرَاجِهَا أَخَذَهَا الْإِمَامُ مِنْهُ قَهْرًا كَمَا يَقْسِمُ الْمَالَ الْمُشْتَرَكَ إذَا امْتَنَعَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ مِنْ قِسْمَتِهِ وَإِنَّمَا جَازَ الْإِخْرَاجُ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةِ الْمُشْتَرَكَاتِ رِفْقًا بِالْمَالِكِ وَتَوْسِيعًا عَلَيْهِ؛ لِكَوْنِهَا وَجَبَتْ مَجَّانًا عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ، وَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ كَشَاةٍ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ مَلَكَ الْمُسْتَحِقُّونَ بِقَدْرِ قِيمَتِهَا مِنْ الْإِبِلِ أَوْ مِنْ جِنْسِهِ كَشَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً، فَهَلْ الْوَاجِبُ شَاةٌ لَا بِعَيْنِهَا أَوْ شَائِعٌ أَيْ: جُزْءٌ مِنْ كُلِّ شَاةٍ ؟ وَجْهَانِ. حَكَاهُمَا الشَّيْخَانِ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الْمَالِ، الْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ الثَّانِي، إذْ الْقَوْلُ بِالْأَوَّلِ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِيمَا ذُكِرَ لِإِبْهَامِ الْمَبِيعِ، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ لِلْمَالِكِ تَعْيِينُ وَاحِدَةٍ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا قَطْعًا رِفْقًا بِهِ، وَظَاهِرُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ فِي النُّقُودِ وَالْحُبُوبِ وَنَحْوِهَا، وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ وَاجِبَهَا شَائِعٌ بِلَا خِلَافٍ (وَفِي قَوْلٍ تَعَلَّقَ الرَّهْنُ) بِقَدْرِهَا مِنْهُ، فَيَكُونُ الْوَاجِبُ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ وَالنِّصَابُ مَرْهُونٌ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ وَلَمْ يَجِدْ الْوَاجِبَ فِي مَالِهِ بَاعَ الْإِمَامُ بَعْضَهُ وَاشْتَرَى وَاجِبَهُ كَمَا يُبَاعُ الْمَرْهُونُ فِي الدَّيْنِ، وَقِيلَ: تَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِهِ (وَفِي قَوْلٍ) تَتَعَلَّقُ (بِالذِّمَّةِ) وَلَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْعَيْنِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ وَهُوَ أَضْعَفُهَا، وَفِي قَوْلٍ رَابِعٍ أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ تَعَلُّقَ الْأَرْشِ بِرَقَبَةِ الْجَانِي؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ كَمَا يَسْقُطُ الْأَرْشُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ وَالتَّعَلُّقُ بِقَدْرِهَا مِنْهُ، وَقِيلَ بِجَمِيعِهِ، وَفِي خَامِسٍ أَنَّهُ إنْ أَخْرَجَ مِنْ الْمَالِ تَبَيَّنَ تَعَلُّقُهَا بِهِ وَإِلَّا فَلَا. (فَلَوْ بَاعَهُ) أَيْ الْمَالَ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَ (قَبْلَ إخْرَاجِهَا فَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُهُ) أَيْ الْبَيْعِ (فِي قَدْرِهَا وَصِحَّتُهُ فِي الْبَاقِي)؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُسْتَحِقِّينَ شَائِعٌ، فَأَيُّ قَدْرٍ بَاعَهُ كَانَ حَقَّهُ وَحَقَّهُمْ. وَالثَّانِي: بُطْلَانُهُ فِي الْجَمِيعِ. وَالثَّالِثُ: صِحَّتُهُ فِي الْجَمِيعِ وَالْأَوَّلَانِ قَوْلًا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ، وَيَأْتِيَانِ عَلَى تَعَلُّقِ الشَّرِكَةِ وَتَعَلُّقِ الرَّهْنِ أَوْ الْأَرْشِ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ وَيَأْتِي الثَّالِثُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ اسْتَثْنَى قَدْرَ الزَّكَاةِ فِي غَيْرِ الْمَاشِيَةِ كَبِعْتُكَ هَذَا إلَّا قَدْرَ الزَّكَاةِ صَحَّ الْبَيْعُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي بَابِهِ. لَكِنْ يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ أَهُوَ عُشْرٌ أَمْ نِصْفُهُ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيِّ. وَأَمَّا الْمَاشِيَةُ فَإِنْ عَيَّنَ كَقَوْلِهِ: إلَّا هَذِهِ الشَّاةَ صَحَّ فِي كُلِّ الْمَبِيعِ، وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَظْهَرِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ زَكَاةُ التَّمْرِ إذَا خُرِصَ وَقُلْنَا: الْخَرْصُ تَضْمِينٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ - فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ جَمِيعِهِ قَطْعًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ. هَذَا