الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك ***
لإن أن ليت لكل لعل... كأن عكس ما لكان من عمل يعني: أن "كان" ترفع الاسم وتنصب الخبر، وهذه الأحرف تنصب الاسم وترفع الخبر خلافا للكوفيين في قولهم إن الخبر باق على رفعه، وبعض العرب ينصب بهذه الأحرف الجزأين معا، وحكى ابن السيد أن ذلك لغة. وأما معاني هذه الأحرف "فإن وأن" للتوكيد, "ولكن" للاستدراك، وليست مركبة على الأصح, "وليت" للتمني, ويكون في الممكن والمستحيل ولا يكون في الواجب، "لعل" للترجي في المحبوب والإشفاق في المكروه، ولا يكون إلا في الممكن, ولا تكون للتعليل ولا للاستفهام، ولا للشك عند البصريين خلافا لمن قال بذلك، وليست مركبة على الأصح. و"كأن" للتشبيه ولا تكون للتحقيق ولا للتقريب، ولا للظن, خلافا لمن قال بذلك، وهي مركبة من "كاف" التشبيه، "وأن" قيل: بلا خلاف، وليس بصحيح بل "قيل" ببساطتها. ثم مثل بقوله: كإن زيدا عالم بأني... كفء ولكن ابنه ذو ضغن وتمثيل البواقي سهل، قال: وراع ذا الترتيب إلا في الذي... كليت فيها أو هنا غير البذي الإشارة إلى تقديم الاسم وتأخير الخبر. يعني: أنه لا يجوز تقديم خبرها على اسمها لضعفها إلا إذا كان ظرفا نحو "ليت هنا غير البذي" أو مجرورا نحو "ليت فيها غير البذي". وإنما جاز تقديم الظرف والمجرور للتوسع فيهما، ولأنهما في الحقيقة ليسا بالخبر بل معمولاه. قال في العمدة: ويجب أن يقدر العامل في الظرف بعد الاسم كما يقدر الخبر وهو غير ظرف. ثم قال: وهمز إن افتح لسد مصدر... مسدها وفي سوى ذاك اكسر "إن" المكسورة أصل، والمفتوحة فرعها على أصح الأقوال، فلذلك يستدام كسرها ما لم تؤول هي ومعمولها بمصدر فتفتح وجوبا إن لزم التأويل نحو "بلغني أنك فاضل" أي: فضلك، وجوازا إن لم يلزم, وذلك في مواضع ستأتي. وقد نبه "على مواضع" الكسر فقال: فاكسر في الابتدا...... يعني: في ابتداء الكلام حقيقة نحو: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} أو حكما نحو: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ}. ثم قال:...... وفي بدء صله يعني: أول صلة موصول كقوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ} واحترز بالبدء من نحو: "جاء الذي في ظني أنه فاضل". ثم قال: وحيث إن ليمين مكمله يعني: إذا وقعت جواب قسم مطلقا مع "اللام" أو دونها نحو: {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} ونحو: {حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ}. فإن قلت: فقد ذكر بعد هذا جواز الفتح والكسر "بعد" اليمين إذا لم توجد "اللام" فيكون إطلاقه هنا مقيدا بما بعد كما قال بعضهم. قلت: الصحيح وجوب كسرها إذا وقعت جواب القسم مطلقا، فإطلاقه صحيح ولا يعارضه إجازته للوجهين بعد؛ لأن من فتح لم يجعلها جوابا، وسيأتي بيانه. ثم قال: أو حكيت بالقول...... مثاله: {وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ}: فإن سيقت بعد القول للتعليل فتحت، لأنها غير محكية نحو: "أخصك بالقول أنك ذكي" أي لأنك "ذكي" وعنه احترز بقوله "حكيت". واحترز أيضا من القول "المضمن" معنى الظن، فإنه يجوز بعد الفتح والكسر. بقوله: أتقول إنك بالحياة ممتع.................................. فمن فتح جعل القول عاملا و"إن" غير محكية، ومن كسر حكى به، لأن الحكاية بالقول مع استيفاء شروط إجرائه مجرى الظن جائزة. ثم قال: أو حلت محل حال..... يعني: مع واو، ونحو قوله "كزرته وإني ذو أمل" أو دون "واو" كقوله تعالى: {إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ}. وكسروا من بعد فعل علقا... باللام كاعلم إنه لذو تقى حق أن بعد أفعال القلوب أن تفتح ما لم يعلق الفعل باللام فيجب كسرها نحو: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ}، وكقوله "اعلم إنه لذو تقى" فلولا اللام لفتحت, فهذه ستة مواضع يجب "فيها" كسرها. وزاد المصنف في غير هذا الكتاب سابعا، وهو أن تقع خبر اسم عين نحو: "زيد أنه فاضل". وزاد غيره ثامنا وهو بعد "حيث". "قال وقد أولع عوام الفقهاء بالفتح بعدها". قلت: "ويتخرج على مذهب الكسائي". ثم انتقل إلى مواضع الوجهين فقال: بعد إذا فجاءة أو قسمِ... لا لام بعده بوجهين نمي مثال ذلك بعد "إذا" قول الشاعر: وكنت أرى زيدا كما قيل سيدا... إذا أنه عبد القفا واللهازم يروى بالكسر على عدم التأويل، وبالفتح على تأويل أن "ومعموليها" بمصدر مرفوع بالابتداء والخبر محذوف. قال المصنف: والكسر أولى؛ لأنه لا يحوج إلى تقدير. قلت: وذهب قوم إلى أنها هي الخبر، وعلى هذا فلا تقدير في الفتح أيضا فيستوي الوجهان. ومثال ذلك بعد القسم قول الشاعر: أو تحلفي بربك العلي... أني أبو ذيالك الصبي يروى بالكسر على جعل أن جواب القسم "وبالفتح على تأويل أن بمصدر معمول لفعل القسم" بإسقاط الخافض. أي: على أني. وقد اتضح بهذا: أن من فتح لم يجعلها الجواب، وذلك لأن الفتح متوقف على كون المحل "معنيا" فيه المصدر عن "أن" وصلتها، وجواب القسم ليس كذلك؛ فإنه لا يكون إلا جملة. قال في شرح التسهيل: فإن ورد الفتح في جواب قسم حكم بشذوذه، "وحمل" على إرادة "على". فإن قلت: فهل يجوز الفتح في نحو: "والله إن زيدا قائم"؟ قلت: قد حكى عن الكوفيين تفضيله على الكسر "في" هذا المثال وعن بعضهم تفضيل الكسر عليه. ومذهب البصريين أن الكسر لازم، وهو الصحيح. قال ابن خروف: لم يسمع فتحها بعد اليمين "ولا" وجه له، وهو كما قال: وشبهة من أجاز الفتح في المثال المذكور ونحوه سماع الفتح في نحو "حلفت أن زيدا قائم". فكما جاز الفتح مع التصريح بالفعل "كذلك" يجوز مع تقديره؛ لأن الفعل مقدر في المثال المذكور ونحوه. قيل: وذلك غلط؛ لأن من فتح بعد "حلفت" لم يجعلها قسما بل إخبارا عن قسم، ولا يتصور ذلك في حلفت المضمرة؛ لأن العرب لا تضمر حلفت وتريد بها غير القسم. ثم كمل مواضع الوجهين فقال: مع تلو فا الجزا. مثال ذلك قوله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} الفاء جواب قوله من عمل، وقد قرئ بالوجهين فالكسر على جعل ما بعد الفاء جملة تامة, والفتح على تقديرها بمصدر هو خبر مبتدأ محذوف. أي: فجزاؤه "الغفران" أو مبتدأ وخبره محذوف. والكسر أحسن في القياس. قال المصنف: ولذلك لم يجئ الفتح في القرآن إلا مسبوقا "بأن" المفتوحة. .......................... وذا يطرد... في نحو خير القول أني أحمد فالكسر على تقدير: "أول قول أفتتح به هذا المفتتح أني، والفتح على تقدير" أول قولي حمد الله. فعبارة الفتح تصدق على كل لفظ تضمن حمدا، وعبارة الكسر لا تصدق على حمد بغير هذا اللفظ الذي أوله "إني" وقد قيل: في وجه الكسر غير هذا، وما ذكرته هو التحقيق. وضابط ما يجوز فيه الوجهان من هذا النوع أن تقع "إن" خبر قول "ويكون" خبرها قولا فلو كان غير قول تعين الكسر نحو: "أول قولي إنك ذاهب". ثم قال: وبعد ذات الكسر تصحب