الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَزَوَّجُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مَنْ لَا زَوْجَ لَهُ، مِنْ أَحْرَارِ رِجَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ، وَمِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ مِنْ عَبِيدِكُمْ وَمَمَالِيكِكُمْ. وَالْأَيَامَى: جَمْعُ أَيِّمٍ، وَإِنَّمَا جَمْعُ الْأَيْمِ أَيَامَى؛ لِأَنَّهَا فَعِيلَةٌ فِي الْمَعْنَى، فَجُمِعَتْ كَذَلِكَ كَمَا جُمِعَتِ الْيَتِيمَةُ: يَتَامَى؛ وَمِنْهُ قَوْلُ جَمِيلٍ: أُحِبُّ الْأَيَامَى إِذْ بُثَيْنَةُ أَيِّمٌ *** وَأَحْبَبْتُ لَمَّا أَنْ غَنِيِتِ الْغَوَانِيِا وَلَوْ جُمِعَتْ أَيَائِمُ كَانَ صَوَابًا، وَالْأَيْمَ يُوصَفُ بِهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، يُقَالُ: رَجُلٌ أَيِّمٌ، وَامْرَأَةٌ أَيِّمٌ وَأَيِّمَةٌ: إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: فِإِنْ تَنْكِحِي أَنْكِحْ وَإِنْ تَتِأَيَّمِي *** وَإِنْ كُنْتُ أَفْتَى مِنْكُِمُ أَتَأَيَّمُ {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ} يَقُولُ: إِنْ يَكُنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تُنْكِحُونَهُمْ مِنْ أَيَامَى رِجَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ وَعَبِيدِكُمْ وَإِمَائِكُمْ أَهْلُ فَاقَةٍ وَفَقْرٍ، فَإِنَّ اللَّهَ يُغْنِيهِمْ مِنْ فَضْلِهِ، فَلَا يَمْنَعْنَّكُمْ فَقْرَهُمْ مِنْ إِنْكَاحِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} قَالَ: أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالنِّكَاحِ، وَرَغَّبَهُمْ فِيهِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُزَوِّجُوا أَحْرَارَهُمْ وَعَبِيدَهُمْ، وَوَعَدَهُمْ فِي ذَلِكَ الْغِنَى، فَقَالَ: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا حَسَنٌ أَبُو الْحَسَنِ، وَكَانَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ صُبَيْحٍ مَوْلَى هَذَا، قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ الْوَلِيدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: الْتَمَسُوا الْغِنَى فِي النِّكَاحِ، يَقُولُ اللَّهُ: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}. حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} قَالَ: أَيَامَى النِّسَاءِ: اللَّاتِي لَيْسَ لَهُنَّ أَزْوَاجٌ. وَقَوْلُهُ: (وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاللَّهُ وَاسِعُ الْفَضْلِ جَوَادٌ بِعَطَايَاهُ، فَزَوِّجُوا إِمَاءَكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ يُوَسِّعُ عَلَيْهِمْ مِنْ فَضْلِهِ، إِنْ كَانُوا فَقُرَّاءَ. عَلِيمٌ: يَقُولُ: هُوَ ذُو عِلْمٍ بِالْفَقِيرِ مِنْهُمْ وَالْغَنِيِّ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ حَالُ خَلْقِهِ فِي شَيْءٍ وَتَدْبِيرِهِمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ} مَا يَنْكِحُونَ بِهِ النِّسَاءَ عَنْ إِتْيَانِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْفَوَاحِشِ، حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ سِعَةِ فَضْلِهِ، وَيُوَسِّعَ عَلَيْهِمْ مِنْ رِزْقِهِ. وَقَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَالَّذِينَ يَلْتَمِسُونَ الْمُكَاتَبَةَ مِنْكُمْ مِنْ مَمَالِيكِكُمْ {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وَجْهِمُكَاتَبَةِ الرَّجُلِ عَبْدَهُ، الَّذِي قَدْ عَلِمَ فِيهِ خَيْرًا، وَهَلْ قَوْلُهُ: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} عَلَى وَجْهِ الْفَرْضِ، أَمْ هُوَ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَرْضٌ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ الَّذِي قَدْ عَلِمَ فِيهِ خَيْرًا، إِذَا سَأَلَهُ الْعَبْدُ ذَلِكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَوَاجِبٌ عَلَيَّ إِذَا عَلِمْتُ مَالًا أَنْ أُكَاتِبَهُ؟ قَالَ: مَا أَرَاهُ إِلَّا وَاجِبًا، وَقَالَهَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَتَأْثِرُهُ عَنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: لَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ سِيرِينَ أَرَادَ أَنْ يُكَاتِبَهُ، فَتَلَكَّأَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُمْرُ: لَتُكَاتِبَنَّهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا يَنْبَغِي لِرَجُلٍ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ الْمَمْلُوكُ الصَّالِحُ، الَّذِي لَهُ الْمَالُ يُرِيدُ إِنْ يُكَاتِبَ، أَلَّا يُكَاتِبَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: ذَلِكَ غَيْرٌ وَاجِبٍ عَلَى السَّيِّدِ، وَإِنَّمَا قَوْلُهُ: (فَكَاتِبُوهُمْ) نَدْبٌ مِنَ اللَّهِ سَادَةَ الْعَبِيدِ إِلَى كِتَابَةِ مَنْ عُلِمَ فِيهِ مِنْهُمْ خَيْرٌ، لَا إِيجَابَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنْ لَيْسَ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ أَنْ يُكَاتِبَهُ إِذَا سَأَلَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ أَسْمَعْ بِأَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَكْرَهَ أَحَدًا عَلَى أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ، وَقَدْ سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} يَتْلُو هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} قَالَ مَالِكٌ: فَإِنَّمَا ذَلِكَ أَمْرٌ أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ لِلنَّاسِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى النَّاسِ وَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: إِذَا أَرَادَ الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ أَنْ يُكَاتِبَهُ، فَإِنْ شَاءَ السَّيِّدُ أَنْ يُكَاتِبَهُ كَاتَبُهُ، وَلَا يُجْبَرُ السَّيِّدُ عَلَى ذَلِكَ. حَدَّثَنِي بِذَلِكَ عَلَيَّ عَنْ زَيْدٍ، عَنْهُ، وَحَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} قَالَ: لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ أَنْ يُكَاتِبَهُ، إِنَّمَا هَذَا أَمْرٌ أَذَنَ اللَّهُ فِيهِ، وَدَلِيلٌ. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: وَاجِبٌ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ أَنْ يُكَاتِبَهُ إِذَا عَلِمَ فِيهِ خَيْرًا، وَسَأَلَهُ الْعَبْدُ الْكِتَابَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ: (فَكَاتِبُوهُمْ) ظَاهِرُ أَمْرٍ، وَأَمْرُ اللَّهِ فَرْضٌ الِانْتِهَاءَ إِلَيْهِ، مَا لَمْ يَكُنْ دَلِيلٌ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سَنَةٍ، عَلَى أَنَّهُ نَدْبٌ، لِمَا قَدْ بَيَّنَا مِنَ الْعِلَّةِ فِي كِتَابِنَا الْمُسَمَّى "الْبَيَانُ عَنْ أُصُولِ الْأَحْكَامِ". وَأَمَّا الْخَيْرُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عِبَادَهُ بِكِتَابَةِ عَبِيدِهِمْ إِذَا عَلِمُوهُ فِيهِمْ، فَهُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى الِاحْتِرَافِ وَالْكَسْبِ لِأَدَاءِ مَا كُوتِبُوا عَلَيْهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُكَاتِبَ مَمْلُوكَهُ إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ حِرْفَةٌ، قَالَ: تُطْعِمُنِي أَوْسَاخَ النَّاسِ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} يَقُولُ: إِنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ حِيلَةً، وَلَا تُلْقُوا مُؤْنَتَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَشْهَبُ، قَالَ: سُئِلَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ قَوْلِهِ: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} فَقَالَ: إِنَّهُ لَيُقَالَ: الْخَيْرُ الْقُوَّةُ عَلَى الْأَدَاءِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثَنِي ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَوْلُ اللَّهِ: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} قَالَ: الْخَيْرُ: الْقُوَّةُ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ صِدْقًا وَوَفَاءً وَأَدَاءً.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} قَالَ: صِدْقًا وَوَفَاءً وَأَدَاءً وَأَمَانَةً. قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَطَاوُسٍ، أَنَّهُمَا قَالَا فِي قَوْلِهِ: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} قَالَا مَالًا وَأَمَانَةً. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} قَالَ: أَدَاءً وَأَمَانَةً. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} قَالَ: صِدْقًا وَوَفَاءً، أَوْ أَحَدَهُمَ. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، فِي قَوْلِهِ {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} قَالَ: أَدَاءً وَمَالً. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، قَالَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: أَحْسَبُهُ كُلَّ ذَلِكَ الْمَالَ وَالصَّلَاحَ. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثَنَا زَيْدٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} يَعْنِي: صِدْقًا وَوَفَاءً وَأَمَانَةً. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} قَالَ: إِنْ عَلِمْتَ فِيهِ خَيْرًا لِنَفْسِكَ، يُؤَدِّي إِلَيْكَ وَيَصْدُقُكَ مَا حَدَّثَكَ؛ فَكَاتِبْهُ. وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: إِنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ مَالًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} يَقُولُ: إِنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ مَالً. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} قَالَ: مَالًا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ وَابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} قَالَ: مَالً. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلُهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} قَالَ: لَهُمْ مَالًا فَكَاتِبُوهُمْ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلُهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} قَالَ: إِنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ مَالًا كَائِنَةٌ أَخْلَاقُهُمْ وَأَدْيَانُهُمْ مَا كَانَتْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} قَالَ: مَالً. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: إِنْ عَلِمْتُمْ عِنْدَهُمْ مَالًا. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْيَافِعِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَنْ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ، كَانَ يَقُولُ: مَا نَرَاهُ إِلَّا الْمَالَ، يَعْنِي قَوْلَهُ: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} قَالَ: ثُمَّ تَلَا {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا}. وَأُولَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ قُوَّةً عَلَى الِاحْتِرَافِ وَالِاكْتِسَابِ، وَوَفَاءً بِمَا أَوْجَبُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَلْزَمُهَا وَصِدْقَ لَهْجَةٍ. وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ هِيَ الْأَسْبَابُ الَّتِي بِمَوْلَى الْعَبْدِ الْحَاجَةُ إِلَيْهَا إِذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ مِمَّا يَكُونُ فِي الْعَبْدِ. فَأَمَّا الْمَالُ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْخَيْرِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الْعَبْدِ وَإِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَهُ أَوْ لَهُ لَا فِيهِ، وَاللَّهُ إِنَّمَا أَوْجَبَ عَلَيْنَا مُكَاتَبَةَ الْعَبْدِ إِذَا عَلِمْنَا فِيهِ خَيْرًا، لَا إِذَا عَلِمْنَا عِنْدَهُ أَوْ لَهُ، فَلِذَلِكَ لَمْ نَقُلْ: إِنَّ الْخَيْرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَعْنِيٌّ بِهِ الْمَالَ. وَقَوْلُهُ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَعْطَوْهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي أَعْطَاكُمْ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَأْمُورِ بِإِعْطَائِهِ مَنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي أَعْطَاهُ، مَنْ هُوَ؟ وَفِي الْمَالِ، أَيُّ الْأَمْوَالِ هُوَ؟ فَقَالَ: بَعْضُهُمْ: الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِإِعْطَاءِ الْمَكَاتَبِ مِنْ مَالِ اللَّهِ: هُوَ مَوْلَى الْعَبْدِ الْمَكَاتَبِ، وَمَالُ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَ بِإِعْطَائِهِ مِنْهُ هُوَ مَالُ الْكِتَابَةِ، وَالْقَدْرُ الَّذِي أُمِرَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْهُ الرُّبْعُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْلَى.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثَنَا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: ثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السِّلْمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ: رُبْعُ الْمُكَاتَبَةِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السِّلْمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ: رُبْعُ الْكِتَابَةِ يَحُطُّهَا عَنْهُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ لَيْثِ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ: الرُّبْعُ مِنْ أَوَّلِ نُجُومِهِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ: عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السِّلْمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، فِي قَوْلِهِ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ: الرُّبْعُ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: ثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: كَاتَبَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ غُلَامًا فِي أَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ وَضَعَ لَهُ الرُّبْعَ، ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ عَلِيًّا، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ كَاتَبَ غُلَامًا لَهُ، ثُمَّ وَضَعَ لَهُ الرُّبْعَ، مَا وَضَعْتُ لَكَ شَيْئً. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السِّلْمِيِّ: أَنَّهُ كَاتَبَ غُلَامًا لَهُ عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ، فَتَرَكَ الرُّبْعَ وَأَشْهَدَنِي، فَقَالَ لِي: كَانَ صَدِيقُكَ يَفْعَلُ هَذَا، يَعْنِي عَلِيًّا رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَتَأَوَّلُ {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: ثَنِي فُضَالَةُ بْنُ أَبِي أُمِّيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَاتَبَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَاسْتَقْرَضَ لِي مِنْ حَفْصَةَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ. قُلْتُ: أَلَا تَجْعَلُهَا فِي مُكَاتَبَتِي؟ قَالَ: إِنِّي لَا أَدْرِي أُدْرِكُ ذَاكَ أَمْ لَ. قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، بَلَغَنِي أَنَّهُ كَاتَبُهُ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعِكْرِمَةَ، فَقَالَ: هُوَ قَوْلُ اللَّهِ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} يَقُولُ: ضَعُوا عَنْهُمْ مِنْ مُكَاتَبَتِهِمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} يَقُولُ: ضَعُوا عَنْهُمْ مِمَّا قَاطَعْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ: مِمَّا أَخْرَجَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْهُمْ. حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ: آتِهِمْ مِمَّا فِي يَدَيْكَ. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَمْرٍو الْعَنْقَزِيُّ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَاتَبَتْنِيزَيْنَبُ بِنْتُ قَيْسٍ، بْنِ مَخْرَمَةَ مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍعَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ، فَتَرَكَتْ لِي أَلْفًا وَكَانَتْزَيْنَبُقَدْ صَلَّتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَتَيْنِ جَمِيعً. حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ الْجَرِيرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، مَوْلَى أَبِي أُسَيْدٍ، قَالَ: كَاتَبَنِي أَبُو أُسَيْدٍ، عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ مِائَةٍ، فَجِئْتُهُ بِهَا، فَأَخَذَ مِنْهَا أَلْفًا، وَرَدَّ عَلَيَّ مِائَتَيْنِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا هَارُونُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا كَاتَبَ مَكَاتِبَهُ لَمْ يَضَعْ عَنْهُ شَيْئًا مِنْ أَوَّلِ نُجُومِهِ؛ مَخَافَةَ أَنْ يَعْجَزَ فَتَرْجِعُ إِلَيْهِ صَدَقَتُهُ، وَلَكِنَّهُ إِذَا كَانَ فِي آخِرِ مُكَاتَبَتِهِ وَضَعَ عَنْهُ مَا أَحَبَّ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَاتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ غُلَامًا لَهُ يُقَالُ لَهُ: شَرَفٌ، عَلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَوَضَعَ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِ خَمْسَةَ آلَافٍ وَلَمْ يَذْكُرْ نَافِعٌ أَنَّهُ أَعْطَاهُ شَيْئًا غَيْرَ الَّذِي وَضَعَ لَهُ. قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: إِنَّ ذَلِكَ أَنْ يُكَاتِبَ الرَّجُلُ غُلَامَهُ، ثُمَّ يَضَعُ عَنْهُ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِ شَيْئًا مُسَمًّى، قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ، وَعَلَى ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَعَمَلُ النَّاسِ عِنْدَنَا. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا زَيْدٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُعْطِيَهُ الرُّبْعَ، أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ شَيْئًا، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَأَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ حَسَنٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبٍ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السِّلْمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ: هُوَ رُبْعُ الْمُكَاتَبَةِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ حَضٌّ مِنَ اللَّهِ أَهْلَ الْأَمْوَالِ عَلَى أَنْ يُعْطُوهُمْ سَهْمَهُمْ، الَّذِي جَعَلَهُ لَهُمْ مِنَ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَةِ لَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ، بِقَوْلِهِ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ} قَالَ: فَالرِّقَابُ الَّتِي جَعَلَ فِيهَا أَحَدَ سُهْمَانِ الصَّدَقَةِ الثَّمَانِيَةِ هُمُ الْمُكَاتَبُونَ، قَالَ: وَإِيَّاهُ عَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}: أَيْ سَهْمَهُمْ مِنَ الصَّدَقَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنِي يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنِ ابْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَوْلُهُ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ: يَحُثُّ اللَّهُ عَلَيْهِ يُعْطُونَهُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنِي ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ: حَثُّ النَّاسِ عَلَيْهِ، مَوْلَاهُ وَغَيْرُهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ: يُعْطِي مَكَاتِبَهُ وَغَيْرَهُ حَثَّ النَّاسَ عَلَيْهِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ: أَمَرَ مَوْلَاهُ وَالنَّاسَ جَمِيعًا أَنْ يُعِينُوهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ: أَمَرَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعْطُوهُمْ مِمَّا آتَاهُمُ اللَّهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثَنِي ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ: ذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ عَلَى الْوُلَاةِ، يُعْطُونَهُمْ مِنَ الزَّكَاةِ، يَقُولُ اللَّهُ {وَفِي الرِّقَابِ}. قَالَ: ثَنِي ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ: الْفَيْءُ وَالصَّدَقَاتُ. وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}، وَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: {وَفِي الرِّقَابِ} فَأَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُوَفُّوهَا مِنْهُ، فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الْكِتَابَةِ، قَالَ: وَكَانَ أَبِي يَقُولُ: مَا لَهُ وَلِلْكِتَابَةِ؟ ! هُوَ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي فَرَضَ لَهُ فِيهِ نَصِيبً. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي الْقَوْلُ الثَّانِي، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِهِ إِيتَاءَهُمْ سَهْمَهُمْ مِنَ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أُولَى الْقَوْلَيْنِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِإِيتَاءِ الْمُكَاتَبِينَ مِنْ مَالِهِ الَّذِي آتَى أَهْلَ الْأَمْوَالِ، وَأَمْرُ اللَّهِ فَرْضٌ عَلَى عِبَادِهِ الِانْتِهَاءَ إِلَيْهِ، مَا لَمْ يُخْبِرْهُمْ أَنَّ مُرَادَهُ النَّدْبُ، لِمَا قَدْ بَيَّنَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِنَا، فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ أَخْبَرَنَا فِي كِتَابِهِ، وَلَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَدْبٌ، فَفَرْضٌ وَاجِبٌ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَتِ الْحُجَّةُ قَدْ قَامَتْ أَنْ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِي مَالِ أَحَدٍ غَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، إِلَّا مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ لَأَهْلِ سُهْمَانِ الصَّدَقَةِ فِي أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ مِنْهُمْ، وَكَانَتِ الْكِتَابَةُ الَّتِي يَقْتَضِيهَا سَيِّدُ الْمَكَاتَبِ مِنْ مَكَاتِبِهِ مَالًا مِنْ مَالِ سَيِّدِ الْمَكَاتَبِ، فَيُفَادُ أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُؤْتُوهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، هُوَ مَا فَرَضَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ فِي أَمْوَالِهِمْ لَهُ مِنَ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ، إِذْ كَانَ لَا حَقَّ فِي أَمْوَالِهِمْ لِأَحَدٍ سِوَاهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: زَوِّجُوا الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا إِمَاءَكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ، وَهُوَ الزِّنَا {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} يَقُولُ: إِنْ أَرَدْنَ تَعَفُّفًا عَنِ الزِّنَا. {لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} يَقُولُ: لِتَلْتَمِسُوا بِإِكْرَاهِكُمْ إِيَّاهُنَّ عَلَى الزِّنَا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَذَلِكَ مَا تَعْرِضُ لَهُمْ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ مِنْ رِيَاشِهَا وَزِينَتِهَا وَأَمْوَالِهَا، {وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ} يَقُولُ: وَمَنْ يُكْرِهُ فَتَيَاتِهِ عَلَى الْبِغَاءِ، فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِ إِيَّاهُنَّ عَلَى ذَلِكَ، لَهُنَّ (غَفُورٌ رَحِيمٌ)، وَوِزْرُ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ دُونَهُنَّ. وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ، حِينَ أَكْرَهَ أَمَتَهُمَسِيكَةَعَلَى الزِّنَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَاحِ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: جَاءَتْمَسِيكَةُلِبَعْضِ الْأَنْصَارِ فَقَالَتْ: إِنَّ سَيِّدِي يُكْرِهُنِي عَلَى الزِّنَا، فَنَزَلَتْ فِي ذَلِكَ: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ}. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَسْعُودِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَتْ جَارِيَةٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ، يُقَالُ لَهَامَسِيكَةُ، فَآجَرَهَا أَوْ أَكْرَهَهَا " الطَّبَرَيُّ شَكَّ فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشَكَتْ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يَعْنِي بِهِنَّ. حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، قَالَ: ثَنَا عَبْثَرٌ، قَالَ: ثَنَا حَصِينٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، فِيقَوْلُهُ: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ}قَالَ: رَجُلٌ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ تَفْجُرُ، فَلَمَّا أَسْلَمَتْ نَزَلَتْ هَذِهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: جَاءَتْ جَارِيَةٌ لِبَعْضِ الْأَنْصَارِ، فَقَالَتْ: إِنَّ سَيِّدِي أَكْرَهَنِي عَلَى الْبِغَاءِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} قَالَ ابْنُ جُرَيجٍ: وَأَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: أَمَةٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، أَمَرَهَا فَزَنَتْ، فَجَاءَتْ بِبُرْدٍ، فَقَالَ لَهَا: ارْجِعِي فَازْنِي، قَالَتْ: وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ، إِنْ يَكُ هَذَا خَيْرًا فَقَدِ اسْتَكْثَرْتُ مِنْهُ، وَإِنْ يَكُ شَرًّا فَقَدْ آنَ لِي أَنْ أَدَعَهُ. قَالَ ابْنُ جُرَيجٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ نَحْوَ ذَلِكَ، وَزَادَ قَالَ: الْبِغَاءُ الزِّنَا، (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قَالَ: لِلْمُكْرَهَاتِ عَلَى الزِّنَا، وَفِيهَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا مَنَّ قُرَيْشٍ أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَسَرَهُ، وَكَانَ لِعَبْدِ اللَّهِ جَارِيَةٌ يُقَالُ: لَهَامُعَاذَةُ، فَكَانَ الْقُرَشِيُّ الْأَسِيرُ يُرِيدُهَا عَلَى نَفْسِهَا، وَكَانَتْ مُسْلِمَةً، فَكَانَتْ تَمْتَنِعُ مِنْهُ لِإِسْلَامِهَا، وَكَانَ ابْنُ أُبَيٍّ يُكْرِهُهَا عَلَى ذَلِكَ، وَيَضْرِبُهَا رَجَاءَ أَنْ تَحْمِلَ لِلْقُرَشِيِّ، فَيَطْلُبُ فِدَاءَ وَلَدِهِ، فَقَالَ اللَّهُ: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} قَالَ الزُّهْرِيُّ: {وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يَقُولُ: غَفُورٌ لَهُنَّ مَا أُكْرِهْنَ عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ لَهُنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ. حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} يَقُولُ: وَلَا تُكْرِهُوا إِمَاءَكُمْ عَلَى الزِّنَا، فَإِنْ فَعَلْتُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَهُنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَإِثْمُهُنَّ عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُنَّ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ}... إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُكْرِهُونَ إِمَاءَهُمْ عَلَى الزِّنَا، يَأْخُذُونَ أُجُورَهُنَّ، فَقَالَ اللَّهُ: لَا تُكْرِهُوهُنَّ عَلَى الزِّنَا مِنْ أَجْلِ الْمَنَالَةِ فِي الدُّنْيَا، {وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} لَهُنَّ يَعْنِي إِذَا أَكْرِهْنَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} عَلَى الزِّنَا، قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ أَمَرَ أَمَةً لَهُ بِالزِّنَا، فَجَاءَتْهُ بِدِينَارٍ أَوْ بِبُرْدٍ "شَكَّ أَبُو عَاصِمٍ " فَأَعْطَتْهُ، فَقَالَ: ارْجِعِي فَازْنِي بِآخَرَ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَنَا بِرَاجِعَةٍ، فَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لِلْمُكْرَهَاتِ عَلَى الزِّنَا، فَفِي هَذَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ. إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: أَمَرَ أَمَةً لَهُ بِالزِّنَا، فَزَنَتْ فَجَاءَتْهُ بِبُرْدٍ فَأَعْطَتْهُ، فَلَمْ يَشُكَّ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} يَقُولُ: عَلَى الزِّنَا {فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يَقُولُ: غَفُورٌ لَهُنَّ، لِلْمُكْرَهَاتِ عَلَى الزِّنَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ: ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} قَالَ: غَفُورٌ رَحِيمٌ لَهُنَّ حِينَ أُكْرِهْنَ وَقُسِرْنَ عَلَى ذَلِكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَانُوا يَأْمُرُونَ وُئِدَهُمْ يُبَاغِينَ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ، فَيُصِبْنَ، فَيَأْتِينَهُمْ بِكَسْبِهِنَّ، فَكَانَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ جَارِيَةٌ، فَكَانَتْ تُبَاغِي. فَكَرِهَتْ وَحَلَفَتْ أَنْ لَا تَفْعَلَهُ، فَأَكْرَهَهَا أَهْلُهَا، فَانْطَلَقَتْ فَبَاغَتْ بِبُرْدٍ أَخْضَرَ، فَأَتَتْهُمْ بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ}... الْآيَةَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ دَلَالَاتٍ وَعَلَامَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ: يَقُولُ مُفَصِّلَاتٍ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَمُوَضِّحَاتٍ ذَلِكَ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ، وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ "مُبَيَّنَاتٍ" بِفَتْحِ الْيَاءِ: بِمَعْنَى مُفَصَّلَاتٍ، وَأَنَّ اللَّهَ فَصَّلَهُنَّ وَبَيَّنَهُنَّ لِعِبَادِهِ، فَهُنَّ مُفَصَّلَاتٌ مُبَيَّنَاتٌ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (مُبَيِّنَاتٍ) بِكَسْرِ الْيَاءِ، بِمَعْنَى أَنَّ الْآيَاتِ هُنَّ تُبَيَّنُ الْحُقَّ وَالصَّوَابَ لِلنَّاسِ وَتَهْدِيهِمْ إِلَى الْحَقِّ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، وَقَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ، مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ إِذْ فَصَّلَهَا وَبَيَّنَهَا صَارَتْ مُبَيِّنَةً بِنَفْسِهَا الْحَقَّ لِمَنِ الْتَمَسَهُ مِنْ قِبَلِهَا، وَإِذَا بَيَّنَتْ ذَلِكَ لِمَنِ الْتَمَسَهُ مِنْ قِبَلِهَا، فَيُبَيِّنُ اللَّهُ ذَلِكَ فِيهَا، فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، فِي قِرَاءَتِهِ الصَّوَابَ. وَقَوْلُهُ: {وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} مِنَ الْأُمَمِ، (وَمَوْعِظَةً) لِمَنِ اتَّقَى اللَّهَ، فَخَافَ عِقَابَهُ وَخَشِيَ عَذَابَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِ شَيْءٍ عَلِيمٌ}. يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} هَادِي مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَهُمْ بِنُورِهِ إِلَى الْحَقِّ يَهْتَدُونَ، وَبِهُدَاهُ مِنْ حِيرَةِ الضَّلَالَةِ يَعْتَصِمُونَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ نَحْوَ الَّذِي قُلْنَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} يَقُولُ: اللَّهُ سُبْحَانَهُ هَادِي أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ خَلْدَةَ الرُّقِّيُّ، قَالَ: ثَنَا وَهْبُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ فَرْقَدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: إِنَّ إِلَهِي يَقُولُ: نُورِي هُدَايَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: اللَّهُ مُدَبِّرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فِيهِمَا، نُجُومِهِمَا وَشَمْسِهِمَا وَقَمَرِهِمَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ النُّورِ الضِّيَاءَ. وَقَالُوا: مَعْنَى ذَلِكَ: ضِيَاءُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} قَالَ: فَبَدَأَ بِنُورِ نَفْسِهِ، فَذَكَرَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ نُورَ الْمُؤْمِنِ. وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَقِيبَ قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} فَكَانَ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ مَوْقِعٍ يَقَعُ تَنِْزِيلُهُ مِنْ خَلْقِهِ. وَمِنْ مَدْحِ مَا ابْتَدَأَ بِذِكْرِ مَدْحِهِ، أَوْلَى وَأَشْبَهَ، مَا لَمْ يَأْتِ مَا يَدُلُّ عَلَى انْقِضَاءِ الْخَبَرِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِهِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ {وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} فَهَدَيْنَاكُمْ بِهَا، وَبَيَّنَّا لَكُمْ مَعَالِمَ دِينِكُمْ بِهَا، لِأَنِّي هَادِي أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلِ الْأَرْضِ، وَتَرَكَ وَصْلَ الْكَلَامِ بِاللَّامِ، وَابْتَدَأَ الْخَبَرَ عَنْ هِدَايَةِ خَلْقِهِ ابْتِدَاءً، وَفِيهِ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْتُ، اسْتِغْنَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ مِنْ ذِكْرِهِ، ثُمَّ ابْتَدَأَ فِي الْخَبَرِ عَنْ مِثْلِ هِدَايَتِهِ خَلْقَهُ بِالْآيَاتِ الْمُبَيِّنَاتِ الَّتِي أَنْزَلَهَا إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} يَقُولُ: مَثَلُ مَا أَنَارَ مِنَ الْحَقِّ بِهَذَا التَنِْزِيلِ فِي بَيَانِهِ كَمِشْكَاةٍ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى بِالْهَاءِ فِي قَوْلِهِ: {مَثَلُ نُورِهِ} عَلَامَ هِيَ عَائِدَةٌ، وَمَنْ ذَكَرَ مَا هِيَ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ مِنْ ذِكْرِ الْمُؤْمِنِ. وَقَالُوا: مَعْنَى الْكَلَامِ: مَثَلُ نُورِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ مَثَلُ مِشْكَاةٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {مَثَلُ نُورِهِ} قَالَ: ذَكَرَ نُورَ الْمُؤْمِنِ فَقَالَ: مَثَلُ نُورِهِ، يَقُولُ مَثَلُ نُورِ الْمُؤْمِنِ. قَالَ: وَكَانَ أُبَيٌّ يَقْرَؤُهَا: كَذَلِكَ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ، قَالَ: هُوَ الْمُؤْمِنُ قَدْ جُعِلَ الْإِيمَانُ وَالْقُرْآنُ فِي صَدْرِهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ} قَالَ: بَدَأَ بِنُورِ نَفْسِهِ فَذَكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: {مَثَلُ نُورِهِ} يَقُولُ: مَثَلُ نُورِ مَنْ آمَنَ بِهِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَأُ أُبَيٌّ، قَالَ: هُوَ عَبْدٌ جَعَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ وَالْإِيمَانَ فِي صَدْرِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ {مَثَلُ نُورِهِ} قَالَ: مَثَلُ نُورِ الْمُؤْمِنِ. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: {مَثَلُ نُورِهِ} قَالَ: نُورُ الْمُؤْمِنِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِالنُّورِ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالُوا: الْهَاءُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: {مَثَلُ نُورِهِ} عَائِدَةٌ عَلَى اسْمِ اللَّهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ شِمْرٍ قَالَ: جَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ، فَقَالَ لَهُ: حَدَّثَنِي عَنْقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}... الْآيَةَ؟ فَقَالَ كَعْبٌ: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، مَثَلُ نُورِهِ مِثْلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمِشْكَاةٍ. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: {مَثَلُ نُورِهِ} قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنِيَ بِذَلِكَ: هَدْيُ اللَّهِ وَبَيَانُهُ، وَهُوَ الْقُرْآنُ، قَالُوا: وَالْهَاءُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ. قَالُوا: وَمَعْنَى الْكَلَامِ: اللَّهُ هَادِي أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِآيَاتِهِ الْمُبَيِّنَاتِ، وَهِيَ النُّورُ الَّذِي اسْتَنَارَ بِهِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ مَثَلُ هُدَاهُ وَآيَاتِهِ الَّتِي هَدَى بِهَا خَلْقَهُ، وَوَعَظَهُمْ بِهَا فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ كَمِشْكَاةٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {مَثَلُ نُورِهِ} مَثَلُ هُدَاهُ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {مَثَلُ نُورِهِ} قَالَ: مَثَلُ هَذَا الْقُرْآنِ فِي الْقَلْبِ كَمِشْكَاةٍ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {مَثَلُ نُورِهِ}: نُورُ الْقُرْآنِ الَّذِي أُنْزَلَ عَلَى رَسُولِهِ وَعِبَادِهِ، هَذَا مِثْلُ الْقُرْآنِ {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ}. قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ} وَنُورُهُ الَّذِي ذُكِرَ الْقُرْآنُ، وَمَثَلُهُ الَّذِي ضُرِبَ لَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: مَثَلُ نُورِ اللَّهِ، وَقَالُوا: يَعْنِي بِالنُّورِ: الطَّاعَةُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ}: وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا لِمُحَمَّدٍ: كَيْفَ يَخْلُصُ نُورُ اللَّهِ مَنْ دُونِ السَّمَاءِ؟ فَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلَ ذَلِكَ لِنُورِهِ، فَقَالَ: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} قَالَ: وَهُوَ مَثَلٌ ضَرْبِهِ اللَّهُ لِطَاعَتِهِ، فَسَمَّى طَاعَتَهُ نُورًا، ثُمَّ سَمَّاهَا أَنْوَارًا شَتَّى. وَقَوْلُهُ: {كَمِشْكَاةٍ} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْمِشْكَاةِ وَالْمِصْبَاحِ، وَمَا الْمُرَادُ بِذَلِكَ، وَبِالزُّجَاجَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمِشْكَاةُ كُلُّ كُوَّةٍ لَا مَنْفَذَ لَهَا، وَقَالُوا: هَذَا مَثَلٌ ضَرْبَهُ اللَّهُ لِقَلْبِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ شِمْرٍ، قَالَ: جَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ، فَقَالَ لَهُ: حَدَّثَنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ}، قَالَ: الْمِشْكَاةُ وَهِيَ الْكُوَّةُ، ضَرَبَهَا اللَّهُ مَثَلًا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْمِشْكَاةُ (فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ قَلْبُهُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ) صَدْرُهُ، {الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} شَبَّهَ صَدْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ، ثُمَّ رَجَعَ الْمِصْبَاحَ إِلَى قَلْبِهِ فَقَالَ: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} لَمْ تَمَسَّهَا شَمْسُ الْمَشْرِقِ وَلَا شَمْسُ الْمَغْرِبِ، {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} يَكَادُ مُحَمَّدٌ يُبَيِّنُ لِلنَّاسِ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ، كَمَا يَكَادُ ذَلِكَ الزَّيْتُ {يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ}. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {كَمِشْكَاةٍ} يَقُولُ: مَوْضِعُ الْفَتِيلَةِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ..... إِلَى كَمِشْكَاةٍ) قَالَ: الْمِشْكَاةُ: كُوَّةُ الْبَيْتِ. وَقَالَ: آخَرُونَ عَنَى بِالْمِشْكَاةِ: صَدَرَ الْمُؤْمِنِ، وَبِالْمِصْبَاحِ: الْقُرْآنَ وَالْإِيمَانَ، وَبِالزُّجَاجَةِ: قَلَبَهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} قَالَ: مَثَلُ الْمُؤْمِنِ، قَدْ جُعِلَ الْإِيمَانُ وَالْقُرْآنُ فِي صَدْرِهِ {كَمِشْكَاةٍ} قَالَ: الْمِشْكَاةُ: صَدْرُهُ {فِيهَا مِصْبَاحٌ} قَالَ: وَالْمِصْبَاحُ الْقُرْآنُ وَالْإِيمَانُ الَّذِي جَعَلَ فِي صَدْرِهِ {الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ} قَالَ: وَالزُّجَاجَةُ: قَلْبُهُ {الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ} قَالَ: فَمَثَلُهُ مِمَّا اسْتَنَارَ فِيهِ الْقُرْآنُ وَالْإِيمَانُ كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، يَقُولُ: مُضِيءٌ {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ} وَالشَّجَرَةُ الْمُبَارَكَةُ أَصْلُهُ الْمُبَارَكَةُ الْإِخْلَاصُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَعِبَادَتُهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ {لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} قَالَ: فَمَثَلُهُ مَثَلُ شَجَرَةٍ الْتَفَّ بِهَا الشَّجَرُ، فَهِيَ خَضْرَاءُ نَاعِمَةٌ، لَا تُصِيبُهَا الشَّمْسُ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَتْ، لَا إِذَا طَلَعَتْ وَلَا إِذَا غَرَبَتْ، وَكَذَلِكَ هَذَا الْمُؤْمِنُ قَدْ أُجِيرَ مِنْ أَنْ يُصِيبَهُ شَيْءٌ مِنَ الْغَيْرِ، وَقَدِ ابْتُلِيَ بِهَا فَثَبَّتَهُ اللَّهُ فِيهَا، فَهُوَ بَيْنَ أَرْبَعِ خِلَالٍ: إِنْ أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإِنِ ابْتُلِيَ صَبَرَ، وَإِنْ حَكَمَ عَدَلَ، وَإِنْ قَالَ صَدَقَ، فَهُوَ فِي سَائِرِ النَّاسِ كَالرَّجُلِ الْحَيِّ يَمْشِي فِي قُبُورِ الْأَمْوَاتِ، قَالَ: {نُورٌ عَلَى نُورٍ} فَهُوَ يَتَقَلَّبُ فِي خَمْسَةٍ مِنَ النُّورِ: فَكَلَامُهُ نُورٌ، وَعَمَلُهُ نُورٌ، وَمَدْخَلُهُ نُورٌ، وَمَخْرَجُهُ نُورٌ، وَمَصِيرُهُ إِلَى النُّورِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْجَنَّةِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: الْمِشْكَاةُ: صَدْرُ الْمُؤْمِنِ {فِيهَا مِصْبَاحٌ} قَالَ: الْقُرْآنُ. قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، نَحْوَ حَدِيثِ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} قَالَ: مَثَلُ هُدَاهُ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ، كَمَا يَكَادُ الزَّيْتُ الصَّافِي يُضِيءُ قَبْلَ أَنْ تَمَسَّهُ النَّارُ، فَإِذَا مَسَّتْهُ النَّارُ ازْدَادَ ضَوْءًا عَلَى ضَوْءٍ، كَذَلِكَ يَكُونُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ، يَعْمَلُ بِالْهُدَى قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ الْعِلْمُ، فَإِذَا جَاءَهُ الْعِلْمُ ازْدَادَ هُدًى عَلَى هُدًى، وَنُورًا عَلَى نُورٍ، كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَجِيئَهُ الْمَعْرِفَةُ: {قَالَ هَذَا رَبِّي} حِينَ رَأَى الْكَوْكَبَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْبِرَهُ أَحَدٌ أَنَّ لَهُ رَبًّا، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ اللَّهُ أَنَّهُ رَبُّهُ ازْدَادَ هُدًى عَلَى هُدًى. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ يَخْلُصُ نُورُ اللَّهِ مَنْ دُونِ السَّمَاءِ؟ فَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلَ ذَلِكَ لِنُورِهِ، فَقَالَ: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} وَالْمِشْكَاةُ: كُوَّةُ الْبَيْتِ فِيهَا مِصْبَاحٌ، {الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} وَالْمِصْبَاحُ: السِّرَاجُ يَكُونُ فِي الزُّجَاجَةِ، وَهُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِطَاعَتِهِ، فَسَمَّى طَاعَتَهُ نُورًا وَسَمَّاهَا أَنْوَاعًا شَتَّى. قَوْلُهُ: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ} قَالَ: هِيَ شَجَرَةٌ لَا يَفِيءُ عَلَيْهَا ظِلُّ شَرْقٍ وَلَا ظِلُّ غَرْبٍ، ضَاحِيَةٌ، ذَلِكَ أَصْفَى لِلزَّيْتِ {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} قَالَ مَعْمَرٌ، وَقَالَ الْحَسَنُ: لَيْسَتْ مِنْ شَجَرِ الدُّنْيَا، لَيْسَتْ شَرْقِيَّةً وَلَا غَرْبِيَّةً. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ مَثَلٌ لِلْمُؤْمِنِ، غَيْرَ أَنَّ الْمِصْبَاحَ وَمَا فِيهِ مَثَلٌ لِفُؤَادِهِ، وَالْمِشْكَاةُ مَثَلٌ لِجَوْفِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ جَمِيعًا: الْمِصْبَاحُ وَمَا فِيهِ مَثَلُ فُؤَادِ الْمُؤْمِنِ وَجَوْفِهِ، الْمِصْبَاحُ: مَثَلُ الْفُؤَادِ، وَالْكُوَّةُ: مَثَلُ الْجَوْفِ. قَالَ ابْنُ جُرَيجٍ {كَمِشْكَاةٍ}: كُوَّةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ. قَالَ ابْنُ جُرَيجٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ: {نُورٌ عَلَى نُورٍ} يَعْنِي: إِيمَانُ الْمُؤْمِنِ وَعَمَلُهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ مَثَلٌ لِلْقُرْآنِ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} قَالَ: كَكُوَّةٍ {فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ}. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ} نُورُ الْقُرْآنِ الَّذِي أُنْزَلَ عَلَى رَسُولِهِ وَعِبَادِهِ، فَهَذَا مَثَلُ الْقُرْآنِ {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ} فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: (مُبَارَكَةٍ) فَهَذَا مَثَلُ الْقُرْآنِ يُسْتَضَاءُ بِهِ فِي نُورِهِ وَيُعْلِّمُونَهُ وَيَأْخُذُونَ بِهِ، وَهُوَ كَمَا هُوَ لَا يَنْقُصُ فَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِنُورِهِ. وَفِي قَوْلِهِ: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} قَالَ: الضَّوْءُ: إِشْرَاقُ ذَلِكَ الزَّيْتِ، وَالْمِشْكَاةُ: الَّتِي فِيهَا الْفَتِيلَةُ الَّتِي فِيهَا الْمِصْبَاحُ، وَالْقَنَادِيلُ تِلْكَ الْمَصَابِيحُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عِيَاضٍ فِي قَوْلِهِ: {كَمِشْكَاةٍ} قَالَ: الْكُوَّةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثَنَا قُرَّةُ، عَنْ عَطِيَّةَ، فِي قَوْلِهِ: {كَمِشْكَاةٍ} قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: الْمِشْكَاةُ: الْكُوَّةُ. وَقَالَ: آخَرُونَ: الْمِشْكَاةُ الْقِنْدِيلُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {كَمِشْكَاةٍ} قَالَ: الْقِنْدِيلُ، ثُمَّ الْعَمُودُ الَّذِي فِيهِ الْقِنْدِيلُ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {كَمِشْكَاةٍ} الصِّفْرُ الَّذِي فِي جَوْفِ الْقِنْدِيلِ. حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ، قَالَ: ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْمِشْكَاةُ: الْقِنْدِيلُ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْمِشْكَاةُ الْحَدِيدُ الَّذِي يُعَلَّقُ بِهِ الْقِنْدِيلُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: الْمِشْكَاةُ الْحَدَائِدُ الَّتِي يُعَلَّقُ بِهَا الْقِنْدِيلُ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: ذَلِكَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْقُرْآنِ فِي قَلْبِ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ، فَقَالَ: مَثَلُ نُورِ اللَّهِ الَّذِي أَنَارَ بِهِ لِعِبَادِهِ سَبِيلَ الرَّشَادِ، الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيْهِمْ فَآمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوا بِمَا فِيهِ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مَثَلُ مِشْكَاةٍ، وَهِيَ عَمُودُ الْقِنْدِيلِ الَّذِي فِيهِ الْفَتِيلَةُ، وَذَلِكَ هُوَ نَظِيرُ الْكُوَّةِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْحِيطَانِ الَّتِي لَا مَنْفَذَ لَهَا، وَإِنَّمَا جَعَلُ ذَلِكَ الْعَمُودَ مِشْكَاةً؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ نَافِذٍ، وَهُوَ أَجْوَفُ مَفْتُوحُ الْأَعْلَى، فَهُوَ كَالْكُوَّةِ الَّتِي فِي الْحَائِطِ الَّتِي لَا تَنْفُذُ، ثُمَّ قَالَ: {فِيهَا مِصْبَاحٌ} وَهُوَ السِّرَاجُ، وَجَعَلَ السِّرَاجَ وَهُوَ الْمِصْبَاحُ مَثَلًا لِمَا فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْآيَاتِ الْمُبَيِّنَاتِ، ثُمَّ قَالَ: {الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ} يَعْنِي: أَنَّ السِّرَاجَ الَّذِي فِي الْمِشْكَاةِ: فِي الْقِنْدِيلِ، وَهُوَ الزُّجَاجَةُ، وَذَلِكَ مَثَلٌ لِلْقُرْآنِ، يَقُولُ: الْقُرْآنُ الَّذِي فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي أَنَارَ اللَّهُ قَلْبَهُ فِي صَدْرِهِ، ثَمَّ مَثَلُ الصَّدْرَ فِي خُلُوصِهِ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَالشَّكِّ فِيهِ، وَاسْتِنَارَتُهُ بِنُورِ الْقُرْآنِ، وَاسْتِضَاءَتُهُ بِآيَاتِ رَبِّهِ الْمُبَيِّنَاتِ، وَمَوَاعِظِهِ فِيهَا بِالْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ، فَقَالَ: {الزُّجَاجَةُ} وَذَلِكَ صَدْرُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي فِيهِ قَلْبُهُ {كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ}. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {دُرِّيٌّ}، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ: {دُرِّيٌّ} بِضَمِّ الدَّالِّ وَتَرْكِ الْهَمْزَةِ، وَقَرَأَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ: "دِرِّيءٌ" بِكَسْرِ الدَّالِ وَهَمْزَةٍ، وَقَرَأَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ "دُرِّيءٌ" بِضَمِّ الدَّالِ وَهَمْزَةٍ، وَكَأَنَّ الَّذِينَ ضَمُّوا دَالَهُ وَتَرَكُوا الْهَمْزَةَ وَجَّهُوا مَعْنَاهُ إِلَى مَا قَالَهُ أَهْلُ التَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْهُمْ مِنْ أَنَّ الزُّجَاجَةَ فِي صَفَائِهَا وَحُسْنِهَا كَالدُّرِّ، وَأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إِلَيْهِ لِذَلِكَ مِنْ نَعْتِهَا وَصِفَتِهَا، وَوَجْهُ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِكَسْرِ دَالِهِ وَهَمَزَهُ إِلَى أَنَّهُ فَعِيلٌ مِنْ دُرِّيءِ الْكَوْكَبِ: أَيْ دَفَعَ وَرَجَمَ بِهِ الشَّيْطَانَ مِنْ قَوْلِهِ: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ}: أَيْ يَدْفَعُ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْكَوَاكِبَ الْعِظَامَ الَّتِي لَا تَعْرِفُ أَسْمَاءَهَا الدَّرَارِيَ بِغَيْرِ هَمْزٍ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: هِيَ الدَّرَارِئُ بِالْهَمْزِ، مَنْ يَدْرَأْنَ.وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوهُ بِضَمِّ دَالِهِ وَهَمَزَهُ، فَإِنْ كَانُوا أَرَادُوا بِهِ دُرُّوءٌ مِثْلَ سُبُّوحٍ وَقُدُّوسٍ مَنْ دَرَأْتُ، ثُمَّ اسْتَثْقَلُوا كَثْرَةَ الضَّمَّاتِ فِيهِ، فَصَرَفُوا بَعْضَهَا إِلَى الْكَسْرَةِ، فَقَالُوا دِرِّيءٌ، كَمَا قِيلَ: {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا} وَهُوَ فُعُولٌ مِنْ عَتَوْتُ عُتُوًّا، ثُمَّ حُوِّلَتْ بَعْضُ ضَمَّاتِهَا إِلَى الْكَسْرِ، فَقِيلَ: عِتِيًّا، فَهُوَ مَذْهَبٌ، وَإِلَّا فَلَا أَعْرِفُ لِصِحَّةِ قِرَاءَتِهِمْ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجْهًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَعِيلُ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: هُوَ لَحْنٌ. وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى الْقِرَاءَاتِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ {دُرِّيٌّ} بِضَمِّ دَالِهِ، وَتَرْكِ هَمْزِهِ، عَلَى النِّسْبَةِ إِلَى الدُّرِّ، لِأَنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ جَاءُوا وَقَدْ ذَكَرْنَا أَقْوَالَهُمْ فِي ذَلِكَ قَبْلُ، فَفِي ذَلِكَ مُكْتَفًى عَنِ الِاسْتِشْهَادِ عَلَى صِحَّتِهَا بِغَيْرِهِ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: الزُّجَاجَةُ: وَهِيَ صَدْرُ الْمُؤْمِنِ، كَأَنَّهَا: يَعْنِي كَأَنَّ الزُّجَاجَةَ وَذَلِكَ مَثَلٌ لِصَدْرِ الْمُؤْمِنِ، كَوْكَبٌ: يَقُولُ فِي صَفَائِهَا وَضِيَائِهَا وَحُسْنِهَا. وَإِنَّمَا يَصِفُ صَدْرَهُ بِالنَّقَاءِ مَنْ كُلِّ رَيْبٍ وَشَكٍّ فِي أَسْبَابِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَبُعْدِهِ مِنْ دَنَسِ الْمَعَاصِي، كَالْكَوْكَبِ الَّذِي يُشْبِهُ الدُّرَّ فِي الصَّفَاءِ وَالضِّيَاءِ وَالْحُسْنِ. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: "تُوقَّدَ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ" فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: "تَوَقَّدَ مِنْ شَجَرَةٍ" بِالتَّاءِ وَفَتْحِهَا وَتَشْدِيدِ الْقَافِ وَفَتْحِ الدَّالِ، وَكَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى تَوَقُّدِ الْمِصْبَاحِ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ. وَقَرَأَهُ بَعْضُ عَامَّةِ قُرَّاءِ الْمَدَنِيِّينَ (يُوقَدُ) بِالْيَاءِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ وَرَفْعِ الدَّالِ، بِمَعْنَى: يُوقَدُ الْمِصْبَاحُ، مَوْقِدُهُ مِنْ شَجَرَةٍ، ثُمَّ لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ "تُوقَدُ" بِضَمِّ التَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ وَرَفْعِ الدَّالِ، بِمَعْنَى: يُوقِدُ الزُّجَاجَةَ مَوْقِدُهَا مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، فَقِيلَ: تُوقِدُ. وَقَرَأَهُ بَعْضُ أَهْلِ مَكَّةَ "تَوَقَّدُ" بِفَتْحِ التَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ وَضَمِّ الدَّالِ، بِمَعْنَى: تَتَوَقَّدُ الزُّجَاجَةُ مِنْ شَجَرَةٍ، ثُمَّ أُسْقِطَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ اكْتِفَاءً بِالْبَاقِيَةِ مِنَ الذَّاهِبَةِ، وَهَذِهِ الْقِرَاءَاتُ مُتَقَارِبَاتُ الْمَعَانِي وَإِنِ اخْتَلَفَتْ الْأَلْفَاظُ بِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الزُّجَاجَةَ إِذَا وُصِفَتْ بِالتَّوَقُّدِ، أَوْ بِأَنَّهَا تَوَقَّدُ، فَمَعْلُومٌ مَعْنَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ تَوَقَّدَ فِيهَا الْمِصْبَاحُ، أَوْ يُوقِدُ فِيهَا الْمِصْبَاحَ، وَلَكِنْ وَجَّهُوا الْخَبَرَ إِلَى أَنَّ وَصْفَهَا بِذَلِكَ أَقْرَبُ فِي الْكَلَامِ مِنْهَا، وَفَهْمُ السَّامِعِينَ مَعْنَاهُ. وَالْمُرَادُ مِنْهُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَبِأَيِّ الْقِرَاءَاتِ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، غَيْرَ أَنَّ أَعْجَبَ الْقِرَاءَاتِ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا فِي ذَلِكَ "تَوَقَّدَ" بِفَتْحِ التَّاءِ، وَتَشْدِيدِ الْقَافِ وَفَتْحِ الدَّالِ، بِمَعْنَى وَصْفِ الْمِصْبَاحِ بِالتَّوَقُّدِ؛ لِأَنَّ التَّوَقُّدَ وَالِاتِّقَادَ لَا شَكَّ أَنَّهُمَا مِنْ صِفَتِهِ دُونَ الزُّجَاجَةِ، فَمَعْنَى الْكَلَامِ إِذَنْ: كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ، الْمِصْبَاحُ يُوقَدُ مِنْ دُهْنِ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ، زَيْتُونَةٍ، لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَ مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ فِيمَا قَدْ مَضَى، وَنَذْكُرُ بَاقِيَ مَا حَضَرَنَا مِمَّا لَمْ نَذْكُرْهُ قَبْلُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا قِيلَ لِهَذِهِ الشَّجَرَةِ: لَا شَرْقِيَّةَ وَلَا غَرْبِيَّةَ: أَيْ لَيْسَتْ شَرْقِيَّةً وَحْدَهَا حَتَّى لَا تُصِيبَهَا الشَّمْسُ إِذَا غَرَبَتْ، وَإِنَّمَا لَهَا نَصِيبُهَا مِنَ الشَّمْسِ بِالْغَدَاةِ مَا دَامَتْ بِالْجَانِبِ الَّذِي يَلِي الشَّرْقَ، ثُمَّ لَا يَكُونُ لَهَا نَصِيبٌ مِنْهَا إِذَا مَالَتْ إِلَى جَانِبٍ الْغَرْبِ، وَلَا هِيَ غَرْبِيَّةٌ وَحْدَهَا، فَتُصِيبُهَا الشَّمْسُ بِالْعَشِيِّ إِذَا مَالَتْ إِلَى جَانِبٍ الْغَرْبِ، وَلَا تُصِيبُهَا بِالْغَدَاةِ، وَلَكِنَّهَا شَرْقِيَّةٌ غَرْبِيَّةٌ، تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ بِالْغَدَاةِ، وَتَغْرُبُ عَلَيْهَا، فَيُصِيبُهَا حُرُّ الشَّمْسِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، قَالُوا: إِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ، كَانَ أَجْوَدَ لِزَيْتِهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سَمَّاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: {زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} قَالَ: لَا يَسْتُرُهَا مِنَ الشَّمْسِ جَبَلٌ وَلَا وَادٍ، إِذَا طَلَعَتْ وَإِذَا غَرَبَتْ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَارَةُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: {لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} قَالَ: الشَّجَرَةُ تَكُونُ فِي مَكَانٍ لَا يَسْتُرُهَا مِنَ الشَّمْسِ شَيْءٌ، تَطْلُعُ عَلَيْهَا، وَتَغْرُبُ عَلَيْهَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ؛ قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ {لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} قَالَا هِيَ الَّتِي بِشَقِّ الْجَبَلِ، الَّتِي يُصِيبُهَا شُرُوقُ الشَّمْسِ وَغُرُوبُهَا، إِذَا طَلَعَتْ أَصَابَتْهَا، وَإِذَا غَرَبَتْ أَصَابَتْهَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ لَيْسَتْ شَرْقِيَّةً وَلَا غَرْبِيَّةً.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: ثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ، قَالَ: ثَنَا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ قَابُوسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} قَالَ: هِيَ شَجَرَةٌ وَسَطَ الشَّجَرِ، لَيْسَتْ مِنَ الشَّرْقِ وَلَا مِنَ الْغَرْبِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} مُتَيَامِنَةٌ الشَّامَ، لَا شَرْقَيٌّ وَلَا غَرْبِيٌّ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَتْ هَذِهِ الشَّجَرَةُ مِنْ شَجَرِ الدُّنْيَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ: ثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} قَالَ: وَاللَّهِ لَوْ كَانَتْ فِي الْأَرْضِ لَكَانَتْ شَرْقِيَّةً أَوْ غَرْبِيَّةً، وَلَكِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِنُورِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عُثْمَانُ، يَعْنِي ابْنَ الْهَيْثَمِ، قَالَ: ثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ فِيقَوْلِ اللَّهِ: {زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ}قَالَ: لَوْ كَانَتْ فِي الْأَرْضِ هَذِهِ الزَّيْتُونَةُ كَانَتْ شَرْقِيَّةً أَوْ غَرْبِيَّةً، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا هِيَ فِي الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِنُورِهِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} قَالَ: هَذَا مَثَلُ ضَرَبَهُ اللَّهُ، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الشَّجَرَةُ فِي الدُّنْيَا لَكَانَتْ إِمَّا شَرْقِيَّةً وَإِمَّا غَرْبِيَّةً. وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا شَرْقِيَّةٌ غَرْبِيَّةٌ، وَقَالَ: وَمَعْنَى الْكَلَامِ: لَيْسَتْ شَرْقِيَّةً تَطْلُعُ عَلَيْهَا الشَّمْسُ بِالْعَشِيِّ دُونَ الْغَدَاةِ، وَلَكِنَّ الشَّمْسَ تُشْرِقُ عَلَيْهَا وَتَغْرُبُ، فَهِيَ شَرْقِيَّةٌ غَرْبِيَّةٌ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِمَعْنَى الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا وَصَفَ الزَّيْتَ الَّذِي يُوقِدُ عَلَى هَذَا الْمِصْبَاحِ بِالصَّفَاءِ وَالْجَوْدَةِ، فَإِذَا كَانَ شَجَرُهُ شَرْقِيًّا غَرْبِيًّا، كَانَ زَيْتُهُ لَا شَكَّ أَجْوَدَ وَأَصْفَى وَأَضْوَأَ. وَقَوْلُهُ: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَكَادُ زَيْتُ هَذِهِ الزَّيْتُونَةِ يُضِيءُ مِنْ صَفَائِهِ وَحُسْنِ ضِيَائِهِ {وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} يَقُولُ: فَكَيْفَ إِذَا مَسَّتْهُ النَّارُ. وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِقَوْلِهِ: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ} أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ كَلَامُهُ، فَجَعَلَ مَثَلَهُ وَمَثَلَ كَوْنِهِ مِنْ عِنْدِهِ، مَثَلَ الْمِصْبَاحِ الَّذِي يُوقَدُ مِنَ الشَّجَرَةِ الْمُبَارَكَةِ، الَّتِي وَصَفَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَعَنَى بِقَوْلِهِ: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ}: أَنَّ حُجَجَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَلَى خَلْقِهِ تَكَادُ مِنْ بَيَانِهَا وَوُضُوحِهَا تُضِيءُ لِمَنْ فَكَّرَ فِيهَا وَنَظَرَ أَوْ أَعْرَضَ عَنْهَا وَلَهَا {وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} يَقُولُ: وَلَوْ لَمْ يَزِدْهَا اللَّهُ بَيَانًا وَوُضُوحًا بِإِنْزَالِهِ هَذَا الْقُرْآنَ إِلَيْهِمْ؛ مُنَبِّهًا لَهُمْ عَلَى تَوْحِيدِهِ، فَكَيْفَ إِذَا نَبَّهَهُمْ بِهِ وَذَكَّرَهُمْ بِآيَاتِهِ، فَزَادَهُمْ بِهِ حُجَّةً إِلَى حُجَجِهِ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَذَلِكَ بَيَانٌ مِنَ اللَّهِ وَنُورٌ عَلَى الْبَيَانِ، وَالنُّورِ الَّذِي كَانَ قَدْ وَضَعَهُ لَهُمْ وَنَصَبَهُ قُبِلَ نُزُولِهِ. وَقَوْلُهُ: {نُورٌ عَلَى نُورٍ} يَعْنِي: النَّارُ عَلَى هَذَا الزَّيْتِ الَّذِي كَادَ يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ النَّارُ. كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {نُورٌ عَلَى نُورٍ} قَالَ: النَّارُ عَلَى الزَّيْتِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهُوَ عِنْدِي كَمَا ذَكَرْتُ مَثَلَ الْقُرْآنِ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: {نُورٌ عَلَى نُورٍ} هَذَا الْقُرْآنُ نُورٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، أَنْزَلَهُ إِلَى خَلْقِهِ يَسْتَضِيئُونَ بِهِ، {عَلَى نُورٍ} عَلَى الْحُجَجِ وَالْبَيَانِ الَّذِي قَدْ نَصَبَهُ لَهُمْ قَبْلَ مَجِيءِ الْقُرْآنِ إِنْزَالِهِ إِيَّاهُ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى حَقِيقَةِ وَحْدَانِيِّتِهِ، فَذَلِكَ بَيَانٌ مِنَ اللَّهِ، وَنُورٌ عَلَى الْبَيَانِ، وَالنُّورِ الَّذِي كَانَ وَضَعَهُ لَهُمْ وَنَصَبَهُ قَبْلَ نُزُولِهِ. وَذُكِرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، فِي قَوْلِهِ: {نُورٌ عَلَى نُورٍ} يُضِيءُ بَعْضُهُ بَعْضًا، يَعْنِي الْقُرْآنَ. وَقَوْلُهُ: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يُوَفِّقُ اللَّهُ لِاتِّبَاعِ نُورِهِ، وَهُوَ هَذَا الْقُرْآنُ، مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ. وَقَوْلُهُ: {وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ} يَقُولُ: وَيُمَثِّلُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ وَالْأَشْبَاهَ لِلنَّاسِ، كَمَا مَثَّلَ لَهُمْ مَثَلَ هَذَا الْقُرْآنِ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ بِالْمِصْبَاحِ فِي الْمِشْكَاةِ، وَسَائِرِ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الْأَمْثَالَ. (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) يَقُولُ وَاللَّهُ يَضْرِبُ الْأَمْثَالَ، وَغَيْرَهَا مِنَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، ذُو عِلْمٍ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لَيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ، فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ. كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْمِشْكَاةُ الَّتِي فِيهَا الْفَتِيلَةُ الَّتِي فِيهَا الْمِصْبَاحُ، قَالَ: الْمَصَابِيحُ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ "مِنْ" فِي صِلَةٍ "تُوقَدُ"، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: تُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ ذَلِكَ الْمِصْبَاحُ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ، وَعَنَى بِالْبُيُوتِ الْمَسَاجِدَ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، وَنَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوِْدِيُّ، قَالَا ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} قَالَ: الْمَسَاجِدُ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} وَهِيَ الْمَسَاجِدُ تُكْرَمُ، وَنَهَى عَنِ اللَّغْوِ فِيهَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} يَعْنِي: كُلُّ مَسْجِدٍ يُصَلِّي فِيهِ، جَامِعٌ أَوْ غَيْرُهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} قَالَ: مَسَاجِدُ تُبْنَى. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلُهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلُهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} قَالَ: فِي الْمَسَاجِدِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: أَدْرَكْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ وَهُمْ يَقُولُونَ: الْمَسَاجِدُ بُيُوتُ اللَّهِ، وَإِنَّهُ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكْرِمَ مَنْ زَارَهُ فِيهَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} قَالَ: هِيَ الْمَسَاجِدُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} قَالَ: الْمَسَاجِدُ. وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِذَلِكَ الْبُيُوتَ كُلَّهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، وَنَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوِْدِيُّ، قَالَا حَدَّثَنَا حَكَّامُ بْنُ سِلْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} قَالَ: هِيَ الْبُيُوتُ كُلُّهَ. إِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ فِي ذَلِكَ؛ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} عَلَى أَنَّهَا بُيُوتٌ بُنِيَتْ لِلصَّلَاةِ، فَلِذَلِكَ قُلْنَا هِيَ الْمَسَاجِدُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ}فَقَالَ: بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ: أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُبْنَى.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عِصَامٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} قَالَ: تُبْنَى.
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلُهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُعْظَّمَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} يَقُولُ: أَنْ تُعَظَّمَ لِذِكْرِهِ. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهُ: أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ بِنَاءً، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَغْلَبُ مِنْ مَعْنَى الرَّفْعِ فِي الْبُيُوتِ وَالْأَبْنِيَةِ. وَقَوْلُهُ: {وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} يَقُولُ: وَأَذِنَ لِعِبَادِهِ أَنْ يَذْكُرُوا اسْمَهُ فِيهَا. وَقَدْ قِيلَ: عُنِيَ بِهِ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُمْ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فِيهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: {وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} يَقُولُ: يُتْلَى فِيهَا كِتَابُهُ. وَهَذَا الْقَوْلُ قَرِيبُ الْمَعْنَى مِمَّا قُلْنَاهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تِلَاوَةَ كِتَابِ اللَّهِ مِنْ مَعَانِي ذِكْرِ اللَّهِ، غَيْرَ أَنَّ الَّذِي قُلْنَا بِهِ أَظْهَرُ مَعْنَيَيْهِ، فَلِذَلِكَ اخْتَرْنَا الْقَوْلَ بِهِ. وَقَوْلُ: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}. اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: (يُسَبِّحُ لَهُ) فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ (يُسَبِّحُ لَهُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْبَاءِ، بِمَعْنَى يُصَلِّي لَهُ فِيهَا رِجَالٌ، وَيَجْعَلُ يُسَبِّحُ فِعْلًا لِلرِّجَالِ، وَخَبَرًا عَنْهُمْ، وَتَرْفَعُ بِهِ الرِّجَالَ، سِوَى عَاصِمٍ وَابْنِ عَامِرٍ، فَإِنَّهُمَا قَرَءَا ذَلِكَ: "يُسَبَّحُ لَهُ" بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ، عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، ثُمَّ يَرْفَعَانِ الرِّجَالَ بِخَبَرٍ ثَانٍ مُضْمَرٍ، كَأَنَّهُمَا أَرَادَا: يُسَبَّحُ اللَّهُ فِي الْبُيُوتِ الَّتِي أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ، فَسَبَّحَ لَهُ رِجَالٌ، فَرَفَعَا الرِّجَالَ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي هِيَ أَوْلَاهُمَا بِالصَّوَابِ، قِرَاءَةُ مَنْ كَسَرَ الْبَاءَ، وَجَعَلَهُ خَبَرًا لِلرِّجَالِ وَفِعْلًا لَهُمْ. وَإِنَّمَا كَانَ الِاخْتِيَارُ رَفْعُ الرِّجَالِ بِمُضْمَرٍ مِنَ الْفِعْلِ لَوْ كَانَ الْخَبَرُ عَنِ الْبُيُوتِ، لَا يَتِمُّ إِلَّا بِقَوْلِهِ: (يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا)، فَأَمَّا وَالْخَبَرُ عَنْهَا دُونَ ذَلِكَ تَامٌّ، فَلَا وَجْهَ لِتَوْجِيهِ قَوْلِهِ: (يُسَبِّحُ لَهُ) إِلَى غَيْرِهِ أَيْ غَيْرِ الْخَبَرِ عَنِ الرِّجَالِ. وَعَنِيَ بِقَوْلِهِ: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} يُصَلِّي لَهُ فِي هَذِهِ الْبُيُوتِ بِالْغُدُوَاتِ وَالْعَشِيَاتِ رِجَالٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: ثَنَا الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمَّارِ الدُّهْنِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُلُّ تَسْبِيحٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ صَلَاةٌ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} يَقُولُ: يُصَلِّي لَهُ فِيهَا بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، يَعْنِي بِالْغُدُوِّ: صَلَاةُ الْغَدَاةِ، وَيَعْنِي بِالْآصَالِ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَهُمَا أَوَّلُ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ مِنَ الصَّلَاةِ، فَأَحَبَّ أَنْ يَذْكُرَهُمَا، وَيُذَكِّرَ بِهِمَا عِبَادَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ} أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُبْنَى، فَيُصَلَّى فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} يَعْنِي الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ. وَقَوْلُهُ: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا يَشْغَلُ هَؤُلَاءِ الرِّجَالَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ فِي هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، الَّتِي أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ، عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ فِيهَا وَإِقَامِ الصَّلَاةِ- تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ. كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ اسْمَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}... إِلَى قَوْلِهِ: (وَالْأَبْصَارُ) قَالَ: هُمْ قَوْمٌ فِي تِجَارَاتِهِمْ وَبَيُوعِهِمْ؛ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَاتُهُمْ، وَلَا بَيُوعُهُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى قَوْمٍ مِنَ السُّوقِ، قَامُوا وَتَرَكُوا بَيَاعَاتِهِمْ إِلَى الصَّلَاةِ، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ {لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}... الْآيَةَ. قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ سَيَّارٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، نَحْوَ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ سَيَّارٍ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا مِنْ أَهْلِ السُّوقِ حَيْثُ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ، تَرَكُوا بَيَاعَاتِهِمْ، وَنَهَضُوا إِلَى الصَّلَاةِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هَؤُلَاءِ مِنَ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ {لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: {لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ} عَنْ صَلَاتِهِمُ الْمَفْرُوضَةِ عَلَيْهِمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} يَقُولُ: عَنِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِقَامِ الصَّلَاةِ) يَقُولُ: وَلَا يَشْغَلُهُمْ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ إِقَامِ الصَّلَاةِ بِحُدُودِهَا فِي أَوْقَاتِهَا. وَبِنَحْوِ قَوْلِنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثَنَا عَوْفٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ عَوْفٌ اسْمَهُ فِي (وَإِقَامِ الصَّلَاةِ) قَالَ: يَقُومُونَ لِلصَّلَاةِ عِنْدَ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَوَلَيْسَ قَوْلُهُ: (وَإِقَامِ الصَّلَاةِ) مَصْدَرًا مِنْ قَوْلِهِ: أَقَمْتُ؟ قِيلَ: بَلَى.فَإِنْ قَالَ: أَوَلَيْسَ الْمَصْدَرُ مِنْهُ إِقَامَةً، كَالْمَصْدَرِ مَنْ آجَرْتُ إِجَارَةً؟ قِيلَ: بَلَى. فَإِنْ قَالَ: وَكَيْفَ قَالَ: (وَإِقَامِ الصَّلَاةِ) أَوَتُجِيزُ أَنْ نَقُولَ: أَقَمْتُ إِقَامًا؟ قِيلَ: وَلَكِنِّي أُجِيزُ أَعْجَبَنِي إِقَامِ الصَّلَاةِ. فَإِنْ قِيلَ: وَمَا وَجْهُ جَوَازِ ذَلِكَ؟ قِيلَ: إِنَّ الْحُكْمَ فِي أَقَمْتُ إِذَا جُعِلَ مِنْهُ مَصْدَرٌ أَنْ يُقَالَ: إِقْوَامًا، كَمَا يُقَالُ: أَقْعَدْتُ فَلَانًا إِقْعَادًا، وَأَعْطَيْتُهُ إِعْطَاءً. وَلَكِنَّ الْعَرَبَ لَمَّا سَكَّنَتِ الْوَاوَ مِنْ أَقَمْتُ فَسَقَطَتْ لِاجْتِمَاعِهَا، وَهِيَ سَاكِنَةٌ، وَالْمِيمُ وَهِيَ سَاكِنَةٌ، بَنَوُا الْمَصْدَرَ عَلَى ذَلِكَ، إِذْ جَاءَتِ الْوَاوُ سَاكِنَةً قَبْلَ أَلِفِ الْإِفْعَالِ وَهِيَ سَاكِنَةٌ، فَسَقَطَتْ الْأُولَى مِنْهُمَا، فَأَبْدَلُوا مِنْهَا هَاءً فِي آخِرِ الْحَرْفِ كَالتَّكْثِيرِ لِلْحَرْفِ، كَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ فِي قَوْلِهِمْ: وَعَدْتُهُ عِدَةً، وَوَزَنْتُهُ زِنَةً، إِذْ ذَهَبَتِ الْوَاوُ مِنْ أَوَّلِهِ، كَثَّرُوهُ مِنْ آخِرِهِ بِالْهَاءِ؛ فَلَمَّا أُضِيفَتِ الْإِقَامَةُ إِلَى الصَّلَاةِ، حَذَفُوا الزِّيَادَةَ الَّتِي كَانُوا زَادُوهَا لِلتَّكْثِيرِ وَهِيَ الْهَاءُ فِي آخِرِهَا؛ لِأَنَّ الْخَافِضَ وَمَا خَفَضَ عِنْدَهُمْ كَالْحَرْفِ الْوَاحِدِ، فَاسْتَغْنَوْا بِالْمُضَافِ إِلَيْهِ مِنَ الْحَرْفِ الزَّائِدِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ: إِنَّ الْخَلِيطَ أَجَدُّوا الْبَيِْنَ فَانْجَرَدُوا *** وَأَخْلَفُوكَ عِدَى الْأَمْرِ الَّذِي وَعَدُوا يُرِيدُ: عِدَةُ الْأَمْرِ. فَأَسْقَطَ الْهَاءَ مِنَ الْعِدَةِ لَمَّا أَضَافَهَا، فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي إِقَامِ الصَّلَاةِ. وَقَوْلُهُ {وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ} قِيلَ: مَعْنَاهُ وَإِخْلَاصُ الطَّاعَةِ لِلَّهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ}، وَقَوْلُهُ: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ}، وَقَوْلُهُ: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا}، وَقَوْلُهُ: {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً} وَنَحْوَ هَذَا فِي الْقُرْآنِ، قَالَ: يَعْنِي بِالزَّكَاةِ: طَاعَةُ اللَّهِ وَالْإِخْلَاصُ، وَقَوْلُهُ: {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} يَقُولُ: يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ مِنْ هَوْلِهِ بَيْنَ طَمَعٍ بِالنَّجَاةِ، وَحَذَرٍ بِالْهَلَاكِ، وَالْأَبْصَارُ: أَيُّ نَاحِيَةٍ يُؤْخَذُ بِهِمْ، أَذَاتِ الْيَمِينِ أَمْ ذَاتِ الشِّمَالِ، وَمِنْ أَيْنَ يُؤْتَوْنَ كُتُبَهُمْ، أَمِنْ قِبَلِ الْأَيْمَانِ، أَوْ مِنْ قِبَلِ الشَّمَائِلِ؟ وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ}... إِلَى قَوْلِهِ: {تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}: يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَوْلُهُ: {لَيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} يَقُولُ: فَعَلُوا ذَلِكَ، يَعْنِي أَنَّهُمْ لَمْ تُلْهِهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ، وَآتَوُا الزَّكَاةَ، وَأَطَاعُوا رَبَّهُمْ؛ مَخَافَةَ عَذَابِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَيْ يُثِيبَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَحْسَنِ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا، وَيَزِيدَهُمْ عَلَى ثَوَابِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى أَحْسَنِ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا مِنْ فَضْلِهِ، فَيُفْضِلُ عَلَيْهِمْ عَنْ عِنْدِهِ بِمَا أَحَبَّ مِنْ كَرَامَتِهِ لَهُمْ.وَقَوْلُهُ: {وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَتَفَضَّلُ عَلَى مَنْ شَاءَ وَأَرَادَ مِنْ طَوْلِهِ وَكَرَامَتِهِ، مِمَّا لَمْ يَسْتَحِقُّهُ بِعَمَلِهِ، وَلَمْ يَبْلُغْهُ بِطَاعَتِهِ (بِغَيْرِ حِسَابٍ)، يَقُولُ: بِغَيْرِ مُحَاسَبَةٍ عَلَى مَا بَذَلَ لَهُ وَأَعْطَاهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}. وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِأَعْمَالِ أَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ، فَقَالَ: وَالَّذِينَ جَحَدُوا تَوْحِيدَ رَبِّهِمْ وَكَذَّبُوا بِهَذَا الْقُرْآنِ، وَبِمَنْ جَاءَ بِهِ مَثَلُ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوهَا (كَسَرَابٍ) يَقُولُ: مَثَلُ سَرَابٍ، وَالسَّرَابُ مَا لَصِقَ بِالْأَرْضِ، وَذَلِكَ يَكُونُ نِصْفَ النَّهَارِ، وَحِينَ يَشْتَدُّ الْحُرُّ وَالْآلُ، مَا كَانَ كَالْمَاءِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَذَلِكَ يَكُونُ أَوَّلَ النَّهَارِ، يَرْفَعُ كُلَّ شَيْءٍ ضُحًى. وَقَوْلُهُ: (بِقِيعَةٍ) وَهِيَ جَمْعُ قَاعٍ، كَالْجِيرَةِ جَمْعُ جَارٍ، وَالْقَاعُ: مَا انْبَسَطَ مِنَ الْأَرْضِ وَاتَّسَعَ، وَفِيهِ يَكُونُ السَّرَابُ. وَقَوْلُهُ: {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً} يَقُولُ: يَظُنُّ الْعَطْشَانُ مِنَ النَّاسِ السَّرَابَ مَاءً {حَتَّى إِذَا جَاءَهُ} وَالْهَاءُ مِنْ ذِكْرِ السَّرَابِ، وَالْمَعْنَى: حَتَّى إِذَا جَاءَ الظَّمْآنُ السَّرَابَ مُلْتَمِسًا مَاءً، يَسْتَغِيثُ بِهِ مِنْ عَطَشِهِ (لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا) يَقُولُ: لَمْ يَجِدِ السَّرَابَ شَيْئًا، فَكَذَلِكَ الْكَافِرُونَ بِاللَّهِ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي غُرُورٍ، يَحْسَبُونَ أَنَّهَا مُنْجِيَتُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ عَذَابِهِ، كَمَا حَسِبَ الظَّمْآنُ الَّذِي رَأَى السَّرَابَ فَظَنَّهُ مَاءً يَرْوِيهِ مِنْ ظَمَئِهِ، حَتَّى إِذَا هَلَكَ وَصَارَ إِلَى الْحَاجَةِ إِلَى عَمَلِهِ الَّذِي كَانَ يَرَى أَنَّهُ نَافِعُهُ عِنْدَ اللَّهِ، لَمْ يَجِدْهُ يَنْفَعُهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَمَلُهُ عَلَى كُفْرٍ بِاللَّهِ، وَوَجَدَ اللَّهَ، هَذَا الْكَافِرُ عِنْدَ هَلَاكِهِ بِالْمِرْصَادِ، فَوَفَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِسَابَ أَعْمَالِهِ الَّتِي عَمِلَهَا فِي الدُّنْيَا، وَجَازَاهُ بِهَا جَزَاءَهُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ مِنْهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ: {حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} فَإِنْ لَمْ يَكُنِ السَّرَابُ شَيْئًا، فَعَلَامَ أُدْخِلَتِ الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: {حَتَّى إِذَا جَاءَهُ}؟ قِيلَ: إِنَّهُ شَيْءٌ يُرَى مِنْ بَعِيدٍ كَالضَّبَابِ، الَّذِي يُرَى كَثِيفًا مِنْ بَعِيدٍ، وَالْهَبَاءِ، فَإِذَا قَرُبَ مِنْهُ الْمَرْءُ، رِقَّ وَصَارَ كَالْهَوَاءِ. وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ حَتَّى إِذَا جَاءَ مَوْضِعَ السَّرَابِ؛ لَمْ يَجِدِ السَّرَابَ شَيْئًا، فَاكْتَفَى بِذِكْرِ السَّرَابِ مِنْ ذِكْرِ مَوْضِعِهِ، (وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) يَقُولُ وَاللَّهُ سَرِيعٌ حِسَابُهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى عَقْدِ أَصَابِعَ، وَلَا حِفْظٍ بِقَلْبٍ، وَلَكِنَّهُ عَالِمٌ بِذَلِكَ كُلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَهُ الْعَبْدُ، وَمِنْ بَعْدِ مَا عَمِلَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: ثُمَّ ضَرَبَ مَثَلًا آخَرَ، فَقَالَ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} قَالَ: وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرًا فَلَا يَجِدُ، فَيُدْخِلُهُ النَّارَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} يَقُولُ: الْأَرْضُ الْمُسْتَوِيَةُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِيقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ}... إِلَى قَوْلِهِ: (وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) قَالَ: هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِرَجُلٍ عَطِشَ فَاشْتَدَّ عَطَشُهُ، فَرَأَى سَرَابًا فَحَسِبَهُ مَاءً، فَطَلَبَهُ وَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ قَدَرَ عَلَيْهِ، حَتَّى أَتَاهُ، فَلَمَّا أَتَاهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا، وَقُبِضَ عِنْدَ ذَلِكَ، يَقُولُ الْكَافِرُ كَذَلِكَ، يَحْسَبُ أَنَّ عَمَلَهُ مُغْنٍ عَنْهُ، أَوْ نَافِعُهُ شَيْئًا، وَلَا يَكُونُ آتِيًا عَلَى شَيْءٍ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمَوْتُ، فَإِذَا أَتَاهُ الْمَوْتُ لَمْ يَجِدْ عَمَلَهُ أَغْنَى عَنْهُ شَيْئًا، وَلَمْ يَنْفَعْهُ إِلَّا كَمَا نَفَعَ الْعَطْشَانَ الْمُشْتَدَّ إِلَى السَّرَابِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ. قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} قَالَ: بِقَاعٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَالسَّرَابِ: عَمَلُهُ، زَادَ الْحَارِثُ فِي حَدِيثِهِ عَنِ الْحَسَنِ: وَالسَّرَابُ: عَمَلُ الْكَافِرِ {إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} إِتْيَانُهُ إِيَّاهُ: مَوْتُهُ، وَفِرَاقُهُ الدُّنْيَا (وَوَجَدَ اللَّهَ) عِنْدَ فِرَاقِهِ الدُّنْيَا، {فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ}. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} قَالَ: بِقِيعَةٍ مِنَ الْأَرْضِ {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً} هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِعَمَلِ الْكَافِرِ، يَقُولُ: يَحْسَبُ أَنَّهُ فِي شَيْءٍ، كَمَا يَحْسَبُ هَذَا السَّرَابَ مَاءً {حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ إِذَا مَاتَ لَمْ يَجِدْ عَمَلَهُ شَيْئًا {وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ}. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا)... إِلَى قَوْلِهِ: {وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ} قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلَّذِينِ كَفَرُوا {أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} قَدْ رَأَى السَّرَابَ، وَوَثِقَ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ مَاءٌ، فَلَمَّا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا، قَالَ: وَهَؤُلَاءِ ظَنُّوا أَنَّ أَعْمَالَهُمْ صَالِحَةٌ، وَأَنَّهُمْ سَيَرْجِعُونَ مِنْهَا إِلَى خَيْرٍ، فَلَمْ يَرْجِعُوا مِنْهَا إِلَّا كَمَا رَجَعَ صَاحِبُ السَّرَابِ، فَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}. وَهَذَا مَثَلٌ آخَرُ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِأَعْمَالِ الْكُفَّارِ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِثْلُ أَعْمَالِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ، فِي أَنَّهَا عَمِلَتْ عَلَى خَطَأٍ وَفَسَادٍ وَضَلَالَةٍ وَحَيْرَةٍ مِنْ عُمَّالِهَا فِيهَا، وَعَلَى غَيْرِ هُدًى، مِثْلُ ظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ، وَنَسَبَ الْبَحْرَ إِلَى اللُّجَّةِ وَصْفًا لَهُ بِأَنَّهُ عَمِيقٌ كَثِيرُ الْمَاءِ، وَلُجَّةُ الْبَحْرِ مُعْظَمُهُ {يَغْشَاهُ مَوْجٌ} يَقُولُ: يَغْشَى الْبَحْرَ مَوْجٌ {مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ} يَقُولُ: مِنْ فَوْقِ الْمَوْجِ مَوْجٌ آخَرُ يَغْشَاهُ، {مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ} يَقُولُ: مِنْ فَوْقِ الْمَوْجِ الثَّانِي الَّذِي يَغْشَى الْمَوْجَ الْأَوَّلَ سَحَابٌ، فَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ مَثَلًا لِأَعْمَالِهِمْ، وَالْبَحْرَ اللُّجِّيَّ مَثَلًا لِقَلْبِ الْكَافِرِ، يَقُولُ: عَمِلَ بِنِيَّةِ قَلْبٍ قَدْ غَمَرَهُ الْجَهْلُ، وَتَغَشَّتْهُ الضَّلَالُ وَالْحَيْرَةُ، كَمَا يَغْشَى هَذَا الْبَحْرَ اللُّجِّيَّ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ، فَكَذَلِكَ قَلْبُ هَذَا الْكَافِرِ الَّذِي مَثَلُ عَمَلِهِ مَثَلُ هَذِهِ الظُّلُمَاتِ، يَغْشَاهُ الْجَهْلُ بِاللَّهِ، بِأَنَّ اللَّهَ خَتَمَ عَلَيْهِ، فَلَا يَعْقِلُ عَنِ اللَّهِ، وَعَلَى سَمْعِهِ، فَلَا يَسْمَعُ مَوَاعِظَ اللَّهِ، وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَلَا يُبْصِرُ بِهِ حُجَجَ اللَّهِ، فَتِلْكَ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ}... إِلَى قَوْلِهِ: (مِنْ نُورٍ) قَالَ: يَعْنِي بِالظُّلُمَاتِ: الْأَعْمَالُ، وَبِالْبَحْرِ اللُّجِّيِّ: قَلْبُ الْإِنْسَانِ، قَالَ: يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ، قَالَ: ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، يَعْنِي بِذَلِكَ الْغِشَاوَةِ الَّتِي عَلَى الْقَلْبِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ}... الْآيَةَ، وَكَقَوْلِهِ: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}... إِلَى قَوْلِهِ: {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} عَمِيقٍ، وَهُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْكَافِرِ، يَعْمَلُ فِي ضَلَالَةٍ وَحَيْرَةٍ، قَالَ: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ}. وَرُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَا حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أَبِيِّ بْنِ كَعْبٍ، فِي قَوْلِهِ: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ}... الْآيَةَ، قَالَ: ضَرَبَ مَثَلًا آخَرَ لِلْكَافِرِ، فَقَالَ: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ}... الْآيَةَ، قَالَ: فَهُوَ يَتَقَلَّبُ فِي خَمْسٍ مِنَ الظُّلَمِ: فَكَلَامُهُ ظُلْمَةٌ، وَعَمَلُهُ ظُلْمَةٌ، وَمَدْخَلُهُ ظُلْمَةٌ، وَمَخْرَجُهُ ظُلْمَةٌ، وَمَصِيرُهُ إِلَى الظُّلُمَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى النَّارِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِيقَوْلِهِ: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ}... إِلَى قَوْلِهِ: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} قَالَ: شَرٌّ بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ. وَقَوْلُهُ: {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} يَقُولُ: إِذَا أَخْرَجَ النَّاظِرُ يَدَهُ فِي هَذِهِ الظُّلُمَاتِ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا}، مَعَ شِدَّةِ هَذِهِ الظُّلْمَةِ الَّتِي وَصَفَ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: لَمْ أَكَّدَ أَرَى فُلَانًا، إِنَّمَا هُوَ إِثْبَاتٌ مِنْهُ لِنَفْسِهِ رُؤْيَتَهُ بَعْدَ جُهْدٍ وَشَدَّةٍ، وَمِنْ دُونِ الظُّلُمَاتِ الَّتِي وَصَفَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا لَا يَرَى النَّاظِرُ يَدَهُ إِذَا أَخْرَجَهَا فِيهِ، فَكَيْفَ فِيهَا؟ قِيلَ فِي ذَلِكَ أَقْوَالٌ نَذْكُرُهَا، ثُمَّ نُخْبِرُ بِالصَّوَابِ مِنْ ذَلِكَ، أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْكَلَامِ: إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ رَائِيًا لَهَا لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا: أَيْ لَمْ يَعْرِفْ مِنْ أَيْنَ يَرَاهَا، فَيَكُونُ مِنَ الْمُقَدَّمِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّأْخِيرُ، وَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ: إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَقْرُبْ أَنْ يَرَاهَا. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَرَهَا وَيَكُونُ قَوْلُهُ: {لَمْ يَكَدْ} فِي دُخُولِهِ فِي الْكَلَامِ نَظِيرَ دُخُولِ الظَّنِّ فِيمَا هُوَ يَقِينٌ مِنَ الْكَلَامِ، كَقَوْلِهِ: {وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ قَدْ رَآهَا بَعْدَ بُطْءٍ وَجُهْدٍ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ لِآخَرَ: مَا كِدْتُ أَرَاكَ مِنَ الظُّلْمَةِ، وَقَدْ رَآهُ، وَلَكِنْ بَعْدَ إِيَاسٍ وَشِدَّةٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّالِثُ أَظْهَرُ مَعَانِي الْكَلِمَةِ مِنْ جِهَةِ مَا تَسْتَعْمِلُ الْعَرَبُ أَكَادُ فِي كَلَامِهَا، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ الَّذِي قُلْنَا إِنَّهُ يَتَوَجَّهُ إِلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى لَمْ يَرَهَا، قَوْلٌ أَوْضَحُ مِنْ جِهَةِ التَّفْسِيرِ، وَهُوَ أَخْفَى مَعَانِيهِ. وَإِنَّمَا حَسُنَ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، أَعْنِي أَنْ يَقُولَ: لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا مَعَ شِدَّةِ الظُّلْمَةِ الَّتِي ذَكَرَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَثَلٌ لَا خَبَرٌ عَنْ كَائِنٍ كَانَ. {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا} يَقُولُ: مَنْ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ إِيمَانًا وَهُدًى مِنَ الضَّلَالَةِ وَمَعْرِفَةً بِكِتَابِهِ، {فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}: يَقُولُ فَمَا لَهُ مِنْ إِيمَانٍ وَهُدًى وَمَعْرِفَةٍ بِكِتَابِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ تَنْظُرْ يَا مُحَمَّدُ بِعَيْنِ قَلْبِكَ، فَتَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يُصَلِّي لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ مَلَكٍ وَإِنْسٍ وَجِنٍّ {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ} فِي الْهَوَاءِ أَيْضًا تَسْبَحُ لَهُ {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} وَالتَّسْبِيحُ عِنْدَكَ صَلَاةٌ، فَيُقَالُ: قِيلَ: إِنِ الصَّلَاةَ لِبَنِي آدَمَ، وَالتَّسْبِيحَ لِغَيْرِهِمْ مِنَ الْخَلْقِ، وَلِذَلِكَ فَصَّلَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنِي عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} قَالَ: وَالصَّلَاةُ لِلْإِنْسَانِ، وَالتَّسْبِيحُ لِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْخَلْقِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} قَالَ: صَلَاتُهُ لِلنَّاسِ، وَتَسْبِيحُهُ عَامَّةٌ لِكُلِّ شَيْءٍ. وَيَتَوَجَّهُ قَوْلُهُ: {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} لِوُجُوهٍ: أَحُدُهَا أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: {صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} مِنْ ذِكْرِ كُلٌّ، فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: كُلُّ مُصَلٍّ وَمُسَبِّحٍ مِنْهُمْ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ، وَيَكُونُ الْكُلُّ حِينَئِذٍ مُرْتَفِعًا بِالْعَائِدِ مِنْ ذِكْرِهِ فِي قَوْلِهِ: {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} وَهُوَ الْهَاءُ الَّتِي فِي الصَّلَاةِ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّسْبِيحِ أَيْضًا لِلْكُلِّ، وَيَكُونُ الْكُلُّ مُرْتَفِعًا بِالْعَائِدِ مِنْ ذِكْرِهِ عَلَيْهِ فِي (عَلِمَ) وَيَكُونُ (عَلِمَ) فِعْلًا لِلْكُلِّ، فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ حِينَئِذٍ: قَدْ عَلِمَ كُلُّ مُصَلٍّ وَمُسَبِّحٍ مِنْهُمْ صَلَاةَ نَفْسِهِ وَتَسْبِيحَهُ، الَّذِي كُلِّفَهُ وَأُلْزِمَهُ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّسْبِيحِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَالْعِلْمِ لِلْكُلِّ، فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ حِينَئِذٍ: قَدْ عَلِمَ كُلُّ مُسَبِّحٍ وَمُصَلٍّ صَلَاةَ اللَّهِ الَّتِي كَلَّفَهُ إِيَّاهَا، وَتَسْبِيحُهُ، وَأَظْهَرُ هَذِهِ الْمَعَانِيَ الثَّلَاثَةِ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ، الْمَعْنَى الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: كُلُّ مُصَلٍّ مِنْهُمْ وَمُسَبِّحٍ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ. وَقَوْلُهُ: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ ذُو عِلْمٍ بِمَا يَفْعَلُ كُلُّ مُصَلٍّ وَمُسَبِّحٍ مِنْهُمْ، لَا يُخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِهِمْ، طَاعَتِهَا وَمَعْصِيَتِهَا، مُحِيطٌ بِذَلِكَ كُلِّهِ، وَهُوَ مُجَازِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ. وَقَوْلُهُ: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلِلَّهِ سُلْطَانُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَلِكُهَا دُونَ كُلِّ مَنْ هُوَ دُونَهُ مِنْ سُلْطَانٍ وَمَلِكٍ، فَإِيَّاهُ فَارْهَبُوا أَيُّهَا النَّاسُ، وَإِلَيْهِ فَارْغُبُوا لَا إِلَى غَيْرِهِ، فَإِنَّ بِيَدِهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، لَا يَخْشَى بِعَطَايَاكُمْ مِنْهَا فَقْرًا (وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) يَقُولُ: وَأَنْتُمْ إِلَيْهِ بَعْدَ وَفَاتِكُمْ، مَصِيرُكُمْ وَمَعَادُكُمْ، فَيُوَفِّيكُمْ أُجُورَ أَعْمَالِكُمُ الَّتِي عَمِلْتُمُوهَا فِي الدُّنْيَا، فَأَحْسِنُوا عِبَادَتَهُ، وَاجْتَهِدُوا فِي طَاعَتِهِ، وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمُ الصَّالِحَاتِ مِنَ الْأَعْمَالِ.
|