الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} بِالْحِلْمِ وَالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ غَيْرَ مُسْتَكْبِرِينَ، وَلَا مُتَجَبِّرِينَ، وَلَا سَاعِينَ فِيهَا بِالْفَسَادِ وَمَعَاصِي اللَّهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِقَوْلِهِ: {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} أَنَّهُمْ يَمْشُونَ عَلَيْهَا بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} قَالَ: بِالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ. قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْوَضَّاحِ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} قَالَ: بِالْحِلْمِ وَالْوَقَارِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ؛ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} قَالَ: بِالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلُهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} بِالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ، قَالَ: ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} قَالَا بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَمَّارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} قَالَ: بِالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ. قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلُهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَمْرٍو الْمَلَائِيِّ {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} قَالَ: بِالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُمْ يَمْشُونَ عَلَيْهَا بِالطَّاعَةِ وَالتَّوَاضُعِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} بِالطَّاعَةِ وَالْعَفَافِ وَالتَّوَاضُعِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} قَالَ: يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ بِالطَّاعَةِ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنِي عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ يَقُولُ: الْتَمَسْتُ تَفْسِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} فَلَمْ أَجِدْهَا عِنْدَ أَحَدٍ، فَأُتِيتُ فِي النَّوْمِ فَقِيلَ لِي: هُمُ الَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَا يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} قَالَ: لَا يَتَكَبَّرُونَ عَلَى النَّاسِ، وَلَا يَتَجَبَّرُونَ، وَلَا يُفْسِدُونَ. وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُمْ يَمْشُونَ عَلَيْهَا بِالْحِلْمِ لَا يَجْهَلُونَ عَلَى مَنْ جَهِلَ عَلَيْهِمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ فِي {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} قَالَ: حُلَمَاءُ، وَإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجْهَلُو. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} قَالَ: حُلَمَاءُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} قَالَ: عُلَمَاءُ حُلَمَاءُ لَا يَجْهَلُونَ. وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} يَقُولُ: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ بِاللَّهِ بِمَا يَكْرَهُونَهُ مِنَ الْقَوْلِ، أَجَابُوهُمْ بِالْمَعْرُوفِ مِنَ الْقَوْلِ، وَالسَّدَادِ مِنَ الْخِطَابِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا أَبُو الْأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ}... الْآيَةَ، قَالَ: حُلَمَاءُ، وَإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجْهَلُوا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمُخْتَارِ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ قَوْمٌ ذُلُلٌ، ذَلَّتْ مِنْهُمْ وَاللَّهِ الْأَسْمَاعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْجَوَارِحَ، حَتَّى يَحْسَبَهُمُ الْجَاهِلُ مَرْضَى، وَإِنَّهُمْ لِأَصِحَّاءُ الْقُلُوبِ، وَلَكِنْ دَخَلَهُمْ مِنَ الْخَوْفِ مَا لَمْ يَدْخُلْ غَيْرَهُمْ، وَمَنَعَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا عِلْمُهُمْ بِالْآخِرَةِ، فَقَالُوا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} وَاللَّهِ مَا حُزْنُهُمْ حُزْنَ الدُّنْيَا، وَلَا تَعَاظَمَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا طَلَبُوا بِهِ الْجَنَّةَ، أَبْكَاهُمُ الْخَوْفُ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يَتَعَزَّ بِعَزَاءِ اللَّهِ تَقَطَّعَ نَفْسُهُ عَلَى الدُّنْيَا حَسَرَاتٍ، وَمَنْ لَمْ يَرَ لِلَّهِ عَلَيْهِ نِعْمَةً إِلَّا فِي مَطْعَمٍ وَمَشْرَبٍ، فَقَدْ قَلَّ عِلْمُهُ وَحَضَرَ عَذَابُهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} قَالَ: سَدَادًا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْوَضَّاحِ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} قَالَ: سَدَادًا مِنَ الْقَوْلِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلُهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} حُلَمَاءُ. قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: حُلَمَاءُ لَا يَجْهَلُونَ، وَإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِمْ حَلُمُوا وَلَمْ يَسْفَهُوا، هَذَا نَهَارُهُمْ فَكَيْفَ لَيْلُهُمْ- خَيْرُ لَيْلٍ- صَفُّوا أَقْدَامَهُمْ، وَأَجْرَوْا دُمُوعَهُمْ عَلَى خُدُودِهِمْ يَطْلُبُونَ إِلَى اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي فِكَاكِ رِقَابِهِمْ. قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: حُلَمَاءُ لَا يَجْهَلُونَ وَإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِمْ حَلُمُوا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ يُصْلُونَ لِلَّهِ، يُرَاوِحُونَ بَيْنَ سُجُودٍ فِي صَلَاتِهِمْ وَقِيَامٍ. وَقَوْلُهُ: (وَقِيَامًا) جَمْعُ قَائِمٍ، كَمَا الصِّيَامُ جَمْعُ صَائِمٍ {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ اللَّهَ أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُمْ عِقَابَهُ وَعَذَابَهُ حَذَرًا مِنْهُ وَوَجَلًا. وَقَوْلُهُ: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} يَقُولُ: إِنَّ عَذَابَ جَهَنَّمَ كَانَ غَرَامًا مُلِحًّا دَائِمًا لَازِمًا غَيْرَ مُفَارِقٍ مَنْ عُذِّبَ بِهِ مِنَ الْكُفَّارِ، وَمُهْلِكًا لَهُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: رَجُلٌ مُغْرَمٌ، مِنَ الْغُرْمِ وَالدَّيْنُ. وَمِنْهُ قِيلَ لِلْغَرِيمِ غَرِيمٌ لِطَلَبِهِ حَقَّهُ، وَإِلْحَاحِهِ عَلَى صَاحِبِهِ فِيهِ. وَمِنْهُ قِيلَ لِلرَّجُلِ الْمُولَعِ لِلنِّسَاءِ: إِنَّهُ لَمُغْرَمٌ بِالنِّسَاءِ، وَفُلَانٌ مُغْرَمٌ بِفُلَانٍ: إِذَا لَمْ يَصْبِرْ عَنْهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى: إِنْ يُعَاقِبْ يَكُِنْ غَرَامًا وَإِنْ يُعْ *** طِ جَزِيلًا فَإِنَّهُ لَا يُبَالِي يَقُولُ: إِنْ يُعَاقِبْ يَكُنْ عِقَابُهُ عِقَابًا لَازِمًا، لَا يُفَارِقُ صَاحِبَهُ مُهْلِكًا لَهُ، وَقَوْلُ بِشْرِ بْنِ أَبِي خَازِمٍ: وَيَوْمَ النِّسِارِ وَيَوْمَ الْجِفَا *** رِ كَانَ عِقَابًِا وَكَانَ غَرَامَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ اللَّانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُعَافِي بْنُ عِمْرَانَ الْمَوْصِلِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنَ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} قَالَ: إِنِ اللَّهَ سَأَلَ الْكُفَّارَ عَنْ نِعَمِهِ، فَلَمْ يَرُدُّوهَا إِلَيْهِ، فَأَغْرَمَهُمْ، فَأَدْخَلَهُمُ النَّارَ. قَالَ: ثَنَا الْمُعَافِي، عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} قَالَ: قَدْ عَلِمُوا أَنَّ كُلَّ غَرِيمٍ مُفَارِقٌ غَرِيمَهُ إِلَّا غَرِيمَ جَهَنَّمَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} قَالَ: الْغَرَامُ: الشَّرُّ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} قَالَ: لَا يُفَارِقُهُ. وَقَوْلُهُ {إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} يَقُولُ: إِنَّ جَهَنَّمَ سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا، يَعْنِي بِالْمُسْتَقَرِّ: الْقَرَارُ، وَبِالْمُقَامِ: الْإِقَامَةُ؛ كَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: سَاءَتْ جَهَنَّمُ مَنْزِلًا وَمُقَامًا. وَإِذَا ضُمَّتِ الْمِيمُ مِنَ الْمُقَامِ فَهُوَ مِنَ الْإِقَامَةِ، وَإِذَا فُتِحَتْ فَهُوَ مِنْ قُمْتُ، وَيُقَالُ: الْمَقَامُ إِذَا فَتَحْتَ الْمِيمَ أَيْضًا هُوَ الْمَجْلِسُ، وَمِنَ الْمُقَامِ بِضَمِّ الْمِيمِ بِمَعْنَى الْإِقَامَةِ، قَوْلُ سَلَامَةَ بْنِ جَنْدَلٍ: يَوْمِانِ: يَوْمُ مُقَامِاتٍ وأَنْدِيَةٍ *** وَيَوْمُ سَيْرٍ إِلِى الْأَعِْدَاءِ تَأْوِيبَ وَمِنَ الْمُقَامِ الَّذِي بِمَعْنَى الْمَجْلِسِ، قَوْلُ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ: فَأَيِّي مَا وَأَيُِّكَ كَانَ شَرًّا *** فَقِيدَ إِلِى الْمَقَامَةِ لَا يَرَاهَا يَعْنِي: الْمَجْلِسُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا أَمْوَالَهُمْ لَمْ يُسْرِفُوا فِي إِنْفَاقِهَا. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي النَّفَقَةِ الَّتِي عَنَاهَا اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَمَا الْإِسْرَافُ فِيهَا وَالْإِقْتَارُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْإِسْرَافُ مَا كَانَ مِنْ نَفَقَةٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَإِنْ قَلَّتْ: قَالَ: وَإِيَّاهَا عَنَى اللَّهُ، وَسَمَّاهَا إِسْرَافًا. قَالُوا: وَالْإِقْتَارُ: الْمَنْعُ مِنْ حَقِّ اللَّهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} قَالَ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ لَا يُسْرِفُونَ فَيُنْفِقُونَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا يُقَتِّرُونَ فَيَمْنَعُونَ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: لَوْ أَنْفَقْتَ مِثْلَ أَبِي قَبِيسٍ ذَهَبًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ مَا كَانَ سَرَفًا، وَلَوْ أَنْفَقْتَ صَاعًا فَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ كَانَ سَرَفً. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} قَالَ: فِي النَّفَقَةِ فِيمَا نَهَاهُمْ وَإِنْ كَانَ دِرْهَمًا وَاحِدًا، {وَلَمْ يَقْتُرُوا} وَلَمْ يُقَصِّرُوا عَنِ النَّفَقَةِ فِي الْحَقِّ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} قَالَ: لَمْ يُسْرِفُوا فَيُنْفِقُوا فِي مَعَاصِي اللَّهِ كُلَّ مَا أُنْفِقَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَإِنْ قَلَّ فَهُوَ إِسْرَافٌ، وَلَمْ يَقْتُرُوا فَيُمْسِكُوا عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ. قَالَ: وَمَا أُمْسِكَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَإِنْ كَثُرَ فَهُوَ إِقْتَارٌ. قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَشِيطٍ، عَنْ عُمْرَ مَوْلَى غُفْرَةَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْإِسْرَافِ مَا هُوَ؟ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ أَنْفَقْتَهُ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ فَهُوَ سَرَفٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: السَّرَفُ: الْمُجَاوَزَةُ فِي النَّفَقَةِ الْحَدَّ، وَالْإِقْتَارُ: التَّقْصِيرُ عَنِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} قَالَ: لَا يُجِيعُهُمْ وَلَا يُعَرِّيهِمْ وَلَا يُنْفِقُ نَفَقَةً يَقُولُ النَّاسُ قَدْ أَسْرَفَ. حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ خُنَيْسٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ الْمَكِّيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ وُهَيْبَ بْنَ الْوَرْدِ أَبَا الْوَرْدِ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ، قَالَ: لَقِيَ عَالَمٌ عَالِمًا هُوَ فَوْقَهُ فِي الْعِلْمِ، فَقَالَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَخْبَرَنِي عَنْ هَذَا الْبِنَاءِ الَّذِي لَا إِسْرَافَ فِيهِ مَا هُوَ؟ قَالَ: هُوَ مَا سَتَرَكَ مِنَ الشَّمْسِ، وَأَكَنَّكَ مِنَ الْمَطَرِ، قَالَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَأَخْبَرَنِي عَنْ هَذَا الطَّعَامِ الَّذِي نُصِيبُهُ لَا إِسْرَافَ فِيهِ مَا هُوَ؟ قَالَ: مَا سَدَّ الْجُوعَ وَدُونَ الشِّبَعِ، قَالَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَأَخْبَرَنِي عَنْ هَذَا اللِّبَاسِ الَّذِي لَا إِسْرَافَ فِيهِ مَا هُوَ؟ قَالَ: مَا سَتَرَ عَوْرَتَكَ، وَأَدْفَأَكَ مِنَ الْبَرْدِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا}... الْآيَةَ، قَالَ: كَانُوا لَا يَلْبَسُونَ ثَوْبًا لِلْجَمَالِ، وَلَا يَأْكُلُونَ طَعَامًا لِلَذَّةٍ، وَلَكِنْ كَانُوا يُرِيدُونَ مِنَ اللِّبَاسِ مَا يَسْتُرُونَ بِهِ عَوْرَتَهُمْ، وَيَكْتَنُّونَ بِهِ مِنَ الْحَرِّ وَالْقَرِّ، وَيُرِيدُونَ مِنَ الطَّعَامِ مَا سَدَّ عَنْهُمُ الْجُوعَ، وَقَوَّاهُمْ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُرَّةَ الْجُعْفِيِّ. قَالَ: الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْعَمَلِ، وَالْحَسَنَةِ بَيْنَ السَّيِّئَتَيْنِ، يَعْنِي: {إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا}، وَخَيْرُ الْأَعْمَالِ أَوْسَاطُهَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا كَعْبُ بْنُ فَرُّوخٍ، قَالَ: ثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: خَيْرُ هَذِهِ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا، وَالْحَسَنَةُ بَيْنَ السَّيِّئَتَيْنِ. فَقُلْتُ لِقَتَادَةَ: مَا الْحَسَنَةُ بَيْنَ السَّيِّئَتَيْنِ؟ فَقَالَ: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا}... الْآيَةَ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْإِسْرَافُ هُوَ أَنْ تَأْكُلَ مَالَ غَيْرِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا سَالِمُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي مَعْدَانَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، فَقَالَ: لَيْسَ الْمُسْرِفُ مَنْ يَأْكُلُ مَالَهُ، إِنَّمَا الْمُسْرِفُ مَنْ يَأْكُلُ مَالَ غَيْرِهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْإِسْرَافُ فِي النَّفَقَةِ الَّذِي عَنَاهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: مَا جَاوَزَ الْحَدَّ الَّذِي أَبَاحَهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ إِلَى مَا فَوْقَهُ، وَالْإِقْتَارُ: مَا قَصَّرَ عَمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَالْقَوَامُ بَيْنَ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْمُسْرِفَ وَالْمُقَتِّرَ كَذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الْإِسْرَافُ وَالْإِقْتَارُ فِي النَّفَقَةِ مُرَخَّصًا فِيهِمَا مَا كَانَا مَذْمُومَيْنِ، وَلَا كَانَ الْمُسْرِفُ وَلَا الْمُقَتِّرُ مَذْمُومًا، لِأَنَّ مَا أَذِنَ اللَّهُ فِي فِعْلِهِ فَغَيْرُ مُسْتَحَقٍّ فَاعِلُهُ الذَّمَّ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ حَدٍّ مَعْرُوفٍ تُبَيِّنُهُ لَنَا؟ قِيلَ: نَعَمْ ذَلِكَ مَفْهُومٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَلَابِسِ وَالصَّدَقَةِ وَأَعْمَالِ الْبِرِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، نَكْرَهُ تَطْوِيلَ الْكِتَابِ بِذِكْرِ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ ذَلِكَ مُفَصَّلًا غَيْرَ أَنَّ جُمْلَةَ ذَلِكَ هُوَ مَا بَيَّنَّا وَذَلِكَ نَحْوَ أَكْلِ آكِلٍ مِنَ الطَّعَامِ فَوْقَ الشِّبَعِ مَا يُضْعِفُ بَدَنَهُ، وَيُنْهِكُ قُوَاهُ وَيَشْغَلُهُ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ، وَأَدَاءِ فَرَائِضِهِ؛ فَذَلِكَ مِنَ السَّرَفِ، وَأَنْ يَتْرُكَ الْأَكْلَ وَلَهُ إِلَيْهِ سَبِيلٌ حَتَّى يُضْعِفَ ذَلِكَ جِسْمَهُ وَيُنْهِكَ قُوَاهُ وَيُضْعِفَهُ عَنْ أَدَاءِ فَرَائِضِ رَبِّهِ؛ فَذَلِكَ مِنَ الْإِقْتَارِ، وَبَيْنَ ذَلِكَ الْقَوَامُ عَلَى هَذَا النَّحْوِ، كُلُّ مَا جَانَسَ مَا ذَكَرْنَا، فَأَمَّا اتِّخَاذُ الثَّوْبِ لِلْجَمَالِ يَلْبَسُهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِ مَعَ النَّاسِ، وَحُضُورِهِ الْمَحَافِلَ وَالْجُمَعَ وَالْأَعْيَادَ دُونَ ثَوْبِ مِهْنَتِهِ، أَوْ أَكْلِهِ مِنَ الطَّعَامِ مَا قَوَّاهُ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ، مِمَّا ارْتَفَعَ عَمَّا قَدْ يَسُدُّ الْجُوعَ، مِمَّا هُوَ دُونَهُ مِنَ الْأَغْذِيَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُعِينُ الْبَدَنَ عَلَى الْقِيَامِ لِلَّهِ بِالْوَاجِبِ مَعُونَتَهُ، فَذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ مَعْنَى الْإِسْرَافِ، بَلْ ذَلِكَ مِنَ الْقَوَامِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ بِبَعْضِ ذَلِكَ، وَحَضَّ عَلَى بَعْضِهِ، كَقَوْلِهِ: “ «مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوِ اتَّخَذَ ثَوْبَيْنِ: ثَوْبًا لِمِهْنَتِهِ، وَثَوْبًا لِجُمُعَتِهِ وَعِيدِه» “ وَكَقَوْلِهِ: “ «إِذَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً أَحَبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَهَا عَلَيْه» “ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي قَدْ بَيَّنَاهَا فِي مَوَاضِعِهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} فَإِنَّهُ النَّفَقَةُ بِالْعَدْلِ وَالْمَعْرُوفُ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} قَالَ: الشَّطْرُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} النَّفَقَةُ بِالْحَقِّ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} قَالَ: الْقَوَامُ: أَنْ يُنْفِقُوا فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَيُمْسِكُوا عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ. قَالَ: أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَشِيطٍ، عَنْ عُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: مَا الْقَوَامُ؟ قَالَ: الْقَوَامُ: أَنْ لَا تُنْفِقَ فِي غَيْرِ حَقٍّ، وَلَا تُمْسِكَ عَنْ حَقٍّ هُوَ عَلَيْكَ. وَالْقَوَامُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، بِفَتْحِ الْقَافِ، وَهُوَ الشَّيْءُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ. تَقُولُ لِلْمَرْأَةِ الْمُعْتَدِلَةِ الْخُلُقِ: إِنَّهَا لَحَسَنَةُ الْقَوَامِ فِي اعْتِدَالِهَا، كَمَا قَالَ الْحُطَيْئَةُ: طَـافَتْ أُمَامَـةُ بالرُّكْبَـانِ آوِنَـةً *** يـا حُسْـنَهُ مِـنْ قَـوَامٍ مَـا وَمُنْتَقَبَـا فَأَمَّا إِذَا كَسَرْتَ الْقَافَ فَقُلْتَ: إِنَّهُ قِوَامُ أَهْلِهِ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ: أَنَّ بِهِ يَقُومُ أَمْرُهُمْ وَشَأْنُهُمْ. وَفِيهِ لُغَاتٌ أُخَرَ، يُقَالُ مِنْهُ: هُوَ قِيَامُ أَهْلِهِ وَقَيِّمُهُمْ فِي مَعْنَى قَوَامِهِمْ. فَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَكَانَ إِنْفَاقُهُمْ بَيْنَ الْإِسْرَافِ وَالْإِقْتَارِ قَوَامًا مُعْتَدِلًا لَا مُجَاوَزَةَ عَنْ حَدِّ اللَّهِ، وَلَا تَقْصِيرًا عَمَّا فَرَضَهُ اللَّهُ، وَلَكِنْ عَدْلًا بَيْنَ ذَلِكَ عَلَى مَا أَبَاحَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَأَذِنَ فِيهِ وَرَخَّصَ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {وَلَمْ يَقْتُرُوا} فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ “ وَلَمْ يُقْتِرُوا “ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ التَّاءِ مِنْ أَقْتَرَ يُقْتِرُ. وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ {وَلَمْ يَقْتُرُوا} بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ التَّاءِ مِنْ قَتَرَ يَقْتُرُ. وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ “ وَلَمْ يَقْتِرُوا “ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ التَّاءِ مِنْ قَتَرَ يَقْتِرُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ، أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ أَلْفَاظِهَا لُغَاتٌ مَشْهُورَاتٌ فِي الْعَرَبِ، وَقِرَاءَاتٌ مُسْتَفِيضَاتٌ، وَفِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَبِأَيَّتِهَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْإِسْرَافِ وَالْإِقْتَارِ بِشَوَاهِدِهِمَا فِيمَا مَضَى فِي كِتَابِنَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَفِي نَصْبِ الْقَوَامِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرْتُ، وَهُوَ: أَنْ يُجْعَلَ فِي كَانَ اسْمُ الْإِنْفَاقِ بِمَعْنَى: وَكَانَ إِنْفَاقُهُمْ مَا أَنْفَقُوا بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا: أَيْ عَدْلًا، وَالْآخَرُ: أَنْ يُجْعَلَ بَيْنَ هُوَ الِاسْمُ، فَتَكُونَ وَإِنْ كَانَتْ فِي اللَّفْظَةِ نَصْبًا فِي مَعْنَى رَفْعٍ، كَمَا يُقَالُ: كَانَ دُونَ هَذَا لَكَ كَافِيًا، يَعْنِي بِهِ: أَقَلُّ مِنْ هَذَا كَانَ لَكَ كَافِيًا، فَكَذَلِكَ يَكُونُ فِي قَوْلِهِ: {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} لِأَنَّ مَعْنَاهُ: وَكَانَ الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ قَوَامًا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ لَا يَعْبُدُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، فَيُشْرِكُونَ فِي عِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَلَكِنَّهُمْ يُخْلِصُونَ لَهُ الْعِبَادَةَ وَيُفْرِدُونَهُ بِالطَّاعَةِ {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ} قَتْلَهَا (إِلَّا بِالْحَقِّ) إِمَّا بِكُفْرٍ بِاللَّهِ بَعْدَ إِسْلَامِهَا، أَوْ زِنًا بَعْدَ إِحْصَانِهَا، أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ، فَتُقْتَلَ بِهَا {وَلَا يَزْنُونَ} فَيَأْتُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ إِتْيَانَهُ مِنَ الْفُرُوجِ (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ) يَقُولُ: وَمَنْ يَأْتِ هَذِهِ الْأَفْعَالَ، فَدَعَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَقَتَلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَزَنَى {يَلْقَ أَثَامًا} يَقُولُ: يَلْقَ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ عُقُوبَةً وَنَكَالًا كَمَا وَصَفَهُ رَبُّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَهُوَ أَنَّهُ {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا}، وَمِنَ الْأَثَامِ قَوْلُ بَلْعَاءَ بْنِ قَيْسٍ الْكِنَانِيِّ: جَـزَى اللَّهُ ابْـنَ عُـرْوَةَ حَيْثُ أَمْسَى *** عُقُوقًـا والعُقُـوقُ لَـهُ أَثَـامُ يَعْنِي بِالْأَثَامِ: الْعِقَابُ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِ قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَرَادُوا الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ، مِمَّنْ كَانَ مِنْهُ فِي شِرْكِهِ هَذِهِ الذُّنُوبُ، فَخَافُوا أَنْ لَا يَنْفَعَهُمْ مَعَ مَا سَلَفَ مِنْهُمْ مَنْ ذَلِكَ إِسْلَامٌ، فَاسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، يُعْلِمُهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَابِلُ تَوْبَةِ مَنْ تَابَ مِنْهُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: ثَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا، فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَا إِلَيْهِ لِحَسَنٌ، لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً، فَنَزَلَتْ {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} وَنَزَلَتْ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ سَوَاءً. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ، وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَأَكُلَ مَعَكَ، وَأَنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ، وَقَرَأَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ}». حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَأَكُلَ مَعَكَ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ “ فَأُنْزِلَ تَصْدِيقُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} “»... الْآيَةَ. حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ قَادِمٍ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَهُ. حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثَنِي عَمِّي يَحْيَى بْنُ عِيسَى، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ؟ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ، قَالَ: ثَنَا عَامِرُ بْنُ مُدْرِكٍ، قَالَ: ثَنَا السَّرِيُّ- يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ- قَالَ: ثَنَا الشَّعْبِيُّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: “ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَاتَّبَعْتُهُ، فَجَلَسَ عَلَى نَشَزٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَقَعَدْتُ أَسْفَلَ مِنْهُ، وَوَجْهِي حِيَالَ رُكْبَتَيْهِ، فَاغْتَنَمْتُ خَلْوَتَهُ وَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذُّنُوبِ أَكْبَرُ؟ قَالَ: “ أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ. قُلْتُ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: “ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ “. قُلْتُ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: “ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ “، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}... إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، قَالَ: ثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، أَوْ حُدِّثْتُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبْزَى أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ الَّتِي فِي النِّسَاءِ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا}... إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، وَالْآيَةِ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} إِلَى {وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ فِي الْإِسْلَامِ وَعَلِمَ شَرَائِعَهُ وَأَمْرَهُ، ثُمَّ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا، فَلَا تَوْبَةَ لَهُ، وَالَّتِي فِي الْفُرْقَانِ لَمَّا أُنْزِلَتْ قَالَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: فَقَدْ عَدَلْنَا بِاللَّهِ، وَقَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ بِغَيْرِ الْحَقِّ، فَمَا يَنْفَعُنَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: فَنَزَلَتْ (إِلَّا مَنْ تَابَ) قَالَ: فَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ قُبِلَ مِنْهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، قَالَ: ثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، أَوْ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: أَمَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى، فَقَالَ: سَلِ ابْنَ عَبَّاسٍ، عَنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، مَا أَمْرُهُمَا؟ عَنِ الْآيَةِ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ} الْآيَةَ، وَالَّتِي فِي النِّسَاءِ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ، قَالَ مُشْرِكُو أَهْلِ مَكَّةَ: قَدْ قَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وَدَعَوْنَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، فَقَالَ: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} الْآيَةَ. فَهَذِهِ لِأُولَئِكَ. وَأَمَّا الَّتِي فِي النِّسَاءِ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}... الْآيَةَ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا عَرَفَ الْإِسْلَامَ، ثُمَّ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا، فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ، فَلَا تَوْبَةَ لَهُ. فَذَكَرْتُهُ لِمُجَاهِدٍ، فَقَالَ: إِلَّا مَنْ نَدِمَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الذِّهْنِيُّ، قَالَ: ثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، قَالَ: ثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، قَالَ لِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى: سَلِ ابْنَ عَبَّاسٍ، عَنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}... إِلَى (مَنْ تَابَ) وَعَنْ قَوْلِهِ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا}... إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: فَسَأَلْتُ عَنْهَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْفُرْقَانِ بِمَكَّةَ إِلَى قَوْلِهِ {وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: فَمَا يُغْنِي عَنَّا الْإِسْلَامُ، وَقَدْ عَدَلْنَا بِاللَّهِ، وَقَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وَأَتَيْنَا الْفَوَاحِشَ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا}... إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: وَأَمَّا مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ وَعَقِلَهُ، ثُمَّ قَتَلَ، فَلَا تَوْبَةَ لَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}... الْآيَةَ، قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: أَمَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى أَنْ أَسْأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} فَذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ عُمَيْرٍ، قَالَ: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى بْنُ شُعَيْبِ بْنِ ثَوْبَانَ، مَوْلًى لِبَنِي الدِّيلِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، عَنْ فُلَيْحٍ الشَّمَّاسِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: “ «صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَتَمَةَ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ فَإِذَا امْرَأَةٌ عِنْدَ بَابِي، ثُمَّ سَلَّمْتُ، فَفَتَحْتُ وَدَخَلْتُ، فَبَيْنَا أَنَا فِي مَسْجِدِي أُصَلِّي، إِذْ نَقَرَتِ الْبَابَ، فَأَذِنْتُ لَهَا، فَدَخَلَتْ فَقَالَتْ: إِنِّي جِئْتُكَ أَسْأَلُكَ عَنْ عَمَلٍ عَمِلْتُ، هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَتْ: إِنِّي زَنَيْتُ وَوَلَدْتُ، فَقَتَلْتُهُ، فَقُلْتُ: وَلَا لَا نِعْمَتِ الْعَيْنُ وَلَا كَرَامَةَ، فَقَامَتْ وَهِيَ تَدْعُو بِالْحَسْرَةِ تَقُولُ: يَا حَسْرَتَاهُ، أَخُلِقَ هَذَا الْحُسْنُ لِلنَّارِ؟ قَالَ: ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، ثُمَّ جَلَسْنَا نَنْتَظِرُ الْإِذْنَ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَنَا، فَدَخَلْنَا، ثُمَّ خَرَجَ مَنْ كَانَ مَعِي، وَتَخَلَّفْتُ، فَقَالَ: مَا لَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَلَكَ حَاجَةٌ؟ فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّيْتُ مَعَكَ الْبَارِحَةَ ثُمَّ انْصَرَفْتُ. وَقَصَصْتُ عَلَيْهِ مَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا قُلْتَ لَهَا؟ قَالَ: قُلْتُ لَهَا: لَا وَاللَّهِ، وَلَا نِعْمَتِ الْعَيْنُ وَلَا كَرَامَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ بِئْسَ مَا قُلْتَ، أَمَا كُنْتَ تَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}... الْآيَةَ {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَخَرَجْتُ، فَلَمْ أَتْرُكْ بِالْمَدِينَةِ حِصْنًا وَلَا دَارًا إِلَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: إِنْ تَكُنْ فِيكُمُ الْمَرْأَةُ الَّتِي جَاءَتْ أَبَا هُرَيْرَةَ اللَّيْلَةَ، فَلْتَأْتِنِي وَلْتُبَشَّرْ؛ فَلَمَّا صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ، فَإِذَا هِيَ عِنْدَ بَابِي، فَقُلْتُ: أَبْشِرِي، فَإِنِّي دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ، فَذَكَرَتْ لَهُ مَا قُلْتِ لِي، وَمَا قُلْتُ لَكِ، فَقَالَ: وَبِئْسَ مَا قُلْتَ لَهَا، أَمَا كُنْتَ تَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ؟ فَقَرَأْتُهَا عَلَيْهَا، فَخَرَّتْ سَاجِدَةً، فَقَالَتِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ مَخْرَجًا وَتَوْبَةً مِمَّا عَمِلْتُ، إِنَّ هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا حُرَّانِ لِوَجْهِ اللَّهِ، وَإِنِّي قَدْ تُبْتُ مِمَّا عَمِلْت» “. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، قَالَ: اخْتَلَفْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَمَا شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ، وَرَسُولِي يَخْتَلِفُ إِلَى عَائِشَة، فَمَا سَمِعْتُهُ وَلَا سَمِعْتُ أَحَدًا مِنَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِذَنْبٍ: لَا أَغْفِرُهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِالَّتِي فِي النِّسَاءِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَرَّانِيُّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِيهِ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَهُوَ يَسْأَلُهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي فِي تَبَارَكَ الْفُرْقَانِ، وَالَّتِي فِي النِّسَاءِ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: قَدْ عَرَفْتُ النَّاسِخَةَ مِنَ الْمَنْسُوخَةِ، نَسَخَتْهَا الَّتِي فِي النِّسَاءِ بَعْدَهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ: هَذِهِ السُّورَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النِّسَاءِ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} ثَمَانِ حِجَجٍ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بِزَّةَ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ: هَلْ لِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا تَوْبَةٌ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَرَأَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ كُلَّهَا، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قَرَأْتُهَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا قَرَأْتَهَا عَلَيَّ، فَقَالَ: هَذِهِ مَكِّيَّةٌ، نَسَخَتْهَا آيَةٌ مَدَنِيَّةٌ، الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى الْبَيَانِ عَنِ الصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي الْأَثَامِ مِنَ الْقَوْلِ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: ذَلِكَ عِقَابٌ يُعَاقِبُ اللَّهُ بِهِ مَنْ أَتَى هَذِهِ الْكَبَائِرَ بِوَادٍ فِي جَهَنَّمَ يُدْعَى أَثَامًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَزْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: الْأَثَامُ: وَادٍ فِي جَهَنَّمَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {يَلْقَ أَثَامًا} قَالَ: وَادِيًا فِي جَهَنَّمَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} قَالَ: وَادِيًا فِي جَهَنَّمَ فِيهِ الزُّنَاةُ. حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: ثَنَا شَرْقِيُّ بْنُ قَطَامِيٍّ، عَنْ لُقْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: جِئْتُ أَبَا أُمَامَةَ صُدَيَّ بْنَ عَجْلَانَ الْبَاهِلِيَّ، فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَدَعَا لِي بِطَعَامٍ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ «لَوْ أَنَّ صَخْرَةً زِنَةَ عَشْرِ عَشْرَوَاتٍ قُذِفَ بِهَا مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ مَا بَلَغَتْ قَعْرَهَا خَمْسِينَ خَرِيفًا، ثُمَّ تَنْتَهِي إِلَى غَيٍّ وَأَثَامٍ “. قُلْتُ: وَمَا غَيٌّ وَأَثَامٌ؟ قَالَ: بِئْرَانِ فِي أَسْفَلِ جَهَنَّمَ يَسِيلُ فِيهِمَا صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ، وَهُمَا اللَّذَانِ ذَكَرَ اللَّهَ فِي كِتَابِهِ {أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} وَقَوْلُهُ فِي الْفُرْقَانِ {وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} ». حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {يَلْقَ أَثَامًا} قَالَ: الْأَثَامُ الشَّرُّ، وَقَالَ: سَيَكْفِيكَ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ: {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا}. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {يَلْقَ أَثَامًا} قَالَ: نَكَالًا قَالَ: وَقَالَ: إِنَّهُ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ هُشَيْمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ يَقُولُ: إِنَّ مَا بَيْنَ شَفِيرِ جَهَنَّمَ إِلَى قَعْرِهَا مَسِيرَةَ سَبْعِينَ خَرِيفًا بِحَجَرٍ يَهْوِي فِيهَا أَوْ بِصَخْرَةٍ تَهْوِي، عِظَمُهَا كَعَشْرِ عُشَرَاوَاتٍ سِمَانٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: فَهَلْ تَحْتَ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ: نَعِمَ غَيٌّ وَأَثَامٌ. قَوْلُهُ: {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَتِهِ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ سِوَى عَاصِمٍ (يُضَاعَفْ) جَزْمًا (وَيَخْلُدْ) جَزْمًا. وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ: (يُضَاعَفُ) رَفْعًا (وَيَخْلُدُ) رَفْعًا كِلَاهُمَا عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَأَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَهُ قَدْ تَنَاهَى عِنْدَ {يَلْقَ أَثَامًا} ثُمَّ ابْتَدَأَ قَوْلَهُ: {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ}. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ عِنْدَنَا فِيهِ: جَزْمُ الْحَرْفَيْنِ كِلَيْهِمَا: يُضَاعَفْ، وَيَخْلُدْ، وَذَلِكَ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْأَثَامِ لَا فِعْلَ لَهُ، وَلَوْ كَانَ فِعْلًا لَهُ كَانَ الْوَجْهُ فِيهِ الرَّفْعُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: مَتَـى تأْتِـهِ تَعْشُـو إلـى ضَـوْءِ نَارِهِ *** تَجِـدْ خَـيْرَ نَـارٍ عِنْدَهَـا خَـيْرُ مُوقِدِ فَرَفَعَ تَعْشُو، لِأَنَّهُ فِعْلٌ لِقَوْلِهِ تَأْتِهِ، مَعْنَاهُ: مَتَى تَأْتِهِ عَاشِيًا. وَقَوْلُهُ {وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} وَيَبْقَى فِيهِ إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ فِي هَوَانٍ. وَقَوْلُهُ: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ يَفْعَلُ هَذِهِ الْأَفْعَالَ الَّتِي ذَكَرَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ يَلْقَ أَثَامًا (إِلَّا مَنْ تَابَ) يَقُولُ: إِلَّا مَنْ رَاجَعَ طَاعَةَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِتَرْكِهِ ذَلِكَ، وَإِنَابَتِهِ إِلَى مَا يَرْضَاهُ اللَّهُ (وَآمَنَ) يَقُولُ: وَصَدَّقَ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ نَبِيُّ اللَّهِ {وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} يَقُولُ: وَعَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَانْتَهَى عَمَّا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ}. اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ بِقَبَائِحِ أَعْمَالِهِمْ فِي الشِّرْكِ، مَحَاسِنَ الْأَعْمَالِ فِي الْإِسْلَامِ، فَيُبَدِّلُهُ بِالشِّرْكِ إِيمَانًا، وَبِقِيلِ أَهْلِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ قِيلَ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ، وَبِالزِّنَا عِفَّةً وَإِحْصَانًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} قَالَ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ كَانُوا قَبْلَ إِيمَانِهِمْ عَلَى السَّيِّئَاتِ، فَرَغِبَ اللَّهُ بِهِمْ عَنْ ذَلِكَ، فَحَوَّلَهُمْ إِلَى الْحَسَنَاتِ، وَأَبْدَلَهُمْ مَكَانَ السَّيِّئَاتِ حَسَنَاتٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا}... إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: هُمُ الَّذِينَ يَتُوبُونَ فَيَعْمَلُونَ بِالطَّاعَةِ، فَيُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ حِينَ يَتُوبُونَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: نَزَلَتْ {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}... إِلَى آخِرِ الْآيَةِ فِي وَحْشِيٍّ وَأَصْحَابِهِ، قَالُوا: كَيْفَ لَنَا بِالتَّوْبَةِ، وَقَدْ عَبَدْنَا الْأَوْثَانَ، وَقَتَلْنَا الْمُؤْمِنِينَ، وَنَكَحْنَا الْمُشْرِكَاتِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} فَأَبْدَلَهُمُ اللَّهُ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ عِبَادَةَ اللَّهِ، وَأَبْدَلَهُمْ بِقِتَالِهِمْ مَعَ الْمُشْرِكِينَ قِتَالًا مَعَ الْمُسْلِمِينَ لِلْمُشْرِكِينَ، وَأَبْدَلَهُمْ بِنِكَاحِ الْمُشْرِكَاتِ نِكَاحَ الْمُؤْمِنَاتِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} قَالَ: بِالشِّرْكِ إِيمَانًا، وَبِالْقَتْلِ إِمْسَاكًا، وَالزِّنَا إِحْصَانًا. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} وَهَذِهِ الْآيَةُ مَكِّيَّةٌ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ) يَعْنِي: الشِّرْكَ، وَالْقَتْلَ، وَالزِّنَا جَمِيعًا. لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ أَنَّ مَنْ أَشْرَكَ وَقَتَلَ وَزَنَى فَلَهُ النَّارُ، وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ (إِلَّا مَنْ تَابَ) مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} يَقُولُ: يُبَدِّلُ اللَّهُ مَكَانَ الشِّرْكِ وَالْقَتْلِ وَالزِّنَا: الْإِيمَانَ بِاللَّهِ، وَالدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ، وَهُوَ التَّبْدِيلُ فِي الدُّنْيَا. وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} يَعْنِيهِمْ بِذَلِكَ {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} يَعْنِي مَا كَانَ فِي الشِّرْكِ، يَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ: {أَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ}، يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَهَاتَانِ الْآيَتَانِ مَكِّيَّتَانِ وَالَّتِي فِي النِّسَاءِ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا}... الْآيَةَ، هَذِهِ مَدَنِيَّةٌ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي نَزَلَتْ فِي الْفُرْقَانِ ثَمَانِ سِنِينَ، وَهِيَ مُبْهَمَةٌ لَيْسَ مِنْهَا مَخْرَجٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو تَمِيلَةَ، قَالَ ثَنَا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} فَقَالَ: بُـدِّلْنَ بَعْـدَ حَـرِّهِ خَرِيفَـا *** وَبَعْـدَ طُـولِ النَّفَسِ الوَجِيفَـا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}... إِلَى قَوْلِهِ: {وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: وَلَا وَاللَّهِ مَا كَانَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ مَعَ مُحَمَّدٍ إِلَّا مَعَنَا، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ} قَالَ: تَابَ مِنَ الشِّرْكِ، قَالَ: وَآمَنَ بِعِقَابِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ {وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} قَالَ: صَدَقَ، {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} قَالَ: يُبَدِّلُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمُ السَّيِّئَةَ الَّتِي كَانَتْ فِي الشِّرْكِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ حِينَ دَخَلُوا فِي الْإِيمَانِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ، فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَاتٍ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَصْرِيُّ، قَالَ: ثَنَا قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ أَبُو أَنَسٍ، قَالَ: ثَنِي صَالِحُ بْنُ رُسْتُمٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} قَالَ: تَصِيرُ سَيِّئَاتُهُمْ حَسَنَاتٍ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ «إِنِّي لَأَعْرِفُ آَخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنَ النَّارِ، وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، قَالَ: يُؤْتَى بِرَجُلٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: نَحُّوا كِبَارَ ذُنُوبِهِ وَسَلُوهُ عَنْ صِغَارِهَا، قَالَ: فَيُقَالُ لَهُ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا، وَعَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لَقَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ مَا أَرَاهَا هَاهُنَا، قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، قَالَ: فَيُقَالُ لَهُ: لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَة» “. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ، تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ: فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ: أَعْمَالَهُمْ فِي الشِّرْكِ حَسَنَاتٍ فِي الْإِسْلَامِ، بِنَقْلِهِمْ عَمَّا يَسْخَطُهُ اللَّهُ مِنَ الْأَعْمَالِ إِلَى مَا يَرْضَى. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، لِأَنَّ الْأَعْمَالَ السَّيِّئَةَ قَدْ كَانَتْ مَضَتْ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْقُبْحِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ تَحْوِيلُ عَيْنٍ قَدْ مَضَتْ بِصِفَةٍ إِلَى خِلَافِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ إِلَّا بِتَغْيِيرِهَا عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ صِفَتِهَا فِي حَالٍ أُخْرَى، فَيَجِبُ إِنْ فُعِلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَنْ يَصِيرَ شِرْكُ الْكَافِرِ الَّذِي كَانَ شِرْكًا فِي الْكُفْرِ بِعَيْنِهِ إِيمَانًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْإِسْلَامِ وَمَعَاصِيهِ كُلُّهَا بِأَعْيَانِهَا طَاعَةً، وَذَلِكَ مَا لَا يَقُولُهُ ذُو حُجَا. وَقَوْلُهُ: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَانَ اللَّهُ ذَا عَفْوٍ عَنْ ذُنُوبِ مَنْ تَابَ مِنْ عِبَادِهِ، وَرَاجَعَ طَاعَتَهُ، وَذَا رَحْمَةٍ بِهِ أَنْ يُعَاقِبَهُ عَلَى ذُنُوبِهِ بَعْدَ تَوْبَتِهِ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (وَمَنْ تَابَ) يَقُولُ: وَمَنْ تَابَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَآمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ (وَعَمِلَ صَالِحًا) يَقُولُ: وَعَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ فَأَطَاعَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ فَاعِلٌ بِهِ مِنْ إِبْدَالِهِ سَيِّئَ أَعْمَالِهِ فِي الشِّرْكِ بِحُسْنِهَا فِي الْإِسْلَامِ، مِثْلَ الَّذِي فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ بِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا قَبِلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} قَالَ: هَذَا لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا لَمَّا أُنْزِلَتْ {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}... إِلَى قَوْلِهِ {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا كَانَ هَؤُلَاءِ إِلَّا مَعَنَا، قَالَ: وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالَحَا فَإِنَّ لَهُمْ مِثْلَ مَا لِهَؤُلَاءِ {فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} لَمْ تُحْظَرِ التَّوْبَةُ عَلَيْكُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}. اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الزُّورِ الَّذِي وَصَفَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ بِأَنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ الشِّرْكُ بِاللَّهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: {لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} قَالَ: الشِّرْكُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُهَاجِرُونَ، قَالَ: وَالزُّورُ قَوْلُهُمْ لِآلِهَتِهِمْ، وَتَعْظِيمُهُمْ إِيَّاهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِهِ الْغِنَاءُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الْمُحَارِبِيُّ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} قَالَ: لَا يَسْمَعُونَ الْغِنَاءَ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ قَوْلُ الْكَذِبِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} قَالَ: الْكَذِبُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَصْلُ الزُّورِ تَحْسِينُ الشَّيْءِ، وَوَصْفُهُ بِخِلَافِ صِفَتِهِ، حَتَّى يُخَيَّلَ إِلَى مَنْ يَسْمَعُهُ أَوْ يَرَاهُ، أَنَّهُ خِلَافَ مَا هُوَ بِهِ، وَالشِّرْكُ قَدْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ مُحَسَّنٌ لِأَهْلِهِ، حَتَّى قَدْ ظَنُّوا أَنَّهُ حَقٌّ، وَهُوَ بَاطِلٌ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْغِنَاءُ، لِأَنَّهُ أَيْضًا مِمَّا يُحَسِّنُهُ تَرْجِيعُ الصَّوْتِ، حَتَّى يَسْتَحْلِيَ سَامِعُهُ سَمَاعَهُ، وَالْكَذِبُ أَيْضًا قَدْ يَدْخُلُ فِيهِ لِتَحْسِينِ صَاحِبِهِ إِيَّاهُ، حَتَّى يَظُنَّ صَاحِبُهُ أَنَّهُ حَقٌّ، فَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يَدْخُلُ فِي مَعْنَى الزُّورِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِهِ أَنْ يُقَالَ: وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ شَيْئًا مِنَ الْبَاطِلِ لَا شِرْكًا، وَلَا غِنَاءً، وَلَا كَذِبًا وَلَا غَيْرَهُ، وَكُلَّ مَا لَزِمَهُ اسْمَ الزُّورِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَمَّ فِي وَصْفِهِ إِيَّاهُمْ أَنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَصَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا، مِنْ خَبَرٍ أَوْ عَقْلٍ. وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى اللَّغْوِ الَّذِي ذُكِرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: مَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيُكَلِّمُونَهُمْ بِهِ مِنَ الْأَذَى. وَمُرُورُهُمْ بِهِ كِرَامًا إِعْرَاضُهُمْ عَنْهُمْ وَصَفْحُهُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} قَالَ: صَفَحُوا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} قَالَ: إِذَا أُوذُوا مَرُّوا كِرَامًا، قَالَ: صَفَحُوا. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: وَإِذَا مَرُّوا بِذِكْرِ النِّكَاحِ، كَفُّوا عَنْهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} قَالَ: إِذَا ذَكَرُوا النِّكَاحَ كَفُّوا عَنْهُ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْأَشْيَبُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} قَالَ: كَانُوا إِذَا أَتَوْا عَلَى ذِكْرِ النِّكَاحِ كَفُّوا عَنْهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِي مَخْزُومٍ، عَنْ سَيَّارٍ {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} إِذَا مَرُّوا بِالرَّفَثِ كَفُّوا. وَقَالَ آخَرُونَ: إِذَا مَرُّوا بِمَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ فِيهِ مِنَ الْبَاطِلِ مَرُّوا مُنْكِرِينَ لَهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُهَاجِرُونَ، وَاللَّغْوُ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْبَاطِلِ، يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ وَقَرَأَ {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ}. وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِاللَّغْوِ هَاهُنَا: الْمَعَاصِي كُلُّهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} قَالَ: اللَّغْوُ كُلُّهُ: الْمَعَاصِي. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي، أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ مَدَحَهُمْ بِأَنَّهُمْ إِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا، وَاللَّغْوُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ كُلُّ كَلَامٍ أَوْ فِعْلٍ بَاطِلٍ لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَلَا أَصْلَ، أَوْ مَا يُسْتَقْبَحُ فَسَبُّ الْإِنْسَانِ الْإِنْسَانَ بِالْبَاطِلِ الَّذِي لَا حَقِيقَةَ لَهُ مِنَ اللَّغْوِ. وَذِكْرُ النِّكَاحِ بِصَرِيحِ اسْمِهِ مِمَّا يُسْتَقْبَحُ فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ، فَهُوَ مِنَ اللَّغْوِ، وَكَذَلِكَ تَعْظِيمُ الْمُشْرِكِينَ آلِهَتَهُمْ مِنَ الْبَاطِلِ الَّذِي لَا حَقِيقَةَ لِمَا عَظَّمُوهُ عَلَى نَحْوِ مَا عَظَّمُوهُ، وَسَمَاعُ الْغِنَاءِ مِمَّا هُوَ مُسْتَقْبَحٌ فِي أَهْلِ الدِّينِ، فَكُلُّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي مَعْنَى اللَّغْوِ، فَلَا وَجْهَ إِذْ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ اسْمُ اللَّغْوِ، أَنْ يُقَالَ: عُنِيَ بِهِ بَعْضُ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لِخُصُوصِ ذَلِكَ دَلَالَةٌ مِنْ خَبَرٍ أَوْ عَقْلٍ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَإِذَا مَرُّوا بِالْبَاطِلِ فَسَمِعُوهُ أَوْ رَأَوْهُ، مَرُّوا كِرَامًا، مُرُورُهُمْ كِرَامًا فِي بَعْضِ ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَسْمَعُوهُ، وَذَلِكَ كَالْغِنَاءِ. وَفِي بَعْضِ ذَلِكَ بِأَنْ يُعْرِضُوا عَنْهُ وَيَصْفَحُوا، وَذَلِكَ إِذَا أُوذُوا بِإِسْمَاعِ الْقَبِيحِ مِنَ الْقَوْلِ، وَفِي بَعْضِهِ بِأَنْ يَنْهَوْا عَنْ ذَلِكَ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَرَوْا مِنَ الْمُنْكَرِ مَا يُغَيَّرُ بِالْقَوْلِ فَيُغَيِّرُوهُ بِالْقَوْلِ. وَفِي بَعْضِهِ بِأَنْ يُضَارِبُوا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُرَوْا قَوْمًا يَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ عَلَى قَوْمٍ، فَيَسْتَصْرِخُهُمُ الْمُرَادُ ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَيُصْرِخُونَهُمْ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُرُورُهُمْ كِرَامًا. وَقَدْ حَدَّثَنِي ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، قَالَ: «مَرَّ ابْنُ مَسْعُودٍ بِلَهْوٍ مُسْرِعًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ إِنْ أَصْبَحَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَكَرِيمًا “.» وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ السُّدِّيَّ يَقُولُ: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} قَالَ: هِيَ مَكِّيَّةٌ، وَإِنَّمَا عَنِيَ السُّدِّيُّ بِقَوْلِهِ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَنَّ اللَّهَ نَسَخَ ذَلِكَ بِأَمْرِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وَأَمَرَهُمْ إِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ الَّذِي هُوَ شِرْكٌ، أَنْ يُقَاتِلُوا أُمَرَاءَهُ، وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ، الَّذِي هُوَ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ أَنْ يُغَيِّرُوهُ، وَلَمْ يَكُونُوا أُمِرُوا بِذَلِكَ بِمَكَّةَ، وَهَذَا الْقَوْلُ نَظِيرُ تَأْوِيلِنَا الَّذِي تَأَوَّلْنَاهُ فِي ذَلِكَ.
