الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح العقيدة الواسطية **
ذكر المؤلف رحمه الله في هذه الصفات خمس آيات:
وقوله: (1) الآية الأولى: قوله: * {ومن}: شرطية. و(من) الشرطية تفيد العموم. * {مؤمناً}: هو من آمن بالله ورسوله، فخرج به الكافر والمنافق. لكن من قتل كافراً له عهد أو ذمة أو أمان، فهو آثم، لكن لا يستحق الوعيد المذكور في الآية. وأما المنافق، فهو معصوم الدم ظاهراً، ما لم يعلن بنفاقه. * وقوله {متعمدا}: يدل على إخراج الصغير وغير العاقل، لأن هؤلاء ليس لهم قصد معتبر ولا عمد، وعلى إخراجا لمخطئ، وقد سبق بيانه في الآية التي قبلها. فالذي يقتل مؤمناً متعمداً جزاؤه هذا الجزاء العظيم. * {جهنم}: اسم من أسماء النار. * * * {ولعنه}: اللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله. * فهذه أربعة أنواع من العقوبة، والخامس: قوله: خمس عقوبات، واحدة منها كافية في الردع والزجر لمن كان له قلب. ولكن يشكل على منهج أهل السنة ذكر الخلود في النار، حيث رتب على القتل، والقتل ليس بكفر، ولا خلود في النار عند أهل السنة إلا بالكفر. وأجيب عن ذلك بعدة أوجه: الوجه الأول: أن هذه في الكافر إذا قتل المؤمن. لكن هذا القول ليس بشيء، لأن الكافر جزاؤه جهنم خالداً فيها وإن لم يقتل المؤمن: الوجه الثاني: أن هذا فيمن استحل القتل، لأن الذي يستحل قتل المؤمن كافر. وعجب الإمام أحمد من هذا الجواب، قال: كيف هذا؟! إذا استحل قتله، فهو كافر وإن لم يقتله، وهو مخلد في النار وإن لم يقتله. ولا يستقيم هذا الجواب أيضاً. الوجه الثالث: أن هذه الجملة على تقدير شرط، أي: فجزاؤه جهنم خالداً فيها إن جازاه. وفي هذا نظر، أي فائدة في قوله: فهذه ثلاثة أجوبة لا تسلم من الاعتراض. الوجه الرابع: أن هذا سبب، ولكن إذا وجد مانع، لم ينفذ السبب، كما نقول: القرابة سبب للإرث، فإذا كان القريب رقيقاً، لم يرث، لوجود المانع وهو الرق. ولكن يرد علينا الإشكال من وجه آخر، وهو: ما الفائدة من هذا الوعيد؟ فنقول: الفائدة أن الإنسان الذي يقتل مؤمناً متعمداً قد فعل السبب الذي يخلد به في النار، وحينئذ يكون وجود المانع محتملاً، قد يوجد، وقد لا يوجد، فهو على خطر جداً، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: وعلى هذا، فيكون الوعيد هنا باعتبار المال، لأنه يخشى أن يكون هذا القتل سبباً لكفره، وحينئذ يموت على الكفر، فيخلد. فيكون في هذه الآية على هذا التقدير ذكر سبب السبب، فالقتل عمداً سبب لأن يموت الإنسان على الكفر، والكفر سبب للتخليد في النار. وأظن هذا إذا تأمله الإنسان، يجد أنه ليس فيه إشكال. الوجه الخامس: أن المراد بالخلود المكث الطويل، وليس المراد به المكث الدائم، لأن اللغة العربية يطلق فيها الخلود على المكث الطويل كما يقال: فلان خالد ف الحبس، والحبس ليس بدائم. ويقولون: فلا خالد خلود الجبار، ومعلوم أن الجبال ينسفها ربي نسفاً فيذرها قاعاً صفصفاً. وهذا أيضاً جواب سهل لا يحتاج إلى تعب، فنقول: إن الله عز وجل لم يذكر التأبيد، لم يقل: خالداً فيها أبداً بل قال: الوجه السادس: أن يقال إن هذا من باب الوعيد، والوعيد يجوز إخلافه، لأنه انتقال من العدل إلى الكرم، والانتقال من العدل إلى الكرم كرم وثناء وأنشدوا عليه قول الشاعر:
وإني وإن أوعدته أو وعدته ** لمخلف إبعادي ومنجز موعدي أوعدته بالعقوبة، ووعدته بالثواب، لمخلف إبعادي ومنجز موعدي. وأنت إذا قلت لابنك: والله، إن ذهبت إلى السوق، لأضربنك بهذا العصا. ثم ذهب إلى السوق، فلما رجع، ضربته بيدك، فهذا العقاب أهون على ابنك، فإذا توعد الله عز وجل القاتل بهذا الوعيد، ثم عفا عنه، فهذا كرم. ولكن هذا في الحقيقة فيه شيء من النظر، لأننا نقول: إن نفذ الوعيد، فالإشكال باق، وإن لم ينفذ، فلا فائدة منه. هذه ستة أوجه في الجواب عن الآية، وأقربها الخامس، ثم الرابع.
