الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: معجم القواعد ***
أَمَا الاستفتاحيّة:
بفتح ما، وهي التي تكْثُرُ قَبْلَ القَسَم، وهي كلمةٌ واحِدٌ، كقول أبي صَخْر الهُذَلي: أَمَا والذي أَبْكَى وأَضْحَك والذي *** أمَاتَ وأحْيَا والذي أَمْرُه الأمْرُ أَمَا بمعنى حقًا:
هما كَلِمَتَانِ: الهَمْزَةُ للاستفهام، و "ما" بمعنى شيءٍ، وذلك الشيء "حَقّ"، فمعنى "أما": "أَحقًّا" و "أما" هذه تُفتح "أنَّ" بعدها، كما تُفْتَح بعد حقًّا وإعرابُها: الهمزةُ للاستفهام، وموضعُ "مَا" النصب على الظرفية كما انتصب "حقًّا". (=حَقًَّا). امْرُؤ:
فيه لُغَتَان: "امْرُؤٌ" و "مرْؤٌ" وهمزةُ الأوَّل للوَصْل ولا تدخلُ الأَلِف واللام إِلاَّ على الثاني وهو "المَرْء". وأمَّا "امْرُؤ فَتَتْبَع الراءُ فيها الهمزةَ بحركاتِها رفعًا ونَصْبًا وجَرًّا، تقول: هذا امْرُؤٌ، ورأيتُ امْرًَا، ومَرَرْتُ بامْرِئٍ. امْرَأَة:
فيها أيْضًا لُغَتَان: امْرَأةٌ ومَرْأةٌ. وفي الأولى همزةٌ الوَصْلِ، فإذا أدخلوا الأَلِفَ واللاَّمَ أدخلوها على الثانية خَاصَّة دونَ الأولى فقالوا: "المَرْأة". أمَّا:
-1 مَاهِيَّتُها: هيَ حَرْفٌ فيه مَعْنى الشَّرطِ والتَّوكيد دائمًا، والتفصيلِ غالبًا، يَدُلّ على الأَوَّل: لزومُ الفاءِ بعدها نحو {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُون أنَّهُ الحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ. وأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذا أَرَادَ اللَّهُ بِهذا مثلًا} (الآية "26" من سورة البقرة "2") وهي نَائِبَةٌ عَنْ أَدَاةِ الشَّرطِ وجُمْلَتِهِ، ولهذا تُؤَوَّلُ بـ "مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيء". ويدل على الثاني: أَنَّك إذا قصدْتَ توكيد "زيدٌ ذاهبٌ". قلتَ: "أَمَّا زيدٌ فَذَاهِبٌ" أيْ لا محالة ذاهبٌ. ويَدُلُّ على التَّفْصِيلِ استقراءُ مواقعِها نحو: {أَمَّا السَّفينَةُ فَكَانَتْ لِمساكينَ يَعْمَلُونَ في البحْر وأَمَّا الغُلامُ وأَمَّا الجِدَارُ} (الآية "78 و 79 و 80" من سورة الكهف "18") الآيات ونحو: {فَأَمَّا اليَتِيمَ فلا تَقْهَر، وأَمَّا السَّائِل فلا تَنْهَرْ} (الآية "9 - 10" من سورة الضحى "93"). وَقَدْ يُتْرَكُ تَكْرَارُهَا اسْتِغْنَاءً بذكرِ أحَدِ القِسْمَيْن عنِ الآخَرِ، أو بِكَلاَمٍ يُذْكَرُ بَعْدَها. فالأوَّلُ: كقولِه تَعَالى: {فأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بالله واعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ في رَحْمَةٍ مِنْهُ وفَضْلٍ} (الآية "175" من سورة النساء "4"). والثاني: نحو: {فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنه ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ} (الآية "7" من سورة آل عمران "3") أيْ وأَمَّا غيرُهُمْ فيُؤمِنُونَ بِهِ ويَكِلُون مَعْنَاهُ إلى رَبِّهِمْ. وقد يَتَخلَّفُ التَّفصيل كقولك: "أَمَّا عليٌّ فمُنْطَلِقٌ". كما تَقدَّم. -2 وُجُوبُ وُجُودِ الفاءِ بعدَها وقد يجبُ حَذفُها. لا بُدَّ من "فَاءٍ" تَالِيَةٍ لِتالي "أما" لِمَا فيها مِنْ مَعْنى الشَّرْط، ولا تُحذَفُ إلاَّ إذا دَخَلَتْ عَلى "قَوْلٍ" قد طُرح استِغْنَاءً عنه بالمَنْقُول، فيَجِبُ حذفُها معه نحو: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم} (الآية "106" من سورة آل عمران "3") أي فَيُقَالُ لهم: أَكَفَرْتُمْ. ولا تُحْذَفُ في غير ذلك إلاَّ في ضَرورةٍ كقول الشاعر يَهْجُو بَني أسَد: فَأَمَّا القِتَالُ لا قِتَالَ لَدَيْكُمُ *** وَلَكِنَّ سَيْرًا فِي عِرَاضِ المَوَاكِبِ (لا قتال: خبر، والرابط إعادة المبتدأ بلفظه. وخبر لكن محذوف التقدير: لديكم) -3 دخولُ "أما" على أَدَاة الشَّرْط: إذا اجْتَمَعَ شَرْطَان "أَمَّا وإنْ الشَّرْطية" كان الجوابُ للسَّابق مِنْهُما فَأَغْنَى عن جَوَابِ الشَّرْطِ الثاني، وذلكَ إذا كانَ فِعْلُ الشَّرْطِ ماضِيَ اللَّفْظ نحو قوله تعالى: {وأمَّا إنْ كانَ مِنْ أَصْحَابِ اليَمين فَسَلامٌ لكَ مِنْ أصْحَابِ اليَمين} (الآية "90 - 91" من سورة الواقعة "56"). الفاءُ في جواب "أما" والفاءُ وما بَعْدَها يسُدَّان مَسَدَّ جَوَاتِ "إن". -4 ما يُفْصَلُ بَيْنَ "الفاءِ" و "أما": يُفْصَلُ بَيْنَ "الفَاءِ" و "أما" بالمبتدأ نحو: "أَمَّا مُحَمَّدٌ فَمُسَافِرٌ" أو بالخَبَر نحو: "أَمَّا في الدَّارِ فإبراهيمُ" أو بِجُمْلَةِ الشَّرْط نحو قوله تعالى: {فَأَمَّا إنْ كَانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} (الآية "88 - 89" من سورة الواقعة "56"). أو باسمٍ مَنْصُوبٍ بالجوابِ نحو {فَأَمَّا اليَتيمَ فَلا تَقْهَرْ} (الآية "9" من سورة الضحى "93"). أو باسمٍ مَعْمُولٍ لمَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَ الفاء، نحو: "أَمَّا مَن قَصَدَكَ فأغِثْه" أو بظرْفٍ مَعْمُولٍ لـ "أما" نحو "أَمَّا اليَوْمَ فَإِنِّي ذَاهِبٌ". ويقول سيبويه: واعلم أن كُلَّ موضعٍ تقع فيه "أنَّ" تقع فيه "أنَّما" فمن ذلك قولُه تعالى: {قُلْ إنَّما أَنَا بَشَر مِثْلُكُمْ يُوحَى إلَيَّ أَنَّما إلهُكُمْ إلهٌ وَاحِدٌ} (الآية "110" من سورة الكهف "18"). وقال ابْنُ الأطْنَابة: أبْلِغْ الحَارِثَ بنَ ظَالِمَ المَوْـــــــعِدَ والنَّاذِرَ النذورَ عَلَيًّا إنما تَقْتُلُ النِّيامَ ولا *** تقْتُلُ يَقْظَانَ ذَا سِلاَحٍ كَمِيًّا إمّا الشّرطيّة:
هي غيرُ "أما" التي وُضِعَتْ لأَحَدِ الشَّيئينِ وإنما هِيَ عِبَارَةٌ عن "إن" الشَّرْطِيَّة و "ما" الزَّائِدة، نحو قوله تعالى: {فَإمَّا تَرَيِنَّ منَ البَشَرِ أَحَدًا فَقُولي} (الآية "26" من سورة مريم "19") ففِعلُ الشَّرط "تَرَيِنَّ" وجوابه "فَقولي" والفاءُ رابطةٌ للجواب. إِمَّا:
إِمَّا في الخَبَر بمنزلة "أو" وهي لأَحَدِ الشَّيْئَين أوِ الأَشْيَاء، وَيَرَى الخليلُ وسيبويه: أنَّ "أما" هذه إنَّما هي "إن" ضُمَّتْ إليها "مَا" ولا يجوزُ حذفُ "ما" إلاّ أنْ يُضْطَّر الشاعر فيقول: لقَد كَذَبَتْكَ نَفْسُك فاكْذِبَنْها *** فإنْ جَزَعًا وإنْ إجمالَ صَبْرِ المعنى: فإمّا جزعًا. إلخ. (=إن بمعنى إمّا). والفَرْقُ بَيْنَ أوْ وإمّا - كما يقول المبرد - أَنَّكَ إذَا قلتَ: جاءني زَيدٌ أو عَمْروٌ وقَعَ الخَبر في زيدٍ يقينًا حتى ذكرت، أَوْ فَصارَ فِيهِ وَفي عَمْروٍ شَكٌّ. وإمّا تَبْتَدِئ بها شَاكًّا، وذلك قولك: جاءني إمَّا زيدٌ وإمّا عَمْروٌ، أَيْ أَحَدَهُما. وَيَتَفَرَّع عن "أما" خَمْسَةُ مَعَانٍ: (أحدُها) الشكُّ نحو "سيَقْدَمُ إمَّا زَيْدٌ وإمَّا أَحْمَدُ" وتبدأ بالشك. (الثاني) الإِبهام نحو قوله تعالى: {وآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأمْرِ اللَّهِ إمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} (الآية "106" من سورة التوبة "9"). (الثالث) التَّخْيِيرُ نحو قوله تعالى: {إمَّا أنْ تُعَذِّبَ وإمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} (الآية "86" من سورة الكهف "18"). (الرابع) الإِبَاحَةُ نحو "إقْرأ إمَّا شِعْرًا وإمّا قِصَّةً". (الخامس) التَّفْصيل نحو {إمَّا شَاكِرًا وإمَّا كَفُورًا} (الآية "3" من سورة الدهر "76"). و "أما" في هذه المعاني كـ "أو" إلاَّ أن "أما" يجب تكرارُها و "أو" لا تتكرَّر. وقد يُسْتَغْنَى عن "أما" الثَّانِية بذكر ما يُغْني عنها نحو "إمَّا أن تَتَكَلَّمَ بخيرٍ وإلاَّ فَاسْكُتْ". أمَام:
منْ أسماءِ الجهاتِ وهيَ ظَرْفُ مَكانٍ، ولها أحكام. (=قبل). أَمَامَكَ:
اسمُ فعلِ أمْرٍ ومعناه: تَقَدَّمْ. (=اسم الفعل 5). أَمْثِلَةُ مُبَالَغَةِ اسمِ الفَاعِل. (=مبالغَةُ اسمِ الفَاعلِ 2). الأمْر:
-1 تعريفُه: مَا يُطْلَبُ به حُصُولُ شيءٍ نحو "اقرأ" "تعلَّمْ" "دَحْرِجْ" "انْطَلِقْط "اسْتَغْفِر". -2 علامته: أَنْ يَقْبَلَ نُونَ التَّوكيد مع دَلالَتِهِ على الأمْر (فإنْ قبِلتْ كلمةٌ نون التوكيد ولم تَدُلَّ على الأَمْر فهي فِعلٌ مُضارع نحو {لَيُسْجَنَنَّ وليَكُونًا} من الآية "32" من سورة يوسف. وإن دَلَّت على الأمر ولم تقبل النون فهي اسمُ فعل أمْر كـ "نَزَالِ" بمعنى انْزِل و "درَاكِ" بمعنى أدْرِك، و "أمين" بمعنى استجب). -3 حُكْمه: الأمرُ مَبْنِيُّ دَائِمًا والأَصْلُ في بنائه السُّكُونُ وغيرُ السُّكُون عَارِضٌ لسبب. وقيل: (أ) يُبنى عَلى السُّكون إذا كانَ صحيحَ الآخِر نحو "اكْتُبْ تَعَلَّمْ" أو اتصلَ به نونُ النِّسْوَة نحو "اكتُبْنَ". (ب) وقد يُبْنى على حَذْفِ حَرْفِ العِلَّة إن كانَ مُعْتَلَّ الآخر نحو "اسعَ اسمُ ارْتَقِ". (جـ) وعلى حَذْفِ النونِ إذا اتَّصَلَ بِهِ أَلِفُ الاثْنَين أوْ واوُ الجَمَاعَةِ أو يَاءُ المُخَاطَبة نحو "اسْمَعَا اسْمَعُوا اسْمَعِي". (د) ويُبْنى على الفَتْح إذا اتَّصَلَ به نونُ التَّوْكِيد نحو "اكْتُبَنَّ". وما قِيل بأنَّ الأمْرَ مُعْرَبٌ مَجْزُومٌ فَهْو قولُ الكُوفِيين ورَدَّه البَصْرِيُّون. والأصحُّ أن يُقال: يُبْنى على ما يُجْزَمُ به مُضارِعُه. -4 أخْذُهُ مِن المضارع: يُؤخَذُ الأمرُ مِنَ المضارعِ بِحَذْفِ حَرْفِ المُضارَعَةِ فقط كـ "تَشَارَكْ" فإن كانَ أوَّلُ الباقي بعدَ الحذفِ سَاكِنًا جئتَ بهمزةِ الوَصْلِ مكسورةً كـ "اضرِبْ" و "اجْلِسْ" و "افْهَمْ" إلاَّ في الفِعْل الثلاثي المضمومِ العَيْنِ في المُضَارِع فتكون مضمُومةً كـ "انْصُرْ" و "اكْتُبْ" أَمَّا الأمرُ من "أكْرَمَ" فإنَّه يكونُ بِفَتْحِ الهَمْزَةِ وكَسْرِ ما قَبْلَ آخِرِه. وذلكَ لأنَّها هَمْزَةُ قَطْعٍ لا وَصْلٍ فتقول: "أَكْرِمْ". وتُحْذَفُ فاءُ المِثَالِ (المثال: ما كان فاؤه حرف علة) من الأمرِ حَمْلًا على حَذْفِها في المُضارع كـ "عِدْ" و "زنْ". -5 الأَمْرُ مِنْ حَرْفٍ واحِدٍ: قَدْ يُحذَفُ حَرْفُ العِلَّة من الأَمْرِ المُعْتَلّ فلا يَبْقَى مِنه إلاَّ حَرْفٌ واحد نحو: "إِ" أمْرٌ أي عِدْ من "الوَأْي" كـ "الوَعْد" لَفْظًا ومعنى. ونحو "قِ" أمْرٌ مِنَ "وَقَى يَقِي" و "ل" أمْرٌ مِنْ وَلِيَ الأمرَ يَلِيه، ونحو "شِ" أمْرٌ من "وَشَى الثَّوبَ يَشِيهِ" نَقَشَه، ومثلُه "دِ" أمْرٌ من "وَدَاهُ يَدِيه" دَفَعَ دِيّتَه، و "ر" أَمْرٌ من "رَآى يَرَى" من الرأي، و "ع" أمْرٌ مِنْ "وَعَى يَعِي" حَفِظَ وتَدَبَّر، و "ن" أمْر من "وَنَى ينى": فتر، "فِ" أمْرٌ من "وَفى بالعَهْدِ يَفِي" فهذهِ الأفْعَالُ كُلُّها بالكَسْرِ إلاَّ "رَ" بفَتْحِ عينِ مُضارعه، وكلُّها مُتَعدِّية إلاَّ "نِ" فلازِمٌ لأنه بمعنى تَأَنَّ. والأَوْلَى في هذا الأمْرِ الحَرْفِي أنْ تُتْبِعَه بِهَاءِ السَّكْت، فتقول مثلًا: قِهْ، ورَهْ، وهكذا غيرها. أَمْسَى:
تأتي: (1) نَاقِصَةً مِنْ أَخَواتِ "كان" وهي تَامَّةُ التّصرفِ، وتُسْتَعمَلُ مَاضيًا، ومُضَارِعًا، وأَمْرًا ومَصْدَرًا نحو: "أَمْسَى خَالدٌ رَاضيًا مَرْضيًا". و "يمْسي الضَّيفُ مُكَرَّمًا" ولها مَع كَانَ أحكامٌ أخرى. (=كان وأخواتها). (2) تَامَّة فَتَكْتَفي بمرفوعها ويكونُ فاعلًا لها، وذلك حِينَ يكونُ مَعْنَى "أَمْسَى" دَخَلَ في المَسَاءِ نحو قولِه تَعَالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حين تُمْسُونَ وحِينَ تُصْبِحُونَ} (الآية "17" من سورة الروم "30"). أَمْسِ:
اسمُ عَلَمٍ على اليوم الذي قبل يومِكَ، ويُستعمل فيما قَبْلَه مَجازًا وهو مبنيُّ على الكسر (وبنو تميم تُعربه إعْراب ما لا يتصرف فتقول: "ذهبَ أمسُ بما فيه" برفع "أمس")، إلاَّ أن يُنْكَّر بأن يُرادَ به يومٌ مَا فيُنَوَّن، أو يُكَسَّر (يكسر: أي يجمع جمع تكسير)، أو دَخَلتْهُ "ألْ" أَوْ أُضيفَ، أُعْرِب بإجْماع. أنْ: بمَعْنى "لِئِلا" كقَوْلِكَ "رَبْطتُ الفَرَس أنْ تَنْطَلِق" أي لِئَلا تَنْطَلِق. قال الله تعالى: {يُبَيِّن اللَّهُ لكمْ أَنْ تَضِلُّوا} (الآية "176" من سورة النساء "4"). مَعنَاه لِئَلا تَضلوا، وقال تعالى: {وَأَلْقَى في الأرضِ رَوَاسِيَ أنْ تَميدَ بكُم} (الآية "15" من سورة النحل "16"). أي: لئلا تَمِيدَ بكم، وقال: {إنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمواتِ والأرضَ أنْ تَزُولاَ} (الآية "41" من سورة فاطر "35") معناه ألاَّ تَزولا. وقال عمرو بن كلثوم: نَزَلتُم مَنْزِلَ الأَضْيَافِ مِنَّا *** فَعَجَّلْنَا القِرَى أنْ تَشْتِمُونا والمعنى: لئلا تَشْتِمُونا. والأَوْلى في مثلِ هذا أنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ فالمعنى في قولِكَ: "ربطتُ الفرَسَ أنْ تَنْطِلق" خَوْفَ أَنْ تَنْطلق، كذلك المَعْنى في الآية الأولى: يبيّن الله لكم خَشْيَةَ أَنْ تَضِلّوا، وكذلك: وَأَلْقَى في الأرْضِ رَوَاسِيَ خَشْيَةَ أنْ تَمِيدَ بكم، وكذَلِكَ في البيت: فَعَجَّلْنا القِرَى خَشْيَة أن تَشْتِمُونَا. والمُضافُ المحذُوف: مفعولٌ لأجْلِه. إنْ بمعْنى إما:
قد تكونُ "إن" في بعْضِ حالاتِها بمعنى "أما" وعلى ذلك قول دُرَيد بن الصِّمَّة: لقد كَذَبْتَكَ نَفْسُك فاكْذِبَنْها *** فإنْ جَزَعًا وإنْ إجْمَالَ صَبْر قال سيبويه: فهذا مَحْمُولٌ على "أما" وليسَ على الجزاء، يريد أنَّ "إن" في هذا البيت يُرادُ بِها أحَدُ الشَّيْئين، فاضَّطُر الشاعرُ فحذفَ "ما" فَبَقِيَتْ "إن" والمَعْنى: فإمَّا. ومثلُه قَوْلُ النِّمر بن تولِب: سَقَتْه الرَّواعدُ مِنْ صَيِّف *** وإنْ مِنْ خَرِيفٍ فَلَنْ يَعدَما قال سيبويه: يريد: وإمَّا مِنْ خَرِيفٍ. وقال الأصمعي: "إن" ههنا بمعنى الجَزَاء، أرَادَ: وإنْ سَقَتْه مِنْ خَرِيفٍ فَلَنْ يَعدَمَ الرَّيّ، وبهذا القَولِ أخَذَ المُبرِّد وقال: لأَنَّ "أما" تكون مُكَرَّرَة، وهي ههنَا غير مكرَّرة، وهي ههنَا غير مكرَّرة، ويجبُ على قولِ الأصْمعي: أنَّه يَعْدَم الرَّيَّ، لأنه قال: وإن سَقَتْه من خَريفٍ فلن يعدَمَ الرَّي. فكأَنَّه يعدَم الرَّي إن لم يَسقِه الخَريف. كما قال الهَرَوِيُ، وليس هذا مرادًا. أَنْ الزَّائِدَة:
هيَ التَّالِيةُ لـ "لَمَّا" الحينية نحو: {فَلَمَّا أنْ جَاءَ البَشِيرُ} (الآية "96" من سورة يوسف "12"). ومثلُه قولُ لَيلى الأَخيلية: ولَمَّا أنْ رَأَيْتُ الخَيْلَ قُبْلًا *** تُبَارِي بالخُدُودِ شَبَا العَوَالي والواقِعَةُ بينَ الكَافِ ومجرورِها كقول كَعب بن أرْقَمَ اليَشْكري: ويَومًا تُوافِينا بِوَجْهٍ مُقَسَّمٍ *** كأَنْ ظَبْيَةٍ تَعْطُة إلى وَارِقِ السَّلمَ أو بَيْنَ فعلِ القَسَم وَلَوْ، كقولِ المسيَّبِ ابْنِ عَلَس: فَأُقْسِمُ أَنْ لَوْ الْتَقَيْنَا وَأَنْتُمْ *** لكانَ لكُم يومٌ مِن الشَّرِّ مُظلِمُ (الرواية الصحيحة "وأقسم لو أنا التقينا" ولا شاهد فيه) أَنْ المُخَفَّفَة مِنَ الثّقيلة:
