الحق السادس: حق الزوجين
للزواج آثار هامة، ومقتضيات كبيرة فهو رابطة بين الزوج وزوجته، يلزم كل واحد منهما بحقوق للآخر: حقوق بدنية، وحقوق اجتماعية، وحقوق مالية.
فيجب على الزوجين أن يعاشر كل منهما الآخر بالمعروف، وأن يبذل الحق الواجب له بكل سماحة وسهولة من غير تكره لبذله ولا مماطلة. قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف} [النساء: من الآية19] الآية وقال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَة} [البقرة: من الآية228] الآية. كما يجب على المرأة أن تبذل لزوجها ما يجب عليها بذله، ومتي قام كل واحد من الزوجين بما يجب عليه للآخر كانت حياتهما سعيدة ودامت العشرة بينهما، وإن كان الأمر بالعكس حصل الشقاق والنزاع وتنكدت حياة كل منهما.
ولقد جاءت النصوص الكثيرة بالوصية بالمرأة ومراعاة حالها، وأن كمال الحال من المحال، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (استوصوا بالنساء خيرا، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء). وفي رواية: (إن المرأة خلقت من ضلع ولن تستقيم لك على طريقة فإن استمتعت بها فاستمتع بها وفيها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها). وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها خلقًا آخر). ومعنى لا يفرك: لا يبغض.
ففي هذه الأحاديث إرشاد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمته كيف يعامل الرجل المرأة وأنه ينبغي أن يأخذ منها ما تيسر لأن طبيعتها التي خلقت أن لا تكون على الوجه الكامل، بل لابد فيها من عوج، ولا يمكن أن يستمتع بها الرجل، إلا على الطبيعة التي خلقت عليها وفي هذه الأحاديث أنه ينبغي للإنسان أن يقارن بين المحاسن والمساوئ في المرأة فإنه إن كره منها خلقا فليقارنه بالخلق الثاني الذي يرضاه منها ولا ينظر إليها بمنظار السخط والكراهية وحده.
وإن كثير من الأزواج يريدون الحالة الكاملة من زوجاتهم، وهذا شيء غير ممكن وبذلك يقعون في النكد، ولا يتمكنون من الاستمتاع والمتعة بزوجاتهم، وربما أدي ذلك إلى الطلاق كما قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها). فينبغي للزوج أن يتساهل ويتغاضى عن كل ما تفعله الزوجة إذا كان لا يخل بالدين أو الشرف.
ومن حقوق الزوجة على زوجها: أن يقوم بواجب نفقتها من الطعام والشراب والكسوة والمسكن. وتوابع ذلك لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: من الآية233] قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) وسئل ما حق زوجة أحدنا عليه قال: (أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت) [أخرجه أبو داوود كتاب النكاح باب حق المرأة على زوجها (2142) وابن ماجه كتاب النكاح باب حق المرأة على الزوج (1850) وقال الالباني في تحقيقه لمشكاة المصابيح (2/972) إسناده جسن.]. رواه أبو داود.
ومن حقوق الزوجة على زوجها: أن يعدل بينها وبين جارتها إن كان له زوجة ثانية، يعدل بينهما في الانفاق والسكني والمبيت وكل ما يمكنه العدل فيه، فإن الميل إلى إحداهما كبيرة من الكبائر، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) [أخرجه أبو داوود كتاب النكاح باب في القسم بين النساء (2133) والترمزي كتاب النكاح باب ما جاء في التسوية بين الضرائر (1141) وابن ماجه كتاب النكاح باب القسمة بين النساء (1969) وصححه الالباني في صحيح الجامع (6515).]. وأما ما لا يمكنه أن يعدل فيه كالمحبة وراحة النفس فإنه لا إثم عليه فيه؛ لأن هذا بغير استطاعته قال الله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: من الآية129] الآية. وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقسم بين نسائه فيعدل ويقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) [ أخرجه أبو داوود كتاب النكاح باب في القسم بين النساء (2134) والترمزي كتاب النكاح باب ما جاء في التسوية بين الضرائر (1140) وابن ماجه كتاب النكاح باب القسمة بين النساء (1971)].
ولكن لو فضل إحداهما على الأخرى في المبيت برضاها فلا بأس؛ كما كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقسم لعائشة يومها ويوم سوده حين وهبته سوده لعائشة؛ وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسأل وهو في مرضه الذي مات فيه؛ أين أنا غدًا؟ أين أنا غدًا؟ فأذن له أزواجه أن يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتى مات. [أخرجه البخاري كتاب النكاح باب إذا استأذن الرجل نساءه (5217) ومسلم كتاب فضائل الصحابة باب فضل عائشة رضي الله تعالى عنها (2443).]
أما حقوق الزوج على زوجته فهي أعظم من حقوقها عليه لقوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: من الآية228] والرجل قوام على المرأة يقوم بمصالحها وتأديبها وتوجيهها كما قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: من الآية34].
فمن حقوق الزوج على زوجته: أن تطيعه في غير معصية الله وأن تحفظه في سره وماله فقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها). وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح) [أخرجه البخاري كتاب النكاح باب إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها (5193) ومسلم كتاب النكاح باب تحريم امتناعها في فراش زوجها (1436/ 122).].
ومن حقوقه عليها: أن لا تعمل عملا يضيع عليه كمال الاستمتاع حتي لو كان ذلك تطوعا بعبادة لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن لأحد في بيته إلا بإذنه) [أخرجه البخاري كتاب النكاح باب لا تأذن المرأة في بيت زوجها لأحد إلا بإذنه (5195) ومسلم كتاب الزكاة؛ باب ما أنفق العبد من مال مولاه (1026).].
ولقد جعل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رضي الزوج عن زوجته من أسباب دخولها الجنة؛ فروي الترمزي من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة).