الحق الخامس: حقوق الأقارب
للقريب الذي يتصل بك في القرابة كالأخ والعم والخال وأولادهم وكل من ينتمي إليك بصلة فله حق هذه القرابة بحسب قربه، قال تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء: من الآية26]. الآية وقال: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} [النساء: من الآية36]. فيجب على كل قريب أن يصل قريبه بالمعروف ببذل الجاه والنفع البدني والنفع المالي، بحسب ما تتطلبه قوة القرابة والحاجة وهذا ما يقتضيه الشرع والعقل والفطرة.
وقد كثرت النصوص في الحث على صلة الرحم وهو القريب، والترغيب في ذلك، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. فقال الله: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلي. قال: فذلك لك). ثم قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (اقرؤوا إن شئتم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22- 23] [أخرجه البخاري في كتاب الأدب باب من وصل وصله الله (5987) ومسلم كتاب البر والصلة والآداب باب صلة الرحم وتحؤيم قطيعتها (2554).]. وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه) [أخرجه البخاري كتاب الأدب باب إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه (6138).].
وكثير من الناس مضيعون لهذا الحق مفرطون فيه، تجد الواحد منهم لا يعرف قرابته بصلة، لا بالمال ولا بالجاه ولا بالخلق وتمضي الأيام والشهور من رآهم ولا قام بزيارتهم ولا تودد إليهم بهدية، ولا دفع عنهم ضرورة أو حاجة، بل ربما أساء إليهم بالقول أو بالفعل |أو بالقول والفعل جميعا، يصل البعيد ويقطع القريب.
ومن الناس من لا يصل أقاربه إن وصلوه ويقطعهم إذا قطعوه. وهذا ليس بواصل في الحقيقة إنما هو مكافئ للمعروف بمثله وهو حاصل للقريب وغيره، فإن المكافأة لا تختص بالقريب، والواصل حقيقة هو: الذي يصل قرابته لله ولا يبالي سواء وصلوه أم لا، كما في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها) [ أخرجه البخاري كتاب الأدب باب ليس الواصل بالمكافئ (5991). ]. وسأله رجل فقال: (يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، واحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عليهم ويجهلون عليّ فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك) [أخرجه مسلم كتاب البر والصلة والآداب باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها (2558).]. رواه مسلم.
ولو لم يكن في صلة الرحم إلا أن الله يصل الواصل في الدنيا والآخرة فيمده بالرحمة وييسر له الأمور ويفرج عنه الكربات. مع ما في صلة الرحم من تقارب الأسر وتوادهم وحنو بعضهم على بعض ومعاونة بعضهم البعض في الشدائد والسرور والبهجة والحاصلة بذلك كما هو مجرب معلوم. وكل هذه الفوائد تنعكس حينما تحل القطيعة ويحصل التباعد.