الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ}. وَهَذَا عِتَابٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَهْلَ الْإِيمَانِ بِهِ فِيمَا وَقَعَ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ إِرْجَافِ مَنْ أَرْجَفَ فِي أَمْرِ عَائِشَة بمَا أَرْجَفَ بِهِ، يَقُولُ لَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَلَّا أَيُّهَا النَّاسُ إِذْ سَمِعْتُمْ مَا قَالَ أَهْلُ الْإِفْكِ فِي عَائِشَة ظنَّ الْمُؤْمِنُونَ مِنْكُمْ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا: يَقُولُ: ظَنَنْتُمْ بِمَنْ قَرِفَ بِذَلِكَ مِنْكُمْ خَيْرًا، وَلَمْ تَظُنُّوا بِهِ أَنَّهُ أَتَى الْفَاحِشَةَ، وَقَالَ بِأَنْفُسِهِمْ، لِأَنَّ أَهْلَ الْإِسْلَامِ كُلَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِ بَنِي النَّجَّارِ، أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ خَالِدَ بْنَ زَيْدٍ، قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُأُمُّ أَيُّوبَ: أَمَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِي عَائِشَة؟ قَالَ: بَلَى، وَذَلِكَ الْكَذِبُ، أَكُنْتِ فَاعِلَةً ذَلِكَ يَاأُمَّ أَيُّوبَ؟ قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلُهُ، قَالَ: فَ عَائِشَة واللَّهِ خَيْرٌ مِنْكِ، قَالَ: فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ، ذَكَرَ اللَّهُ مَنْ قَالَ فِي الْفَاحِشَةِ مَا قَالَ مِنْ أَهْلِ الْإِفْكِ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} وَذَلِكَ حَسَّانُ وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ قَالُوا مَا قَالُوا، ثُمَّ قَالَ: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ}... الْآيَةَ: أَيْ كَمَا قَالَ أَبُو أَيُّوبَ وَصَاحِبَتُهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} مَا هَذَا الْخَيْرُ ظَنُّ الْمُؤْمِنِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَمْ يَكُنْ لِيَفْجُرَ بِأُمِّهِ، وَأَنَّ الْأُمَّ لَمْ تَكُنْ لِتَفْجُرَ بِابْنِهَا، إِنْ أَرَادَ أَنْ يَفْجُرَ فَجَرَ بِغَيْرِ أُمِّهِ، يَقُولُ: إِنَّمَا كَانَتْ عَائِشَة أمًّا، وَالْمُؤْمِنُونَ بَنُونَ لَهَا، مُحَرَّمًا عَلَيْهَا، وَقَرَأَ: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}... الْآيَةَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} قَالَ لَهُمْ خَيْرًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}. يَقُولُ: بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، قَالَ: يُسَلِّمُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا هَوْذَةُ، قَالَ: ثَنَا عَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ. وَقَوْلُهُ: {وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} يَقُولُ: وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ: هَذَا الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِي رُمِيَ بِهِ عَائِشَة منَ الْفَاحِشَةِ كَذِبٌ وَإِثْمٌ، يَبِينُ لِمَنْ عَقَلَ وَفَكَّرَ فِيهِ أَنَّهُ كَذِبٌ وَإِثْمٌ وَبُهْتَانٌ. كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا هَوْذَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ: {وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} قَالُوا: إِنَّ هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ إِلَّا مَنْ أَقَامَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةً مِنَ الشُّهُودِ، وَأُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَلَّا جَاءَ هَؤُلَاءِ الْعُصْبَةُ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ، وَرَمَوْا عَائِشَة بالْبُهْتَانِ، بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ يَشْهَدُونَ عَلَى مَقَالَتِهِمْ فِيهَا وَمَا رَمَوْهَا بِهِ، فَإِذَا لَمَّ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى حَقِيقَةِ مَا رَمَوْهَا بِهِ {فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} يَقُولُ: فَالْعُصْبَةُ الَّذِينَ رَمَوْهَا بِذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ فِيمَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْإِفْكِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} أَيُّهَا الْخَائِضُونَ فِي أَمْرِ عَائِشَة، الْمُشِيعُونَ فِيهَا الْكَذِبَ وَالْإِثْمَ، بِتَرْكِهِ تَعْجِيلَ عُقُوبَتِكُمْ (وَرَحْمَتُهُ) إِيَّاكُمْ لِعَفْوِهِ عَنْكُمْ (فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) بِقَبُولِ تَوْبَتِكُمْ مِمَّا كَانَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ؛ (لَمَسَّكُمْ فِيمَا) خُضْتُمْ فِيهِ مِنْ أَمْرِهَا عَاجِلًا فِي الدُّنْيَا (عَذَابٌ عَظِيمٌ). وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} هَذَا لِلَّذِينِ تَكَلَّمُوا فَنَشَرُوا ذَلِكَ الْكَلَامَ، {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَفَضْتُمْ فِيهِ مِنْ شَأْنِ عَائِشَة عذَابٌ عَظِيمٌ، حِينَ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ، وَ" إِذْ" مِنْ صِلَةِ قَوْلِهِ "لَمَسَّكُمْ" وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: (تَلَقَّوْنَهُ) تَتَلَقَّوْنَ الْإِفْكَ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْعُصْبَةُ مِنْ أَهْلِ الْإِفْكِ، فَتَقْبَلُونَهُ، وَيَرْوِيهِ بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ يُقَالُ: تَلَقَّيْتُ هَذَا الْكَلَامَ عَنْ فُلَانٍ، بِمَعْنَى أَخَذْتُهُ مِنْهُ، وَقِيلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ فِيمَا ذُكِرَ يَلْقَى آخَرَ، فَيَقُولُ: أَوَمَا بَلَغَكَ كَذَا وَكَذَا عَنْ عَائِشَة؟ لَيُشِيعَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ الْفَاحِشَةَ. وَذُكِرَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ: " إِذْ تَتَلَقَّوْنَهُ" بِتَاءَيْنِ، وَعَلَيْهَا قِرَاءَةُ الْأَمْصَارِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ قَرَءُوهَا: (تَلَقَّوْنَهُ) بِتَاءٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهَا كَذَلِكَ فِي مَصَاحِفِهِمْ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَة في ذَلِكَ، مَا حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثَنَا خَالِدُ بْنُ نِزَارٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَة زوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: " إِذْ تَلِقُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ" تَقُولُ: إِنَّمَا هُوَ وَلْقُ الْكَذِبِ، وَتَقُولُ: إِنَّمَا كَانُوا يُلْقُونَ الْكَذِبَ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: وَهِيَ أَعْلَمُ بِمَا فِيهَا أُنْزِلَتْ، قَالَ نَافِعٌ: وَسَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ: اللَّيْقُ: الْكَذِبُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ الْجُمَحِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَة، أَنَّهَا كَانَتْ تَقْرَأُ: "إِذْ تَلِقُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ" وَهِيَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ وَفِيهَا أُنْزِلَتْ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: هُوَ مِنْ وَلْقِ الْكَذِبِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَكَأَنَّ عَائِشَة وجَّهَتْ مَعْنَى ذَلِكَ بِقِرَاءَتِهَا "تَلِقُونَهُ" بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ، إِلَى: إِذْ تَسْتَمِرُّونَ فِي كَذِبِكُمْ عَلَيْهَا، وَإِفْكِكُمْ بِأَلْسِنَتِكُمْ، كَمَا يُقَالُ: وَلَقَ فُلَانٌ فِي السَّيْرِ فَهُوَ يَلِقْ: إِذَا اسْتَمَرَّ فِيهِ؛ وَكَمَا قَالَ الرَّاجِزُ: إِنَّ الْجُلَيْدَ زَلِقٌ وَزُمَلِقْ جَاءَتْ بِهِ عَنْسٌ مِنَ الشَّأْمِ تَلِقْ مُجَوَّعُ الْبَطْنِ كِلَابِيُّ الْخُلُقْ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْعَرَبِ فِي الْوَلْقِ: الْكَذِبُ: الْأَلْقُ، والْإِلْقُ: بِفَتْحِ الْأَلِفِ وَكَسْرِهَا، وَيُقَالُ فِي فَعَلْتُ مِنْهُ: أَلَقْتُ، فَأَنَا أَلْقِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ لَيَ بِالْمُزَرَّرِ الْيَلَامِقِ *** صَاحِبِ أَدْهَانٍ وَأَلِْقٍ آلِقِ وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ غَيْرَهَا: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ} عَلَى مَا ذَكَرْتُ مِنْ قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا مِنَ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} قَالَ: تَرْوُونَهُ بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ} قَالَ: تَرْوُونَهُ بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ. قَوْلُهُ: {وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي تَرْوُونَهُ، فَتَقُولُونَ: سَمِعْنَا أَنَّ عَائِشَة فعَلَتْ كَذَا وَكَذَا، وَلَا تَعْلَمُونَ حَقِيقَةَ ذَلِكَ وَلَا صِحَّتَهُ، {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا} وَتَظُنُّونَ أَنَّ قَوْلَكُمْ ذَلِكَ وَرِوَايَتَكُمُوهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ، وَتُلَقِّيكُمُوهُ بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ هَيِّنٌ سَهْلٌ، لَا إِثْمَ عَلَيْكُمْ فِيهِ وَلَا حَرَجَ، {وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} يَقُولُ: وَتَلَقِّيكُمْ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَقَوْلُكُمُوهُ بِأَفْوَاهِكُمْ، عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ مِنَ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّكُمْ كُنْتُمْ تُؤْذُونَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَلِيلَتَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: (وَلَوْلَا) أَيُّهَا الْخَائِضُونَ فِي الْإِفْكِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ، {إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} مِمَّنْ جَاءَ بِهِ (قُلْتُمْ) مَا يُحِلُّ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا، وَمَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَفَوَّهَ بِهِ (سُبْحَانَكَ) تَنِْزِيهًا لَكَ يَا رَبِّ وَبَرَاءَةً إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ {هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} يَقُولُ: هَذَا الْقَوْلُ بُهْتَانٌ عَظِيمٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يُذَكِّرُكُمُ اللَّهُ وَيَنْهَاكُمْ بِآيِ كِتَابِهِ، لِئَلَّا تَعُودُوا لِمِثْلِ فِعْلِكُمُ الَّذِي فَعَلْتُمُوهُ فِي أَمْرِ عَائِشَة منْ تَلَقِّيكُمُ الْإِفْكَ الَّذِي رُوِيَ عَلَيْهَا بِأَلْسِنَتِكُمْ، وَقَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فِيهَا أَبَدًا (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) يَقُولُ: إِنْ كُنْتُمْ تَتَّعِظُونَ بِعِظَاتِ اللَّهِ، وَتَأْتَمِرُونَ لِأَمْرِهِ، وَتَنْتَهُونَ عَمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} قَالَ: وَالَّذِي هُوَ خَيْرٌ لَنَا مِنْ هَذَا، أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمَنَا هَذَا لِكَيْلَا نَقَعَ فِيهِ، لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمْنَاهُ لَهَلَكْنَا كَمَا هَلَكَ الْقَوْمُ، أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: أَنَا سَمِعْتُهُ وَلَمْ أَخْتَرِقْهُ وَلَمْ أَتَقَوَّلْهُ، فَكَانَ خَيْرًا حِينَ أَعْلَمْنَاهُ اللَّهُ، لِئَلَّا نَدْخُلَ فِي مِثْلِهِ أَبَدًا، وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ وَقَوْلُهُ: {وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ}: وَيُفَصِّلُ اللَّهُ لَكُمْ حُجَجَهُ عَلَيْكُمْ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، لَيَتَبَيَّنَ الْمُطِيعُ لَهُ مِنْكُمْ مِنَ الْعَاصِي، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِكُمْ وَبِأَفْعَالِكُمْ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَهُوَ مَجَازُ الْمُحْسِنِ مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءُ بِإِسَاءَتِهِ، حَكِيمٌ فِي تَدْبِيرِ خَلْقِهِ، وَتَكْلِيفِهِ مَا كَلَّفَهُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ وَفَرْضِهِ مَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْأَفْعَالِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ يَذِيعَ الزِّنَا فِي الَّذِينَ صَدَّقُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِيهِمْ، (لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) يَقُولُ: لَهُمْ عَذَابٌ وَجِيعٌ فِي الدُّنْيَا، بِالْحَدِّ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ حَدَّا لِرَامِي الْمُحْصَنَاتِ وَالْمُحَصَّنِينَ إِذَا رَمَوْهُمْ بِذَلِكَ، وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابُ جَهَنَّمَ إِنْ مَاتَ مُصِرًّا عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ تَائِبٍ. كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} قَالَ: تَظْهَرُ فِي شَأْنِ عَائِشَة. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} قَالَ: الْخَبِيثُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ، الْمُنَافِقُ، الَّذِي أَشَاعَ عَلَى عَائِشَة ما أَشَاعَ عَلَيْهَا مِنَ الْفِرْيَةِ، (لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} قَالَ: تَظْهَرُ؛ يَتَحَدَّثُ عَنْ شَأْنِ عَائِشَة. وَقَوْلُهُ: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ يَعْلَمُ كَذِبَ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ مِنْ صِدْقِهِمْ، وَأَنْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَعْلَمُونَ ذَلِكَ، لِأَنَّكُمْ لَا تَعْلَمُونَ الْغَيْبَ، وَإِنَّمَا يَعْلَمُ ذَلِكَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ. يَقُولُ: فَلَا تَرْوُوا مَا لَا عِلْمَ لَكُمْ بِهِ مِنَ الْإِفْكِ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَلَا سِيَّمَا عَلَى حَلَائِلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَهْلَكُوا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْلَا أَنْ تَفَضَّلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَرَحِمَكُمْ، وَأَنَّ اللَّهَ ذُو رَأْفَةٍ، ذُو رَحْمَةٍ بِخَلْقِهِ لَهَلَكْتُمْ فِيمَا أَفَضْتُمْ فِيهِ، وَعَاجَلَتْكُمْ مِنَ اللَّهِ الْعُقُوبَةُ. وَتَرَكَ ذِكْرَ الْجَوَابِ لِمَعْرِفَةِ السَّامِعِ بِالْمُرَادِ مِنَ الْكَلَامِ بَعْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}... الْآيَةَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، لَا تَسْلُكُوا سَبِيلَ الشَّيْطَانِ وَطُرُقَهُ، وَلَا تَقْتَفُوا آثَارَهُ، بِإِشَاعَتِكُمُ الْفَاحِشَةَ فِي الَّذِينَ آمَنُوا وَإِذَاعَتَكُمُوهَا فِيهِمْ وَرِوَايَتَكُمْ ذَلِكَ عَمَّنْ جَاءَ بِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ، وَهِيَ الزِّنَا، وَالْمُنْكَرِ مِنَ الْقَوْلِ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْخُطُوَاتِ وَالْفَحْشَاءِ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ، ذَلِكَ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَرَحْمَتُهُ لَكُمْ، مَا تَطَهَّرَ مِنْكُمْ مَنْ أَحَدٍ أَبَدًا مِنْ دَنَسِ ذُنُوبِهِ وَشِرْكِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُطَهِّرُ مَنْ يَشَاءُ مَنْ خَلْقِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} يَقُولُ: مَا اهْتَدَى مِنْكُمْ مِنَ الْخَلَائِقِ لِشَيْءٍ مِنَ الْخَيْرِ يَنْفَعُ بِهِ نَفْسَهُ، وَلَمْ يَتَّقِ شَيْئًا مِنَ الشَّرِّ يَدْفَعُهُ عَنْ نَفْسِهِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} قَالَ: مَا زَكَّى: مَا أَسْلَمَ، وَقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مِنْ زَكَّى أَوْ تَزَكَّى، فَهُوَ الْإِسْلَامُ. وَقَوْلُهُ: (وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) يَقُولُ: وَاللَّهُ سَمِيعٌ لِمَا تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ، وتَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِكُمْ، عَلِيمٌ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَبِغَيْرِهِ مِنْ أُمُورِكُمْ، مُحِيطٌ بِهِ، مُحْصِيهِ عَلَيْكُمْ، لَيُجَازِيَكُمْ بِكُلِّ ذَلِكَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوَا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا يَحْلِفُ بِاللَّهِ ذَوُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ، يَعْنِي: ذَوِي التَّفَضُّلِ وَالسَّعَةِ، يَقُولُ: وَذَوُو الْجِدَةِ. وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: (وَلَا يَأْتَلِ) فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ. (وَلَا يَأْتَلِ) بِمَعْنَى: يَفْتَعِلُ مِنَ الْأَلَيَّةِ، وَهِيَ الْقَسَمُ بِاللَّهِ، سِوَى أَبِي جَعْفَرٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، فَإِنَّهُ ذُكِرَ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَرَآ ذَلِكَ "وَلَا يَتَأَلَّ" بِمَعْنَى: يَتَفَعَّلُ، مِنَ الْأَلِيَّةِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: (وَلَا يَأْتَلِ) بِمَعْنَى: يَفْتَعِلُ مِنَ الْأَلْيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ فِي خَطِّ الْمُصْحَفِ كَذَلِكَ، وَالْقِرَاءَةُ الْأُخْرَى مُخَالَفَةٌ خَطَّ الْمُصْحَفِ، فَاتِّبَاعُ الْمُصْحَفِ مَعَ قِرَاءَةِ جَمَاعَةِ الْقُرَّاءِ وَصِحَّةِ الْمَقْرُوءِ بِهِ أَوْلَى مِنْ خِلَافِ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَإِنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَلِفِهِ بِاللَّهِ لَا يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلَا يَحْلِفُ مَنْ كَانَ ذَا فَضْلٍ مِنْ مَالٍ وَسَعَةٍ مِنْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ أَلَّا يُعْطُوا ذَوِي قَرَابَتِهِمْ، فَيَصِلُوا بِهِ أَرْحَامَهُمْ، كَمِسْطَحٍ، وَهُوَ ابْنُ خَالَةِ أَبِي بَكْرٍ (وَالْمَسَاكِينَ) يَقُولُ: وَذَوِي خَلَّةِ الْحَاجَةِ، وَكَانَ مِسْطَحٌ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا مُحْتَاجًا (وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وَهُمُ الَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فِي جِهَادِ أَعْدَاءِ اللَّهِ، وَكَانَ مِسْطَحٌ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا (وَلْيَعْفُوَا) يَقُولُ: وَلْيَعْفُوا عَمَّا كَانَ مِنْهُمْ إِلَيْهِمْ مِنْ جُرْمٍ، وَذَلِكَ كَجُرْمِ مِسْطَحٍ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فِي إِشَاعَتِهِ عَلَى ابْنَتِهِ عَائِشَة ما أَشَاعَ مِنَ الْإِفْكِ، (وَلْيَصْفَحُوا) يَقُولُ: وَلْيَتْرُكُوا عُقُوبَتَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، بِحِرْمَانِهِمْ مَا كَانُوا يُؤْتُونَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لِيَعُودُوا لَهُمْ إِلَى مِثْلِ الَّذِي كَانُوا لَهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْإِفْضَالِ عَلَيْهِمْ، {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} يَقُولُ: أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَسْتُرَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُنُوبَكُمْ بِإِفْضَالِكُمْ عَلَيْهِمْ، فَيَتْرُكُ عُقُوبَتَكُمْ عَلَيْهَا (وَاللَّهُ غَفُورٌ) لِذُنُوبِ مَنْ أَطَاعَهُ وَاتَّبَعَ أَمْرَهُ، (رَحِيمٌ) بِهِمْ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ مَعَ اتِّبَاعِهِمْ أَمْرَهُ، وَطَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ عَلَى مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ زَلَّةٍ وَهَفْوَةٍ قَدِ اسْتَغْفَرُوهُ مِنْهَا، وَتَابُوا إِلَيْهِ مِنْ فِعْلِهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَائِشَة، قَالَ: وَثَنِي ابْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَة، قَالَ: وَثَنِي ابْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَة، قَالَتْ: لَمًّا نَزَلَ هَذَا، يَعْنِي قَوْلَهُ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} فِي عَائِشَة، وَفِيمَنْ قَالَ لَهَا مَا قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ وَحَاجَتِهِ: وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا، وَلَا أَنْفَعُهُ بِنَفْعٍ أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَلِ عَائِشَة ما قَالَ، وَأَدْخَلَ عَلَيْهَا مَا أَدْخَلَ، قَالَتْ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ}... الْآيَةَ. قَالَتْ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَّعَ إِلَى مِسْطَحٍ نَفَقَتَهُ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَنْزَعُهَا مِنْهُ أَبَدً. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} يَقُولُ: لَا تُقْسِمُوا أَلَّا تَنْفَعُوا أَحَدً. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ}... إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَمَوْا عَائِشَة بالْقَبِيحِ، وَأَفْشَوْا ذَلِكَ وَتَكَلَّمُوا بِهِ، فَأَقْسَمَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، أَلَّا يَتَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا وَلَا يَصِلُهُ، فَقَالَ: لَا يُقْسِمُ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يَصِلُوا أَرْحَامَهُمْ، وَأَنْ يُعْطُوهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ كَالَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَ قَبْلَ ذَلِكَ. فَأَمْرُ اللَّهِ أَنْ يُغْفَرَ لَهُمْ وَأَنْ يُعْفَى عَنْهُمْ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ}: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عُذْرَ عَائِشَة منَ السَّمَاءِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَآخَرُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَاللَّهِ لَا نَصِلُ رَجُلًا مِنْهُمْ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ شَأْنِ عَائِشَة ولَا نَنْفَعُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} يَقُولُ: وَلَا يَحْلِفُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى} قَالَ: كَانَ مِسْطَحٌ ذَا قَرَابَةٍ. (وَالْمَسَاكِينَ) قَالَ: كَانَ مِسْكِينًا (وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) كَانَ بَدْرِيًّ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} قَالَ: أَبُو بَكْرٍ حَلَفَ أَنْ لَا يَنْفَعَ يَتِيمًا فِي حِجْرِهِ كَانَ أَشَاعَ ذَلِكَ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ: بَلَى أَنَا أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَلَأَكُونَنَّ لِيَتِيمِي خَيْرَ مَا كُنْتُ لَهُ قَطُّ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ} بِالْفَاحِشَةِ (الْمُحْصَنَاتِ) يَعْنِي الْعَفِيفَاتِ (الْغَافِلَاتِ) عَنِ الْفَوَاحِشِ (الْمُؤْمِنَاتِ) بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، {لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} يَقُولُ: أُبْعِدُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، (وَلَهُمْ) فِي الْآخِرَةِ (عَذَابٌ عَظِيمٌ) وَذَلِكَ عَذَابُ جَهَنَّمَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمُحْصَنَاتِ اللَّاتِي هَذَا حُكْمُهُنَّ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا ذَلِكَلِ عَائِشَة خاصَّةً، وَحُكْمٌ مِنَ اللَّهِ فِيهَا وَفِيمَنْ رَمَاهَا، دُونَ سَائِرِ نِسَاءِ أُمَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: ثَنَا خَصِيفٌ، قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: الزِّنَا أَشَدُّ أَمْ قَذْفُ الْمُحْصَنَةِ؟ فَقَالَ: الزِّنَا، فَقُلْتُ: أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ}... الْآيَةَ؟ قَالَ سَعِيدٌ: إِنَّمَا كَانَ هَذَالِ عَائِشَة خاصَّةً. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «قَالَتْ عَائِشَة: رُمِيتُ بِمَا رُمِيتُ بِهِ وَأَنَا غَافِلَةٌ، فَبَلَغَنِي بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَتْ: فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدِي جَالِسٌ، إِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِ، وَكَانَ إِذَا أُوحِيَ إِلَيْهِ أَخَذَهُ كَهَيْئَةِ السُّبَاتِ، وَأَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ عِنْدِي، ثُمَّ اسْتَوَى جَالِسًا يَمْسَحُ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَالَ: يَا عَائِشَة أبْشِرِي، قَالَتْ: فَقُلْتُ: بِحَمْدِ اللَّهِ لَا بِحَمْدِكَ، فَقَرَأَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ}... حَتَّى بَلَغَ: {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ}»). وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ لِأَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً، دُونَ سَائِرِ النِّسَاءِ غَيْرِهِنَّ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ}... الْآيَةَ، أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً. وَقَالَ آخَرُونَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي شَأْنِ عَائِشَة، وَعُنِيَ بِهَا كُلُّ مَنْ كَانَ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالُوا: فَذَلِكَ حُكْمُ كُلِّ مَنْ رَمَى مُحْصِنَةً، لَمْ تُقَارِفْ سُوءًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثَنَا زَيْدٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرِقَانَ، قَالَ: سَأَلْتُ مَيْمُونًا، قُلْتُ: الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}... إِلَى قَوْلِهِ: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فَجَعَلَ فِي هَذِهِ تَوْبَةً، وَقَالَ فِي الْأُخْرَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ}... إِلَى قَوْلِهِ: (لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) قَالَ مَيْمُونٌ: أَمَّا الْأُولَى فَعَسَى أَنْ تَكُونَ قَدْ قَارَفَتْ، وَأَمَّا هَذِهِ، فَهِيَ الَّتِي لَمْ تُقَارِفْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فَسَّرَ سُورَةَ النُّورِ، فَلَمَّا أَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ}... الْآيَةَ، قَالَ: هَذَا فِي شَأْنِ عَائِشَة وأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ مُبْهَمَةٌ، وَلَيْسَتْ لَهُمْ تَوْبَةٌ، ثُمَّ قَرَأَ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}... إِلَى قَوْلِهِ: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا}... الْآيَةَ، قَالَ: فَجُعِلَ لِهَؤُلَاءِ تَوْبَةٌ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِمَنْ قَذَفَ أُولَئِكَ تَوْبَةً، قَالَ: فَهَمَّ بَعْضُ الْقَوْمِ أَنْ يَقُومَ إِلَيْهِ فَيُقَبِّلَ رَأْسَهُ مِنْ حُسْنِ مَا فَسَّرَ سُورَةَ النُّورِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} قَالَ: هَذَا فِي عَائِشَة، وَمَنْ صَنَعَ هَذَا الْيَوْمَ فِي الْمُسَلَّمَاتِ، فَلَهُ مَا قَالَ اللَّهُ، وَلَكِنَّ عَائِشَة كانَتْ إِمَامَ ذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي أَوَّلِ السُّورَةِ فَأَوْجَبَ الْجَلْدَ، وَقَبِلَ التَّوْبَةَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ}... إِلَى: (عَذَابٌ عَظِيمٌ) يَعْنِي أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَمَاهُنَّ أَهْلُ النِّفَاقِ، فَأَوْجَبَ اللَّهُ لَهُمُ اللَّعْنَةَ وَالْغَضَبَ وَبَاءُوا بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}... إِلَى قَوْلِهِ: (فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْجَلْدَ وَالتَّوْبَةَ، فَالتَّوْبَةُ تُقْبَلُ، وَالشَّهَادَةُ تُرَدُّ. وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي شَأْنِ عَائِشَة، وَالْحُكْمُ بِهَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ كَانَ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَهُ اللَّهُ بِهَا فِيهَا. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى تَأْوِيلَاتِهِ بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَمَّ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} كُلَّ مُحْصَنَةٍ غَافِلَةٍ مُؤْمِنَةٍ، رَمَاهَا رَامٍ بِالْفَاحِشَةِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخُصَّ بِذَلِكَ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ، فَكُلُّ رَامٍ مُحَصَّنَةً بِالصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَمَلْعُونٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ، إِلَّا أَنْ يَتُوبَ مِنْ ذَنْبِهِ ذَلِكَ قَبْلَ وَفَاتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ دَلَّ بِاسْتِثْنَائِهِ بِقَوْلِهِ: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا} عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ رَامِي كُلِّ مُحْصِنَةٍ، بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَتِ الْمُحْصَنَةُ الْمُؤْمِنَةُ الْمَرْمِيَّةُ، وَعَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: {لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} مَعْنَاهُ: لَهُمْ ذَلِكَ إِنْ هَلَكُوا وَلَمْ يَتُوبُوا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ} فَالْيَوْمَ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ} مِنْ صِلَةِ قَوْلِهِ: (وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ} يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَذَلِكَ حِينَ يَجْحَدُ أَحَدُهُمْ مَا اكْتَسَبَ فِي الدُّنْيَا مِنَ الذُّنُوبِ، عِنْدَ تَقْرِيرِ اللَّهِ إِيَّاهُ بِهَا فَيَخْتِمُ اللَّهُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ، وَتَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ حِينَ يَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ؟ قِيلَ: عَنِّي بِذَلِكَ أَنَّ أَلْسِنَةَ بَعْضِهِمْ تَشْهَدُ عَلَى بَعْضٍ، لَا أَنَّ أَلْسِنَتَهُمْ تَنْطِقُ وَقَدْ خُتِمَ عَلَى الْأَفْوَاهِ. وَقَدْ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، عَنْ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ عُرِّفَ الْكَافِرُ بِعَمَلِهِ، فَجَحَدَ وَخَاصَمَ، فَيُقُالُ لَهُ: هَؤُلَاءِ جِيرَانُكَ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ، فَيَقُولُ: كَذَبُوا، فَيَقُولُ: أَهْلُكَ وَعَشِيرَتُكَ، فَيَقُولُ: كَذَبُوا، فَيَقُولُ: أَتَحْلِفُونَ؟ فَيَحْلِفُونَ، ثُمَّ يُصْمِتُهُمُ اللَّهُ، وَتَشْهَدُ أَلْسِنَتُهُمْ ثُمَّ يُدْخِلُهُمُ النَّار» ".
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ حِسَابَهُمْ وَجَزَاءَهُمُ الْحَقَّ عَلَى أَعْمَالِهِمْ. وَالدِّينُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْحِسَابُ وَالْجَزَاءُ، كَمَا حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} يَقُولُ. حِسَابُهُمْ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: (الْحَقَّ) فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ. {دِينَهُمُ الْحَقَّ} نَصْبًا عَلَى النَّعْتِ لِلدِّينِ، كَأَنَّهُ قَالَ: يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ ثَوَابَ أَعْمَالِهِمْ حَقًّا، ثُمَّ أَدْخَلَ فِي الْحَقِّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ، فَنُصِبَ بِمَا نُصِبَ بِهِ الدِّينُ. وَذُكِرَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ: "يُوَفِيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقُّ" بِرَفْعِ الْحَقِّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ نَعْتِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَرَأَهَا "الْحَقُّ" بِالرَّفْعِ. قَالَ جَرِيرٌ: وَقَرَأْتُهَا فِي مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ " يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ الْحَقُّ دِينَهُمْ". وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، وَهُوَ نَصْبُ الْحَقِّ عَلَى اتِّبَاعِهِ إِعْرَابَ الدِّينِ؛ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} يَقُولُ: وَيَعْلَمُونَ يَوْمَئِذٍ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي يُبَيِّنُ لَهُمْ حَقَائِقَ مَا كَانَ يَعِدُهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْعَذَابِ، وَيَزُولُ حِينَئِذٍ الشَّكُّ فِيهِ عَنْ أَهْلِ النِّفَاقِ، الَّذِينَ كَانُوا فِيمَا كَانَ يَعِدُهُمْ فِي الدُّنْيَا يَمْتَرُونَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}. اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالْخَبِيثُونَ مِنَ الرِّجَالِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْلِ، وَالطَّيِّبَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاسِ، وَالطَّيِّبُونَ مِنَ النَّاسِ لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} يَقُولُ: الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالْخَبِيثُونَ مِنَ الرِّجَالِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْلِ. وَقَوْلُهُ: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ} يَقُولُ: الطَّيِّبَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالطَّيِّبُونَ مِنَ الرِّجَالِ لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْلِ، نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ قَالُوا فِي زَوْجَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالُوا مِنَ الْبُهْتَانِ، وَيُقَالُ: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينِ: الْأَعْمَالُ الْخَبِيثَةُ تَكُونُ لِلْخَبِيثِينَ: وَالطَّيِّبَاتُ مِنَ الْأَعْمَالِ تَكُونُ لِلطَّيِّبِينَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْكَلَامِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاسِ، وَالطَّيِّبَاتُ مِنَ الْكَلَامِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاسِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلُهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} قَالَ: الطَّيِّبَاتُ: الْقَوْلُ الطَّيِّبُ، يَخْرُجُ مِنَ الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ فَهُوَ لِلْمُؤْمِنِ، وَالْخَبِيثَاتُ: الْقَوْلُ الْخَبِيثُ يَخْرُجُ مِنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرُ فَهُوَ لِلْكَافِرِ {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} وَذَلِكَ أَنَّهُ بَرَّأَ كِلَيْهِمَا مِمَّا لَيْسَ بِحَقٍّ مِنَ الْكَلَامِ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} يَقُولُ: الْخَبِيثَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ: الْقَوْلُ السَّيِّئُ وَالْحَسَنُ، لِلْمُؤْمِنِينَ الْحَسَنُ وَلِلْكَافِرِينَ السَّيِّئُ {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} وَذَلِكَ بِأَنَّهُ مَا قَالَ الْكَافِرُونَ مِنْ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ فَهِيَ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَمَا قَالَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ فَهِيَ لِلْكَافِرِينَ، كُلٌّ بَرِيءٌ مِمَّا لَيْسَ بِحَقٍّ مِنَ الْكَلَامِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ} قَالَ: الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْكَلَامِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاسِ، وَالْخَبِيثُونَ مِنَ النَّاسِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْكَلَامِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلُهُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ}... الْآيَةَ، يَقُولُ: الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالْخَبِيثُونَ مِنَ الرِّجَالِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْلِ، وَالطَّيِّبَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالطَّيِّبُونَ مِنَ الرِّجَالِ لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْلِ، فَهَذَا فِي الْكَلَامِ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالُوالِ عَائِشَة ما قَالُوا، هُمُ الْخَبِيثُونَ، وَالطَّيِّبُونَ هُمُ الْمُبَرَّءُونَ مِمَّا قَالَ الْخَبِيثُونَ. حَدَّثَنَا أَبُو زَرْعَةَ، قَالَ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، يَعْنِي ابْنَ نُبَيْطٍ الْأَشْجَعِيَّ، عَنِ الضَّحَّاكِ: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ} قَالَ: الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْكَلَامِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاسِ، وَالطَّيِّبَاتُ مِنَ الْكَلَامِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاسِ. قَالَ: ثَنَا قَبِيصَةُ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ وَعُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} قَالَ: الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْكَلَامِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاسِ، وَالْخَبِيثُونَ مِنَ النَّاسِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْلِ، وَالطَّيِّبَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاسِ، وَالطَّيِّبُونَ مِنَ النَّاسِ لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْلِ. قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ خَصِيفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} قَالَ: الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاسِ، وَالْخَبِيثُونَ مِنَ النَّاسِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْلِ، وَالطَّيِّبَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاسِ، وَالطَّيِّبُونَ مِنَ النَّاسِ لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْلِ. قَالَ: ثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ بْنِ مُقَدَّمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، يَعْنِي ابْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} قَالَ: الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاسِ. قَالَ: ثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} يَقُولُ: الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاسِ، وَالْخَبِيثُونَ مِنَ النَّاسِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ قَالَ: الطَّيِّبَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاسِ، وَالطَّيِّبُونَ مِنَ النَّاسِ لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْلِ، وَالْخَبِيثَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاسِ، وَالْخَبِيثُونَ مِنَ النَّاسِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْلِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: الْخَبِيثَاتُ مِنَ النِّسَاءِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالْخَبِيثُونَ مِنَ الرِّجَالِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ النِّسَاءِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَائِشَة حينَ رَمَاهَا الْمُنَافِقُ بِالْبُهْتَانِ وَالْفِرْيَةِ، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ هُوَ خَبِيثٍ، وَكَانَ هُوَ أَوْلَى بِأَنْ تَكُونَ لَهُ الْخَبِيثَةُ وَيَكُونَ لَهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَيِّبًا، وَكَانَ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ لَهُ الطَّيِّبَةُ، وَكَانَتْ عَائِشَة الطَّيِّبَةَ، وَكَانَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَهَا الطَّيِّبُ {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} قَالَ: هَاهُنَا بُرِّئَتْ عَائِشَة {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}. وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِالْخَبِيثَاتِ: الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْقَوْلِ، وَذَلِكَ قَبِيحُهُ وَسَيِّئُهُ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَالْخَبِيثُونَ مِنَ النَّاسِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْلِ، هُمْ بِهَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُهَا. وَالطَّيِّبَاتُ مِنَ الْقَوْلِ، وَذَلِكَ حُسْنُهُ وَجَمِيلُهُ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاسِ، وَالطَّيِّبُونَ مِنَ النَّاسِ لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُهَا وَأَحَقُّ بِهَا. وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّ الْآيَاتِ قَبْلَ ذَلِكَ إِنَّمَا جَاءَتْ بِتَوْبِيخِ اللَّهِ لِلْقَائِلِينَ فِي عَائِشَة الْإِفْكَ، وَالرَّامِينَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ، وَإِخْبَارِهِمْ مَا خَصَّهُمْ بِهِ عَلَى إِفْكِهِمْ، فَكَانَ خَتْمُ الْخَبَرِ عَنْ أَوْلَى الْفَرِيقَيْنِ بِالْإِفْكِ مِنَ الرَّامِي وَالْمَرْمِيِّ بِهِ، أَشْبَهَ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ غَيْرِهِمْ. وَقَوْلُهُ: {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ} يَقُولُ: الطَّيِّبُونَ مِنَ النَّاسِ مُبَرَّءُونَ مِنْ خَبِيثَاتِ الْقَوْلِ، إِنْ قَالُوهَا فَإِنَّ اللَّهَ يَصْفَحُ لَهُمْ عَنْهَا، وَيَغْفِرُهَا لَهُمْ، وَإِنْ قِيلَتْ فِيهِمْ؛ ضَرَّتْ قَائِلَهَا وَلَمْ تَضُرَّهُمْ، كَمَا لَوْ قَالَ الطَّيِّبَ مِنَ الْقَوْلِ الْخَبِيثُ مِنَ النَّاسِ لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ بِهِ، لَأَنَّ اللَّهَ لَا يَتَقَبَّلُهُ، وَلَوْ قِيلَتْ لَهُ لَضَرَّتْهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ عَارُهَا فِي الدُّنْيَا، وَذُلُّهَا فِي الْآخِرَةِ. كَمَا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} فَمَنْ كَانَ طَيِّبًا فَهُوَ مُبَرَّأٌ مَنْ كُلِّ قَوْلٍ خَبِيثٍ، يَقُولُ يَغْفِرُهُ اللَّهُ، وَمَنْ كَانَ خَبِيثًا فَهُوَ مُبَرَّأٌ مَنْ كُلِّ قَوْلٍ صَالِحٍ، فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ اللَّهُ عَلَيْهِ لَا يَقْبَلُهُ مِنْهُ، وَقَدْ قِيلَ: عُنِيَ بِقَوْلِهِ: {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} عَائِشَة ُوَصَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ قِيلَ "أُولَئِكَ"فَجَمَعَ، وَالْمُرَادُ ذَانِكَ، كَمَا قِيلَ: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً} وَالْمُرَادُ أَخَوَانِ. وَقَوْلُهُ: (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) يَقُولُ لِهَؤُلَاءِ الطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاسِ مَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ لِذُنُوبِهِمْ، وَالْخَبِيثِ مِنَ الْقَوْلِ إِنَّ كَانَ مِنْهُمْ (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) يَقُولُ: وَلَهُمْ أَيْضًا مَعَ الْمَغْفِرَةِ عَطِيَّةٌ مِنَ اللَّهِ كَرِيمَةٌ، وَذَلِكَ الْجَنَّةُ، وَمَا أَعَدَّ لَهُمْ فِيهَا مِنَ الْكَرَامَةِ. كَمَا حَدَّثَنَا أَبُو زَرْعَةَ، قَالَ: ثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}: مَغْفِرَةٌ لِذُنُوبِهِمْ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ فِي الْجَنَّةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}. اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَأْوِيلُهُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: "لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا" قَالَ: وَإِنَّمَا "تَسْتَأْنِسُوا" وَهْمٌ مِنَ الْكُتَّابِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} وَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ خَطَأٌ مِنَ الْكَاتِبِ حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُو. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا هِيَ حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا، وَلَكِنَّهَا سَقَطَ مِنَ الْكَاتِبِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ: ثَنَا مُعَاذُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} قَالَ: أَخْطَأَ الْكَاتِبُ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ "حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا" وَكَانَ يَقْرَؤُهَا عَلَى قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا: "حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا" قَالَ سُفْيَانُ: وَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقْرَؤُهَا: "حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا" وَقَالَ: إِنَّهَا خَطَأٌ مِنَ الْكَاتِبِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} قَالَ: الِاسْتِئْنَاسُ: الِاسْتِئْذَانُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "حَتَّى تُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا وَتَسْتَأْذِنُوا". قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ إِيَاسٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا: "يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا وَتَسْتَأْذِنُوا" قَالَ: وَإِنَّمَا تَسْتَأْنِسُوا وَهْمٌ مِنَ الْكُتَّابِ. قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ مُغِيرَةُ، قَالَ مُجَاهِدٌ: جَاءَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ حَاجَةٍ وَقَدْ آذَاهُ الرَّمْضَاءُ، فَأَتَى فُسْطَاطَ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَدْخُلُ؟ فَقَالَتْ: ادْخُلْ بِسَلَامٍ، فَأَعَادَ فَأَعَادَتْ، وَهُوَ يُرَاوِحُ بَيْنَ قَدَمَيْهِ، قَالَ: قُولِي ادْخُلْ، قَالَتْ: ادْخُلْ فَدَخَلَ. قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَأَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، «عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ الثَّقَفِيِّ، أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَلِجُ أَوْ أَنَلِجُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَمَةٍ لَهُ يُقَالُ لَهَارَوْضَةُ: "قُومِي إِلَى هَذَا فَكَلِّمِيهِ، فَإِنَّهُ لَا يُحْسِنُ يَسْتَأْذِنُ، فَقُولِي لَهُ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَدْخُلُ؟ " فَسَمِعَهَا الرَّجُلُ، فَقَالَهَا، فَقَالَ: "ادْخُل» ". حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} قَالَ: الِاسْتِئْذَانُ، ثُمَّ نُسِخَ وَاسْتُثْنِيَ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ}. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو حَمْزَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَوْلُهُ: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} قَالَ: حَتَّى تُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا وَتَسْتَأْذِنُو. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} قَالَ: حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُو. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ، عَنْ كُرْدُوسٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: عَلَيْكُمْ أَنْ تَسْتَأْذِنُوا عَلَى أُمَّهَاتِكُمْ وَأَخَوَاتِكُمْ، قَالَ أَشَعْتُ، «عَنْ عُدَيِّ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَكُونُ فِي مَنْزِلِي عَلَى الْحَالِ الَّتِي لَا أُحِبُّ أَنْ يَرَانِي أَحَدٌ عَلَيْهَا، وَالِدٌ وَلَا وَلَدٌ، وَأَنَّهُ لَا يَزَالُ يَدْخُلُ عَلَيَّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِي، وَأَنَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ؟ قَالَ: فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}»)... الْآيَةَ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: حَتَّى تُؤْنِسُوا أَهْلَ الْبَيْتِ بِالتَّنَحْنُحِ وَالتَّنَخُّمِ وَمَا أَشْبَهَهُ، حَتَّى يَعْلَمُوا أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ الدُّخُولَ عَلَيْهِمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} قَالَ: حَتَّى تَتَنَحْنَحُوا وَتَتَنَخَّمُو. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلُهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} قَالَ: حَتَّى تُجَرِّسُوا وَتُسَلِّمُو. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} قَالَ: تَنَحْنَحُوا وَتَنَخَّمُو. قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ يُخْبِرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ثَلَاثُ آيَاتٍ قَدْ جَحَدَهُنَّ النَّاسُ، قَالَ اللَّهُ: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} قَالَ: وَيَقُولُونَ: إِنَّ أَكْرَمَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَعْظَمُهُمْ شَأْنًا، قَالَ: وَالْإِذْنُ كُلُّهُ قَدْ جَحَدَهُ النَّاسُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَسْتَأْذِنُ عَلَى أَخَوَاتِي، أَيْتَامٌ فِي حِجْرِي، مَعِي فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ فَرَدَدْتُ عَلَى مَنْ حَضَرَنِي، فَأَبَى، قَالَ: أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً؟ قُلْتُ: لَا قَالَ: فَاسْتَأْذِنْ، فَرَاجَعَتُهُ أَيْضًا، قَالَ: أَتُحِبُّ أَنْ تُطِيعَ اللَّهَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَاسْتَأْذِنْ، فَقَالَ لِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِنَّكَ لَتَرْدُدُ عَلَيْهِ، قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ يُرَخِّصَ لِي. قَالَ ابْنُ جُرَيجٍ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَا مِنِ امْرَأَةٍ أَكْرَهُ إِلَيَّ أَنْ أَرَى، كَأَنَّهُ يَقُولُ: عُرِيِّتَهَا أَوْ عُرْيَانَةً، مِنْ ذَاتِ مَحْرَمٍ، قَالَ: وَكَانَ يُشَدِّدُ فِي ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ جُرَيجٍ، وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} فَوَاجِبٌ عَلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ إِذَا احْتَلَمُوا أَنْ يَسْتَأْذِنُوا عَلَى مَنْ كَانَ مِنَ النَّاسِ، قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَوَاجِبٌ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَسْتَأْذِنَ عَلَى أُمِّهِ، وَمَنْ وَرَاءَهَا مِنْ ذَاتِ قَرَابَتِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَبَرَّ وَجَبَّ؟ قَالَ قَوْلَهُ: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا}. قَالَ ابْنُ جُرَيجٍ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ زِيَادٍ: أَنْ صَفْوَانَ مَوْلًى لِبَنِي زُهْرَةَ، أَخْبَرَهُ «عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: إِنَّهَا لَيْسَ لَهَا خَادِمٌ غَيْرِي، أَفَأُسْتَأْذَنُ عَلَيْهَا كُلَّمَا دَخَلْتُ؟ قَالَ: "أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً؟ " قَالَ الرَّجُلُ: لَا. قَالَ: "فَاسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا» ". قَالَ ابْنُ جُرَيجٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَالَ: سَمِعْتُ هَزِيلَ بْنَ شُرَحْبِيلَ الْأَوْدِيَّ الْأَعْمَى، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: عَلَيْكُمُ الْإِذْنَ عَلَى أُمَّهَاتِكُمْ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَيَسْتَأْذِنُ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ؟ قَالَ: لَ. حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَازِمٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنِ ابْنِ أَخِي زَيْنَبَ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنْزَيْنَبَقَالَتْ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ إِذَا جَاءَ مِنْ حَاجَةٍ فَانْتَهَى إِلَى الْبَابِ، تَنَحْنَحَ وَبَزَقَ كَرَاهَةَ أَنْ يَهْجُمَ مِنَّا عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} قَالَ: الِاسْتِئْنَاسُ: التَّنَحْنُحُ وَالتَّجَرُّسُ، حَتَّى يَعْرِفُوا أَنْ قَدْ جَاءَهُمْ أَحَدٌ، قَالَ: وَالتَّجَرُّسُ: كَلَامُهُ وَتَنَحْنُحُهُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الِاسْتِئْنَاسَ: الِاسْتِفْعَالُ مِنَ الْأُنْسِ، وَهُوَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ أَهْلَ الْبَيْتِ فِي الدُّخُولِ عَلَيْهِمْ، مُخْبِرًا بِذَلِكَ مَنْ فِيهِ، وَهَلْ فِيهِ أَحَدٌ؟ وَلِيُؤْذِنُهُمْ أَنَّهُ دَاخِلٌ عَلَيْهِمْ، فَلْيَأْنَسْ إِلَى إِذْنِهِمْ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَيَأْنَسُوا إِلَى اسْتِئْذَانِهِ إِيَّاهُمْ. وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ سَمَاعًا: اذْهَبْ فَاسْتَأْنِسْ، هَلْ تَرَى أَحَدًا فِي الدَّارِ؟ بِمَعْنَى: انْظُرْ هَلْ تَرَى فِيهَا أَحَدًا؟ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ إِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تُسَلِّمُوا وَتَسْتَأْذِنُوا، وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُكُمْ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَدْخُلُ؟ وَهُوَ مِنَ الْمُقَدَّمِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّأْخِيرُ، إِنَّمَا هُوَ حَتَّى تُسَلِّمُوا وَتَسْتَأْذِنُوا، كَمَا ذَكَرْنَا مِنَ الرِّوَايَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَوْلُهُ: (ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) يَقُولُ: اسْتِئْنَاسُكُمْ وَتَسْلِيمُكُمْ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ الَّذِي تُرِيدُونَ دُخُولَهُ، فَإِنَّ دُخُولَكُمُوهُ خَيْرٌ لَكُمْ، لِأَنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ أَنَّكُمْ إِذَا دَخَلْتُمُوهُ بِغَيْرِ إِذْنٍ، عَلَى مَاذَا تَهْجُمُونَ؟ عَلَى مَا يَسُوءُكُمْ أَوْ يَسُرُّكُمْ؟ وَأَنْتُمْ إِذَا دَخَلْتُمْ بِإِذْنٍ، لَمْ تَدْخُلُوا عَلَى مَا تَكْرَهُونَ، وَأَدَّيْتُمْ بِذَلِكَ أَيْضًا حَقَّ اللَّهِ عَلَيْكُمْ فِي الِاسْتِئْذَانِ وَالسَّلَامِ. وَقَوْلُهُ: (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) يَقُولُ: لِتَتَذَكَّرُوا بِفِعْلِكُمْ ذَلِكَ أَوَامِرَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، وَاللَّازِمِ لَكُمْ مِنْ طَاعَتِهِ، فَتُطِيعُوهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِي الْبُيُوتِ الَّتِي تَسْتَأْذِنُونَ فِيهَا أَحَدًا، يَأْذَنُ لَكُمْ بِالدُّخُولِ إِلَيْهَا، فَلَا تَدْخُلُوهَا، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَكُمْ، فَلَا يَحِلُّ لَكُمْ دُخُولُهَا إِلَّا بِإِذْنِ أَرْبَابِهَا، فَإِنْ أَذِنَ لَكُمْ أَرْبَابُهَا أَنْ تَدْخُلُوهَا فَادْخُلُوهَا {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا} يَقُولُ: وَإِنْ قَالَ لَكُمْ أَهْلُ الْبُيُوتِ الَّتِي تَسْتَأْذِنُونَ فِيهَا: ارْجِعُوا فَلَا تَدْخُلُوهَا، وَارْجِعُوا عَنْهَا وَلَا تَدْخُلُوهَا؛ {هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} يَقُولُ: رُجُوعُكُمْ عَنْهَا إِذَا قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا، وَلَمْ يُؤْذَنْ لَكُمْ بِالدُّخُولِ فِيهَا، أَطْهَرُ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ. وَقَوْلُهُ: (هُوَ) كِنَايَةٌ مِنَ اسْمِ الْفِعْلِ أَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ: (فَارْجِعُوا). وَقَوْلُهُ: (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ مِنْ رُجُوعِكُمْ بَعْدَ اسْتِئْذَانِكُمْ فِي بُيُوتِ غَيْرِكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا، وَتُرِكَ رُجُوعُكُمْ عَنْهَا وَطَاعَتُكُمُ اللَّهَ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ- ذُو عِلْمٍ مُحِيطٍ بِذَلِكَ كُلِّهِ، مُحْصٍ جَمِيعَهُ عَلَيْكُمْ، حَتَّى يُجَازِيَكُمْ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ. وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا} قَالَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ فِيهَا مَتَاعٌ، فَلَا تَدْخُلُوهَا إِلَّا بِإِذْنٍ {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا}. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلُهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلُهُ. قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ الْمُزْنِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ: لَقَدْ طَلَبْتُ عُمْرِي كُلَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، فَمَا أَدْرَكْتُهَا، أَنْ أَسْتَأْذِنَ عَلَى بَعْضِ إِخْوَانِي، فَيَقُولُ لِي ارْجِعْ، فَأَرْجِعُ وَأَنَا مُغْتَبِطٌ، لِقَوْلِهِ {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِدٌ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا} بِمَعْنَى: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ فِيهَا مَتَاعٌ، قَوْلٌ بَعِيدٌ مِنْ مَفْهُومِ كَلَامِ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَكَادُ تَقُولُ: لَيْسَ بِمَكَانِ كَذَا أَحَدٌ، إِلَّا وَهِيَ تَعْنِي لَيْسَ بِهَا أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ. وَأَمَّا الْأَمْتِعَةُ وَسَائِرُ الْأَشْيَاءِ غَيْرَ بَنِي آدَمَ، وَمَنْ كَانَ سَبِيلُهُ سَبِيلَهُمْ، فَلَا تَقُولُ ذَلِكَ فِيهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ إِثْمٌ وَحَرَجٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا لَا سَاكِنَ بِهَا بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ أَيُّ الْبُيُوتِ عَنَى، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهَا الْخَانَاتِ وَالْبُيُوتَ الْمَبْنِيَّةَ بِالطُّرُقِ الَّتِي لَيْسَ بِهَا سُكَّانٌ مَعْرُوفُونَ، وَإِنَّمَا بُنِيَتْ لِمَارَّةِ الطَّرِيقِ وَالسَّابِلَةِ، لَيَأْوُوا إِلَيْهَا، وَيُؤْوُوا إِلَيْهَا أَمْتِعَتَهُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ سَالِمٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، فِي قَوْلِهِ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} قَالَ: هِيَ الْخَانَاتُ الَّتِي تَكُونُ فِي الطُّرُقِ. حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثَنَا مُسْلِمٌ، قَالَ: ثَنَا عُمَرُ بْنُ فَرُّوخٍ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُولُ: {بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} قَالَ: هِيَ الْخَانَاتُ تَكُونُ لِأَهْلِ الْأَسْفَارِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} قَالَ: كَانُوا يَضَعُونَ فِي بُيُوتٍ فِي طُرُقِ الْمَدِينَةِ مَتَاعًا وَأَقْتَابًا، فَرُخِّصَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} قَالَ: هِيَ الْبُيُوتُ الَّتِي يَنِْزِلُهَا السَّفَرُ، لَا يَسْكُنُهَا أَحَدٌ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} قَالَ: كَانُوا يَصْنَعُونَ، أَوْ يَضَعُونَ بِطَرِيقِ الْمَدِينَةِ أَقْتَابًا وَأَمْتِعَةً فِي بُيُوتٍ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ، فَأُحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلُهُ. إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: كَانُوا يَضَعُونَ بِطَرِيقِ الْمَدِينَةِ، بِغَيْرِ شَكٍّ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: كَانُوا يَضَعُونَ بِطَرِيقِ الْمَدِينَةِ أَقْتَابًا وَأَمْتِعَةً. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: {أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} هِيَ الْبُيُوتُ الَّتِي لَيْسَ لَهَا أَهْلٌ، وَهِيَ الْبُيُوتُ الَّتِي تَكُونُ بِالطُّرُقِ وَالْخَرِبَةِ {فِيهَا مَتَاعٌ} مَنْفَعَةٌ لِلْمُسَافِرِ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، يَأْوِي إِلَيْهَ. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ بُيُوتُ مَكَّةَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامُ بْنُ سِلْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَائِقٍ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ فِي: {بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} قَالَ: هِيَ بُيُوتُ مَكَّةَ. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ الْبُيُوتُ الْخَرِبَةُ وَالْمَتَاعُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهَا لَكُمْ قَضَاءُ الْحَاجَةِ، مِنَ الْخَلَاءِ وَالْبَوْلِ فِيهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} قَالَ: الْخَلَاءُ وَالْبَوْلُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثَنَا حَسَنُ بْنُ عِيسَى بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} قَالَ: التَّخَلِّي فِي الْخَرَابِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ بُيُوتُ التُّجَّارِ الَّتِي فِيهَا أَمْتِعَةُ النَّاسِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} قَالَ: بُيُوتُ التُّجَّارِ، لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ، الْحَوَانِيتُ الَّتِي بِالْقَيْسَارِيَّاتِ وَالْأَسْوَاقِ، وَقَرَأَ {فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} مَتَاعٌ لِلنَّاسِ، وَلِبَنِي آدَمَ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَمَّ بِقَوْلِهِ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} كُلَّ بَيْتٍ لَا سَاكِنَ بِهِ لَنَا فِيهِ مَتَاعٌ نَدْخُلُهُ بِغَيْرِ إِذْنٍ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إِنَّمَا يَكُونُ لَيُؤْنِسَ الْمَأْذُونَ عَلَيْهِ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ لَيَأْذَنَ لِلدَّاخِلِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالِكًا، أَوْ كَانَ فِيهِ سَاكِنًا. فَأَمَّا إِنْ كَانَ لَا مَالِكَ لَهُ فَيَحْتَاجُ إِلَى إِذْنِهِ لِدُخُولِهِ وَلَا سَاكِنَ فِيهِ فَيَحْتَاجُ الدَّاخِلُ إِلَى إِينَاسِهِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَيْهِ، لِئَلَّا يَهْجُمَ عَلَى مَا لَا يُحِبُّ رُؤْيَتَهُ مِنْهُ، فَلَا مَعْنَى لِلِاسْتِئْذَانِ فِيهِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ، فَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ بَعْضِ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ، فَكُلُّ بَيْتٍ لَا مَالِكَ لَهُ، وَلَا سَاكِنَ، مِنْ بَيْتٍ مَبْنِيٍّ بِبَعْضِ الطُّرُقِ لِلْمَارَّةِ وَالسَّابِلَةِ؛ لَيَأْوُوا إِلَيْهِ، أَوْ بَيْتٍ خَرَابٍ، قَدْ بَادَ أَهْلُهُ وَلَا سَاكِنَ فِيهِ، حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ، فَإِنَّ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ، لِمَتَاعٍ لَهُ يُؤْوِيهِ إِلَيْهِ، أَوْ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهِ لِقَضَاءِ حَقِّهِ مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَأَمَّا بُيُوتُ التُّجَّارِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ دُخُولُهَا إِلَّا بِإِذْنِ أَرْبَابِهَا وَسُكَّانِهَا. فَإِنَّ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ التَّاجِرَ إِذَا فَتَحَ دُكَّانَهُ وَقَعَدَ لِلنَّاسِ، فَقَدْ أَذِنَ لِمَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ عَلَيْهِ فِي دُخُولِهِ، فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا ظَنَّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ دُخُولُ مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ أَلْجَأَتْهُ إِلَيْهِ، أَوْ بِغَيْرِ سَبَبٍ أَبَاحَ لَهُ دُخُولَهُ إِلَّا بِإِذْنِ رَبِّهِ، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِيهِ مَتَاعٌ، فَإِنْ كَانَ التَّاجِرُ قَدْ عُرِفَ مِنْهُ أَنَّ فَتْحَهُ حَانُوتَهُ إِذَنٌ مِنْهُ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَهُ فِي الدُّخُولِ، فَذَلِكَ بَعْدُ رَاجِعٌ إِلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهُ مَنْ دَخَلَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} فِي شَيْءٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الَّتِي وَضَعَ اللَّهُ عَنَّا الْجُنَاحَ فِي دُخُولِهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ مِنَ الْبُيُوتِ، هِيَ مَا لَمْ يَكُنْ مَسْكُونًا، إِذْ حَانُوتُ التَّاجِرِ لَا سَبِيلَ إِلَى دُخُولِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مَسْكُونٌ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مِمَّا عَنَى اللَّهُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَعْزِلٍ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ: هَذِهِ الْآيَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَوْلِهِ: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} ثُمَّ نَسَخَ وَاسْتَثْنَى فَقَالَ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ}. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا}... الْآيَةَ، فَنُسِخَ مِنْ ذَلِكَ، وَاسْتُثْنِيَ فَقَالَ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ}. وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا}؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} حُكْمٌ مِنَ اللَّهِ فِي الْبُيُوتِ الَّتِي لَهَا سُكَّانٌ وَأَرْبَابٌ. وَقَوْلُهُ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} حُكْمٌ مِنْهُ فِي الْبُيُوتِ الَّتِي لَا سُكَّانَ لَهَا، وَلَا أَرْبَابَ مَعْرُوفُونَ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْحُكْمَيْنِ حُكْمٌ فِي مَعْنًى غَيْرِ مَعْنَى الْآخَرِ، وَإِنَّمَا يُسْتَثْنَى الشَّيْءُ مِنَ الشَّيْءِ إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ نَوْعِهِ فِي الْفِعْلِ أَوِ النَّفْسِ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَلَا مَعْنَى لِاسْتِثْنَائِهِ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُظْهِرُونَ أَيُّهَا النَّاسُ بِأَلْسِنَتِكُمْ مِنَ الِاسْتِئْذَانِ إِذَا اسْتَأْذَنْتُمْ عَلَى أَهْلِ الْبُيُوتِ الْمَسْكُونَةِ (وَمَا تَكْتُمُونَ) يَقُولُ: وَمَا تُضْمِرُونَهُ فِي صُدُورِكُمْ عِنْدَ فِعْلِكُمْ ذَلِكَ مَا الَّذِي تَقْصِدُونَ بِهِ إِطَاعَةَ اللَّهِ، وَالِانْتِهَاءَ إِلَى أَمْرِهِ، أَمْ غَيْرَ ذَلِكَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ) بِاللَّهِ وَبِكَ يَا مُحَمَّدُ {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} يَقُولُ: يَكْفُوا مِنْ نَظَرِهِمْ إِلَى مَا يَشْتَهُونَ النَّظَرَ إِلَيْهِ، مِمَّا قَدْ نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنِ النَّظَرِ إِلَيْهِ {وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} أَنْ يَرَاهَا مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ رُؤْيَتُهَا، بِلِبْسِ مَا يَسْتُرُهَا عَنْ أَبْصَارِهِمْ (ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ) يَقُولُ: فَإِنَّ غَضَّهَا مِنَ النَّظَرِ عَمَّا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ، وَحِفْظَ الْفَرْجِ عَنْ أَنْ يَظْهَرَ لِأَبْصَارِ النَّاظِرِينَ؛ أَطْهَرُ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَأَفْضَلُ {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ ذُو خِبْرَةٍ بِمَا تَصْنَعُونَ أَيُّهَا النَّاسُ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ غَضِّ أَبْصَارِكُمْ عَمَّا أَمَرَكُمْ بِالْغَضِّ عَنْهُ، وَحِفْظِ فُرُوجِكُمْ عَنْ إِظْهَارِهَا لِمَنْ نَهَاكُمْ عَنْ إِظْهَارِهَا لَهُ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} قَالَ: كُلُّ فَرْجٍ ذُكِرَ حِفْظُهُ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ مِنَ الزِّنَا إِلَّا هَذِهِ {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} فَإِنَّهُ يَعْنِي السَّتْرَ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} قَالَ: يَغُضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا يَكْرَهُ اللَّهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} قَالَ: يَغُضُّ مِنْ بَصَرِهِ: أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُ، إِذَا رَأَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُ غَضَّ مِنْ بَصَرِهِ لَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَغُضَّ بَصَرَهُ كُلَّهُ، إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقُلْ) يَا مُحَمَّدُ (لِلْمُؤْمِنَاتِ) مِنْ أُمَّتِكَ {يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} عَمًّا يَكْرَهُ اللَّهُ النَّظَرَ إِلَيْهِ مِمَّا نَهَاكُمْ عَنِ النَّظَرِ إِلَيْهِ {وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} يَقُولُ: وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ عَنْ أَنْ يَرَاهَا مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ رُؤْيَتُهَا، بِلُبْسٍ مَا يَسْتُرُهَا عَنْ أَبْصَارِهِمْ. وَقَوْلُهُ: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا يُظْهِرْنَ لِلنَّاسِ الَّذِينَ لَيْسُوا لَهُنَّ بِمَحْرَمٍ زِينَتَهُنَّ، وَهُمَا زِينَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: مَا خَفِيَ وَذَلِكَ كَالْخَلْخَالِ وَالسِّوَارَيْنِ وَالْقُرْطَيْنِ وَالْقَلَائِدِ، وَالْأُخْرَى: مَا ظَهَرَ مِنْهَا، وَذَلِكَ مُخْتَلِفٌ فِي الْمَعْنِيِّ مِنْهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: زِينَةُ الثِّيَابِ الظَّاهِرَةُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا هَارُونُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: الزِّينَةُ زِينَتَانِ: فَالظَّاهِرَةُ مِنْهَا الثِّيَابُ، وَمَا خَفِيَ: الْخَلْخَالَانِ وَالْقُرْطَانِ وَالسِّوَارَانِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمَدَانِيِّ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}: قَالَ: هِيَ الثِّيَابُ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قَالَ: الثِّيَابُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلُهُ. قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلُهُ. قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}: قَالَ: الثِّيَابُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، إِمَّا يُونُسُ، وَإِمَّا غَيْرُهُ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قَالَ: الثِّيَابُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قَالَ: الثِّيَابُ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قَالَ: هُوَ الرِّدَاءُ. وَقَالَ آخَرُونَ: الظَّاهِرُ مِنَ الزِّينَةِ الَّتِي أُبِيحُ لَهَا أَنْ تُبْدِيَهُ: الْكُحْلُ، وَالْخَاتَمُ، وَالسِّوَارَانِ، وَالْوَجْهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا مَرْوَانُ، قَالَ: ثَنَا مُسْلِمٌ الْمَلَائِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قَالَ: الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْآمُلِيُّ، قَالَ: ثَنَا مَرْوَانُ، عَنْ مُسْلِمٍ الْمَلَائِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلُهُ. وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ عَبَّاسٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا هَارُونُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ نَهْشَلٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الظَّاهِرُ مِنْهَا: الْكُحْلُ وَالْخَدَّانِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قَالَ: الْوَجْهُ وَالْكَفُّ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزَ الْمَكِّيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلُهُ. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قَالَ: الْكَفَّانِ وَالْوَجْهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عُدَيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الْكُحْلُ، وَالسِّوَرَانِ، وَالْخَاتَمُ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قَالَ: وَالزِّينَةُ الظَّاهِرَةُ: الْوَجْهُ، وَكُحْلُ الْعَيْنِ، وَخِضَابُ الْكَفِّ، وَالْخَاتَمُ، فَهَذِهِ تَظْهَرُ فِي بَيْتِهَا لِمَنْ دَخَلَ مِنَ النَّاسِ عَلَيْهَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قَالَ: الْمَسْكَتَانِ وَالْخَاتَمُ وَالْكُحْلُ، «قَالَ قَتَادَةُ: وَبَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، أَنْ تُخْرِجَ يَدَهَا إِلَّا إِلَى هَاهُنَا". وَقَبَضَ نِصْفَ الذِّرَاع». حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْمُسَوَّرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، فِي قَوْلِهِ: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قَالَ: الْقَلْبَيْنِ، وَالْخَاتَمُ، وَالْكُحْلُ، يَعْنِي السِّوَارَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قَالَ: الْخَاتَمُ وَالْمُسْكَةُ. قَالَ ابْنُ جُرَيجٍ، وَقَالَتْ عَائِشَة: الْقُلْبُ وَالْفَتْخَةُ، «قَالَتْ عَائِشَة: دَخَلَتْ عَلَيَّ ابْنَةُ أَخِي لِأُمِّي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الطُّفَيْلِ مُزَيَّنَةً، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْرَضَ، فَقَالَتْ عَائِشَة: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي وَجَارِيَةٌ، فَقَالَ: "إِذَا عَرَكَتِ الْمَرْأَةُ لَمْ يَحِلَّ لَهَا أَنَّ تُظْهِرَ إِلَّا وَجَّهَهَا، وَإِلَّا مَا دُونَ هَذَا"، وَقَبَضَ عَلَى ذِرَاعِ نَفْسِهِ، فَتَرَكَ بَيْنَ قَبْضَتِهِ وَبَيْنَ الْكَفِّ مِثْلَ قَبْضَةٍ أُخْرَى». وَأَشَارَ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ. قَالَ ابْنُ جُرَيجٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ قَوْلُهُ: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قَالَ: الْكُحْلُ وَالْخِضَابُ وَالْخَاتَمُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَامِرٍ: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قَالَ الْكُحْلُ، وَالْخِضَابُ، وَالثِّيَابُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} مِنَ الزِّينَةِ: الْكُحْلُ، وَالْخِضَابُ، وَالْخَاتَمُ، هَكَذَا كَانُوا يَقُولُونَ وَهَذَا يَرَاهُ النَّاسُ. حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ، قَالَ: ثَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: سُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قَالَ: الْكَفَّيْنِ وَالْوَجْهُ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ بُنْدُقٍ، قَالَ: ثَنَا مَرْوَانُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِ: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} قَالَ الْكَفُّ وَالْوَجْهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِهِ الْوَجْهَ وَالثِّيَابَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ، قَالَ: قَالَ يُونُسُ {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قَالَ الْحَسَنُ: الْوَجْهُ وَالثِّيَابُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ثَنَا ابْنُ أَبِي عُدَيٍّ، وَعَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قَالَ: الْوَجْهُ وَالثِّيَابُ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ: قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِذَلِكَ: الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ، يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ: الْكُحْلُ، وَالْخَاتَمُ، وَالسِّوَارُ، وَالْخِضَابُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالتَّأْوِيلِ؛ لِإِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ فِي صَلَاتِهِ، وَأَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنَّ تَكْشِفَ وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا فِي صَلَاتِهَا، وَأَنَّ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتُرَ مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ بَدَنِهَا، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَبَاحَ لَهَا أَنْ تُبْدِيَهُ مِنْ ذِرَاعِهَا إِلَى قَدْرِ النِّصْفِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِهِمْ إِجْمَاعًا، كَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ لَهَا أَنْ تُبْدِيَ مِنْ بَدَنِهَا مَا لَمْ يَكُنْ عَوْرَةً، كَمَا ذَلِكَ لِلرِّجَالِ؛ لِأَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ عَوْرَةً فَغَيْرُ حَرَامٍ إِظْهَارُهُ؛ وَإِذَا كَانَ لَهَا إِظْهَارُ ذَلِكَ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ مِمَّا اسْتَثْنَاهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ، بِقَوْلِهِ: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ مِنْهَا. وَقَوْلُ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلْيُلْقِينَ خُمُرَهُنَّ، وَهِيَ جُمَعُ خِمَارٍ، عَلَى جُيُوبِهِنَّ، لِيَسْتُرْنَ بِذَلِكَ شُعُورَهُنَّ وَأَعْنَاقَهُنَّ وَقُرْطَهُنَّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ ثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَافِعٍ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ يَنَّاقٍ، عَنْصَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَة، قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} قَالَ شَقَقْنَ الْبُرُدَ مِمَّا يَلِي الْحَوَاشِيَ، فَاخْتَمَرْنَ بِهِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ قُرَّةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَهُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَة زوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ النِّسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ، لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شَقَقْنَ أَكْثَفَ مُرُوطِهِنَّ، فَاخْتَمَرْنَ بِهِ. وَقَوْلُهُ: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} الَّتِي هِيَ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ، بَلِ الْخَفِيَّةُ مِنْهَا، وَذَلِكَ الْخَلْخَالُ وَالْقُرْطُ وَالدُّمْلُجُ، وَمَا أُمِرَتْ بِتَغْطِيَتِهِ بِخِمَارِهَا مِنْ فَوْقِ الْجَيْبِ، وَمَا وَرَاءَ مَا أُبِيحَ لَهَا كَشْفُهُ، وَإِبْرَازُهُ فِي الصَّلَاةِ وَلِلْأَجْنَبِيِّينَ مِنَ النَّاسِ، وَالذِّرَاعَيْنِ إِلَى فَوْقِ ذَلِكَ، إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مَصْرِفٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} قَالَ: هَذِهِ مَا فَوْقَ الذِّرَاعِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يُحَدِّثُ عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} قَالَ: مَا فَوْقَ الْجَيْبِ، قَالَ شُعْبَةُ: كَتَبَ بِهِ مَنْصُورٌ إِلَيَّ، وَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} قَالَ: تَبْدِي لِهَؤُلَاءِ الرَّأْسَ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ}... إِلَى قَوْلِهِ: {عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} قَالَ: الزِّينَةُ الَّتِي يُبْدِينَهَا لِهَؤُلَاءِ: قُرْطَاهَا، وَقِلَادَتُهَا، وَسِوَارُهَا، فَأَمَّا خُلْخَالَاهَا وَمِعْضَدَاهَا وَنَحْرُهَا وَشَعْرُهَا، فَإِنَّهُ لَا تُبْدِيهِ إِلَّا لِزَوْجِهَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيجٍ، قَالَ: ابْنُ مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} قَالَ: الطَّوْقَ وَالْقُرْطَيْنِ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ الْحَرَائِرِ: لَا يُظْهِرْنَ هَذِهِ الزِّينَةَ الْخَفِيَّةَ الَّتِي لَيْسَتْ بِالظَّاهِرَةِ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ، وَهُمْ أَزْوَاجُهُنَّ، وَاحِدُهُمْ بَعْلٌ، أَوْ لِآبَائِهِنَّ، أَوْ لِآبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ: يَقُولُ أَوْ لِآبَاءِ أَزْوَاجِهِنَّ، أَوْ لِأَبْنَائِهِنَّ، أَوْ لِأَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ، أَوْ لِإِخْوَانِهِنَّ، أَوْ لِبَنِي إِخْوَانِهِنَّ، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: أَوْ لِإِخْوَانِهِنَّ أَوْ لِأَخَوَاتِهِنَّ، أَوْ لِبَنِي إِخْوَانِهِنَّ، أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ، أَوْ نِسَائِهِنَّ. قِيلَ: عَنِي بِذَلِكَ نِسَاءَ الْمُسْلِمِينَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُنَّ نِسَاءُ الْمُسْلِمِينَ، لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمَةٍ أَنْ تَرَى مُشْرِكَةٌ عَرْيَتَهَا، إِلَّا أَنْ تَكُونَ أَمَةً لَهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ}. قَالَ: ثَنِي الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْغَازِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نَسِيٍّ: أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ تُقَبِّلَ النَّصْرَانِيَّةُ الْمُسْلِمَةَ، أَوْ تَرَى عَوْرَتَهَا، وَيَتَأَوَّلُ: {أَوْ نِسَائِهِنَّ}. قَالَ: ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ هُشَامٍ، عَنْ عُبَادَةَ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا: أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ نِسَاءً يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَاتِ، وَمَعَهُنَّ نِسَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَامْنَعْ ذَلِكَ، وَحُلْ دُونَهُ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَامَ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ مُبْتَهِلًا اللَّهُمَّ أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَدْخُلُ الْحَمَّامَ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ وَلَا سَقَمٍ، تُرِيدُ الْبَيَاضَ لِوَجْهِهَا، فَسَوَّدَ وَجْهَهَا يَوْمَ تَبْيَضُّ الْوُجُوهُ. وَقَوْلُ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ: بَعْضُهُمْ: أَوْ مَمَالِيكُهُنَّ، فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ عَلَيْهَا أَنْ تُظْهِرَ لَهُمْ مَنْ زِينَتِهَا مَا تُظْهِرُهُ لِهَؤُلَاءِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ مَخْلَدٍ التَّمِيمِيِّ، أَنَّهُ قَالَ، فِي قَوْلِهِ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} قَالَ: فِي الْقِرَاءَةِ الْأُولَى: أَيْمَانُكُمْ. وَقَالَ: آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ مِنْ إِمَاءِ الْمُشْرِكِينَ، كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَبْلُ مِنْ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} عَنَى بِهِنَّ النِّسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ دُونَ الْمُشْرِكَاتِ، ثُمَّ قَالَ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} مِنَ الْإِمَاءِ الْمُشْرِكَاتِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لَيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ يَتْبَعُونَكُمْ لِطَعَامٍ يَأْكُلُونَهُ عِنْدَكُمْ، مِمَّنْ لَا أَرَبَ لَهُ فِي النِّسَاءِ مِنَ الرِّجَالِ، وَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَيْهِنَّ، وَلَا يُرِيدُهُنَّ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَتْبَعُ الرَّجُلَ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ لَا يَغَارُ عَلَيْهِ وَلَا تُرْهَبُ الْمَرْأَةُ أَنْ تَضَعَ خِمَارَهَا عِنْدَهُ، وَهُوَ الْأَحْمَقُ الَّذِي لَا حَاجَةَ لَهُ فِي النِّسَاءِ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} فَهَذَا الرَّجُلُ يَتْبَعُ الْقَوْمَ، وَهُوَ مُغَفَّلٌ فِي عَقْلِهِ، لَا يَكْتَرِثُ لِلنِّسَاءِ، وَلَا يَشْتَهِيهِنَّ، فَالزِّينَةُ الَّتِي تُبْدِيهَا لِهَؤُلَاءِ: قُرْطَاهَا وَقِلَادَتُهَا وَسِوَارَاهَا، وَأَمَّا خَلْخَالَاهَا وَمِعْضَدَاهَا وَنَحْرُهَا وَشَعْرُهَا، فَإِنَّهَا لَا تُبْدِيهِ إِلَّا لِزَوْجِهَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: (أَوِ التَّابِعِينَ) قَالَ: هُوَ التَّابِعُ يَتْبَعُكَ يُصِيبُ مِنْ طَعَامِكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} قَالَ: الَّذِي يُرِيدُ الطَّعَامَ، وَلَا يُرِيدُ النِّسَاءَ. قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلُهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} الَّذِينَ لَا يَهُمُّهُمْ إِلَّا بُطُونُهُمْ، وَلَا يُخَافُونَ عَلَى النِّسَاءِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلُهُ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى السُّدِّيُّ، قَالَ: ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} قَالَ: الْأَبْلَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ لَيْثًا، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} قَالَ: هُوَ الْأَبْلَهُ، الَّذِي لَا يَعْرِفُ شَيْئًا مِنَ النِّسَاءِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} الَّذِي لَا أَرَبَ لَهُ بِالنِّسَاءِ، مِثْلُ فُلَانٍ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ: ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} قَالَ: هُوَ الَّذِي لَا تَسْتَحْيِي مِنْهُ النِّسَاءُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: {غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} قَالَ: مَنْ تَبِعَ الرَّجُلَ وَحَشَمَهُ، الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ إِرْبَهُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى عَوْرَةِ النِّسَاءِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ {غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} قَالَ: الَّذِي لَا أَرَبَ لَهُ فِي النِّسَاءِ. قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: الْمَعْتُوهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي قَوْلِهِ: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} قَالَ: هُوَ الْأَحْمَقُ، الَّذِي لَا هِمَّةَ لَهُ بِالنِّسَاءِ وَلَا أَرَبَ. وَبِهِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، فِي قَوْلِهِ: {غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} يَقُولُ: الْأَحْمَقُ، الَّذِي لَيْسَتْ لَهُ هِمَّةٌ فِي النِّسَاءِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الَّذِي لَا حَاجَةَ لَهُ فِي النِّسَاءِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ: ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} قَالَ: هُوَ الَّذِي يَتْبَعُ الْقَوْمَ، حَتَّى كَأَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ وَنَشَأَ فِيهِمْ، وَلَيْسَ يَتْبَعُهُمْ لِإِرْبَةِ نِسَائِهِمْ، وَلَيْسَ لَهُ فِي نِسَائِهِمْ إِرْبَةٌ. وَإِنَّمَا يَتْبَعُهُمْ لِإِرْفَاقِهِمْ إِيَّاهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، «عَنْ عَائِشَة قالَتْ: كَانَ رَجُلٌ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَنَّثٌ، فَكَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ، فَدَخْلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ وَهُوَ يَنْعَتُ امْرَأَةً، فَقَالَ: إِنَّهَا إِذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا أَرَى هَذَا يَعْلَمُ مَا هَاهُنَا، لَا يَدْخُلَنَّ هَذَا عَلَيْكُمْ " فَحَجَبُوه». حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْعَدَنِيُّ، قَالَ: ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} قَالَ: هُوَ الْمُخَنَّثُ الَّذِي لَا يَقُومُ زِبُّهُ. وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فَى قَوْلِهِ: {غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الشَّامِ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ "غَيْرَ أُولِي الْإِرْبَةِ" بِنَصْبِ غَيْرٍ، وَلِنَصْبِ غَيْرٍ، هَاهُنَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا عَلَى الْقَطْعِ مِنَ التَّابِعَيْنِ، لِأَنَّ التَّابِعِينَ مَعْرِفَةٌ وَغَيْرَ نَكِرَةٌ، وَالْآخَرُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَتَوْجِيهُ غَيْرٍ إِلَى مَعْنَى "إِلَّا"، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: إِلَّا. وَقَرَأَ غَيْرُ مَنْ ذَكَرْتُ بِخَفْضِ "غَيْرٍ" عَلَى أَنَّهَا نَعْتٌ لِلتَّابِعِينَ، وَجَازَ نَعْتُ "التَّابِعِينَ" بـ"غَيْرٍ" وَ "التَّابِعُونَ" مَعْرِفَةٌ وَغَيْرُ نَكِرَةٌ، لِأَنَّ "التَّابِعِينَ" مَعْرِفَةٌ غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ: أَوِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمْ. وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى مُسْتَفِيضَةُ الْقِرَاءَةِ بِهِمَا فِي الْأَمْصَارِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، غَيْرَ أَنَّ الْخَفْضَ فِي "غَيْرِ" أَقْوَى فِي الْعَرَبِيَّةِ، فَالْقِرَاءَةُ بِهِ أَعْجَبُ إِلَيَّ وَالْإِرْبَةُ: الْفِعْلَةُ مِنَ الْأَرَبِ، مِثْلَ الْجِلْسَةِ مِنَ الْجُلُوسِ، وَالْمِشْيَةِ مِنَ الْمَشْيِ، وَهِيَ الْحَاجَةُ، يُقَالُ: لَا أَرَبَ لِي فِيكَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيكَ، وَكَذَا أَرَبْتُ لِكَذَا وَكَذَا إِذَا: احْتَجْتُ إِلَيْهِ، فَأَنَا آرِبٌ لَهُ أَرَبًا. فَأَمَّا الْأُرْبَةُ بِضَمِّ الْأَلِفِ: فَالْعُقْدَةُ. وَقَوْلُهُ: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمَّ يَكْشِفُوا عَنْ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ بِجِمَاعِهِنَّ فَيَظْهَرُوا عَلَيْهِنَّ لِصِغَرِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} قَالَ: لَمْ يَدْرُوا مَا ثَمَّ، مِنَ الصِّغَرِ قَبْلَ الْحُلُمِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلُهُ. وَقَوْلُهُ: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لَيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا يَجْعَلْنَ فِي أَرْجُلِهِنَّ مِنَ الْحُلِيِّ مَا إِذَا مَشَيْنَ أَوْ حَرَّكْنَهُنَّ، عَلِمَ النَّاسُ الَّذِينَ مَشَيْنَ بَيْنَهُمْ مَا يُخْفِينَ مِنْ ذَلِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: زَعَمَ حَضْرَمِيٌّ أَنَّ امْرَأَةً اتَّخَذَتْ بَرَّتَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ، وَاتَّخَذَتْ جَزَعًا، فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ، فَضَرَبَتْ بِرِجْلِهَا، فَوَقَعَ الْخَلْخَالُ عَلَى الْجَزَعِ، فَصَوَّتَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لَيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لَيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} قَالَ: كَانَ فِي أَرْجُلِهِمْ خَرَزٌ، فَكُنَّ إِذَا مَرَرْنَ بِالْمَجَالِسِ حَرَّكْنَ أَرْجُلَهُنَّ لَيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ} فَهُوَ أَنْ تَقْرَعَ الْخَلْخَالَ بِالْآخَرِ عِنْدَ الرِّجَالِ، وَيَكُونَ فِي رِجْلَيْهَا خَلَاخِلُ، فَتُحَرِّكُهُنَّ عِنْدَ الرِّجَالِ، فَنَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لَيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} قَالَ: هُوَ الْخَلْخَالُ، لَا تَضْرِبُ امْرَأَةٌ بِرِجْلِهَا لِيُسْمَعَ صَوْتُ خَلْخَالِهَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لَيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} قَالَ: الْأَجْرَاسُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ، يَجْعَلْنَهَا فِي أَرْجُلِهِنَّ فِي مَكَانِ الْخَلَاخِلِ، فَنَهَاهُنَّ اللَّهُ أَنْ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِتُسْمَعَ تِلْكَ الْأَجْرَاسُ. وَقَوْلُهُ: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَارْجِعُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ مِنْ غَضِّ الْبَصَرِ، وَحِفْظِ الْفَرْجِ، وَتَرْكِ دُخُولِ بُيُوتٍ غَيْرِ بُيُوتِكُمْ، مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَلَا تَسْلِيمٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ؛ (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) يَقُولُ: لِتَفْلَحُوا وَتُدْرِكُوا طَلَبَاتِكُمْ لَدَيْهِ، إِذَا أَنْتُمْ أَطَعْتُمُوهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ.
|