الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرطبي المسمى بـ «الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان» **
مكية كلها في قول الحسن وعطاء وعكرمة وجابر. قال ابن عباس وقتادة: إلا آية، وهي قوله تعالى {ق والقرآن المجيد، بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب، أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد، قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ، بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج} قوله تعالى}ق والقرآن المجيد}قرأ العامة }قاف}بالجزم. وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق ونصر بن عاصم }قاف}بكسر الفاء؛ لأن الكسر أخو الجزم، فلما سكن آخره حركوه بحركة الخفض. وقرأ عيسى الثقفي بفتح الفاء حركه إلى أخف الحركات. وقرأ هارون ومحمد بن السميقع }قاف}بالضم؛ لأنه في غالب الأمر حركة البناء نحو منذ وقد وقبل وبعد. واختلف في معنى }قاف}ما هو؟ فقال ابن زيد وعكرمة والضحاك: هو جبل محيط بالأرض من زمردة خضراء أخضرت السماء منه، وعليه طرفا السماء والسماء عليه مقبية، وما أصاب الناس من زمرد كان مما تساقط من ذلك الجبل. ورواه أبو الجوزاء عن عبدالله بن عباس. قال الفراء: كان يجب على هذا أن يظهر الإعراب في }ق}؛ لأنه اسم وليس بهجاء. قال: ولعل القاف وحدها ذكرت من اسمه؛ كقوله القائل: أي أنا واقفة. وهذا وجه حسن وقد تقدم أول }البقرة}. وقال وهب: أشرف ذو القرنين على جبل قاف فرأى تحته جبالا صغارا، فقال له: ما أنت؟ قال: أنا قاف، قال: فما هذه الجبال حولك ؟ قال: هي عروقي وما من مدينة إلا وفيها عرق من عروقي، فإذا أراد الله أن يزلزل مدينة أمرني فحركت عرقي ذلك فتزلزلت تلك الأرض؛ فقال له: يا قاف أخبرني بشيء من عظمة الله؛ قال: إن شأن ربنا لعظيم، وإن ورائي أرضا مسيرة خمسمائة عام في خمسمائة عام من جبال ثلج يحطم به بعضها بعضا، لولا هي لاحترقت من حر جهنم. فهذا يدل على أن جهنم على وجه الأرض والله أعلم بموضعها؛ وأين هي من الأرض. قال: زدني، قال: إن جبريل عليه السلام واقف بين يدي الله ترعد فرائصه، يخلق الله من كل رعدة مائة ألف ملك، فأولئك الملائكة وقوف بين يدي الله تعالى منكسو رؤوسهم، فاذا أذن الله لهم في الكلام قالوا: لا إله إلا الله؛ وهو قوله تعالى وقال الزجاج: قوله }ق}أي قضي الأمر، كما قيل في }حم}أي حم الأمر. وقال ابن عباس}ق}اسم من أسماء الله تعالى أقسم به. وعنه أيضا: أنه اسم من أسماء القرآن. وهو قول قتادة. وقال القرظي: افتتاح أسماء الله تعالى قدير وقاهر وقريب وقاض وقابض. وقال الشعبي: فاتحة السورة. وقال أبوبكر الوراق: معناه قف عند أمرنا ونهينا ولا تعدهما. وقال محمد بن عاصم الأنطاكي: هو قرب الله من عباده، بيانه قوله تعالى}والقرآن المجيد}أي الرفيع القدر. وقيل: الكريم؛ قاله الحسن. وقيل: الكثير؛ مأخوذ من كثرة القدر والمنزلة لا من كثرة العدد، من قولهم: كثير فلان في النفوس؛ ومنه قول العرب في المثل السائر}كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار}. أي استكثر هذان النوعان من النار فزادا على سائر الشجر؛ قال ابن بحر. وجواب القسم قيل هو}قد علمنا ما تنقص الأرض منهم}على إرادة اللام؛ أي لقد علمنا. وقيل: هو}إن في ذلك لذكرى}وهو اختيار الترمذي محمد بن علي قال}ق}قسم باسم هو أعظم الأسماء التي خرجت إلى العباد وهو القدرة، وأقسم أيضا بالقرآن المجيد، ثم اقتص ما خرج من القدرة من خلق السموات والأرضين وأرزاق العباد، وخلق الآدميين، وصفة يوم القيامة والجنة والنار، ثم قال قوله تعالى}بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم}}أن}في موضع نصب على تقدير لأن جاءهم منذر منهم، يعني محمدا صلى الله عليه وسلم والضمير للكفار. وقيل: للمؤمنين والكفار جميعا. ثم ميز بينهم }فقال الكافرون}ولم يقل فقالوا، بل قبح حالهم وفعلهم ووصفهم بالكفر، كما تقول: جاءني فلان فأسمعني المكروه، وقال