الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بَعْدَ الطَّوَافِ وَصَلَاتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ بَابِ الصَّفَا لِلسَّعْيِ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالصَّفَا، وَأَنْ يَسْعَى سَبْعًا، ذَهَابُهُ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ مَرَّةٌ، وَعَوْدُهُ مِنْهَا إلَيْهِ؛ أُخْرَى، وَأَنْ يَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ رُكْنٍ أَوْ قُدُومٍ بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُمَا الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَمَنْ سَعَى بَعْدَ قُدُومٍ لَمْ يُعِدْهُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْقَى عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَدْرَ قَامَةٍ، فَإِذَا رَقَى قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَوْلَانَا، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ دِينًا وَدُنْيَا. قُلْت: وَيُعِيدُ الذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَنْ يَمْشِيَ أَوَّلَ السَّعْيِ وَآخِرَهُ: وَيَعْدُوَ فِي الْوَسَطِ، وَمَوْضِعُ النَّوْعَيْنِ مَعْرُوفٌ.
الشَّرْحُ (فَصْلٌ) فِيمَا يُخْتَمُ بِهِ الطَّوَافُ وَبَيَانُ كَيْفِيَّةَ السَّعْيِ، وَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ ثُمَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ يَعُودُ نَدْبًا، وَ (يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ) الْأَسْوَدَ بِشَرْطِهِ فِي الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى (بَعْدَ الطَّوَافِ) بِأَنْ يَخْتِمَهُ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ (وَ) قَوْلُهُ بَعْدَ (صَلَاتِهِ) مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِيَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِ مَا ابْتَدَأَ بِهِ، وَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الِاسْتِلَامِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُسَنُّ تَقْبِيلُ الْحَجَرِ وَلَا السُّجُودُ عَلَيْهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَعَلَّ سَبَبَهُ الْمُبَادَرَةُ إلَى السَّعْيِ ا هـ. وَصَرَّحَ أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الذَّخَائِرِ بِأَنَّهُ يُقَبِّلُهُ: أَيْ وَيَسْجُدُ عَلَيْهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا اقْتَصَرُوا عَلَى ذِكْرِ الِاسْتِلَامِ اكْتِفَاءً بِمَا بَيَّنُوهُ فِي أَوَّلِ الطَّوَافِ ا هـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَنَّهُ يَأْتِي الْمُلْتَزَمَ وَالْمِيزَابَ بَعْدَ اسْتِلَامِهِ وَيَدْعُو شَاذٌّ (ثُمَّ يَخْرُجُ) نَدْبًا (مِنْ بَابِ الصَّفَا) وَهُوَ الْبَابُ الْمُقَابِلُ لِمَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ (لِلسَّعْيِ) بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَشَرْطُهُ) أَيْ شُرُوطُهُ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا (أَنْ يَبْدَأَ بِالصَّفَا) بِالْقَصْرِ. جَمْعُ صَفَاةٍ، وَهِيَ الْحَجَرُ الصُّلْبُ، وَالْمُرَادُ طَرَفُ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ، وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ وَالْخَامِسَةِ وَالسَّابِعَةِ، وَأَنْ يَبْدَأَ بِالْمَرْوَةِ وَيَخْتِمَ بِالصَّفَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ وَالسَّادِسَةِ، فَلَوْ عَكَسَ لَمْ تُحْسَبْ الْمَرَّةُ الْأُولَى، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِالصَّفَا وَقَالَ {ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ} رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ. لَكِنْ بِلَفْظِ " أَبْدَأُ " عَلَى الْخَبَرِ لَا الْأَمْرِ، وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ بِلَفْظِ " نَبْدَأُ " بِالنُّونِ. عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ، فَلَوْ تَرَكَ الْخَامِسَةَ جَعَلَ السَّابِعَةَ خَامِسَةً، وَأَتَى بِالسَّادِسَةِ وَالسَّابِعَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ مَرَّاتِهِ كَالطَّوَافِ بَلْ أَوْلَى (وَ) وَثَانِيهَا (أَنْ يَسْعَى سَبْعًا) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (ذَهَابُهُ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَأَصْلُهَا الْحَجَرُ الرَّخْوُ، وَهِيَ فِي طَرَفِ جَبَلِ قُعَيْقِعَانَ (مَرَّةٌ) بِالرَّفْعِ خَبَرُ ذَهَابِهِ (وَعَوْدُهُ مِنْهَا إلَيْهِ) مَرَّةٌ (أُخْرَى) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {بَدَأَ بِالصَّفَا وَخَتَمَ بِالْمَرْوَةِ} كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقِيلَ: إنَّ الذَّهَابَ وَالْإِيَابَ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ كَمَسْحِ الرَّأْسِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْخَتْمُ بِالصَّفَا وَهُوَ خِلَافُ الْوَارِدِ، وَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِيعَابِ الْمَسَافَةِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بِأَنْ يُلْصِقَ عَقِبَهُ بِأَصْلِ مَا يَذْهَبُ مِنْهُ وَرُءُوسَ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ بِمَا يَذْهَبُ إلَيْهِ، الرَّاكِبُ يُلْصِقُ حَافِرَ دَابَّتِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَبَعْضُ الدَّرَجِ مُحْدَثٌ فَلْيَحْذَرْ أَنْ يُخَلِّفَهَا وَرَاءَهُ فَلَا يَصِحَّ سَعْيُهُ حِينَئِذٍ، بَلْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَصْعَدَ الدَّرَجَةَ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ سَعْيُ الرَّاكِبِ حَتَّى يَصْعَدَ عَلَى ذَلِكَ، فَلَوْ عَدَلَ عَنْ مَوْضِعِ السَّعْيِ إلَى طَرِيقٍ آخَرَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ وَابْتَدَأَ الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الصَّفَا لَمْ تُحْسَبْ لَهُ تِلْكَ الْمَرَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَزِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْمَرْوَةُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّفَا؛ لِأَنَّهَا مُرُورُ الْحَاجِّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَالصَّفَا مُرُورُهُ ثَلَاثًا، وَالْبُدَاءَةُ بِالصَّفَا وَسِيلَةٌ إلَى اسْتِقْبَالِهَا. قَالَ: وَالطَّوَافُ أَفْضَلُ أَرْكَانِ الْحَجِّ حَتَّى الْوُقُوفِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ أَفْضَلُهَا الْوُقُوفُ لِخَبَرِ {الْحَجُّ عَرَفَةَ} وَلِهَذَا لَا يَفُوتُ الْحَجُّ إلَّا بِفَوَاتِهِ، وَلَمْ يَرِدْ غُفْرَانُ الذُّنُوبِ فِي شَيْءٍ مَا وَرَدَ فِي الْوُقُوفِ، فَالصَّوَابُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَرْكَانِ ا هـ. وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ لِتَصْرِيحِ الْأَصْحَابِ بِأَنَّ الطَّوَافَ قُرْبَةٌ فِي نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ (وَ) ثَالِثُهَا (أَنْ يَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ رُكْنٍ أَوْ) طَوَافِ (قُدُومٍ) لِأَنَّهُ الْوَارِدُ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: بَعْدَ طَوَافِ رُكْنٍ أَوْ قُدُومِ طَوَافِ الْوَدَاعِ وَطَوَافِ النَّفْلِ. أَمَّا طَوَافُ الْوَدَاعِ فَلِعَدَمِ تَصَوُّرِ وُقُوعِ السَّعْيِ بَعْدَهُ كَمَا قَالَهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ لِأَنَّهُ إذَا بَقِيَ السَّعْيُ لَمْ يَكُنْ الْمَأْتِيُّ بِهِ طَوَافَ وَدَاعٍ. نَعَمْ إنْ بَلَغَ قَبْلَ سَعْيِهِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ، فَقَالَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ قَائِلٌ اُعْتُدَّ بِهِ نَدْبًا، وَقَائِلٌ وُجُوبًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ مَنْ يُرِيدُ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا. وَالْأَوْجَهُ الْمُوَافِقُ لِلْمَنْقُولِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا خِلَافُ ذَلِكَ، إذْ الْمُرَادُ طَوَافُ الْوَدَاعِ الْمَشْرُوعُ بَعْدَ فَرَاغِ الْمَنَاسِكِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الشَّيْخِ لَا كُلُّ وَدَاعٍ. وَأَمَّا طَوَافُ النَّفْلِ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ تَنَفَّلَ بِالطَّوَافِ وَأَرَادَ السَّعْيَ بَعْدُ فَصَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ بِعَدَمِ إجْزَائِهِ (بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُمْ) أَيْ السَّعْيِ وَطَوَافِ الْقُدُومِ (الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ) وَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ طَوِيلٌ، فَإِنْ وَقَفَ بِهَا لَمْ يُجْزِهِ السَّعْيُ إلَّا بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لِدُخُولِ وَقْتِ طَوَافِ الْفَرْضِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْعَى الْآنَ لِفَوَاتِ التَّبَعِيَّةِ بِتَخَلُّلِ الْوُقُوفِ فَالْحَيْثِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ قَيْدٌ فِي الْقُدُومِ فَقَطْ (وَمَنْ سَعَى بَعْدَ) طَوَافِ (قُدُومٍ لَمْ يُعِدْهُ) أَيْ لَمْ تُسَنَّ لَهُ إعَادَتُهُ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرِدْ، وَلِأَنَّ السَّعْيَ لَيْسَ قُرْبَةً فِي نَفْسِهِ كَالْوُقُوفِ، بِخِلَافِ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ يُتَقَرَّبُ بِهَا وَحْدَهَا، فَإِنْ أَعَادَهُ فَخِلَافُ الْأَوْلَى، وَقِيلَ: مَكْرُوهٌ، وَقِيلَ تُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ. نَعَمْ يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ بِعَرَفَةَ إعَادَتُهُ، وَعِتْقُ الْعَبْدِ كَبُلُوغِ الصَّبِيِّ. وَيُسَنُّ لِلْقَارِنِ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُمَا عَلَيْهِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ بَحْثًا وَهُوَ حَسَنٌ، وَهَلْ الْأَفْضَلُ السَّعْيُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ ؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي مَنَاسِكِهِ الْكُبْرَى الْأَوَّلُ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي مُخْتَصَرِهَا (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْقَى) الذَّكَرُ (عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَدْرَ قَامَةٍ) لِإِنْسَانٍ مُعْتَدِلٍ، وَأَنْ يُشَاهِدَ الْبَيْتَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {رَقَى عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قِيلَ: إنَّ الْكَعْبَةَ كَانَتْ تُرَى فَحَالَتْ الْأَبْنِيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَرْوَةِ، وَالْيَوْمَ لَا نَرَى الْكَعْبَةَ إلَّا عَلَى الصَّفَا مِنْ بَابٍ، بَلْ الْمَرْوَةُ الْآنَ لَيْسَ بِهَا مَا يُرْقَى عَلَيْهِ إلَّا مَصْطَبَةٌ فَيُسَنُّ رُقِيُّهَا. أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تَرْقَى كَمَا فِي التَّنْبِيهِ: أَيْ لَا يُسَنُّ لَهَا ذَلِكَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مُفْرَدَاتِ التَّنْبِيهِ، وَلَا ذِكْرَ لَهَا فِي الْمُهَذَّبِ وَلَا شَرْحِهِ وَلَا الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ. قَالَ: وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْخُنْثَى كَذَلِكَ. قَالَ وَلَوْ فُصِلَ فِيهِمَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَا بِخَلْوَةٍ أَوْ بِحَضْرَةِ مَحَارِمَ، وَأَنْ لَا يَكُونَا كَمَا قِيلَ بِهِ فِي جَهْرِ الصَّلَاةِ لَمْ يُعِدْ ا هـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ الرُّقِيُّ مِنْهُمَا مُطْلَقًا (فَإِذَا رَقِيَ) بِكَسْرِ الْقَافِ فِي الْمَاضِي وَفَتْحِهَا فِي الْمُضَارِعِ، أَوْ أَلْصَقَ أَصَابِعَهُ بِلَا رُقِيٍّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَ (قَالَ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ) مِنْ كُلِّ شَيْءٍ (وَلِلَّهِ الْحَمْدُ) أَيْ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَا لِغَيْرِهِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ تَقْدِيمُ الْخَبَرِ (اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا) أَيْ دَلَّنَا عَلَى طَاعَتِهِ بِالْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَوْلَانَا) مِنْ نِعَمِهِ الَّتِي لَا تُحْصَى (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي خُطْبَةِ الْمَتْنِ (لَهُ الْمُلْكُ) أَيْ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا لِغَيْرِهِ (وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ بِيَدِهِ) أَيْ قُدْرَتِهِ (الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) مُمْكِنٍ (قَدِيرٌ) لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ دِينًا وَدُنْيَا. قُلْت: وَيُعِيدُ الذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ) السَّابِقَيْنِ (ثَانِيًا وَثَالِثًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِزِيَادَةِ بَعْضِ أَلْفَاظٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمَتْنُ وَنَقْصِ بَعْضٍ. وَقَوْلُهُ: بِيَدِهِ الْخَيْرُ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: لَمْ يُوجَدْ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ لَكِنْ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الدُّعَاءُ بِأَمْرِ الدِّينِ يَكُونُ مَنْدُوبًا مُتَأَكِّدًا لِلتَّأَسِّي وَبِأَمْرِ الدُّنْيَا مُبَاحًا كَمَا سَبَقَ فِي الصَّلَاةِ ا هـ. وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنَّك قُلْت {اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} غَافِرٍ وَإِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَإِنِّي أَسْأَلُك كَمَا هَدَيْتَنِي إلَى الْإِسْلَامِ أَنْ لَا تَنْزِعَهُ مِنِّي حَتَّى تَتَوَفَّانِي وَأَنَا مُسْلِمٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُهُ عَلَى الصَّفَا (وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَمْشِيَ) عَلَى هِينَتِهِ (أَوَّلَ السَّعْيِ وَآخِرَهُ، وَ) أَنْ (يَعْدُوَ) الذَّكَرُ، أَيْ يَسْعَى سَعْيًا، شَدِيدًا فَوْقَ الرَّمَلِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ( فِي الْوَسَطِ) الَّذِي بَيْنَهُمَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَمَوْضِعُ النَّوْعَيْنِ) أَيْ الْمَشْيِ وَالْعَدْوِ (مَعْرُوفٌ) هُنَاكَ فَيَمْشِي حَتَّى يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِيلِ الْأَخْضَرِ الْمُعَلَّقِ بِرُكْنِ الْمَسْجِدِ عَلَى يَسَارِهِ قَدْرُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ فَيَعْدُو، فَإِنْ عَجَزَ تَشَبَّهَ حَتَّى يَتَوَسَّطَ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ اللَّذَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ وَالْآخَرُ مُتَّصِلٌ بِجِدَارِ دَارِ الْعَبَّاسِ الْمَشْهُورَةِ الْآنَ بِرِبَاطِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَيَمْشِي عَلَى هِينَتِهِ حَتَّى يَصِلَ إلَى الْمَرْوَةِ، فَإِذَا عَادَ مِنْهَا إلَى الصَّفَا مَشَى فِي مَحِلِّ مَشْيِهِ وَسَعَى فِي مَحِلِّ سَعْيِهِ أَوَّلًا. أَمَّا الْأُنْثَى فَتَمْشِي فِي الْكُلِّ، وَقِيلَ: إنْ خَلَتْ بِاللَّيْلِ سَعَتْ كَالذَّكَرِ، وَالْخُنْثَى فِي ذَلِكَ كَالْأُنْثَى كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْأَحْدَاثِ عَنْ أَبِي الْفُتُوحِ وَأَقَرَّهُ. وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ الذَّكَرُ فِي عَدْوِهِ وَكَذَا الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى فِي مَحِلِّهِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ إنَّكَ أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ. .