مسألة: إذا تاب القاتل، هل يستحق الوعيد؟ الجواب: لا يستحق الوعيد بنص القرآن، لقوله تعالى: والحديث الصحيح في قصة الرجل من بني إسرائيل، الذي قتل تسعاً وتسعين نفساً، فألقى الله في نفسه التوبة، فجاء إلى عابد، فقال له: إن قتل تسعاً وتسعين نفساً، فهل له من توبة؟! فالعابد استعظم الأمر، وقال: ليس لك توبة! فقتله، فأتم به المائة. فدل على عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ قال: نعم، ومن يحول بينك وبين التوبة؟! ولكن هذه القرية ظالم أهلها، فاذهب إلى القرية الفلانية، فيها أهل خير وصلاة، فسافر الرجل، وهاجر من بلده إلى بلد الخير والصلاة، فوافته المنية في أثناء الطريق، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة الرحمة وملائكة العذاب، حتى أنزل الله بينهم حكماً، وقال: قيسوا ما بين القريتين، فإلى أيتهما كان أقرب، فهو من أهلها، فكان أقرب إلى أهل القرية الصالحة فقبضته ملائكة الرحمة (2) فأنظر كيف كان من بني إسرائيل فقبلت توبته، مع أن الله جعل عليهم آصاراً وأغلالاً، وهذه الأمة رفع عنها الآصار والأغلال، فالتوبة في حقها أسهل، فإذا كان هذا في بني إسرائيل، فكيف بهذه الأمة؟ فإن قلت: ماذا تقول فيما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن القاتل ليس له توبة (3) فالجواب: من أحد الوجهين: 1- إما أن ابن عباس رضي الله عنهما استبعد أن يكون للقاتل عمداً توبة، ورأى أنه لا يوفق للتوبة، وإذا لم يوفق للتوبة، فإنه لا يسقط عنه الإثم، بل يؤاخذ به. 2- وإما أن يقال: إن مراد ابن عباس رضي الله عنهما: أن لا توبة له فيما يتعلق بحق المقتول، لأن القاتل عمداً يتعلق به ثلاثة حقوق: حق الله، وحق المقتول، والثالث لأولياء المقتول. أ- أما حق الله، فلا شك أن التوبة ترفع، لقوله تعالى: ب- وأما حق أولياء المقتول، فيسقط إذا سلم الإنسان نفسه لهم، أتى إليهم وقال: أنا قتلت صاحبكم، واصنعوا ما شئتم فهم غما أن يقتصوا، أو يأخذوا الدية، أو يعفوا، والحق لهم. جـ- وأما حج المقتول، فلا سبيل إلى التخلص منه في الدنيا. وعلى هذا يحمل قول ابن عباس أنه لا توبة له، أي: بالنسبة لحق المقتول. على أن الذي يظهر لي أنه إذا تاب توبة نصوحاً، فإنه حتى حق المقتول يسقط، لا إهداراً لحقه، ولكن الله عز وجل بفضله يتحمل عن القاتل ويعطي المقتول رفعة درجات في الجنة أو عفواً عن السيئات، لأن التوبة الخالصة لا تبقي شيئاً، ويؤيد هذا عموم آية الفرقان: وفي هذه الآية من صفات الله: الغضب، واللعن وإعداد العذاب. وفيها من الناحية المسلكية التحذير من قتل المؤمن عمداً.
