الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
الشرح: قوله: (باب غزوة خيبر) بمعجمة وتحتانية وموحدة بوزن جعفر، وهي مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام، وذكر أبو عبيدة البكري أنها سميت باسم رجل من العماليق نزلها، قال ابن إسحاق: خرج النبي صلى الله عليه وسلم في بقية المحرم سنه سبع فأقام يحاصرها بضع عشرة ليلة إلى أن فتحها في صفر، وروى يونس بن بكير في المغازي عن ابن إسحاق في حديث المسور ومروان قالا: انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية فنزلت عليه سورة الفتح فيما بين مكة والمدينة فأعطاه الله فيها خيبر بقوله: وذكر موسى بن عقبة في المغازي عن ابن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة عشرين ليلة أو نحوها، ثم خرج إلى خيبر. وعند ابن عائذ من حديث ابن عباس " أقام بعد الرجوع من الحديبية عشر ليال " وفي مغازي سليمان التيمي " أقام خمسة عشر يوما " وحكى ابن التين عن ابن الحصار أنها كانت في آخر سنة ست، وهذا منقول عن مالك، وبه جزم ابن حزم، وهذه الأقوال متقاربة، والراجح منها ما ذكره ابن إسحاق، ويمكن الجمع بأن من أطلق سنة ست بناه على أن ابتداء السنة من شهر الهجرة الحقيقي وهو ربيع الأول، وأما ما ذكره الحاكم عن الواقدي وكذا ذكره ابن سعد أنها كانت في جمادى الأولى، فالذي رأيته في مغازي الواقدي أنها كانت في صفر، وقيل: في ربيع الأول، وأغرب من ذلك ما أخرجه ابن سعد وابن أبي شيبة من حديث أبي سعيد الخدري قال: " خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر لثمان عشرة من رمضان " الحديث وإسناده حسن، إلا أنه خطأ، ولعلها كانت إلى حنين فتصحفت، وتوجيهه بأن غزوة حنين كانت ناشئة عن غزوة الفتح، وغزوة الفتح خرج النبي صلى الله عليه وسلم فيها في رمضان جزما، والله أعلم. وذكر الشيخ أبو حامد في التعليقة أنها كانت سنة خمس، وهو وهم، ولعله انتقال من الخندق إلى خيبر. وذكر ابن هشام أنه صلى الله عليه وسلم استعمل على المدينة نميلة بنون مصغر ابن عبد الله الليثي، وعند أحمد والحاكم من حديث أبي هريرة أنه سباع بن عرفطة وهو أصح. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ وَهِيَ مِنْ أَدْنَى خَيْبَرَ صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَعَا بِالْأَزْوَادِ فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ فَأَكَلَ وَأَكَلْنَا ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ الشرح: حديث سويد بن النعمان وهو الأنصاري الحارثي أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر، الحديث. وقد تقدم شرحه في الطهارة. والغرض منه هنا الإشارة إلى أن الطريق التي خرجوا منها إلى خيبر كانت على طريق الصهباء، وقد تقدم ضبطها. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ فَسِرْنَا لَيْلًا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ لِعَامِرٍ يَا عَامِرُ أَلَا تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلًا شَاعِرًا فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا فَاغْفِرْ فِدَاءً لَكَ مَا أَبْقَيْنَا وَثَبِّتْ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا وَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَبَيْنَا وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هَذَا السَّائِقُ قَالُوا عَامِرُ بْنُ الْأَكْوَعِ قَالَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ وَجَبَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوْلَا أَمْتَعْتَنَا بِهِ فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ فَحَاصَرْنَاهُمْ حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ مَسَاءَ الْيَوْمِ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هَذِهِ النِّيرَانُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ قَالُوا عَلَى لَحْمٍ قَالَ عَلَى أَيِّ لَحْمٍ قَالُوا لَحْمِ حُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ نُهَرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا قَالَ أَوْ ذَاكَ فَلَمَّا تَصَافَّ الْقَوْمُ كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ قَصِيرًا فَتَنَاوَلَ بِهِ سَاقَ يَهُودِيٍّ لِيَضْرِبَهُ وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ فَأَصَابَ عَيْنَ رُكْبَةِ عَامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ قَالَ فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلَمَةُ رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي قَالَ مَا لَكَ قُلْتُ لَهُ فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَبَ مَنْ قَالَهُ إِنَّ لَهُ لَأَجْرَيْنِ وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ قَالَ نَشَأَ بِهَا الشرح: قوله: (خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، فسرنا ليلا، فقال رجل من القوم لعامر: يا عامر ألا تسمعنا) لم أقف على اسمه صريحا، وعند ابن إسحاق من حديث نصر بن دهر الأسلمي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مسيره إلى خيبر لعامر بن الأكوع وهو عم سلمة بن الأكوع واسم الأكوع سنان: " انزل يا ابن الأكوع فاحد لنا من هنياتك " ففي هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمره بذلك. قوله: (من هنيهاتك) في رواية الكشميهني بحذف الهاء الثانية وتشديد التحتانية التي قبلها، والهنيهات جمع هنيهة وهي تصغير هنة كما قالوا في تصغير سنة سنيهة. ووقع في الدعوات من وجه آخر عن يزيد بن أبي عبيد " لو أسمعتنا من هناتك " بغير تصغير. قوله: (وكان عامر رجلا شاعرا) قيل: هذا يدل على أن الرجز من أقسام الشعر، لأن الذي قاله عامر حينئذ من الرجز. وسيأتي بسط ذلك في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى. قوله: (اللهم لولا أنت ما اهتدينا) في هذا القسم زحاف الخزم بمعجمتين وهو زيادة سبب خفيف في أوله، وأكثرها أربعة أحرف، وقد تقدم في الجهاد من حديث البراء بن عازب وأنه من شعر عبد الله بن رواحة، فيحتمل أن يكون هو وعامر تواردا على ما تواردا منه، بدليل ما وقع لكل منهما مما ليس عند الآخر، أو استعان عامر ببعض ما سبقه إليه ابن رواحة. قوله: (فاغفر فداء لك ما اتقينا) أما قوله فداء فهو بكسر الفاء وبالمد، وحكى ابن التين فتح أوله مع القصر وزعم أنه هنا بالكسر القصر لضرورة الوزن، ولم يصب في ذلك فإنه لا يتزن إلا بالمد. وقد استشكل هذا الكلام لأنه لا يقال في حق الله، إذ معنى فداء لك نفديك بأنفسنا وحذف متعلق الفداء للشهرة، وإنما يتصور الفداء لمن يجوز عليه الفناء. وأجيب عن ذلك بأنها كلمه لا يراد بها ظاهرها بل المراد بها المحبة والتعظيم مع قطع النظر عن ظاهر اللفظ. وقيل: المخاطب بهذا الشعر النبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى لا تؤاخذنا بتقصيرنا في حقك ونصرك، وعلى هذا فقوله: " اللهم " لم يقصد بها الدعاء، وإنما افتتح بها الكلام، والمخاطب بقول الشاعر " لولا أنت " النبي صلى الله عليه وسلم إلخ، ويعكر عليه قوله بعد ذلك: فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا فإنه دعا الله تعالى ويحتمل أن يكون المنعى فاسأل ربك أن ينزل ويثبت والله أعلم. وأما قوله: " ما اتقينا " فبتشديد المثناة بعدها قاف للأكثر، ومعناه ما تركنا من الأوامر، و " ما " ظرفية، وللأصيلي والنسفي بهمزة قطع ثم موحدة ساكنة أي ما خلفنا وراءنا مما اكتسبنا من الآثام، أو ما أبقيناه وراءنا من الذنوب فلم نتب منه. وللقابسي " ما لقينا " باللام وكسر القاف والمعنى ما وجدنا من المناهي، ووقع في رواية قتيبة عن حاتم بن إسماعيل كما سيأتي في الأدب " ما اقتفينا " بقاف ساكنة ومثناة مفتوحة ثم تحتانية ساكنة أي تبعنا من الخطايا من قفوت الأثر إذا اتبعته، وكذا لمسلم عن قتيبة وهي أشهر الروايات في هذا الرجز. قوله: (وألقين سكينة علينا) في رواية النسفي " وألق السكينة علينا " بحذف النون وبزيادة ألف ولام في السكينة بغير تنوين، وليس بموزون. قوله: (إنا إذا صيح بنا أتينا) بمثناة، أي جئنا إذا دعينا إلى القتال أو إلى الحق، وروي بالموحدة كذا رأيت في رواية النسفي، فإن كانت ثابتة فالمعنى إذا دعينا إلى غير الحق امتنعنا. قوله: (وبالصياح عولوا علينا) أي قصدونا بالدعاء بالصوت العالي واستغاثوا علينا، تقول: عولت على فلان وعولت بفلان بمعنى استغثت به. وقال الخطابي: المعني أجلبوا علينا بالصوت، وهو من العويل. وتعقبه ابن التين بأن عولوا بالتثقيل من التعويل ولو كان من العويل لكان أعولوا. ووقع في رواية إياس بن سلمة عن أبيه عند أحمد في هذا الرجز من الزيادة: " وإن الذين قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا ونحن عن فضلك ما استغنينا " وهذا القسم الأخير عند مسلم أيضا. قوله: (من هذا السائق) في رواية أحمد فجعل عامر يرتجز ويسوق الركاب وهذه كانت عادتهم إذا أرادوا تنشيط الإبل في السير ينزل بعضهم فيسوقها ويحدو في تلك الحال. قوله: (قال يرحمه الله) في رواية إياس بن سلمة " قال غفر لك ربك " قال: وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان يخصه إلا استشهد، وبهذه الزيادة يظهر السر في قول الرجل " لولا أمتعتنا به". قوله: (قال رجل من القوم: وجبت يا نبي الله، لولا أمتعتنا به) اسم هذا الرجل عمر سماه مسلم في رواية إياس بن سلمة ولفظه " فنادى عمر بن الخطاب وهو على جمل له: يا نبي الله لولا أمتعتنا بعامر " وفي حديث نصر بن دهر عند ابن إسحاق " فقال عمر: وجبت يا رسول الله " ومعنى قوله لولا أي هلا، وأمتعتنا أي متعتنا أي أبقيته لنا لنتمتع به أي بشجاعته، والتمتع الترفه إلى مدة، ومنه أمتعني الله ببقائك. قوله: (فأتينا خيبرا) أي أهل خيبر. قوله: (فحاصرناهم) ذكر ابن إسحاق أن أول شيء حاصروه ففتح حصن ناعم، ثم انتقلوا إلى غيره. قوله: (حتى أصابتنا مخمصة) بمعجمة ثم مهملة أي مجاعة شديدة، وسيأتي شرح قصة الحمر الأهلية في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى. قوله: (وكان سيف عامر قصيرا فتناول به ساق يهودي ليضربه) في رواية إياس بن سلمة " فلما قدمنا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه يقول. قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب قال فبرز إليه عامر فقال: قد علمت خيبر أني عامر شاكي السلاح بطل مغامر فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر، فصار عامر يسفل له أي يضربه من أسفل، فرجع سيفه - أي عامر - على نفسه. قوله: (ويرجع ذباب سيفه) أي طرفه الأعلى وقيل: حده. قوله: (فأصاب عين ركبة عامر) أي طرف ركبته الأعلى فمات منه. وفي رواية يحيى القطان " فأصيب عامر بسيف نفسه فمات " وفي رواية إياس بن سلمة عند مسلم " فقطع أكحله فكانت فيها نفسه " وفي رواية ابن إسحاق " فكلمه كلما شديدا فمات منه". قوله: (فلما قفلوا من خيبر) أي رجعوا. قوله: (وهو آخذ يدي) في رواية الكشميهني " بيدي " وفي رواية قتيبة " رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم شاحبا " بمعجمة ثم مهملة وموحدة أي متغير اللون. وفي رواية إياس " فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي". قوله: (زعموا أن عامرا حبط عمله) في رواية إياس " بطل عمل عامر قتل نفسه " وسمي من القائلين أسيد بن حضير، في رواية قتيبة الآتية في الأدب وعند ابن إسحاق " فكان المسلمون شكوا فيه وقالوا فما قتله سلاحه " ونحو عند مسلم من وجه آخر عن سلمة. قوله: (كذب من قاله) أي أخطأ. قوله: (إن له أجرين) في رواية الكشميهني " لأجرين " وكذا في رواية قتيبة، وكذا في رواية ابن إسحاق " إنه لشهيد، وصلى عليه". قوله: (إنه لجاهد مجاهد) كذا للأكثر باسم الفاعل فيهما وكسر الهاء والتنوين، والأول مرفوع على الخبر. والثاني إتباع للتأكيد، كما قالوا جاد مجد. ووقع لأبي ذر عن الحموي والمستملي بفتح الهاء والدال، وكذا ضبطه الباجي، قال عياض: والأول هو الوجه. قلت: يؤيده رواية أبي داود من وجه آخر عن سلمة " مات جاهدا مجاهدا " قال ابن دريد: رجل جاهد أي جاد في أموره. وقال ابن التين: الجاهد من يرتكب المشقة، ومجاهد أي لأعداء الله تعالى. قوله: (قل عربي مشى بها مثله) كذا في هذه الرواية بالميم والقصر من المشي، والضمير للأرض أو المدينة أو الحرب أو الخصلة. قوله: (قال قتيبة نشأ) أي بنون وبهمزة، والمراد أن قتيبة رواه عن حاتم بن إسماعيل بهذا الإسناد فخالف في هذه اللفظة. وروايته موصولة في الأدب عنده، وغفل الكشميهني فرواها هنالك بالميم والقصر، وحكى السهيلي أنه وقع في رواية " مشابها " بضم الميم اسم فاعل من الشبهة أي ليس له مشابه في صفات الكمال في القتال، وهو منصوب بفعل محذوف تقديره رأيته مشابها، أو على الحال من قوله " عربي " قال السهيلي: والحال من النكرة يجوز إذا كان في تصحيح معنى، قال السهيلي أيضا: وروى " قل عربيا نشأ بها مثله " والفاعل مثله، وعربيا منصوب على التمييز لأن في الكلام معنى المدح، على حد قولهم عظم زيد رجلا، وقل زيد أدبا. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى خَيْبَرَ لَيْلًا وَكَانَ إِذَا أَتَى قَوْمًا بِلَيْلٍ لَمْ يُغِرْ بِهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَتْ الْيَهُودُ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ الشرح: قوله: (عن أنس) في رواية أبي إسحاق الفزاري عن حميد " سمعت أنسا " كما تقدم في الجهاد. قوله: (أتى خيبر ليلا) أي قرب منها، وذكر ابن إسحاق أنه نزل بواد يقال له الرجيع بينهم وبين غطفان لئلا يمدوهم وكانوا حلفاءهم، قال: فبلغني أن غطفان تجهزوا وقصدوا خيبر، فسمعوا حسا خلفهم فظنوا أن المسلمين خلفوهم في ذراريهم، فرجعوا فأقاموا وخذلوا أهل خيبر. قوله: (لم يغر بهم حتى يصبح) كذا للأكثر من الإغارة، ولأبي ذر عن المستملي " لم يقربهم " بفتح أوله وسكون القاف وفتح الراء وسكون الموحدة، وتقدم في الجهاد بلفظ " لا يغير عليهم " وهو يؤيد رواية الجمهور، وتقدم في الأذان من وجه آخر عن حميد بلفظ " كان إذا غزا لم يغز بنا حتى يصبح وينظر، فإن سمع أذانا كف عنهم وإلا أغار، قال: فخرجنا إلى خيبر فانتهينا إليهم ليلا فلما أصبح ولم يسمع أذانا ركب " وحكى الواقدي أن أهل خيبر سمعوا بقصده لهم، فكانوا يخرجون في كل يوم متسلحين مستعدين، فلا يرون أحدا. حتى إذا كانت الليلة التي قدم فيها المسلمون ناموا فلم تتحرك لهم دابة ولم يصح لهم ديك، وخرجوا بالمساحي طالبين مزارعهم فوجدوا المسلمين. قوله: (خرجت يهود) زاد أحمد من طريق قتادة عن أنس " إلى زروعهم". قولهم: (بمساحيهم) بمهملتين جمع مسحاة وهي من آلات الحرث (ومكاتلهم) جمع مكتل وهو القفة الكبيرة التي يحول فيها التراب وغيره. وعند أحمد من حديث أبي طلحة في نحو هذه القصة " حتى إذا كان عند السحر وذهب ذو الزرع إلى زرعه وذو الضرع إلى ضرعه أغار عليهم". قوله: (محمد والخميس) تقدم في أوائل الصلاة من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس بلفظ " خرج القوم إلى أعمالهم فقالوا: محمد " قال عبد العزيز. قال بعض أصحابنا عن أنس " والخميس " يعني الجيش وعرف المراد ببعض أصحابه من هذا الطريق، وتقدم في صلاة الخوف من طريق حماد بن زيد عن ثابت وعبد العزيز عن أنس نحوه وفيه " يقولون محمد والخميس " قال: والخميس الجيش. وعرف من سياق هذا الباب أن اللفظ هناك لثابت، وقد بينت ما في هذا الموضع من الإدراج في أوائل كتات الصلاة، وزاد في الجهاد من وجه آخر عن أيوب " فلجئوا إلى الحصن " أي تحصنوا به. قوله: (خربت خيبر) زاد في الجهاد فرفع يديه وقال: " الله أكبر، خربت خيبر " وزيادة التكبير في معظم الطرق عن أنس وعن حميد، قال السهيلي: يؤخذ من هذا الحديث التفاؤل، لأنه صلى الله عليه وسلم لما رأى آلات الهدم - مع أن لفظ المسحاة من سحوت إذا قشرت - أخذ منه أن مدينتهم ستخرب، انتهى. ويحتمل أن يكون قال. " خربت خيبر " بطريق الوحي. ويؤيده قوله بعد ذلك: " إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين". الحديث: أَخْبَرَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَبَّحْنَا خَيْبَرَ بُكْرَةً فَخَرَجَ أَهْلُهَا بِالْمَسَاحِي فَلَمَّا بَصُرُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ فَأَصَبْنَا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ الشرح: قوله في رواية محمد بن سيرين عن أنس " صبحنا خيبر بكرة " لا يغاير قوله في رواية حميد عن أنس أنهم قدموها ليلا، فإنه يحمل على أنهم لما قدموها وناموا دونها ركبوا إليها يكره فصبحوها بالقتال والإغارة، وقد وقع ذلك في رواية إسماعيل بن جعفر عن حميد واضحا، زاد في رواية محمد بن سيرين قصة الحمر الأهلية وسيأتي شرحها مستوفى في كتاب الذبائح إن شاء تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ جَاءٍ فَقَالَ أُكِلَتْ الْحُمُرُ فَسَكَتَ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ أُكِلَتْ الْحُمُرُ فَسَكَتَ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ أُفْنِيَتْ الْحُمُرُ فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى فِي النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَأُكْفِئَتْ الْقُدُورُ وَإِنَّهَا لَتَفُورُ بِاللَّحْمِ الشرح: قوله: (حدثنا عبد الوهاب) هو ابن عبد المجيد الثقفي، وليس هو والد الراوي عند عبد الله بن عبد الوهاب، فإن الراوي عنه عبدري حجيي إلا ثقفي. قوله: (ينهيانكم) في رواية سفيان الآتية " ينهاكم " بالإفراد وفي رواية عبد الوهاب بالتثنية، وهو دال على جواز جمع اسم الله مع غيره في ضمير واحد، فيرد به على من زعم أن قوله للخطيب: " بئس خطيب القوم أنت " لكونه قال: " ومن يعصمها فقد غوى " وقد تقدمت الإشارة إلى مباحث ذلك في كتاب الصلاة. قوله: (فأكفئت القدور) قال ابن التين: صوابه فكفئت، قال الأصمعي: كفأت الإناء قلبته ولا يقال أكفأته، ويحتمل أن يكون المراد أميلت حتى أزيل ما فيها، قال الكسائي: أكفأت الإناء أملته. الحديث: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ قَرِيبًا مِنْ خَيْبَرَ بِغَلَسٍ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ فَقَتَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ وَكَانَ فِي السَّبْيِ صَفِيَّةُ فَصَارَتْ إِلَى دَحْيَةَ الْكَلْبِيِّ ثُمَّ صَارَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا فَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ لِثَابِتٍ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ آنْتَ قُلْتَ لِأَنَسٍ مَا أَصْدَقَهَا فَحَرَّكَ ثَابِتٌ رَأْسَهُ تَصْدِيقًا لَهُ الشرح: قوله: (حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس) تقدم في صلاة الخوف مع ثابت عبد العزيز بن صهيب. قوله: (فخرجوا يسعون في السكك، فقتل النبي صلى الله عليه وسلم المقاتلة وسبى الذرية) فيه اختصار كبير، لأنه يوهم أن ذلك وقع عقب الإغارة عليهم، وليس كذلك فقد ذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام على محاصرتهم بضع عشرة ليلة، وقيل: أكثر من ذلك. ويؤيده قوله في الحديث الذي قبله: " إنهم أصابتهم مخمصة شديدة " فإنه دال على طول مدة الحصار، إذ لو وقع الفتح من يومهم لم يقع لهم ذلك. وفي حديث سلمة بن الأكوع وسهل بن سعد الآتيين قريبا في قصة على ما يؤكد ذلك، وكذا في حديث سهل وأبي هريرة في قصة الذي قتل نفسه، وكذا في حديث عبد الله بن أبي أوفى أنهم حاصروهم. حديث أنس أيضا في ذكر صفية، ذكره من طريقين، وسيأتي في الباب من وجه ثالث بأتم من هذا سياقا. وصفية هي بنت حيي بن أخطب بن سعية - بفتح المهملة وسكون العين المهملة بعدها تحتانية ساكنة - ابن عامر بن عبيد بن كعب، من ذرية هارون بن عمران أخي موسى عليهما السلام، وأمها برة بنت شموال من بني قريظة، وكانت تحت سلام بن مشكم القرظي ثم فرقها فتزوجها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق النضيري فقتل عنها يوم خيبر، ذكر ذلك ابن سعد وأسند بعضه من وجه مرسل. قوله: (وكان في السبي صفية بنت حيي فصارت إلى دحية، ثم صارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم) في رواية عبد العزيز عن أنس " فجاء دحية فقال: أعطني يا رسول الله جارية من السبي، قال: اذهب فخذ جارية، فأخذ صفية، فجاء رجل فقال: يا نبي الله أعطيت دحية صفية سيدة قريظة والنضير لا تصلح إلا لك، قال ادعوه بها، فجاء بها، فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال: خذ جارية من السبي غيرها، وعند ابن إسحاق أن صفية سبيت من حصن القموص وهو حصن بني أبي الحقيق، وكانت تحت كناية بن الربيع بن أبي الحقيق وسبي معها بنت عمها - وعند غيره بنت عم زوجها - فلما استرجع النبي صلى الله عليه وسلم صفية من دحية أعطاه بنت عمها. قال السهيلي: لا معارضة بين هذه الأخبار فإنه أخذها من دحية قبل القسم، والذي عوضه عنها ليس على سبيل البيع بل على سبيل النفل. قلت: وقع في رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عند مسلم أن صفية وقعت في سهم دحية، وعنده أيضا فيه " فاشتراها من دحية بسبعة أرؤس " فالأولى في طريق الجمع أن المراد بسهمه هنا نصيبه الذي اختاره لنفسه، وذلك أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه جارية فأذن له أن يأخذ جارية، فأخذ صفية. فلما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أنها بنت ملك من ملوكهم ظهر له أنها ليست ممن توهب لدحية لكثرة من كان في الصحابة مثل دحية وفوقه وقلة من كان في السبي مثل صفية في نفاستها، فلو خصه بها لأمكن تغير خاطر بعضهم، فكان من المصلحة العامة ارتجاعها منه واختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بها، فإن في ذلك رضا الجميع، وليس ذلك من الرجوع في الهبة من شيء. وأما إطلاق الشراء على العوض فعلى سبيل المجاز، ولعله عوضه عنها بنت عمها أو بنت عم زوجها فلم تطب نفسه فأعطاه من جملة السبي زيادة على ذلك. وعند ابن سعد من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس وأصله في مسلم " صارت صفية لدحية، فجعلوا يمدحونها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطى بها دحية ما رضي " وقد تقدم شيء من هذا في أوائل الصلاة، ويأتي تمام قصتها في الحديث الثاني عشر، ويأتي الكلام على قوله في الحديث " وجعل عتقها صداقها " في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَسْكَرِهِ وَمَالَ الْآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ فَقِيلَ مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلَانٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ أَنَا صَاحِبُهُ قَالَ فَخَرَجَ مَعَهُ كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ قَالَ فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ سَيْفَهُ بِالْأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ وَمَا ذَاكَ قَالَ الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ فَقُلْتُ أَنَا لَكُمْ بِهِ فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ فِي الْأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الشرح: قوله: (حدثنا يعقوب) هو ابن عبد الرحمن الإسكندراني، وأبو حازم هو سلمة بن دينار. قوله: (التقى هو والمشركون) في رواية ابن أبي حازم الآتية بعد قليل " في بعض مغازيه " ولم أقف على تعيين كونها خيبر، لكنه مبني على أن القصة التي في حديث سهل متحدة مع القصة التي في حديث أبي هريرة، وقد صرح في حديث أبي هريرة أن ذلك كان بخيبر وفيه نظر، فإن في سياق سهل أن الرجل الذي قتل نفسه اتكأ على حد سيفه حتى خرج من ظهره، وفي سياق أبي هريرة أنه استخرج أسهما من كنانته فنحر بها نفسه. وأيضا ففي حديث سهل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم لما أخبروه بقصته " إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة " الحديث، وفي حديث أبي هريرة أنه قال لهم لما أخبروه بقصته " قم يا بلال فأذن: إنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن " ولهذا جنح ابن التين إلى التعدد، ويمكن الجمع بأنه لا منافاة في المغايرة الأخيرة، وأما الأول فيحتمل أن يكون نحر نفسه بأسهمه فلم تزهق روحه وإن كان قد أشرف على القتل فاتكأ حينئذ على سيفه استعجالا للموت، لكن جزم ابن الجوزي في مشكله بأن القصة التي حكاها سهل بن سعد وقعت بأحد، قال: واسم الرجل قزمان الظفري، وكان قد تخلف عن المسلمين يوم أحد فعيره النساء، فخرج حتى صار في الصف الأول فكان أول من رمى بسهم، ثم صار إلى السيف ففعل العجائب، فلما انكشف المسلمون كسر جفن سيفه وجعل يقول: الموت أحسن من الفرار، فمر به قتادة بن النعمان فقال له: هنيئا لك بالشهادة، قال: والله إني ما قاتلت على دين، وإنما قاتلت على حسب قومي. ثم أقلقته الجراحة فقتل نفسه. قلت: وهذا الذي نقله أخذه من مغازي الواقدي وهو لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف، نعم أخرج أبو يعلى من طريق سعيد بن عبد الرحمن القاضي عن أبي حازم حديث الباب وأوله أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ما رأينا مثل ما أبلى فلان، لقد فر الناس وما فر وما ترك للمشركين شاذة ولا فاذة الحديث بطوله على نحو ما في الصحيح، وليس فيه تسميته، وسعيد مختلف فيه وما أظن روايته خفيت على البخاري، وأظنه لم يلتفت إليها لأن في بعض طرقه عن أبي حازم " غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم " وظاهره يقتضي أنها غير أحد، لأن سهلا ما كان حينئذ ممن يطلق على نفسه ذلك لصغره، لأن الصحيح أن مولده قبل الهجرة بخمس سنين فيكون في أحد ابن عشرة أو إحدى عشرة، على أنه حفظ أشياء من أمر أحد مثل غسل فاطمة جراحة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يلزم من ذلك أن يقول " غزونا " إلا أن يحمل على المجاز كما سيأتي لأبي هريرة، لكن يدفعه ما سيأتي من رواية الكشميهني قريبا. قوله: (فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره) أي رجع بعد فراغ القتال في ذلك اليوم. قوله: (وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل) وقع في كلام جماعة ممن تكلم على هذا الكتاب أن اسمه قزمان بضم القاف وسكون الزاي الظفري بضم المعجمة والفاء نسبة إلى بني ظفر بطن من الأنصار وكن يكنى أبا الغيداق بمعجمة مفتوحة وتحتانية ساكنة وآخره قاف، ويعكر عليه ما تقدم. قوله: (شاذة ولا فاذة) الشاذة بتشديد المعجمة ما انفرد عن الجماعة، وبالفاء مثله ما لم يختلط بهم، ثم هما صفة لمحذوف أي نسمة، والهاء فيهما للمبالغة، والمعنى أنه لا يلقى شيئا إلا قتله، وقيل: المراد بالشاذ والفاذ ما كبر وصغر، وقيل: الشاذ الخارج والفاذ المنفرد، وقيل: هما بمعني، وقيل الثاني إتباع. قوله: (فقال) أي قائل، وتقدم في الجهاد بلفظ فقالوا ويأتي بعد قليل من طريق أخرى بلفظ " فقيل " ووقع هنا للكشميهني " فقلت " فإن كانت محفوظة عرف اسم قائل ذلك. قوله: (ما أجزأ) بالهمزة أي ما أغنى. قوله: (فقال إنه من أهل النار) في رواية ابن أبي حازم المذكورة " فقالوا أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار " وفي حديث أكثم بن أبي الجون الخزاعي عند الطبراني " قال قلنا يا رسول الله فلان يجزئ في القتال، قال: هو في النار. قلنا يا رسول الله إذا كان فلان في عبادته واجتهاده ولين جانبه في النار فأين نحن؟ قال: ذلك أخباث النفاق قال فكنا نتحفظ عليه في القتال". قوله: (فقال رجل من القوم: أنا صاحبه) في رواية ابن أبي حازم " لأتبعنه " وهذا الرجل هو أكثم بن أبي الجون كما سيظهر من سياق حديثه. قوله: (فجرح جرحا شديدا) المصنف زاد في حديث أكثم " فقلنا يا رسول الله قد استشهد فلان، قال: هو في النار". قوله: (فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه) في رواية ابن أبي حازم " فوضع نصاب سيفه في الأرض " وفي حديث أكثم " أخذ سيفه فوضعه بين ثدييه ثم اتكأ عليه حتى خرج من ظهره، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: أشهد أنك رسول الله". قوله: (وهو من أهل الجنة) زاد في حديث أكثم " تدركه الشقاوة والسعادة عند خروج نفسه فيختم له بها " وسيأتي شرح الكلام الأخير في كتاب القدر إن شاء تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ شَهِدْنَا خَيْبَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ مَعَهُ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ قَاتَلَ الرَّجُلُ أَشَدَّ الْقِتَالِ حَتَّى كَثُرَتْ بِهِ الْجِرَاحَةُ فَكَادَ بَعْضُ النَّاسِ يَرْتَابُ فَوَجَدَ الرَّجُلُ أَلَمَ الْجِرَاحَةِ فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى كِنَانَتِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهَا أَسْهُمًا فَنَحَرَ بِهَا نَفْسَهُ فَاشْتَدَّ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَدَّقَ اللَّهُ حَدِيثَكَ انْتَحَرَ فُلَانٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَقَالَ قُمْ يَا فُلَانُ فَأَذِّنْ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ إِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ شَبِيبٌ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ شَهِدْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُنَيْنًا وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَابَعَهُ صَالِحٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ شَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَسَعِيدٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (شهدنا خيبر) أراد جيشها من المسلمين، لأن الثابت أنه إنما جاء بعد أن فتحت خيبر، ووقع عند الواقدي أنه قدم بعد فتح معظم خيبر فحضر فتح آخرها، لكن مضى في الجهاد من طريق عنبسة بن سعيد عن أبي هريرة قال: " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بعدما افتتحها فقلت: يا رسول الله أسهم لي " وسيأتي البحث في ذلك في حديث آخر لأبي هريرة آخر هذا الباب. قوله: (فلما حضر القتال) بالرفع والنصب. قوله: (فقال لرجل ممن معه) أي عن رجل، واللام قد تأتي بمعنى عن مثل قوله تعالى: قوله: (فكاد بعض الناس يرتاب) في رواية معمر في الجهاد " فكاد بعض الناس أن يرتاب " ففيه دخول أن على خبر كاد، وهو جائز مع قلته. قوله: (قم يا فلان) هو بلال كما وقع مفسرا في كتاب القدر. قوله: (إن الله يؤيد) في رواية الكشميهني " ليؤيد " قال النووي يجوز في أن فتح الهمزة وكسرها. قوله: (بالرجل الفاجر) يحتمل أن تكون اللام للعهد، والمراد به قزمان المذكور، ويحتمل أن تكون للجنس. قوله: (تابعه معمر) أي تابع شعيبا عن الزهري أي بهذا الإسناد، وهو موصول عند المصنف في آخر الجهاد مقرونا برواية شعيب عن الزهري. قوله: (وقال شبيب) أي ابن سعيد (عن يونس) أي ابن يزيد (عن ابن شهاب) أي الزهري بهذا الإسناد. قوله: (شهدنا حنينا) يريد أن يونس خالف معمرا وشعيبا فذكر بدل خيبر لفظة " حنين " ورواية شبيب هذه وصلها النسائي مقتصرا على طرف من الحديث، وأوردها الذهلي في " الزهريات " ويعقوب بن سفيان في تاريخه كلاهما عن أحمد بن شبيب عن أبيه بتمامه، وأحمد من شيوخ البخاري وقد أخرج عنه غير هذا، وقد وافق يونس معمرا وشعيبا في الإسناد، لكن زاد فيه مع سعيد بن المسيب عبد الرحمن بن عبد الله من كعب بن مالك، وساق الحديث عنهما عن أبي هريرة. قوله: (وقال ابن المبارك عن يونس عن الزهري عن سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم) يعني وافق شبيبا في لفظ " حنين " وخالفه في الإسناد فأرسل الحديث، وطريق ابن المبارك هذه وصلها في الجهاد ولم أر فيها تعيين الغزوة. قوله: (وتابعه صالح) يعني ابن كيسان (عن الزهري) وهذه المتابعة ذكرها البخاري في تاريخه. قال: " قال لي عبد العزيز الأويسي عن إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن بعض من شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل معه: هذا من أهل النار " الحديث فظهر أن المراد بالمتابعة أن صالحا تابع رواية ابن المبارك عن يونس في ترك ذكر اسم الغزوة، لا في بقية المتن ولا في الإسناد. وقد رواه يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن صالح عن لزهري فقال: " عن عبد الرحمن بن المسيب " مرسلا ووهم فيه، وكأنه أراد أن يقول " عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب وسعيد بن المسيب " فذهل. قوله: (وقال الزبيدي أخبرني الزهري أن عبد الرحمن بن كعب أخبره أن عبيد الله بن كعب قال: أخبرني من شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر) قال الزهري: " وأخبرني عبيد الله بن عبد الله وسعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم " وفي رواية النسفي " عبد الله بن عبد الله " هكذا أورد البخاري طريق الزبيدي هذه معلقة مختصرة، وأجحف فيها في الاختصار فإنه لم يفصل بين رواية الزهري الموصولة عن عبد الرحمن وبين روايته المرسلة عن سعيد وعبيد الله بن عبد الله، وقد أوضح ذلك في التاريخ، وكذلك أبو نعيم في " المستخرج " والذهلي في " الزهريات " فأخرجوه من طريق عبد الله بن سالم الحمصي عن الزبيدي فساق الحديث الموصول بالقصة ثم ساق بعده " قال الزبيدي قال الزهري وأخبرني عبد الله بن عبد الله وسعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يا بلال قم فأذن إنه لا يدخل إلا رجل مؤمن، والله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر " هذا سياق البخاري، وفي سياق الذهلي " قال الزهري وأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله " وهذا أصوب من عبيد الله بن عبد الله، نبه عليه أبو علي الجياني، وقد اقتضى صنيع البخاري ترجيح رواية شعيب ومعمر وأشار إلى أن بقية الروايات محتملة وهذه عادته في الروايات المختلفة إذا رجح بعضها عنده اعتمده وأشار إلى البقية، وأن ذلك لا يستلزم القدح في الرواية الراجحة لأن شرط الاضطراب أن تتساوى وجوه الاختلاف فلا يرجح شيء منها، وذكر مسلم في كتاب التمييز فيه اختلافا آخر على الزهري فقال: " حدثنا الحسن بن الحلواني عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا بلال قم فأذن إنه إلا يدخل الجنة إلا مؤمن. قال الحلواني: قلت ليعقوب بن إبراهيم من عبد الرحمن بن المسيب هذا؟ قال كان لسعيد بن المسيب أخ اسمه عبد الرحمن، وكان رجل من بني كنانة يقال له عبد الرحمن بن المسيب، فأظن أن هذا هو الكناني. قال مسلم وليس ما قال يعقوب بشيء، وإنما سقط من هذا الإسناد واو واحدة ففحش خطؤه، وإنما هو عن الزهري عن عبد الرحمن وابن المسيب، فعبد الرحمن هو ابن عبد الله بن كعب وابن المسيب هو سعيد، وقد حدث به عن الزهري كذلك ابن أخيه وموسى بن عقبة ويونس بن يزيد، والله أعلم. وكذا رجح الذهلي رواية شعيب ومعمر قال: ولا تدفع رواية الأخيرين لأن الزهري كان يقع له الحديث من عدة طرق فيحمله عنه أصحابه بحسب ذلك، نعم ساق من طريق موسى بن عقبة وابن أخي الزهري عن الزهري موافقة الزبيدي على إرسال آخر الحديث، قال المهلب: هذا الرجل ممن أعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه نفذ عليه الوعيد من الفساق، ولا يلزم منه أن كل من قتل نفسه يقضى عليه بالنار. وقال ابن التين: يحتمل أن يكون قوله: " هو من أهل النار " أي إن لم يغفر الله له. ويحتمل أن يكون حين أصابته الجراحة ارتاب وشك في الإيمان أو استحل قتل نفسه فمات كافرا. ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في بقية الحديث " لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة " وبذلك حزم ابن المنير. والذي يظهر أن المراد بالفاجر أعم من أن يكون كافرا أو فاسقا، ولا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم "إنا لا نستعين بمشرك " لأنه محمول على من كان يظهر الكفر أو هو منسوخ، وفي الحديث إخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات، وذلك من معجزاته الظاهرة، وفيه جواز إعلام الرجل الصالح بفضيلة تكون فيه والجهر بها. (تنبيه) : المنادى بذلك بلال، ووقع عند مسلم في رواية " قم يا ابن الخطاب " وعند البيهقي أن المنادى بذلك عبد الرحمن بن عوف، ويجمع بأنهم نادوا جميعا في جهات مختلفة. الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ أَوْ قَالَ لَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْرَفَ النَّاسُ عَلَى وَادٍ فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهُوَ مَعَكُمْ وَأَنَا خَلْفَ دَابَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَنِي وَأَنَا أَقُولُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فَقَالَ لِي يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الشرح: قوله: (حدثنا عبد الواحد) هو ابن زياد، وعاصم هو الأحول، وأبو عثمان هو النهدي، والإسناد كله إلى أبي موسى بصريون. قوله: (لما غزا النبي صلى الله عليه وسلم خيبر أو قال لما توجه) هو شك من الراوي. قوله: (أشرف الناس على واد - فذكر الحديث إلى قول أبي موسى - فسمعني وأنا أقول لا حول ولا قوة إلا بالله) هذا السياق يوهم أن ذلك وقع وهم ذاهبون إلى خيبر، وليس كذلك بل إنما وقع ذلك حال رجوعهم، لأن أبا موسى إنما قدم بعد فتح خيبر مع جعفر كما سيأتي في الباب من حديثه واضحا، وعلى هذا ففي السياق حذف تقديره: لما توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فحاصرها ففتحها ففزع فرجع أشرف الناس إلخ، وسيأتي شرح المتن في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ رَأَيْتُ أَثَرَ ضَرْبَةٍ فِي سَاقِ سَلَمَةَ فَقُلْتُ يَا أَبَا مُسْلِمٍ مَا هَذِهِ الضَّرْبَةُ فَقَالَ هَذِهِ ضَرْبَةٌ أَصَابَتْنِي يَوْمَ خَيْبَرَ فَقَالَ النَّاسُ أُصِيبَ سَلَمَةُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَفَثَ فِيهِ ثَلَاثَ نَفَثَاتٍ فَمَا اشْتَكَيْتُهَا حَتَّى السَّاعَةِ الشرح: قوله: (فقلت يا أبا مسلم) هي كنية سلمة بن الأكوع. قوله: (أصابتها يوم خيبر) أي أصابت ركبته، ويوم بالنصب على الظرفية. قوله: (فنفث فيه) أي في موضع الضربة، وقد تقدم أنه فوق النفخ ودون النفل، وقد يكون بغير ريق بخلاف التفل، وقد يكون بريق خفيف بخلاف النفخ. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ قَالَ الْتَقَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُشْرِكُونَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَاقْتَتَلُوا فَمَالَ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى عَسْكَرِهِمْ وَفِي الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا فَضَرَبَهَا بِسَيْفِهِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَجْزَأَ أَحَدٌ مَا أَجْزَأَ فُلَانٌ فَقَالَ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَقَالُوا أَيُّنَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِنْ كَانَ هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ لَأَتَّبِعَنَّهُ فَإِذَا أَسْرَعَ وَأَبْطَأَ كُنْتُ مَعَهُ حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نِصَابَ سَيْفِهِ بِالْأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَجَاءَ الرَّجُلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ وَمَا ذَاكَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الشرح: حديث سهل بن سعد تقدم شرحه. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْخُزَاعِيُّ حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ نَظَرَ أَنَسٌ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَرَأَى طَيَالِسَةً فَقَالَ كَأَنَّهُمْ السَّاعَةَ يَهُودُ خَيْبَرَ الشرح: قوله: (حدثنا محمد بن سعيد الخزاعي) هو بصري واسم جده الوليد وهو ثقة من أقران أحمد وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر تقدم في الجهاد. قوله: (حدثنا زياد بن الربيع) هو اليحمدي بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة ساكنة بصري أيضا، وثقه أحمد وغيره، ونقل ابن عدي عن البخاري أنه قال: فيه نظر، قال ابن عدي: وما أرى بروايته بأسا. قلت: وليس له في البخاري سوى هذا الحديث. قوله: (عن أبي عمران) هو عبد الملك بن حبيب الجوني بفتح الجيم وسكون الواو ثم نون نسبة إلى بني الجون بن عوف بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس، وهم بطن من الأزد، وكذا جزم به الرشاطي عن أبي عبيد أن أبا عمران من هذا البطن، وجزم الحازمي أنه من بني الجون بطن من كندة ولم يسق نسبه، وقد ساقه الرشاطي فقال: الجون واسمه معاوية بن حجر بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور. قوله: (فرأى طيالسة) أي عليهم. وفي رواية محمد بن بزيع عن زياد بن الربيع عند ابن خزيمة وأبي نعيم أن أنسا قال " ما شبهت الناس اليوم في المسجد وكثرة الطيالسة إلا بيهود خيبر " والذي يظهر أن يهود خيبر كانوا يكثرون من لبس الطيالسة، وكان غيرهم من الناس الذين شاهدهم أنس لا يكثرون منها، فلما قدم البصرة رآهم يكثرون من لبس الطيالسة فشبههم بيهود خيبر، ولا يلزم من هذا كراهية لبس الطيالسة. وقيل: المراد بالطيالسة الأكسية، وإنما أنكر ألوانها لأنها كانت صفراء. ليأخذن الراية غدا - رجل يحبه الله ورسوله، يفتح عليه " فنحن نرجوها فقيل: هذا علي فأعطاه ففتح عليه. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَخَلَّفَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَيْبَرَ وَكَانَ رَمِدًا فَقَالَ أَنَا أَتَخَلَّفُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَحِقَ بِهِ فَلَمَّا بِتْنَا اللَّيْلَةَ الَّتِي فُتِحَتْ قَالَ لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا أَوْ لَيَأْخُذَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ يُفْتَحُ عَلَيْهِ فَنَحْنُ نَرْجُوهَا فَقِيلَ هَذَا عَلِيٌّ فَأَعْطَاهُ فَفُتِحَ عَلَيْهِ الشرح: قوله: (وكان رمدا) في حديث علي عند ابن أبي شيبة " أرمد " وفي حديث جابر عند الطبراني في الصغير " أرمد شديد الرمد " وفي حديث ابن عمر عند أبي نعيم في الدلائل " أرمد لا يبصر". قوله: (فقال أنا أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلحق به) وكأنه أنكر على نفسه تأخره عن النبي صلى الله عليه وسلم: فقال ذلك، وقوله: " فلحق به " يحتمل أن يكون لحق به قبل أن يصل إلى خيبر، ويحتمل أن يكون لحق به بعد أن وصل إليها. قوله: (فلما بتنا الليلة التي فتحت) خيبر في صبيحتها (قال لأعطين الراية غدا) وقع في هذه الرواية اختصار، وهو عند أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم من حديث بريدة بن الخصيب قال: " لما كان يوم خيبر أخذ أبو بكر اللواء فرجع ولم يفتح له، فلما كان الغد أخذه عمر فرجع ولم يفتح له، وقتل محمود بن مسلمة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأدفعن لوائي غدا إلى رجل " الحديث، وعند ابن إسحاق نحوه من وجه آخر، وفي الباب عن أكثر من عشرة من الصحابة سردهم الحاكم في " الإكليل " وأبو نعيم والبيهقي في " الدلائل". قوله: (لأعطين الراية غدا أو ليأخذن الراية غدا) هو شك من الراوي، وفي حديث سهل الذي بعده " لأعطين هذه الراية غدا رجلا " بغير شك، وفي حديث بريدة " إني دافع اللواء غدا إلى رجل يحبه الله ورسوله " والراية بمعني اللواء وهو العلم الذي في الحرب يعرف به موضع صاحب الجيش، وقد يحمله أمير الجيش، وقد يدفعه لمقدم العسكر، وقد صرح جماعة من أهل اللغة بترادفهما، لكن روى أحمد والترمذي من حديث ابن عباس " كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض " ومثله عند الطبراني عن بريدة، وعند ابن عدي عن أبي هريرة وزاد " مكتوبا فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله " وهو ظاهر في التغاير، فلعل التفرقة بينهما عرفية، وقد ذكر ابن إسحاق وكذا أبو الأسود عن عروة أن أول ما وجدت الرايات يوم خيبر، وما كانوا يعرفون قبل ذلك إلا الألوية". قوله: (يحبه الله ورسوله) زاد في حديث سهل بن سعد " ويحب الله ورسوله " وفي رواية ابن إسحاق " ليس بفرار " وفي حديث بريدة " لا يرجع حتى يفتح الله له". قوله: (فنحن نرجوها) في حديث سهل " فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها " وقوله: " يدوكون " بمهملة مضمومة أي باتوا في اختلاط واختلاف، والدوكة بالكاف الاختلاط، وعند مسلم من حديث أبي هريرة " إن عمر قال: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ " وفي حديث بريدة " فما منا رجل له منزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو يرجو أن يكون ذلك الرجل، حتى تطاولت أنا لها، فدعا عليا وهو يشتكي عينه فمسحها، ثم دفع إليه اللواء " ولمسلم من طريق إياس بن سلمة عن أبيه قال: " فأرسلني إلى علي قال: فجئت به أقوده أرمد فبزق في عينه فبرأ". قوله: (فقيل هذا علي) كذا وقع مختصرا، وبيانه في رواية إياس بن سلمة عند مسلم، وفي حديث سهل بن سعد الذي بعده " فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالب؟ قالوا: يشتكي عينيه، قال: فأرسلوا إليه، فأتوا به " وقد ظهر من حديث سلمة بن الأكوع أنه هو الذي أحضره، ولعل عليا حضر إليهم بخيبر ولم يقدر على مباشرة القتال لرمده، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فحضر من المكان الذي نزل به، أو بعث إليه إلى المدينة فصادف حضوره. قوله: (فأعطاه ففتح عليه) في حديث سهل " فأعطاه الراية " وفي حديث أبي سعيد عند أحمد " فانطلق حتى فتح الله عليه خيبر وفدك وجاء بعجوتهما " وقد اختلف في فتح خيبر هل كان عنوة أو صلحا، وفي حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس التصريح بأنه كان عنوة وبه جزم ابن عبد البر، ورد على من قال فتحت صلحا قال. وإنما دخلت الشبهة على من قال فتحت صلحا بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما لحقن دمائهم، وهو ضرب من الصلح لكن لم يقع ذلك إلا بحصار وقتال انتهى. والذي يظهر أن الشبهة في ذلك قول ابن عمر " إن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر فغلب على النخل وألجأهم إلى القصر فصالحوه على أن يجلوا منها وله الصفراء والبيضاء والحلقة ولهم ما حملت ركابهم على أن لا يكتموا ولا يغيبوا " الحديث وفي آخره " فسبى نساءهم وذراريهم، وقسم أموالهم للنكث الذي نكثوا، وأراد أن يجليهم فقالوا: دعنا في هذه الأرض نصلحها " الحديث أخرجه أبو داود والبيهقي وغيرهما، وكذلك أخرجه أبو الأسود في المغازي عن عروة، فعلى هذا كان قد وقع الصلح، ثم حدث النقض منهم فزال أثر الصلح، ثم من عليهم بترك القتل وإبقائهم عمالا بالأرض ليس لهم فيها ملك، ولذلك أجلاهم عمر كما تقدم في المزارعة، فلو كانوا صولحوا على أرضهم لم يجلوا منها والله أعلم. وقد تقدم في فرض الخمس احتجاج الطحاوي على أن بعضها فتح صلحا بما أخرجه هو وأبو داود من طريق بشير بن يسار " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قسم خيبر عزله نصفها لنوائبه وقسم نصفها بين المسلمين " وهو حديث اختلف في وصله وإرساله، وهو ظاهر في أن بعضها فتح صلحا، والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَالَ فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا فَقَالَ أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقِيلَ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ قَالَ فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ فَأُتِيَ بِهِ فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ فَقَالَ عَلِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا فَقَالَ انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ الشرح: قوله: (فبرأ) بفتح الراء والهمزة بوزن ضرب، ويجوز كسر الراء بوزن علم، وعند الحاكم من حديث علي نفسه قال: " فوضع رأسي في حجره ثم بزق في ألية راحته فدلك بها عيني " وعند بريدة في " الدلائل " للبيهقي " فما وجعها علي حتى مضى لسبيله " أي مات. وعند الطبراني من حديث علي " فما رمدت ولا صدعت مذ دفع النبي صلى الله عليه وسلم إلي الراية يوم خيبر " وله من وجه آخر " فما اشتكيتها حتى الساعة. قال: ودعا لي فقال: اللهم أذهب عنه الحر والقر، قال فما اشتكيتهما حتى يومي هذا". قوله: في حديث سهل (فقال علي يا رسول الله أقاتلهم) هو بحذف همزة الاستفهام. قوله: (حتى يكونوا مثلنا) أي حتى يسلموا. قوله: (فقال انفذ) بصم الفاء بعدها معجمة. قوله: (على رسلك) بكسر الراء أي على هينتك. قوله: (ثم ادعهم إلى الإسلام) ووقع في حديث أبي هريرة عند مسلم " فقال علي " يا رسول الله علام أقاتل الناس؟ قال: قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله " واستدل بقوله: " ادعهم " أن الدعوة شرط في جواز القتال. والخلاف في ذلك مشهور فقيل: يشترط مطلقا، وهو عن مالك سواء من بلغتهم الدعوة أو لما تبلغهم، قال: إلا أن يعجلوا المسلمين، وقيل: لا مطلقا وعن الشافعي مثله. وعنه لا يقاتل من لم تبلغه حتى يدعوهم، وأما من بلغته فتجوز الإغارة عليهم بغير دعاء، وهو مقتضى الأحاديث. ويحمل ما في حديث سهل على الاستحباب، بدليل أن في حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم أغار على أهل خيبر لما لم يسمع النداء. وكان ذلك أول ما طرقهم، وكانت قصة علي يعد ذلك. وعن الحنفية تجوز الإغارة عليهم مطلقا وتستحب الدعوة. قوله: (فوالله لأن يهدي الله بك رجلا إلخ) يؤخذ منه أن تألف الكافر حتى يسلم أولى من المبادرة إلى قتله. قوله: (حمر النعم) بسكون الميم من حمر وبفتح النون والعين المهملة وهو من ألوان الإبل المحمودة، قيل: المراد خير لك من أن تكون لك فتتصدق بها، وقيل: تقتنيها وتملكها، وكانت مما تتفاخر العرب بها. وذكر ابن إسحاق من حديث أبي رافع قال: " خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته فضربه رجل من يهود فطرح ترسه، فتناول علي بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه حتى فتح الله عليه، فلقد رأيتني أنا في سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه". وللحاكم من حديث جابر " أن عليا حمل الباب يوم خيبر، وأنه جرب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا " والجمع بينهما أن السبعة عالجوا قلبه، والأربعين عالجوا حمله، والفرق بين الأمرين ظاهر، ولو لم يكن إلا باختلاف حال الأبطال. وزاد مسلم في حديث إياس بن سلمة عن أبيه " وخرج مرحب فقال: قد علمت خيبر أني مرحب، الأبيات. فقال علي: أنا الذي سمتني أمي حيدرة، الأبيات. فضرب رأس مرحب فقتله، فكان الفتح على يديه " وكذا في حديث بريدة الذي أشرت إليه قبل وخالف ذلك أهل السير فجزم ابن إسحاق وموسى بن عقبة والواقدي بأن الذي قتل مرحبا هو محمد بن مسلمة، وكذا روى أحمد بإسناد حسن عن جابر، وقيل إن محمد بن مسلمة كان بارزه فقطع رجليه فأجهز عليه علي، وقيل: أن الذي قتله هو الحارث أخو مرحب فاشتبه على بعض الرواة، فإن لم يكن كذلك وإلا فما في الصحيح مقدم على ما سواه، ولاسيما وقد جاء من حديث بريدة أيضا، وكان اسم الحصن الذي فتحه على القموص وهو من أعظم حصونهم، ومنه سبيت صفية بنت حيي، والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ح و حَدَّثَنِي أَحْمَدُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَدِمْنَا خَيْبَرَ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحِصْنَ ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا وَكَانَتْ عَرُوسًا فَاصْطَفَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الصَّهْبَاءِ حَلَّتْ فَبَنَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ ثُمَّ قَالَ لِي آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَتَهُ عَلَى صَفِيَّةَ ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ وَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ الشرح: قوله: (حدثنا عبد الغفار بن داود) هو أبو صالح الحراني، أخرج عنه هنا وفي البيوع خاصة هذا الحديث الواحد، وشيخه يعقوب هو ابن عبد الرحمن الإسكندراني. قوله: (وحدثني أحمد) في رواية كريمة أحمد بن عيسى. وفي رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري أحمد بن صالح وبه جزم أبو نعيم في " المستخرج " والذي يظهر أن البخاري ساقه على لفظ رواية ابن وهب، وأما على رواية ابن عبد الغفار فساقها في البيوع قبيل السلم على لفظه. قوله: (عن عمرو) في رواية عبد الغفار عن عمرو بن أبي عمرو واسم أبي عمرو ميسرة. قوله: (مولى المطلب) هو ابن عبد الله بن حنطب المخزومي. قوله: (فلما فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي وقد قتل عنها زوجها وكانت عروسا) اسم الحصن القموص كما تقدم قريبا، واسم زوجها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق كما تقدم في النفقات، وكان سبب قتله ما أخرجه البيهقي بإسناد رجاله ثقات من حديث ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك من ترك من أهل خيبر على أن لا يكتموه شيئا من أموالهم فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد، قال فغيبوا مسكا فيه مال وحلي لحيي بن أخطب كان احتمله منه إلى خيبر، فسألهم عنه فقالوا. أذهبته النفقات، فقال. العهد قريب، والمال أكثر من ذلك. قال: فوجد بعد ذلك في خربة، فقتل النبي صلى الله عليه وسلم ابني أبي الحقيق وأحدهما زوج صفية " وقد تقدمت الإشارة إلى بعض هذا الحديث في الحديث الذي قبله. قوله: (فاصطفاها لنفسه) روى أبو داود وأحمد وصححه وابن حبان والحاكم من طريق أبي أحمد الزبيدي عن سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قال: " كانت صفية من الصفي " والصفي بفتح المهملة وكسر الفاء وتشديد التحتانية، فسره محمد بن سيرين فيما أخرجه أبو داود بإسناد صحيح عنه قال: " كان يضرب للنبي صلى الله عليه وسلم بسهم مع المسلمين، والصفي يؤخذ له رأس من الخمس قبل كل شيء " ومن طريق الشعبي قال: " كان للنبي صلى الله عليه وسلم سهم يدعى الصفي إن شاء عبدا وإن شاء أمة وإن شاء فرسا يختاره من الخمس " ومن طريق قتادة " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غزا كان له سهم صاف يأخذه من حيث شاء، وكانت صفية من ذلك السهم " وقيل: إن صفية كان اسمها قبل أن تسبي زينب، فلما صارت من الصفي سميت صفية. قوله: (فخرج بها حتى بلغنا سد الصهباء) أما سد فبفتح المهملة وبضمها، وأما الصهباء فتقدم بيانها في كتاب الطهارة، ووقع في رواية عبد الغفار هنا " سد الروحاء " والأول أصوب، وهي رواية قتيبة كما تقدم في الجهاد، ورواية سعيد بن منصور عن يعقوب في هذا الحديث أخرجها أبو داود وغيره. والروحاء بالمهملة مكان قريب من المدينة بينهما نيف وثلاثون ميلا من جهة مكة، وقد تقدم ذلك في حديث ابن عمر في أواخر المساجد، وقيل: بقرب المدينة مكان آخر يقال له الروحاء، وعلى التقديرين فليست قرب خيبر، فالصواب ما اتفق عليه الجماعة أنها الصهباء، وهي على بريد من خيبر قاله ابن سعد وغيره. قوله: (حلت) أي طهرت من الحيض، وقد تقدم بيان ذلك في أواخر كتاب البيوع قبيل كتاب السلم وعند ابن سعد من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس وصله عند مسلم في قصة صفية " قال أنس ودفعها إلى أمي أم سليم حتى تهيئها وتصبنها وتعتد عندها " وإطلاق العدة عليها مجاز عن الاستبراء، والله أعلم. قوله: (فبنى بها) يأتي بيان ذلك وشرح بقية الحديث فيما يتعلق بتزويج صفية في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى. قوله: (يحوي لها) بالمهملة المفتوحة وضم أوله وتشديد الواو، أي يجعل لها حوية، وهي كساء محشوة تدار حول الراكب. قوله: (ويضع ركبته فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب) وزاد عن قتيبة عن يعقوب في الجهاد في آخر هذا الحديث ذكر أحد وذكر الدعاء للمدينة، وفي أوله أيضا التعوذ، وقد بينت هناك أماكن شرح هذه الأحاديث. ووقع في مغازي أبي الأسود عن عروة " فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم لها فخذه لتركب، فأجلت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تضع رجلها على فخذه، فوضعت ركبتها على فخذه وركبت". الحديث: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ يَحْيَى عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ عَلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ بِطَرِيقِ خَيْبَرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى أَعْرَسَ بِهَا وَكَانَتْ فِيمَنْ ضُرِبَ عَلَيْهَا الْحِجَابُ الشرح: قوله: (حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أونس، وأخوه أبو بكر عبد الحميد، وسليمان هو بن بلال، ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري وروايته عن حميد من رواية الأقران. قوله: (أقام على صفية بنت حتى بطريق خيبر ثلاثة أيام حتى أعرس بها) المراد أنه أقام في المنزلة التي أعرس بها فيها ثلاثة أيام، لا أنه سار ثلاثة