تَنْبِيهٌ: سُكُوتُ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَنْ السِّتْرِ وَالطَّهَارَةِ مَعَ اشْتِرَاطِهِ لَهُمَا فِي الطَّوَافِ مُشْعِرٌ بِعَدَمِ وُجُوبِهِمَا وَهُوَ كَذَلِكَ فَيُسَنَّانِ. وَيُسَنُّ أَيْضًا الْمُوَالَاةُ فِي مَرَّاتِ السَّعْيِ، وَكَذَا بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَأَنْ يَكُونَ مَاشِيًا إلَّا لِعُذْرٍ، فَإِنْ رَكِبَ بِلَا عُذْرٍ لَمْ يُكْرَهْ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَمَا فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ كَرِهَ السَّعْيَ رَاكِبًا إلَّا لِعُذْرٍ مَحْمُولٌ عَلَى خِلَافِ الْأَوْلَى. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُكْرَهُ لِلسَّاعِي أَنْ يَقِفَ فِي سَعْيِهِ لِحَدِيثٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ مَرَّاتِهِ قَبْلَ الْفَرَاغِ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ كَمَا مَرَّ فِي الطَّوَافِ. وَيُسَنُّ أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِ ثِقَةٍ أَخْبَرَهُ وَإِنْ اعْتَقَدَ خِلَافَهُ كَمَا مَرَّ فِي الطَّوَافِ أَيْضًا ثُمَّ بَعْدَ السَّعْيِ إنْ كَانَ مُعْتَمِرًا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ وَصَارَ حَلَالًا وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ.
المتن يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَوْ مَنْصُوبِهِ أَنْ يَخْطُبَ بِمَكَّةَ فِي سَابِعِ ذِي الْحِجَّةِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ خُطْبَةً فَرْدَةً، يَأْمُرُهُمْ فِيهَا بِالْغُدُوِّ إلَى مِنًى، وَيُعَلِّمُهُمْ مَا أَمَامَهُمْ مِنْ الْمَنَاسِكِ، وَيَخْرُجُ بِهِمْ مِنْ الْغَدِ إلَى مِنًى وَيَبِيتُونَ بِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَصَدُوا عَرَفَاتًا. قُلْت: وَلَا يَدْخُلُونَهَا بَلْ يُقِيمُونَ بِنَمِرَةَ بِقُرْبِ عَرَفَاتٍ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ يَخْطُبُ الْإِمَامُ بَعْدَ الزَّوَالِ خُطْبَتَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمْعًا. وَيَقِفُوا بِعَرَفَةَ إلَى الْغُرُوبِ، وَيَذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى وَيَدْعُوهُ
الشَّرْحُ (فَصْلٌ) فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ (يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ) الْأَعْظَمِ إنْ خَرَجَ مَعَ الْحَجِيجِ (أَوْ مَنْصُوبِ) الْمُؤَمَّرِ عَلَيْهِمْ إنْ لَمْ يَخْرُجْ الْإِمَامُ (أَنْ يَخْطُبَ بِمَكَّةَ فِي سَابِعِ ذِي الْحِجَّةِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا، الْمُسَمَّى بِيَوْمِ الزِّينَةِ لِتَزْيِينِهِمْ فِيهِ هَوَادِجَهُمْ، وَإِنَّمَا يَخْطُبُ (بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ) أَوْ الْجُمُعَةِ إنْ كَانَ يَوْمَهَا (خُطْبَةً فَرْدَةً) وَلَا يَكْفِي عَنْهَا خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِيهَا التَّأْخِيرُ عَنْ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِهَا التَّعْلِيمُ لَا الْوَعْظُ وَالتَّخْوِيفُ فَلَمْ تُشَارِكْ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ، بِخِلَافِ خُطْبَةِ الْكُسُوفِ (يَأْمُرُهُمْ فِيهَا بِالْغُدُوِّ) الْيَوْمَ الثَّامِنَ الْمُسَمَّى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَرَوُّونَ فِيهِ الْمَاءَ (إلَى مِنًى) بِكَسْرِ الْمِيمِ تُصْرَفُ وَلَا تُصْرَفُ وَتُذَكَّرُ وَهُوَ الْأَغْلَبُ وَقَدْ تُؤَنَّثُ وَتَخْفِيفُ نُونِهَا أَشْهَرُ مِنْ تَشْدِيدِهَا، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ مَا يُمْنَى - أَيْ يُرَاقُ فِيهَا مِنْ الدِّمَاءِ، وَيَفْتَتِحُ الْخُطْبَةَ بِالتَّلْبِيَةِ إنْ كَانَ مُحْرِمًا وَإِلَّا فَبِالتَّكْبِيرِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَقَرَّهُ (وَيُعَلِّمُهُمْ) فِيهَا (مَا أَمَامَهُمْ مِنْ الْمَنَاسِكِ) قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إذَا كَانَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ خَطَبَ النَّاسَ وَأَخْبَرَهُمْ بِمَنَاسِكِهِمْ} رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، فَإِنْ كَانَ الْخَطِيبُ فَقِيهًا قَالَ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ، وَتَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ أَنَّ خُطَبَ الْحَجِّ أَرْبَعٌ: هَذِهِ، وَخُطْبَةُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَيَوْمِ النَّحْرِ، وَيَوْمِ النَّفْرِ الْأَوَّلِ، وَكُلُّهَا فُرَادَى وَبَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَّا يَوْمَ عَرَفَةَ فَثِنْتَانِ، وَقَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُخْبِرُهُمْ فِي كُلِّ خُطْبَةٍ بِمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنْ الْمَنَاسِكِ، وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ الْخَبَرُ السَّابِقُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ، أَنَّهُ يُخْبِرُهُمْ فِي كُلِّ خُطْبَةٍ بِمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنْ الْمَنَاسِكِ إلَى الْخُطْبَةِ الْأُخْرَى، وَلَا مُنَافَاةَ، إذْ الْإِطْلَاقُ بَيَانٌ لِلْأَكْمَلِ وَالتَّقْيِيدُ بَيَانٌ لِلْأَقَلِّ، وَيَأْمُرُ فِيهَا أَيْضًا الْمُتَمَتِّعِينَ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْمَكِّيِّينَ بِطَوَافِ الْوَدَاعِ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ وَبَعْدَ إحْرَامِهِمْ كَمَا اقْتَضَاهُ نَقْلُ الْمَجْمُوعِ لَهُ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ وَالْأَصْحَابِ، بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ الْآفَاقِيَّيْنِ لَا يُؤْمَرَانِ بِطَوَافِ وَدَاعٍ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَحَلَّلَا مِنْ مَنَاسِكِهِمَا لَيْسَتْ مَكَّةُ مَحَلَّ إقَامَتِهِمَا (وَيَخْرُجُ) نَدْبًا (بِهِمْ مِنْ الْغَدِ) بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إنْ لَمْ يَكُنْ جُمُعَةً (إلَى مِنًى) فَيُصَلُّونَ بِهَا الظُّهْرَ وَبَاقِيَ الْخَمْسِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَإِنْ كَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ خَرَجَ بِهِمْ قَبْلَ الْفَجْرِ لِأَنَّ السَّفَرَ يَوْمَهَا بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ الزَّوَالِ حَرَامٌ، فَمَحِلُّهُ فِيمَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ إقَامَتُهَا بِمِنًى، فَإِنْ حَدَثَ فِيهَا قَرْيَةٌ وَاسْتَوْطَنَهَا أَرْبَعُونَ كَامِلُونَ صَلَّوْا فِيهَا الْجُمُعَةَ لِتَمَكُّنِهِمْ مِنْ إقَامَتِهَا وَإِنْ حَرُمَ الْبِنَاءُ ثَمَّ، وَيَجُوزُ خُرُوجُهُمْ بَعْدَ الْفَجْرِ وَلَمْ يُصَلِّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةَ بِعَرَفَةَ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ (وَيَبِيتُونَ) نَدْبًا (بِهَا) فَلَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا وَاجِبٍ بِإِجْمَاعٍ. وَمِنْ الْبِدَعِ الْقَبِيحَةِ مَا اعْتَادَهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ مِنْ إيقَادِ الشُّمُوعِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى مُنْكَرَاتٍ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الزَّعْفَرَانِيُّ: يُسَنُّ الْمَشْيُ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَنَاسِكِ كُلِّهَا إلَى انْقِضَاءِ الْحَجِّ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَقْصِدَ مَسْجِدَ الْخَيْفِ فَيُصَلِّيَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، وَيُكْثِرَ التَّلْبِيَةَ قَبْلَهُمَا وَبَعْدَهُمَا وَيُصَلِّيَ مَكْتُوبَاتِ يَوْمِهِ وَصُبْحَ غَدِهِ فِي مَسْجِدِهَا (فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ) عَلَى ثَبِيرٍ بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ: جَبَلٌ كَبِيرٌ بِمُزْدَلِفَةَ عَلَى يَمِينِ الذَّاهِبِ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَاتٍ (قَصَدُوا عَرَفَاتٍ) مَارِّينَ عَلَى طَرِيقِ ضَبٍّ، وَهُوَ الْجَبَلُ الْمُطِلُّ عَلَى مِنًى وَيَعُودُونَ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ، وَهُوَ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ اقْتِدَاءً بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ السَّائِرُ: اللَّهُمَّ إلَيْك تَوَجَّهْت، وَإِلَى وَجْهِك الْكَرِيمِ أَرَدْت، فَاجْعَلْ ذَنْبِي مَغْفُورًا وَحَجِّي مَبْرُورًا، وَارْحَمْنِي وَلَا تُخَيِّبْنِي إنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنْ يَعُودَ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ الَّذِي ذَهَبَ فِيهِ (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (وَلَا يَدْخُلُونَهَا بَلْ يُقِيمُونَ بِنَمِرَةَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ، وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا: مَوْضِعٌ (بِقُرْبِ عَرَفَاتٍ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَيُسَنُّ أَنْ يَغْتَسِلَ بِنَمِرَةَ لِلْوُقُوفِ، فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ذَهَبُوا إلَى مَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ: إنَّهُ أَحَدُ أُمَرَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَهُوَ الَّذِي يُنْسَبُ إلَيْهِ بَابُ إبْرَاهِيمَ بِمَكَّةَ، وَصَدْرُهُ مِنْ عُرَنَةَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَآخِرُهُ مِنْ عَرَفَةَ وَتُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا صَخَرَاتٌ كِبَارٌ فُرِشَتْ هُنَاكَ. قَالَ الْبَغَوِيّ: وَصَدْرُهُ مَحِلُّ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ (ثُمَّ يَخْطُبُ الْإِمَامُ) أَوْ مَنْصُوبُهُ (بَعْدَ الزَّوَالِ) قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ (خُطْبَتَيْنِ) خَفِيفَتَيْنِ يُعَلِّمُهُمْ فِي الْأُولَى الْمَنَاسِكَ وَيَحُثُّهُمْ عَلَى إكْثَارِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ بِالْمَوْقِفِ، وَيَجْلِسُ بَعْدَ فَرَاغِهَا بِقَدْرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ، وَحِينَ يَقُومُ إلَى الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ أَخَفُّ مِنْ الْأُولَى يُؤَذَّنُ لِلظُّهْرِ فَيَفْرَغُ مِنْ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ مِنْ الْأَذَانِ. فَإِنْ قِيلَ الْأَذَانُ يَمْنَعُ سَمَاعَ الْخُطْبَةِ أَوْ أَكْثَرِهَا فَيَفُوتُ مَقْصُودُهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْخُطْبَةِ مِنْ التَّعْلِيمِ إنَّمَا هُوَ فِي الْأُولَى. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَهِيَ ذِكْرٌ وَدُعَاءٌ، وَشُرِعَتْ مَعَ الْأَذَانِ قَصْدًا لِلْمُبَادَرَةِ بِالصَّلَاةِ (ثُمَّ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ (يُصَلِّي بِالنَّاسِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمْعًا) تَقْدِيمًا لِلِاتِّبَاعِ فِي ذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَيَقْصُرُهُمَا أَيْضًا، وَالْقَصْرُ وَالْجَمْعُ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي بِالْمُزْدَلِفَةِ لِلسَّفَرِ لَا لِلنُّسُكِ فَيَخْتَصَّانِ بِسَفَرِ الْقَصْرِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ الْكُبْرَى مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لِلنُّسُكِ، فَيَأْمُرُ الْإِمَامُ الْمَكِّيِّينَ وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ سَفَرُهُ مَسَافَةَ الْقَصْرِ بِالْإِتْمَامِ وَعَدِمِ الْجَمْعِ، كَأَنْ يَقُولَ لَهُمْ بَعْدَ السَّلَامِ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ وَمَنْ سَفَرُهُ قَصِيرٌ أَتِمُّوا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ: إنَّ الْحُجَّاجَ إذَا دَخَلُوا مَكَّةَ وَنَوَوْا أَنْ يُقِيمُوا بِهَا أَرْبَعًا لَزِمَهُمْ الْإِتْمَامُ، فَإِذَا خَرَجُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إلَى مِنًى وَنَوَوْا الذَّهَابَ إلَى أَوْطَانِهِمْ عِنْدَ فَرَاغِ مَنَاسِكِهِمْ كَانَ لَهُمْ الْقَصْرُ مِنْ حِينِ خَرَجُوا؛ لِأَنَّهُمْ أَنْشَئُوا سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، ثُمَّ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ مِنْ الصَّلَاةِ، يَذْهَبُونَ إلَى الْمَوْقِفِ وَيُعَجِّلُونَ السَّيْرَ إلَيْهِ، وَأَفْضَلُهُ لِلذِّكْرِ مَوْقِفُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ الْمُفْتَرِشَةِ فِي أَسْفَلِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ، وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي بِوَسَطِ أَرْضِ عَرَفَةَ، وَيُقَالُ لَهُ إلَالٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ بِوَزْنِ هِلَالٍ، وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَالْمَشْهُورُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ الْأَوَّلُ فَإِنْ تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهَا لِزَحْمَةٍ قَرُبَ مِنْهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَبَيْنَ مَوْقِفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ نَحْوُ مِيلٍ.
أَمَّا الْأُنْثَى فَيُنْدَبُ لَهَا الْجُلُوسُ فِي حَاشِيَةِ الْمَوْقِفِ، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى (وَ) يُسَنُّ أَنْ (يَقِفُوا) أَيْ الْإِمَامُ أَوْ مَنْصُوبُهُ وَالنَّاسُ (بِعَرَفَةَ إلَى الْغُرُوبِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقِفُوا بَعْدَ الْغُرُوبِ حَتَّى تَزُولَ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا. فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ: وَيَذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى وَيَدْعُوهُ وَيُكْثِرُوا التَّهْلِيلَ فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ قَصَدُوا مُزْدَلِفَةَ. الْمُصَنِّفُ يَقِفُوا مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى يَخْطُبَ فَيَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ الْوُقُوفِ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ مَعَ أَنَّهُ وَاجِبٌ. . أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَيَّدَ الْوُقُوفَ بِالِاسْتِمْرَارِ إلَى الْغُرُوبِ، وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عَلَى الصَّحِيحِ (وَ) أَنْ (يَذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى وَيَدْعُوهُ) بِإِكْثَارٍ وَيُكْثِرُوا التَّهْلِيلَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْت أَنَا وَالنَّبِيُّونَ قَبْلِي: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ {اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، اللَّهُمَّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} وَيُسَنُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَتَكَلَّفُ - السَّجْعَ فِي الدُّعَاءِ، وَلَا بَأْسَ بِالسَّجْعِ إذَا كَانَ مَحْفُوظًا، أَوْ قَالَهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَهُ، وَيُسَنُّ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: - قَالَ أَصْحَابُنَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْحَشْرِ فِي عَرَفَةَ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ذَلِكَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَفِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ لِلْمُسْتَغْفِرَيَّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا {مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ - أَلْفَ مَرَّةٍ يَوْمَ عَرَفَةَ أُعْطِيَ مَا سَأَلَ} وَيُسَنُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ، وَأَنْ يَقِفَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ مُتَطَهِّرًا، وَالْأَفْضَلُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقِفَ رَاكِبًا عَلَى الْأَظْهَرِ. وَأَمَّا صُعُودُ الْجَبَلِ فَلَا فَضِيلَةَ فِي صُعُودِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ أَنَّهُ مَوْقِفُ الْأَنْبِيَاءِ، وَمِنْ أَدْعِيَتِهِ الْمُخْتَارَةِ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً}. الْآيَةَ. {اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِك وَارْحَمْنِي إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، اللَّهُمَّ اُنْقُلْنِي مِنْ ذُلِّ الْمَعْصِيَةِ إلَى عِزِّ الطَّاعَةِ، وَاكْفِنِي بِحَلَالِك عَنْ حَرَامِك، وَاغْنِنِي بِفَضْلِك عَمَّنْ سِوَاك، وَنَوِّرْ قَلْبِي وَقَبْرِي، وَاهْدِنِي، وَأَعِذْنِي مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ، وَاجْمَعْ لِي الْخَيْرَ، اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى} وَالْحَذَرَ مِنْ التَّقْصِيرِ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ الْأَيَّامِ، وَالْمَوْقِفُ أَعْظَمُ الْمَجَامِعِ، يَجْتَمِعُ فِيهِ الْأَوْلِيَاءُ وَالْخَوَاصُّ، وَيَكْثُرُ الْبُكَاءُ مَعَ ذَلِكَ، فَهُنَاكَ تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ، وَتُقَالُ الْعَثَرَاتُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِلتَّوْفِيقِ فِي دُعَائِهِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ}، رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: يَغْفِرُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ وَعَشْرًا مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَلْيُحْسِنْ الْوَاقِفُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَقَدْ نَظَرَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ إلَى بُكَاءِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ سَارُوا إلَى رَجُلٍ فَسَأَلُوهُ دَانِقًا أَكَانَ يَرُدُّهُمْ ؟ فَقَالُوا لَا فَقَالَ: وَاَللَّهُ لَلْمَغْفِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ أَهْوَنُ مِنْ إجَابَةِ رَجُلٍ بِدَانِقٍ. وَرَأَى سَالِمٌ مَوْلَى بْنِ عُمَرَ سَائِلًا يَسْأَلُ النَّاسَ فِي عَرَفَةَ فَقَالَ يَا عَاجِزًا فِي هَذَا الْيَوْمِ يَسْأَلُ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ: إذَا وَافَقَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لِكُلِّ أَهْلِ الْمَوْقِفِ أَيْ بِلَا وَاسِطَةٍ وَغَيْرُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِوَاسِطَةٍ: أَيْ يَهَبَ مُسِيئُهُمْ لِمُحْسِنِهِمْ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي دُعَائِهِ لِخَبَرِ تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ: عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، وَاسْتِقْبَالِ الْبَيْتِ، وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَالْمَوْقِفَيْنِ، وَالْجَمْرَتَيْنِ، وَلَا يُجَاوِزُ بِهِمَا الرَّأْسَ، وَلَا يُفْرِطُ فِي الْجَهْلِ بِالدُّعَاءِ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْأَفْضَلُ لِلْوَاقِفِ أَنْ لَا يَسْتَظِلَّ بَلْ يَبْنِي لِلشَّمْسِ، إلَّا لِعُذْرٍ. . (فَرْعٌ) التَّعْرِيفُ بِغَيْرِ عَرَفَةَ، وَهُوَ اجْتِمَاعُ النَّاسِ بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ لِلدُّعَاءِ لِلسَّلَفِ فِيهِ خِلَافٌ، فَفِي الْبُخَارِيِّ " أَوَّلُ مَنْ عُرِفَ بِالْبَصْرَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ " وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ عَرَفَةَ أَخَذَ فِي الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَالضَّرَاعَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ عَرَفَةَ، وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ: أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَدْ فَعَلَهُ الْحَسَنُ وَجَمَاعَاتٌ، وَكَرِهَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مَالِكٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمَنْ جَعَلَهُ بِدْعَةً لَمْ يُلْحِقْ بِفَاحِشِ الْبِدَعِ، بَلْ يُخَفِّفُ أَمْرَهُ: أَيْ إذَا خَلَا عَنْ اخْتِلَاطِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ أَفْحَشِهَا.