لي الفاسق أنت كذا وكذا. }هذا شيء عجيب}العجيب الأمر الذي يتعجب منه، وكذلك العجاب بالضم، والعجاب بالتشديد أكثر منه، وكذلك الأعجوبة. وقال قتادة: عجبهم أن دعوا إلى إله واحد. وقيل: من إنذارهم بالبعث والنشور. والذي نص عليه القرآن أولى. قوله تعالى}أئذا متنا وكنا ترابا}نبعث؛ ففيه إضمار. }ذلك رجع بعيد}الرجع الرد أي هو رد بعيد أي محال. يقال: رجعته أرجعه رجعا، ورجع هو يرجع رجوعا، وفيه إضمار آخر؛ أي وقالوا أنبعث إذا متنا. وذكر البعث وإن لم يجرها هنا فقد جرى في مواضع، والقرآن كالسورة الواحدة. وأيضا ذكر البعث منطو تحت قوله}بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم}لأنه إنما ينذر بالعقاب والحساب في الآخرة. }قد علمنا ما تنقص الأرض منهم}أي ما تأكل من أجسادهم فلا يضل عنا شيء حتى تتعذر علينا الإعادة. وفي التنزيل قوله تعالى}بل كذبوا بالحق}أي القرآن في قول الجميع؛ حكاه الماوردي. وقال الثعلبي: بالحق القرآن. وقيل: الإسلام. وقيل: محمد صلى الله عليه وسلم. }فهم في أمر مريج}أي مختلط. يقولون مرة ساحر ومرة شاعر ومرة كاهن؛ قاله الضحاك وابن زيد. وقال قتادة: مختلف. الحسن: ملتبس؛ والمعنى متقارب. وقال أبو هريرة: فاسد، ومنه مرجت أمانات الناس أي فسدت؛ ومرج الدين والأمر اختلط؛ قال أبو دواد: وقال ابن عباس: المريج الأمر المنكر. وقال عنه عمران بن أبي عطاء}مريج}مختلط. وأنشد: الخوط الغصن. وقال عنه العوفي: في أمر ضلالة وهو قولهم ساحر شاعر مجنون كاهن. وقيل: متغير. وأصل المرج الاضطراب والقلق؛ يقال: مرج أمر الناس ومرج أمر الدبن ومرج الخاتم في إصبعي إذا قلق من الهزال. وفي الحديث: { ق والقرآن المجيد . بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب . أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد . قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ . بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج } { ق} حرف من حروف الهجاء المذكورة في أوائل السور، كقوله تعالى: {ص - ون - والم} ونحو ذلك قاله مجاهد وغيره، وقد أسلفنا الكلام عليها في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته، وقوله تعالى: {والقرآن المجيد}، أي الكريم العظيم الذي {لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}، واختلفوا في جواب القسم ما هو؟ فحكى ابن جرير عن بعض النحاة أنه قوله تعالى: {قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ} وفي هذا نظر، بل الجواب هو مضمون الكلام بعد القسم وهو إثبات النبوة وإثبات المعاد وتقريره وتحقيقه، وإن لم يكن القسم يتلقى لفظاً، وهذا كثير في أقسام القرآن كما تقدم في قوله: {ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق}، وهكذا قال ههنا {ق والقرآن المجيد بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب} أي تعجبوا من إرسال رسول إليهم من البشر، كقوله جلَّ جلاله: {أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس} أي وليس هذا بعجيب، فإن اللّه يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس، ثم قال عزَّ وجلَّ مخبراً عنهم في تعجبهم أيضاً من المعاد واستبعادهم لوقوعه {أئذا متنا وكنا تراباً ذلك رجع بعيد} أي يقولون أئذا متنا وبلينا وتقطعت الأوصال منا وصرنا تراباً، كيف يمكن الرجوع بعد ذلك إلى هذه البنية والتركيب؟ {ذلك رجع بعيد} أي بعيد الوقوع، والمعنى أنهم يعتقدون استحالته وعدم إمكانه، قال اللّه تعالى راداً عليهم {قد علمنا ما تنقص الأرض منهم} أي ما تأكل من أجسادهم في البلى، نعلم ذلك ولا يخفى علينا أين تفرقت الأبدان، وأين ذهبت وإلى أين صارت {وعندنا كتاب حفيظ} أي حافظ لذلك، فالعلم شامل والكتاب أيضاً فيه كل الأشياء مضبوطة، قال ابن عباس {قد علمنا ما تنقص الأرض منهم} أي ما تأكل من لحومهم وأبشارهم، وعظامهم وأشعارهم؛ ثم بين تبارك وتعالى سبب كفرهم وعنادهم واستبعادهم ما ليس ببعيد، فقال: {بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج} أي وهذا حال كل من خرج عن الحق مهما قال بعد ذلك فهو باطل، و(المريج) المختلف المضطرب المنكر، كقوله تعالى: {إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أفك}. {أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج، والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج، تبصرة وذكرى لكل عبد منيب، ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد، والنخل باسقات لها طلع نضيد، رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج} قوله تعالى}أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم}نظر اعتبار وتفكر، وأن القادر على إيجادها قادر على الإعادة. }كيف بنيناها}فرفعناها بلا عمد }وزيناها}بالنجوم }وما لها من فروج}جمع فرج وهو الشق؛ ومنه قول امرىء القيس: وقال الكسائي: ليس فيها تفاوت ولا اختلاف ولا فتوق. }والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي}تقدم في }الرعد. }وأنبتنا فيها من كل زوج}أي من كل نوع من النبات }بهيج}أي حسن يسر الناظرين؛ وقد تقدم في }الحج}بيانه. }تبصرة }أي جعلنا ذلك تبصرة لندل به على كمال قدرتنا. وقال أبو حاتم: نصب على المصدر؛ يعني جعلنا ذلك تبصيرا وتنبيها على قدرتنا }وذكرى}معطوف عليه. }لكل عبد منيب}راجع إلى الله تعالى، مفكر في قدرته. قوله تعالى}وأنزلنا من السماء}أي من السحاب }ماء مباركا}أي كثير البركة. }فأنبتنا به جنات وحب الحصيد}التقدير: وحب النبت الحصيد وهو كل ما يحصد. هذا قول البصريين. وقال الكوفيون: هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه، كما يقال: مسجد الجامع وربيع الأول وحق اليقين وحبل الوريد ونحوها؛ قال الفراء. والأصل الحب الحصيد فحذفت الألف واللام وأضيف المنعوت إلى النعت. وقال الضحاك: حب الحصيد البر والشعير. وقيل: كل حب يحصد ويدخر ويقتات. }والنخل باسقات}نصب على الحال ردا على قوله}وحب الحصيد}و}باسقات}حال. والباسقات الطوال؛ قال مجاهد وعكرمة. وقال قتادة وعبدالله بن شداد: بسوقها استقامتها في الطول. وقال سعيد بن جبير: مستويات. وقال الحسن وعكرمة أيضا والفراء: مواقير حوامل؛ يقال للشاة بسقت إذا ولدت، قال الشاعر: والأول في اللغة أكثر وأشهر؛ يقال بسق النخل بسوقا إذا طال. قال: كرام في السماء ذهبن طولا وفات ثمارها أيدي الجناة ويقال: بسق فلان على أصحابه أي علاهم، وأبسقت الناقة إذا وقع في ضرعها للبن قبل النتاج فهي مبسق ونوق مباسيق. قلت: الذي {كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود، وعاد وفرعون وإخوان لوط، وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد، أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد} قوله تعالى}كذبت قبلهم قوم نوح}أي كما كذب هؤلاء فكذلك كذب أولئك فحل بهم العقاب؛ ذكرهم نبأ من كان قبلهم من المكذبين وخوفهم ما أخذهم. وقد ذكرنا قصصهم في غير موضع عند ذكرهم. }كل كذب الرسل}من هذه الأمم المكذبة. }فحق وعيد}أي فحق عليهم وعيدي وعقابي. قوله تعالى}أفعيينا بالخلق الأول}أي أفعيينا به فنعيا بالبعث. وهذا توبيخ لمنكري البعث وجواب قولهم {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد، إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد} قوله تعالى}ولقد خلقنا الإنسان}يعني الناس، وقيل آدم. }ونعلم ما توسوس به نفسه}أي ما يختلج في سره وقلبه وضميره، وفي هذا زجر عن المعاصي التي يستخفي بها. ومن قال: إن المراد بالإنسان آدم؛ فالذي وسوست به نفسه هو الأكل من الشجرة، ثم هو عام لولده. والوسوسة حديث النفس بمنزلة الكلام الخفي. قال الأعشى: وقد مضى في }الأعراف}. }ونحن أقرب إليه من حبل الوريد}هو حبل العاتق وهو ممتد من ناحية حلقه إلى عاتقه، وهما وريدان عن يمين وشمال. روي معناه عن ابن عباس وغيره وهو المعروف في اللغة. والحبل هو الوريد فأضيف إلى نفسه لاختلاف