هي الوَاقِعَةُ بَعْدَ عِلْمٍ نحو {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} (الآية "20" من سورة المزمل "73"). وأَجْرَى سيبويه والأخْفَشُ: "أَنْ" هذه بعد الخَوْف مُجراهَا بَعْدَ العِلْم، لتَيقُّنِ المَخُوف نحو "خفْتُ ألاَّ تَفْعلُ" و "خشِيْتُ أَنْ تَقُومُ" ومِثلُ ذلك أَنْ تَقَع بعد نحو "أكثرُ قَوْلي أنْ بَكْرٌ ظريفٌ" ومثله "أَوَّلُ مَا أَقُولُ أنْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيم". ومثله: {وآخِرُ دَعْوَاهُم أنِ الحمدُ لله ربِّ العَالمين} (الآية "10" من سورة يونس "10"). أمَّا الواقعةُ بَعْدَ الظَّنِّ فالأَرْجَحُ أنْ تَكُونَ ناصِبَةً، لذلك أجْمَعَ القراءُ عليه في قوله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أن يُتْرَكُوا} (الآية "2" من سورة العنكبوت "29"). ويجوزُ اعْتِبَارُها مُخَفَّفةً كَقِراءَة: {وَحَسِبوا أَلاَّ تَكُونُ فِتْنَة} (الآية "71" من سورة المائدة "5"). وإذا خُفِّفَتْ "أَنْ" المَفْتُوحةُ يَبْقَى العَمَلُ وُجُوبًا، ولكن يَجَبُ في اسمِها كونُهُ مُضْمَرًا مَحْذُوفًا. وأمَّا قولُ عمرة بنت ابن العَجْلان: بأَنْكَ ربيعٌ وغَيْثٌ مَرِيعٌ *** وأَنْكَ هناكَ تكونُ الثِّمَالاَ فضرورة ويجبُ في خَبَرِها أنْ يَكُونَ جُملةً، فإنْ كَانَتْ اسْمِيَّة، أو فِعْليَّةً فِعْلُها جَامِدٌ، أو دُعاء، لم تحتج إلى فاصل نحو: {وآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العَالَمِينِ} (الآية "10" من سورة يونس "10"). {وَأَنْ لَيْسَ للإِنْسَانِ إِلاَّ ما سَعَى} (الآية "39" من سورة النجم "53"). {والخَامِسَةَ أَنْ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْها}(الآية "9" من سورة النور "24"). والقِراءةُ المشهورَةُ: {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا}. بتشديد نون أنَّ. ويَجِبُ الفَصْلُ في غَيْرِهِنَّ بـ "قَدْ" نحو {وَنَعْلَم أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} (الآية "113" من سورة المائدة "5"). أَوْ "تَنْفَيس" نحو {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} (الآية "20" من سورة المزمل "73"). أَوْ "نَفْيٍ بِلاَ أَوْ لَنْ أَوْ لَمْ" نحو {وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُون فِتْنَة} (الآية "71" من سورة المائدة "5")، على قراءة الرفع في تكونُ {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيهِ أَحَد} (الآية "5" من سورة البلد "90") {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَد} (الآية "7" من سورة البلد "90"). على جواز أن تأتي أن المخففة بعد الظَّن، أو "لو" نحو {أَنْ لَوْ نَشَاءُ أصَبْنَاهُمْ} (الآية "100" من سورة الأعراف "7"). {وأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا} (الآية "16" من سورة الجن "72"). وَيَنْدُرُ تَرْكُ الفَصْلِ بواحِدٍ منها كقوله: عَلِمُوا أَنْ يُؤَمَّلُون فَجَادُوا *** قَبْلَ أَنْ يُسْأَلُوا بأعْظَمِ سُؤْل أن التَّفْسِيرية:
أنْ هذه بمنزِلةِ أَيْ، وذلك مثلُ قولِه عز وجل: {وانْطَلَقَ المَلأُ مِنْهُمْ أنِ امْشُوا واصْبِرُوا} (الآية "6" من سورة ص "38") لأنَّك إذا قلت: "انطَلَق بنو فلان أنِ امشوا، فأنْتَ لا تُرِيدُ أن تُخبر أنَّهم انْطَلَقُوا بالمَشْي ومثلُ ذلكَ: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إلاَّ ما أَمَرَتني بِهِ أنِ اعبُدُوا اللَّهَ} (الآية "117" من سورة المائدة "5") ومثل هذا في القرآن كثير. وأمَّا قولُه: "كتبتُ إليه أنِ افْعَلْ" و "أمَرْتُهُ أنْ قُمْ" فيكون على وجهين: على أنْ تكون "أنْ" التي تَنْصِبُ الأفعال وصَلْتَها بِفِعلِ الأَمْر. والوَجْهُ الآخَرُ أنْ تكونَ بِمَنْزِلَةِ "أيْ" كما كانت في الأول. وأما قوله عز وجل: {وآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العَالَمين} (الآية "10" من سورة يونس "10") فأنْ هُنَا مُخَفَّفَةٌ من الثّقِيلة. والمُتَأَخِّرُون يَقُولُون في تعريف "أنْ" المفسِّرة هي التي يَسْبِقُها مَعْنَى القَولِ دُونَ حُروفِهِ، ويكون بَعْدَهَا جملةٌ. أَنْ المَصْدَرِيَّة:
هي أَحدُ نَواصِبِ المُضارع، وهي والفعلُ بمنزِلةِ المَصْدَر، وعلى هذا يجوز تَقْدِيمُها وتَأْخِيرُها، وتَقَعُ في كُلِّ مَوْضعٍ تَقَعُ فيه الأسْماء، إلاّ أنَّ المضارعَ بَعْدَهَا لِمَا لم يَقَع - أي للمُستَقبل نحو قولك: "أَنْ تَأْتِيَني خَيرٌ لك" وقَوْلِه تعالى: {وأْن تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} (الآية "184" من سورة البقرة "2") و "يسُرني أنْ تَجلِسَ" وقوله تعالى: {والذي أطْمعُ أنْ يَغْفِرَ لي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّين}. وإن وَقَعَتْ على فِعلٍ ماضٍ كانتْ مَصْدَرًا لِمَا مَضَى، تَقول: "سَرَّني أنْ قُمتَ" وقال الله عز وجل: {وامرأةً مُؤمِنَةً أنْ وَهَبتْ نَفْسَها للنبي} (الآية "50" من سورة الأحزاب "33") قراءة بِفَتْحِ أنْ، ونحو "سَاءَني أنْ كَلَّمَكَ زَيْدٌ وأَنْتَ غَضْبان" أي لهذه العِلَّةِ. وتقول "عَسَى زيدٌ أن يَقْرَأَ" أنْ مع الفعل بتأويل المصدر، ولكنْ لا يجوزُ أنْ تُظهِر المصدَرَ مع عَسَى، فتقولَ "عَسَى زيدٌ القيام" لأنَّ المصدَرَ يكونُ للماضِي والحَاضِرِ والمستقبل و "عسَى" إنما تُعدُّ لما يَقَعُ و "أنْ" النَّاصِبَةُ لا تَقَعُ ثابِتَةً، وإنَّما تَقَعُ مَطْلُوبةً أو مُتوَقِّعَة نحو "أرْجُو أنْ تَذهب" "وأتَوقَّع أنْ تأتي" أما الثَّابِتة التي لا تَقَعُ إلاّ بعدَ ثابتٍ فهي المُخَفَّفَةُ من الثقيلة، وإذا وَقَعتْ بعدَها الأفْعالُ المُسْتَقْبلة وكانَتْ بينَها وبينَها "لا" فإن عَمَلها على حالِه، تقول: "أُحِبُّ أَلاَّ تَذْهَب" و "أكْرَهُ ألاَّ تُكلِّم زَيدًا" والمعنى: أكْرَه تَرْكك كلامَ زَيدٍ، ومنه قولُه تَعَالى: {إلاَّ أَنْ يَخَافَا أنْ لا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} (الآية "229" من سورة البقرة "2"). وَقَدْ يَشْتَرِكُ بالعَطْفِ بالوَاوِ، أو الفَاءِ، أوْ ثُمَّ أو فعلٌ آخرُ في "أَنْ" تقول: "أُرِيدُ أنْ تقومَ وتكرم زَيْدًا" و "أرِيدُ أنْ تَأْتِيَني فَتُؤْنِسَني" و "أرِيدُ أن تَجلِسَ ثُمَّ نَتَحدَّثَ". فإن كانَ الفِعْلُ الثاني خَارجًا عن مَعْنى الأَوّل كان مَقْطوعًا مُسْتَأْنَفًا أي لا يَتْبَعُ النَّصْب بأنْ نحو: "أُرِيدُ أن تَأْتِيَني، فتقْعُد عَني؟" و "أرِيدُ أنْ تُكْرِم بَكْرًا، فتهينه؟" كما قال رُؤْبة أو الحُطَيئة: والشِّعْرُ لا يَضْبِطُه من يَظْلِمُهْ *** إذا ارْتَقَى فيه الذي لا يَعْلَمُهْ زَلَّتْ بِهِ إلى الحَضيضِ قَدَمُهْ *** يُريدُ أن يُعرِبه فيُعجِمُهْ والشاهِد "يُعْجمُه" إذْ رفَعَه وقَطَعَهُ ولم يَعْطِفه، والعَطْفُ خَطَأٌ بالمَعْنَى، والمعنى: فإذا هُو يُعْجِمُهُ، و "أنْ" أمْكنُ الحُرُوفِ في نَصْبِ الأفعال. لذلك تَنْصِبُ ظَاهِرةً ومُضْمَرةً، فالظاهِرَةُ كما تَقَدَّم. وأَمَّا المضمرَةُ: فتُضْمَرُ وجوبًا في خمسَةِ مواضع: بعد "لامِ الجُحُود" بعد "أو" بمعنى "إلى" أو "إلاَّ"، بعد "حَتَّى"، بعد "فاء السَّببيَّة"، بعد "واو المعيَّة". (=كُلاَّ في حرفه). وتُضمرُ جوازًا بعد خمسة أيضًا: (1) لام التعليل، إذا لَمْ يَسْبِقْها، كونٌ مَنْفِيٌّ، ولم يَقْتَرِن الفعل بـ "لا" الزائدة أو النافية، نحو {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ العَالَمينَ} (الآية "71" من سورة الأنعام "60") و{وَأُمِرْتُ لأَنْ أكُونَ أَوَّلَ المُسْلِمين} (الآية "12" من سورة الزمر "39") فإن سُبِقت بالكون وجَبَ إضمار "أَنْ" وتكون اللامُ لامَ الجحود (انظرها في حرفها)، وإنْ قُرِن الفِعلُ بـ "لا" النافية، أوِ الزَّائِدة، وَجَبَ إظْهَارُها، فالأَوَّل: نحو {لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} (الآية "150" من سورة البقرة "2") والثاني: {لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الكِتَابِ} (الآية "29" من سورة الحديد "57") أي ليعْلَمَ. والأربعةُ الباقِيةُ "الواوُ، الفاء، أَوْ، ثُمَّ". إذا كانَ العطفُ بها على اسمٍ صريحٍ. فمِثالُ "الواو" قولُ مَيْسُون زَوجِ مُعاوِية: وَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْني *** أَحَبُّ إليَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوف (وتقَر: وتُسر، الشُّفُوفِِ: واحِدُها شفْ وهي الثياب الرقيقة) ومثالُ "الفاءِ" قَوْلُ الشاعر: لَوْلاَ تَوَقُّعُ مُعْتَرٍّ فأُرْضِيَه *** ما كُنْتُ أُوثِرُ إتْرابًا على تَرَب (التوقع: الانتظار، المعتر: السائل، الإتراب: مصدر أترب إذا استغنى، والترب: مصدر ترب إذا افتقر) ومثال "أو" قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أو يُرْسِلَ رَسُولًا} (الآية "51" من سورة الشورى "42") ومثال "ثُمَّ" قولُ أَنَس بن مُدْرِكة الخَثْعمي: إِنِّي وَقَتْلِي سُلَيْكًا ثُمَّ أَعْقِلَهُ *** كالثَّورِ يُضرَبُ لمَّا عَافَتِ البَقَرُ والنصب بـ "أَنْ" مُضْمَرة في غيْرِ مَا مَرَّ شَاذٌ كقولهم في المثل "تَسمعَ بالمُعَيْدي خَيْرٌ من أَنْ تَرَاه" (للمثل روايات منها هذه، ومنها: سَمَاعُك بالمُعَيْدي ومنها: أَنْ تَسمعَ بالمعيدي، ويضرب هذا المثل في الرجل تسمع عنه أكثر مما ترى فيه). وقول الآخر: "خُذِ اللِّصَّ قَبْلَ يَأخُذَكَ". ولا يجوزُ - عند البَصْريين - النصبُ على إضمار "أَنْ" في غير ما تقدَّم وبعضهم يُجيزه واسْتَشْهد بقول طَرَفة: أَلاَ أيُّهذا الزَّاجري أحضُرُ الوَعَى *** وأنْ أَشْهَدَ اللَّذاتِ هل أَنْتَ مُخْلِدِي ويُنشِده سيبويه بضم الراء من أَحْضُرُ مع اعتِرافه أنَّ أصْلَها: أنْ أحْضُرَ. وبعضهم: يرويها: أحْضُرَ بالنصب على تقدير أن، وحسن ذلك عنده قول الشاعر بعدها: وأنْ أشهد. إنْ الزَّائِدَة:
أَكْثَرُ ما تُزَادُ "إن" بعد "مَا" النَّافية إذا دَخَلَتْ على جُمْلةٍ فِعْليَّةٍ، نحو قَوْلِ النَّابغةِ الذُّبْيَاني: ما إنْ أَتَيْتُ بِشَيْءٍ أَنْتَ تكرَهُهُ *** إذَنْ فَلا رَفَعَتْ سَوْطِي إليَّ يَدي فإنْ هنا زائدة لتَوْكِيدِ النفي. أو جملةٍ اسمية كقولِ فَرْوة بن مُسَيْك: فما إنْ طِبُّنَا جُبْنٌ ولكنْ *** مَنَايَانَا ودُوْلَةُ آخَرِينا (طِبُّنا: شأننا وعادتنا، والعلة والسبب) وَفِي حَالَةِ دُخُولِهَا على الجُمْلَةِ الاسْمِيَّةِ تَكُفُّ عملَ "مَا" الحِجَازِيَّة وقج تَزْدَادُ بعد "مَا" المَوْصُولةِ الاسْمِية كقول جابِر بنِ رَأْلان: يُرَجِّي المرءُ مَا إنْ لا يَراه *** وَتَعرِضُ دُونَ أَدْنَاهُ الخُطُوبُ وبعد "ما" بمَعْنى حين، كقول جابر بن رَأْلانَ: وَرَجِّ الفَتَى للخَيْرِ ما إنْ رَأَيْتَهُ *** على السِّنِّ خيرًا لا يَزَالُ يَزيدُ وبعد "ألا" الاسْتِفْتَاحِيَّة كقَول المَعْلُوطِ القُرَيْعي: أَلا إنْ سَرَى لَيْلي فَبِتُّ كَئِيبًا *** أُحَاذِرُ أَنْ تَنْأَى النَّوى بِغَضُوبا إنْ الشرطيّة:
هِيَ حرفٌ وَتَقَعَ على كُلِّ ما وَصَلتْها به زَمانًا كانَ أو مَكانًا أو آدَمِيًّا أو غَيرَ ذلك. تقول: "إنْ يأتِني زَيْدٌ آتِه" و "أنْ يَقُمْ في مَكانِ كَذَا أَقُمْ فِيه". وهي أصْلُ أَدَواتِ الشَّرطِ لأَنَّه يُجَازَى بها في كلِّ نوع نحو: {وإنْ تَعُودُوا نَعُدْ} (الآية "19" من سورة الأنفال "8"). و{إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ} (الآية "38" من سورة الأنفال "8") وهي و "أذْ مَا" (=إذ ما). حَرْفَانِ مِنْ أدَواتِ الشَّرط: وما عداهما أسماء، وتُفِيد "إن" الاسْتِقْبَال. وقدْ تَقْتَرِنُ بـ "لاَ" النَّافِيةِ نحو {إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} (الآية "41" من سورة التوبة "9")، {إلاَّ تَنْفِرُوا يُعذِّبْكُمْ} (الآية "40" من سورة التوبة "9"). وإنْ لَمْ تَجزِم فالفَصلُ بينها وبينَ مَا عَمِلَتْ فيه في الظاهر جائز كقوله تعالى: {وإنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكين اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} (الآية "6" من سورة التوبة "9"). وجَازَ هَذا لأَنَّها أَصلُ الجَزَاء، أَمَّا غَيرهَا مِنَ الأدواتِ فلا يَصِحُّ فيْها الفَصْلُ وكلمةُ "أحَدٌ" في الآية فاعِلٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُفسِّره الفِعْلُ المَذْكُور التَّقدير: وإنْ اسْتَجَارَكَ أحَدٌ. (=جوازم المضارع). إنْ المخَفّفَة مِنَ الثّقيلة:
وَتَدْخُلُ على الجُمْلَتَيْنِ: الفِعليَّةِ والاسميَّة فإنْ دَخَلتْ على الاسميَّةِ جَازَ إعْمالُها نحو {وَإنْ كُلاَّ لمَّا لَيُوَفَّيَنَّهُمْ} (الآية "111" من سورة التوبة "9"). ولا تَحْتَاجُ العَامِلَةُ إلى لامٍ، وإنْ وُجِدَتْ فهي لَلامُ التَّوكيد. وَيَكْثُرُ إهْمالُها، وَتَلْزَمُ في حَالَةِ إهْمَالِها: "لاَمَ الابْتِدَاء" وتُسمَّى الفَارِقة، لأنها فَارِقَةٌ بَيْنَها وبينَ "إن" النافية، نحو {وَإنْ كُلُّ ذَلِكَ لما مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا} (الآية "35" من سورة الزخرف "43"). {وَإِنْ كُلِّ لَمَا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُون} (الآية "32" من سورة يس "36")، ومثل ذلك قول النابغة: وإنْ مَالِكٌ لَلْمُرْتَجَى إنْ تَقَعْقَعَتْ *** رَحَى الحَرْبِ أو دَارَتْ عَليَّ خُطُوبُ وقَدْ يُغْني عن اللَّام قَرِينَةٌ لَفْظِيَّة كـ "لا" نحو " إنِ الحَقُّ لاَ يَخْفَى على ذِي بَصِيرَة" فالقَرينَة هنا: لا النافية، لأنَّ لامَ الابْتداء لا تَدْخُلُ عَلى النَّفي. وإنْ دَخَلتْ على الفِعْل أُهْمِلَتْ وُجُوبًا. والأكْثَرُ كَوْنُ الفِعْلِ مَاضِيًا نَاسِخًا نحو: {وَإِنْ كَانَتْ لكَبِيرةً إلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى الله} (الآية "143" من سورة البقرة "2") {وإنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَك} (الآية "51" من سورة القلم "68"). ويُقاسُ على النَّوعَين اتفاقًا، ودون هذا أن يكونَ مَاضيًا غيرَ ناسِخٍ نحو قولِ عاتِكَةَ بنتِ زيدٍ نَرثي زَوْجَها الزبيرَ بنَ العوَّامِ: شَلَّتْ يَمينُكَ إنْ قَتَلْتَ لمُسلمًا *** حَلَّتْ عَلَيْه عُقُوبَةُ المُتَعَمِّدِ ودون هذا أن يكونَ مُضارعًا غير ناسِخٍ. نحوَ قولِ بعضِهم "إنْ يَزِينُك لَنَفْسُك". ولا يُقاسُ عليهِ إجْمَاعًا.
|