الخبر... لام ابتداء نحو إني لوزر دخول هذه "اللام" بعد "إن" المكسورة متفق عليه، وأجاز بعضهم دخولها بعد المفتوحة، وحكى عن المبرد، وهو خلاف شاذ، وما سمع منه محمول على الزيادة. وأجاز الكوفيون: دخولها بعد "لكن" وما احتجوا به متأول. وقوله "لام ابتداء" يعني أن هذه اللام هي لام الابتداء، وإنما أخرت إلى الخبر كراهة الجمع بين حرفين لمعنى واحد خلافا لمن قال: هذه غير تلك. وقوله: "تصحب الخبر" مقيد بقوله: ولا يلي ذا اللام ما قد نفيا... ولا من الأفعال ما كرضيا والخبر ضربان: مثبت ومنفي. فالمنفي لا تدخل عليه اللام إلا نادرا كقوله: وأعلم إن تسليما وتركا... للا متشابهان ولا سواء والمثبت إما أن يكون ماضيا متصرفا عاريا من "قد" أو غيره، فإن كان ماضيا متصرفا عاريا من "قد" لم تدخل اللام عليه، فإن وجد مثل: "إن زيدا لقام"، فاللام لام القسم. "وكذلك" لو تقدم "على" "أن" ما يقتضي فتحها لفتحت مع هذه اللام نحو: "علمت أن زيدا لقام"، وإن كان غير ذلك دخلت اللام "عليه". فتدخل على الخبر المفرد نحو: "إن زيدا لقائم" والفعل المضارع نحو: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} والجملة الاسمية نحو: "إن زيدا لأبوه فاضل" والماضي غير المتصرف نحو: "إن زيدا لنعم الفتى" والمتصرف المقرون بقد نحو "إن زيدا لقد قام". وإلى هذا أشار بقوله: وقد يليها مع قد كإن ذا... لقد سما على العدا مستحوذا وإنما جاز دخولها عليه مع "قد"؛ لأن "قد" تقرب الماضي من الحال خلافا لخطاب الماوردي في منعه دخولها مع "قد" فإذا وجد "إن زيدا لقد قام" فهي عنده لام القسم. ثم أشار إلى بقية مواضع اللام بقوله: وتصحب الواسط معمول الخبر... والفصل واسما حل قبله الخبر يعني: أن هذه "اللام" يجوز دخولها على معمول الخبر المتوسط بينه وبين الاسم نحو: "إن زيدا لطعامَك آكلٌ". وشرطه: أن يكون الخبر صالحا لها، فلو كان ماضيا متصرفا عاريا من "قد" لم تدخل "عليه" نحو: "إن زيدا عمرا ضرب" لأن دخولها على المعمول فرع دخولها على الخبر، خلافا للأخفش, وتدخل أيضا على الضمير المسمى بالفصل, كقوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ}. وعلى الاسم إذا تأخر عن الخبر نحو: "إن في الدار لزيدا" وإنما يصح ذلك إذا كان الخبر ظرفا أو مجرورا، لأنه لا يتقدم إن كان غيرهما وإنما اشترط في دخولها "على الخبر" مشروطا أيضا بأن يتأخر ولم ينبه عليه. قلت: اشتراط ذلك في الاسم منبه على اشتراطه في الخبر، إذ العلة واحدة. ثم قال: ووصل ما بذي الحروف مبطل... إعمالها وقد يُبَقَّى العمل إذا اتصلت "ما" الزائدة بهذه الأحرف ففيه وجهان: أحدهما: أن تكون كافة فتبطل عملها نحو: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ}. والثاني: أن تجعل ملغاة فيبقى العمل لعدم الاعتداد بها, وهذا مسموع في "ليت" وقد حكي في "إنما" وأجازه ابن السراج "والزجاج" قياسا في سائرها ووافقهم المصنف، ولذلك أطلق في قوله: "وقد يبقى العمل". ومذهب سيبويه جواز الوجهين في "ليت" خاصة، ومنع الثاني في سائر أخواتها؛ لأن "ما" قد أزالت اختصاصها بالأسماء بخلاف ليت فإنها باقية على اختصاصها، ولذلك ذهب بعض النحويين إلى وجوب الإعمال في "ليتما" وبهذا يبطل قوله في شرح التسهيل: يجوز إعمالها وإهمالها بإجماع. ثم قال: وجائز رفعك معطوفا على... منصوب إن بعد أن تستكملا بمعنى أنه يجوز رفع المعطوف على اسم "إن" المكسورة بشرط أن