المتن وَيُكْثِرُوا التَّهْلِيلَ فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ قَصَدُوا مُزْدَلِفَةَ وَأَخَّرُوا الْمَغْرِبَ لِيُصَلُّوهَا مَعَ الْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ جَمْعًا، وَوَاجِبُ الْوُقُوفِ حُضُورُهُ بِجُزْءٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ، وَإِنْ كَانَ مَارًّا فِي طَلَبِ آبِقٍ وَنَحْوِهِ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ أَهْلًا لِلْقِيَادَةِ لَا مُغْمًى عَلَيْهِ، وَلَا بَأْسَ بِالنَّوْمِ، وَوَقْتُ الْوُقُوفِ مِنْ الزَّوَالِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَالصَّحِيحُ بَقَاؤُهُ إلَى الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَوْ وَقَفَ نَهَارًا ثُمَّ فَارَقَ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَمْ يَعُدْ أَرَاقَ دَمًا اسْتِحْبَابًا، وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ، وَإِنْ عَادَ فَكَانَ بِهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ فَلَا دَمَ، وَكَذَا إنْ عَادَ لَيْلًا فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ وَقَفُوا الْيَوْمَ الْعَاشِرَ غَلَطًا أَجْزَأَهُمْ، إلَّا أَنْ يُقِلُّوا عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ فَيَقْضُونَ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ (فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ) يَوْمَ عَرَفَةَ (قَصَدُوا مُزْدَلِفَةَ) مَارِّينَ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ وَهُوَ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَعَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، وَمَنْ وَجَدَ فُرْجَةً أَسْرَعَ، وَهِيَ كُلُّهَا مِنْ الْحَرَمِ، وَحَدُّهَا مَا بَيْنَ مَأْزَمَيْ عَرَفَةَ وَوَادِي مُحَسِّرٍ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الِازْدِلَافِ وَهُوَ التَّقَرُّبُ لِأَنَّ الْحُجَّاجَ يَنْفِرُونَ مِنْهَا إلَى مِنًى، وَالِازْدِلَافُ التَّقَرُّبُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} أَيْ قُرِّبَتْ، وَقِيلَ لِأَنَّ النَّاسَ يَجْتَمِعُونَ بِهَا، وَالِاجْتِمَاعُ الِازْدِلَافُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ} أَيْ جَمَعْنَاهُمْ، وَقِيلَ لِمَجِيءِ النَّاسِ إلَيْهَا فِي زُلَفٍ مِنْ اللَّيْلِ: أَيْ سَاعَاتٍ، وَتُسَمَّى أَيْضًا جَمْعًا بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمِيمِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ بِهَا، وَقِيلَ لِأَنَّهُ يُجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ الصَّلَوَاتِ، وَقِيلَ لِاجْتِمَاعِ آدَمَ وَحَوَّاءَ بِهَا (وَأَخَّرُوا الْمَغْرِبَ لِيُصَلُّوهَا مَعَ الْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ جَمْعًا) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. هَذَا إنْ أَمِنُوا فَوَاتَ وَقْتِ اخْتِيَارِ الْعِشَاءِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا أَلَا جَمَعُوا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَعَلَّ إطْلَاقَ الْأَكْثَرِينَ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ (وَوَاجِبُ الْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ (حُضُورُهُ) أَيْ الْمُحْرِمُ أَدْنَى لَحْظَةٍ بَعْدَ زَوَالِ يَوْمِ عَرَفَةَ (بِجُزْءٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَوَقَفْت هَا هُنَا وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَحَدُّ عَرَفَةَ مَا جَاوَزَ وَادِي عَرَفَةَ إلَى الْجِبَالِ الْمُقَابِلَةِ مِمَّا يَلِي بَسَاتِينَ ابْنِ عَامِرٍ، وَلَيْسَ مِنْهَا وَادِي عُرَنَةَ وَلَا نَمِرَةَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ الْوُقُوفِ، فَخَبَرُ {الْحَجُّ عَرَفَةَ مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. وَلَيْلَةُ جَمْعٍ هِيَ لَيْلَةُ مُزْدَلِفَةَ كَمَا مَرَّ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْمُكْثُ بِهَا كَمَا قَالَ (وَإِنْ كَانَ مَارًّا فِي طَلَبِ آبِقٍ وَنَحْوِهِ) كَدَابَّةٍ شَارِدَةٍ، وَلَا أَنْ لَا يَصْرِفَهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى، وَلَا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا الْبُقْعَةَ أَوْ الْيَوْمَ، وَلَكِنْ (يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ) مُحْرِمًا (أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ) إذَا أَحْرَمَ بِنَفْسِهِ (لَا مُغْمًى عَلَيْهِ) جَمِيعَ وَقْتِ الْوُقُوفِ فَلَا يُجْزِئُ وُقُوفُهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْعِبَادَةِ، وَلِهَذَا لَا يُجْزِئُ الصَّوْمُ إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ النَّهَارِ، فَإِنْ أَفَاقَ لَحْظَةً كَفَى كَمَا فِي الصَّوْمِ، وَالسَّكْرَانُ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَلَوْ غَيْرَ مُتَعَدٍّ بِسُكْرِهِ وَالْمَجْنُونُ أَوْلَى مِنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ لَهُمْ أَنْ لَا يَقَعَ فَرْضًا وَلَكِنْ يَصِحُّ حَجُّهُمْ نَفْلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي الْمَجْنُونِ وَفِي حَجِّ الصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَإِنَّ الْحَجَّ لِصِحَّةِ حَمْلِهِ عَلَى فَوَاتِ الْحَجِّ الْوَاجِبِ. وَأَمَّا مَنْ أَحْرَمَ وَلِيُّهُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا ذُكِرَ، وَغَيْرُ الْمُحْرِمِ لَا يُكْتَفَى بِوُقُوفِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مَا زِدْته (وَلَا بَأْسَ بِالنَّوْمِ) وَلَوْ مُسْتَغْرِقًا جَمِيعَ الْوَقْتِ كَمَا فِي الصَّوْمِ (وَوَقْتُ الْوُقُوفِ مِنْ) حِينِ (الزَّوَالِ) لِلشَّمْسِ (يَوْمَ عَرَفَةَ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ كَذَلِكَ وَقَالَ: {خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ} وَتَابَعَهُ أَهْلُ الْأَمْصَارِ عَلَى ذَلِكَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا. وَفِي وَجْهٍ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ بَعْدَ مُضِيِّ إمْكَانِ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ جَمْعًا وَإِمْكَانِ خُطْبَتَيْنِ، كَمَا قَالُوا بِمِثْلِهِ فِي دُخُولِ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقِفْ إلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَقَالَ {خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ} وَرَدَّ هَذَا النَّفَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمَا الْإِجْمَاعُ عَلَى اعْتِبَارِ الزَّوَالِ لَا غَيْرُ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ عَلَى الْوُقُوفِ مُرَاعَاةً لِفَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ عَنْهَا بِالْوُقُوفِ (وَالصَّحِيحُ بَقَاؤُهُ إلَى الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ {الْحَجُّ عَرَفَةَ مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ} وَفِي رِوَايَةٍ {مَنْ جَاءَ عَرَفَةَ لَيْلَةَ جَمْعٍ: أَيْ لَيْلَةَ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَدْرَكَ الْحَجَّ} وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ لِلصَّلَاةِ بِمُزْدَلِفَةَ {مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ وَأَتَى عَرَفَاتٍ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ} وَالتَّفَثُ مَا يَفْعَلُهُ الْمُحْرِمُ عِنْدَ تَحَلُّلِهِ مِنْ إزَالَةِ شَعْثٍ وَوَسَخٍ وَحَلْقِ شَعْرٍ وَقَلْمِ ظُفْرٍ (وَلَوْ وَقَفَ نَهَارًا) بَعْدَ الزَّوَالِ (ثُمَّ فَارَقَ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَمْ يَعُدْ) إلَيْهَا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، وَ (أَرَاقَ دَمًا اسْتِحْبَابًا) خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ (وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ) لِتَرْكِهِ نُسُكًا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالْأَصْلُ فِي تَرْكِ النُّسُكِ إيجَابُ الدَّمِ إلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ (وَإِنْ عَادَ) لِعَرَفَةَ (فَكَانَ بِهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ فَلَا دَمَ) عَلَيْهِ جَزْمًا لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ (وَكَذَا إنْ عَادَ) إلَيْهَا (لَيْلًا) فَلَا دَمَ عَلَيْهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا مَرَّ، وَصَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ الْقَطْعَ بِهِ. وَالثَّانِي يَجِبُ الدَّمُ، لِأَنَّ النُّسُكَ الْوَارِدَ الْجَمْعُ بَيْنَ آخِرِ النَّهَارِ وَأَوَّلِ اللَّيْلِ وَقَدْ فَوَّتَهُ (وَلَوْ وَقَفُوا الْيَوْمَ الْعَاشِرَ غَلَطًا) نَظُنُّ أَنَّهُ التَّاسِعُ كَأَنْ غُمَّ عَلَيْهِمْ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَأَكْمَلُوا بِمُدَّةِ ذِي الْقِعْدَةِ ثَلَاثِينَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْهِلَالَ أَهَلَّ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ وَلَوْ كَانَ وُقُوفُهُمْ بَعْدَ تَبَيُّنِ أَنَّهُ الْعَاشِرُ، كَمَا إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ الْعَاشِرُ لَيْلًا وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ الْوُقُوفِ (أَجْزَأَهُمْ) الْوُقُوفُ لِلْإِجْمَاعِ وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد مُرْسَلًا {يَوْمُ عَرَفَةَ الْيَوْمُ الَّذِي يَعْرِفُ النَّاسُ فِيهِ} وَلِأَنَّهُمْ لَوْ كُلِّفُوا الْقَضَاءَ لَمْ يَأْمَنُوا وُقُوعَ مِثْلِهِ فِيهِ، وَلِأَنَّ فِيهِ مَشَقَّةً عَامَّةً (إلَّا أَنْ يُقِلُّوا عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ فَيَقْضُونَ فِي الْأَصَحِّ) لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ الْعَامَّةِ وَالثَّانِي لَا قَضَاءَ لِأَنَّهُمْ لَا يَأْمَنُونَ مِثْلَهُ فِي الْقَضَاءِ، وَلَيْسَ مِنْ الْغَلَطِ الْمُرَادِ لَهُمْ مَا إذَا وَقَعَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْحِسَابِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ. قَالَ الدَّارِمِيُّ: وَإِذَا وَقَفُوا الْعَاشِرَ غَلَطًا حُسِبَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى حِسَابِ وُقُوفِهِمْ فَلَا يُقِيمُونَ بِمِنًى إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ خَاصَّةً.
تَنْبِيهٌ: لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَالُ بَعْدَ الْعَاشِرِ أَوْ فِيهِ فِي أَثْنَاءِ الْوُقُوفِ. فَأَمَّا إذَا تَبَيَّنَ لَهُمْ فِيهِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَوَقَفُوا عَالِمِينَ. فَقَالَ الْبَغَوِيّ: الْمَذْهَبُ لَا يُحْسَبُ، وَأَنْكَرَهُ الرَّافِعِيُّ. وَقَالَ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ عَلَى خِلَافِهِ، وَصَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ غَلَطًا مَفْعُولًا لِأَجْلِهِ لِيَشْمَلَ الْمَسَائِلَ الثَّلَاثَ. وَأَمَّا إذَا جُعِلَ مَصْدَرًا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ بِمَعْنَى غَالِطِينَ فَلَا تَدْخُلُ فِيهِ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ، لِأَنَّ وُقُوفَهُمْ فِيهَا لَمْ يُقَارِنْهُ غَلَطٌ،.
المتن وَإِنْ وَقَفُوا فِي الثَّامِنِ وَعَلِمُوا قَبْلَ الْوُقُوفِ وَجَبَ الْوُقُوفُ فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ عَلِمُوا بَعْدَهُ وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُمْ لَوْ وَقَفُوا لَيْلَةَ الْحَادِيَ عَشَرَ لَا يُجْزِئُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَحَّحَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنْ بَحَثَ السُّبْكِيُّ الْإِجْزَاءَ كَالْعَاشِرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّتِهِ، وَمَنْ رَأَى الْهِلَالَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَوَقَفَ قَبْلَهُمْ لَا مَعَهُمْ أَجْزَأَهُ، إذْ الْعِبْرَةُ فِي دُخُولِ وَقْتِ عَرَفَةَ وَخُرُوجِهِ بِاعْتِقَادِهِ، وَهَذَا كَمَنْ شَهِدَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ (وَإِنْ وَقَفُوا فِي) الْيَوْمِ (الثَّامِنِ) غَلَطًا بِأَنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ ثُمَّ بَانَا كَافِرَيْنِ أَوْ فَاسِقَيْنِ (وَعَلِمُوا قَبْلَ) فَوْتِ (الْوُقُوفِ وَجَبَ الْوُقُوفُ فِي الْوَقْتِ) تَدَارُكًا لَهُ (وَإِنْ عَلِمُوا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ فَوْتِ وَقْتِ الْوُقُوفِ (وَجَبَ الْقَضَاءُ) لِهَذِهِ الْحِجَّةِ فِي عَامٍ آخَرَ (فِي الْأَصَحِّ) لِنُدْرَةِ الْغَلَطِ فِي التَّقَدُّمِ، وَلِأَنَّ تَأْخِيرَ الْعِبَادَةِ عَنْ وَقْتِهَا أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِسَابِ مِنْ تَقْدِيمِهَا عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْغَلَطَ بِالتَّقْدِيمِ يُمْكِنُ احْتِرَازٌ عَنْهُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَقَعُ لِلْغَلَطِ فِي الْحِسَابِ وَلِلْخَلَلِ فِي الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا بِتَقْدِيمِ الْهِلَالِ، وَالْغَلَطُ بِالتَّأْخِيرِ قَدْ يَكُونُ بِالْغَيْمِ الْمَانِعِ مِنْ الرُّؤْيَةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقَضَاءُ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا غَلِطُوا بِالتَّأْخِيرِ. قَالَ فِي الْبَيَانِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَفَوْقَ الْأَوَّلِ بِمَا مَرَّ، وَلَوْ غَلِطُوا بِيَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ أَوْ فِي الْمَكَانِ لَمْ يَصِحَّ جَزْمًا لِنُدْرَةِ ذَلِكَ. .
