الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
السبّ: الشتم، والتقبيح، والذم، وما أشبه ذلك. الدَّهر: هو الزمان والوقت. وسب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: أن يقصد الخبر المحض دون اللّوم، فهذا جائز، مثل أن يقول: تعبنا من شدة حر هذا اليوم أو برده، وما أشبه ذلك؛ لأن الأعمال بالنيات، ومثل هذا اللفظ صالح لمجرد الخبر، ومنه قول لوط عليه الصلاة والسلام: الثاني: أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل، كأن يعتقد بسبِّه الدهر أن الدهر هو الذي يُقلِّب الأمور إلى الخير والشر؛ فهذا شرك أكبر لأنه اعتقد أن مع الله خالقاً؛ لأنه نسب الحوادث إلى غير الله، وكل من اعتقد أن مع الله خالقاً؛ فهو كافر، كما أن من اعتقد أن مع الله إلهاً يستحق أن يُعبَد؛ فإنه كافر. الثالث: أن يسب الدهر لا لاعتقاد أنه هو الفاعل، بل يعتقد أن الله هو الفاعل، لكن يسبه لأنه محل لهذا الأمر المكروه عنده؛ فهذا محرم، ولا يصل إلى درجة الشرك، وهو من السَّفه في العقل والضلال في الدين؛ لأن حقيقة سبِّه تعود إلى الله - سبحانه ـ لأن الله تعالى هو الذي يصرف الدهر ويكون فيه ما أراد من خير أو شر، فليس الدهر فاعلاً، وليس هذا السبب يُكفِّر؛ لأنه لم يسب الله تعالى مباشرة. قوله: (فقد آذى الله). لا يلزم من الأذية الضرر؛ فالإنسان يتأذى بسماع القبيح أو مشاهدته، ولكنه لا يتضرر بذلك، ويتأذى بالرائحة الكريهة كالبصل والثوم ولا يتضرر بذلك، ولهذا أثبت الله الأذية في القرآن، قال تعالى: ]، ونفى عن نفسه أن يضره شيء، قال تعالى: وقول الله تعالى: * * * قوله تعالى: قوله: قوله: قوله: الظن هنا بمعنى الوهم؛ فليس ظناً مبنياً على دليل يجعل الشيء مظنوناً، بل هو مجرد وهم لا حقيقة له؛ فلا حجة لهم إطلاقاً، وفي هذا دليل على أن الظن يستعمل بمعنى الوهم، وأيضاً يستعمل بمعنى العلم واليقين؛ كقوله تعالى: والرد على قولهم بما يلي: أولاً: قولهم: وهذا يرده المنقول والمعقول. أما المنقول؛ فالكتاب والسنة تدل على ثبوت الآخرة ووجوب الإيمان باليوم الآخر، وأن للعباد حياة أخرى سوى هذه الحياة الدنيا، والكتب السماوية الأخرى تقرر ذلك وتؤكده. وأما المعقول، فإن الله فرض على الناس الإسلام والدعوة إليه والجهاد لإعلاء كلمة الله، مع ما في ذلك من استباحة الدماء والأموال والنساء والذرية، فمن غير المعقول أن يكون الناس بعد ذلك تُراباً لا بعث ولا حياة ولا ثواب ولا عقاب، وحكمة الله تأبى هذا، قال تعالى: ثانياً: قولهم: وهذا يرده المنقول والمحسوس:فأما المنقول؛ فالكتاب والسنة تدل على أن الإحياء والإماتة بيد الله -عز وجل-؛ كما قال الله تعالى: وأما المحسوس؛ فإننا نعلم من يبقى سنين طويلة على قيد الحياة؛ كنوح عليه السلام وغيره ولم يهلكه الدهر، ونشاهد أطفالاً يموتون في الشهر الأول من ولادتهم، وشباباً يموتون في قوة شبابهم؛ فليس الدهر هو الذي يميتهم. أن في الآية نسب الحوادث إلى الدهر، ومن نسبها إلى الدهر؛ فسوف يَسُبُّ الدهر إذا وقع فيه ما يكرهه. وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ] * * * قوله: (وفي الصحيح) عن أبي هريرة... إلى آخره). هذا الحديث يُسمى الحديث القدسي أو الإلهي أو الرباني، وهو كل ما يرويه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ربه -عز وجل- وسبق الكلام عليه في باب فضل التوحيد وما يكفر الذنوب. قوله: (قال الله تعالى). تعالى من العلو، وجاءت بهذه الصيغة للدلالة على ترَفُّعِه ـ جل وعلا ـ عن كل نقص وسفل؛ لأنها تحمل معنى التَّرَفُّع والتَّنَزُّه عما يقوله المعتدون علواً كبيراً. قوله: (يؤذيني ابن آدم). أي: يلحق بي الأذى؛ فالأذية لله ثابتة ويجب علينا إثباتها؛ لأن الله أثبتها لنفسها، فلسنا أعلم من الله بالله، ولكنها ليست كأذية المخلوق؛ بدليل قوله تعالى: قوله: (ابن آدم). شامل للذكور والإناث، وآدم هو أبو البشر، خلقه الله تعالى من طين وسواه ونفخ فيه من روحه وأسجد له الملائكة وعلَّمَه الأسماء كلها. واعلم أنه من المؤسف أنه يوجد فكرة مضلة كافرة، وهي أن الآدميين نشؤوا من قرد لا من طين، ثم تطور الأمر بهم حتى صاروا على هذا الوصف، ويمكن على مر السنين أن يتطوروا حتى يصيروا ملائكة، وهذا القول لا شك أنه كفر وتكذيب صريح للقرآن؛ فيجب علينا أن ننكره إنكاراً بالغاً، وأن لا نقره في كتب المدارس، فمن زعم هذه الفكرة يُقال له: بل أنت قرد في صورة إنسان، ومثلك كما قال الشاعر: وأجابه بعض العلماء بجواب؛ فقال: أنت الآن أقررت أنك ولد زنا، وإقرارك على نفسك مقبول وعلى غيرك غير مقبول، ومثلك كما قال الشاعر: ولكن أنا في الحقيقة يؤلمني أن يوجد هذا بين أيدي شبابنا؛ فبعض الناس أخذوا به على أنه أمر محتمل، والواقع أنه لا يحتمل سوى البطلان والكذب والدس على المسلمين بالتشكيك بما أخبرهم الله به عن خلق آدم وبنيه. وأيضاً مما يحذر عنه كلمة (فكر إسلامي)؛ إذ معنى هذا أننا جعلنا الإسلام عبارة عن أفكار قابلة للأخذ والرد، وهذا خطر عظيم أدخله علينا أعداء الإسلام من حيث لا نشعر، والإسلام شرع من عند الله وليس فكراً لمخلوق. قوله: (يسب الدهر). الجملة تعليل للأذية أو تفسير لها؛ أي: بكونه يسب الدهر؛ أي: يشتمه ويُقَبِّحُه ويلومه وربما يلعنه -والعياذ بالله- يؤذي الله، والدهر: هو الزمن والوقت، وقد سبق بيان أقسام سب الدهر. قوله: (وأنا الدهر). أي: مُدبِّر الدهر ومُصَرِّفه، لقوله تعالى: ولا يقال بأن الله هو الدهر نفسه، ومن قال ذلك؛ فقد جعل الله مخلوقاً، والمقلِّب بكسر اللام مقلَّباً بفتح اللام. فإن قيل: أليس المجاز ممنوعاً في كلام الله وكلام رسوله وفي اللغة؟ أُجيب: إن الكلمة حقيقة في معناها الذي دل عليه السياق والقرائن، وهنا في الكلام المحذوف تقديره: وأنا مُقلب الدهر؛ لأنه فسره بقوله: (أقلب الليل والنهار)، والليل والنهار هما الدهر، ولأن العقل لا يمكن أن يجعل الخالق الفاعل هو المخلوق المفعول، المقلب هو المقلب، وبهذا عرف خطأ من قال: إن الدهر من أسماء الله، كابن حزم رحمه الله؛ فإنه قال: الأول: أن سياق الحديث يأباه غاية الإباء. الثاني: أن أسماء الله حسنى، والدهر اسم جامد لا يحمل معنى إلا أنه اسم للأوقات. فلا يحكم المعنى الذي يوصف بأنه أحسن، وحينئذ فليس من أسماء الله تعالى، بل إنه الزمن، ولكن مقلب الزمن هو الله، ولهذا قال: (أقلب الليل والنهار). قوله: (أقلب الليل والنهار). أي: ذواتهما وما يحدث فيهما؛ فالليل والنهار يُقَلَّبان من طول إلى قصر إلى تساوٍ، والحوادث تتقلب فيه في الساعة وفي اليوم وفي الأسبوع وفي الشهر وفي السنة، قال تعالى: قوله: قوله: (فإن الله هو الدهر). وفي نسخة: (فإن الدهر هو الله)، والصواب: (فإن الله هو الدهر). وقوله: (فإن الله هو الدهر)؛ أي: فإن الله هو مدبر الدهر ومصرفه، وهذا تعليل للنهي، ومن بلاغة كلام الله ورسوله قرن الحكم بالعلة لبيان الحكمة وزيادة الطمأنينة، ولأجل أن تتعدى العلة إلى غيرها فيما إذا كان المُعَلِّل حكماً؛ فهذه ثلاث فوائد في قَرن العلة بالحكم.
* * * فيه مسائل: الأولى: النهي عن سب الدهر. لقوله: (لا تسبوا الدهر). الثانية: تسميته أذى لله. تؤخذ من قوله: (يؤذيني ابن آدم). الثالثة: التأمل في قوله: فإن الله هو الدهر. فإذا تأملنا فيه وجدنا أن معناه أن الله مُقَلِّب الدهر ومُصَرِّفه وليس معناه أن الله هو الدهر، وقد سبق بيان ذلك. الرابعة: أنه قد يكون ساباً ولو لم يقصده بقلبه. تؤخذ من قوله: وقد فات على الشيءخ رحمه الله بعض المسائل، منها: تفسير آية الجاثية، وقد سبق ذلك.
|