كُلُّهُ فِي بَيْعِ الْجَمِيعِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: فَلَوْ بَاعَهُ. فَأَمَّا إذَا بَاعَ بَعْضَهُ فَإِنْ لَمْ يُبْقِ قَدْرَ الزَّكَاةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ الْجَمِيعَ، وَإِنْ أَبْقَى قَدْرَهَا بِنِيَّةِ الصَّرْفِ فِيهَا أَوْ بِلَا نِيَّةٍ بَطَلَ أَيْضًا فِي قَدْرِهَا عَلَى أَقْيَسِ الْوَجْهَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ هَذَا عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ جَزْمِ الشَّيْخَيْنِ بِالصِّحَّةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ اللَّفْظِيَّ أَقْوَى مِنْ الْقَصْدِ الْمُجَرَّدِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي زَكَاةِ الْأَعْيَانِ. أَمَّا زَكَاةُ التِّجَارَةِ فَيَصِحُّ بَيْعُ الْكُلِّ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَقَبْلَ إخْرَاجِهَا عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ مُتَعَلَّقَ الزَّكَاةِ الْقِيمَةُ، وَهِيَ لَا تَفُوتُ بِالْبَيْعِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَ أَمْوَالَ التِّجَارَةِ فَهُوَ كَبَيْعِ مَا وَجَبَتْ فِي عَيْنِهِ فَيَأْتِي فِيهِ الْأَقْوَالُ السَّابِقَةُ. تَتِمَّةٌ: لَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ عَلَى الْبَائِعِ وَلَمْ يُخْرِجْهَا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ بِسَبَبِ أَنَّ مِلْكَهُ فِي بَعْضِ مَا اشْتَرَاهُ لَمْ يَكْمُلْ؛ لِأَنَّ لِلسَّاعِي انْتِزَاعَهُ مِنْ يَدِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، فَلَوْ أَدَّى الْبَائِعُ الزَّكَاةَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا فِي قَدْرِهَا، وَقِيلَ: يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْخَلَلَ قَدْ زَالَ. خَاتِمَةٌ: يُسَنُّ لِلْمُسْتَحِقِّ وَالسَّاعِي الدُّعَاءُ لِلْمَالِكِ عِنْدَ الْأَخْذِ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْخَيْرِ وَتَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أَيْ اُدْعُ لَهُمْ، وَلَا يَتَعَيَّنُ دُعَاءٌ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَا اسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيُّ: آجَرَكَ اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْتَ وَجَعَلَهُ لَكَ طَهُورًا وَبَارَكَ لَكَ فِيمَا أَبْقَيْتَ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلَّى - بِفَتْحِ اللَّامِ - عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شِعَارُ أَهْلِ الْبِدَعِ كَمَا لَا يُقَالُ عَزَّ وَجَلَّ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ صَحَّ الْمَعْنَى فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُخْتَصًّا بِهِ إلَّا تَبَعًا لَهُمْ كَالْآلِ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَأَتْبَاعِهِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ مَا اُخْتُلِفَ فِي نُبُوَّتِهِ كَلُقْمَانَ وَمَرْيَمَ عَلَى الْأَشْهَرِ مِنْ أَنَّهُمَا لَيْسَا بِنَبِيَّيْنِ فَلَا يُكْرَهُ إفْرَادُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِمَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَذْكَارِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُمَا يَرْتَفِعَانِ عَنْ حَالِ مَنْ يُقَالُ فِيهِ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ عَلَى غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا حَقُّهُمَا فَلَهُمَا الْإِنْعَامِ بِهِمَا عَلَى غَيْرِهِمَا. وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى} وَالسَّلَامُ كَالصَّلَاةِ فِيمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَرَنَ بَيْنَهُمَا. لَكِنَّ الْمُخَاطَبَةَ بِهِ مُسْتَحَبَّةٌ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ابْتِدَاءً، وَوَاجِبَةٌ جَوَابًا كَمَا يَأْتِي فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَا يَقَعُ مِنْهُ غِيبَةٌ فِي الْمُرَاسَلَاتِ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ مَا يَقَعُ خِطَابًا. وَيُسَنُّ التَّرَضِّي وَالتَّرَحُّمُ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ الْأَخْيَارِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَنَّ التَّرَضِّيَ مُخْتَصٌّ بِالصَّحَابَةِ وَالتَّرَحُّمَ بِغَيْرِهِمْ ضَعِيفٌ .
|