المتن وَيَبِيتُونَ بِمُزْدَلِفَةَ، وَمَنْ دَفَعَ مِنْهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَوْ قَبْلَهُ وَعَادَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا فِي النِّصْفِ الثَّانِي أَرَاقَ دَمًا، وَفِي وُجُوبِهِ الْقَوْلَانِ، وَيُسَنُّ تَقْدِيمُ النِّسَاءِ وَالضَّعَفَةِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى مِنًى، وَيَبْقَى غَيْرُهُمْ حَتَّى يُصَلُّوا الصُّبْحَ مُغَلِّسِينَ ثُمَّ يَدْفَعُونَ إلَى مِنًى وَيَأْخُذُونَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ حَصَى الرَّمْلِ
الشَّرْحُ (فَصْلٌ) فِي الْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَالدَّفْعِ مِنْهَا وَفِيمَا يُذْكَرُ مَعَهَا (وَيَبِيتُونَ بِمُزْدَلِفَةَ) بَعْدَ دَفْعِهِمْ مِنْ عَرَفَةَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهُوَ وَاجِبٌ، وَلَيْسَ بِرُكْنٍ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: إنَّهُ مَنْدُوبٌ، وَلِلسُّبْكِيِّ فِي اخْتِيَارِهِ أَنَّهُ رُكْنٌ، وَيَكْفِي فِي الْمَبِيتِ بِهَا الْحُصُولُ بِهَا لَحْظَةً كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، فَيَكْفِي الْمُرُورُ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَمْكُثْ، وَوَقْتُهُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ مُعْظَمَ اللَّيْلِ فِي مَبِيتِ مِنًى لِوُرُودِ التَّعْبِيرِ بِالْمَبِيتِ ثُمَّ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ بِنَاءً عَلَى الْوُجُوبِ اشْتِرَاطَ الْمُعْظَمِ هُنَا، ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ لَا يَصِلُونَهَا حَتَّى يَمْضِيَ نَحْوُ رُبْعِ اللَّيْلِ مَعَ جَوَازِ الدَّفْعِ مِنْهَا بَعْدَ النِّصْفِ، وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ مِنْ التِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ (وَمَنْ دَفَعَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ مُزْدَلِفَةَ (بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ) وَلَمْ يَعُدْ (أَوْ قَبْلَهُ) وَلَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ (وَعَادَ) إلَيْهَا (قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ لَا دَمَ عَلَيْهِ. أَمَّا فِي الْحَالَةِ الْأُولَى، فَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ سَوْدَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُنَّ {أَفَاضَتَا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ بِإِذْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَأْمُرْهُمَا وَلَا مَنْ كَانَ مَعَهُمَا بِدَمٍ}. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَكَمَا لَوْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا قَبْلَ الْفَجْرِ (وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا فِي النِّصْفِ الثَّانِي) سَوَاءٌ أَكَانَ بِهَا فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ أَمْ لَا (أَرَاقَ دَمًا وَفِي وُجُوبِهِ) أَيْ الدَّمِ بِتَرْكِ الْمَبِيتِ (الْقَوْلَانِ) السَّابِقَانِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَهُ فِي وُجُوبِهِ عَلَى مَنْ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِعَرَفَةَ، وَقَضِيَّةُ هَذَا الْبِنَاءِ عَدَمُ وُجُوبِ الدَّمِ فَيَكُونُ مُسْتَحَبًّا كَمَا لَوْ تَرَكَ الْمَبِيتَ بِمِنًى لَيْلَةَ عَرَفَةَ. لَكِنْ رَجَّحَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا عَدَا الْمِنْهَاجَ مِنْ كُتُبِهِ الْوُجُوبَ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّهُ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَالصَّحِيحُ جِهَةُ الْمَذْهَبِ: أَيْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْبِنَاءِ الِاتِّحَادُ فِي التَّرْجِيحِ، وَمَحِلُّ الْقَوْلَيْنِ حَيْثُ لَا عُذْرَ، أَمَّا الْمَعْذُورُ بِمَا سَيَأْتِي فِي مَبِيتِ مِنًى فَلَا دَمَ عَلَيْهِ جَزْمًا وَمِنْ الْمَعْذُورِينَ. مَنْ جَاءَ عَرَفَةَ لَيْلًا فَاشْتَغَلَ بِالْوُقُوفِ عَنْهُ، وَمَنْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ إلَى مَكَّةَ وَطَافَ لِلرُّكْنِ وَفَاتَهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الدَّفْعُ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ: أَيْ بِلَا مَشَقَّةٍ فَإِنْ أَمْكَنَهُ وَجَبَ جَمْعًا بَيْنَ الْوَاجِبَيْنِ وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَمِنْهُ مَا لَوْ خَافَتْ الْمَرْأَةُ طُرُوَّ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ فَبَادَرَتْ إلَى مَكَّةَ بِالطَّوَافِ (وَيُسَنُّ تَقْدِيمُ النِّسَاءِ وَالضَّعَفَةِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى مِنًى) لِيَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ زَحْمَةِ النَّاسِ، وَلِمَا مَرَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا، وَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ: أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ (وَيَبْقَى غَيْرُهُمْ حَتَّى يُصَلُّوا الصُّبْحَ) بِمُزْدَلِفَةَ (مُغَلِّسِينَ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَلَيْسَ التَّغْلِيسُ بِالصُّبْحِ خَاصًّا بِمُزْدَلِفَةَ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ كُلَّ يَوْمٍ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لِيَتَّسِعَ الْوَقْتُ لِمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنْ أَعْمَالِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَيَنْبَغِي الْحِرْصُ عَلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ هُنَاكَ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: فُرِضَ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يُصَلُّوا الصُّبْحَ مَعَ الْإِمَامِ الَّذِي يُقِيمُ الْحَجَّ بِمُزْدَلِفَةَ قَالَ: وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَا حَجَّ لَهُ (ثُمَّ يَدْفَعُونَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ (إلَى مِنًى) وَشِعَارُهُمْ مَعَ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ النِّسَاءِ وَالضَّعَفَةِ التَّلْبِيَةُ وَالتَّكْبِيرُ تَأَسِّيًا بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (وَيَأْخُذُونَ) مَعْطُوفٌ عَلَى يَبِيتُونَ لِيَعُمَّ الضَّعَفَةَ وَغَيْرَهُمْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَطَفَ عَلَى يَدْفَعُونَ فَإِنَّهُ يُقْصَرُ الِاسْتِحْبَابُ عَلَى غَيْرِ الضَّعَفَةِ وَالنِّسَاءِ (مِنْ مُزْدَلِفَةَ) نَدْبًا (حَصَى الرَّمْيِ) لِمَا رَوَى النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ غَدَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ: الْتَقِطْ لِي حَصًى قَالَ: فَلَقَطْت لَهُ حَصَيَاتٍ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ} وَلِأَنَّ بِهَا جَبَلًا فِي أَحْجَارِهِ رَخَاوَةٌ، وَلِأَنَّ السُّنَّةَ أَنَّهُ إذَا أَتَى إلَى مِنًى لَا يُعَرِّجُ عَلَى غَيْرِ الرَّمْيِ، فَسُنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَصَى مِنْ مُزْدَلِفَةَ حَتَّى لَا يَشْغَلَهُ عَنْهُ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَخْذُ جَمِيعِ مَا يُرْمَى بِهِ فِي الْحَجِّ وَهُوَ سَبْعُونَ حَصَاةٍ، وَهُوَ وَجْهٌ جَزَمَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْمَنَاسِكِ الْكُبْرَى، لَكِنَّ الْأَصَحَّ اسْتِحْبَابُ الْأَخْذِ لِيَوْمِ النَّحْرِ خَاصَّةً، فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ سَبْعًا، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَزِيدَ فَرُبَّمَا سَقَطَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَيَكُونُ الْأَخْذُ لَيْلًا كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ لِفَرَاغِهِمْ فِيهِ، وَإِنْ قَالَ الْبَغَوِيّ: نَهَارًا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَرَجَّحَ الْإِسْنَوِيُّ. ، وَلَوْ أَخَذَ الْحَصَى مِنْ غَيْرِ مُزْدَلِفَةَ جَازَ كَوَادِي مُحَسِّرٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَسَكَتَ الْجُمْهُورُ عَنْ مَوْضِعِ أَخْذِ حَصَى الْجِمَارِ لِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ، وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ: تُؤْخَذُ مِنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ: لَا تُؤْخَذُ لِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ إلَّا مِنْ مِنًى نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ ا هـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ السُّنَّةَ تَحْصُلُ بِالْأَخْذِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَيُكْرَهُ أَخْذُ حَصَى الْجِمَارِ مِنْ حِلٍّ لِعُدُولِهِ عَنْ الْحَرَمِ الْمُحْتَرَمِ وَمِنْ مَسْجِدٍ كَمَا ذَكَرَاهُ لِأَنَّهَا فَرْشُهُ، وَمِنْ حَشٍّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ أَشْهَرُ مِنْ ضَمِّهَا، وَهُوَ الْمِرْحَاضُ لِنَجَاسَتِهِ، وَكَذَا مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ نَجِسٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَمِمَّا رَمَى بِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْمَقْبُولَ يُرْفَعُ وَالْمَرْدُودَ يُتْرَكُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَسُدَّ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ فَإِنْ رَمَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَإِنْ قِيلَ: لِمَ جَازَ الرَّمْيُ بِحَجَرٍ رَمَى بِهِ دُونَ الْوُضُوءِ بِمَاءٍ تَوَضَّأَ بِهِ؟. قُلْنَا: فَرَّقَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْوُضُوءَ بِالْمَاءِ إتْلَافٌ لَهُ كَالْعِتْقِ فَلَا يُتَوَضَّأُ بِهِ مَرَّتَيْنِ كَمَا لَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ عَنْ الْكَفَّارَةِ مَرَّتَيْنِ، وَالْحَجَرُ كَالثَّوْبِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ صَلَوَاتٍ.
تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَاهُ مِنْ كَرَاهَةِ أَخْذِ حَصَى الْمَسْجِدِ قَدْ خَالَفَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْغُسْلِ فَجَزَمَ بِتَحْرِيمِ إخْرَاجِ الْحَصَى مِنْ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: " وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَسْجِدِ كَحَصَاةٍ وَحَجَرٍ وَتُرَابٍ، وَجَزَمَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِتُرَابِ الْمَسْجِدِ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَإِذَا تَأَمَّلْتَ كَلَامَهُ هُنَا وَهُنَاكَ قَضَيْت عَجَبًا مِنْ مَنْعِهِ التَّيَمُّمَ وَتَجْوِيزِ أَخْذِ الْحَصَى، وَبَالَغَ فِي التَّشْنِيعِ، وَجَمَعَ الْأَذْرَعِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ كَلَامَهُ هُنَاكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْحَصَى وَالتُّرَابُ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَسْجِدِ، وَكَلَامُهُ هُنَا مُنَزَّلٌ عَلَى مَا جُلِبَ إلَيْهِ مِنْ الْحَصَى الْمُبَاحِ وَفُرِشَ فِيهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ.
المتن فَإِذَا بَلَغُوا الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ وَقَفُوا وَدَعَوْا إلَى الْإِسْفَارِ، ثُمَّ يَسِيرُونَ فَيَصِلُونَ مِنًى بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَيَرْمِي كُلُّ شَخْصٍ حِينَئِذٍ سَبْعَ حَصَيَاتٍ إلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الرَّمْيِ، وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ.