تستكمل خبرها ويكون المعطوف بعد الخبر نحو: "إن زيدا ذاهب وعمرو" والنصب هو الوجه الظاهر. ولذلك قال: "وجائز رفعك". ففهم أن النصب هو الأصل، فإن عطفت قبل الخبر تعين النصب خلافا للكسائي في إجازته الرفع قبل الخبر مطلقا، والفراء في إجازة ذلك بشرط خفاء إعراب الاسم. ثم قال: وألحقت بإن لكن وأن... من دون ليت ولعل وكأن أي: ألحقت "لكن وأنَّ المفتوحة" بإن المكسورة، في جواز رفع المعطوف على اسمها بعد الخبر نحو: "لكنَّ زيدا قائم وعمر"، و"علمت أنَّ زيدا قائم وعمرو". أما إلحاق "لكنَّ" بها فمتفق عليه، وأما إلحاق "أنَّ" المفتوحة، فمنعه بعض وأجازه بعض. قال في التسهيل: وأن في ذلك كإن على الأصح. ا. هـ. فأطلق كما أطلق هنا، وقيد ذلك في شرحه بأن يتقدمها على كقوله: وإلا فاعلموا أنا وأنتم... بغاة ما بقينا في شقاق أو معناه كقوله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}، وهذا هو الصحيح. لأن "أنَّ" ههنا وما عملت فيه بتأويل الجملة فصح أن يعطف على محلها كالمكسورة. وقوله: من دون ليت ولعل وكأن يعني: أنه لا يجوز في المعطوف على اسم هذه الثلاثة إلا النصب، ولا يجوز الرفع لا قبل الخبر ولا بعده؛ لأن معنى الابتداء قد يغير بدخولها بخلاف "إن وأن ولكن" فإنها لا تغير معناه, أجاز الفراء الرفع مع الستة بعد الخبر مطلقا وقبله بشرط خفاء إعراب الاسم. وتلخيص هذه المسألة أن نصب المعطوف بعد الخبر وقبل الخبر جائز في الجميع. وأما رفعه فيجوز بعد الخبر لا قبله في "إنّ ولكنّ" باتفاق. "وأنّ" بعد العلم أو ما في معناه على المختار. فإن قلت: قد ورد الرفع قبل الخبر في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ}. قلت: حمل سيبويه هذه الآية، وما أوهم العطف قبل التمام على التقديم والتأخير. قال المصنف: وأسهل منه تقدير خبر قبل العاطف، مدلول عليه بخبر ما بعده. فإن قلت: ما وجه رفع المعطوف على اسم إن وما ألحق بها؟ قلت: مذهب المحققين: أنه مبتدأ محذوف الخبر، لدلالة خبر "إن" عليه، وهو من عطف الجمل لا من عطف المفردات، وقد أوضح ذلك في شرح التسهيل. فإن قلت: ظاهر قوله: وجائز رفعك معطوفا على... منصوب إنَّ.................. يخالف ما ذكرته. قلت: تجوز في تسميته معطوفا على الاسم؛ لأن صورته صورة المعطوف. ثم قال: وخففت إن فقل العمل إهمالها: إذا خففت هو القياس؛ لزوال اختصاصها، وإعمالها ثابت بنقل سيبويه. ومنه: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ}. ثم قال: وتلزم اللام إذا ما تهمل علة لزومها الفرق بين "إنْ" المخففة و"إن" النافية، وتسمى هذه اللام الفارقة. فإن قلت: هل هي لام الابتداء أم غيرها؟ قلت: مذهب سيبويه أنها لام الابتداء ألزمت للفرق وهو اختيار المصنف وهو مفهوم من قوله هنا "وتلزم اللام" يعني اللام المتقدم ذكرها بعد المشددة. وذهب الفارسي إلى أنها غيرها ثم قال: وربما استغنى عنها إن بدا... ما ناطق أراده معتمدا مثال ذلك قول الشاعر: أنا ابن أباة الضيم من آل مالك... وإن مالك كانت كرام المعادن ثم قال: والفعل إن لم يك ناسخا فلا... تلفيه غالبا بإن ذي موصلا إذا خففت "إن" فالغالب "فيها" أن يليها فعل ناسخ للابتداء نحو: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً} {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} قال في شرح التسهيل: ولا يكون غالبا إلا بلفظ الماضي. وأشار بقوله "غالبا" إلى أنه قد يليها فعل غير ناسخ كقوله: شلت يمينك إن قتلت لمسلما............................................ قال الشارح "وأما نحو" {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا} وقوله: "إن قتلت لمسلما" فقليل، وأقل منه "إن يزينك لنفسك وإن يشينك لهيه". ثم قال: وإن تخفف أن فاسمها استكن... والخبر اجعل جملة من بعد أن إذا خففت "أن" المفتوحة لم تلغ كما ألغيت "إن" المكسورة. ولكن ينوى اسمها ولا يلفظ به إلا في ضرورة كقوله: فلو أنكِ في يوم الرخاء سألتِني... طلاقَكِ لم أبخل وأنتِ صديق "ولكون" عملها لا يظهر غالبا تجوز بعضهم فقال: ألغيت، ومراده ما ذكرت. وتجوز المصنف في قوله "استكنَّ"؛ لأن الضمير المنصوب لا يستكن، والحرف لا يستكن فيه الضمير وإنما هو محذوف لا مستكن. وقوله: والخبر اجعل جملة..... يشمل الاسمية والفعلية. أما الاسمية فلا تحتاج إلى فاصل بينها وبين "أن" كقوله: في فتية كسيوف الهند قد علموا... أن هالك كل من يحفى وينتعل وأما اللفظية ففيها تفصيل. فإن كانت مصدرة بفعل دعاء أو بفعل متصرف لم يحتج إلى فاصل مثال الدعاء قوله تعالى: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} ومثال غير المتصرف: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} وإن صدرت بفعل غير هذين غالبا بقد نحو: {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا}. أو حرف تنفيس نحو: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} أو حرف نفي نحو: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} أو لو نحو: {تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا}. وإلى هذا أشار بقوله: "وإن يكن فعلا... إلخ". وأشار بقوله "فالأحسن الفصل" إلى أنه قد يرد غير مفصول. ومنه: علموا أن يؤملون فجادوا... قبل أن يسألوا بأعظم سؤل وخصه بعضم بالضرورة. وأشار بقوله: "وقليل ذكر لو" إلى قلة ذكرها في كتب النحو لا إلى قلة استعمالها في كلام العرب. ثم قال: وخففت كأن أيضا فنوى... منصوبها وثابتا أيضا روى تخفف "كأن" فلا تلغى "فهي" مثل أن المفتوحة، وقد أطلق بعضهم الإلغاء عليها واسمها في الغالب منوي كاسم "أن" ولا يلزم في خبرها أن يكون جملة بل يكون جملة ومفردا. فمثال كونه جملة: ووجه مشرق النحر... كأن ثدياه حقان ومثال كونه مفردا قوله: ............................................... كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم على رواية الرفع. وأشار بقوله: وثابتا أيضا روى إلى "كأن ثدييه حقان"، وكأن ظبية في رواية النصب في كلامه في التسهيل يشعر باختصاص ذلك بالشعر. قال فيه: وقد يبرز اسمها في الشعر. فإن قلت: قد ذكر المصنف تخفيف "إنّ وأنّ وكأنّ "وسكت عن" لعلّ ولكنّ" فما حكمهما؟ قلت: أما "لعل" فلا تخفف. وأما "لكن" فإذا خففت لم تعمل وستأتي في حروف العطف. وأجاز يونس والأخفش إعمالها مخففة قياسا. وقد حكي عن يونس أنه حكاه عن العرب. قال: عمل إن اجعل للا في نكره اعلم أن "لا" حرف مشترك, فأصلها ألا تعمل، وقد أعملت عمل "ليس" تارة وعمل "إن" أخرى. وإنما تعمل عمل إن بشروط: الأول: أن يكون اسمها نكرة فلا تعمل في المعارف، وأما نحو: لا هيثم الليلة للمطي................................ فموؤل بنكرة. الثاني: أن يتصل بها، فلو فصل بطل عملها. قال في التسهيل: بإجماع وفيه خلاف ضعيف. الثالث: أن يقصد نفي الجنس على سبيل الاستغراق. فإذا استكملت هذه الشروط عملت عمل "إن" مفردة نحو "لا رجل في الدار" ومكررة نحو "لا حول ولا قوة". ولكن يجب العمل إن أفردت، ويجوز إن كررت. ثم قال: فانصب بها مضافا أو مضارعه اسم "لا" هذه ثلاثة أقسام: مضاف، ومضارع للمضاف أي: مشابه له ويسمى المطول وهو ما كان عاملا فيما بعده عمل الفعل أو مركبا من معطوف ومعطوف عليه، ومفرد. فالمضاف ومضارعه منصوبان بها نحو: "لا طالب علم محروم ولا طالعا جبلا ظاهر", والمفرد يأتي حكمه. ثم قال: وبعد ذاك الخبر اذكر رافعه أي: اذكر "الخبر" بعد نصب الاسم رافعا له "بلا" لأنها تعمل عمل "إن", قال الشلوبين: لا خلاف "في أن رفع الخبر بها" عند عدم تركيبها، فإن ركبت مع الاسم ففيه خلاف. مذهب الأخفش: أنها أيضا رافعة له، وذكر في التسهيل أنه الأصح. ومذهب سيبويه: أنه مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخولها، وأنها لم تعمل إلا في الاسم. وفهم من قوله: "وبعد ذاك". أن خبرها لا يتقدم على اسمها, وهو واضح. ثم انتقل إلى المفرد فقال: وركب المفرد فاتحا...... سبب بنائه عند سيبويه والجماعة تركيبه مع "لا" كخمسةَ عشرَ. والمفرد في هذا الباب ما ليس مضافا، ولا شبيها به، فشمل المثنى والمجموع. ويبنى على ما ينصب به، فإن كان ينصب بالفتحة بني عليها نحو: "لا رجل" أو بالياء فكذلك نحو: "لا غلامين, ولا حامدين لزيد" وإن كان ينصب بالكسرة جاز فيه وجهان: استصحاب كسرة وفتحة خلافا لابن عصفور في التزام فتحه. قال المصنف: والفتح أولى. ا. هـ، وبالوجهين روي قوله: ..................................... ولا لذات للشيب وتمامه: إن الشباب الذي مجد عواقبه... فيه نلذ............................ ويروى: أودى الشباب. وخالف المبرد في نحو "لا غلامين ولا حامدين" فقال هما معربان وفي عبارته هنا قصور حيث قال: "فاتحا" بل الصواب على ما ينصب به ليشمل ما فصلناه. ولو قال: وركب المفرد كالنصب لأجاد، ثم مثل: "كلا حول ولا قوة" ثم بين ما يجوز في هذا المثال ونحوه فقال: .................. والثان اجعلا... مرفوعا أو منصوبا أو مركبا يعني: مع فتح الأول، فإن رفع الأول امتنع نصب الثاني، إذ لا وجه له، وجاز رفعه وتركيبه فلهذا قال: وإن رفعت أولا تنصبا فالحاصل خمسة أوجه: الأول: "لا حولَ ولا قوةَ" بفتحهما على التركيب، والكلام جملتان. الثاني: لا حولَ ولا قوةَ" بفتح الأول على التركيب ونصب الثاني على موضع اسم "لا" باعتبار عملها، وزيادة "لا" الثانية والكلام جملة واحدة. الثالث: "لا حولَ ولا قوةٌ" بفتح الأول على التركيب أيضا ورفع الثاني عطفا على موضع "لا" واسمها، فإنهما في موضع رفع بالابتداء، و"لا" الثانية عاملة عمل "ليس" فيكون الكلام جملتين. الرابع: "لا حول ولا قوة" برفع الأول والثاني، فرفع الأول على وجهين "على" الابتداء و"لا" ملغاة أو إعمالها عمل "ليس", ورفع الثاني على وجهين: إعمال "لا" عمل "ليس" وعطفه على الأول. الخامس: "لا حولٌ ولا قوةَ" برفع الأول على الوجهين وفتح الثاني على التركيب. ثم قال: ومفردا نعتا لمبني يلي... فافتح أو انصبن أو ارفع تعدل يجوز في نعت اسم "لا" المبني ثلاثة أوجه: فتحه ونصبه، ورفعه بشرطين: أحدهما أن يكون مفردا، والثاني: أن يتصل بالاسم، ولهذا قال: "يلي" أي: يلي المنعوت فتقول: "لا رجل ظريف" بالفتح على تركيب الصفة مع الموصوف وبالنصب اعتبارا لعمل "لا" وبالرفع اعتبارا لعمل الابتداء. فلو تفضل عن المنعوت نحو "لا رجل في الدار ظريفا" أو كان غير مفرد أعني: مضافا أو شبيها به نحو "لا رجل طالعا جبلا" امتنع البناء على الفتح وجاز النصب والرفع، وهذا معنى قوله: وغير ما يلي وغير المفرد... لا تبن وانصبه أو الرفع اقصد فإن قلت: هذا حكم نعت المبني, فما حكم نعت العرب؟ قلت: فيه وجهان: الرفع والنصب مطلقا، وقد وهم من منع الرفع. ثم كمل حكم المعطوف فقال: والعطف إن لم تتكرر لا احكما... له بما للنعت ذي الفصل انتمى يعني: أن المعطوف عطف نسق، إن لم يتكرر معه "لا" جاز رفعه ونصبه كالنعت المفصول. كقوله: فلا أبَ وابنًا مثلُ مروانَ وابنِه........................................ وحكى الأخفش فتحه على نية "لا" وهو قليل. فإن تكررت "لا" فقد تقدم حكمه. فإن قلت: قد فهم من كلامه حكم النعت "وحكم" النسق فما حكم بقية التوابع؟ قلت: أما البدل الصالح لعمل "لا" وعطف البيان عند من أجازه في النكرات فهما كالنعت المفصول يجوز فيهما الرفع والنصب, فإن كان البدل معرفة تعين رفعه إذ المعرفة لا تصلح لعمل "لا". وأما التوكيد فقيل لا يدخل في هذا الباب لأن النكرة لا تؤكد. قلت: إنما يمتنع توكيد النكرة عند البصريين بالتوكيد المعنوي، وأما اللفظي فلا يمتنع. ثم قال: وأعط لا مع همزة استفهام... ما تستحق دون الاستفهام إذا دخلت الهمزة على "لا" فله أربعة معان: "أحدها": وهو الأكثر أن تكون للتوبيخ والإنكار كقوله: ألا طعان ألا فرسان عادية..................................... الثاني: أن تكون لمجرد الاستفهام عن النفي كقوله: ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد وللا مع الهمزة في هذين المعنيين من تركيب وعمل وإلغاء ما لها مجردة من الهمزة. والثالث: أن تكون للتمني كقوله: ألا عمر ولي مستطاع رجوعه.......................................... ولها عند المازني والمبرد في التمني مالها مجردة من جميع الأحكام السابقة. وذهب الخليل وسيبويه والجرمي ومن وافقهم إلى أنها تعمل في الاسم خاصة، ولا خبر لها, ولا يتبع اسمها إلا على اللفظ، ولا تلغى ولا تعمل عمل "ليس". والرابع: أن تكون للعرض والتحضيض, فلا يليها حينئذ إلا فعل ظاهر أو مقدر أو معمول فعل مؤخر, ولا تعمل عمل "إن" ولا عمل "ليس" لأنها مختصة بالفعل. وما ذكره ابن الحاجب من أن التي للعرض تعمل عمل "إن" لم يصح. وقد ذهب بعضهم إلى أن التي للعرض ليست مركبة من الهمزة و"لا" النافية بل هي حرف بسيط. وأما "ألا" "التي" للاستفتاح فهي غير مركبة على الأظهر خلافا لمن قال بتركيبها. إذا تقرر هذا، فاعلم أن كلام المصنف مناقش من وجهين: أحدهما: أنه أطلق فشمل التي للعرض. فإن قلت: فلعله يقول بأنها غير مركبة من الهمزة ولا فلم يشملها الإطلاق. قلت: قد استثناها في الكافية والتسهيل: فدل على أنها عنده "مركبة". والآخر أن مقتضى كلامه هنا موافقة المازني والمبرد في تسوية التي للتمني بالتي للتوبيخ والإنكار، والتي لمجرد الاستفهام، وهو خلاف ما ذهب إليه في غير هذا الكتاب. ثم قال: وشاع في ذا الباب إسقاط الخبر... إذا المراد مع سقوطه ظهر إذا علم خبر "لا" كثر حذفه عند الحجازيين ووجب عند التميميين والطائيين ومن حذفه قوله تعالى: {قَالُوا لَا ضَيْرَ}. وإن لم يعلم وجب ذكره عند جميع العرب، ولذلك قال: "إذَا المراد مع سقوطه ظهر". ولا فرق بين الظرف وغيره خلافا لمن فصل. ثم انتقل إلى القسم الثالث من نواسخ الابتداء فقال:
|