الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **
يستحب المبادرة إلى غسله وتجهيزه إذا تحقق موته بأن يموت بعلة وتظهر أمارات الموت بأن يسترخي قدماه ولا ينتصبا أو يميل أنفه أو ينخسف صدغاه أو تمتد جلدة وجهه أو ينخلع كفاه من ذراعيه أو تتقلص خصيتاه إلى فوق مع تدلي الجلدة فإن شك بأن لا يكون به علة واحتمل أن يكون به سكتة أو أظهرت أمارات فزع أو غيره أخر إلى اليقين بتغيير الرائحة أو غيره ص غسل الميت فرض كفاية وكذا التكفين والصلاة عليه والدفن بالإجماع وأقل الغسل استيعاب البدن مرة بعد إزالة النجاسة إن كانت وفي اشتراط نية الغسل على الغاسل وجهان أصحهما فيما ذكره الروياني وغيره لا يشترط. قلت صححه الأكثرون وهو ظاهر نص الشافعي والله أعلم. ولو غسل الكافر مسلما فالصحيح المنصوص أنه يكفي ولو غرق انسان ثم ظفرنا به لميكف ما سبق بل يجب غسله على الصحيح المنصوص أما أكمل الغسل فيستحب أن يحمل الميت إلى موضع خال مستور لا يدخله إلا الغاسل ومن لا بد من معونته عند الغسل. وذكر الروياني وغيره أن للولي أن يدخل إن شاء وإن لم يغسل ولم يعن ويوضع على لوح أو سرير هيىء له ويكون موضع رأسه أعلى لينحدر الماء ويغسل في قميص يلبسه عند إرادة غسله. ولنا وجه أن الأولى أن يجرد والصحيح المعروف هو الأول وليكن القميص باليا أو سخيفا ثم إن كان القميص واسعا أدخل يده في كمه وغسله من تجته وإن كان ضيقا فتق رأس الدخاريض وأدخل يده فيه. ولو لم يوجد قميص أو لم يتأت غسله فيه ستر منه ما بين السرة والركبة وحرم النظر إليه ويكره للغاسل أن ينظر إلى شيء من بدنه إلا لحاجة بأن يريد معرفة المغسول وأما المعين فلا ينظر إلا لضرورة ويحضر ماء باردا في إناء كبير ليغسل به وهو أولى من المسخن إلا أن يحتاج إلى المسخن لشدة البرد أو لوسخ أو غيره. فرع ويعد الغاسل قبل الغسل خرقتين نظيفتين وأول ما يبدأ به بعد وضعه على المغتسل أن يجلسه إجلاسا رفيقا بحيث لا يعتدل ويكون مائلا إلى ورائه ويضع يده اليمنى على كتفه وإبهامه في نقرة قفاه لئلا يميل رأسه ويسند ظهره إلى ركبته اليمنى ويمر يده اليسرى على بطنه إمرارا بليغا لتخرج الفضلات ويكون عنده مجمرة فائحة بالطيب ويصب عليه المعين ماء كثيرا لئلا تظهر رائحة ما يخرج ثم يرده إلى هيئة الاستلقاء ويغسل بيساره وهي ملفوفة بإحدى الخرقتين دبره ومذاكره وعانته كما يستنجي الحي ثم يلقي تلك الخرقة ويغسل يده بماء وإشنان كذا قال الجمهور إنه يغسل السوءتين معا بخرقة واحدة وفي النهاية و الوسيط أنه يغسل كل سوءة بخرقة ولا شك أنه أبلغ في النظافة ثم يتعهد ما على بدنه من قذر ونحوه. فرع فإذا فرغ مما قدمناه لف الخرقة الأخرى على اليد وأدخل أصبعه في فيه وأمرها على أسنانه بشيء من الماء ولا يفتح أسنانه ويدخل أصبعه في منخريه بشيء من الماء ليزيل ما فيهما من أذى. ثم يوضئه كوضوء الحي ثلاثا ثلاثا مع المضمضة والاستنشاق ولا يكفي ما قدمناه من إدخال الأصبعين عن المضمضة والاستنشاق بل ذاك كالسواك. هذا مقتضى كلام الجمهور وفي الشامل وغيره ما يقتضي الاكتفاء والأول أصح ويميل رأسه في المضمضة والاستنشاق لئلا يصل الماء باطنه وهل يكفي وصول الماء مقاديم الشفتين والمنخرين أم يوصله إلى الداخل حكى إمام الحرمين فيه ترددا لخوف الفساد وقطع بأن أسنانه لو كانت متراصة لا تفتح. فرع فإذا فرغ من وضوئه غسل رأسه ثم لحيته بالسدر والخطمي وسرحهما بمشط واسع الأسنان إن كانا متلبدين ويرفق لئلا ينتف شعر فإن انتتف رده إليه ثم يغسل شقه الأيمن المقبل من عنقه وصدره وفخذه وساقه وقدمه. ثم يغسل شقه الأيسر كذلك ثم يحوله إلى جنبه الأيسر فيغسل شقه الأيمن مما يلي القفا والظهر من الكتفين إلى القدم ثم يحوله إلى جنبه الأيمن فيغسل شقه الأيسر كذلك هذا نص الشافعي في المختصر. وبه قال أكثر الأصحاب وحكى العراقيون وغيرهم قولا آخر أنه يغسل جانبه الأيمن من مقدمه ثم يحوله فيغسل جانب ظهره الأيمن ثم يلقيه على ظهره فيغسل جانبه الأيسر من مقدمه ثم يحوله فيغسل جانب ظهره الأيسر. قالوا وكل واحد من هذين الطريقين سائغ والأول أولى وقال إمام الحرمين والغزالي في آخرين يضجع أولا على جنبه الأيسر فيصب الماء على شقه الأيمن من رأسه إلى قدمه ثم يضجع على جنبه الأيمن فيصب على شقه الأيسر. والجمهور على ما قدمناه وعلى أن غسل الرأس لا يعاد بل يبدأ بصفحة العنق فما تحتها وقد حصل غسل الرأس أولا ويجب الاحتراز عن كبه على الوجه. ثم جميع ما ذكرناه غسلة واحدة وهذه الغسلة تكون بالماء والسدر والخطمي ثم يصب عليه الماء القراح من قرنه إلى قدمه ويستحب أن يغسله ثلاثا فإن لم تحصل النظافة زاد حتى تحصل فإن حصل بشفع استحب الإيتار وهل يسقط الفرض بالغسلة المتغيرة بالسدر والخطمي فيه وجهان. أصحهما لا فعلى هذا لا تحسب هذه الغسلة من الثلاث قطعاً. وهل تحسب الواقعة بعدها وجهان أصحهما لا لأن الماء إذا أصاب المحل اختلط بما عليه من السدر وتغير به فعلى هذا المحسوب ما يصب عليه من الماء القراح بعد زوال السدر فيغسل بعد زوال السدر ثلاثا بالقراح. ويستحب أن يجعل في كل ماء قراح كافورا وهو في الغسلة الأخيرة آكد وليكن قليلا لا يتفاحش التغير به وقد يكون صلبا لا يقدح التغير به وإن كان فاحشا على المشهور ونقل المزني إعادة التليين في أول وضعه على المغتسل وأنكره أكثر الأصحاب ثم ينشفه تنشيفا بليغا. فرع يتعهد الغاسل مسح بطن الميت في كل مرة بأرفق مما قبلها خرجت منه نجاسة في آخر الغسلات أو بعدها وجب غسل