الشَّرْحُ (فَإِذَا) دَفَعُوا إلَى مِنًى، وَ (بَلَغُوا الْمَشْعَرَ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ فِي الْمَشْهُورِ، وَحُكِيَ كَسْرُهَا: جَبَلٌ صَغِيرٌ آخِرَ مُزْدَلِفَةَ اسْمُهُ قُزَحٌ بِضَمِّ الْقَافِ وَبِالزَّايِ وَسُمِّيَ مَشْعَرًا لِمَا فِيهِ مِنْ الشِّعَارِ وَهِيَ مَعَالِمُ الدِّينِ (الْحَرَامَ) أَيْ الْمُحَرَّمَ (وَقَفُوا) عَلَيْهِ نَدْبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمَجْمُوعِ وَوُقُوفُهُمْ عَلَيْهِ أَفْضَلُ مِنْ وَقُوفُهُمْ بِغَيْرِهِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ وَمِنْ مُرُورِهِمْ بِهِ بِلَا وُقُوفٍ وَذَكَرُوا اللَّهَ تَعَالَى (وَدَعَوْا إلَى الْإِسْفَارِ) مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّ الْقِبْلَةَ. أَشْرَفُ الْجِهَاتِ، وَيُكْثِرُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، وَمَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إصْعَادُ الْجَبَلِ فَلْيَقِفْ بِجَنْبِهِ، وَلَوْ فَاتَتْ هَذِهِ السُّنَّةُ لَمْ تُجْبَرْ بِدَمٍ، وَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ دُعَائِهِ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ: اللَّهُمَّ كَمَا أَوْقَفْتَنَا فِيهِ وَأَرَيْتَنَا إيَّاهُ فَوَفِّقْنَا لِذِكْرِك كَمَا هَدَيْتَنَا، وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا كَمَا وَعَدْتَنَا بِقَوْلِك وَقَوْلُك الْحَقُّ {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} إلَى قَوْلِهِ: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وَمِنْ جُمْلَةِ ذِكْرِهِ: اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (ثُمَّ يَسِيرُونَ) قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ، وَشِعَارُهُمْ التَّلْبِيَةُ وَالذِّكْرُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ السَّيْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا وَجَدُوا فُرْجَةً أَسْرَعُوا فَإِذَا بَلَغُوا وَادِي مُحَسِّرٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَرَاءٍ: مَوْضِعٌ فَاصِلٌ بَيْنَ مُزْدَلِفَةَ وَمِنَى وَسُمِّيَ بِهِ، لِأَنَّ فِيلَ أَصْحَابِ الْفِيلِ حُسِرَ فِيهِ - أَيْ أَعْنِي أَسْرَعَ فِي مَشْيِهِ إنْ كَانَ مَاشِيًا، وَحَرَّكَ دَابَّتَهُ مَنْ كَانَ رَاكِبًا بِقَدْرِ رَمْيَةِ حَجَرٍ حَتَّى يَقْطَعُوا عُرْضَ الْوَادِي لِلِاتِّبَاعِ فِي الرَّاكِبِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقِيَاسًا عَلَيْهِ فِي الْمَاشِي، وَلِنُزُولِ الْعَذَابِ فِيهِ عَلَى أَصْحَابِ الْفِيلِ الْقَاصِدِينَ هَدْمَ الْبَيْتِ، وَلِأَنَّ النَّصَارَى كَانَتْ تَقِفُ فِيهِ فَأُمِرْنَا بِمُخَالَفَتِهِمْ، وَيُسَمَّى وَادِيَ النَّارِ أَيْضًا يُقَالُ إنَّ رَجُلًا صَادَ فِيهِ صَيْدًا، فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ نَارٌ فَأَحْرَقَتْهُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ الْأَزْرَقِيُّ: وَادِي مُحَسِّرٍ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَخَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا ا هـ. وَيَقُولُ الْمَارُّ بِهِ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إلَيْك تَعْدُو قَلِقًا وَضِينُهَا مُعْتَرِضًا فِي بَطْنِهَا جَنِينُهَا مُخَالِفًا دِينَ النَّصَارَى دِينُهَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَمَعْنَاهُ أَنَّ نَاقَتِي تَعْدُو إلَيْك مُسْرِعَةً فِي طَاعَتِك قَلِقًا وَضِينُهَا، وَالْوَضِينُ حَبْلٌ كَالْحِزَامِ مِنْ كَثْرَةِ السَّيْرِ وَالْإِقْبَالِ التَّامِّ وَالِاجْتِهَادِ الْبَالِغِ فِي طَاعَتِك، وَالْمُرَادُ صَاحِبُ النَّاقَةِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ: يُسَنُّ لِلْمَارِّ بِوَادِي مُحَسِّرٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْكَلَامَ الَّذِي قَالَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبَعْدَ قَطْعِهِمْ وَادِي مُحَسِّرٍ يَسِيرُونَ بِسَكِينَةٍ (فَيَصِلُونَ مِنًى بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) وَارْتِفَاعِهَا قَدْرَ رُمْحٍ (فَيَرْمِي كُلُّ شَخْصٍ) مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ وُصُولِهِ (سَبْعَ حَصَيَاتٍ إلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَهُوَ تَحِيَّةُ مِنًى فَلَا يَبْتَدِئُ فِيهَا بِغَيْرِهِ، وَتُسَمَّى أَيْضًا الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى، وَلَيْسَتْ مِنْ مِنًى بَلْ حَدُّ مِنًى مِنْ الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ جِهَةَ مَكَّةَ وَالسُّنَّةُ لِرَامِي هَذِهِ الْجَمْرَةِ أَنْ يَسْتَقْبِلَهَا، وَيَجْعَلَ مَكَّةَ يَسَارَهُ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِابْنِ الصَّلَاحِ، وَقَالَ: إنَّهُ الصَّحِيحُ الَّذِي فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ وَإِنْ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْجَمْرَةَ وَيَسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةَ. هَذَا فِي رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ. أَمَّا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ كَمَا فِي بَقِيَّةِ الْجَمَرَاتِ وَيَحْسُنُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ: إذَا وَصَلَ إلَى مِنًى أَنْ يَقُولَ مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: اللَّهُمَّ هَذِهِ مِنًى قَدْ أَتَيْتُهَا وَأَنَا عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك أَسْأَلُك أَنْ تَمُنَّ عَلَيَّ بِمَا مَنَنْت بِهِ عَلَى أَوْلِيَائِك: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْحِرْمَانِ وَالْمُصِيبَةِ فِي دِينِي يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. قَالَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُمَا لَمَّا رَمَيَا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَالَا: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا (وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الرَّمْيِ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ مُلَبِّيًا حَتَّى رَمَاهَا. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ. هَذَا إذَا جَعَلَهُ أَوَّلَ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ كَمَا هُوَ الْأَفْضَلُ. أَمَّا إذَا قَدَّمَ الطَّوَافَ أَوْ الْحَلْقَ، عَلَيْهِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ مِنْ وَقْتِهِ لِأَخْذِهِ فِي أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ، وَالتَّلْبِيَةُ شِعَارُ الْإِحْرَامِ، وَأَمَّا الْمُعْتَمِرُ فَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا افْتَتَحَ الطَّوَافَ لِأَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ تَحَلُّلِهَا (وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) بَدَلَ التَّلْبِيَةِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَيَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَيُسَنُّ أَنْ يَرْمِيَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى رَافِعًا لَهَا حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبِطَيْهِ. أَمَّا الْمَرْأَةُ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى فَلَا تَرْفَعُ وَلَا يَقِفُ الرَّامِي لِلدُّعَاءِ عِنْدَ هَذِهِ الْجَمْرَةِ، وَشُرُوطُ الرَّمْيِ وَمُسْتَحَبَّاتُهُ أَخَّرَهَا الْمُصَنِّفُ إلَى الْكَلَامِ عَلَى رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
المتن ثُمَّ يَذْبَحُ مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ، وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ، وَتُقَصِّرُ الْمَرْأَةُ، وَالْحَلْقُ نُسُكٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ حَلْقًا أَوْ تَقْصِيرًا أَوْ إحْرَاقًا أَوْ قَصًّا، وَمَنْ لَا شَعْرَ بِرَأْسِهِ يُسْتَحَبُّ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَيْهِ، فَإِذَا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ دَخَلَ مَكَّةَ وَطَافَ طَوَافَ الرُّكْنِ، وَسَعَى إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى ثُمَّ يَعُودُ إلَى مِنًى، وَهَذَا الرَّمْيُ وَالذَّبْحُ وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ يُسَنُّ تَرْتِيبُهَا كَمَا ذَكَرْنَا، وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بِنِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَيَبْقَى وَقْتُ الرَّمْيِ إلَى آخِرِ يَوْمٍ وَلَا يَخْتَصُّ الذَّبْحُ بِزَمَنٍ قُلْت: الصَّحِيحُ اخْتِصَاصُهُ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ عَلَى الصَّوَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهَا، وَإِذَا قُلْنَا: الْحَلْقُ نُسُكٌ فَبِفِعْلِ اثْنَيْنِ: مِنْ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَالطَّوَافِ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ، وَحَلَّ بِهِ اللُّبْسُ وَالْحَلْقُ وَالْقَلْمُ، وَكَذَا الصَّيْدُ وَعَقْدُ النِّكَاحِ فِي الْأَظْهَرِ. قُلْتَ: الْأَظْهَرُ لَا يَحِلُّ عَقْدُ النِّكَاحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِذَا فَعَلَ الثَّالِثَ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الثَّانِي، وَحَلَّ بِهِ، بَاقِي الْمُحَرَّمَاتِ
الشَّرْحُ (ثُمَّ) بَعْدَ الرَّمْيِ يَنْصَرِفُونَ، فَيَنْزِلُونَ مَوْضِعًا بِمِنًى وَالْأَفْضَلُ مِنْهَا مَنْزِلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا قَارَبَهُ. قَالَ الْأَزْرَقِيُّ: وَمَنْزِلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِمِنًى عَنْ يَسَارِ مُصَلَّى الْإِمَامِ ثُمَّ (يَذْبَحُ مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ) بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ فِي الْأُولَى وَتَشْدِيدِهَا فِي الثَّانِيَةِ لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى لِمَكَّةَ وَحَرَمِهَا تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ نَعَمٍ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَمْوَالِ نَذْرًا كَانَ أَوْ تَطَوُّعًا لَكِنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ اسْمٌ لِلْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ (ثُمَّ يَحْلِقُ) الذَّكَرُ (أَوْ يُقَصِّرُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} وَلِلِاتِّبَاعِ فِي الْأَوَّلِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالثَّانِي فِي مَعْنَاهُ (وَ) لَكِنَّ (الْحَلْقَ) لَهُ (أَفْضَلُ) إجْمَاعًا، وَلِلْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنْ الْعَرَبَ تَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ وَالْأَفْضَلِ، وَقَدْ رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عُمَرَ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ، فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالْمُقَصِّرِينَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ، وَقَالَ فِي الرَّابِعَةِ وَالْمُقَصِّرِينَ} وَيُنْدَبُ أَنْ يَبْدَأَ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ فَيَسْتَوْعِبَهُ بِالْحَلْقِ ثُمَّ يَحْلِقُ الشِّقَّ الْأَيْسَرَ، وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْمَحْلُوقُ الْقِبْلَةَ، وَأَنْ يُكَبِّرَ عِنْدَ فَرَاغِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَغْفَلَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ، وَذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرِهِ. ثُمَّ قَالَ: إنَّهُ غَرِيبٌ وَأَنْ يَدْفِنَ شَعْرَهُ خُصُوصًا الشَّعْرَ الْحَسَنَ لِئَلَّا يُؤْخَذَ لِلْوَصْلِ، وَأَنْ يَسْتَوْعِبَ الْحَلْقَ أَوْ التَّقْصِيرَ. قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: وَأَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَارِبِهِ. قَالَ فِي الْخِصَالِ: وَأَنْ يَكُونَ بَعْدَ كَمَالِ الرَّمْيِ وَغَيْرُ الْمُحْرِمِ مِثْلُهُ فِيمَا ذُكِرَ غَيْرَ التَّكْبِيرِ. نَعَمْ التَّقْصِيرُ أَفْضَلُ إنْ اعْتَمَرَ قَبْلَ الْحَجِّ فِي وَقْتٍ لَوْ حَلَقَ فِيهِ جَاءَ يَوْمُ النَّحْرِ وَلَمْ يَسْوَدَّ رَأْسُهُ مِنْ الشَّعْرِ نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ النَّصِّ، وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِيمَا لَوْ قَدَّمَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَإِنَّمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِحَلْقِ بَعْضِ رَأْسِهِ فِي الْحَجِّ وَبَعْضِهِ فِي الْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ الْقَزَعُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ خُلِقَ لَهُ رَأْسَانِ وَحَلَقَ أَحَدَهُمَا فِي