أيام ثم أعرس لأن في حديث سويد بن النعمان المذكور في أول غزوة خيبر أن الصهباء قريبة من خيبر، وبين ابن سعد في حديث ذكره في ترجمتها أن الموضع الذي بنى بها فيه بينه وبين خيبر ستة أميال، وقد ذكر في الطريق التي قبل هذه أنه صلى الله عليه وسلم أعرس بصفية بسد الصهباء، وهو يبين المراد من قوله: " بطريق خيبر " وكذا قوله في الطريق الثالثة " أقام بين خيبر والمدينة ثلاث ليال " ولا مغايرة بينه وبين قوله في التي قبلها ثلاثة أيام لأنه يبين أنها ثلاثة أيام بلياليها. الحديث: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلَا لَحْمٍ وَمَا كَانَ فِيهَا إِلَّا أَنْ أَمَرَ بِلَالًا بِالْأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ فَأَلْقَى عَلَيْهَا التَّمْرَ وَالْأَقِطَ وَالسَّمْنَ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ قَالُوا إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّأَ لَهَا خَلْفَهُ وَمَدَّ الْحِجَابَ الشرح: قوله: (قام النبي صلى الله عليه وسلم) كذا لأبي ذر عن السرخسي، وللباقين " أقام " وهو أوجه. قوله: (قالوا إن حجبها إلخ) سيأتي شرحه واضحا في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ح و حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَهْبٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مُحَاصِرِي خَيْبَرَ فَرَمَى إِنْسَانٌ بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ فَنَزَوْتُ لِآخُذَهُ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَحْيَيْتُ الشرح: حديث عبد الله بن مغفل بالغين المعجمة والفاء الثقيلة المزني. قوله: (حدثنا وهب) هو ابن جرير بن حازم، وساق الحديث هناك، وتقدم في الخمس لفظ أبي الوليد المبدوء بذكره هنا. قوله: (فرمى إنسان بجراب) لم أقف على اسمه. وقد تقدم أن الجراب بكسر الجيم ويجوز فتحها في لغة نادرة، وتقدمت بقية مباحثه في " باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب " من كتاب الخمس. الحديث: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ وَسَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ أَكْلِ الثُّومِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ نَهَى عَنْ أَكْلِ الثُّومِ هُوَ عَنْ نَافِعٍ وَحْدَهُ وَلُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ عَنْ سَالِمٍ الشرح: حديث ابن عمر، ذكر من ثلاثة طرق إلى عبيد الله بن عمر العمري عن نافع وسالم عنه، فأما الطريق الثالثة وهي طريق محمد بن عبيد عن عبد الله فتبين من الرواية الأولى وهي رواية أبي أسامة عن عبيد الله أن فيها إدراجا لأنه صرح في رواية أبي أسامة أن ذكر الثوم عن نافع وحده، وذكر الحمر عن سالم، واقتصر في الرواية الثانية وهي رواية عبد الله وهو ابن المبارك عن عبيد الله على ما ذكر نافع وحده مقتصرا في المتن على ذكر الحمر، فدل على أن ذكر الحمر والثوم معا عند نافع، وأن الذي عند سالم إنما هو ذكر الحمر خاصة دون ذكر الثوم، فأدرجهما محمد بن عبيد الله في روايته عن عبيد الله عنهما، هذا مقتضى ما في هذا الموضع وسيكون لنا عودة إليه في الذبائح، ونذكر هناك شرح الحديث إن شاء الله تعالى. ويستفاد من الجمع بين النهي عن أكل الثوم ولحوم الحمر جواز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، لأن أكل الحمر حرام وأكل الثوم مكروه، وقد جمع بينهما بلفظ النهي. فاستعمله في حقيقته وهو التحريم، وفي مجازه هو الكراهة. الحديث: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ الشرح: قوله: (ابني محمد) أي ابن علي بن أبي طالب. قوله: (عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الأنسية) في رواية أبي ذر عن السرخسي والمستملي " حمر الأنسية " بغير ألف ولام في الحمر، قيل إن في الحديث تقديما وتأخيرا والصواب: نهى يوم خيبر على لحوم الحمر الأنسية وعن متعة النساء، وليس يوم خيبر ظرفا لمتعة النساء لأنه لم يقع في غزوة خيبر تمتع بالنساء، وسيأتي بسط ذلك في مكانه من كتاب النكاح إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ الشرح: حديث ابن عمر، ذكر من ثلاثة طرق إلى عبيد الله بن عمر العمري عن نافع وسالم عنه، فأما الطريق الثالثة وهي طريق محمد بن عبيد عن عبد الله فتبين من الرواية الأولى وهي رواية أبي أسامة عن عبيد الله أن فيها إدراجا لأنه صرح في رواية أبي أسامة أن ذكر الثوم عن نافع وحده، وذكر الحمر عن سالم، واقتصر في الرواية الثانية وهي رواية عبد الله وهو ابن المبارك عن عبيد الله على ما ذكر نافع وحده مقتصرا في المتن على ذكر الحمر، فدل على أن ذكر الحمر والثوم معا عند نافع، وأن الذي عند سالم إنما هو ذكر الحمر خاصة دون ذكر الثوم، فأدرجهما محمد بن عبيد الله في روايته عن عبيد الله عنهما، هذا مقتضى ما في هذا الموضع وسيكون لنا عودة إليه في الذبائح، ونذكر هناك شرح الحديث إن شاء الله تعالى. ويستفاد من الجمع بين النهي عن أكل الثوم ولحوم الحمر جواز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، لأن أكل الحمر حرام وأكل الثوم مكروه، وقد جمع بينهما بلفظ النهي. فاستعمله في حقيقته وهو التحريم، وفي مجازه هو الكراهة. الحديث: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ وَسَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ الشرح: حديث ابن عمر، ذكر من ثلاثة طرق إلى عبيد الله بن عمر العمري عن نافع وسالم عنه، فأما الطريق الثالثة وهي طريق محمد بن عبيد عن عبد الله فتبين من الرواية الأولى وهي رواية أبي أسامة عن عبيد الله أن فيها إدراجا لأنه صرح في رواية أبي أسامة أن ذكر الثوم عن نافع وحده، وذكر الحمر عن سالم، واقتصر في الرواية الثانية وهي رواية عبد الله وهو ابن المبارك عن عبيد الله على ما ذكر نافع وحده مقتصرا في المتن على ذكر الحمر، فدل على أن ذكر الحمر والثوم معا عند نافع، وأن الذي عند سالم إنما هو ذكر الحمر خاصة دون ذكر الثوم، فأدرجهما محمد بن عبيد الله في روايته عن عبيد الله عنهما، هذا مقتضى ما في هذا الموضع وسيكون لنا عودة إليه في الذبائح، ونذكر هناك شرح الحديث إن شاء الله تعالى. ويستفاد من الجمع بين النهي عن أكل الثوم ولحوم الحمر جواز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، لأن أكل الحمر حرام وأكل الثوم مكروه، وقد جمع بينهما بلفظ النهي. فاستعمله في حقيقته وهو التحريم، وفي مجازه هو الكراهة. الحديث: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَرَخَّصَ فِي الْخَيْلِ الشرح: قوله: (عن عمرو) هو ابن دينار ومحمد بن علي هو أبو جعفر الباقر بن زين العابدين بن الحسين بن علي. قوله: (عن لحوم الحمر) زاد الكشميهني " الأهلية " وسيأتي شرحه في الذبائح إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا عَبَّادٌ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ يَوْمَ خَيْبَرَ فَإِنَّ الْقُدُورَ لَتَغْلِي قَالَ وَبَعْضُهَا نَضِجَتْ فَجَاءَ مُنَادِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا وَأَهْرِقُوهَا قَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى فَتَحَدَّثْنَا أَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى عَنْهَا لِأَنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ نَهَى عَنْهَا الْبَتَّةَ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ الشرح: قوله: (حدثنا عباد) هو ابن العوام والشيباني سليمان بن فيروز. قوله: (أصابتنا مجاعة يوم خيبر، فإن القدور لتغلي) كذا وقع مختصرا وتمامه قد تقدم في فرض الخمس من وجه آخر عن الشيباني بلفظ " فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها، فلما غلت القدور " الحديث، وقد ذكر الواقدي أن عدة الحمر التي ذبحوها كانت عشرين أو ثلاثين. كذا رواه بالشك. قوله: (وقال بعضهم: نهى عنها البتة لأنها كانت تأكل العذرة) تقدم في فرض الخمس أن بعض الصحابة قال: " نهى عنها البتة " وإن الشيباني قال: " لقيت سعيد بن جبير فقال: نهى عنها البتة " وزاد الإسماعيلي من رواية جرير عن الشيباني قال: " فلقيت سعيد بن جبير فسألته عن ذلك، وذكرت له ذلك فقال: نهى عنها البتة، لأنها كانت تأكل العذرة " وسيأتي شرح ذلك في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى. (تنبيه) : قوله: " البتة " معناه القطع، وألفها ألف وصل، وجزم الكرماني بأنها ألف قطع على غير القياس، ولم أر ما قاله في كلام أحد من أهل اللغة، قال الجوهري الانبتات الانقطاع، ورجل منبت أي منقطع به، ويقال لا أفعله بتة ولا أفعله البتة لكل أمر لا رجعة فيه، ونصبه على المصدر انتهى. ورأيته في النسخ المعتمدة بألف وصل والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ الْبَرَاءِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصَابُوا حُمُرًا فَطَبَخُوهَا فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْفِئُوا الْقُدُورَ الشرح: حديث البراء وهو ابن عازب مقرونا بابن أبي أوفى، أخرجه من ثلاثة طرق: عن شعبة عاليتين ونازلة، والنكتة في إيراد النازلة بعد العالية أن في النازلة التصريح بسماع التابعي له من الصحابيين دون العالية فإنها بالعنعنة. قوله: (في الأولى واطبخوها) بتشديد الطاء المهملة أي عالجوا طبخها. قوله فيها (فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم) هو أبو طلحة كما تقدم. الحديث: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ وَابْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يُحَدِّثَانِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَقَدْ نَصَبُوا الْقُدُورَ أَكْفِئُوا الْقُدُورَ حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ الشرح: قوله: (حدثني إسحاق) هو ابن منصور، وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث، وقد أخرجه أبو نعيم في " المستخرج " من طريق: إسحاق بن راهويه فقال: " عن النضر - وهو ابن شميل - عن شعبة " فدل على أنه ليس شيخ البخاري فيه، وقد حققت في المقدمة أن إسحاق حيث أتى عن عبد الصمد فهو ابن منصور لا ابن راهويه. قوله فيها (أنه قال يوم خيبر وقد نصبوا القدور: أكفئوا القدور) أي أميلوها ليراق ما فيها. قوله في الثالثة (حدثنا مسلم) هو ابن إبراهيم، واقتصر في روايته على البراء، وقد بين الإسماعيلي الاختلاف فيه على شعبة وأن أكثر الرواة عنه جمعوا بينهما، ومنهم من أفرد أحدهما بالذكر، وإن الجري رواه عن شعبة فقال عن عدي عن ابن أوفى أو البراء بالشك. قوله: (نحوه) قد أخرجه أبو نعيم في " المستخرج " من طريق محمد بن يحيى الذهلي عن مسلم بن إبراهيم بلفظ " غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر فأصبنا حمرا فطبخناها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أكفئوا القدور " ثم ساقه المصنف من وجه آخر عن البراء. الحديث: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ عَنْ عَامِرٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ أَنْ نُلْقِيَ الْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةَ نِيئَةً وَنَضِيجَةً ثُمَّ لَمْ يَأْمُرْنَا بِأَكْلِهِ بَعْدُ الشرح: قوله: (ابن أبي زائدة) هو يحيى بن زكريا، وعاصم هو الأحول، وعامر هو الشعبي. قوله: (نيئة ونضيجة) بالتنوين فيهما، ووقع في رواية بهاء الضمير فيها والنيء بكسر النون بعدها تحتانية ساكنة ثم همزة ضد النضيج. قوله: (ثم لم يأمرنا بأكله بعد) فيه إشارة إلى استمرار تحريمه، وسيأتي بسط ذلك في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الحُسَيْنِ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَا أَدْرِي أَنَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَ حَمُولَةَ النَّاسِ فَكَرِهَ أَنْ تَذْهَبَ حَمُولَتُهُمْ أَوْ حَرَّمَهُ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ لَحْمَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ الشرح: قوله: (حدثني محمد بن أبي الحسين) كذا للجميع، وهو أبو جعفر محمد بن أبي الحسين جعفر السمناني بكسر المهملة وسكون الميم ونونين بيتهما ألف، كان حافظا، وهو من أقران البخاري، وعاش بعده خمس سنين، وقد ذكر الكلاباذي ومن تبعه أن البخاري ما روى عنه غير هذا الحديث، لكن مقدم في العيدين حديث آخر قال البخاري فيه " حدثتا محمد حدثنا عمر بن حفص بن غياث " فالذي يظهر أنه هذا، وقد روى البخاري الكثير عن عمر بن حفص بن غياث وأخرج عنه هنا بواسطة. الحديث: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا قَالَ فَسَّرَهُ نَافِعٌ فَقَالَ إِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ فَرَسٌ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَسٌ فَلَهُ سَهْمٌ الشرح: حديث ابن عمر في سهام الراجل والفارس، تقدم شرحه في الجهاد. والقائل " قال فسره نافع " هو عبيد الله بن عمر العمري الراوي عنه، وهو موصول بالإسناد المذكور إليه. وزائدة هو ابن قدامة، ومحمد بن سابق من شيوخ البخاري وربما حدث عنه بواسطة كما هنا، وشيخ البخاري الحسن بن إسحاق يقدم قريبا في عمرة الحديبية. الحديث: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ قَالَ مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ مِنْ خُمْسِ خَيْبَرَ وَتَرَكْتَنَا وَنَحْنُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْكَ فَقَالَ إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ قَالَ جُبَيْرٌ وَلَمْ يَقْسِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا الشرح: حديث جبير بن مطعم، تقدم شرحه في فرض الخمس، وقوله: " إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد " كذا للأكثر بفتح الشين المعجمة وبالهمزة، وللمستملي هنا وحده بكسر المهملة وتشديد التحتانية. وقوله: " قال جبير: ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس وبني نوفل شيئا " هو موصول بالإسناد المذكور. الحديث: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ أَنَا وَأَخَوَانِ لِي أَنَا أَصْغَرُهُمْ أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ وَالْآخَرُ أَبُو رُهْمٍ إِمَّا قَالَ بِضْعٌ وَإِمَّا قَالَ فِي ثَلَاثَةٍ وَخَمْسِينَ أَوْ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي فَرَكِبْنَا سَفِينَةً فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ وَكَانَ أُنَاسٌ مِنْ النَّاسِ يَقُولُونَ لَنَا يَعْنِي لِأَهْلِ السَّفِينَةِ سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ وَدَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ وَهِيَ مِمَّنْ قَدِمَ مَعَنَا عَلَى حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَائِرَةً وَقَدْ كَانَتْ هَاجَرَتْ إِلَى النَّجَاشِيِّ فِيمَنْ هَاجَرَ فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى حَفْصَةَ وَأَسْمَاءُ عِنْدَهَا فَقَالَ عُمَرُ حِينَ رَأَى أَسْمَاءَ مَنْ هَذِهِ قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ قَالَ عُمَرُ الْحَبَشِيَّةُ هَذِهِ الْبَحْرِيَّةُ هَذِهِ قَالَتْ أَسْمَاءُ نَعَمْ قَالَ سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكُمْ فَغَضِبَتْ وَقَالَتْ كَلَّا وَاللَّهِ كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ وَكُنَّا فِي دَارِ أَوْ فِي أَرْضِ الْبُعَدَاءِ الْبُغَضَاءِ بِالْحَبَشَةِ وَذَلِكَ فِي اللَّهِ وَفِي رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَايْمُ اللَّهِ لَا أَطْعَمُ طَعَامًا وَلَا أَشْرَبُ شَرَابًا حَتَّى أَذْكُرَ مَا قُلْتَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ كُنَّا نُؤْذَى وَنُخَافُ وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْأَلُهُ وَاللَّهِ لَا أَكْذِبُ وَلَا أَزِيغُ وَلَا أَزِيدُ عَلَيْهِ فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ عُمَرَ قَالَ كَذَا وَكَذَا قَالَ فَمَا قُلْتِ لَهُ قَالَتْ قُلْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا قَالَ لَيْسَ بِأَحَقَّ بِي مِنْكُمْ وَلَهُ وَلِأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَكُمْ أَنْتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ قَالَتْ فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ يَأْتُونِي أَرْسَالًا يَسْأَلُونِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ مَا مِنْ الدُّنْيَا شَيْءٌ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ وَلَا أَعْظَمُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِمَّا قَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو بُرْدَةَ قَالَتْ أَسْمَاءُ فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَإِنَّهُ لَيَسْتَعِيدُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنِّي الشرح: قوله: (بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه) ظاهره أنهم لم يبلغهم شأن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد الهجرة بمدة طويلة، وهذا إن كان أراد بالمخرج البعثة، وإن أراد الهجرة فيحتمل أن تكون بلغتهم الدعوة فأسلموا وأقاموا ببلادهم إلى أن عرفوا بالهجرة فعزموا عليها، وإنما تأخروا هذه المدة إما لعدم بلوغ الخبر إليهم بذلك، وإما لعلمهم بما كان المسلمون فيه من المحاربة مع الكفار، فلما بلغتهم المهادنة آمنوا وطلبوا الوصول إليه. وقد روى ابن منده من وجه آخر عن أبي بردة عن أبيه " خرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جئنا مكة أنا وأخوك وأبو عامر بن قيس وأبو رهم ومحمد بن قيس وأبو بردة وخمسون من الأشعريين وستة من عك، ثم خرجنا في البحر حتى أتينا المدينة " وصححه ابن حبان من هذا الوجه، ويجمع بينه وبين ما في الصحيح أنهم مروا بمكة في حال مجيئهم إلى المدينة، ويجوز أن يكونوا دخلوا مكة لأن ذلك كان في الهدنة. قوله: (أنا وأخوان لي أنا أصغرهم أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم) أما أبو بردة فاسمه عامر، وله حديث عند أحمد والحاكم من طريق كريب بن الحارث بن أبي موسى وهو ابن أخيه عنه، وأما أبو رهم فهو بضم الراء وسكون الهاء واسمه مجدي بفتح الميم وسكون الجيم وكسر المهملة وتشديد التحتانية قاله ابن عبد البر، وجزم ابن حبان في " الصحابة " بأن اسمه محمد، ويعكر عليه ما تقدم قبل من المغايرة بين أبي رهم ومحمد بن قيس وذكر ابن قانع أن جماعة من الأشعريين أخبروه وحققوا له وكتبوا خطوطهم أن اسم أبي رهم مجيلة بكسر الجيم بعدها تحتانية خفيفة ثم لام ثم هاء. قوله: (إما قال بضع وإما قال ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي) في رواية المستملي " من قومه " وقد بين في الرواية التي قبل أنهم كانوا خمسين من الأشعريين وهم قومه، فلعل الزائد على ذلك هو وإخوته، فمن قال اثنين أراد من ذكرهما في حديث الباب وهما أبو بردة وأبو رهم، ومن قال ثلاثة أو أكثر فعلى الخلاف في عدد من كان معه من إخوته. وأخرج البلاذري بسند له عن ابن عباس أنهم كانوا أربعين رجلا، والجمع بينه وبين ما قبله بالحمل على الأصول والاتباع، وأما ابن إسحاق فقال: كانوا ستة عشر رجلا وقيل أقل. قوله: (فوافقنا جعفر بن أبي طالب) أي بأرض الحبشة. قوله: (فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا) اختصر المصنف هنا شيئا ذكره في الخمس بهذا الإسناد وهو " فقال جعفر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا هنا وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا. فأقمنا معه". قوله: (حتى قدمنا جميعا) ذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن أمية إلى النجاشي أن يجهز إليه جعفر بن أبي طالب ومن معه فجهزهم وأكرمهم وقدم بهم عمرو بن أمية وهو بخيبر، وسمى ابن إسحاق من قدم مع جعفر فسرد أسماءهم وهم ستة عشر رجلا، فمنهم امرأته أسماء بنت عميس وخالد بن سعيد بن العاص وامرأته وأخوه عمرو بن سعيد ومعيقيب بن أبي فاطمة. قوله: (فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم) زاد في فرض الخمس " فأسهم لنا ولم يسهم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهدها معه، إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه فإنه قسم لهم معهم " وقد أخرجه الإسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي كريب شيخ البخاري فيه في هذا الموضع من هذا الحديث. ووقع عند البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يقسم لهم كلم المسلمين فأشركوهم. قوله: (وكان أناس) سمى منهم عمر كما سيأتي. قوله: (دخلت أسماء بنت عميس) هي زوج جعفر، وقوله: " وهي ممن قدم معنا " هو كلام أبي موسى. قوله: (على حفصة) زاد أبو يعلى " زوج النبي صلى الله عليه وسلم". قوله: (قال عمر آلحبشية هذه؟ البحيرية هذه؟) كذا لأبي ذر بالتصغير، ولغيره " البحرية " بغير تصغير. وكذا في رواية أبي يعلى. ووقع في الموضعين بهمزة الاستفهام، ونسبها إلى الحبشة لسكناها فيهم، وإلى البحر لركوبها إياه. قوله: (وكنا في دار أو في أرض البعداء) هو شك من الراوي. قوله: (البعداء البغضاء) كذا للأكثر جمع بغيض وبعيد. وفي رواية أبي يعلى بالشك البعداء أو البغضاء، وللنسفي البعد بضمتين، وللقابسي البعد البعداء البغضاء جمع بينهما فلعله فسر الأولى بالثانية، وعند ابن سعيد من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي " فقالت: أي لعمري لقد صدقت، كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ويعلم جاهلكم، وكنا البعداء والطرداء". قوله: (وذلك في الله وفي رسوله) أي لأجلهما. قوله: (وايم الله) بهمزة وصل، وفيها لغات تقدم ذكرها. قوله: (ولكم أنتم أهل السفينة) بنصب أهل على الاختصاص أو على النداء بحذف أداته، ويجوز الجر على البدل من الضمير. قوله: (هجرتان) زاد أبو يعلى " هاجرتم مرتين، هاجرتم إلى النجاشي وهاجرتم إلي " ولابن سعد بإسناد صحيح عن الشعبي قال: " قالت أسماء بنت عميس: يا رسول الله إن رجالا يفخرون علينا ويزعمون أنا لسنا من المهاجرين الأولين، فقال: بل لكم هجرتان، هاجرتم إلى أرض الحبشة، ثم هاجرتم بعد ذلك " ومن وجه آخر عن الشعبي نحوه وقال فيه: " كذب من يقول ذلك " ومن وجه آخر عنه قال يقول " للناس هجرة واحدة " وظاهره تفضيلهم على غيرهم من المهاجرين، لكن لا يلزم منه تفضيلهم على الإطلاق، بل من الحيثية المذكورة. وهذا القدر المرفوع من الحديث ظاهر هذا السياق أنه من رواية أسماء بنت عميس، وقد تقدم في الهجرة بهذا الإسناد من رواية أبي موسى لا ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فيه، وكذلك أخرجه ابن حبان، ومن وجه آخر عن أبي بردة عن أبي موسى. قوله: (قالت) يعني أسماء بنت عميس، وهذا يحتمل أن يكون من رواية أبي موسى عنها فيكون من رواية صحابي عن مثله، ويحتمل أن يكون من رواية أبي بردة عنها ويؤيده قوله بعد هذا " قال أبو بردة قالت أسماء". قوله: (يأتونني) في رواية الكشميهني " يأتون " وقوله: " أرسالا " بفتح الهمزة أي أفواجا، أي يجيئون إليها ناسا بعد ناس. وفي رواية أبي يعلى " ولقد رأيت أبا موسى إنه ليستعيد مني هذا الحديث. الحديث: قَالَ أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَأَعْرِفُ أَصْوَاتَ رُفْقَةِ الْأَشْعَرِيِّينَ بِالْقُرْآنِ حِينَ يَدْخُلُونَ بِاللَّيْلِ وَأَعْرِفُ مَنَازِلَهُمْ مِنْ أَصْوَاتِهِمْ بِالْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ وَإِنْ كُنْتُ لَمْ أَرَ مَنَازِلَهُمْ حِينَ نَزَلُوا بِالنَّهَارِ وَمِنْهُمْ حَكِيمٌ إِذَا لَقِيَ الْخَيْلَ أَوْ قَالَ الْعَدُوَّ قَالَ لَهُمْ إِنَّ أَصْحَابِي يَأْمُرُونَكُمْ أَنْ تَنْظُرُوهُمْ الشرح: قوله: (قال أبو بردة) هو موصول بالإسناد المذكور، وقد أفرده مسلم عن أبي كريب وساق الحديث الذي قبله إلى قوله: " وإنه ليستعيد هذا الحديث مني". قوله: (إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين) الرفقة الجماعة المترافقون، والراء مثلثة والأشهر ضمها. قوله: (حين يدخلون بالليل) بالدال والحاء المعجمة لجميع رواة البخاري ومسلم، وحكى عياض عن بعض رواة مسلم بالراء والحاء المهملة، وصوبها الدمياطي في البخاري، وهو عجيب منه فإن الرواية بالدال والمعجمة، والمعنى صحيح فلا معنى للتغيير، وقد نقل عياض عن بعض الناس اختيار الرواية التي بالراء والمهملة، قال النووي: والرواية الأولى صحيحة أو أصح، والمراد يدخلون منازلهم إذا خرجوا إلى المسجد أو إلى شغل ما ثم رجعوا. قوله: (بالقرآن) يتعلق بأصوات، وفيه أن رفع الصوت بالقرآن بالليل مستحسن لكن محله إذا لم يؤذ أحدا وأمن من الرياء. قوله: (ومنهم حكيم) قال عياض قال أبو علي الصدفي: هو صفة لرجل منهم. وقال أبو علي الجياني: هو اسم علم على رجل من الأشعريين، واستدركه على صاحب " الاستيعاب". قوله: (إذا لقي الخيل أو قال العدو) هو شك من الراوي. قوله: (قال لهما إن أصحابي يأمرونكم أن تنظروهم) أي تنتظروهم من الانتظار ومعناه أنه لفرط شجاعته كان لا يفر من العدو بل يواجههم ويقول لهم إذا أرادوا الانصراف مثلا انتظروا الفرسان حتى يأتوكم، ليثبتهم على القتال وهذا بالنسبة إلى الشق الثاني وهو قوله: " أو قال العدو " وأما على الشق الأول وهو قوله: " إذا لقي الخيل " فيحتمل أن يريد بها خيل المسلمين، ويشير بذلك إلى أن أصحابه كانوا رجالة فكان هو يأمر الفرسان أن ينتظروهم ليسيروا إلى العدو جميعا، وهذا أشبه بالصواب. قال ابن التين: معنى كلامه أن أصحابه يحبون القتال في سبيل الله ولا يبالون بما يصيبهم. الحديث: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ حَفْصَ بْنَ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ افْتَتَحَ خَيْبَرَ فَقَسَمَ لَنَا وَلَمْ يَقْسِمْ لِأَحَدٍ لَمْ يَشْهَدْ الْفَتْحَ غَيْرَنَا الشرح: قوله: (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) هو ابن راهويه، وقوله: " سمع " أي أنه سمع. ويريد هو ابن عبد الله بن أبي بردة الأشعري. قوله: (قدمنا) أي هو وأصحابه مع جعفر ومن معه. قوله: (ولم يقسم لأحد لم يشهد الفتح غيرنا) يعني الأشعريين ومن معهم، وجعفر ومن معه. وقد سبق في فرض الخمس من وجه آخر عن بريد بلفظ " وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهد معه إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه لهم معهم " وقد تقدم شرحه هناك. ويعكر على هذا الحصر ما سيأتي في حديث أبي هريرة والذي بعده وسيأتي الجواب عنه إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ حَدَّثَنِي ثَوْرٌ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ وَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً إِنَّمَا غَنِمْنَا الْبَقَرَ وَالْإِبِلَ وَالْمَتَاعَ وَالْحَوَائِطَ ثُمَّ انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَادِي الْقُرَى وَمَعَهُ عَبْدٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ أَهْدَاهُ لَهُ أَحَدُ بَنِي الضِّبَابِ فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ حَتَّى أَصَابَ ذَلِكَ الْعَبْدَ فَقَالَ النَّاسُ هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنْ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِرَاكٍ أَوْ بِشِرَاكَيْنِ فَقَالَ هَذَا شَيْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ الشرح: قوله: (حدثني عبد الله بن محمد) هو الجعفي ومعاوية بن عمرو هو الأزدي وهو من شيوخ البخاري وربما روى عنه بواسطة كما هنا. قوله: (قال أبو إسحاق) هو إبراهيم بن مجمد بن الحارث الفزاري ووقع في مسند حديث مالك للنسائي من وجه آخر عن معاوية بن عمرو قال: " حدثنا أبو إسحاق " وأخرجه الدار قطني في " الموطآت " طريق المسيب بن واضح قال: " حدثنا أبو إسحاق الفزاري". قوله: (عن مالك) نزل البخاري في هذا الحديث درجتين لأنه أخرجه في الأيمان والنذور عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك وبينه وبين مالك في هذا الموضع ثلاثة رجال، قال ابن طاهر: والسر في ذلك أن في رواية أبي إسحاق الفزاري وحده عن مالك " حدثني ثور بن زيد " وفي رواية الباقين " عن ثور " وللبخاري حرص شديد على الإتيان بالطرق المصرحة بالتحديث انتهى. وثور بن زيد هو الديلي، مدني مشهور. وقد صرح في رواية أبي إسحاق هذه أيضا بقوله: " حدثني سالم أنه سمع أبا