النجاسة قطعا بكل حال وهل يجب غيرها فيه أوجه أصحها لا والثاني يجب إعادة غسله والثالث يجب وضوؤه فعلى الأصح لا فرق بين النجاسة الخارجة من السبيلين وغيرهما. وإن أوجبنا الوضوء اختص بالخارجة من السبيلين وإن أوجبنا الغسل ففي إعادة الغسل كسائر النجاسات احتمال لإمام الحرمين. قلت الصحيح الجزم بأنه لا يجب إعادة الغسل كسائر النجاسات والله أعلم. ولم يتعرض الجمهور للفرق بين أن تخرج النجاسة قبل الإدراج في الكفن أو بعده وأشار صاحب العدة إلى تخصيص الخلاف في وجوب الغسل والوضوء بما قبل الإدراج. قلت قد توافق صاحب العدة والقاضي أبو الطيب والمحاملي والسرخسي صاحب الأمالي فجزموا بالاكتفاء بغسل النجاسة بعد الإدراج والله أعلم. ولو لمس رجل امرأة ميتة بعد غسلها فإن قلنا يحب إعادة الغسل أو الوضوء بخروج النجاسة وجبا هنا كذا أطلقه في التهذيب. وذكر غيره أنه تفريع على نقض طهر الملموس وأما إذا قلنا لا يجب إلا غسل المحل فلا يجب هنا شيء ولو وطئت بعد الغسل فإن قلنا بإعادة الغسل أو الوضوء للنجاسة وجب هنا الغسل. وإن قلنا بالأصح لم يجب هنا شيء. قلت كذا أطلقه الأصحاب وينبغي أن يكون فيه خلاف مبني على نجاسة باطن فرجها فئنها خرجت على الذكر وتنجس بها ظاهر الفرج والله أعلم.
الأصل أن يغسل الرجال الرجال والنساء النساء وأولى الرجال بالغسل أولاهم بالصلاة عليه وسيأتي ترتيبهم إن شاء الله تعالى والنساء أولى بغسل المرأة بكل حال وليس للرجل غسل المرأة إلا لأحد أسباب ثلاثة أحدها الزوجية فله غسل زوجته المسلمة والذمية ولها غسله وإن تزوج اختها أو أربعا سواها على الصحيح. الثاني المحرمية وظاهر كلام الغزالي تجويز الغسل للرجال المحارم مع وجود النساء لكن لم أر لعامة الثالث ملك اليمين فللسيد غسل أمته ومدبرته وأم ولده ومكاتبته لأن كتابتها ترتفع بموتها فإن كن مزوجات أو معتدات لم يكن له غسلهن. قلت والمستبرأة كالمعتدة والله أعلم. فرع للمرأة غسل زوجها فإن طلقها رجعيا ومات أحدهما في العدة لم يكن للآخر غسله لتحريم النظر في الحياة وإلى متى تغسل زوجها فيه أوجه أصحها أبدا. والثاني ما لم تنقض عدتها بأن تضع حملا عقيب موته. والثالث ما لم يتزوج وإذا غسل أحد الزوجين صاحبه لف على يده خرقة ولا يمسه فإن خالف قال القاضي حسين يصح الغسل ولا يبنى على الخلاف في انتقاض طهر الملموس. قلت وأما وضوء الغاسل فينتقض قاله القاضي حسين والله أعلم. فرع هل للأمة والمدبرة وأم الولد غسل السيد وجهان أصحهما لا يجوز وليس للمكاتبة غسله بلا قلت والمزوجة والمعتدة والمستبرأة كالمكاتبة صرح به في التهذيب وغيره والله أعلم. فرع لو مات رجل وليس هناك إلا امرأة أجنبية أو ماتت امرأة هناك إلا رجل أجنبي فوجهان أصحهما عند