الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* الشرح: قوله (باب محاسبة الإمام عماله) ذكر فيه حديث أبي حميد في قصة ابن اللتبية، وقد مضى شرحه مستوفى في " باب هدايا العمال " حديث أبي حميد في قصة ابن اللتبية، وقد مضى شرحه الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ ابْنَ الْأُتَبِيَّةِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ فَلَمَّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَاسَبَهُ قَالَ هَذَا الَّذِي لَكُمْ وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَبَيْتِ أُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَ النَّاسَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ رِجَالًا مِنْكُمْ عَلَى أُمُورٍ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ فَيَأْتِي أَحَدُكُمْ فَيَقُولُ هَذَا لَكُمْ وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَبَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إِنْ كَانَ صَادِقًا فَوَاللَّهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ هِشَامٌ بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلَّا جَاءَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا فَلَأَعْرِفَنَّ مَا جَاءَ اللَّهَ رَجُلٌ بِبَعِيرٍ لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بِبَقَرَةٍ لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةٍ تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ الشرح: وقوله حدثنا محمد حدثنا عبدة " محمد " هو ابن سلام، " وعبدة " هو ابن سليمان، وقوله "فهلا " في رواية غير الكشميهني في الموضعين " ألا " بفتح الهمزة وهما بمعنى؛ والمقصود هنا قوله " فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحاسبه " أي على ما قبض وصرف. *3* الشرح: قوله (باب بطانة الإمام وأهل مشورته) بضم المعجمة وسكون الواو وفتح الراء من يستشيره في أموره. قوله (البطانة الدخلاء) هو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى والدخلاء بضم ثم فتح جمع دخيل: وهو الذي يدخل على الرئيس في مكان خلوته ويفضي إليه بسره ويصدقه فيما يخبره به مما يخفى عليه من أمر رعيته ويعمل بمقتضاه، وعطف أهل مشورته على البطانة من عطف الخاص على العام، وقد ذكرت حكم المشورة في " باب متى يستوجب الرجل القضاء " وأخرج أبو داود في المراسيل من رواية عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين " أن رجلا قال يا رسول الله ما الحزم؟ قال: أن تشاور ذا لب ثم تطيعه " ومن رواية خالد بن معدان مثله غير أنه قال " ذا رأي " قال الكرماني فسر البخاري " البطانة: بالدخلاء " فجعله جمعا انتهى ولا محذور في ذلك. الحديث: حَدَّثَنَا أَصْبَغُ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ وَلَا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ إِلَّا كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ فَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ سُلَيْمَانُ عَنْ يَحْيَى أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ بِهَذَا وَعَنْ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ وَمُوسَى عَنْ ابْنِ شِهَابٍ مِثْلَهُ وَقَالَ شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَوْلَهُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ وَسَعِيدُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَوْلَهُ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ حَدَّثَنِي صَفْوَانُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله (ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة) في رواية صفوان بن سليم " ما بعث الله من نبي ولا بعده من خليفة " والرواية التي في الباب تفسر المراد بهذا، وأن المراد يبعث الخليفة استخلافه، ووقع في رواية الأوزاعي ومعاوية بن سلام " ما من وال " وهي أعم. قوله (بطانة تأمره بالمعروف) في رواية سليمان " بالخير " وفي رواية معاوية بن سلام " بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر " وهي تفسر المراد بالخير. قوله (وتحضه عليه) بالحاء المهملة وضاد معجمة ثقيلة أي " ترغبه فيه " وتؤكده عليه. قوله (وبطانة تأمره بالشر) في رواية الأوزاعي " وبطانة لا تألوه خبالا " وقد استشكل هذا التقسيم بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه وإن جاز عقلا، أن يكون فيمن يداخله من يكون من أهل الشر لكنه لا يتصور منه أن يصغي إليه، ولا يعمل بقوله لوجود العصمة، وأجيب بأن في بقية الحديث الإشارة إلى سلامة النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله " فالمعصوم من عصم الله تعالى " فلا يلزم من وجود من يشير على النبي صلى الله عليه وسلم بالشر أن يقبل منه، وقيل " المراد بالبطانتين في حق النبي الملك والشيطان " وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم "ولكن الله أعانني عليه فأسلم " وقوله " لا تألوه خبالا " أي لا تقصر في إفساد أمره لعمل مصلحتهم، وهو اقتباس من قوله تعالى قوله (فالمعصم من عصم الله) في رواية بعضهم " من عصمه الله " بزيادة الضمير وهو مقدر في الرواية الأخرى، ووقع في رواية الأوزاعي ومعاوية بن سلام " ومن وقي شرها فقد وقي " وهو من الذي غلب عليه منهما. وفي رواية صفوان بن سليم " فمن وقي بطانة السوء فقد وقي، وهو بمعنى الأول، والمراد به إثبات الأمور كلها لله تعالى: فهو الذي يعصم من شاء منهم " فالمعصوم من عصمه الله لا من عصمته نفسه " إذ لا يوجد من تعصمه نفسه حقيقة إلا إن كان الله عصمه، وفيه إشارة إلى أن ثم قسما ثالثا وهو: أن من يلي أمور الناس قد يقبل من بطانة الخير دون بطانة الشر دائما، وهذا اللائق بالنبي، ومن ثم عبر في آخر الحديث بلفظة " العصمة " وقد يقبل من بطانة الشر دون بطانة الخير، وهذا قد يوجد ولا سيما ممن يكون كافرا، وقد يقبل من هؤلاء تارة ومن هؤلاء تارة، فإن كان على حد سواء فلم يعترض له في الحديث لوضوح الحال فيه وإن كان الأغلب عليه القبول من أحدهما فهو ملحق به إن خيرا فخير وإن شرا فشر، وفي معنى حديث الباب حديث عائشة مرفوعا " من ولي منكم عملا فأراد الله به خيرا جعل له وزيرا صالحا إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه " قال ابن التين " يحتمل أن يكون المراد بالبطانتين الوزيرين ويحتمل أن يكون الملك والشيطان " وقال الكرماني " يحتمل أن يكون المراد بالبطانتين النفس الأمارة بالسوء والنفس اللوامة المحرضة على الخير " إذ لكل منهما قوة ملكية وقوة حيوانية انتهى. والحمل على الجميع أولى إلا أنه جائز أن لا يكون لبعضهم إلا البعض. وقال المحب الطبري " البطانة: الأولياء والأصفياء " وهو مصدر وضع موضع الاسم يصدق على الواحد والاثنين والجمع مذكرا ومؤنثا. قوله (وقال سليمان) هو ابن بلال (عن يحيى) هو ابن سعيد الأنصاري (أخبرني ابن شهاب بهذا) وصله الإسماعيلي من طريق أيوب بن سليمان بن بلال عن أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال قال: قال يحيى بن سعيد أخبرني ابن شهاب قال: فذكر مثله. قوله (وعن ابن أبي عتيق وموسى عن ابن شهاب مثله) هو معطوف على يحيى بن سعيد وابن أبي عتيق هو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وموسى هو ابن عقبة، قال: الكرماني: روى سليمان عن الثلاثة، لكن الفرق بينهما أن المروي في الطريق الأول هو المذكور بعينه، وفي الثاني هو مثله. قلت: ولا يظهر بين هذين فرق، والذي يظهر أن الإفراد أن سليمان ساق لفظ يحيى ثم عطف عليه رواية الآخرين وأحال بلفظهما عليه فأورده البخاري على وفقه، وقد وصله البيهقي من طريق أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة به، وأخرجه الإسماعيلي من طريق محمد بن الحسن المخزومي عن سليمان بن بلال عنهما به، ومحمد بن الحسن المخزومي ضعيف جدا كذبه مالك، وهو أحد المواضع التي يستدل بها على أن المستخرج لا يطرد كون رجاله من رجال الصحيح. قوله (وقال شعيب) هو ابن أبي حمزة، عن الزهري إلخ وقوله " قوله " يعني إنه لم يرفعه، بل جعله من كلام أبي سعيد، وهو بالنصب على نزع الخافض أي " من قوله " ورواية شعيب هذه الموقوفة وصلها الذهلي في جمعه حديث الزهري وقال الإسماعيلي: لم تقع بيدي. قلت: وقد رويناها في فوائد علي بن محمد الجكاني: بكسر الجيم وتشديد الكاف ثم نون، عن أبي اليمان مرفوعة. قوله (وقال الأوزاعي ومعاوية بن سلام حدثني الزهري حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة) يريد أنهما خالفا من تقدم فجعلاه " عن أبي هريرة بدل أبي سعيد " وخالفا شعيبا أيضا في وقفه فرفعاه، فأما رواية الأوزاعي فوصلها أحمد وابن حبان والحاكم والإسماعيلي من رواية الوليد بن مسلم عنه، وأخرجه الإسماعيلي أيضا من رواية عبد الحميد بن حبيب عن الأوزاعي، فقال عن الزهري ويحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة. قلت: فعلى هذا فلعل الوليد حمل رواية الزهري على رواية يحيى، فكأنه عند يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة وعند الزهري عن يحيى عن أبي سعيد فلعل الأوزاعي حدث به مجموعا فظن الراوي " عنه " أنه " عنده " عن كل منهما بالطريقين فلما أفرد أحد الطريقين انقلبت عليه، لكن رواية معمر التي بعدها قد تدفع هذا الاحتمال، ويقرب أنه عند الزهري عن أبي سلمة عنهما جميعا، وقد قيل عن الأوزاعي عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بدل أبي سلمة أخرجه إسحاق في مسنده من طريق الفضل بن يونس عن الأوزاعي، والفضل صدوق. وقال ابن حبان: لما ذكره في " الثقات " ربما أخطأ فكان هذا من ذاك، وأما رواية معاوية ابن سلام، وهو بتشديد اللام فوصلها النسائي والإسماعيلي من رواية معمر - بالتشديد أيضا - ابن يعمر بفتح أوله وسكون المهملة، حدثنا معاوية بن سلام حدثنا الزهري حدثني أبو سلمة أن أبا هريرة قال فذكره. قوله (وقال ابن أبي حسين وسعيد بن زياد عن أبي سلمة عن أبي سعيد قوله) أي