هريرة " وعنعن باقي الرواة عن مالك جميع الإسناد، وسالم مولى ابن مطيع يكني أبا الغيث وهو بها أشهر، وقد سمي هنا. فلا التفات لقول من قال إنه لا يوقف على اسمه صحيحا. وهو مدني لا يعرف اسم أبيه، وابن مطيع اسمه عبد الله وليس لسالم في الصحيح رواية عن غير أبي هريرة، له عنه تسعة أحاديث تقدم منها في الاستقراض وفي الوصايا وفي المناقب. قوله: (افتتحنا خيبر) في رواية عبيد الله بن يحيى بن يحيى الليثي عن أبيه في الموطأ " حنين " بدل خيبر، وخالفه محمد بن وضاح عن يحيى بن يحيى فقال: " خيبر " مثل الجماعة، نبه عليه ابن عبد البر. ووقع في رواية إسماعيل المذكورة " خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر " وهي رواية الموطأ أعني قوله: " خرجنا"، وأخرجها مسلم من طريق ابن وهب عن مالك، ومن طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ثور، فحكى الدار قطني عن موسى بن هارون أنه قال: وهم ثور في هذا الحديث، لأن أبا هريرة لم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر وإنما قدم بعد خروجهم، وقدم عليهم خيبر بعد أن فتحت. قال أبو مسعود: ويؤيده حديث عنبسة بن سعيد عن أبي هريرة قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر بعدما افتتحوها " قال ولكن لا يشك أحد أن أبا هريرة حضر قسمة الغنائم، فالغرض من الحديث قصة مدعم في غلول الشملة. قلت: وكأن محمد بن إسحاق صاحب المغازي استشعر بوهم ثور بن زيد في هذه اللفظة فروى الحديث عنه بدونها، أخرجه ابن حبان والحاكم وابن منده من طريقه بلفظ " انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى " ورواية أبي إسحاق الفزاري التي في هذا الباب من هذا الاعتراض بأن يحمل قوله: " افتتحنا " أي المسلمون، وقد تقدم نظير ذلك قريبا. وروى البيهقي في " الدلائل " من وجه آخر عن أبي هريرة قال: " خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى " فلعل هذا أصل الحديث، وحديث قدوم أبي هريرة المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر أخرجه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم من طريق خثيم بن عراك بن مالك عن أبيه عن أبي هريرة قال: " قدمت المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر وقد استخلف سباع بن عرفطة " فذكر الحديث وفيه " فزودونا شيئا حتى أتينا خيبر وقد افتتحها النبي، فكلم المسلمين فأشركونا في سهامهم " ويجمع بين هذا وبين الحصر الذي في حديث أبي موسى الذي قبله أن أبا موسى أراد أنه لم يسهم لأحد لم يشهد الوقعة من غير استرضاء أحد من الغانمين إلا لأصحاب السفينة، وأما أبو هريرة وأصحابه فلم يعطهم إلا عن طيب خواطر المسلمين، والله أعلم. وسأذكر رواية عنبسة بن سعيد التي أشار إليها أبو مسعود وبيان ما فيها بعد هذا الحديث إن شاء الله تعالى. قوله: (إنما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط) في رواية مسلم " غنمنا المتاع والطعام والثياب " وعند رواة الموطأ " إلا الأموال والثياب والمتاع " وعند يحيى بن يحيى الليثي وحده " إلا الأموال والثياب " والأول هو المحفوظ، ومقتضاه أن الثياب والمتاع لا تسمى مالا، وقد نقل ثعلب عن ابن الأعرابي عن المفضل الضبي قال: المال عند العرب الصامت والناطق، فالصامت الذهب والفضة والجوهر والناطق البعير والبقرة والشاة، فإذا قلت عن حضري كثر ماله فالمراد الصامت، وإذا قلت عن بدوي فالمراد الناطق انتهى. وقد أطلق أبو قتادة على البستان مالا فقال في قصة السلب الذي تنازع فيه هو والقرشي في غزوة حنين " فابتعت به مخرفا، فإنه لأول مال تأثلته " فالذي يظهر أن المال ما له قيمة، لكن قد يغلب على قوم تخصيصه بشيء كما حكاه المفضل فتحمل الأموال على المواشي والحوائط التي ذكرت في رواية الباب ولا يراد بها النقود لأنه نفاها أولا. قوله: (إلى وادي القرى) تقدم ضبطه في البيوع. قوله: (عبد له) في رواية الموطأ " عبد أسود". قوله: (مدعم) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح العين المهملة. قوله: (أهداه له أحد بني الضباب) كذا في رواية أبي إسحاق بكسر الضاد المعجمة وموحدتين الأولى خفيفة بينهما ألف بلفظ جمع الضب وفي رواية مسلم أهداه له رفاعة بن زيد أحد بني الضبيب بضم أوله بصيغة التصغير. وفي رواية أبي إسحاق رفاعة بن زيد الجذامي ثم الضبني بضم المعجمة وفتح الموحدة بعدها نون، وقيل: بفتح المعجمة وكسر الموحدة نسبة إلى بطن من جذام، قال الواقدي: كان رفاعة قد وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من قومه قبل خروجه إلى خيبر فأسلموا وعقد له على قومه. قوله: (فبينما هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد البيهقي في الرواية المذكورة " وقد استقبلتنا يهود بالرمي ولم نكن على تعبية". قوله: (سهم عائر) بعين مهملة بوزن فاعل أي لا يدري من رمى به، وقيل هو الحائد عن قصده. قوله: (بل والذي نفسي بيده) في رواية الكشميهني " بلى " وهو تصحيف وفي رواية مسلم " كلا " وهو رواية الموطأ: قوله: (لتشتغل عليه نارا) يحتمل أن يكون ذلك حقيقة بأن تصير الشملة نفسها نارا فيعذب بها، ويحتمل أن يكون المراد أنها سبب لعذاب النار، وكذا القول في الشراك الآتي ذكره. قوله: (فجاء رجل) لم أقف على اسمه. قوله: (بشراك أو بشراكين) الشراك بسكر المعجمة وتخفيف الراء: سير النعل على ظهر القدم، وفي الحديث تعظيم أمر الغلول، وقد مر شرح ذلك واضحا في أواخر كتاب الجهاد في " باب القليل من الغلول " في الكلام على حديث عبد الله بن عمرو قال: " كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو في النار في عباءة غلها " وكلام عياض يشعر بأن قصته مع قصة مدعم متحدة، والذي يظهر من عدة أوجه تغايرهما. نعم عند مسلم من حديث عمر " لما كان يوم خيبر قالوا فلان شهيد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة " فهذا يمكن تفسيره بكركرة، بخلاف قصة مدعم فإنها كانت بوادي القرى، ومات بسهم عائر، وغل شملة. والذي أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم كركرة هوذة بن علي، بخلاف مدعم فأهداه رفاعة فافترقا، والله أعلم. وذكر البيهقي في روايته أنه صلى الله عليه وسلم " حاصر أهل وادي القرى حتى فتحها، وبلغ ذلك أهل تيماء فصالحوه " وفي الحديث قبول الإمام الهدية، فإن كان لأمر يختص به في نفسه أن لو كان غير وال فله التصرف فيها بما أراد، وإلا فلا يتصرف فيها إلا للمسلمين، وعلى هذا التفصيل يحمل حديث " هدايا الأمراء غلول " فيخص بمن أخذها فاستبد بها، وخالف في ذلك بعض الحنفية فقال: له الاستبداد مطلقا بدليل أنه لو ردها على مهديها لجاز، فلو كانت فيئا للمسلمين لما ردها، وفي هذا الاحتجاج نطر لا يخفي، وقد تقدم شيء من هذا في أواخر الهبة. الحديث: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي زَيْدٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَبَّانًا لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ مَا فُتِحَتْ عَلَيَّ قَرْيَةٌ إِلَّا قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ وَلَكِنِّي أَتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا الشرح: قوله: (أخبرنا محمد بن جعفر) أي ابن أبي كثير. قوله: (أخبرني زيد) هو ابن أسلم مولى عمر. قوله: (لولا أن أترك آخر الناس ببانا) كذا للأكثر بموحدتين مفتوحتين الثانية ثقيلة وبعد الألف نون، قال أبو عبيدة بعد أن أخرجه عن ابن مهدي قال ابن مهدي يعني شيئا واحدا، قال الخطابي ولا أحسب هذه اللفظة عربية ولم أسمعها في غير هذا الحديث. وقال الأزهري: بل هي لغة صحيحة، لكنها غير فاشية في لغة معد، وقد صححها صاحب العين وقال: ضوعفت حروفه. وقال: الببان المعدم الذي لا شيء له، ويقال هم على ببان واحد أي على طريقة واحدة. وقال ابن فارس: يقال هم ببان واحد أي شيء واحد. قال الطبري: الببان في المعدم الذي لا شيء له، فالمعنى لولا أن أتركهم فقراء معدمين لا شيء لهم أي متساوين في الفقر. وقال أبو سعيد الضرير فيما تعقبه على أبي عبيد: صوابه بيانا بالموحدة ثم تحتانية بدل الموحدة الثانية، أي شيئا واحدا، فإنهم قالوا لمن لا يعرف: هو هيان بن بيان. قلت: وقد وقع من عمر ذكر هذه الكلمة في قصة أخرى وهو أنه كان يفضل في القسمة فقال: " لئن عشت لأجعلن الناس ببابا واحدا". ذكره الجوهري. وهو مما يؤيد تفسيرها بالتسوية. وروى الدار قطني في " غرائب مالك " من طريق معن بن عيسى عن مالك بسند حديث الباب عن عمر قال: " لئن بقيت إلى الحول لألحقن أسفل الناس بأعلاهم " وقد قدمت ذلك في " باب الغنيمة لمن شهد الوقعة " من كتاب الجهاد. (تنبيه) : نقل صاحب " المطالع " عن أهل العربية أنه لم يلتق حرفان من جنس واحد في اللسان العربي، وتعقب بأن ذلك لا يعرف عن أحد من النحويين ولا اللغة، وقد ذكر سيبويه الببر بموحدة مفتوحة ثم ساكنة وهي دابة تعادي الأسد. وفي الأعلام " ببة " بموحدتين الثانية ثقيلة لقب عبد الله بن الحارث الهاشمي أمير الكوفة. قوله: (ولكني أتركها لهم خزانة يقسمونها) أي يقتسمون خراجها. الحديث: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَوْلَا آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ قَرْيَةٌ إِلَّا قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ الشرح: قوله: (حدثنا ابن مهدي عن مالك عن زيد بن أسلم) ووقع في " غرائب أبي عبيد " عن ابن مهدي عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم، فهو محمول على أن لعبد الرحمن بن مهدي فيه شيخين، لأنه ليس في رواية مالك قوله: " ببانا " وهو في رواية هشام بن سعد المذكورة كما وقع في رواية محمد بن جعفر بن أبي كثير. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ وَسَأَلَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ قَالَ أَخْبَرَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ قَالَ لَهُ بَعْضُ بَنِي سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ لَا تُعْطِهِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ هَذَا قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ فَقَالَ وَا عَجَبَاهْ لِوَبْرٍ تَدَلَّى مِنْ قَدُومِ الضَّأْنِ وَيُذْكَرُ عَنْ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُخْبِرُ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَانَ عَلَى سَرِيَّةٍ مِنْ الْمَدِينَةِ قِبَلَ نَجْدٍ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَدِمَ أَبَانُ وَأَصْحَابُهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ بَعْدَ مَا افْتَتَحَهَا وَإِنَّ حُزْمَ خَيْلِهِمْ لَلِيفٌ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَقْسِمْ لَهُمْ قَالَ أَبَانُ وَأَنْتَ بِهَذَا يَا وَبْرُ تَحَدَّرَ مِنْ رَأْسِ ضَأْنٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَانُ اجْلِسْ فَلَمْ يَقْسِمْ لَهُمْ الشرح: قوله: (سمعت الزهري وسأله إسماعيل بن أمية) أي ابن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي، والجملة حالية. قوله: (قال أخبرني) قائل ذلك هو الزهري، وعنبسة بن سعيد أي ابن العاص وهو عم والد إسماعيل بن أمية. قوله: (أن أبا هريرة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله) هذا السياق صورته مرسل، وقد تقدم من وجه آخر مصرحا فيه بالاتصال في أوائل الجهاد، وفيه بيان اسم المبهم هنا في قوله: " قال بعض بني سعيد " وبيان المراد بقوله ابن قوقل وشرح ما فيه. قوله: (فسأله) أي سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه من غنائم خيبر. وفي رواية الحميدي عن سفيان في الجهاد " فقلت يا رسول الله أسهم لي". قوله: (قال له بعض بني سعيد بن العاص لا تعطه) القائل هو أبان بن سعيد كما في الرواية التي بعده. قوله: (واعجباه) في رواية السعيدي التي بعد هذه واعجبا لك " وهو بالتنوين اسم فعل بمعنى أعجب و " وا " مثل واها، واعجبا للتوكيد وبغير التنوين بمعنى وأعجبي فأبدلت الكسرة فتحة كقوله يا أسفي، وفيه شاهد على استعمال " وا " في منادي غير مندوب كما هو رأي المبرد واختيار ابن مالك. قوله: (لوبر تدلي من قدوم الضأن) كذا اختصره، وقد مضى في الجهاد من رواية الحميدي عن سفيان أتم منه، وسيأتي شرحه في الذي بعده. قوله: (ويذكر عن الزبيدي) أي محمد بن الوليد، وطريقه هذه وصلها أبو داود من طريق إسماعيل بن عياش عنه، ووصلها أيضا أبو نعيم في " المستخرج " من طريق إسماعيل أيضا ومن طريق عبد الله بن سالم كلاهما عن الحميدي. قوله: (يخبر سعيد بن العاص) أي ابن أمية، وكان سعيد بن العاص تأمر على المدينة من قبل معاوية في ذلك الزمان. قوله: (قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبان على سرية من المدينة قبل نجد) لم أعرف حال هذه السرية، وأما أبان فهو ابن سعيد بن العاص بن أمية، وهو عم سعيد بن العاص الذي حدثه أبو هريرة، وكان إسلام أبان بعد غزوة الحديبية، وقد ذكرنا أولا في قصة الحديبية في الشروط وغيرها أن أبان هذا أجار عثمان بن عفان في الحديبية حتى دخل مكة وبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقدم في هذه الغزوة أن غزوة خيبر كانت عقب الرجوع من الحديبية، فيشعر ذلك بأن أبان أسلم عقب الحديبية حتى أمكن أن يبعثه النبي في سرية، وقد ذكر الهيثم بن علي في الأخبار سبب إسلام أبان، فروى من طريق سعيد بن العاص قال: " قتل أبي يوم بدر، . فرباني عمي أبان، وكان شديدا على النبي صلى الله عليه وسلم يسبه إذا ذكر، فخرج إلى الشام فرجع فلم يسبه، فسئل عن ذلك، فذكر أنه لقي راهبا فأخبره بصفته ونعته، فوقع في قلبه تصديقه، فلم يلبث أن خرج إلى المدينة فأسلم " فإن كان هذا ثابتا احتمل أن يكون خروج أبان إلى الشام كان قبل الحديبية. قوله: (وإن حزم) بمهملة وزاي مضمومتين. قوله: (لليف) بلام التأكيد، والليف معروف. وفي رواية الكشميهني الليف على أنه خبر إن بغير تأكيد. قوله: (وأنت بهذا) أي وأنت تقول بهذا، أو وأنت بهذا المكان والمنزلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كونك لست من أهله ولا من قومه ولا من بلاده. قوله: (يا وبر) بفتح الواو وسكون الموحدة دابة صغيرة كالسنور وحشية، ونقل أبو علي القالي عن أبي حاتم أن بعض العرب يسمي كل دابة من حشرات الجبال وبرا، قال الخطابي: أراد أبان تحقير أبي هريرة، وأنه ليس في قدر من يشير بعطاء ولا منع، وأنه قليل القدرة على القتال انتهى. ونقل ابن التين عن أبي الحسن القابسي أنه قال: معناه أنه ملصق في قريش لأنه شبهه بالذي يعلق بوبر الشاة من الشوك وغيره. وتعقبه ابن التين بأنه يلزم من ذلك أن تكون الرواية " وبر " بالتحريك. قال: ولم يضبط إلا بالسكون. قوله: (تحدر) في الرواية الأولى " تدلي " وهي بمعناها، وفي الرواية التي بعدها، " تدأدأ " بمهملتين بينهما همزة ساكنة، قيل: أصله تدهدأ فأبدلت الهاء همزة، وقيل: الدأدأة صوت الحجارة في المسيل، ووقع في رواية المستملي " تدأرأ " براء بدل الدال الثانية. وفي رواية أبي زيد المروزي " تردى " وهي بمعنى تحدر وتدلي، كأنه يقول: تهجم علينا بغتة. قوله: (من رأس ضال) كذا في هذه الرواية باللام، وفي التي قبلها بالنون، وقد فسر البخاري في رواية المستملي الضال باللام فقال هو السدر البري، وكذا قال أهل اللغة إنه السدر البري، ووقع في نسخة الصغاني " الضال سدرة البر " وتقدم كلام ابن دقيق العيد في ذلك في أوائل الجهاد وأنه السدر البري، وأما قدوم فبفتح القاف للأكثر أي طرف، ووقع في رواية الأصيلي بضم القاف، وأما الضان فقيل هو رأس الجبل لأنه في الغالب موضع مرعي الغنم، وقيل: هو بغير همز، وهو جبل لدوس قوم أبي هريرة. الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جَدِّي أَنَّ أَبَانَ بْنَ سَعِيدٍ أَقْبَلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ وَقَالَ أَبَانُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَاعَجَبًا لَكَ وَبْرٌ تَدَأْدَأَ مِنْ قَدُومِ ضَأْنٍ يَنْعَى عَلَيَّ امْرَأً أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِيَدِي وَمَنَعَهُ أَنْ يُهِينَنِي بِيَدِهِ الشرح: قوله: (ينعى) بفتح أوله وسكون النون بعدها عين مهملة مفتوحة أي يعيب على، يقال نعى فلان على فلان أمرا إذا عابه ووبخه عليه. وفي رواية أبي داود عن حامد بن يحيى عن سفيان " يعيرني". قوله: (ومنعه أن يهني) بالتشديد أصله يهينني فأدغمت إحدى النونين في الأخرى، ووقع في الرواية الأخيرة " ومنعه أن يهينني بيده " وقد تقدم بقية شرحه في الجهاد، قيل: وقع في إحدى الطريقين ما يدخل فيه قسم المقلوب، فإن في رواية أبي عيينة أن أبا هريرة هو السائل أن يقسم له، وأن أبان هو الذي أشار بمنعه. وفي رواية الزبيدي أن أبان هو الذي سأل، وأن أبا هريرة هو الذي أشار بمنعه، وقد رجح الذهلي رواية الزبيدي. ويؤيد ذلك وقوع التصريح في روايته بقول النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبان أجلس " ولم يقسم لهم، ويحتمل أن يجمع بينهما بأن يكون كل من أبان وأبي هريرة أشار أن لا يقسم للآخر، ويدل عليه أن أبا هريرة احتج على أبان بأنه قاتل ابن قوقل، وأبان احتج على أبي هريرة بأنه ليس ممن له في الحرب يد يستحق بها النفل فلا يكون فيه قلب، وقد سلمت رواية السعيدي من هذا الاختلاف، فإنه لم يتعرض في حديثه لسؤال القسمة أصلا. والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام بِنْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكٍ وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَالِ وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ مِنْهَا شَيْئًا فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ فَهَجَرَتْهُ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ وَعَاشَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيٌّ لَيْلًا وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ وَصَلَّى عَلَيْهَا وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنْ النَّاسِ وَجْهٌ حَيَاةَ فَاطِمَةَ فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ وَلَمْ يَكُنْ يُبَايِعُ تِلْكَ الْأَشْهُرَ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ ائْتِنَا وَلَا يَأْتِنَا أَحَدٌ مَعَكَ كَرَاهِيَةً لِمَحْضَرِ عُمَرَ فَقَالَ عُمَرُ لَا وَاللَّهِ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمَا عَسَيْتَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي وَاللَّهِ لآتِيَنَّهُمْ فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَقَالَ إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا فَضْلَكَ وَمَا أَعْطَاكَ اللَّهُ وَلَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالْأَمْرِ وَكُنَّا نَرَى لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصِيبًا حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي وَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ فَلَمْ آلُ فِيهَا عَنْ الْخَيْرِ وَلَمْ أَتْرُكْ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُهُ فِيهَا إِلَّا صَنَعْتُهُ فَقَالَ عَلِيٌّ لِأَبِي بَكْرٍ مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّةَ لِلْبَيْعَةِ فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ رَقِيَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَتَشَهَّدَ وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍّ وَتَخَلُّفَهُ عَنْ الْبَيْعَةِ وَعُذْرَهُ بِالَّذِي اعْتَذَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ وَحَدَّثَ أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةً عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَلَا إِنْكَارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهِ وَلَكِنَّا نَرَى لَنَا فِي هَذَا الْأَمْرِ نَصِيبًا فَاسْتَبَدَّ عَلَيْنَا فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا فَسُرَّ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ وَقَالُوا أَصَبْتَ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَلِيٍّ قَرِيبًا حِينَ رَاجَعَ الْأَمْرَ الْمَعْرُوفَ الشرح: حديث عائشة " إن فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها " تقدم شرحه في فرض الخمس، وفي هذه الطريق زيادة لم تذكر هناك فتشرح. قوله: (وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر) هذا هو الصحيح في بقائها بعده، وروى ابن سعد من وجهين أنها عاشت بعده ثلاثة أشهر ونقل عن الواقدي، وأن ستة أشهر هو الثبت، وقيل: عاشت بعده سبعين يوما، وقيل: ثمانية أشهر، وقيل: شهرين جاء ذلك عن عائشة أيضا. وأشار البيهقي إلى أن في قوله: " وعاشت إلخ " إدراجا، وذلك أنه وقع عند مسلم من طريق أخرى عن الزهري فذكر الحديث وقال في آخره " قلت للزهري: كم عاشت فاطمة بعده: قال: ستة أشهر " وعزا هذه الرواية لمسلم، ولم يقع عند مسلم هكذا بل فيه كما عند البخاري موصولا. والله أعلم. قوله: (دفنها زوجها علي ليلا، ولم يؤذن بها أبا بكر) روى ابن سعد من طريق عمرة بنت عبد الرحمن أن العباس صلى عليها، ومن عدة طرق أنها دفنت ليلا، وكان ذلك بوصية منها لإرادة الزيادة في التستر، ولعله لم يعلم أبا بكر بموتها لأنه ظن أن ذلك لا يخفى عنه، وليس في الخبر ما يدل على أن أبا بكر لم يعلم بموتها ولا صلى عليها، وأما الحديث الذي أخرجه مسلم والنسائي وأبو داود من حديث جابر في النهي عن الدفن ليلا فهو محمول على حال الاختيار لأنه في بعضه " إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك". قوله: (وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة) أي كان الناس يحترمونه إكراما لفاطمة، فلما ماتت واستمر على عدم الحضور عند أبي بكر قصر الناس عن ذلك الاحترام لإرادة دخوله فيما دخل فيه الناس، ولذلك قالت عائشة في آخر الحديث " لما جاء وبايع كان الناس قريبا إليه حين راجع الأمر بالمعروف " وكأنهم كانوا يعذرونه في التخلف عن أبي بكر في مدة حياة فاطمة لشغله بها وتمريضها وتسليتها عما هي فيه من الحزن على أبيها صلى الله عليه وسلم لأنها لما غضبت من رد أبي بكر عليها فيما سألته من الميراث رأى علي أن يوافقها في الانقطاع عنه. قوله: (فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الأشهر) أي في حياة فاطمة. قال المازري: العذر لعلي في تخلفه مع ما اعتذر هو به أنه يكفي في بيعة الإمام أن يقع من أهل الحل والعقد ولا يجب الاستيعاب، ولا يلزم كل أحد أن يحضر عنده ويضع يده في يده، بل يكفي التزام طاعته والانقياد له بأن لا يخالفه ولا يشق العصا عليه، وهذا كان حال علي لم يقع منه إلا التأخر عن الحضور عند أبي بكر، وقد ذكرت سبب ذلك. قوله: (كراهيه ليحضر عمر) في رواية الأكثر " لمحضر عمر " والسبب في ذلك ما ألفوه من قوة عمر وصلابته في القول والفعل، وكان أبو بكر رقيقا لينا، فكأنهم خشوا من حضور عمر كثرة المعاتبة التي قد تفضي إلى خلاف ما قصدوه من المصافاة. قوله: (لا تدخل عليهم) أي لئلا يتركوا من تعظيمك ما يجب لك. قوله: (وما عسيتهم أن يفعلوا بي) قال ابن مالك: في هذا شاهد على صحة تضمين بعض الأفعال معنى فعل آخر وإجرائه مجراه في التعدية، فإن عسيت في هذا الكلام بمعنى حسبت وأجريت مجراها فنصبت ضمير الغائبين على أنه مفعول ثان، وكان حقه أن يكون عاريا من " أن " لكن جيء بها لئلا تخرج " عسى " عن مقتضاها بالكلية. وأيضا فإن " أن " قد تسد بصلتها مسد مفعولي حسبت، فلا يستبعد مجيئها بعد المفعول الأولى بدلا منه. قال: ويجوز حمل " ما عسيتهم " حرف خطاب والهاء والميم اسم عسى، والتقدير ما عساهم أن يفعلوا بي، وهو وجه حسن. قوله: (ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك) بفتح الفاء من ننفس أي لم نحسدك على الخلافة، يقال نفست بكسر الفاء أنفس بالفتح نفاسة، وقوله: " استبددت " في رواية غير أبي ذر " واستبدت " بدال واحدة وهو بمعناه وأسقطت الثانية تخفيفا كقوله: (فظلتم تفكهون) أصله ظللتم، أي لم تشاورنا، والمراد بالأمر الخلافة. قوله: (وكنا نرى) بضم أوله ويجوز الفتح. قوله: (لقرابتنا) أي لأجل قرابتنا (من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبا) أي لنا في هذا الأمر. قوله: (حتى فاضت) أي لم يزل علي يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فاضت عينا أبي بكر من الرقة. قال المازري: ولعل عليا أشار إلى أن أبا بكر استبد عليه بأمور عظام كان مثله عليه أن يحضره فيها ويشاوره، أو أنه أشار إلى أنه لم يستشره في عقد الخلافة له أولا، والعذر لأبي بكر أنه خشي من التأخر عن البيعة الاختلاف لما كان وقع من الأنصار كما تقدم في حديث السقيفة فلم ينتظروه. قوله: (شجر بيني وبينكم) أي وقع من الاختلاف والتنازع. قوله: (من هذه الأموال) أي التي تركها النبي صلى الله عليه وسلم من أرض خيبر وغيرها. قوله: (فلم آل) أي لم أقصر. قوله: (موعدك العشية) بالفتح ويجوز الضم أي بعد الزوال. قوله: (رقي المنبر) بكسر القاف بعدها تحتانية أي علا، وحكى ابن التين أنه رآه في نسخة بفتح القاف بعدها ألف وهو تحريف. قوله: (وعذره) بفتح العين والذال على أنه فعل ماض، ولغير أبي ذر بضم العين وإسكان الذال عطفا على مفعول وذكر. قوله: (وتشهد علي فعظم حق أبي بكر) زاد مسلم في روايته من طريق معمر عن الزهري " وذكر فضيلته وسابقيته، ثم مضى إلى أبي بكر فبايعه". قوله: (وكان المسلمون إلى علي قريبا) أي كان ودهم له قريبا (حين راجع الأمر بالمعروف) أي من الدخول فيما دخل فيه الناس. قال القرطبي: من تأمل ما دار بين أبي بكر وعلي من المعاتبة ومن الاعتذار وما تضمن ذلك من الإنصاف عرف أن بعضهم كان يعترف بفضل الأخر، وأن قلوبهم كانت متفقة على الاحترام والمحبة، وإن كان الطبع البشري قد يغلب أحيانا لكن الديانة ترد ذلك والله الموفق. وقد تمسك الرافضة بتأخر علي عن بيعة أبي بكر إلى أن ماتت فاطمة، وهذيانهم في ذلك مشهور. وفي هذا الحديث ما يدفع في حجتهم، وقد صحح ابن حبان وغيره من حديث أبي سعيد الخدري وغيره أن عليا بايع أبا بكر في أول الأمر، وأما ما وقع في مسلم " عن الزهري أن رجلا قال له لم يبايع علي أبا بكر حتى ماتت فاطمة، قال: لا ولا أحد من بني هاشم " فقد ضعفه البيهقي بأن الزهري لم يسنده، وأن الرواية الموصولة عن أبي سعيد أصح، وجمع غيره بأنه بياعه بيعة ثانية مؤكدة للأولى لإزالة ما كان وقع بسبب الميراث كما تقدم، وعلى هذا فيحمل قول الزهري لم يبايعه علي في تلك الأيام على إرادة الملازمة له والحضور عنده وما أشبه ذلك، فإن في انقطاع مثله عن مثله ما يوهم من لا يعرف باطن الأمر أنه بسبب عدم الرضا مخلافته فأطلق من أطلق ذلك، وبسبب ذلك أظهر علي المبايعة التي بعد موت فاطمة عليها السلام لإزالة هذه الشبهة. الحديث: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا حَرَمِيٌّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عُمَارَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ قُلْنَا الْآنَ نَشْبَعُ مِنْ التَّمْرِ الشرح: قوله: (حدثني حرمي) بفتح المهملة والراء وكسر الميم بعدها تحتانية ثقيلة اسم بلفظ النسب، وهو ابن عمارة شيخ شيخه وعمارة هو ابن أبي حفصة وعكرمة هو مولى ابن عباس، وليس لعكرمة عن عائشة في البخاري غير هذا الحديث، وآخر سبق في الطهارة، وثالث يأتي في اللباس. قوله: (قلنا الآن نشبع من التمر) أي لكثرة ما فيها من النخيل، وفيه إشارة إلى أنهم كانوا قبل فتحها في قلة من العيش. الحديث: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ حَبِيبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ مَا شَبِعْنَا حَتَّى فَتَحْنَا خَيْبَرَ الشرح: قوله: (حدثنا الحسن) هو ابن محمد بن الصباح الزعفراني، وقع منسوبا في رواية أبي علي بن السكن. وقال الكلاباذي: يقال إنه الزعفراني، وأما الحاكم فقال: هو الحسن بن شجاع، يعني البلخي أحد الحفاظ، وهو من أقران البخاري، ومات قبله باثنتي عشرة سنة وهو شاب، وسيأتي في تفسير سورة الزمر حديث آخر عن الحسن غير منسوب فقيل أيضا إنه هو، وقرة بن حبيب أي أبي يزيد القنوي بفتح القاف والنون الخفيفة نسبة إلى بيع القنا وهي الرماح، وكذا يقال له أيضا الرماح، وهو قشيري النسب بصري، أصله من نيسابور، وقد لقيه البخاري وحدث عنه في الأدب المفرد، وليس له في الصحيح سوى هذا الموضع ومات سنة أربع وعشرين ومائتين. قوله: (ما شبعنا حتى فتحنا خيبر) يؤيد حديث عائشة الذي قبله.
|