العراقيين والروياني والأكثرين لا يغسل بل ييمم ويدفن والثاني وهو قول القفال ورجحه إمام الحرمين والغزالي يغسل في ثيابه ويلف الغاسل خرقة على يده ويغض طرفه ما أمكنه فإن اضطر للنظر نظر للضرورة. قلت حكى صاحب الحاوي هذا الثاني عن نص الشافعي رضي الله عنه وصححه وحكى صاحب البيان وغيره وجها ثالثا أنه يدفن ولا يغسل ولا ييمم وهو ضعيف جدا والله أعلم. فرع إذا مات الخنثى المشكل وليس هناك محرم له من الرجال أو فإن كان صغيرا جاز للرجال والنساء غسله وكذا واضح الحال من الأطفال يجوز للفريقين غسله كما يجوز مسه والنظر إليه وإن كان الخنثى كبيرا فوجهان كمسألة الأجنبي أحدهما ييمم ويدفن والثاني يغسل وفيمن يغسله أوجه أصحها وبه قال أبو زيد يجوز للرجال والنساء جميعا غسله والثاني أنه في حق الرجال كالمرأة وفي حق النساء كالرجل أخذا بالأحوط. والثالث يشترى من تركته جارية لتغسله فإن لم يكن تركة اشتريت من بيت المال. قال الأئمة وهذا ضعيف لأن إثبات الملك ابتداء لشخص بعد موته مستبعد ولو ثبت فالأصح أن الأمة لا تغسل سيدها. والمراد بالصغير من لم يبلغ حدا يشتهى مثله وبالكبير من بلغه
فإن كان الميت رجلا غسله أقاربه على ترتيب صلاتهم عليه. وهل تقدم الزوجة عليهم فيه وجهان. قلت وفيه ثلاثة أوجه أصحها يقدم رجال العصبات ثم الرجال الأجانب ثم الزوجة ثم النساء المحارم. والثاني يقدم الرجال الأقارب ثم الزوجة ثم الرجال الأجانب ثم النساء المحارم والثالث تقدم الزوجة على الجميع والله أعلم. وإن كان الميت امرأة قدم النساء في غسلها وأولاهن نساء القرابة والأولى منهن ذات رحم محرم فإن استوت اثنتان في المحرمية فالتي في محل العصوبة أولى كالعمة مع الخالة واللواتي لا محرمية لهن يقدم منهن الأقرب فالأقرب وبعد نساء القرابة تقدم الأجنبيات ثم رجال القرابة وترتيبهم كالصلاة. وهل يقدم الزوج على نساء القرابة وجهان الأصح المنصوص يقدمن عليه لأنهن أليق والثاني يقدم لأنه كان ينظر إلى ما لا ينظرن ويقدم الزوج على الرجال الأقارب على الأصح وكل من قدمناه فشرطه الإسلام فإن كان كافرا فكالمعدوم ويقدم من بعده حتى يقدم المسلم الأجنبي على القريب الكافر. ويشترط أيضاً أن لا يكون قاتلا فإن قتل بحق بني على إرثه منه ولو أن المقدم في الغسل سلمه لمن بعده فله تعاطيه بشرط اتحاد الجنس فليس للرجال كلهم التفويض إلى النساء ولا العكس.
لا يقرب طيبا ولا يؤخذ شعره وظفره ولا الرجل مخيطا ولا يستر رأسه ولا وجه المرأة ولا بأس بالتخمير عند غسله كما لا بأس بجلوس المحرم عند العطار ولو ماتت معتدة محدة جاز تطييبها على الأصح. قلت قال أصحابنا فلو طيب المحرم إنسان أو ألبسه مخيطا عصى ولا فدية كما لو قطع عضوا من ميت والله أعلم.
ويؤخذ شعر إبطه وعانته قولان القديم لا يفعل كما لا يختن والجديد يفعل والقولان في الكراهة ولا خلاف أن هذه الأمور لا تستحب. قلت قلد الإمام الرافعي الروياني في قوله لا تستحب بلا خلاف وإنما الخلاف في إثبات الكراهة وعدمها وكذا قاله أيضاً الشيخ أبو حامد والمحاملي ولكن صرح الأكثرون أو الكثيرون بخلافه فقالوا الجديد أنه يستحب والقديم يكره ممن صرح بهذا صاحب الحاوي والقاضي أبو الطيب والغزالي في الوسيط وغيرهم. وقطع أبو العباس الجرجاني بالاستحباب وقال صاحب الحاوي القول الجديد أنه مستحب وتركه مكروه. وعجب من الرافعي كيف يقول ما قال وهذه الكتب مشهورة لا سيما الوسيط وأما الأصح من القولين فقال جماعة القديم هنا أصح وهو المختار فلم ينقل عن النبي صلى الله وأما قوله كما لا يختن فهذا هو المذهب الذي قطع به الجمهور وفيه وجه أنه يختن ووجه ثالث يختن البالغ دون الصبي والله أعلم. فإذا قلنا بالجديد يخير الغاسل في شعر الإبطين والعانة بين الأخذ بالموسى أو بالنورة وقيل تتعين النورة في العانة. قلت المذهب أنه مخير في الجميع فأما الشارب فيقصه كالحياة قال المحاملي وغيره يكره حلقه في الحي والميت قال أصحابنا ويفعل هذه الأمور قبل الغسل ممن صرح به المحاملي وصاحب الشامل وغيرهما ولم يتعرض الجمهور لدفن هذه الأجزاء معه. وقال صاحب العدة ما يأخذه منها يصر في كفنه ووافقه القاضي حسين وصاحب التهذيب في الشعر المنتتف في تسريح الرأس واللحية كما تقدم وقال به غيرهم. وقال صاحب الحاوي الاختيار عندنا أنه لا يدفن معه إذ لا أصل له والله أعلم. ولا يحلق رأسه بحال وقيل إن كان له عادة بحلقه ففيه الخلاف كالشارب وجميع ما ذكرناه في صفة الغسل هو في غير الشهيد وسيأتي حكم الشهيد إن شاء الله تعالى. فرع لو تحرق مسلم بحيث لو غسل لتهرأ لم يغسل بل ييمم قروح وخيف عليه من غسله تسارع البلى إليه بعد الدفن غسل فالجميع صائرون إلى البلى. قلت يجوز للجنب والحائض غسل الميت بلا كراهة ولو ماتا غسلا غسلا واحدا وإذا رأى الغاسل من الميت ما يعجبه استحب أن يتحدث به وإن رأى ما يكره حرم عليه ذكره إلا لمصلحة وإن كان للميتة شعر فالسنة أن يجعل ثلاث ذوائب وتلقى خلفها وينبغي أن يكون مأمونا. ولو كان له زوجتان أو أكثر وتنازعن في غسله أقرع بينهن ولو مات زوجات في وقت بهدم أو غرق أو غيره أقرع بينهن فقدم من خرجت قرعتها. قال الدارمي قال الشافعي رحمه الله لو مات رجل وهناك نساء مسلمات ورجال كفار أمرت الكفار بغسله وصلين عليه وهذا تفريع على صحة غسل الكافر. قال الدارمي وإذا نشف المغسول بثوب قال أبو إسحق لا ينجس الثوب سواء قلنا بنجاسة الميت أم لا قال الدارمي وفيه نظر والله أعلم.
تقدم أنه فرض كفاية ويستحب في لون الكفن البياض وجنسه في حق كل ميت ما يجوز له لبسه في الحياة فيجوز تكفين المرأة في الحرير لكن يكره ويحرم تكفين الرجل به. قلت ولنا وجه شاذ منكر أنه يحرم تكفين المرأة في الحرير وأما المزعفر والمعصفر فلا يحرم تكفينها فيه لكن يكره على المذهب وفي وجه لا يكره. قال أصحابنا يعتبر في الأكفإن المباحة حال الميت فإن كان مكثرا فمن جياد الثياب وإن كان متوسطا فأوسطها وإن كان مقلا فخشنها قالوا وتكره المغالاة فيه. قال القاضي حسين وصاحب التهذيب والمغسول أولى من الجديد واتفقوا على استحباب تحسين الكفن في البياض والنظافة وسبوعه وكثافته لا في ارتفاعه والله أعلم.