وقوله: (1)* الآية الثانية: قوله: * {ذلك}: المشار إليه ما سبق، والذي سبق هو قوله تعالى: * {ذلك}، أي: ضرب الوجوه والأدبار. * {بأنهم}، أي: بسبب، فالباء للسببية. * * أما ما فيه رضي الله، فحالهم فيه قوله: وفي هذه الآية من صفات الله: إثبات السخط والرضى. وسبق الكلام على صفة الرضى، وأما السخط، فمعناه قريب من معنى الغضب.
وقوله: "لما آسفونا انتقمنا منهم"(1)................................................ (1) الآية الثالثة: قوله: * {آسفونا}، يعني: أعضبونا وأسخطونا. * {فلما}: هنا شرطية، فعل الشرط فيها: {آسفونا}، وجوابه: ففيها رد على من فسروا السخط والغضب بالانتقام، لأن أهل التعطيل من الأشعرية وغيرهم يقولون: إن المراد بالسخط والغضب الانتقام، أو إرادة الانتقام، ولا يفسرون السخط والغضب بصفة من صفات الله يتصف بها هو نفسه، فيقولون: غضبه، أي انتقامه، أو بالإرادة لأنهم يقرون بها، ولا يفسرونه بأنه صفة ثابتة لله على وجه الحقيقة تليق به. ونحن نقول لهم: بل السخط والغضب غير الانتقام، والانتقام نتيجة الغضب والسخط، كما نقول: إن الثواب نتيجة الرضى، فالله سبحانه وتعالى يسخط على هؤلاء القوم ويغضب عليهم ثم ينتقم منهم. وإذا قالوا: إن العقل يمنع ثبوت السخط والغضب لله عز وجل. فإننا نجيبهم بما سبق في صفة الرضى، لأن الباب واحد. ونقول: بل العقل يدل على السخط والغضب، فإن الانتقام من المجرمين وتعذيب الكافرين دليل على السخط والغضب، وليس دليلاً على الرضى، ولا على انتفاء الغضب والسخط. ونقول: هذه الآية: مسألة: بقي أن يقال: الجواب: لا، ونجيب عن الآية بأن الأسف في اللغة له معنيان: المعنى الأول: الأسف بمعنى الحزن، مثل قول الله تعالى عن يعقوب: الثاني: الأسف بمعنى الغضب، فيقال: أسف عليه باسم، بمعنى: غضب عليه. والمعنى الأول: ممتنع بالنسبة لله عز وجل. والثاني: مثبت لله، لأن الله تعالى وصف به نفسه، فقال: وفي الآية من صفات الله: الغضب، والانتقام. ومن الناحية المسلكية: التحذير مما يغضب الله تعالى.
وقوله: (1) الآية الرابعة: قوله: * يعني بذلك المنافقين الذين لم يخرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغزوات، لأن الله تعالى كره انبعاثهم، لأن عملهم غير خالص له، والله تعالى أغنى الشركاء عن الشرك، ولأنهم إذا خرجوا، كانوا كما قال الله تعالى: ويمكن أن جمع بين القولين، لأنه إذا قيل لهم ذلك، وقعدوا، فهم ما قعدوا إلا يقول الله عز وجل. وفي الآية هنا إثبات أن الله عز وجل يكره، وهذا أيضاً ثابت في الكتاب والسنة: - قال الله تعالى: - وكما في هذه الآية التي ذكها المؤلف: - وقال النبي صلى الله عليه وسلم: فالكراهة ثابتة بالكتاب والسنة، أن الله تعالى يكره. وكراه الله سبحانه وتعالى للشيء تكون للعمل، كما في قوله: وتكون أيضاً للعامل، كما جاء في الحديث:
وقوله: (1) الآية الخامسة: قوله: * {كبر}، بمعنى: عظم. * {مقتا}: تمييز محول عن الفاعل، والمقت أشد البغض، وفاعل {كبر} بعد أن حول الفاعل إلى تمييز: (أن) وما دخلت عليه في قوله: وهذه الآية تعليل للآية التي قبلها وبيان لعاقبتها: ووجه ذلك أن يقال: إذا كنت تقول الشيء ولا تفعلها، فأنت بين أمرين: إما كاذب فيما نقول، ولكن تخوف الناس، فنقول لهم الشيء وليس بحقيقة. وإما أنك مستكبر عما تقول، تأمر الناس به ولا تفعله، وتنهى الناس عنه وتفعله. وفي الآية من الصفات: المقت، وأنه يتفاوت. ومن الناحية المسلكية: التحذير من أن يقول الإنسان مالا يفعل.
|