وقفاه أيضا، وابن أبي حسين هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين النوفلي المكي، وسعيد بن زياد هو الأنصاري المدني من صغار التابعين، روى عن جابر وحديثه عنه عند أبي داود والنسائي، وما له راو إلا سعيد بن أبي هلال، وقد قال فيه أبو حاتم الرازي مجهول، وما له في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع. قوله (وقال عبيد الله بن أبي جعفر: حدثني صفوان عن أبي سلمة عن أبي أيوب) أما عبيد الله فهو المصري، واسم أبي جعفر يسار بتحتانية ومهملة خفيفة، وعبيد الله تابعي صغير، وقد وصل هذه الطريق النسائي والإسماعيلي من طريق الليث عن عبيد الله بن أبي جعفر؛ حدثنا صفوان بن سليم هو المدني عن أبي سلمة عن أبي أيوب الأنصاري فذكره. قال الكرماني: محصل ما ذكره البخاري أن الحديث مرفوع من رواية ثلاثة أنفس من الصحابة انتهى، وهذا الذي ذكره إنما هو بحسب صورة الواقعة، وأما على طريقة المحدثين فهو حديث واحد، واختلف على التابعي في صحابيه فأما صفوان فجزم بأنه عن أبي أيوب، وأما الزهري فاختلف عليه هل هو أبو سعيد أو أبو هريرة، وأما الاختلاف في وقفه ورفعه فلا تأثير له لأن مثله لا يقال من قبل الاجتهاد، فالرواية الموقوفة لفظا مرفوعة حكما، ويرجح كونه عن أبي سعيد موافقة ابن أبي حسين وسعيد ابن زياد لمن قال عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي سعيد. وإذا لم يبق إلا الزهري وصفوان فالزهري أحفظ من صفوان بدرجات، فمن ثم يظهر قوة نظر البخاري في إشارته إلى ترجيح طريق أبي سعيد فلذلك ساقها موصولة وأورد البقية بصيغ التعليق إشارة إلى أن الخلاف المذكور لا يقدح في صحة الحديث، إما على الطريقة التي بينتها من الترجيح، وإما على تجويز أن يكون الحديث عند أبي سلمة على الأوجه الثلاثة، ومع ذلك فطريق أبي سعيد أرجح والله أعلم، ووجدت في " الأدب المفرد " للبخاري ما يترجح به رواية أبي سلمة عن أبي هريرة، فإنه أخرجه من طريق عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة كذلك في آخر حديث طويل *3* الشرح: قوله (باب كيف يبايع الإمام الناس) المراد بالكيفية: الصيغ القولية لا الفعلية، بدليل ما ذكره فيه من الأحاديث الستة " وهي البيعة على السمع والطاعة وعلى الهجرة وعلى الجهاد وعلى الصبر وعلى عدم الفرار ولو وقع الموت وعلى بيعة النساء وعلى الإسلام " وكل ذلك وقع عند البيعة بينهم فيه بالقول. الحديث: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ الشرح: حديث عبادة بن الصامت " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة " الحديث وقد تقدم شرحه في أوائل " كتاب الفتن " مستوفى. الحديث: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ وَالْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّ الْخَيْرَ خَيْرُ الْآخِرَهْ فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ فَأَجَابُوا نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا الشرح: حديث أنس والمراد منه قوله " نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا". وقد تقدم بأتم مما هنا مشروحا في " غزوة الخندق " من " كتاب المغازي". الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كُنَّا إِذَا بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ يَقُولُ لَنَا فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ الشرح: حديث ابن عمر في البيعة على السمع والطاعة وفيه يقول لنا " فيما استطعتم " ووقع في رواية المستملي والسرخسي " فيما استطعت " بالإفراد، والأول هو الذي في الموطأ وهو يقيد ما أطلق في الحديثين قبله وكذلك حديث جرير وهو الرابع، وسيار في السند بفتح المهملة وتشديد التحتانية هو ابن وردان، وأما حديث ابن عمر فذكر له طريقا قبل حديث جرير وآخر بعده وفيهما معا " أقر بالسمع والطاعة على سنة الله وسنة رسوله ما استطعت " وهو منتزع من حديثه الأول، فالثلاثة في حكم حديث واحد، وقوله في رواية مسدد عن يحيى هو القطان، أن ابن عمر قال " إني أقر " إلخ بين في رواية عمرو بن علي أنه كتب بذلك إلى عبد الملك ومن ثم قال في آخره " وإن بنى قد أقروا بمثل ذلك " فهو إخبار من ابن عمر عن بنيه بأنه سبق منهم الإقرار المذكور بحضرته؛ كتب به ابن عمر إلى عبد الملك وقوله " قد أقروا بمثل ذلك " زاد الإسماعيلي من طريق بندار عن يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي كلاهما عن سفيان في آخره " والسلام " وقوله في الرواية الثانية كتب إليه عبد الله بن عمر إلى عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين " إني أقر بالسمع والطاعة " إلخ، ووقع في رواية الإسماعيلي من وجه آخر عن سفيان بلفظ " رأيت ابن عمر يكتب، وكان إذا كتب يكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد؛ فإني أقر بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك " وقال في آخره أيضا " والسلام " قال الكرماني: قال أولا " إليه " وثانيا " إلى عبد الملك " ثم بالعكس وليس تكرارا، والثاني هو المكتوب لا المكتوب إليه أي كتب. هذا وهو إلى عبد الملك، وتقديره " من ابن عمر إلى عبد الملك " وقوله " حيث اجتمع الناس على عبد الملك " يريد ابن مروان بن الحكم، والمراد بالاجتماع اجتماع الكلمة وكانت قبل ذلك مفرقة، وكان في الأرض قبل ذلك اثنان كل منهما يدعى له بالخلافة، وهما عبد الملك بن مروان وعبد الله ابن الزبير، فأما ابن الزبير فكان أقام بمكة وعاذ بالبيت بعد موت معاوية، وامتنع من المبايعة ليزيد بن معاوية، فجهز إليه يزيد الجيوش مرة بعد أخرى فمات يزيد وجيوشه محاصرون ابن الزبير، ولم يكن ابن الزبير ادعى الخلافة حتى مات يزيد في ربيع الأول سنة أربع وستين، فبايعه الناس بالخلافة بالحجاز، وبايع أهل الآفاق لمعاوية بن يزيد بن معاوية فلم يعش إلا نحو أربعين يوما ومات، فبايع معظم الآفاق لعبد الله بن الزبير وانتظم له ملك الحجاز واليمن ومصر والعراق والمشرق كله وجميع بلاد الشام حتى دمشق، ولم يتخلف عن بيعته إلا جميع بني أمية ومن يهوى هواهم وكانوا بفلسطين، فاجتمعوا على مروان بن الحكم فبايعوه بالخلافة، وخرج بمن أطاعه إلى جهة دمشق والضحاك بن قيس قد بايع فيها لابن الزبير، فاقتتلوا " بمرج راهط " فقتل الضحاك وذلك في ذي الحجة منها وغلب مروان على الشام، ثم لما انتظم له ملك الشام كله توجه إلى مصر فحاصر بها عبد الرحمن بن جحدر عامل ابن الزبير حتى غلب عليها في ربيع الآخر سنة خمس وستين ثم مات في سنته، فكانت مدة ملكه ستة أشهر؛ وعهد إلى ابنه عبد الملك بن مروان فقام مقامه وكمل له ملك الشام ومصر والمغرب، ولابن الزبير ملك الحجاز والعراق والمشرق إلا أن المختار بن أبي عبيد غلب على الكوفة، وكان يدعو إلى المهدى من أهل البيت فأقام على ذلك نحو السنتين، ثم سار إليه مصعب بن الزبير أمير البصرة لأخيه فحاصره حتى قتل في شهر رمضان سنة سبع وستين، وانتظم أمر العراق كله لابن الزبير فدام ذلك إلى سنة إحدى وسبعين، فسار عبد الملك إلى مصعب فقاتله حتى قتله في جمادى الآخرة منها وملك العراق كله، ولم يبق مع ابن الزبير إلا الحجاز واليمن فقط، فجهز إليه عبد الملك الحجاج فحاصره في سنة اثنتين وسبعين إلى أن قتل عبد الله بن الزبير في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين، وكان عبد الله بن عمر في تلك المدة امتنع أن يبايع لابن الزبير أو لعبد الملك كما كان امتنع أن يبايع لعلي أو معاوية، ثم بايع لمعاوية لما اصطلح مع الحسن بن علي واجتمع عليه الناس، وبايع لابنه يزيد بعد موت معاوية لاجتماع الناس عليه، ثم امتنع من المبايعة لأحد حال الاختلاف إلى أن قتل ابن الزبير وانتظم الملك كله لعبد الملك فبايع له حينئذ، فهذا معنى قوله " لما اجتمع الناس على عبد الملك " وأخرج يعقوب بن سفيان في تاريخه من طريق سعيد بن حرب العبدي قال " بعثوا إلى ابن عمر لما بويع ابن الزبير فمد يده وهي ترعد فقال: والله ما كنت لأعطي بيعتي في فرقة، ولا أمنعها من جماعة " ثم لم يلبث ابن عمر أن توفى في تلك السنة بمكة، وكان عبد الملك وصى الحجاج أن يقتدى به في مناسك الحج كما تقدم في " كتاب الحج " فدس الحجاج عليه الحربة المسمومة، كما تقدم بيان ذلك في " كتاب العيدين " فكان ذلك سبب موته رضي الله عنه. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ قُلْتُ لِسَلَمَةَ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ بَايَعْتُمْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ عَلَى الْمَوْتِ الشرح: حديث سلمة " في المبايعة على الموت " ذكره مختصرا وقد تقدم بتمامه في " كتاب الجهاد " في باب البيعة على الحرب أن لا يفروا. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ الرَّهْطَ الَّذِينَ وَلَّاهُمْ عُمَرُ اجْتَمَعُوا فَتَشَاوَرُوا فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَسْتُ بِالَّذِي أُنَافِسُكُمْ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ وَلَكِنَّكُمْ إِنْ شِئْتُمْ اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنْكُمْ فَجَعَلُوا ذَلِكَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَلَمَّا وَلَّوْا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَمْرَهُمْ فَمَالَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَتَّى مَا أَرَى أَحَدًا مِنْ النَّاسِ يَتْبَعُ أُولَئِكَ الرَّهْطَ وَلَا يَطَأُ عَقِبَهُ وَمَالَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُشَاوِرُونَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي حَتَّى إِذَا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَصْبَحْنَا مِنْهَا فَبَايَعْنَا عُثْمَانَ قَالَ الْمِسْوَرُ طَرَقَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ هَجْعٍ مِنْ اللَّيْلِ فَضَرَبَ الْبَابَ حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ فَقَالَ أَرَاكَ نَائِمًا فَوَاللَّهِ مَا اكْتَحَلْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِكَبِيرِ نَوْمٍ انْطَلِقْ فَادْعُ الزُّبَيْرَ وَسَعْدًا فَدَعَوْتُهُمَا لَهُ فَشَاوَرَهُمَا ثُمَّ دَعَانِي فَقَالَ ادْعُ لِي عَلِيًّا فَدَعَوْتُهُ فَنَاجَاهُ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ ثُمَّ قَامَ عَلِيٌّ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ عَلَى طَمَعٍ وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَخْشَى مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ ادْعُ لِي عُثْمَانَ فَدَعَوْتُهُ فَنَاجَاهُ حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْمُؤَذِّنُ بِالصُّبْحِ فَلَمَّا صَلَّى لِلنَّاسِ الصُّبْحَ وَاجْتَمَعَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فَأَرْسَلَ إِلَى مَنْ كَانَ حَاضِرًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَأَرْسَلَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ وَكَانُوا وَافَوْا تِلْكَ الْحَجَّةَ مَعَ عُمَرَ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ يَا عَلِيُّ إِنِّي قَدْ نَظَرْتُ فِي أَمْرِ النَّاسِ فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ فَلَا تَجْعَلَنَّ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلًا فَقَالَ أُبَايِعُكَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ فَبَايَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبَايَعَهُ النَّاسُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَأُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ وَالْمُسْلِمُونَ الشرح: قوله (حدثنا جويرية) بالجيم مصغر جارية هو ابن أسماء الضبعي وهو عم عبد الله بن محمد بن أسماء الراوي عنه. قوله (أن الرهط الذين ولاهم عمر) أي عينهم فجعل الخلافة شورى بينهم أي ولاهم التشاور فيمن يعقد له الخلافة منهم، وقد تقدم بيان ذلك مفصلا في " مناقب عثمان " في الحديث الطويل الذي أورده من طريق عمرو بن ميمون الأودي أحد كبار التابعين في ذكر قتل عمر، وقولهم لعمر - لما طعنه أبو لؤلؤة - استخلف فقال " ما أحد أحق بهذا الأمر من هؤلاء الرهط فسمى: عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعدا وعبد الرحمن " وفيه " فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط " وأورده الدار قطني في " غرائب مالك " من طريق سعيد بن عامر عن جويرية مطولا وأوله عنده " لما طعن عمر قيل له: استخلف قال، وقد رأيت من حرصهم ما رأيت - إلى أن قال - هذا الأمر بين ستة رهط من قريش، فذكرهم وبدأ بعثمان ثم قال: وعلي وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص، وانتظروا أخاكم طلحة ثلاثا، فإن قدم فيهم فهو شريكهم في الأمر. وقال: إن الناس لن يعدوكم أيها الثلاثة، فإن كنت يا عثمان في شيء من أمر الناس فاتق الله، ولا تحملن بني أمية وبني أبي معيط على رقاب الناس، وإن كنت يا علي فاتق الله ولا تحملن بني هاشم على رقاب الناس، وإن كنت يا عبد الرحمن فاتق الله ولا تحملن أقاربك على رقاب الناس، قال: ويتبع الأقل الأكثر، ومن تأمر من غير أن يؤمر فاقتلوه " قال الدار قطني: أغرب سعيد بن عامر عن جويرية بهذه الألفاظ، وقد رواه عبد الله ابن محمد بن أسماء عن عمه فلم يذكرها، يشير إلى رواية البخاري، قال وتابع عبد الله بن محمد إبراهيم ابن طهمان وسعيد بن الزبير وحبيب ثلاثتهم عن مالك. قلت: وساق الثلاثة لكن رواية حبيب مختصرة والآخرين موافقتان لرواية عبد الله بن محمد بن أسماء، وقد أخرج ابن سعد بسند صحيح من طريق الزهري عن سالم عن ابن عمر قال: دخل الرهط على عمر قبل أن ينزل به، فسمى الستة. فذكر قصة، إلى أن قال " فإنما الأمر إلى ستة: إلى عبد الرحمن وعثمان وعلي والزبير وطلحة وسعد " وكان طلحة غائبا في أمواله بالسراة، وهو بفتح المهملة وراء خفيفة، بلاد معروفة بين الحجاز والشام، فبدأ في هذه بعبد الرحمن قبل الجميع وبعثمان قبل علي، فدل على أنه في السياق الأول لم يقصد الترتيب. قوله (فقال لهم عبد الرحمن إلخ) تقدم بيان ذلك في " مناقب عثمان " بأتم من سياقه وفيه ما يدل على حضور طلحة، وأن سعدا جعل أمره إلى عبد الرحمن، والزبير إلى علي، وطلحة إلى عثمان وفيه قول عبد الرحمن أيكم يبرأ من هذا الأمر ويكون له الاختيار فيمن بقي، فاتفقوا عليه فتروى بعد ذلك في عثمان أو علي، وقوله "أنافسكم " بالنون والفاء المهملة أي أنازعكم فيه، إذ ليس لي في الاستقلال في الخلافة رغبة، وقوله "عن هذا الأمر " أي من جهته ولأجله. وفي رواية الكشميهني " علي " بدل " عن " وهي أوجه. قوله (فلما ولوا عبد الرحمن أمرهم) يعني أمر الاختيار منهم. قوله (فمال الناس) في رواية سعيد بن عامر فانثال الناس، وهي بنون ومثلثة أي قصدوه كلهم شيئا بعد شيء وأصل " النثل " الصب يقال " نثل كنانته " أي صب ما فيها من السهام. قوله (ولا يطأ عقبه) بفتح العين وكسر القاف بعدها موحدة أي " يمشي خلفه " وهي كناية عن الأعراض. قوله (ومال الناس على عبد الرحمن) أعادها لبيان سبب الميل وهو قوله " يشاورونه تلك الليالي " زاد الزبيدي في روايته عن الزهري " يشاورونه ويناجونه تلك الليالي، لا يخلو به رجل ذو رأي فيعدل بعثمان أحدا". قوله (بعد هجع) بفتح الهاء وسكون الجيم بعدها عين مهملة أي " بعد طائفة من الليل " يقال: لقيته بعد هجع من الليل كما تقول بعد هجعة والهجع والهجعة والهجيع والهجوع بمعنى، وقد أخرجه البخاري في " التاريخ الصغير " من طريق يونس عن الزهري بلفظ " بعد هجيع " بوزن عظيم. قوله (فوالله ما اكتحلت هذه الثلاث) كذا للأكثر وللمستملي " الليلة " ويؤيد الأول قوله في رواية سعيد بن عامر " والله ما حملت فيها غمضا منذ ثلاث " وفي رواية إبراهيم بن طهمان عند الإسماعيلي " في هذه الليالي " وقوله " بكثير نوم " بالمثلثة وبالموحدة أيضا، وهو مشعر بأنه لم يستوعب الليل سهرا بل نام لكن يسيرا منه " والاكتحال " كناية عن دخول النوم جفن العين كما يدخلها الكحل ووقع في رواية يونس " ما ذاقت عيناي كثير النوم". قوله (فادع الزبير وسعدا، فدعوتهما له فشاورهما) في رواية المستملي " فسارهما " بمهملة وتشديد الراء، ولم أر في هذه الرواية لطلحة ذكرا فلعله كان شاوره قبلهما. قوله (حتى إبهار الليل) بالموحدة ساكنة وتشديد الراء ومعناه " انتصف " وبهرة كل شيء وسطه، وقيل معظمه وقد تقدم القول فيه في " كتاب الصلاة " زاد سعيد بن عامر في روايته " فجعل يناجيه ترتفع أصواتهما أحيانا فلا يخفى علي شيء مما يقولان ويخفيان أحيانا". قوله (ثم قام علي من عنده وهو على طمع) أي أن يوليه، وقوله "وقد كان عبد الرحمن يخشى من علي شيئا " قال ابن هبيرة: أظنه أشار إلى الدعاية التي كانت في علي أو نحوها، ولا يجوز أن يحمل على أن عبد الرحمن خاف من علي على نفسه. قلت: والذي يظهر لي أنه خاف إن بايع لغيره أن لا يطاوعه، وإلى ذلك الإشارة بقوله فيما بعد " فلا تجعل على نفسك سبيلا " ووقع في رواية سعيد بن عامر " فأصبحنا وما أراه يبايع إلا لعلي " يعني مما ظهر له من قرائن تقديمه. قوله (ثم قال ادع لي عثمان) ظاهر في أنه تكلم مع علي في تلك الليلة قبل عثمان، ووقع في رواية سعيد ابن عامر عكس ذلك، وأنه قال له أولا " اذهب فادع عثمان " وفيه " فخلابه " وفيه " لا أفهم من قولهما شيئا " فإما أن تكون إحدى الروايتين وهما، وإما أن يكون ذلك تكرر منه في تلك الليلة فمرة بدا بهذه ومرة بدأ بهذا. قوله (وأرسل إلى أمراء الأجناد وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر) أي قدموا إلى مكة فحجوا مع عمر ورافقوه إلى المدينة، وهم معاوية أمير الشام، وعمير بن سعيد أمير حمص، والمغيرة بن شعبة أمير الكوفة، وأبو موسى الأشعري أمير البصرة، وعمرو بن العاص أمير مصر. قوله (فلما اجتمعوا تشهد عمد الرحمن) وفي رواية إبراهيم بن طهمان " جلس عبد الرحمن على المنبر " وفي رواية سعيد بن عامر " فلما صلى صهيب بالناس صلاة الصبح، جاء عبد الرحمن يتخطى حتى صعد المنبر، فجاءه رسول سعد يقول لعبد الرحمن: ارفع رأسك وانظر لأمة محمد وبايع لنفسك". قوله (أما بعد) زاد سعيد بن عامر " فأعلن عبد الرحمن فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال أما بعد، يا علي إني نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان " أي لا يجعلون له مساويا بل يرجحونه. قوله (فلا تجعلن على نفسك سبيلا) أي من الملامة إذا لم توافق الجماعة، وهذا ظاهر في أن عبد الرحمن لم يتردد عند البيعة في عثمان، لكن قد تقدم في رواية عمرو بن ميمون التصريح بأنه " بدأ بعلي فأخذ بيده فقال: لك قرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والقدم في الإسلام ما قد علمت، والله عليك لئن أمرتك لتعدلن، ولئن أمرت عثمان لتسمعن ولتطيعن، ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان فبايعه وبايع له علي " وطريق الجمع بينهما أن عمرو بن ميمون حفظ ما لم يحفظه الآخر ويحتمل أن يكون الآخر حفظه لكن طوى بعض الرواة ذكره ويحتمل أن يكون ذلك وقع في الليل لما تكلم معهما واحد بعد واحد، فأخذ على كل منهما العهد والميثاق، فلما أصبح عرض على علي فلم يوافقه على بعض الشروط، وعرض على عثمان فقبل، ويؤيده رواية عاصم بن بهدلة عن أبي وائل قال: قلت لعبد الرحمن ابن عوف كيف بايعتم عثمان وتركتم عليا فقال " ما ذنبي بدأت بعلي فقلت له أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة أبي بكر وعمر، فقال فيما استطعت. وعرضتها على عثمان فقبل " أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند عن سفيان بن وكيع عن أبي بكر بن عياش عنه، وسفيان بن وكيع ضعيف. وقد أخرج أحمد من طريق زائدة عن عاصم عن أبي وائل قال: قال الوليد بن عقبة لعبد الرحمن بن عوف: مالك جفوت أمير المؤمنين يعني عثمان فذكر قصة وفيها قول عثمان، وأما قوله: سيرة عمر فإني لا أطيقها ولا هو، وفي هذا إشارة إلى أنه بايعه على أن يسير سيرة عمر فعاتبه على تركها ويمكن أن يأخذ من هذا ضعف رواية سفيان ابن وكيع إذ لو كان استخلف بشرط أن يسير بسيرة عمر لم يكن ما أجاب به عذرا في الترك، قال ابن التين وإنما قال لعلي ذلك دون من سواه، لأن غيره لم يكن يطمع في الخلافة مع وجوده ووجود عثمان، وسكوت من حضر من أهل الشورى والمهاجرين والأنصار وأمراء الأجناد دليل على تصديقهم عبد الرحمن فيما قال وعلى الرضا بعثمان. قلت: وقد أخرج ابن أبي شيبة من طريق حارثة بن مضرب قال " حججت في خلافة عمر فلم أرهم يشكون أن الخيفة بعده عثمان " وأخرج يعقوب بن شبة في مسنده من طريق صحيح إلى حذيفة قال: قال لي عمر من ترى قومك يؤمرون بعدي. قال. قلت: قد نظر الناس إلى عثمان وشهروه لها. وأخرج البغوي في معجمه وخيثمة في " فضائل الصحابة " بسند صحيح عن حارثة بن مضرب، حججت مع عمر فكان الحادي يحدو أن الأمير بعده عثمان بن عفان. قوله (فقال) أي " عبد الرحمن " مخاطبا لعثمان (أبايعك على سنة الله وسنة رسوله والخليفتين من بعده فبايعه عبد الرحمن) في الكلام حذف تقديره فقال: نعم، فبايعه عبد الرحمن. وأخرج الذهلي في " الزهريات " وابن عساكر في " ترجمة عثمان " من طريقه ثم من رواية عمران بن عبد العزيز عن محمد بن عبد العزيز بن عمر الزهري عن الزهري عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة عن أبيه قال " كنت أعلم الناس بأمر الشورى لأني كنت رسول عبد الرحمن بن عوف " فذكر القصة وفي آخره. فقال: هل أنت يا علي مبايعي إن وليتك هذا الأمر على سنة الله وسنة رسوله وسنة الماضين قبل؟ قال: لا، ولكن على طاقتي، فأعادها ثلاثا. فقال عثمان: أنا يا أبا محمد أبايعك على ذلك، قالها ثلاثا فقام عبد الرحمن واعتم ولبس السيف فدخل المسجد ثم رقى المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم أشار إلى عثمان فبايعه " فعرفت إن خالي أشكل عليه أمرهما فأعطاه أحدهما وثيقة ومنعه الآخر إياها، واستدل بهذه القصة الأخيرة على جواز تقليد المجتهد، وإن عثمان وعبد الرحمن كانا يريان ذلك بخلاف علي، وأجاب من منعه وهم الجمهور بأن المراد بالسيرة ما يتعلق بالعدل ونحوه لا التقليد في الأحكام الشرعية. وإذا فرعنا على جواز تجزئ الاجتهاد احتمل أن يراد بالاقتداء بهما فيما لم يظهر للتابع فيه الاجتهاد فيعمل بقولهما للضرورة، قال الطبري: لم يكن في أهل الإسلام أحد له من المنزلة في الدين والهجرة والسابقة والعقل والعلم والمعرفة بالسياسة ما للستة الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم، فإن قيل كان بعض هؤلاء الستة أفضل من بعض وكان رأى عمر أن الأحق بالخلافة أرضاهم دينا، وأنه لا تصح ولاية المفضول مع وجود الفاضل، فالجواب أنه لو صرح بالأفضل منهم لكان قد نص على استخلافه، وهو قصد أن لا يتقلد العهدة في ذلك؛ فجعلها في ستة متقاربين في الفضل، لأنه يتحقق أنهم لا يجتمعون على تولية المفضول، ولا يألون المسلمين نصحا في النظر والشورى، وأن المفضول منهم لا يتقدم على الفاضل، ولا يتكلم في منزلة وغيره أحق بها منه، وعلم رضا الأمة بمن رضى به الستة. ويؤخذ منه بطلان قول الرافضة وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أن الإمامة في أشخاص بأعيانهم، إذ لو كان كذلك لما أطاعوا عمر في جعلها شورى، ولقال قائل منهم ما وجه التشاور في أمر كفيناه ببيان الله لنا على لسان رسول، ففي رضا الجميع بما أمرهم به دليل على أن الذي كان عندهم من العهد في الإمامة أوصاف من وجدت فيه استحقها، وإدراكها يقع بالاجتهاد، وفيه أن الجماعة الموثوق بديانتهم إذا عقدوا عقد الخلافة لشخص بعد التشاور والاجتهاد لم يكن لغيرهم أن يحل ذلك العقد، إذ لو كان العقد لا يصح إلا باجتماع الجميع، لقال قائل لا معنى لتخصيص هؤلاء الستة، فلما لم يعترض منهم معترض بل رضوا وبايعوا، دل ذلك على صحة ما قلناه، انتهى ملخصا من كتاب ابن بطال، ويتحصل منه جواب من ظن أنه يلزم منه أن عمر كان يرى جواز ولاية المفضول مع وجود الفاضل، والذي يظهر من سيرة عمر في أمرائه الذين كان يؤمرهم في البلاد، أنه كان لا يراعى الأفضل في الدين فقط بل يضم إليه مزيد المعرفة بالسياسة مع اجتناب ما يخالف الشرع منها، فلأجل هذا استخلف معاوية والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص مع وجود من هو أفضل من كل منهم في أمر الدين والعلم، كأبي الدرداء في الشام وابن مسعود في الكوفة، وفيه أن الشركاء في الشيء إذا وقع بينهم التنازع في أمر من الأمور يسندون أمرهم إلى واحد ليختار لهم بعد أن يخرج نفسه من ذلك الأمر، وفيه أن من أسند إليه ذلك يبذل وسعه في الاختيار، ويهجر أهله وليله اهتماما بما هو فيه حتى يكمله. وقال ابن المنير: في الحديث دليل على أن الوكيل المفوض له أن يوكل وإن لم ينص له على ذلك، لأن الخمسة أسندوا الأمر لعبد الرحمن وأفردوه به فاستقل مع أن عمر لم ينص لهم على الانفراد، قال: وفيه تقوية لقول الشافعي في المسألة الفلانية قولان، أي انحصر الحق عندي فيهما، وأنا في مهلة النظر في التعيين، وفيه أن إحداث قول زائد على ما أجمع عليه لا يجوز، وهو كإحداث سابع في أهل الشورى، قال وفي تأخير عبد الرحمن مؤامرة عثمان عن مؤامرة علي سياسة حسنة، منتزعة من تأخير يوسف تفتيش رجل أخيه في قصة الصاع، إبعادا للتهمة وتغطية للحدس، لأنه رأى أن لا ينكشف اختياره لعثمان قبل وقوع البيعة.
*3* الشرح: قوله (باب من بايع مرتين) أي في حالة واحدة. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ بَايَعْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَقَالَ لِي يَا سَلَمَةُ أَلَا تُبَايِعُ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَايَعْتُ فِي الْأَوَّلِ قَالَ وَفِي الثَّانِي الشرح: قوله (عن سلمة) تقدم في " باب البيعة " في الحرب من " كتاب الجهاد " من رواية المكي بن إبراهيم، حدثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بأتم من هذا السياق وفيه بايعت النبي صلى الله عليه وسلم ثم عدلت إلى ظل شجرة فلما خف الناس قال " يا ابن الأكوع ألا تبايع". قوله (قد بايعت في الأول قال وفي الثاني) والمراد بذلك الوقت. وفي رواية الكشميهني " في الأولى " بالتأنيث قال " وفي الثانية " والمراد الساعة أو الطائفة، ووقع في رواية مكي " فقلت قد بايعت يا رسول الله، قال: وأيضا فبايعته الثانية وزاد فقلت له: يا أبا مسلم على أي شيء كنتم تبايعون يومئذ، قال: على الموت " وقد تقدم البحث في ذلك هناك. وقال المهلب فيما ذكره ابن بطال أراد أن يؤكد بيعة سلمة لعلمه بشجاعته وعنائه في الإسلام وشهرته بالثبات، فلذلك أمره بتكرير المبايعة ليكون له في ذلك فضيلة. قلت: ويحتمل أن يكون سلمة لما بادر إلى المبايعة ثم قعد قريبا، واستمر الناس يبايعون إلى أن خفوا، أراد صلى الله عليه وسلم منه أن يبايع للتوالي المبايعة معه ولا يقع فيها تخلل، لأن العادة في مبدأ كل أمر أن يكثر من يباشره فيتوالى، فإذا تناهى قد يقع بين من يجيء آخرا تخلل، ولا يلزم من ذلك اختصاص سلمة بما ذكر والواقع أن الذي أشار إليه ابن بطال من حال سلمة في الشجاعة وغيرها لم يكن ظهر بعد، لأنه إنما وقع منه بعد ذلك في " غزوة ذي قرد " حيث استعاد السرح الذي كان المشركون أغاروا عليه فاستلب ثيابهم، وكان آخر أمره أن أسهم له النبي صلى الله عليه وسلم سهم الفارس والراجل، فالأولى أن يقال تفرس فيه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فبايعه مرتين، وأشار بذلك إلى أنه سيقوم في الحرب مقام رجلين فكان كذلك. وقال ابن المنير: يستفاد من هذا الحديث أن إعادة لفظ العقد في النكاح وغيره ليس فسخا للعقد الأول خلافا لمن زعم ذلك من الشافعية. قلت: الصحيح عندهم أنه لا يكون فسخا كما قال الجمهور. الشرح: قوله (باب بيعة الأعراب) أي مبايعتهم على الإسلام والجهاد. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَصَابَهُ وَعْكٌ فَقَالَ أَقِلْنِي بَيْعَتِي فَأَبَى ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ أَقِلْنِي بَيْعَتِي فَأَبَى فَخَرَجَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طِيبُهَا الشرح: قوله (أن أعرابيا) تقدم التنبيه على اسمه في " فضل المدينة أواخر الحج". قوله (على الإسلام) ظاهر في أن طلبه الإقالة كان فيما يتعلق بنفس الإسلام، ويحتمل أن يكون في شيء من عوارضه كالهجرة، وكانت في ذلك الوقت واجبة، ووقع الوعيد على من رجع أعرابيا بعد هجرته، كما تقدم التنبيه عليه قريبا " والوعك " بفتح الواو وسكون المهملة وقد تفتح بعدها كاف الحمى وقيل ألمها وقيل أرعادها. وقال الأصمعي: أصله شدة الحر، فأطلق على حر الحمى وشدتها. قوله (أقلني بيعتي فأبى) تقدم في " فضل المدينة " من رواية الثوري عن ابن المنكدر أنه أعاد ذلك ثلاثا وكذا سيأتي بعد باب. قوله (فخرج) أي من المدينة راجعا إلى البدو. قوله (المدينة كالكير إلخ) ذكر عبد الغني بن سعيد في " كتاب الأسباب " له عند ذكر حديث المدينة " تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الحديد " أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله في هذه القصة وفيه نظر، والأشبه أنه قاله " في قصة الذين رجعوا عن القتال معه يوم أحد " كما تقدم بيان ذلك في غزوة أحد من " كتاب المغازي". قوله (تنفي) بفتح أوله (خبثها) بمعجمة وموحدة مفتوحتين. قوله (وتنصع) تقدم ضبطه في فضل المدينة وبيان الاختلاف فيه، قال ابن التين: إنما امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من إقالته لأنه لا يعين على معصية، لأن البيعة في أول الأمر كانت على أن لا يخرج من المدينة إلا بإذن فخروجه عصيان. قال: وكانت الهجرة إلى المدينة فرضا قبل فتح مكة على كل من أسلم ومن لم يهاجر لم يكن بينه وبين المؤمنين موالاة، لقوله تعالى وقال ابن المنير: ظاهر الحديث ذم من خرج من المدينة وهو مشكل فقد خرج منها جمع كثير من الصحابة وسكنوا غيرها من البلاد، وكذا من بعدهم من الفضلاء. والجواب أن المذموم من خرج عنها كراهة فيها ورغبة عنها، كما فعل الأعرابي المذكور وأما المشار إليهم فإنما خرجوا لمقاصد صحيحة كنشر العلم وفتح بلاد الشرك والمرابطة في الثغور وجهاد الأعداء وهم مع ذلك على اعتقاد فضل المدينة وفضل سكناها، وسيأتي شيء من هذا في " كتاب الاعتصام " إن شاء الله تعالى.
|