الْعُمْرَةِ وَالْآخَرَ فِي الْحَجِّ لَمْ يُكْرَهْ، وَيُسَنُّ أَنْ يَبْلُغَ بِالْحَلْقِ إلَى الْعَظْمَاتِ مِنْ الْأَصْدَاغِ، وَأَنْ لَا يُشَارِطَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ ظُفْرِهِ عِنْدَ فَرَاغِهِ، وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ فَرَاغِهِ: اللَّهُمَّ آتِنِي بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَةً، وَامْحُ عَنِّي سَيِّئَةً، وَارْفَعْ لِي بِهَا دَرَجَةً، وَاغْفِرْ لِي وَلِلْمُحَلِّقِينَ وَالْمُقَصِّرِينَ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَحَلُّ أَفْضَلِيَّةِ الْحَلْقِ إذَا لَمْ يَنْذِرْهُ، فَإِنْ نَذَرَهُ وَجَبَ لِأَنَّهُ فِي حَقِّهِ قُرْبَةٌ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى، وَيَجِبُ اسْتِيعَابُ الرَّأْسِ بِالْحَلْقِ إنْ نَذَرَ الِاسْتِيعَابَ أَوْ عَبَّرَ بِالْحَلْقِ مُضَافًا وَإِنْ أَطْلَقَ كَفَاهُ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ وَلَا يُجْزِئُهُ قَصٌّ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا يُسَمَّى حَلْقًا كَنَتْفٍ إذْ الْحَلْقُ اسْتِئْصَالُ الشَّعْرِ بِالْمُوسَى وَلَا يَبْقَى الْحَلْقُ فِي ذِمَّتِهِ لِأَنَّ النُّسُكَ إنَّمَا هُوَ إزَالَةُ شَعْرٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ، وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ مَا لَوْ نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا فَرَكِبَ وَنَذْرُ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى التَّقْصِيرَ كَنَذْرِ الرَّجُلِ الْحَلْقَ فِيمَا ذُكِرَ، وَأَنْ يَتَطَيَّبَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَلْبَسَ ثِيَابَهُ (وَتُقَصِّرُ الْمَرْأَةُ) وَلَا تُؤْمَرُ بِالْحَلْقِ إجْمَاعًا بَلْ يُكْرَهُ لَهَا الْحَلْقُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ وَتَشَبُّهٌ بِالرِّجَالِ، وَمَالَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْمُزَوَّجَةِ وَالْمَمْلُوكَةِ حَيْثُ لَا يُؤْذَنُ لَهَا فِيهِ. نَعَمْ يَحْرُمُ حَلْقُهَا لَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيءٌ مِنْ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ، وَيُنْدَبُ لَهَا أَنْ تُقَصِّرَ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِ رَأْسِهَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالْمُتَّجَهُ أَنَّ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لَمْ تَنْتَهِ إلَى سِنٍّ يُتْرَكُ فِيهِ شَعْرُهَا كَالرَّجُلِ فِي اسْتِحْبَابِ الْحَلْقِ. قَالَ فِي التَّوَسُّطِ: وَهَذَا غَلَطٌ صَرِيحٌ لِعِلَّةِ التَّشْبِيهِ، وَلَيْسَ الْحَلْقُ بِمَشْرُوعٍ لِلنِّسَاءِ مُطْلَقًا بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ا هـ. وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْكَافِرَةَ إذَا أَسْلَمَتْ لَا تَحْلِقُ رَأْسَهَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَلْقِ عَنْك شَعْرَ الْكُفْرِ ثُمَّ اغْتَسِلْ} فَمَحْمُولٌ عَلَى الذَّكَرِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ يُسْتَثْنَى حَلْقُ رَأْسِ الصَّغِيرَةِ يَوْمَ سَابِعِ وِلَادَتِهَا لِلتَّصَدُّقِ بِزِنَتِهِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ الْعَقِيقَةِ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ كَرَاهَةِ الْحَلْقِ لِلْمَرْأَةِ صُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: إذَا كَانَ بِرَأْسِهَا أَذًى لَا يُمْكِنُ زَوَالُهُ إلَّا بِالْحَلْقِ كَمُعَالَجَةِ حَبٍّ وَنَحْوِهِ الثَّانِيَةُ: إذَا حَلَقَتْ رَأْسَهَا لِتُخْفِيَ كَوْنَهَا امْرَأَةً خَوْفًا عَلَى نَفْسِهَا مِنْ الزِّنَا وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلِهَذَا يُبَاحُ لَهَا لُبْسُ الرِّجَالِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالْخُنْثَى فِي ذَلِكَ كَالْأُنْثَى (وَالْحَلْقُ) أَيْ إزَالَةُ شَعْرِ الرَّأْسِ أَوْ التَّقْصِيرُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فِي وَقْتِهِ (نُسُكٌ عَلَى الْمَشْهُورِ) وَفِي الرَّوْضَةِ الْأَظْهَرُ فَيُثَابُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ مِنْ التَّقْصِيرِ لِلذَّكَرِ، وَالتَّفْضِيلُ إنَّمَا يَقَعُ فِي الْعِبَادَاتِ دُونَ الْمُبَاحَاتِ، وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لِكُلِّ مَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَقَطَتْ نُورٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وَعَلَى هَذَا هُوَ رُكْنٌ كَمَا سَيَأْتِي. وَقِيلَ وَاجِبٌ. وَالثَّانِي: هُوَ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ لَا ثَوَابَ فِيهِ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ فِي الْإِحْرَامِ فَلَمْ يَكُنْ نُسُكًا كَلُبْسِ الْمَخِيطِ (وَأَقَلُّهُ) أَيْ إزَالَةِ شَعْرِ الرَّأْسِ أَوْ التَّقْصِيرِ (ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} أَيْ شَعْرَ رُءُوسِكُمْ لِأَنَّ الرَّأْسَ لَا يُحْلَقُ، وَالشَّعْرُ جَمْعٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثٌ كَذَا اسْتَدَلُّوا بِهِ، وَمِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَلَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْجَمْعَ إذَا كَانَ مُضَافًا كَانَ لِلْعُمُومِ، وَفِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا. نَعَمْ الطَّرِيقُ إلَى تَوْجِيهِ الْمَذْهَبِ أَنْ يُقَدَّرَ لَفْظُ الشَّعْرِ مُنَكَّرًا مَقْطُوعًا عَنْ الْإِضَافَةِ، وَالتَّقْدِيرُ شَعْرًا مِنْ رُءُوسِكُمْ، أَوْ تَقُولُ قَامَ الْإِجْمَاعُ كَمَا نَقَلَهُ الْمَجْمُوعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِيعَابُ فَاكْتَفَيْنَا فِي الْوُجُوبِ بِمُسَمَّى الْجَمْعِ ا هـ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إلَّا شَعْرَةٌ وَجَبَ إزَالَتُهَا كَمَا فِي الْبَيَانِ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الشَّعَرَاتِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهَا دُفْعَةً أَوْ فِي دُفُعَاتٍ وَهُوَ الْمَذْهَبُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَنَاسِكِ لَكِنَّ حَاصِلَ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا تَصْحِيحُ مَنْعِ التَّفْرِيقِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ عَدَمِ تَكْمِيلِ الدَّمِ بِإِزَالَتِهَا الْمُحَرَّمَةِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَيُجَابُ عَنْ الْبِنَاءِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الِاتِّحَادُ فِي الصَّحِيحِ. نَعَمْ يَزُولُ بِالتَّفْرِيقِ الْفَضِيلَةُ، وَلَا يَأْتِي التَّصْحِيحُ فِي الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ الْمَأْخُوذَةِ بِدُفُعَاتٍ، وَإِنْ سَوَّى أَصْلُ الرَّوْضَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ بَعْدُ: وَمَنْ لَا شَعْرَ بِرَأْسِهِ فَلَا يَقُومُ مَقَامَهُ شَعْرُ اللِّحْيَةِ وَلَا غَيْرِهَا مِنْ شَعْرِ الْبَدَنِ وَإِنْ اسْتَوَى الْجَمِيعُ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ، وَيَجُوزُ مِمَّا يُحَاذِي الرَّأْسَ قَطْعًا وَكَذَا مِنْ الْمُسْتَرْسِلِ النَّازِلِ عَنْ حَدِّ الرَّأْسِ، وَيَكْفِي فِي الْإِزَالَةِ أَخْذُ الشَّعْرِ (حَلْقًا أَوْ تَقْصِيرًا أَوْ نَتْفًا أَوْ إحْرَاقًا أَوْ قَصًّا) أَوْ أَخْذُهُ بِنُورَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِزَالَةُ، وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ طَرِيقٌ إلَيْهَا. نَعَمْ مَنْ نَذَرَ الْحَلْقَ، وَقُلْنَا بِوُجُوبِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ تَعَيَّنَ اسْتِيعَابُ الرَّأْسِ بِهِ، فَإِنْ خَالَفَ وَأَزَالَ بِغَيْرِهِ أَثِمَ وَأَجْزَأَهُ (وَمَنْ لَا شَعْرَ) كَائِنٌ (بِرَأْسِهِ) أَوْ بِبَعْضِهِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنْ حَلَقَ كَذَلِكَ أَوْ كَانَ قَدْ حَلَقَ، وَاعْتَمَرَ مِنْ سَاعَتِهِ كَمَا مَثَّلَهُ الْعِمْرَانِيُّ (يُسْتَحَبُّ) لَهُ (إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَيْهِ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ تَشْبِيهًا بِالْحَالِقِينَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْإِمْرَارُ، لِأَنَّ ذَلِكَ فَرْضٌ تَعَلَّقَ بِجُزْءِ آدَمِيٍّ فَسَقَطَ بِفَوَاتِهِ كَغَسْلِ الْيَدِ فِي الْوُضُوءِ. وَأَمَّا خَبَرُ {الْمُحْرِمِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى رَأْسِهِ شَعْرٌ يُمِرُّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ} فَضَعِيفٌ وَلَوْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى النَّدْبِ. فَإِنْ قِيلَ: قِيَاسُ وُجُوبِ مَسْحِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ عِنْدَ فَقْدِ شَعْرِهِ الْوُجُوبُ هُنَا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَرْضَ ثَمَّ تَعَلَّقَ بِالرَّأْسِ، وَهُنَا بِشَعْرِهِ. وَبِأَنَّ مَنْ مَسَحَ بَشَرَةَ الرَّأْسِ يُسَمَّى مَاسِحًا. وَمَنْ مَرَّ بِالْمُوسَى عَلَيْهِ لَا يُسَمَّى حَالِقًا وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّ هَذَا لِلرَّجُلِ دُونَ الْأُنْثَى؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ لَهَا، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى. وَيُسَنُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَارِبِهِ أَوْ شَعْرِ لِحْيَتِهِ شَيْئًا لِيَكُونَ قَدْ وَضَعَ مِنْ شَعَرِهِ شَيْئًا لِلَّهِ تَعَالَى. وَالْمُوسَى بِأَلِفٍ فِي آخِرِهِ وَتُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ: آلَةٌ مِنْ الْحَدِيدِ (فَإِذَا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ دَخَلَ مَكَّةَ وَطَافَ طَوَافَ الرُّكْنِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالسَّنَةُ أَنْ يَرْمِيَ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ قَدْرَ رُمْحٍ ثُمَّ يَنْحَرَ ثُمَّ يَحْلِقَ ثُمَّ يَطُوفَ ضَحْوَةً. وَهَذَا الطَّوَافُ لَهُ أَسْمَاءٌ غَيْرُ ذَلِكَ. وَهِيَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ وَطَوَافُ الْفَرْضِ. وَقَدْ يُسَمَّى طَوَافَ الصَّدَرِ بِفَتْحِ الدَّالِ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّ طَوَافَ الصَّدْرِ طَوَافُ الْوَدَاعِ. وَيُسَمَّى طَوَافَ الرُّكْنِ الْفَرْضِ لِتَعَيُّنِهِ وَالْإِفَاضَةِ لِإِتْيَانِهِمْ بِهِ عَقِبَ الْإِفَاضَةِ مِنْ مِنًى وَالزِّيَارَةِ لِأَنَّهُمْ يَأْتُونَ مِنْ مِنًى زَائِرِينَ الْبَيْتَ وَيَعُودُونَ فِي الْحَالِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَطُوفُوا يَوْمَ النَّحْرِ. وَيُسَنُّ أَنْ يَشْرَبَ بَعْدَهُ مِنْ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ مِنْ زَمْزَمَ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ وَهُمْ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ (وَسَعَى) بَعْدَهُ (إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى) بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا السَّعْيُ رُكْنٌ كَمَا سَيَأْتِي (ثُمَّ يَعُودُ) مِنْ مَكَّةَ (إلَى مِنًى) قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِحَيْثُ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِهَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلَا يُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُ صَلَّى بِمَكَّةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ بَعْدَ الزَّوَالِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى وَصَلَّى ثَانِيًا إمَامًا لِأَصْحَابِهِ كَمَا صَلَّى بِهِمْ فِي بَطْنِ نَخْلٍ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً بِطَائِفَةٍ وَمَرَّةً بِأُخْرَى، فَرَوَى ابْنُ عُمَرَ صَلَاتَهُ بِمِنًى، وَجَابِرٌ صَلَاتَهُ بِمَكَّةَ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَ طَوَافَ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى اللَّيْلِ}، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَخَّرَ طَوَافَ نِسَائِهِ وَذَهَبَ مَعَهُنَّ (وَهَذَا) الَّذِي يُفْعَلُ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ أَرْبَعَةٌ، وَهِيَ (الرَّمْيُ وَالذَّبْحُ وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ يُسَنُّ تَرْتِيبُهَا كَمَا ذَكَرْنَا) وَلَا يَجِبُ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ {أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي حَلَقْت قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، فَقَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ، وَأَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ إنِّي أَفَضْت إلَى الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، فَقَالَ ارْمِ وَلَا حَرَجَ} وَفِي الصَّحِيحَيْنِ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ يَوْمَئِذٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إلَّا قَالَ: افْعَلْ وَلَا حَرَجَ} (وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا) إلَّا ذَبْحَ الْهَدْيِ (بِنِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ) لِمَنْ وَقَفَ قَبْلَهُ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ أُمَّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَرَمَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَفَاضَتْ} وَقِيسَ بِالرَّمْيِ الْآخَرَانِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ، وَوُجِّهَتْ الدَّلَالَةُ مِنْ الْخَبَرِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّقَ الرَّمْيَ بِمَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَهُوَ صَالِحٌ لِجَمِيعِ اللَّيْلِ، وَلَا ضَابِطَ لَهُ، فَجُعِلَ النِّصْفُ ضَابِطًا؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ مِمَّا قَبْلَهُ وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ لِلدَّفْعِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ وَلِأَذَانِ الصُّبْحِ، فَكَانَ وَقْتًا لِلرَّمْيِ كَمَا بَعْدَ الْفَجْرِ. وَيُسَنُّ تَأْخِيرُهَا إلَى بَعْدِ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِلِاتِّبَاعِ. أَمَّا إذَا فَعَلَهَا بَعْدَ انْتِصَافِ اللَّيْلِ وَقَبْلَ الْوُقُوفِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا. وَأَمَّا ذَبْحُ الْهَدْيِ الْمَسُوقِ تَقَرُّبًا لِلَّهِ تَعَالَى فَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِدُخُولِ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي (وَيَبْقَى وَقْتُ الرَّمْيِ إلَى آخِرِ يَوْمِ النَّحْرِ) لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ {أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ إنِّي رَمَيْت بَعْدَمَا أَمْسَيْت، فَقَالَ: لَا حَرَجَ} وَالْمَسَاءُ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَا يَكْفِي بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لِعَدَمِ وُرُودِهِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا أَخَّرَ رَمْيَ يَوْمٍ إلَى مَا بَعْدَهُ مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ يَقَعُ أَدَاءً، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ وَقْتَهُ لَا يَخْرُجُ بِالْغُرُوبِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَأُجِيبَ بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ، وَمَا هُنَاكَ عَلَى وَقْتِ الْجَوَازِ، وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ وَقْتَ الْفَضِيلَةِ لِرَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ يَنْتَهِي بِالزَّوَالِ، فَيَكُونُ لِرَمْيِهِ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ: وَقْتُ فَضِيلَةِ إلَى الزَّوَالِ، وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ إلَى الْغُرُوبِ، وَوَقْتُ جَوَازٍ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (وَلَا يَخْتَصُّ الذَّبْحُ) لِلْهَدْيِ الْمُتَقَرَّبِ بِهِ (بِزَمَنٍ) لَكِنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ، بِخِلَافِ الضَّحَايَا فَتَخْتَصُّ بِالْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ (قُلْت: الصَّحِيحُ اخْتِصَاصُهُ) بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ، (وَسَيَأْتِي) لِلْمُحَرَّرِ (فِي آخِرِ بَابِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ عَلَى الصَّوَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَعِبَارَتُهُ هُنَاكَ وَوَقْتُهُ وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ، هَذَا بَنَاهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ أَنَّ مُرَادَ الرَّافِعِيِّ بِالْهَدْيِ هُنَا: الْمُسَاقُ تَقَرُّبًا لِلَّهِ تَعَالَى فَاعْتَرَضَهُ هُنَا وَفِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ. وَاعْتَرَضَ الْإِسْنَوِيُّ الْمُصَنِّفَ بِأَنَّ الْهَدْيَ يُطْلَقُ عَلَى دَمِ الْجُبْرَانَاتِ وَالْمَحْظُورَاتِ وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَفِي قَوْلِهِ أَوَّلًا ثُمَّ يَذْبَحُ مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ، وَعَلَى مَا يُسَاقُ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَصُّ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي آخِرِ بَابِ، مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ، فَلَمْ يَتَوَارَدْ الْكَلَامَانِ عَلَى مَحِلٍّ وَاحِدٍ حَتَّى يُعَدَّ ذَلِكَ تَنَاقُضًا، وَقَدْ أَوْضَحَ الرَّافِعِيُّ، ذَلِكَ فِي بَابِ الْهَدْيِ مِنْ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ، فَذَكَرَ أَنَّ الْهَدْيَ يَقَعُ عَلَى الْكُلِّ، وَأَنَّ الْمَمْنُوعَ فِعْلُهُ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ هُوَ مَا يَسُوقُهُ الْمُحْرِمُ لَكِنَّهُ لَمْ يُفْصِحْ فِي الْمُحَرَّرِ عَنْ الْمُرَادِ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ فِي الْكَبِيرِ، فَظَنَّ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ وَاحِدَةٌ فَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ يَجِيءُ الِاسْتِدْرَاكُ مَعَ تَصْرِيحِ الرَّافِعِيِّ هُنَاكَ بِمَا يُبَيِّنُ الْمُرَادَ ا هـ. أَيْ فَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَحْمِلَ كَلَامَهُ هُنَا عَلَى كَلَامِهِ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ وَإِنْ كَانَ الْهَدْيُ إنَّمَا يَنْصَرِفُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ الْمَحْمَلِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ حَيْثُ أَمْكَنَ بَيْنَ كَلَامَيْنِ ظَاهِرُهُمَا التَّنَاقُضُ يَكُونُ أَوْلَى مِنْ الِاعْتِرَاضِ (وَالْحَلْقُ) الْمَعْنَى السَّابِقُ أَوْ التَّقْصِيرُ (وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ) إنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَ بَعْدَ طَوَافَ قُدُومٍ (لَا آخِرَ لِوَقْتِهَا) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّأْقِيتِ وَيَبْقَى مَنْ هِيَ عَلَيْهِ مُحْرِمًا حَتَّى يَأْتِيَ بِهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ فِعْلُهَا يَوْمَ النَّحْرِ. وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْمِهِ وَعَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَشَدَّ كَرَاهَةً، وَعَنْ خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ أَشَدَّ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ تَأْخِيرِهَا عَنْ أَيَّامِ الْحَجِّ. فَإِنْ قِيلَ: بَقَاؤُهُ عَلَى إحْرَامِهِ يُشْكِلُ بِقَوْلِهِمْ: لَيْسَ لِصَاحِبِ الْفَوَاتِ أَنْ يَصْبِرَ عَلَى إحْرَامِهِ لِلسَّنَةِ الْقَابِلَةِ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْإِحْرَامِ كَابْتِدَائِهِ وَابْتِدَاؤُهُ لَا يَجُوزُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ فِي تِلْكَ لَا يَسْتَفِيدُ بِبَقَائِهِ عَلَى إحْرَامِهِ شَيْئًا غَيْرَ مَحْضِ تَعْذِيبِ نَفْسِهِ لِخُرُوجِ وَقْتِ الْوُقُوفِ فَحَرُمَ بَقَاؤُهُ عَلَى إحْرَامِهِ وَأُمِرَ بِالتَّحَلُّلِ. وَأَمَّا هُنَا فَوَقْتُ مَا أَخَّرَهُ بَاقٍ فَلَا يَحْرُمُ بَقَاؤُهُ عَلَى إحْرَامِهِ وَلَا يُؤْمَرُ بِالتَّحَلُّلِ، وَهُوَ بِمَثَابَةِ مَنْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا ثُمَّ مَدَّهَا بِالْقِرَاءَةِ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ. فَإِنْ كَانَ طَافَ لِلْوَدَاعِ وَخَرَجَ وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الْفَرْضِ، وَإِنْ لَمْ يَطُفْ لِلْوَدَاعِ وَلَا غَيْرِهِ لَمْ يَسْتَبِحْ النِّسَاءَ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ لِبَقَائِهِ مُحْرِمًا (وَإِذَا قُلْنَا: الْحَلْقُ نُسُكٌ) وَهُوَ الْمَشْهُورُ (فَفَعَلَ اثْنَيْنِ مِنْ الرَّمْيِ) أَيْ يَوْمَ النَّحْرِ (وَالْحَلْقَ) أَوْ التَّقْصِيرَ (وَالطَّوَافَ) الْمَتْبُوعَ بِالسَّعْيِ إنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَ قَبْلُ (حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ) مِنْ تَحَلُّلَيْ الْحَجِّ (وَحَلَّ بِهِ اللُّبْسُ) وَسَتْرُ الرَّأْسِ لِلرَّجُلِ وَالْوَجْهِ لِلْمَرْأَةِ (وَالْحَلْقُ) إنْ لَمْ يَفْعَلْ وَإِنْ لَمْ نَجْعَلْهُ نُسُكًا (وَالْقَلْمُ) وَالطِّيبُ بَلْ يُسَنُّ التَّطَيُّبُ. قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا {طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالدَّهْنُ مُلْحَقٌ بِالتَّطَيُّبِ، وَكَذَا الْبَاقِي بِجَامِعِ الِاشْتِرَاكِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ (وَكَذَا) يَحِلُّ (الصَّيْدُ وَعَقْدُ النِّكَاحِ) وَالْمُبَاشَرَةُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، كَالْقُبْلَةِ وَالْمُلَامَسَةِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهَا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي لَا يُوجِبُ تَعَاطِيهَا إفْسَادًا، فَأَشْبَهَتْ الْحَلْقَ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ (قُلْت: الْأَظْهَرُ لَا يَحِلُّ عَقْدُ النِّكَاحِ) وَكَذَا الْمُبَاشَرَةُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِمَا رَوَى النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ " إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ " وَهَذَا مَا نَسَبَهُ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ إلَى تَصْحِيحِ الْأَكْثَرِينَ، وَقَالَ: إنَّ قَوْلَهُمْ أَوْفَقُ لِكَلَامِ النَّصِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ (وَإِذَا فَعَلَ الثَّالِثَ) بَعْدَ الِاثْنَيْنِ (حَصَلَ التَّحَلُّلُ الثَّانِي وَحَلَّ بِهِ بَاقِي الْمُحَرَّمَاتِ) بِالْإِجْمَاعِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِمَا بَقِيَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَهُوَ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْرِمٍ كَمَا أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى وَيُطْلَبُ مِنْهُ التَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ، لَكِنَّ الْمَطْلُوبَ هُنَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ، وَهُنَاكَ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ. وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْوَطْءِ عَنْ بَاقِي أَيَّامِ الرَّمْيِ لِيَزُولَ عَنْهُ أَثَرُ الْإِحْرَامِ. فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ خَبَرُ {أَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ}. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ لَا يَمْتَنِعُ فِيهَا ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ لِلْحَاجِّ تَرْكُ الْجِمَاعِ لِمَا ذُكِرَ، وَمَنْ فَاتَهُ رَمْيُ يَوْمِ النَّحْرِ بِأَنْ أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلَزِمَهُ بَدَلُهُ تَوَقَّفَ التَّحَلُّلُ عَلَى الْبَدَلِ وَلَوْ صَوْمًا لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ. فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمُحْصَرِ إذَا عَدِمَ الْهَدْيَ فَإِنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ تَوَقُّفِ التَّحَلُّلِ عَلَى بَدَلٍ وَهُوَ الصَّوْمُ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُحْصَرَ لَيْسَ لَهُ إلَّا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ، فَلَوْ تَوَقَّفَ تَحَلُّلُهُ عَلَى الْبَدَلِ لَشَقَّ عَلَيْهِ الْمُقَامُ عَلَى سَائِرِ مُحَرَّمَاتِ الْحَجِّ إلَى الْإِتْيَانِ بِالْبَدَلِ وَاَلَّذِي يَفُوتُهُ الرَّمْيُ يُمْكِنُهُ الشُّرُوعُ فِي التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ، فَإِذَا أَتَى بِهِ حَلَّ لَهُ مَا عَدَا النِّكَاحَ وَمُقَدِّمَاتِهِ وَعَقْدَهُ فَلَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي الْإِقَامَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ حَتَّى يَأْتِيَ بِالْبَدَلِ هَذَا فِي تَحَلُّلِ الْحَجِّ. أَمَّا الْعُمْرَةُ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ يَطُولُ زَمَنُهُ وَتَكْثُرُ أَعْمَالُهُ فَأُبِيحَ بَعْضُ مُحَرَّمَاتِهِ فِي وَقْتٍ، وَبَعْضُهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ بِخِلَافِ الْعُمْرَةِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ الْحَيْضُ وَالْجَنَابَةُ لَمَّا طَالَ زَمَنُ الْحَيْضِ جُعِلَ لَارْتِفَاعِ مَحْظُورَاتِهِ مَحِلَّانِ: انْقِطَاعُ الدَّمِ وَالِاغْتِسَالُ، وَالْجَنَابَةُ لَمَّا قَصُرَ زَمَنُهَا جُعِلَ لِارْتِفَاعِ مَحْظُورَاتِهَا مَحِلٌّ وَاحِدٌ. .
|