وأكمله للرجال ثلاثة وفي قدر الثوب الواجب وجهان. أحدهما ما يستر العورة ويختلف باختلاف عورة المكفن في الذكورة والأنوثة والثاني ما يستر جميع بدنه إلا رأس المحرم ووجه المحرمة. قلت أصحهما الأول وصححه الجمهور وهو ظاهر النص والله أعلم. وإذا كفن فيما لا يعم الرأس والرجلين ستر الرأس والثوب الواجب حق لله تعالى لا تنفذ وصية الميت بإسقاطه. والثاني والثالث حق للميت تنفذ وصيته بإسقاطهما ولو لم يوص فقال بعض الورثة يكفن بثوب وبعضهم بثلاثة فالمذهب يكفن بثلاثة وقيل وجهان. أحدهما بثوب وأصحهما بثلاثة ولو اتفقت الورثة على ثوب قال في التهذيب يجوز وفي التتمة انه على الخلاف. قلت قول التتمة أقيس والله أعلم. ولو كان عليه ديون مستغرقة فقال الغرماء ثوب فثوب على الأصح فرع محل الكفن رأس مال التركة يقدم على الديون والوصايا والميراث لكن لا يباع المرهون في الكفن ولا الجاني ولا ما وجبت فيه الزكاة. قلت ويلحق بالثلاثة المال الذي ثبت فيه حق الرجوع بإفلاس الميت وقد ذكره الرافعي في أول الفرائض والله أعلم. فإن لم يترك مالا فكفنه على من هو في نفقته فعلى القريب كفن قريبه وعلى السيد كفن عبده وأم ولده ومكاتبه وسواء في أولاده كانوا صغارا أو كبارا تجب عليه أكفانهم لأنهم عاجزون بالموت ونفقة عاجزهم واجبة. ويجب على الزوج كفنها ومؤنة تجهيزها على الأصح فعلى هذا لو لم يكن للزوج مال ففي مالها أما إذا لم يترك الميت مالا ولا كان له من تلزمه نفقته فيجب كفنه ومؤنة تجهيزه في بيت المال كنفقته. وهل يكفن منه بثوب واحد أم بثلاثة وجهان أصحهما بثوب فإن قلنا ثوب فلو ترك ثوبا لم يزد من بيت مال وإن قلنا ثلاثة كمت على الأصح. وإذا لم يكن في بيت المال مال فعلى عامة المسلمين الكفن ومؤنة التجهيز. قلت قال القاضي حسين إذا مات وهو في نفقة غيره هل يلزمه تكفينه بثلاثة أثواب أم بثوب وجهان. أصحهما ثوب وقطع هو وصاحب التهذيب بأنه إذا لم يكن في بيت المال مال ولزم المسلمين تكفينه لا يجب أكثر من ثوب والله أعلم. فرع ويستحب تكفين المرأة في خمسة والخنثى كالمرأة والزيادة على الخمسة مكروهة على الاطلاق. قلت قال إمام الحرمين قال الشيخ أبو علي وليست الخمسة في حق المرأة كالثلاثة للرجل حتى نقول يجبر الورثة عليها كما يجبرون على الثلاثة. قال الإمام وهذا متفق عليه والله أعلم. ثم إن كفن الرجل والمرأة في ثلاثة فالمستحب ثلاث لفائف وإن كفن الرجل في خمسة فثلاث لفائف وقميص وعمامة وتجعلان تحت اللفائف. وإن كفنت المرأة في خمسة فقولان الجديد إزار وخمار وثلاث لفائف والقديم وهو الأظهر عند الأكثرين إزار وخمار وقميص ولفافتان وهذه المسألة مما يفتى فيه على القديم. قلت قال الشيخ أبو حامد والمحاملي المعروف للشافعي في عامة كتبه أنه يكون فيها قميص قالا والقول الآخر لا يعرف إلا عن المزني فعلى هذا الذي نقلا لا يكون إثبات القميص مختصا بالقديم والله أعلم. ثم قال الشافعي رحمه الله يشد على صدرها ثوب لئلا تنتشر أكفانها واختلف فيه فقال أبو إسحق هو ثوب سادس ويحل عنها إذا وضعت في القبر وقال ابن سريج يشد عليها ثوب من