اللفظين. وقال الحسن: الوريد الوتين وهو عرق معلق بالقلب. وهذا تمثيل للقرب؛ أي نحن أقرب إليه من حبل وريده الذي هو منه، وليس على وجه قرب المسافة. وقيل: أي ونحن أملك به من حبل وريده مع استيلائه عليه. وقيل: أي ونحن أعلم بما توسوس به نفسه من حبل وريده الذي هو من نفسه، لأنه عرق يخالط القلب، فعلم الرب أقرب إليه من علم القلب، روي معناه عن مقاتل قال: الوريد عرق يخالط القلب، وهذا القرب قرب العلم والقدرة، وأبعاض الإنسان يحجب البعض البعض ولا يحجب علم الله شيء. قوله تعالى}إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد}أي نحن أقرب إليه من حبل وريده حين يتلقى المتلقيان، وهما الملكان الموكلان به، أي نحن أعلم بأحواله فلا نحتاج إلى ملك يخبر، ولكنهما وكلا به إلزاما للحجة، وتوكيدا للأمر عليه. وقال الحسن ومجاهد وقتادة}المتلقيان}ملكان يتلقيان عملك: أحدهما عن يمينك يكتب حسناتك، والآخر عن شمالك يكب سيئاتك. قال الحسن: حتى إذا مت طويت صحيفة عملك وقيل لك يوم القيامة ولم يقل راضيان ولا غدورين. ومذهب المبرد: أن الذي في التلاوة أول أخر اتساعا، وحذف الثاني لدلالة الأول عليه. ومذهب الأخفش والفراء: أن الذي في التلاوة يؤدي عن الاثنين والجمع ولا حذف في الكلام. و}قعيد}بمعنى قاعد كالسميع والعليم والقدير والشهيد. وقيل}قعيد}بمعنى مقاعد مثل أكيل ونديم بمعنى مؤاكل ومنادم. وقال الجوهري: فعيل وفعول مما يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع؛ كقوله تعالى والمراد بالقعيد ها هنا الملازم الثابت لا ضد القائم. قوله تعالى}ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}أي ما يتكلم بشيء إلا كتب عليه؛ مأخوذ من لفظ الطعام وهو إخراجه من الفم. وفي الرقيب ثلاثة أوجه: أحدها أنه المتبع للأمور. الثاني أنه الحافظ، قال السدي. الثالث أنه الشاهد، قال الضحاك. وفي العتيد وجهان: أحدهما أنه الحاضر الذي لا يغيب. الثاني أنه الحافظ المعد إما للحفظ وإما للشهادة. قال الجوهري: العتيد الشيء الحاضر المهيأ؛ وقد عتده تعتيدا وأعتده إعتادا أي أعده ليوم، ومنه قوله تعالى قلت وكله يرجع إلى معنى الحضور، ومنه قول الشاعر: قال أبو الجوزاء ومجاهد: يكتب على الإنسان كل شيء حتى الأنين في مرضه. وقال عكرمة: لا يكتب إلا ما يؤجر به أو يؤزر عليه. وقيل: يكتب عليه كل ما يتكلم به، فإذا كان آخر النهار محي عنه ما كان مباحا، نحو أنطلق أقعد كل مما لا يتعلق به أجر ولا وزر، والله أعلم. قوله تعالى}وجاءت سكرة الموت بالحق}أي غمرته شدته؛ فالإنسان ما دام حيا تكتب عليه أقوال وأفعال ليحاسب عليها، ثم يجيئه الموت وهو ما يراه عند المعاينة من ظهور الحق فيما كان الله تعالى وعده وأوعده. وقيل: الحق هو الموت سمي حقا إما لاستحقاقه وإما لانتقاله إلي دار الحق؛ فعلى هذا يكون في الكلام تقديم وتأخير، وتقديره وجاءت سكرة الحق بالموت، وكذلك في قراءة أبي بكر وابن مسعود رضي الله عنهما؛ لأن السكرة هي الحق فأضيفت إلى نفسها لاختلاف اللفظين. وقيل: يجوز أن يكون الحق على هذه القراءة هو الله تعالى؛ أي جاءت سكرة أمر الله تعالى بالموت. وقيل: الحق هو الموت والمعنى وجاءت سكرة الموت بالموت؛ ذكره المهدوي. وقد زعم من طعن على القرآن فقال: أخالف المصحف كما خالف أبو بكر الصديق فقرأ: وجاءت سكرة الحق بالموت. فاحتج عليه بأن أبا بكر رويت عنه روايتان: إحداهما موافقة للمصحف فعليها العمل، والأخرى مرفوضة تجري مجرى النسيان منه إن كان قالها، أو الغلط من بعض من نقل الحديث. قال أبوبكر الأنباري: حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي حدثنا علي بن عبدالله حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن مسروق قال: لما احتضر أبو بكر أرسل إلى عائشة فلما. دخلت عليه قالت: هذا كما قال الشاعر: فقال أبو بكر: هلا قلت كما قال الله}وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد}وذكر الحديث. والسكرة واحدة السكرات.
|