الْقَوْلُ ِفِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ إِذَا ذَكَّرَهُمْ مُذَكِّرٌ بِحُجَجِ اللَّهِ، لَمْ يَكُونُوا صُمًّا لَا يَسْمَعُونَ، وَعُمْيًا لَا يُبْصِرُونَهَا وَلَكِنَّهُمْ يِقَاظُ الْقُلُوبِ، فُهَمَاءُ الْعُقُولِ، يَفْهَمُونَ عَنِ اللَّهِ مَا يُذَكِّرُهُمْ بِهِ، وَيَفْهَمُونَ عَنْهُ مَا يُنَبِّهُهُمْ عَلَيْهِ، فَيُوعُونَ مَوَاعِظَهُ آذَانًا سَمِعَتْهُ، وَقُلُوبًا وَعَتْهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} فَلَا يَسْمَعُونَ، وَلَا يُبْصِرُونَ، وَلَا يَفْقَهُونَ حَقًّا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} قَالَ: لَا يَفْقَهُونَ، وَلَا يَسْمَعُونَ، وَلَا يُبْصِرُونَ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: قُلْتُ لِلشَّعْبِيِّ: رَأَيْتُ قَوْمًا قَدْ سَجَدُوا وَلَمْ أَعْلَمْ مَا سَجَدُوا مِنْهُ أَسْجُدُ، قَالَ: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا}. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لَهُمْ، لَمْ يَدَعُوهَا إِلَى غَيْرِهَا، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}... الْآيَةَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ {لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} أوَ يَخِرُّ الْكَافِرُونَ صُمًّا وَعُمْيَانًا إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ، فَيُنْفَى عَنْ هَؤُلَاءِ مَا هُوَ صِفَةٌ لِلْكُفَّارِ؟ قِيلَ: نَعَمْ، الْكَافِرُ إِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِ آيَاتُ اللَّهِ خَرَّ عَلَيْهَا أَصَمَّ وَأَعْمَى، وَخُرُّهُ عَلَيْهَا كَذَلِكَ: إِقَامَتُهُ عَلَى الْكُفْرِ، وَذَلِكَ نَظِيرَ قَوْلِ الْعَرَبِ: سَبَبْتُ فُلَانًا، فَقَامَ يَبْكِي، بِمَعْنَى فَظَلَّ يَبْكِي، وَلَا قِيَامَ هُنَالِكَ، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ بَكَى قَاعِدًا، وَكَمَا يُقَالُ: نَهَيْتُ فُلَانًا عَنْ كَذَا، فَقَعَدَ يَشْتُمُنِي: وَمَعْنَى ذَلِكَ: فَجَعْلَ يَشْتُمُنِي، وَظَلَّ يَشْتُمُنِي، وَلَا قُعُودَ هُنَالِكَ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ قَدْ جَرَى عَلَى أَلْسُنِ الْعَرَبِ، حَتَّى قَدْ فَهِمُوا مَعْنَاهُ. وَذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّهُ سَمِعَ الْعَرَبَ تَقُولُ: قَعَدَ يَشْتُمُنِي، كَقَوْلِكَ: قَامَ يَشْتُمُنِي، وَأَقْبَلَ يَشْتُمُنِي؛ قَالَ: وَأَنْشَدَ بَعْضُ بَنِي عَامِرٍ: لَا يُقْنِـعُ الجَارِيَـةَ الخِضَـابُ *** وَلَا الْوِشَـاحَانِ وَلَا الجِلْبَـابُ مـنْ دُونِ أَنْ تَلْتَقِـي الْأَرْكَـابُ *** وَيَقْعُـدَ الْأَيْـرُ لَـهُ لُعَـابُ بِمَعْنَى: يَصِيرُ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} إِنَّمَا مَعْنَاهُ: لَمْ يَصُمُّوا عَنْهَا، وَلَا عَمُوا عَنْهَا، وَلَمْ يَصِيرُوا عَلَى بَابِ رَبِّهِمْ صُمًّا وَعُمْيَانًا، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ: وَيَقْعُدُ الْهَنُ لَهُ لُعَابُ بِمَعْنَى: وَيَصِيرُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ يَرْغَبُونَ إِلَى اللَّهِ فِي دُعَائِهِمْ وَمَسْأَلَتِهِمْ بِأَنْ يَقُولُوا: رَبُّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا مَا تَقَرُّ بِهِ أَعْيُنُنَا مِنْ أَنْ تُرِينَاهُمْ يَعْمَلُونَ بِطَاعَتِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} يَعْنُونَ: مَنْ يَعْمَلُ لَكَ بِالطَّاعَةِ فَتَقَرَّ بِهِمْ أَعْيُنُنَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَ: ثَنَا حَزْمٌ، قَالَ: سَمِعْتُ كَثِيرًا سَأَلَ الْحَسَنَ، قَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، قَوْلُ اللَّهِ: {هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؟ قَالَ: لَا بَلْ فِي الدُّنْيَا، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: الْمُؤْمِنُ يَرَى زَوْجَتَهُ وَوَلَدَهُ يُطِيعُونَ اللَّهَ. حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثَنَا سَالِمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: ثَنَا حَزْمٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ فَذِكْرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَرَأَ حَضْرَمِيٌّ {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} قَالَ: وَإِنَّمَا قُرَّةُ أَعْيُنِهِمْ أَنْ يَرَوْهُمْ يَعْمَلُونَ بِطَاعَةِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِيمَا قَرَأْنَا عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: {هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} قَالَ: يَعْبُدُونَكَ فَيُحْسِنُونَ عِبَادَتَكَ، وَلَا يَجُرُّونَ الْجَرَائِرَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} قَالَ: يَعْبُدُونَكَ يُحْسِنُونَ عِبَادَتَكَ، وَلَا يَجُرُّونَ عَلَيْنَا الْجَرَائِرَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} قَالَ: يَسْأَلُونَ اللَّهَ لِأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَلَسْنَا إِلَى الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ، فَقَالَ: لَقَدْ بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَشَدِّ حَالَةٍ بُعِثَ عَلَيْهَا نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِي فَتْرَةٍ وَجَاهِلِيَّةٍ، مَا يَرَوْنَ دِينًا أَفْضَلَ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، فَجَاءَ بِفُرْقَانٍ فَرَّقَ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ، حَتَّى إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لِيَرَى وَلَدَهُ وَوَالِدَهُ وَأَخَاهُ كَافِرًا، وَقَدْ فَتَحَ اللَّهُ قِفْلَ قَلْبِهِ بِالْإِسْلَامِ، فَيَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، فَلَا تَقَرُّ عَيْنُهُ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ حَبِيبَهُ فِي النَّارِ، وَإِنَّهَا لَلَّتِي قَالَ اللَّهُ: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ}... الْآيَةَ. حَدَّثَنِي ابْنُ عَوْفٍ، قَالَ: ثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْعَسْقَلَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمِقْدَادِ، نَحْوَهُ. وَقِيلَ: هَبْ لَنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ، وَقَدْ ذَكَرَ الْأَزْوَاجَ وَالذُّرِّيَّاتِ وَهُمْ جَمْعٌ، وَقَوْلُهُ: {قُرَّةَ أَعْيُنٍ} وَاحِدَةٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ: "قُرَّةَ أَعْيُن" مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: قَرَّتْ عَيْنُكَ قُرَّةً، وَالْمَصْدَرُ لَا تَكَادُ الْعَرَبُ تَجْمَعُهُ. وَقَوْلُهُ: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: اجْعَلْنَا أَئِمَّةً يَقْتَدِي بِنَا مَنْ بَعْدَنَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ وَاصِلٍ، قَالَ: ثَنِي عَوْنُ بْنُ سَلَّامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} يَقُولُ: أَئِمَّةً يُقْتَدَى بِنَا. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} أَئِمَّةَ التَّقْوَى وَلِأَهْلِهِ يُقْتَدَى بِنَا. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَمَا قَالَ لِإِبْرَاهِيمَ: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا: نَأْتَمُّ بِهِمْ، وَيَأْتَمُّ بِنَا مَنْ بَعْدَنَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} أَئِمَّةً نَقْتَدِي بِمَنْ قَبْلَنَا، وَنَكُونُ أَئِمَّةً لِمَنْ بَعْدَنَا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} قَالَ: اجْعَلْنَا مُؤْتَمِّينَ بِهِمْ، مُقْتَدِينَ بِهِمْ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يَتَّقُونَ مَعَاصِيَكَ، وَيَخَافُونَ عِقَابَكَ إِمَامًا يَأْتَمُّونَ بِنَا فِي الْخَيْرَاتِ، لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا سَأَلُوا رَبَّهُمْ أَنْ يَجْعَلَهُمْ لِلْمُتَّقِينَ أَئِمَّةً وَلَمْ يَسْأَلُوهُ أَنْ يَجْعَلَ الْمُتَّقِينَ لَهُمْ إِمَامًا، وَقَالَ: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} وَلَمْ يَقِلْ أَئِمَّةً. وَقَدْ قَالُوا: وَاجْعَلْنَا وَهُمْ جَمَاعَةٌ، لِأَنَّ الْإِمَامَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَمَّ فُلَانٌ فُلَانًا إِمَامًا، كَمَا يُقَالُ: قَامَ فُلَانٌ قِيَامًا وَصَامَ يَوْمَ كَذَا صِيَامًا. وَمَنْ جَمَعَ الْإِمَامَ أَئِمَّةً، جَعَلَ الْإِمَامَ اسْمًا، كَمَا يُقَالُ: أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ إِمَامٌ، وَأَئِمَّةٌ لِلنَّاسِ. فَمَنْ وَحَّدَ قَالَ: يَأْتَمُّ بِهِمُ النَّاسُ. وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قُلْنَاهُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ نَحْوِيِّي أَهْلِ الْكُوفَةِ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: الْإِمَامُ فِي قَوْلِهِ: {لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} جَمَاعَةٌ، كَمَا تَقُولُ: كُلُّهُمْ عُدُولٌ. قَالَ: وَيَكُونُ عَلَى الْحِكَايَةِ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ: إِذَا قِيلَ لَهُ: مَنْ أَمِيرُكُمْ، هَؤُلَاءِ أَمِيرُنَا، وَاسْتُشْهِدَ لِذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ: يـا عَـاذِلَاتِي لَا تُـرِدْنَ مَلَامَتِـي *** إِنَّ الْعَـوَاذِلَ لَسْـنَ لِـي بِـأَمِيرِ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْتُ صِفَتَهُمْ مِنْ عِبَادِي، وَذَلِكَ مِنَ ابْتِدَاءِ قَوْلِهِ: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا}... إِلَى قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا}... الْآيَةَ (يُجْزَوْنَ) يَقُولُ: يُثَابُونَ عَلَى أَفْعَالِهِمْ هَذِهِ الَّتِي فَعَلُوهَا فِي الدُّنْيَا (الْغُرْفَةَ) وَهِيَ مَنْزِلَةٌ مِنْ مَنَازِلِ الْجَنَّةِ رَفِيعَةٌ (بِمَا صَبَرُوا) يَقُولُ: بِصَبْرِهِمْ عَلَى هَذِهِ الْأَفْعَالِ، وَمُقَاسَاةِ شِدَّتِهَا. وَقَوْلُهُ: {وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا} اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَتِهِ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ (وَيُلَقَّوْنَ) مَضْمُومَةَ الْيَاءِ، مُشَدَّدَةَ الْقَافِ، بِمَعْنَى: وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ فِيهَا بِالتَّحِيَّةِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: “ وَيَلْقَوْنَ “ بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَتَخْفِيفِ الْقَافِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قَرَأَةِ الْأَمْصَارِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، غَيْرَ أَنَّ أَعْجَبَ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا “ وَيَلْقَوْنَ فِيهَا “ بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَتَخْفِيفِ الْقَافِ. لِأَنَّ الْعَرَبَ إِذَا قَالَتْ ذَلِكَ بِالتَّشْدِيدِ، قَالَتْ: فُلَانٌ يُتَلَّقَّى بِالسَّلَامِ وَبِالْخَيْرِ وَنَحْنُ نَتَلَقَّاهُمْ بِالسَّلَامِ، قَرَنْتَهُ بِالْيَاءِ وَقَلَّمَا تَقُولُ: فُلَانٌ يُلَقَّى السَّلَامَ، فَكَانَ وَجْهُ الْكَلَامِ لَوْ كَانَ بِالتَّشْدِيدِ، أَنْ يُقَالَ: ويُتَلَقَّوْنَ فِيهَا بِالتَّحِيَّةِ وَالسَّلَامِ. وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقِرَاءَةَ بِذَلِكَ، كَمَا تُجِيزُ أَخَذْتُ بِالْخِطَامِ، وَأَخَذْتُ الْخِطَامَ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى التَّحِيَّةِ وَالسَّلَامِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أُولَئِكَ يَجْزُونَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا، خَالِدِينَ فِي الْغُرْفَةِ، يَعْنِي أَنَّهُمْ مَاكِثُونَ فِيهَا، لَابِثُونَ إِلَى غَيْرِ أَمَدٍ، حَسُنَتْ تِلْكَ الْغُرْفَةُ قَرَارًا لَهُمْ وَمُقَامًا. يَقُولُ: وَإِقَامَةً. وَقَوْلُهُ: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أُرْسِلْتَ إِلَيْهِمْ: أَيُّ شَيْءٍ يَعُدُّكُمْ، وَأَيُّ شَيْءٍ يَصْنَعُ بِكُمْ رَبِّي؟ يُقَالُ مِنْهُ: عَبَأْتُ بِهِ أَعْبَأُ عَبْئًا، وَعَبَّأْتُ الطِّيبَ أَعَبْؤُهُ: إِذَا هَيَّأْتَهُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: كَـأَنَّ بِنَحْـرِهِ وَبِمَنْكِبَيْـهِ *** عَبِـيرًا بَـاتَ يَعْبَـؤُهُ عَـرُوسُ يَقُولُ: يُهَيِّئُهُ وَيَعْمَلُهُ يَعْبَؤُهُ عَبًّا وَعُبُوءًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: عَبَّأْتُ الْجَيْشَ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ فَأَنَا أُعَبِّئُهُ: أُهَيِّئُهُ وَالْعِبْءُ: الثِّقَلُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي} يَصْنَعُ {لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ}. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي} قَالَ: يَعْبَأُ: يَفْعَلُ. وَقَوْلُهُ: {لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} يَقُولُ: لَوْلَا عِبَادَةُ مَنْ يَعْبُدُهُ مِنْكُمْ، وَطَاعَةُ مَنْ يُطِيعُهُ مِنْكُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} يَقُولُ: لَوْلَا إِيمَانُكُمْ، وَأَخْبَرَ اللَّهُ الْكُفَّارَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ بِهِمْ إِذْ لَمْ يَخْلُقْهُمْ مُؤْمِنِينَ، وَلَوْ كَانَ لَهُ بِهِمْ حَاجَةً لَحَبَّبَ إِلَيْهِمُ الْإِيمَانَ كَمَا حَبَّبَهُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} قَالَ: لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ إِيَّاهُ لِتَعْبُدُوهُ وَتُطِيعُوهُ. وَقَوْلُهُ: {فَقَدْ كَذَّبْتُمْ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ قَوْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقَدْ كَذَّبْتُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ وَخَالَفْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمُ الَّذِي أَمَرَ بِالتَّمَسُّكِ بِهِ لَوْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ، كَانَ يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي، فَسَوْفَ يَكُونُ تَكْذِيبُكُمْ رَسُولَ رَبِّكُمْ، وَخِلَافُكُمْ أَمْرَ بَارِئِكُمْ، عَذَابًا لَكُمْ مُلَازِمًا، قَتْلًا بِالسُّيُوفِ وَهَلَاكًا لَكُمْ مُفْنِيًا يَلْحَقُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، كَمَا قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ الهُذَلِيُّ: فَفَاجَـأَهُ بِعادِيَـةٍ لِـزَامٍ *** كمَـا يَتَفَجَّـرُ الحَـوْضُ اللَّقِيـفُ يَعْنِي بِاللِّزَامِ: الْكَبِيرَ الَّذِي يَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَبِاللَّقِيفِ: الْمُتَسَاقِطَ الْحِجَارَةِ الْمُتَهَدِّمَ، فَفَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهِمْ، وَصَدَقَهُمْ وَعْدَهُ، وَقَتَلَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَيْدِي أَوْلِيَائِهِ، وَأَلْحَقَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، فَكَانَ ذَلِكَ الْعَذَابَ اللِّزَامَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَوْلًى لِشَقِيقِ بْنِ ثَوْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَلْمَانَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ: فَقَدْ كَذَّبَ الْكَافِرُونَ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَدْهَمَ السَّدُوسِيُّ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بْنَ عَمَّارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ هَذَا الْحَرْفَ: فَقَدْ كَذَّبَ الْكَافِرُونَ {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا}. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} يَقُولُ: كَذَّبَ الْكَافِرُونَ أَعْدَاءُ اللَّهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ لِزَامًا يَوْمَ بَدْرٍ. حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ. قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ: الدُّخَانُ، وَاللِّزَامُ، وَالْبَطْشَةُ، وَالْقَمَرُ، وَالرُّومُ. حَدَّثَنِي الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: هُوَ الْقَتْلُ يَوْمَ بَدْرٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: اللِّزَامُ: يَوْمُ بَدْرٍ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} قَالَ: هُوَ يَوْمُ بَدْرٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} قَالَ: يَوْمُ بَدْرٍ. حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: اللِّزَامُ، الْقَتْلُ يَوْمَ بَدْرٍ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} الْكُفَّارُ كَذَّبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا، وَهُوَ يَوْمُ بَدْرٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَدْ مَضَى اللِّزَامُ، كَانَ اللِّزَامُ يَوْمَ بَدْرٍ، أَسَرُوا سَبْعِينَ، وَقَتَلُوا سَبْعِينَ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى اللِّزَامِ: الْقِتَالُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} قَالَ: فَسَوْفَ يَكُونُ قِتَالًا، اللِّزَامُ: الْقِتَالُ. وَقَالَ آخَرُونَ: اللِّزَامُ: الْمَوْتُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} قَالَ: مَوْتًا. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَسَوْفَ يَكُونُ جَزَاءً يَلْزَمُ كُلَّ عَامِلٍ مَا عَمِلَ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ. وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّوَابَ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ. وَلِلنَّصْبِ فِي اللِّزَامِ وَجْهٌ آخَرُ غَيْرَ الَّذِي قُلْنَاهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي قَوْلِهِ (يَكُونُ) مَجْهُولٌ، ثُمَّ يُنْصَبُّ اللِّزَامُ عَلَى الْخَبَرِ كَمَا قِيلَ: إِذَا كَانَ طَعْنًا بَيْنَهُمْ وَقِتَالًا وَقَدْ كَانَ بَعْضُ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِأَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ، وَهَذَا قَوْلٌ لَا مَعْنَى لِلتَّشَاغُلِ بِهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. آخَرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفُرْقَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ.
|