الخمسة ويترك والأول أصح عند الأصحاب وأما ترتيب الخمسة فقال المحاملي وغيره على قول أبي إسحق إن قلنا تقمص شد عليها المئزر ثم القميص ثم الخمار ثم تلف في ثوبين ثم يشد السادس وإن قلنا لا تقمص شد المئزر ثم الخمار ثم تلف في اللفائف ثم يشد عليها خرقة. وعلى قول ابن سريج إن قلنا تقمص شد المئزر ثم الدرع ثم الخمار ثم يشد عليها الخرقة ثم تلف في ثوب وإن قلنا لا تقمص شد المئزر ثم الخمار ثم تلف في ثوب ثم يشد عليها آخر ثم تلف في الخامس وإذا وقع التكفين في اللفائف الثلاث ففيها وجهان. أحدهما تكون متفاوتة في الأول يأخذ ما بين سرته وركبتيه. والثاني من عنقه إلى كعبه والثالث يستر جميع بدنه وأصحهما تكو متساوية في الطول والعرض يأخذ كل واحد منهما جميع بدنه ولا فرق في التكفين في الثلاث بين الرجل والمرأة وإنما يفترقان في الخمسة كما تقدم. فرع يستحب تبخير الكفن بالعود إن لم يكن الميت محرما فتنصب مبخرة وتوضع الأكفإن عليها ليصيبها دخان العود ثم تبسط أحسن اللفائف وأوسعها ويذر عليها حنوط وتبسط الثانية فوقها ويذر عليها حنوط وتبسط الثالثة التي تلي الميت فوقها ويذر عليها حنوط وكافور ثم يوضع الميت فوقها مستلقيا ويؤخذ قدر من القطن المحلوج ويجعل عليه حنوط وكافور ويدس بين أليتيه حتى يتصل بالحلقة ليرد شيئا يتعرض للخروج ولا يدخله في باطنه وفيه وجه ضعيف أنه لا بأس به ثم يسد أليتيه ويستوثق بأن يأخذ خرقة ويشق رأسها ويجعل وسطها عن أليتيه وعانته ويشدها فوق السرة بأن يرد ما يلي ظهره إلى سرته ويعطف الشقين الآخرين عليه. ولو شد شقا من كل رأس على فخذه ومثله على الفخذ الثانية جاز وقيل يشدها عليه بالخيط ولا يشق طرفيها ثم يأخذ شيئا من القطن ويضع عليه قدرا من الكافور والحنوط ويجعل على منافذ البدن من المنخرين والأذنين والعينين والجراحات النافذة دفعا للهوام ويجعل الطيب على مساجده وهي الجبهة والأنف وباطن الكفين والركبتان والقدمان فيجعل الطيب على قطن ويجعل على هذه المواضع. وقيل يجعل عليها بلا قطن ثم يلقى الكفن عليه بأن يثني من الثوب الذي يلي الميت طرفه الذي يلي شقه الأيسر على شقه الأيمن والذي يلي الأيمن على الأيسر كما يفعل الحي بالقباء ثم يلف الثاني والثالث كذلك. وفيه قول آخر أنه يبدأ بالطرف الذي يلي شقه الأيمن والأول أصح عند الجمهور ومنهم من قطع به. وإذا لف الكفن عليه جمع الفاضل عند رأسه جمع العمامة ورد على وجهه وصدره إلى حيث بلغ وما فضل عند رجليه يجعل على القدمين والساقين وينبغي أن يوضع الميت على الأكفإن أولا بحيث إذا وضع ولف عليه كان الفاضل عند رأسه أكثر ثم تشد الأكفإن عليه بشداد خيفة انتشارها عند الحمل فإذا وضع في القبر نزع وفي كون الحنوط مستحبا أو واجبا وجهان أصحهما مستحب. قلت مذهبنا أن الصبي الصغير كالكبير في استحباب تكفينه في ثلأثة أثواب وقال الضيمري لا يستحب أن يعد لنفسه كفنا لئلا يحاسب عليه وهذا الذي قاله صحيح إلا إذا كان من جهة يقطع بحلها أو من أثر بعض أهل الخير من العلماء أو العباد ونحو ذلك فإن إدخاره حسن وقد صح عن بعض الصحابة فعله والله أعلم.
ليس في حمل الجنازة دناءة وسقوط مروءة بل هو بر وإكرام للميت ولا يتولاه إلا الرجال ذكرا كان الميت أو أنثى ولا يجوز الحمل على الهيآت المزرية ولا على الهيئة التي يخشى منها السقوط وللحمل كيفيتان إحداهما بين العمودين وهو أن يتقدم رجل فيضع الخشبتين الشاخصتين وهما العمودان على عاتقيه والخشبة المعترضة بينهما على كتفه ويحل مؤخر النعش رجلان أحدهما من الجانب الأيمن والآخر من الأيسر ولا يتوسط الخشبتين المؤخرتين واحد فإنه لا يرى موضع قدميه فإن لم يستقل المقدم بالحمل أعانه رجلان خارج العمودين يضع كل واحد منهما واحدا على عاتقه فتكون الجنازة محمولة على خمسة والكيفية الثانية التربيع وهو أن يتقدم رجلان فيضع أحدهما العمود الأيمن على عاتقه الأيسر والآخر العمود الأيسر على عاتقه الأيمن وكذلك يحمل العمودين من آخرهما رجلان فتكون الجنازة محمولة بأربعة. قال الشافعي رضي الله عنه من أراد التبرك بحمل الجنازة من جوانبها الأربعة بدأ بالعمود الأيسر من مقدمها فحمله على عاتقه الأيمن ثم يسلمه إلى غيره ويأخذ العمود الأيسر من مؤخرها فيحمله على عاتقه الأيمن أيضاً ثم يتقدم فيعرض بين يديها لئلا يكون ماشيا خلفها فيأخذ العمود الأيمن من مقدمها على عاتقه الأيسر ثم يأخذ العمود الأيمن من مؤخرها ولا شك أن هذا إنما يتأتى إذا حمل الجنازة على هيئة التربيع. وكل واحدة من الكيفيتين جائزة قال بعض الأصحاب والأفضل أن يجمع بينهما بأن يحمل تارة كذا وتارة كذا فإن اقتصر فأيهما أفضل فيه ثلاثة أوجه. الصحيح المعروف الحمل بين العمودين أفضل والثاني التربيع والثالث هما سواء. المشي أمام الجنازة أفضل للراكب والماشي والأفضل أن يكون قريبا منها وهو بالخيار إن شاء قام منتظرا لها وإن شاء قعد والسنة الإسراع بالجنازة إلا أن يخاف من الإسراع تغير الميت فيتأنى والمراد بالإسراع فوق المشي المعتاد دون الخبب فإن خيف عليه تغير أو انفجار أو انتفاخ زيد في الإسراع. قلت ينبغي أن لا يركب في ذهابه مع الجنازة إلا لعذر ولا بأس به في الرجوع وقد تقدم بيانه في الجمعة قال أصحابنا وإن كان الميت امرأة استحب أن يتخذ لها ما يسترها كالخيمة والقبة قالوا واتباع الجنائز سنة متأكدة في حق الرجال وأما النساء فلا يتبعن ثم قيل الاتباع حرام عليهن والصحيح أنه مكروه إذا لم يتضمن حراما. قال أصحابنا ولا يكره للمسلم اتباع جنازة قريبه الكافر قال الشافعي وأصحابنا رحمهم الله يكره أن تتبع الجنازة بنار في مجمرة أو غيرها ونقل ابن المنذر وغيره الاجماع عليه وقال بعض أصحابنا لا يجوز ذلك. والمذهب الكراهة وكذا يكره أن يكون عند القبر مجمرة وأما النياحة والصياح وراء الجنازة فحرام شديد التحريم ويكره اللغط في المشي معها والحديث في أمور الدنيا بل المستحب الفكر في الموت وما بعده وفناء الدنيا ونحو ذلك قال الشافعي وأصحابنا وإذا مرت به جنازة ولم يرد الذهاب معها لم يقم لها بل نص أكثر أصحابنا على كراهة القيام ونقل المحاملي إجماع الفقهاء عليه وانفرد صاحب التتمة باستحباب القيام للأحاديث الصحيحة فيه قال الجمهور الأحاديث منسوخة وقد أوضحت ذلك في شرح المهذب والله أعلم.
|