الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ}. اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي قَوْلِهِ: (ق)، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَقْسَمَ بِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: (ق) وَ(ن) وَأَشْبَاهِ هَذَا، فَإِنَّهُ قَسَمٌ أَقْسَمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ (ق) قَالَ: اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ. وَقَالَ آخَرُونَ: (ق) اسْمُ الْجَبَلِ الْمُحِيطِ بِالْأَرْضِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُنَا فِي تَأْوِيلِ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ الَّتِي فِي أَوَائِلِ سُوَرِ الْقُرْآنِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَوْلُهُ {وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} يَقُولُ: وَالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ. كَمَا حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} قَالَ: الْكَرِيمُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَوْضِعِ جَوَابِ هَذَا الْقَسَمِ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} قَسَمٌ عَلَى قَوْلِهِ {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ} وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي أَهْلِ الْكُوفَةِ: فِيهَا الْمَعْنَى الَّذِي أَقْسَمَ بِهِ، وَقَالَ: ذَكَرَ أَنَّهَا قَضَى وَاللَّهِ، وَقَالَ: يُقَالُ: إِنْ“ قَافَ“ جَبَلٌ مُحِيطٌ بِالْأَرْضِ، فَإِنْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَكَأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ: أَيْ هُوَ“ قَافُ“ وَاللَّهِ؛ قَالَ: وَكَانَ يَنْبَغِي لِرَفْعِهِ أَنْ يَظْهَرَ لِأَنَّهُ اسْمٌ وَلَيْسَ بِهِجَاءٍ؛ قَالَ: وَلَعَلَّ الْقَافَ وَحْدَهَا ذُكِرَتْ مِنَ اسْمِهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: قُلْتُ لَهَا قِفِي لَنَا قَالَتْ قَافْ *** ذُكِرَتِ الْقَافُ إِرَادَةَ الْقَافِ مِنَ الْوَقْفِ: أَيْ إِنِّي وَاقِفَةٌ. وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي عِنْدَنَا أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ، لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِي أَجْوِبَةِ الْأَيْمَانِ قَدْ، وَإِنَّمَا تُجَابُ الْأَيْمَانُ إِذَا أُجِيبَتْ بِأَحَدِ الْحُرُوفِ الْأَرْبَعَةِ: اللَّامِ، وَإِنَّ، وَمَا، وَلَا أَوْ بِتَرْكِ جَوَابِهَا فَيَكُونُ سَاقِطًا. وَقَوْلُهُ {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَذَّبَكَ يَا مُحَمَّدُ مُشْرِكُو قَوْمِكَ أَنْ لَا يَكُونُوا عَالِمِينَ بِأَنَّكَ صَادِقٌ مُحِقٌّ، وَلَكِنَّهُمْ كَذَّبُوكَ تَعَجُّبًا مِنْ أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ يُنْذِرُهُمْ عِقَابَ اللَّهِ مِنْهُمْ، يَعْنِي بَشَرًا مِنْهُمْ مَنْ بَنِي آدَمَ، وَلَمْ يَأْتِهِمْ مَلَكٌ بِرِسَالَةٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَقَوْلُهُ {فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَقَالَ الْمُكَذِّبُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ قُرَيْشٍ إِذْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ {هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ}: أَيْ مَجِيءُ رَجُلٍ مِنَّا مِنْ بَنِي آدَمَ بِرِسَالَةِ اللَّهِ إِلَيْنَا، (هَلَّا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ}. يَقُولُ الْقَائِلُ: لَمْ يَجْرِ لِلْبَعْثِ ذِكْرٌ، فَيُخْبِرُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ بِكُفْرِهِمْ مَا دَعَوْا إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، فَمَا وَجْهُ الْخَبَرِ عَنْهُمْ بِإِنْكَارِهِمْ مَا لَمْ يَدْعُوا إِلَيْهِ، وَجَوَابِهِمْ عَمَّا لَمْ يَسْأَلُوا عَنْهُ. قِيلَ: قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي ذَلِكَ، فَنَذْكُرُ مَا قَالُوا فِي ذَلِكَ، ثُمَّ نُتْبِعُهُ الْبَيَانَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَقَالَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ قَالَ {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ}، لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ رَاجِعٌ، وَذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى جَوَابٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ: إِنَّكُمْ تَرْجِعُونَ، فَقَالُوا {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ قَوْلُهُ: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا} كَلَامٌ لَمْ يَظْهَرْ قَبْلَهُ، مَا يَكُونُ هَذَا جَوَابًا لَهُ، وَلَكِنْ مَعْنَاهُ مُضْمَرٌ، إِنَّمَا كَانَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} لَتُبْعَثُنَّ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَقَالُوا: أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا بُعِثْنَا؟ جَحَدُوا الْبَعْثَ، ثُمَّ قَالُوا {ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} جَحَدُوهُ أَصْلًا قَوْلُهُ (بَعِيدٌ) كَمَا تَقُولُ لِلرَّجُلِ يُخْطِئُ فِي الْمَسْأَلَةِ، لَقَدْ ذَهَبْتَ مَذْهَبًا بَعِيدًا مِنَ الصَّوَابِ: أَيْ أَخْطَأْتَ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، أَنَّ فِي هَذَا الْكَلَامِ مَتْرُوكًا اسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ مِنْ ذِكْرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ دَلَّ بِخَبَرِهِ عَنْ تَكْذِيبِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ ابْتَدَأَ هَذِهِ السُّورَةَ بِالْخَبَرِ عَنْ تَكْذِيبِهِمْ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} عَلَى وَعِيدِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: إِذْ قَالُوا مُنْكِرِينَ رِسَالَةَ اللَّهِ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} سَتَعْلَمُونَ أَيُّهَا الْقَوْمُ إِذَا أَنْتُمْ بُعِثْتُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا يَكُونُ حَالُكُمْ فِي تَكْذِيبِكُمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْكَارِكُمْ نُبُوَّتَهُ، فَقَالُوا مُجِيبِينَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا} نَعْلَمُ ذَلِكَ، وَنَرَى مَا تَعِدُنَا عَلَى تَكْذِيبِكَ {ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ}: أَيْ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ كَائِنٍ، وَلَسْنَا رَاجِعِينَ أَحْيَاءً بَعْدَ مَمَاتِنَا، فَاسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} فَقَالَ الْكَافِرُونَ {هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} مِنْ ذِكْرِ مَا ذَكَرْتَ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ وَعِيدِهِمْ. وَفِيمَا حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} قَالُوا: كَيْفَ يُحْيِينَا اللَّهُ، وَقَدْ صِرْنَا عِظَامًا وَرُفَاتًا، وَضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ، دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا الْبَعْثَ إِذَا تُوُعِّدُوا بِهِ. وَقَوْلُهُ {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَأْكُلُ الْأَرْضُ مِنْ أَجْسَامِهِمْ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ، وَعِنْدَنَا كِتَابٌ بِمَا تَأْكُلُ الْأَرْضُ وَتُفْنِي مِنْ أَجْسَامِهِمْ، وَلَهُمْ كِتَابٌ مَكْتُوبٌ مَعَ عِلْمِنَا بِذَلِكَ، حَافِظٌ لِذَلِكَ كُلِّهِ، وَسَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى حَفِيظًا، لِأَنَّهُ لَا يَدْرُسُ مَا كُتِبَ فِيهِ، وَلَا يَتَغَيَّرُ وَلَا يَتَبَدَّلُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ} يَقُولُ: مَا تَأْكُلُ الْأَرْضُ مِنْ لُحُومِهِمْ وَأَبْشَارِهِمْ وَعِظَامِهِمْ وَأَشْعَارِهِمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ {مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ} قَالَ: مِنْ عِظَامِهِمْ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ} يَقُولُ: مَا تَأْكُلُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ} قَالَ: يَعْنِي الْمَوْتَ، يَقُولُ: مَنْ يَمُوتُ مِنْهُمْ، أَوْ قَالَ: مَا تَأْكُلُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ إِذَا مَاتُوا. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ، قَالَ اللَّهُ {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ} يَقُولُ: مَا أَكَلَتِ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَنَحْنُ عَالِمُونَ بِهِ، وَهُمْ عِنْدِي مَعَ عِلْمِي فِيهِمْ فِي كِتَابٍ حَفِيظٍ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا أَصَابَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الْقَائِلُونَ {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} فِي قَيلِهِمْ هَذَا {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ}، وَهُوَ الْقُرْآنُ {لَمَّا جَاءَهُمْ} مِنَ اللَّهِ. كَالَّذِي حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} أَيْ كَذَّبُوا بِالْقُرْآنِ {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} يَقُولُ: فَهُمْ فِي أَمْرٍ مُخْتَلِطٍ عَلَيْهِمْ مُلْتَبِسٍ، لَا يَعْرِفُونَ حَقَّهُ مِنْ بَاطِلِهِ، يُقَالُ قَدْ مَرَجَ أَمْرُ النَّاسِ إِذَا اخْتَلَطَ وَأُهْمِلَ. وَقَدِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَارِبَاتِ الْمَعَانِي، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهَا: فَهُمْ فِي أَمْرٍ مُنْكِرٍ؛ وَقَالَ: الْمَرِيجُ: هُوَ الشَّيْءُ الْمُنْكَرُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خِدَاشٍ، قَالَ: ثَنِي سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ حَبِيبٍ الْآمِدِيِّ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ {أَمْرٍ مَرِيجٍ} قَالَ: الْمَرِيجُ: الشَّيْءُ الْمُنْكَرُ؛ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: فَجَالَتْ وَالْتَمَسَتْ بِهِ حَشَاهَا *** فَخَرَّ كَأنَّهُ خُوطٌ مَرِيجُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: فِي أَمْرِ مُخْتَلِفٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} فِي قَوْلٍ: مُخْتَلِفٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: فِي أَمْرِ ضَلَالَةٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} قَالَ: هُمْ فِي أَمْرِ ضَلَالَةٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: فِي أَمْرٍ مُلْتَبِسٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} قَالَ: مُلْتَبِسٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ {أَمْرٍ مَرِيجٍ} قَالَ: مُلْتَبِسٍ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} مُلْتَبِسٍ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: وَالْتَبَسَ عَلَيْهِ دِينُهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ الْمُخْتَلِطُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} قَالَ: الْمَرِيجُ: الْمُخْتَلِطُ. وَإِنَّمَا قُلْتُ: هَذِهِ الْعِبَارَاتِ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهَا فَهِيَ فِي الْمَعْنَى مُتَقَارِبَاتٌ، لِأَنَّ الشَّيْءَ مُخْتَلِفٌ مُلْتَبِسٌ، مَعْنَاهُ مُشْكِلٌ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مُنْكِرًا، لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ وَاضِحٌ بَيَّنٌ، وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مَعْرُوفٍ كَانَ لَا شَكَّ ضَلَالَةً، لِأَنَّ الْهُدَى بَيَّنٌ لَا لَبْسَ فِيهِ. وَقَوْلُهُ {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَفَلَمْ يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ الْمُنْكِرُونَ قُدْرَتَنَا عَلَى إِحْيَائِهِمْ بَعْدَ بَلَائِهِمْ {إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا} فَسَوَّيْنَاهَا سَقْفًا مَحْفُوظًا، وَزَيَّنَّاهَا بِالنُّجُومِ {وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} يَعْنِي: وَمَا لَهَا مِنْ صُدُوعٍ وَفُتُوقٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ {مِنْ فُرُوجٍ} قَالَ: شَقٌّ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} قُلْتُ لَهُ، يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ: الْفُرُوجُ: الشَّيْءُ الْمُتَبَرِّئُ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ، قَالَ: نَعَمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ}. وَقَوْلُهُ {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا} يَقُولُ: وَالْأَرْضُ بَسَطْنَاهَا {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ} يَقُولُ: وَجَعَلْنَا فِيهَا جِبَالًا ثَوَابِتَ، رَسَتْ فِي الْأَرْضِ، {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَنْبَتْنَا فِي الْأَرْضِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ نَبَاتٍ حَسَنٍ، وَهُوَ الْبَهِيجُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ (بَهِيجٍ) يَقُولُ: حَسَنٌ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ} وَالرَّوَاسِي: الْجِبَالُ {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}: أَيْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ حَسَنٍ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ زَيْدٍ (الْبَهِيجُ): هُوَ الْحَسَنُ الْمَنْظَرِ؟ قَالَ نَعَمْ. وَقَوْلُهُ (تَبْصِرَةً) يَقُولُ: فَعَلْنَا ذَلِكَ تَبْصِرَةً لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ نُبَصِّرُكُمْ بِهَا قُدْرَةَ رَبِّكُمْ عَلَى مَا يَشَاءُ، {وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} يَقُولُ: وَتَذْكِيرًا مِنَ اللَّهِ عَظْمَتَهُ وَسُلْطَانَهُ، وَتَنْبِيهًا عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ {لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} يَقُولُ: لِكُلِّ عَبْدٍ رَجَعَ إِلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ (تَبْصِرَةً) نِعْمَةً مِنَ اللَّهِ يُبَصِّرُهَا الْعِبَادَ {وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ}: أَيْ بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {تَبْصِرَةً وَذِكْرَى} قَالَ: تَبْصِرَةٌ مِنَ اللَّهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ (تَبْصِرَةً) قَالَ: بَصِيرَةٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ {لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} قَالَا: مُجِيبٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنَزَلَّنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ {وَنَزَلَّنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} مَطَرًا مُبَارَكًا، فَأَنْبَتْنَا بِهِ بَسَاتِينَ أَشْجَارًا، وَحَبَّ الزَّرْعِ الْمَحْصُودِ مِنَ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ، وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْحُبُوبِ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} هَذَا الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ. حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} قَالَ: هُوَ الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} قَالَ: الْحِنْطَةُ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} الْحَبُّ هُوَ الْحَصِيدُ، وَهُوَ مِمَّا أُضِيفَ إِلَى نَفْسِهِ مِثْلَ قَوْلِهِ {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ}. وَقَوْلُهُ {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} يَقُولُ: وَأَنْبَتْنَا بِالْمَاءِ الَّذِي أَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ النَّخْلَ طِوَالًا وَالْبَاسِقُ: هُوَ الطَّوِيلُ يُقَالُ لِلْجَبَلِ الطَّوِيلِ: جَبْلٌ بَاسِقٌ، كَمَا قَالَ أَبُو نَوْفَلٍ لِابْنِ هُبَيْرَةَ: يَا ابْنَ الَّذِينَ بِفَضْلِهِمْ *** بَسَقَتْ عَلَى قَيْسٍ فَزَارَهْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {بَاسِقَاتٍ} يَقُولُ: طِوَالٌ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} قَالَ: النَّخْلُ الطِّوَالُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ إَسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ فِي قَوْلِهِ {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} قَالَ: بُسُوقُهَا: طُولُهَا فِي إِقَامَةٍ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} الْبَاسِقَاتُ: الطِّوَالُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ (بَاسِقَاتٍ) قَالَ: الطِّوَالُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} قَالَ: بُسُوقُهَا طُولُهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} قَالَ: يَعْنِي طُولَهَا. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} قَالَ: الْبُسُوقُ: الطُّولُ. وَقَوْلُهُ {لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} يَقُولُ: لِهَذَا النَّخْلِ الْبَاسِقَاتِ طَلْعٌ وَهُوَ الْكُفُرَّى، نَضِيدٌ: يَقُولُ: مَنْضُودٌ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ مُتَرَاكِبٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} قَالَ: يَقُولُ: بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ،: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ (نَضِيدٌ) قَالَ: الْمُنَضَّدُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} يَقُولُ: بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} يَنْضِدُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ. وَقَوْلُهُ {رِزْقًا لِلْعِبَادِ} يَقُولُ: أَنْبَتْنَا بِهَذَا الْمَاءِ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ هَذِهِ الْجَنَّاتِ، وَالْحَبَّ وَالنَّخْلَ قُوتًا لِلْعِبَادِ، بَعْضَهَا غِذَاءً، وَبَعْضَهَا فَاكِهَةً وَمَتَاعًا. وَقَوْلُهُ {وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَأَحْيَيْنَا بِهَذَا الْمَاءِ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ بَلْدَةً مَيْتًا قَدْ أَجْدَبَتْ وَقَحَطَتْ، فَلَا زَرْعَ فِيهَا وَلَا نَبْتَ. وَقَوْلُهُ {كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَمَا أَنْبَتْنَا بِهَذَا الْمَاءِ هَذِهِ الْأَرْضَ الْمَيْتَةَ، فَأَحْيَيْنَاهَا بِهِ، فَأَخْرَجْنَا نَبَاتَهَا وَزَرْعَهَا، كَذَلِكَ نُخْرِجُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحْيَاءً مِنْ قُبُورِكُمْ مِنْ بَعْدِ بَلَائِكُمْ فِيهَا بِمَا يَنْزِلُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ (كَذَّبَتْ) قَبْلَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَذَّبُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْمِهِ {قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ} وَقَدْ مَضَى ذِكْرُنَا قَبْلُ أَمْرَ أَصْحَابِ الرَّسِّ، وَأَنَّهُمْ قَوْمٌ رَسُّوا نَبِيَّهُمْ فِي بِئْرٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بِذَلِكَ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {أَصْحَابُ الرَّسِّ} وَالرَّسُّ: بِئْرٌ قُتِلَ فِيهَا صَاحِبُ“ يس“. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ (أَصْحَابُ الرَّسِّ) قَالَ: بِئْرٌ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ أَصْحَابَ الْأَيْكَةِ، “ وَالْأَيْكَةُ: الشَّجَرُ الْمُلْتَفَُّ “، وَأَصْحَابُ الرَّسِّ كَانَتَا أُمَّتَيْنِ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ نَبِيًّا وَاحِدًا شُعَيْبًا، وَعَذَّبَهُمَا اللَّهُ بِعَذَابَيْنِ {وَثَمُودُ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ} وَهْمُ قَوْمُ شُعَيْبٍ، وَقَدْ مَضَى خَبَرَهُمْ قَبْلُ {وَقَوْمُ تُبَّعٍ}. وَكَانَ قَوْمُ تُبَّعٍ أَهْلُ أَوْثَانٍ يَعْبُدُونَهَا، فِيمَا حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنُ إِسْحَاقَ. وَكَانَ مِنْ خَبَرِهِ وَخَبَرِ قَوْمِهِ، مَا حَدَّثَنَا بِهِ مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُدَيْرٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ، عَنْ تُبَّعٍ مَا كَانَ؟ فَقَالَ: إِنَّ تُبَّعًا كَانَ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ، وَإِنَّهُ ظَهَرَ عَلَى النَّاسِ، فَاخْتَارَ فِتْيَةً مِنَ الْأَخْيَارِ فَاسْتَبْطَنَهُمْ وَاسْتَدْخَلَهُمْ، حَتَّى أَخَذَ مِنْهُمْ وَبَايَعَهُمْ، وَإِنَّ قَوْمَهُ اسْتَكْبَرُوا ذَلِكَ وَقَالُوا: قَدْ تَرَكَ دِينَكُمْ، وَبَايَعَ الْفِتْيَةَ؛ فَلَمَّا فَشَا ذَلِكَ، قَالَ لِلْفِتْيَةِ، فَقَالَ الْفِتْيَةُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ النَّارُ تَحْرِقُ الْكَاذِبَ، وَيَنْجُو مِنْهَا الصَّادِقُ، فَفَعَلُوا، فَعَلَّقَ الْفِتْيَةُ مَصَاحِفَهُمْ فِي أَعْنَاقِهِمْ، ثُمَّ غَدَوْا إِلَى النَّارِ، فَلَمَّا ذَهَبُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا، سَفَعَتِ النَّارُ فِي وُجُوهِهِمْ، فَنَكَصُوا عَنْهَا، فَقَالَ لَهُمْ تُبَّعٌ: لَتَدْخُلُنَّهَا؛ فَلَمَّا دَخَلُوهَا أَفْرَجَتْ عَنْهُمْ حَتَّى قَطَعُوهَا، وَأَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ ادْخُلُوهَا؛ فَلَمَّا ذَهَبُوا يَدْخُلُونَهَا سَفَعَتِ النَّارُ وُجُوهَهُمْ، فَنَكَصُوا عَنْهَا، فَقَالَ لَهُمْ تُبَّعٌ: لَتَدْخُلُنَّهَا، فَلَمَّا دَخَلُوهَا أَفْرَجَتْ عَنْهُمْ، حَتَّى إِذَا تَوَسَّطُوا أَحَاطَتْ بِهِمْ، فَأَحْرَقَتْهُمْ، فَأَسْلَمَ تُبَّعٌ، وَكَانَ تُبَّعٌ رَجُلًا صَالِحًا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْقُرَظِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ“ أَنَّ تُبَّعًا لَمَّا دَنَا مِنْ الْيَمَنِ لِيَدْخُلَهَا، حَالَتْ حِمْيَرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَقَالُوا لَا تَدْخُلْهَا عَلَيْنَا، وَقَدْ فَارَقْتَ دِينَنَا فَدَعَاهُمْ إِلَى دِينِهِ، وَقَالَ: إِنَّهُ دِينٌ خَيْرٌ مِنْ دِينِكُمْ، قَالُوا: فَحَاكِمْنَا إِلَى النَّارِ، قَالَ نَعَمْ، قَالَ: وَكَانَتْ فِي الْيَمَنِ فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْيَمَنِ نَارٌ تَحْكُمُ فِيمَا بَيْنَهُمْ فِيمَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، تَأْكُلُ الظَّالِمَ وَلَا تَضُرُّ الْمَظْلُومَ، فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ لِتُبَّعٍ، قَالَ: أَنْصَفْتُمْ، فَخَرَجَ قَوْمُهُ بِأَوْثَانِهِمْ، وَمَا يَتَقَرَّبُونَ بِهِ فِي دِينِهِمْ قَالَ: وَخَرَجَ الْحَبْرَانِ بِمَصَاحِفِهِمَا فِي أَعْنَاقِهِمَا مُتَقَلَّدِيْهِمَا، حَتَّى قَعَدُوا لِلنَّارِ عِنْدَ مَخْرَجِهَا الَّتِي تَخْرُجُ مِنْهُ، فَخَرَجَتِ النَّارُ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَقْبَلَتْ نَحْوَهُمْ حَادُوا عَنْهَا وَهَابُوهَا، فَرَمَوْهُمْ مَنْ حَضَرَهُمْ مِنَ النَّاسِ، وَأَمَرُوهُمْ بِالصَّبْرِ لَهَا، فَصَبَرُوا حَتَّى غَشِيَتْهُمْ فَأَكَلَتِ الْأَوْثَانَ وَمَا قَرَّبُوا مَعَهَا، وَمِنْ حَمَلَ ذَلِكَ مِنْ رِجَالِ حِمْيَرَ وَخَرْجَ الْحِبْرَانُ بِمَصَاحِفِهِمَا فِي أَعْنَاقِهِمَا، تَعْرَقُ جِبَاهُهُمَا لَمْ تَضُرُّهُمَا، فَأَطْبَقَتْ حِمْيَرُ، عِنْدَ ذَلِكَ عَلَى دِينِهِ، فَمِنْ هُنَالِكَ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَانَ أَصْلُ الْيَهُودِيَّةِ بِالْيَمَنِ “. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّ الْحَبْرَيْنِ، وَمَنْ خَرَجَ مَعَهُمَا مِنْ حِمْيَرَ، إِنَّمَا اتَّبَعُوا النَّارَ لِيَرُدُّوهَا، وَقَالُوا: مَنْ رَدَّهَا فَهُوَ أَوْلَى بِالْحَقِّ فَدَنَا مِنْهُمْ رِجَالٌ مِنْ حَمْيَرَ بِأَوْثَانِهِمْ لِيَرَدُّوهَا، فَدَنَتْ مِنْهُمْ لِتَأْكُلَهُمْ، فَحَادُوا فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا رَدَّهَا، وَدَنَا مِنْهَا الْحِبْرَانِ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَعَلَا يَتْلُوَانِ التَّوْرَاةَ، وَتَنْكِصُ حَتَّى رَدَّاهَا إِلَى مَخْرَجِهَا الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ، فَأَطْبَقَتْ عِنْدَ ذَلِكَ عَلَى دِينِهِمَا، وَكَانَ رِئَامُ بَيْتًا لَهُمْ يُعَظِّمُونَهُ، وَيَنْحَرُونَ عِنْدَهُ، وَيُكَلِّمُونَ مِنْهُ، إِذْ كَانُوا عَلَى شِرْكِهِمْ، فَقَالَ الْحَبْرَانِ لِتُبَّعٍ إِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ يُعِينُهُمْ وَيَلْعَبُ بِهِمْ، فَخَلِّ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، قَالَ: فَشَأْنُكُمَا بِهِ فَاسْتَخْرَجَا مِنْهُ فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْيَمَنِ كَلْبًا أَسْوَدَ، فَذَبَحَاهُ، ثُمَّ هَدَمَا ذَلِكَ الْبَيْتَ، فَبَقَايَاهُ الْيَوْمَ بِالْيَمَنِ كَمَا ذُكِرَ لِيَ “. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ جَابِرٍ الْخَضْرَمِيِّ، حَدَّثَهُ قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: “ «لَا تَلْعَنُوا تُبَّعًا فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَم»“. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ أَنْ شُعَيْبَ بْنَ زُرْعَةَ الْمُعَافِرِيَّ، حَدَّثَهُ، قَالَ: سَمِعَتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنَّ حِمْيَرَ تَزْعُمُ أَنَّ تُبَّعًا مِنْهُمْ، فَقَالَ: نَعَمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، وَإِنَّهُ فِي الْعَرَبِ كَالْأَنْفِ بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ. وَقَدْ كَانَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ مَلِكًا. وَقَوْلُهُ {كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كُلُّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ كَذَّبُوا رُسُلَ اللَّهِ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ {فَحَقَ وَعِيدِ} يَقُولُ: فَوَجَبَ لَهُمْ الْوَعِيدُ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ، وَحَلَّ بِهِمُ الْعَذَابُ وَالنِّقْمَةُ. وَإِنَّمَا وَصَفَ رَبُّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَا وَصَفَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ إِحْلَالِهِ عُقُوبَتَهُ بِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ الرُّسُلَ تَرْهِيبًا مِنْهُ بِذَلِكَ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ وَإِعْلَامًا مِنْهُ لَهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يُنِيبُوا مِنْ تَكْذِيبِهِمْ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ مُحَلٌّ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ، مِثْلَ الَّذِي أَحَلَّ بِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ {فَحَقَّ وَعِيدِ} قَالَ: مَا أَهْلَكُوا بِهِ تَخْوِيفًا لِهَؤُلَاءِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}. وَهَذَا تَقْرِيعٌ مِنَ اللَّهِ لِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ الَّذِينَ قَالُوا: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} يَقُولُ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَفَعَيِينَا بِابْتِدَاعِ الْخَلْقِ الْأَوَّلِ الَّذِي خَلَقْنَاهُ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْئًا فَنَعْيَا بِإِعَادَتِهِمْ خَلْقًا جَدِيدًا بَعْدَ بَلَائِهِمْ فِي التُّرَابِ، وَبَعْدَ فَنَائِهِمْ؛ يَقُولُ: لَيْسَ يُعْيِينَا ذَلِكَ، بَلْ نَحْنُ عَلَيْهِ قَادِرُونَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ} يَقُولُ: لَمْ يُعْيِنَا الْخَلْقُ الْأَوَّلُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ} يَقُولُ: أَفَعَيِيَ عَلَيْنَا حِينَ أَنْشَأْنَاكُمْ خَلْقًا جَدِيدًا، فَتَمْتَرُوا بِالْبَعْثِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ} قَالَ: إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ. وَقَوْلُهُ {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا يَشُكُّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الْمُكَذِّبُونَ بِالْبَعْثِ أَنَا لَمْ نَعْيَ بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ، وَلَكِنَّهُمْ فِي شَكٍّ مِنْ قُدْرَتِنَا عَلَى أَنْ نَخْلُقَهُمْ خَلْقًا جَدِيدًا بَعْدَ فَنَائِهِمْ، وَبَلَائِهِمْ فِي قُبُوُرِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} يَقُولُ: فِي شَكٍّ مِنَ الْبَعْثِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ} قَالَ: الْكُفَّارُ {مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} قَالَ: أَنْ يُخْلَقُوا مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ}: أَيْ شَكٍّ وَالْخَلْقُ الْجَدِيدُ: الْبَعْثُ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَصَارَ النَّاسُ فِيهِ رَجُلَيْنِ: مُكَذِّبٌ، وَمُصَدِّقٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} قَالَ: الْبَعْثُ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ. وَقَوْلُهُ {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُحَدِّثُ بِهِ نَفْسُهُ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْنَا سَرَائِرُهُ وَضَمَائِرُ قَلْبِهِ {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} يَقُولُ: وَنَحْنُ أَقْرَبُ لِلْإِنْسَانِ مِنْ حَبْلِ الْعَاتِقِ؛ وَالْوَرِيدُ: عِرْقٌ بَيْنَ الْحُلْقُومِ وَالْعِلْبَاوَيْنِ، وَالْحَبْلُ: هُوَ الْوَرِيدُ، فَأُضِيفَ إِلَى نَفْسِهِ لِاخْتِلَافِ لِفْظِ اسْمَيْهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} يَقُولُ: عِرْقُ الْعُنُقِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {حَبْلُ الْوَرِيدِ} قَالَ: الَّذِي يَكُونُ فِي الْحَلْقِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: نَحْنُ أَمْلَكُ بِهِ، وَأَقْرَبُ إِلَيْهِ فِي الْمَقْدِرَةِ عَلَيْهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} بِالْعِلْمِ بِمَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَى الْإِنْسَانِ مِنْ وَرِيدِ حَلْقِهِ، حِينَ يَتَلَقَّى الْمَلَكَانِ، وَهُمَا الْمُتَلَقِّيَانِ {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} وَقِيلَ: عَنَى بِالْقَعِيدِ: الرَّصْدَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ (قَعِيدٌ) قَالَ: رَصَدٌ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ تَوْحِيدِ قَعِيدٍ، وَقَدْ ذُكِرَ مِنْ قَبْلُ مُتَلَقِّيَانِ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: قِيلَ: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} وَلَمْ يَقُلْ: عَنْ الْيَمِينِ قَعِيدٌ، وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ، أَيْ أَحَّدَهُمَا، ثُمَّ اسْتَغْنَى، كَمَا قَالَ: {نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} ثُمَّ اسْتَغْنَى بِالْوَاحِدِ عَنْ الْجَمْعِ، كَمَا قَالَ: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا}. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ (قَعِيدٌ) يُرِيدُ: قُعُودًا عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ، فَجَعَلَ فَعِيلَ جَمْعًا، كَمَا يَجْعَلُ الرَّسُولَ لِلْقَوْمِ وَلِلِاثْنَيْنِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} لِمُوسَى وَأَخِيهِ، وَقَالَ الشَّاعِرُ: أَلِكْنِي إِلَيْهَا وَخَيْرُ الرَّسُو *** لِ أعْلَمُهُمْ بِنَوَاحِي الْخَبَرْ فَجَعَلَ الرَّسُولَ لِلْجَمْعِ، فَهَذَا وَجْهٌ وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ الْقَعِيدَ وَاحِدًا اكْتِفَاءً بِهِ مِنْ صَاحِبِهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأنْتَ بِمَا *** عِنْدَكَ رَاضٍ وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفٌ وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ: إِنِّي ضَمِنْتُ لِمَنْ أَتَانِي مَا جَنَى *** وَأَبَى فَكَانَ وَكُنْتُ غَيْرَ غَدُورٍ وَلَمْ يَقُلْ: غَدُورَيْنِ. وَقَوْلُهُ {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا يَلْفِظُ الْإِنْسَانُ مِنْ قَوْلٍ فَيَتَكَلَّمُ بِهِ، إِلَّا عِنْدَمَا يَلْفِظُ بِهِ مِنْ قَوْلٍ رَقِيبٌ عَتِيدٌ، يَعْنِي حَافِظًا يَحْفَظُهُ، عَتِيدٌ مُعَدٌّ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} قَالَ: عَنْ الْيَمِينِ الَّذِي يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ، وَعَنْ الشِّمَالِ الَّذِي يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، فِي قَوْلِهِ {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} قَالَ: صَاحِبُ الْيَمِينِ أَمِيرٌ أَوْ أَمِينٌ عَلَى صَاحِبِ الشِّمَالِ، فَإِذَا عَمِلَ الْعَبْدُ سَيِّئَةً قَالَ صَاحِبُ الْيَمِينِ لِصَاحِبِ الشِّمَالِ: أَمْسَكَ لَعَلَّهُ يَتُوبُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} قَالَ مَلِكٌ عَنْ يَمِينِهِ، وَآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَمَّا الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ فَيَكْتُبُ الْخَيْرَ، وَأَمَّا الَّذِي عَنْ شِمَالِهِ فَيَكْتُبُ الشَّرَّ. قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: مَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ مَلِكَانِ: مَلَكٌ عَنْ يَمِينِهِ، وَمَلِكٌ عَنْ يَسَارِهِ؛ قَالَ: فَأَمَّا الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ، فَيَكْتُبُ الْخَيْرَ، وَأَمَّا الَّذِي عَنْ يَسَارِهِ فَيَكْتُبُ الشَّرَّ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمَ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ}... إِلَى (عَتِيدٌ) قَالَ: جَعَلَ اللَّهُ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَافِظَيْنِ فِي اللَّيْلِ، وَحَافِظَيْنِ فِي النَّهَارِ، يَحْفَظَانِ عَلَيْهِ عَمَلَهُ، وَيَكْتُبَانِ أَثَرَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ}، حَتَّى بَلَغَ (عَتِيدٌ) قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ} أَيْ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا كُتِبَ عَلَيْهِ. وَكَانَ عِكْرِمَةُ يَقُولُ: إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ يَكْتُبَانِ عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: تَلَا الْحَسَنُ {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} قَالَ: فَقَالَ: يَا ابْنَ آدَمَ بُسِطَتْ لَكَ صَحِيفَةٌ، وَوُكِّلَ بِكَ مَلَكَانِ كَرِيمَانِ، أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِكَ، وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِكَ؛ فَأَمَّا الَّذِي عَنْ يَمِينِكَ فَيَحْفَظُ حَسَنَاتِكَ؛ وَأَمَّا الَّذِي عَنْ شِمَالِكَ فَيَحْفَظُ سَيِّئَاتِكَ، فَاعْمَلْ بِمَا شِئْتَ أَقَلِلْ أَوْ أَكْثِرْ، حَتَّى إِذَا مِتَّ طُوِيَتْ صَحِيفَتُكَ، فَجُعِلَتْ فِي عُنُقِكَ مَعَكَ فِي قَبْرِكَ، حَتَّى تَخْرُجَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ {وَكُلُّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ}... حَتَّى بَلَغَ (حَسِيبًا) عَدَلَ وَاللَّهِ عَلَيْكَ مَنْ جَعْلِكَ حَسِيبَ نَفْسِكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} قَالَ: كَاتِبُ الْحَسَنَاتِ عَنْ يَمِينِهِ، وَكَاتِبُ السَّيِّئَاتِ عَنْ شِمَالِهِ. قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ كَاتِبَ الْحَسَنَاتِ أَمِيرٌ عَلَى كَاتِبِ السَّيِّئَاتِ، فَإِذَا أَذْنَبَ قَالَ لَهُ. لَا تَعْجَلْ لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} قَالَ: جَعَلَ مَعَهُ مَنْ يَكْتُبُ كُلَّ مَا لَفَظَ بِهِ، وَهُوَ مَعَهُ رَقِيبٌ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ هِشَامِ الْحِمْصِيِّ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا عَمِلَ سَيِّئَةً قَالَ كَاتِبُ الْيَمِينِ لِصَاحِبِ الشِّمَالِ: اكْتُبْ، فَيَقُولُ: لَا بَلْ أَنْتَ اكْتُبْ، فَيَمْتَنِعَانِ، فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا صَاحِبَ الشِّمَالِ اكْتُبْ مَا تَرَكَ صَاحِبُ الْيَمِينِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ}. وَفِي قَوْلِهِ {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} وَجْهَانِ مِنَ التَّأْوِيلِ، أَحَدُهُمَا: وَجَاءَتْسَكْرَةُ الْمَوْتِوَهِيَ شِدَّتُهُ وَغَلَبَتُهُ عَلَى فَهْمِ الْإِنْسَانِ، كَالسَّكْرَةِ مِنَ النَّوْمِ أَوْ الشَّرَابِ بِالْحَقِّ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ، فَتَبَيَّنَه الْإِنْسَان حَتَّى تثْبِتَه وَعَرَفَه. وَالثَّانِي: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِحَقِيقَةِ الْمَوْتِ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْحَقِّ بِالْمَوْتِ}. ذِكْرُ الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْضِي، قَالَتْ عَائِشَة رضِيَ اللَّهُ عَنْهَا هَذَا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ *** فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا تَقُولِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ}. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَلِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ اللَّهِ بِالْمَوْتِ، فَيَكُونُ الْحَقُّ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ السَّكْرَةُ هِيَ الْمَوْتُ أُضِيفَتْ إِلَى نَفْسِهَا، كَمَا قِيلَ: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ}. وَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَجَاءَتْ السَّكْرَةُ الْحَقُّ بِالْمَوْتِ. وَقَوْلُهُ {ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} يَقُولُ: هَذِهِ السَّكْرَةُ الَّتِي جَاءَتْكَ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ بِالْحَقِّ هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي كُنْتَ تَهْرَبُ مِنْهُ، وَعَنْهُ تَرُوغُ. وَقَوْلُهُ {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ} قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُنَا عَنْ مَعْنَى الصُّورِ، وَكَيْفَ النَّفْخُ فِيهِ بِذِكْرِ اخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ. وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ عِنْدَنَا فِيهِ بِالصَّوَابِ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَوْلُهُ {ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ} يَقُولُ: هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي يَنْفَخُ فِيهِ هُوَ يَوْمُ الْوَعِيدِ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ الْكَفَّارَ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ فِيهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَاءَتْ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ كُلُّ نَفْسٍ رَبَّهَا، مَعَهَا سَائِقٌ يَسُوقُهَا إِلَى اللَّهِ، وَشَهِيدٌ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِمَا عَمِلَتْ فِي الدُّنْيَا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ رَافِعٍ مَوْلًى لِثَقِيفٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَخْطُبُ، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} قَالَ: سَائِقٌ يَسُوقُهَا إِلَى اللَّهِ، وَشَاهِدٌ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِمَا عَمِلَتْ. قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي عِيسَى، قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَخْطُبُ، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} قَالَ: السَّائِقُ يَسُوقُهَا إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، وَالشَّهِيدِ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِمَا عَمِلَتْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} قَالَ: السَّائِقُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَالشَّهِيدُ: شَاهِدٌ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مِهْرَانَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} سَائِقٌ يَسُوقُهَا إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، وَشَاهِدٌ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِمَا عَمِلَتْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} سَائِقٌ يَسُوقُهَا إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، وَشَاهِدٌ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِمَا عَمِلَتْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ {سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} قَالَ: الْمَلَكَانِ: كَاتِبٌ، وَشَهِيدٌ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} قَالَ: سَائِقٌ يَسُوقُهَا إِلَى رَبِّهَا، وَشَاهِدٌ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِعَمَلِهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو هِلَالٍ، قَالَ: ثَنَا قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} قَالَ: سَائِقٌ يَسُوقُهَا إِلَى حِسَابِهَا، وَشَاهِدٌ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِمَا عَمِلَتْ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ {مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} قَالَ: سَائِقٌ يَسُوقُهَا، وَشَاهِدٌ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِعَمَلِهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ {سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} قَالَ: سَائِقٌ يَسُوقُهَا، وَشَاهِدٌ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِعَمَلِهَا. وَحُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} السَّائِقُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَالشَّاهِدُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ: الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ، وَالْمَلَائِكَةُ أَيْضًا شُهَدَاءُ عَلَيْهِمْ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} قَالَ: مَلْكٌ وُكِّلَ بِهِ يُحْصِي عَلَيْهِ عَمَلَهُ، وَمَلَكٌ يَسُوقُهُ إِلَى مَحْشَرِهِ حَتَّى يُوَافِيَ مَحْشَرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى بِهَذِهِ الْآيَاتِ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى أَهْلَ الشِّرْكِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهَا كُلَّ أَحَدٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: ثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ}... الْآيَةَ، إِلَى قَوْلِهِ {سَائِقٌ وَشَهِيدٌ}، فَقُلْتُ لَهُ: مَنْ يُرَادُ بِهَذَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَلْتُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ؟ ! فَقَالَ: مَا تُنْكِرُ؟ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} قَالَ: ثُمَّ سَأَلْتُ صَالِحَ بْنَ كَيْسَانَ عَنْهَا، فَقَالَ لِي: هَلْ سَأَلْتَ أَحَدًا؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَدْ سَأَلْتُ عَنْهَا زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ، فَقَالَ: مَا قَالَ لَكَ؟ فَقُلْتُ: بَلْ تُخْبِرُنِي مَا تَقُولُ، فَقَالَ: لَأُخْبِرَنَّكَ بِرَأْيِي الَّذِي عَلَيْهِ رَأْيِي، فَأَخْبِرْنِي مَا قَالَ لَكَ؟ قُلْتُ: قَالَ: يُرَادُ بِهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: وَمَا عِلْمُ زَيْدٍ؟ وَاللَّهِ مَا سِنٌّ عَالِيَةٌ، وَلَا لِسَانٌ فَصِيحٌ، وَلَا مَعْرِفَةٌ بِكَلَامِ الْعَرَبِ، إِنَّمَا يُرَادُ بِهَذَا الْكَافِرُ، ثُمَّ قَالَ: اقْرَأْ مَا بَعْدَهَا يَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ: ثُمَّ سَأَلْتُ حُسَيْنَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبِيدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ صَالِحٌ: هَلْ سَأَلَتْ أَحَدًا فَأَخْبِرْنِي بِهِ؟ قُلْتُ: إِنِّي قَدْ سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ وَصَالِحَ بْنَ كَيْسَانَ، فَقَالَ لِي: مَا قَالَا لَكَ؟ قُلْتُ: بَلْ تُخْبِرُنِي بِقَوْلِكَ، قَالَ: لَأُخْبِرَنَّكَ بِقَوْلِي، فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي قَالَا لِي، قَالَ: أُخَالِفُهُمَا جَمِيعًا، يُرِيدُ بِهَا الْبَرَّ وَالْفَاجِرَ، قَالَ اللَّهُ: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} قَالَ: فَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ عَنْ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، فَرَأَى كُلَّ مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِهَا الْبَرَّ وَالْفَاجِرَ، لِأَنَّ اللَّهَ أَتْبَعَ هَذِهِ الْآيَاتِ قَوْلَهُ {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} وَالْإِنْسَانُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَعْنَى: النَّاسِ كُلِّهِمْ، غَيْرَ مَخْصُوصٍ مِنْهُمْ بَعْضًا دُونِ بَعْضٍ. فَمَعْلُومٌ إِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} وَجَاءَتْكَ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ {ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَتْ بَيِّنَةَ صِحَّةِ مَا قُلْنَا. وَقَوْلُهُ {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يُقَالُ لَهُ: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا الَّذِي عَايَنْتَ الْيَوْمَ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مِنَ الْأَهْوَالِ وَالشَّدَائِدِ {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ} يَقُولُ: فَجَلَّيْنَا ذَلِكَ لَكَ، وَأَظْهَرْنَاهُ لِعَيْنَيْكَ، حَتَّى رَأَيْتَهُ وَعَايَنْتَهُ، فَزَالَتِ الْغَفْلَةُ عَنْكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي الْمَقُولِ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَقُولُ ذَلِكَ لَهُ الْكَافِرُ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ جَمِيعُ الْخَلْقِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ: هُوَ الْكَافِرُ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ} وَذَلِكَ الْكَافِرُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ} قَالَ: لِلْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ} قَالَ: فِي الْكَافِرِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ: هُوَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} قَالَ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ يَا مُحَمَّدُ، كُنْتَ مَعَ الْقَوْمِ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ. {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}. وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ يَجِبُ أَنَّ يَكُونَ هَذَا الْكَلَامُ خِطَابًا مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ فَى غَفْلَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ هَذَا الدِّينِ الَّذِي بَعَثَهُ بِهِ، فَكَشَفَ عَنْهُ غِطَاءَهُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَنَفَذَ بَصَرُهُ بِالْإِيمَانِ وَتَبَيَّنَهُ حَتَّى تَقَرَّرَ ذَلِكَ عِنْدَهُ، فَصَارَ حَادَّ الْبَصَرِ بِهِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ: هُوَ جَمِيعُ الْخَلْقِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثَنْي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ الْحُسَيْنَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبِيدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: يُرِيدُ بِهِ الْبَرَّ وَالْفَاجِرَ، {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} قَالَ: وَكُشِفَ الْغِطَاءُ عَنْ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، فَرَأَى كُلَّ مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ} قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ} قَالَ: الْحَيَاةُ بَعْدَ الْمَوْتِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ} قَالَ: عَايَنَ الْآخِرَةَ. وَقَوْلُهُ {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} يَقُولُ: فَأَنْتَ الْيَوْمَ نَافِذُ الْبَصَرِ، عَالِمٌ بِمَا كُنْتَ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا فِي غَفْلَةٍ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ بَصِيرٌ بِهَذَا الْأَمْرِ: إِذَا كَانَ ذَا عِلْمٍ بِهِ، وَلَهُ بِهَذَا الْأَمْرِ بَصَرٌ: أَيْ عِلْمٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ إِنَّهُ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} لِسَانُ الْمِيزَانِ، وَأَحْسَبُهُ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ مَعْرِفَتَهُ وَعِلْمَهُ بِمَا أَسْلَفَ فِي الدُّنْيَا شَاهِدُ عَدْلٍ عَلَيْهِ، فَشَبَّهَ بَصَرَهُ بِذَلِكَ بِلِسَانِ الْمِيزَانِ الَّذِي يُعْدَلُ بِهِ الْحَقُّ فِي الْوَزْنِ، وَيُعْرَفُ مَبْلَغُهُ الْوَاجِبُ لِأَهْلِهِ عَمَّا زَادَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ نَقَصَ، فَكَذَلِكَ عِلْمُ مِنْ وَافَى الْقِيَامَةَ بِمَا اكْتَسَبَ فِي الدُّنْيَا شَاهِدٌ عَلَيْهِ كَلِسَانِ الْمِيزَانِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ قَرِينُ هَذَا الْإِنْسَانِ الَّذِي جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَهُ سَائِقٌ وَشَهِيدٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} الْمَلِكُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ}... إِلَى آخَرَ الْآيَةِ، قَالَ: هَذَا سَائِقُهُ الَّذِي وِكِّلَ بِهِ، وَقَرَأَ {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ}. وَقَوْلُهُ {هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ قَرِينِ هَذَا الْإِنْسَانِ عِنْدَ مُوَافَاتِهِ رَبِّهِ بِهِ، رَبِّ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ: يَقُولُ: هَذَا الَّذِي هُوَ عِنْدِي مُعَدٌّ مَحْفُوظٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} قَالَ: وَالْعَتِيدُ: الَّذِي قَدْ أَخَذَهُ، وَجَاءَ بِهِ السَّائِقُ وَالْحَافِظُ مَعَهُ جَمِيعًا. وَقَوْلُهُ {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} فِيهِ مَتْرُوكٌ اسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ الظَّاهِرِ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَهُوَ: يُقَالُ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ، أَوْ قَالَ تَعَالَى: أَلْقِيَا، فَأَخْرَجَ الْأَمْرَ لِلْقَرِينِ، وَهُوَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ مَخْرَجَ خِطَابِ الِاثْنَيْنِ. وَفِي ذَلِكَ وَجْهَانِ مِنَ التَّأْوِيلِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْقَرِينُ بِمَعْنَى الِاثْنَيْنِ، كَالرَّسُولِ، وَالِاسْمُ الَّذِي يَكُونُ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ فِي الْوَاحِدِ، وَالتَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ، فَرَدَّ قَوْلَهُ {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} إِلَى الْمَعْنَى. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ كَمَا كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ، وَهُوَ أَنَّ الْعَرَبَ تَأْمُرُ الْوَاحِدَ وَالْجَمَاعَةَ بِمَا تَأْمُرُ بِهِ الِاثْنَيْنِ، فَتَقُولُ لِلرَّجُلِ وَيْلَكَ أَرْجِلَاهَا وَازْجُرَاهَا، وَذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَهَا مِنَ الْعَرَبِ؛ قَالَ: وَأَنْشَدَنِي بَعْضُهُمْ: فَقُلْتُ لِصَاحِبِي لَا تَحْبِسَانَا *** بِنَزْعِ أُصُولِهِ وَاجْتَزَّ شِيحًا قَالَ: وَأَنْشَدَنِي أَبُو ثَرْوَانَ: فَإِنْ تَزْجُرَانِي يَا ابْنَ عَفَّانِ أَنْزَجِرْ *** وَإِنْ تَدَعَانِي أحْمِ عِرْضًا مُمَنَّعًا قَالَ: فَيُرْوَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَنَّ الرَّجُلَ أَدْنَى أَعْوَانِهِ فِي إِبِلِهِ وَغَنَمِهِ اثْنَانِ، وَكَذَلِكَ الرِّفْقَةُ أَدْنَى مَا تَكُونُ ثَلَاثَةً، فَجَرَى كَلَامُ الْوَاحِدِ عَلَى صَاحِبَيْهِ، وَقَالَ: أَلَا تَرَى الشُّعَرَاءَ أَكْثَرَ قِيلًا يَا صَاحِبَيَّ يَا خَلِيلِيَّ، وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي عَلَى أُمِّ جُنْدُبٍ *** نُقِضُّ لُبَانَاتِ الْفُؤَادِ الْمُعَذَّبِ ثُمَّ قَالَ: أَلَمْ تَرَ أَنَّي كُلَّمَا جِئْتُ طَارِفًا *** وَجَدْتُ بِهَا طِيْبَاتٍ وَإِنْ لَّمْ تَطَيَّبِ فَرَجَعَ إِلَى الْوَاحِدِ، وَأَوَّلُ الْكَلَامِ اثْنَانِ؛ قَالَ: وَأَنْشَدَنِي بَعْضُهُمْ: خَلِيلَيَّ قُومَا فِي عُطَالَةَ فَانْظُرَا *** أَنَارٌ تَرَى مِنْ ذِي أَبَانِينَ أَمْ بَرْقًا وَبَعْضُهُمْ يَرْوِي: أَنَارَا نَرَى. {كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} يَعْنِي: كُلَّ جَاحِدٍ وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ عَنِيدٍ، وَهُوَ الْعَانِدُ عَنْ الْحَقِّ وَسَبِيلِ الْهِدَى. وَقَوْلُهُ {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} كَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي الْخَيْرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: هُوَ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ. حَدَّثَنَا بِذَلِكَ بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ كُلُّ حَقٍّ وَجَبَ لِلَّهِ، أَوْ لِآدَمِيٍّ فَى مَالِهِ، وَالْخَيْرُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ هُوَ الْمَالُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَمَّ بِقَوْلِهِ {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} عَنْهُ أَنَّهُ يَمْنَعُ الْخَيْرَ وَلَمْ يُخَصِّصْ مِنْهُ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ، فَذَلِكَ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ يُمْكِنُ مَنْعُهُ طَالِبَهُ. وَقَوْلُهُ (مُعْتَدٍ) يَقُولُ: مُعْتَدٍ عَلَى النَّاسِ بِلِسَانِهِ بِالْبِذَاءِ وَالْفُحْشِ فِي الْمَنْطِقِ، وَبِيَدِهِ بِالسَّطْوَةِ وَالْبَطْشِ ظُلْمًا. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: مُعْتَدٍ فِي مَنْطِقِهِ وَسِيرَتِهِ وَأَمْرِهِ. وَقَوْلُهُ (مُرِيبٍ) يَعْنِي: شَاكٍّ فِي وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى مَا يَشَاءُ. كَمَّا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ (مُرِيبٍ): أَيْ شَاكٍّ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: الَّذِي أَشْرَكَ بِاللَّهِ فَعَبَدَ مَعَهُ مَعْبُودًا آخَرَ مِنْ خَلْقِهِ {فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ} يَقُولُ: فَأَلْقَيَاهُ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ الشَّدِيدِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ قَرِينُ هَذَا الْإِنْسَانِ الْكَفَّارِ الْمَنَّاعِ لِلْخَيْرِ، وَهُوَ شَيْطَانُهُ الَّذِي كَانَ مُوَكَّلًا بِهِ فِي الدُّنْيَا. كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} قَالَ: قَرِينُهُ شَيْطَانُهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ {قَالَ قَرِينُهُ} قَالَ: الشَّيْطَانُ قُيِّضَ لَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} هُوَ الْمُشْرِكُ {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} قَالَ: قَرِينُهُ الشَّيْطَانُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} قَالَ: قَرِينُهُ: الشَّيْطَانُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} قَالَ: قَرِينُهُ: شَيْطَانُهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} قَالَ: قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ: رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ، تَبْرَّأَ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} يَقُولُ: مَا أَنَا جَعَلْتُهُ طَاغِيًا مُتَعَدِّيًا إِلَى مَا لَيْسَ لَهُ، وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ الْكُفْرَ بِاللَّهِ {وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} يَقُولُ: وَلَكِنْ كَانَ فِي طَرِيقٍ جَائِرٍ عَنْ سَبِيلِ الْهُدَى جَوْرًا بَعِيدًا. وَإِنَّمَا أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ هَذَا الْخَبَرَ، عَنْ قَوْلٍ قَرِينِ الْكَافِرِ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِعْلَامًا مِنْهُ عِبَادَهُ، تَبَرَّأَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} قَالَ: تَبَرَّأَ مِنْهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: ثَنَا جَعْفَرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عِمْرَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} تَبْرَأَ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ اللَّهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ، وَصْفَةَ قُرَنَائِهِمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} الْيَوْمَ {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} فِي الدُّنْيَا قَبْلَ اخْتِصَامِكُمْ هَذَا، بِالْوَعِيدِ لِمَنْ كَفَرَ بِي، وَعَصَانِي، وَخَالَفَ أَمْرِي وَنَهْيِي فِي كُتُبِي، وَعَلَى أَلْسُنِ رُسُلِي. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: ثَنَا جَعْفَرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عِمْرَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} قَالَ: بِالْقُرْآنِ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} قَالَ: إِنَّهُمُ اعْتَذَرُوا بِغَيْرِ عُذْرٍ، فَأَبْطَلَ اللَّهُ حُجَّتَهُمْ، وَرَدَّ عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} قَالَ: يَقُولُ: قَدْ أَمَرْتُكُمْ وَنَهَيْتُكُمْ، قَالَ: هَذَا ابْنُ آدَمَ وَقَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْعَالِيَةِ {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ: أَحْسَبُهُ قَالَ: هُمْ أَهْلُ الشِّرْكِ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} فَهَمْ أَهْلُ الْقِبْلَةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِهِ لِلْمُشْرِكِينَ وَقُرَنَائِهِمْ مِنَ الْجِنِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِذْ تَبَرَّأَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ: مَا يُغَيَّرُ الْقَوْلُ الَّذِي قُلْتَهُ لَكُمْ فَى الدُّنْيَا، وَهُوَ قَوْلُهُ {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} وَلَا قَضَائِي الَّذِي قَضَيْتُهُ فِيهِمْ فِيهَا. كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} قَدْ قَضَيْتُ مَا أَنَا قَاضٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} قَالَ: قَدْ قَضَيْتُ مَا أَنَا قَاضٍ. وَقَوْلُهُ {وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} يَقُولُ: وَلَا أَنَا بِمُعَاقِبٍ أَحَدًا مِنْ خَلْقِي بِجُرْمِ غَيْرِهِ، وَلَا حَامِلٍ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ ذَنْبَ غَيْرِهِ فَمُعَذَّبَهُ بِهِ. وَقَوْلُهُ {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ} يَقُولُ: وَمَا أَنَا بِظَلَامٍ لِلْعَبِيدِ فِي {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ} وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَوْمَ نَقُولُ مِنْ صِلَةِ ظَلَّامٍ. وَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِجَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: {هَلِ امْتَلَأْتِ}؟ لِمَا سَبَقَ مِنْ وَعْدِهِ إِيَّاهَا بِأَنَّهُ يَمْلَؤُهَا مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. أَمَّا قَوْلُهُ {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: مَا مِنْ مَزِيدٍ. قَالُوا: وَإِنَّمَا يَقُولُ اللَّهُ لَهَا: هَلْ امْتَلَأْتِ بَعْدَ أَنْ يَضَعَ قَدَمَهُ فِيهَا، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَتَقُولُ: قَطْ قَطْ، مَنْ تَضَايُقِهَا، فَإِذَا قَالَ لَهَا وَقَدْ صَارَتْ كَذَلِكَ: هَلْ امْتَلَأْتِ؟ قَالَتْ حِينَئِذٍ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ: أَيْ مَا مِنْ مَزِيدٍ، لِشِدَّةِ امْتِلَائِهَا، وَتَضَايُقِ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: “ إِنَّ اللَّهَ الْمَلِكَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُهُ {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} فَلَّمَا بَعَثَ النَّاسَ وَأُحْضِرُوا، وَسِيقَ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ زُمَرًا، جَعَلُوا يَقْتَحِمُونَ فِي جَهَنَّمَ فَوْجًا فَوْجًا، لَا يُلْقَى فِي جَهَنَّمَ شَيْءٌ إِلَّا ذَهَبَ فِيهَا، وَلَا يَمْلَؤُهَا شَيْءٌ، قَالَتْ: أَلَسْتَ قَدْ أَقْسَمْتَ لَتَمْلَأَنِّي مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ؟ فَوَضَعَ قَدَمَهُ، فَقَالَتْ حِينَ وَضَعَ قَدَمَهُ فِيهَا: قَدْ قَدْ، فَإِنِّي قَدْ امْتَلَأْتُ، فَلَيْسَ لِي مَزِيدٌ، وَلَمْ يَكُنْ يَمْلَؤُهَا شَيْءٌ، حَتَّى وَجَدَتْ مَسَّ مَا وَضَعَ عَلَيْهَا، فَتَضَايَقَتْ حِينَ جَعْلِ عَلَيْهَا مَا جَعَلَ، فَامْتَلَأَتْ فَمَا فِيهَا مَوْضِعَ إِبْرَةٍَ “. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} قَالَ: وَعَدَهَا اللَّهُ لَيَمْلَأَنَّهَا، فَقَالَ: هَلَّا وَفَّيْتُكِ؟ قَالَتْ: وَهَلْ مِنْ مَسْلَكٍ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: “ إِنَّ اللَّهَ الْمَلِكَ، قَدْ سَبَقَتْ مِنْهُ كَلِمَةٌ {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ} لَا يُلْقَى فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا ذَهَبَ فِيهَا، لَا يَمْلَؤُهَا شَيْءٌ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ أَهْلِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا، وَهِيَ لَا يَمْلَؤُهَا شَيْءٌ، أَتَاهَا الرَّبُّ فَوَضَعَ قَدَمَهُ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا: هَلْ امْتَلَأتِ يَا جَهَنَّمُ؟ فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ؛ قَدِ امْتَلَأْتُ، مَلَأْتَنِي مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فَلَيْسَ فِيَّ مَزِيدٌ؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَمْ يَكُنْ يَمْلَؤُهَا شَيْءٌ حَتَّى وَجَدَتْ مَسَّ قَدَمِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ، فَتَضَايَقَتْ، فَمَا فِيهَا مَوْضِعُ إِبْرَةٍَ “. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: زِدْنِي، إِنَّمَا هُوَ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، بِمَعْنَى الِاسْتِزَادَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ ثَابِتٍ، «عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: “ يُلْقَى فِي جَهَنَّمَ وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ثَلَاثًا، حَتَّى يَضَعَ قَدَمَهُ فِيهَا، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ، ثَلَاثًاَ “». حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} لِأَنَّهَا قَدِ امْتَلَأَتْ، وَهَلْ مِنْ مَزِيدٍ: هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ؟ قَالَ: هَذَانَ الْوَجْهَانِ فِي هَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ: قَالُوا هَذَا وَهَذَا. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ بِمَعْنَى الِاسْتِزَادَةِ، هَلْ مِنْ شَيْءٍ أَزْدَادَهُ؟ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَفَاوِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “ «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، لَمْ يَظْلِمِ اللَّهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ شَيْئًا، وَيُلْقِي فِي النَّارِ، تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهَا قَدَمَهُ، فَهُنَالِكَ يَمْلَؤُهَا، وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَطْ قَط»“. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: “ «مَا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حَتَّى يَضَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا قَدَمَهُ، فَتَقُولُ: قَدْ قَدْ، وَمَا يَزَالُ فِي الْجَنَّةِ فَضْلٌ حَتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ خَلْقًا، فَيُسْكِنَهُ فُضُولَ الْجَنَّة»“. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: “ «اخْتَصَمَتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ الْجَنَّةُ: مَا لِي إِنَّمَا يَدْخُلُنِي فُقَرَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ؛ وَقَالَتِ النَّارُ: مَا لِي إِنَّمَا يَدْخُلُنِي الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ، فَقَالَ: أَنْتِ رَحْمَتِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَأَنْتِ عَذَابِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا. فَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ يُنْشِئُ لَهَا مِنْ خَلْقِهِ مَا شَاءَ. وَأَمَّا النَّارُ فَيُلْقَوْنَ فِيهَا وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ وَيُلْقَونَ فِيهَا وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ فِيهَا قَدَمَهُ، فَهُنَاكَ تُمْلَأُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَتَقُولُ: قَطْ، قَط»“. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “ «احْتَجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ الْجَنَّةُ: مَالِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا فُقَرَاءُ النَّاسِ؟ وَقَالَتِ النَّارُ: مَالِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ؟ فَقَالَ لِلنَّارِ: أَنْتِ عَذَابِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ؛ وَقَالَ لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا؛ فَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنْشِئُ لَهَا مَا شَاءَ؛ وَأَمَّا النَّارُ فَيُلْقَوْنَ فِيهَا وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ قَدَمَهُ فِيهَا، هُنَالِكَ تَمْتَلِئُ، وَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَتَقُولُ: قَطْ، قَط»“. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ «لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَدَمَهُ، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَدْ، قَدْ، بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ، وَلَا يَزَالُ فِي الْجَنَّةِ فَضْلٌ حَتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الْجَنَّة»“. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: ثَنَا أَبَانُ الْعَطَّارُ، قَالَ: ثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: “ «لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِيهَا قَدَمَهُ، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، فَتَقُولُ: بِعِزَّتِكَ قَطْ، قَطْ؛ وَمَا يَزَالُ فِي الْجَنَّةِ فَضْلٌ حَتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ خَلْقًا فَيُسْكِنَهُ فِي فَضْلِ الْجَنَّة»“. قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلَابِيُّ، قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: مَا تَزَالُ جَهَنَّمَ تَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ“ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: أَوْ كَمَا قَالَ. حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ الْخَفَّافُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: “ «احْتَجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: يَدْخُلُنِي الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ؛ وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: يَدْخُلُنِي الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ؛ فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى الْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ؛ وَأَوْحَى إِلَى النَّارِ: أَنْتِ عَذَابِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا؛ فَأَمَّا النَّارُ فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حَتَّى يَضَعَ قَدَمَهُ فِيهَا، فَتَقُولُ: قَطْ قَط»“. فَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ“ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بِمَعْنَى الِاسْتِزَادَةِ لَا بِمَعْنَى النَّفْيِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: “ لَا تَزَالَُ “ دَلِيلٌ عَلَى اتِّصَالِ قَوْلٍ بَعْدَ قَوْلٍ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ}. يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ {وَأزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} وَأُدْنِيَتِ الْجَنَّةُ وَقُرِّبَتْ لِلَّذِينِ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ، فَخَافُوا عُقُوبَتَهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} يَقُولُ: وَأُدْنِيَتْ {غَيْرَ بَعِيدٍ}. وَقَوْلُهُ {هَذَا مَا تُوعَدُونَ} يَقُولُ: قَالَ لَهُمْ: هَذَا الَّذِي تُوعَدُونَ أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ، أَنْ تَدْخُلُوهَا وَتَسْكُنُوهَا وَقَوْلُهُ {لِكُلِّ أَوَّابٍ} يَعْنِي: لِكُلِّ رَاجِعٍ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِلَى طَاعَتِهِ، تَائِبٍ مِنْ ذُنُوبِهِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْمُسَبِّحُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ التَّائِبُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَهُمْ فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، غَيْرَ أَنَّا نَذْكُرُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَا لَمْ نَذْكُرْهُ هُنَالِكَ. حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ، قَالَ: ثَنَا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {لِكُلِّ أَوَّابٍ} قَالَ: لِكُلِّ مُسَبِّحٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُسْلِمِ الْأَعْوَرِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: الْأَوَّابُ: الْمُسَبِّحُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: ثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي غَنِيَّةَ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ {لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} قَالَ: هُوَ الذَّاكِرُ اللَّهَ فِي الْخَلَاءِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} قَالَ: الَّذِي يَذْكُرُ ذُنُوبَهُ فَيَسْتَغْفِرُ مِنْهَا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ}. قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ خَارِجَةَ، عَنْ عِيسَى الْحِنَّاطِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: هُوَ الَّذِي يَذْكُرُ ذُنُوبَهُ فِي خَلَاءٍ فَيَسْتَغْفِرُ مِنْهَا (حَفِيظٍ): أَيْ مُطِيعٍ لِلَّهِ كَثِيرِ الصَّلَاةِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} قَالَ: الْأَوَّابُ: التَّوَّابُ الَّذِي يَئُوبُ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَيَرْجِعُ إِلَيْهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ خَبَّابٍ فِي قَوْلِهِ {لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} قَالَ: الرَّجُلُ يَذْكُرُ ذُنُوبَهُ، فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لَهَا. وَقَوْلُهُ (حَفِيظٍ) اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَفِظَ ذُنُوبَهُ حَتَّى تَابَ مِنْهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي سِنَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، عَنْ الْأَوَّابِ الْحَفِيظِ، قَالَ: حَفِظَ ذُنُوبَهُ حَتَّى رَجَعَ عَنْهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: أَنَّهُ حَفِيظٌ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ وَمَا ائْتَمَنَهُ عَلَيْهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ (حَفِيظٍ) قَالَ: حَفِيظٌ لِمَا اسْتَوْدَعَهُ اللَّهُ مِنْ حَقِّهِ وَنِعْمَتِهِ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَصَفَ هَذَا التَّائِبَ الْأَوَّابَ بِأَنَّهُ حَفِيظٌ، وَلَمْ يَخُصَّ بِهِ عَلَى حِفْظِ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ دُونَ نَوْعٍ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَعُمَّ كَمَا عَمَّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، فَيُقَالُ: هُوَ حَفِيظٌ لِكُلِّ مَا قَرَّبَهُ إِلَى رَبِّهِ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالطَّاعَاتِ وَالذُّنُوبِ الَّتِي سَلَفَتْ مِنْهُ لِلتَّوْبَةِ مِنْهَا وَالِاسْتِغْفَارِ. وَقَوْلُهُ {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} يَقُولُ: مَنْ خَافَ اللَّهَ فِي الدُّنْيَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَلْقَاهُ، فَأَطَاعَهُ، وَاتَّبَعَ أَمْرَهُ. وَفِي (مَنْ) فِي قَوْلِهِ {مَنْ خَشِيَ} وَجْهَانِ مِنَ الْإِعْرَابِ: الْخَفْضُ عَلَى إِتْبَاعِهِ“ كُلِّ“ فِي قَوْلِهِ {لِكُلِّ أَوَّابٍ} وَالرَّفْعُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَهُوَ مُرَادٌ بِهِ الْجَزَاءُ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ، قِيلَ لَهُ ادْخُلِ الْجَنَّةَ؛ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ} جَوَابًا لِلْجَزَاءِ أَضْمَرَ قَبْلَهُ الْقَوْلَ، وَحَمَلَ فِعْلًا لِلْجَمِيعِ، لِأَنَّ (مَنْ) قَدْ تَكُونُ فِي مَذْهَبِ الْجَمِيعِ. وَقَوْلُهُ {وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} يَقُولُ: وَجَاءَ اللَّهَ بِقَلْبٍ تَائِبٍ مِنْ ذُنُوبِهِ، رَاجِعٍ مِمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ إِلَى مَا يُرْضِيهِ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ}: أَيْ مُنِيبٍ إِلَى رَبِّهِ مُقْبِلٍ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ}. يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ} ادْخُلُوا هَذِهِ الْجَنَّةَ بِأَمَانٍ مِنَ الْهَمِّ وَالْغَضَبِ وَالْعَذَابِ، وَمَا كُنْتُمْ تَلْقَوْنَهُ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْمَكَارِهِ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ} قَالَ: سَلِمُوا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ. وَقَوْلُهُ {ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} يَقُولُ: هَذَا الَّذِي وَصَفْتُ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ صِفَتَهُ مِنْ إِدْخَالِي الْجَنَّةَ مَنْ أُدْخِلَهُ، هُوَ يَوْمَ دُخُولِ النَّاسِ الْجَنَّةِ، مَاكِثِينَ فِيهَا إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} خُلِّدُوا وَاللَّهِ، فَلَا يَمُوتُونَ، وَأَقَامُوا فَلَا يَظْعَنُونَ، وَنَعِمُوا فَلَا يَبْأَسُونَ. وَقَوْلُهُ {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا} يَقُولُ: لِهَؤُلَاءِ الْمُتَّقِينَ مَا يُرِيدُونَ فِي هَذِهِ الْجَنَّةِ الَّتِي أُزْلِفَتْ لَهُمْ مِنْ كُلِّ مَا تَشْتَهِيهِ نُفُوسُهُمْ، وَتَلَذُّهُ عُيُونُهُمْ. وَقَوْلُهُ {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} يَقُولُ: وَعِنْدَنَا لَهُمْ عَلَى مَا أَعْطَيْنَاهُمْ مِنْ هَذِهِ الْكَرَامَةِ الَّتِي وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَتَهَا مَزِيدٌ يَزِيدُهُمْ إِيَّاهُ. وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ الْمَزِيدَ: النَّظَرُ إِلَى اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سُهَيْلٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثَنَا قُرَّةُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: ثَنَا النَّضِرُ بْنُ عَرَبِيٍّ عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَنَسٍ، “ «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَسْكَنَ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلَ النَّارِ النَّارَ، هَبَطَ إِلَى مَرْجٍ مِنَ الْجَنَّةِ أَفْيَحَ، فَمَدَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ حُجُبًا مِنْ لُؤْلُؤٍ، وَحُجُبًا مِنْ نُورٍ ثَمَّ وُضِعَتْ مَنَابِرُ النُّورِ وَسُرُرُ النُّورِ وَكَرَاسِيُّ النُّورِ، ثُمَّ أُذِنَ لِرَجُلٍ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ يَدَيْهِ أَمْثَالُ الْجِبَالِ مِنَ النُّورِ يُسْمَعُ دَوِيُّ تَسْبِيحِ الْمَلَائِكَةِ مَعَهُ، وَصَفْقُ أَجْنِحَتِهِمْ فَمَدَّ أَهْلُ الْجَنَّةِ أَعْنَاقَهُمْ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا الَّذِي قَدْ أُذِنَ لَهُ عَلَى اللَّهِ؟ فَقِيلَ: هَذَا الْمَجْعُولُ بِيَدِهِ، وَالْمُعَلَّمُ الْأَسْمَاءَ، وَالَّذِي أُمِرَتِ الْمَلَائِكَةُ فَسَجَدَتْ لَهُ، وَالَّذِي لَهُ أُبِيحَتِ الْجَنَّةُ، آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَدْ أُذِنَ لَهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ قَالَ: ثُمَّ يُؤْذَنُ لِرَجُلٍ آخَرَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَمْثَالُ الْجِبَالِ مِنَ النُّورِ، يُسْمَعُ دَوِيُّ تَسْبِيحِ الْمَلَائِكَةِ مَعَهُ، وَصَفْقُ أَجْنِحَتِهِمْ؛ فَمَدَّ أَهْلُ الْجَنَّةِ أَعْنَاقَهُمْ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا الَّذِي قَدْ أُذِنَ لَهُ عَلَى اللَّهِ؟ فَقِيلَ: هَذَا الَّذِي اتَّخَذَهُ اللَّهُ خَلِيلًا وَجَعَلَ عَلَيْهِ النَّارَ بَرْدًا وَسَلَامًا، إِبْرَاهِيمُ قَدْ أُذِنَ لَهُ عَلَى اللَّهِ. قَالَ: ثُمَّ أُذِنَ لِرَجُلٍ آخَرَ عَلَى اللَّهِ، بَيْنَ يَدَيْهِ أَمْثَالُ الْجِبَالِ مِنَ النُّورِ يُسْمَعُ دَوِيُّ تَسْبِيحِ الْمَلَائِكَةِ مَعَهُ، وَصَفْقُ أَجْنِحَتِهِمْ؛ فَمَدَّ أَهْلُ الْجَنَّةِ أَعْنَاقَهُمْ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا الَّذِي قَدْ أُذِنَ لَهُ عَلَى اللَّهِ؟ فَقِيلَ: هَذَا الَّذِي اصْطَفَاهُ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَقَرَّبَهُ نَجَّيَا، وَكَلَّمَهُ [كَلَامًا] مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَدْ أُذِنَ لَهُ عَلَى اللَّهِ. قَالَ: ثُمَّ يُؤْذَنُ لِرَجُلٍ آخَرَ مَعَهُ مِثْلُ جَمِيعِ مَوَاكِبِ النَّبِيِّينَ قَبْلَهُ، بَيْنَ يَدَيْهِ أَمْثَالُ الْجِبَالِ، [مِنَ النُّورِ] يُسْمَعُ دَوِيُّ تَسْبِيحِ الْمَلَائِكَةِ مَعَهُ، وَصَفْقُ أَجْنِحَتِهِمْ؛ فَمَدَّ أَهْلُ الْجَنَّةِ أَعْنَاقَهُمْ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا الَّذِي قَدْ أُذِنَ لَهُ عَلَى اللَّهِ؟ فَقِيلَ: هَذَا أَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ وَارِدَةً، وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ؛ وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْ ذُؤَابَتَيْهِ الْأَرْضُ، وَصَاحِبُ لِوَاءِ الْحَمْدِ، أَحْمَدُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ أُذِنَ لَهُ عَلَى اللَّهِ. قَالَ: فَجَلَسَ النَّبِيُّونَ عَلَى مَنَابِرِ النُّورِ، [وَالصِّدِّيقُونَ عَلَى سُرُرِ النُّورِ؛ وَالشُّهَدَاءُ عَلَى كَرَاسِيِّ النُّورِ] وَجَلَسَ سَائِرُ النَّاسِ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ الْأَبْيَضِ، ثُمَّ نَادَاهُمْ الرَّبُّ تَعَالَى مِنْ وَرَاءِ الْحُجُبِ: مَرْحَبًا بِعِبَادِي وَزُوَّارِي وَجِيرَانِي وَوَفْدِي. يَا مَلَائِكَتِي، انْهَضُوا إِلَى عِبَادِي، فَأَطْعِمُوهُمْ. قَالَ: فَقُرِّبَتْ إِلَيْهِمْ مِنْ لُحُومِ طَيْرٍ، كَأَنَّهَا الْبُخْتُ لَا رِيشَ لَهَا وَلَا عَظْمَ، فَأَكَلُوا، قَالَ: ثُمَّ نَادَاهُمْ الرَّبُّ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ: مَرْحَبًا بِعِبَادِي وَزُوَّارِي وَجِيرَانِي وَوَفْدِي، أَكَلُوا اسْقُوهُمْ. قَالَ: فَنَهَضَ إِلَيْهِمْ غِلْمَانٌ كَأَنَّهُمْ اللّؤْلُؤُ الْمَكْنُونُ بِأَبَارِيقِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِأَشْرِبَةٍ مُخْتَلِفَةٍ لَذِيذَةٍ، لَذَّةُ آخِرِهَا كَلَذَّةِ أَوَّلِهَا، لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ؛ ثُمَّ نَادَاهُمْ الرَّبُّ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُبِ: مَرْحَبًا بِعِبَادِي وَزُوَّارِي وَجِيرَانِي وَوَفْدِي، أَكَلُوا وَشَرِبُوا، فَكِّهُوهُمْ. قَالَ: فَيُقَرَّبُ إِلَيْهِمْ عَلَى أَطْبَاقٍ مُكَلَّلَةٍ بِالْيَاقُوتِ وَالْمَرْجَانِ؛ وَمِنَ الرُّطَبِ الَّذِي سَمَّى اللَّهُ، أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَطْيَبُ عُذُوبَةً مِنَ الْعَسَلِ. قَالَ: فَأَكَلُوا ثُمَّ نَادَاهُمْ الرَّبُّ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُبِ: مَرْحَبًا بِعِبَادِي وَزُوَّارِي وَجِيرَانِي وَوَفْدِي، أَكَلُوا وَشَرِبُوا، وَفُكِّهُوا؛ اكْسُوهُمْ؛ قَالَ فَفُتِحَتْ لَهُمْ ثِمَارُ الْجَنَّةِ بِحُلَلٍ مَصْقُولَةٍ بِنُورِ الرَّحْمَنِ فَأَلْبَسُوهَا. قَالَ: ثُمَّ نَادَاهُمُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ وَرَاءِ الْحُجُبِ: مَرْحَبًا بِعِبَادِي وَزُوَّارِي وَجِيرَانِي وَوَفْدِي؛ أَكَلُوا؛ وَشَرِبُوا؛ وَفُكِّهُوا؛ وَكُسُوا طَيِّبُوهُمْ. قَالَ: فَهَاجَتْ عَلَيْهِمْ رِيحٌ يُقَالُ لَهَا الْمُثِيرَةُ، بِأَبَارِيقِ الْمِسْكِ [الْأَبْيَضِ] الْأَذْفَرِ، فَنَفَحَتْ عَلَى وُجُوهِهِمْ مِنْ غَيْرِ غُبَارٍ وَلَا قَتَامٍ. قَالَ: ثُمَّ نَادَاهُمْ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُبِ: مَرْحَبًا بِعِبَادِي وَزُوَّارِي وَجِيرَانِي وَوَفْدِي، أَكَلُوا وَشَرِبُوا وَفُكِّهُوا، وَكُسُوا وَطُيِّبُوا، وَعِزَّتِي لَأَتَجَلَّيَنَّ لَهُمْ حَتَّى يَنْظُرُوا إِلَيَّ قَالَ: فَذَلِكَ انْتِهَاءُ الْعَطَاءِ وَفَضْلُ الْمَزِيدِ؛ قَالَ: فَتَجَلَّى لَهُمْ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ عِبَادِي، انْظُرُوا إِلَيَّ فَقَدْ رَضِيتُ عَنْكُمْ. قَالَ: فَتَدَاعَتْ قُصُورُ الْجَنَّةِ وَشَجَرُهَا، سُبْحَانَكَأَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَخَرَّ الْقَوْمُ سُجَّدًا؛ قَالَ: فَنَادَاهُمْ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عِبَادِي ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِدَارِ عَمَلٍ، وَلَا دَارِ نَصَبٍ إِنَّمَا هِيَ دَارُ جَزَاءٍ وَثَوَابٍ، وَعِزَّتِي وَجَلَالِي مَا خَلَقْتُهَا إِلَّا مِنْ أَجْلِكُمْ، وَمَا مِنْ سَاعَةٍ ذَكَرْتُمُونِي فِيهَا فِي دَارِ الدُّنْيَا، إِلَّا ذَكَرْتُكُمْ فَوْقَ عَرْشِي»“. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبْجَرَ، قَالَ: ثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْيَمَامِي، قَالَ: ثَنَا جَهْضَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: ثَنِي أَبُو طَيْبَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ الْعَبْسِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ «أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي كَفِّهِ مِرْآةٌ بَيْضَاءُ، فِيهَا نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَذِهِ؟ قَالَ: هَذِهِ الْجُمُعَةُ، قُلْتُ: فَمَا هَذِهِ النُّكْتَةُ السَّوْدَاءُ فِيهَا؟ قَالَ: هِيَ السَّاعَةُ تَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ سَيِّدُ الْأَيَّامِ عِنْدَنَا، وَنَحْنُ نَدْعُوهُ فِي الْآخِرَةِ يَوْمَ الْمَزِيدِ؛ قُلْتُ: وَلِمَ تَدْعُونَ يَوْمَ الْمَزِيدِ قَالَ: إِنَّ رَبَّكَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اتَّخَذَ فِي الْجَنَّةِ وَادِيًا أَفْيَحَ مِنْ مِسْكٍ أَبْيَضَ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ نَزَلَ مِنْ عِلِّيِّينَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، ثُمَّ حَفَّ الْكُرْسِيَّ بِمَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، ثُمَّ جَاءَ النَّبِيِّونَ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَيْهَا ثُمَّ تَجِيءُ أَهْلُ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَى الْكُثْبِ فَيَتَجَلَّى لَهُمْ رَبُّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَنْظُرُوا إِلَى وَجْهِهِ وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا الَّذِي صَدَقْتُكُمْ عِدَتِي، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، فَهَذَا مَحِلُّ كَرَامَتِي، فَسَلُونِي، فَيَسْأَلُونَهُ الرِّضَا، فَيَقُولُ: رِضَايَ أَحَلَّكُمْ دَارِي وَأَنَالَكُمْ كَرَامَتِي، فَسَلُونِي، فَيَسْأَلُونَهُ حَتَّى تَنْتَهِيَ رَغْبَتُهُمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، إِلَى مِقْدَارِ مُنْصَرَفِ النَّاسِ مِنَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَصْعَدَ عَلَى كُرْسِيِّهِ فَيَصْعَدُ مَعَهُ الصِّدِّيقُونَ وَالشّهَدَاءُ، وَتَرْجِعُ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى غُرَفِهِمْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ، لَا نَظْمَ فِيهَا وَلَا فَصْمَ، أَوْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، أَوْ زَبْرَجَدَةٍ خَضْرَاءَ، مِنْهَا غُرَفُهَا وَأَبْوَابُهَا، فَلَيْسُوا إِلَى شَيْءٍ أَحْوَجَ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ، لِيَزْدَادُوا مِنْهُ كَرَامَةً، وَلِيَزْدَادُوا نَظَرًا إِلَى وَجْهِهِ، وَلِذَلِكَ دُعِيَ يَوْمُ الْمَزِيد»“. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ أَبِي بُرَيْدَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا، أَوْ قَالَ: “ «قَالُوا: إِنْ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةٍ، الَّذِي يُقَالُ لَهُ تَمَنَّ، وَيُذَكِّرُهُ أَصْحَابُهُ فَيَتَمَنَّى، وَيُذَكِّرُهُ أَصْحَابُهُ فَيُقَالُ لَهُ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ. قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: ذَلِكَ لَكَ وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ، وَعِنْدَ اللَّهِ مَزِيد»“. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ دَرَّاجًا أَبَا السَّمْحِ، حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ «إِنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَنَّةِ لَيَتَّكِئُ سَبْعِينَ سَنَةً قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ ثُمَّ تَأْتِيهِ امْرَأَتُهُ فَتَضْرِبُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، فَيَنْطُرُ وَجْهَهُ فِي خَدِّهَا أَصْفَى مِنَ الْمِرْآةِ، وَإِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤْةٍ عَلَيْهَا لَتُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، فَتُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَيَرُدَّ السَّلَامَ، وَيَسْأَلُهَا مَنْ أَنْتِ؟ فَتَقُولُ: أَنَا مِنَ الْمَزِيدِ وَإِنَّهُ لَيَكُونُ عَلَيْهَا سَبْعُونَ ثَوْبًا أَدْنَاهَا مِثْلُ النُّعْمَانِ مِنْ طُوبَى فَيَنْفُذُهَا بَصَرُهُ حَتَّى يَرَى مُخَّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ، وَإِنَّ عَلَيْهَا مِنَ التِّيجَانِ، وَإِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤْةٍ فِيهَا لَتُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِب»“. وَقَوْلُهُ {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَثِيرًا أَهْلَكْنَا قَبْلَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مَنْ قُرَيْشٍ مِنَ الْقُرُونِ، {هُمْ أَشَدُّ} مِنْ قُرَيْشٍ الَّذِينَ كَذَّبُوا مُحَمَّدًا {بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ} يَقُولُ: فَخَرَقُوا الْبِلَادَ فَسَارُوا فِيهَا، فَطَافُوا وَتَوَغَّلُوا إِلَى الْأَقَاصِي مِنْهَا؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: لَقَدْ نَقَّبْتُ فِي الْآفَاقِ حَتَّى *** رَضِيتُ مِنَ الغَنِيمَةِ بِالْإِيَابِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ} قَالَ: أَثَّرُوا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ {فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ} قَالَ: يَقُولُ: عَمِلُوا فِي الْبِلَادِ ذَاكَ النَّقْبَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: وَقَوْلُهُ {هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَهَلْ كَانَ لَهُمْ بِتَنَقُّبِهِمْ فِي الْبِلَادِ مِنْ مَعْدِلٍ عَنِ الْمَوْتِ؛ وَمَنْجًى مِنَ الْهَلَاكِ إِذْ جَاءَهُمْ أَمْرُنَا. وَأُضْمِرَتْ“ كَانَ“ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، كَمَا أُضْمِرَتْ فِي قَوْلِهِ {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتَِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ} بِمَعْنَى: فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ نَاصِرٌ عِنْدَ إِهْلَاكِهِمْ. وَقَرَأَتِ الْقُرَّاءُ قَوْلَهُ (فَنَقَّبُوا) بِالتَّشْدِيدِ وَفَتْحِ الْقَافِ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ عَنْهُمْ. وَذُكِرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ (فَنَقِّبُوا) بِكَسْرِ الْقَافِ عَلَى وَجْهِ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ: أَيْ طُوفُوا فِي الْبِلَادِ، وَتَرَدَّدُوا فِيهَا، فَإِنَّكُمْ لَنْ تُفَوِّتُونَا بِأَنْفُسِكُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ {مِنْ مَحِيصٍ} قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ}... حَتَّى بَلَغَ {هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} قَدْ حَاصَ الْفَجَرَةُ فَوَجَدُوا أَمْرَ اللَّهِ مُتَّبِعًا. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} قَالَ: حَاصَ أَعْدَاءُ اللَّهِ، فَوَجَدُوا أَمْرَ اللَّهِ لَهُمْ مُدْرِكًا. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} قَالَ: هَلْ مِنْ مُنْجٍ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِي إِهْلَاكِنَا الْقُرُونَ الَّتِي أَهْلَكْنَاهَا مِنْ قَبْلِ قُرَيْشٍ (لَذِكْرَى) يُتَذَكَّرُ بِهَا {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} يَعْنِي: لِمَنْ كَانَ لَهُ عَقْلٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَيَنْتَهِي عَنْ الْفِعْلِ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مَنْ كُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ، خَوْفًا مِنْ أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مِثْلُ الَّذِي حَلَّ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ}: أَيْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، يَعْنِي بِذَلِكَ الْقَلْبِ: الْقَلْبَ الْحَيَّ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} قَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} قَالَ: قَلْبٌ يَعْقِلُ مَا قَدْ سَمِعَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ضَرَبَ اللَّهُ بِهَا مِنْ عَصَاهُ مِنَ الْأُمَمِ. وَالْقَلْبُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْعَقْلُ. وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: مَا لِفُلَانٍ قَلْبٌ، وَمَا قَلْبُهُ مَعَهُ: أَيْ مَا عَقْلُهُ مَعَهُ. وَأَيْنَ ذَهَبَ قَلْبُكَ؟ يَعْنِي أَيْنَ ذَهَبَ عَقْلُكَ. وَقَوْلُهُ {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} يَقُولُ: أَوْ أَصْغَى لِإِخْبَارِنَا إِيَّاهُ عَنْ هَذِهِ الْقُرُونِ الَّتِي أَهْلَكْنَاهَا بِسَمْعِهِ، فَيَسْمَعُ الْخَبَرَ عَنْهُمْ، كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ حِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ، وَعَصَوْا رُسُلَهُ {وَهُوَ شَهِيدٌ} يَقُولُ: وَهُوَ مُتَفَهِّمٌ لِمَا يُخْبَرُ بِهِ عَنْهُمْ شَاهِدٌ لَهُ بِقَلْبِهِ، غَيْرُ غَافِلٍ عَنْهُ وَلَا سَاهٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهُمْ فِيهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} يَقُولُ: إِنِ اسْتَمَعَ الذَّكَرَ وَشَهِدَ أَمْرَهُ، قَالَ فِي ذَلِكَ: يَجْزِيهِ إِنْ عَقَلَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى: وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ} قَالَ: وَهُوَ لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ، شَاهِدُ الْقَلْبِ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} قَالَ: الْعَرَبُ تَقُولُ: أَلْقَى فُلَانٌ سَمْعَهُ: أَيِ اسْتَمَعَ بِأُذُنَيْهِ، وَهُوَ شَاهِدٌ، يَقُولُ: غَيْرُ غَائِبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} قَالَ: يَسْمَعُ مَا يَقُولُ، وَقَلْبُهُ فِي غَيْرِ مَا يَسْمَعُ. وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِالشَّهِيدِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الشَّهَادَةَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} يَعْنِي بِذَلِكَ أَهْلَ الْكِتَابِ، وَهُوَ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَقْرَأُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ بَعْثِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} عَلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَنَّهُ يَجِدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكْتُوبًا. قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، قَالَ: قَالَ مَعْمَرٌ، وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ مُنَافِقٌ اسْتَمَعَ الْقَوْلَ وَلَمْ يَنْتَفِعْ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ فِي قَوْلِهِ {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} قَالَ: الْمُؤْمِنُ يَسْمَعُ الْقُرْآنَ، وَهُوَ شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} قَالَ: أَلْقَى السَّمْعَ يَسْمَعُ مَا قَدْ كَانَ مِمَّا لَمْ يُعَايِنْ مِنَ الْأَحَادِيثِ عَنِ الْأُمَمِ الَّتِي قَدْ مَضَتْ، كَيْفَ عَذَّبَهُمُ اللَّهُ وَصَنَعَ بِهِمْ حِينَ عَصَوْا رُسُلَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍوَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْخَلَائِقِ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، وَمَا مَسَّنَا مِنْ إِعْيَاءٍ. كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: «جَاءَتِ الْيَهُودُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ أَخْبَرْنَا مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنَ الْخَلْقِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ السِّتَّةِ؟ فَقَالَ: “ خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ الْجِبَالَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وَخَلَقَ الْمَدَائِنَ وَالْأَقْوَاتَ وَالْأَنْهَارَ وَعُمْرَانَهَا وَخَرَابَهَا يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْمَلَائِكَةَ يَوْمَ الْخَمِيسَ إِلَى ثَلَاثِ سَاعَاتٍ، يَعْنِي مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَخَلَقَ فِي أَوَّلِ الثَّلَاثِ السَّاعَاتِ الْآجَالَ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْآفَةَ، وَفِي الثَّالِثَةِ آدَمَ، قَالُوا: صَدَقْتَ إِنْ أَتْمَمْتَ، فَعَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُرِيدُونَ، فَغَضِبَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ}». “ قَالَ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} قَالَ: مِنْ سَآمَةٍ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} يَقُولُ: مِنْ إِزْحَافٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} يَقُولُ: وَمَا مَسَّنَا مِنْ نَصَبٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} قَالَ: نَصَبٌ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}... الْآيَةَ، أَكْذَبَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَأَهْلَ الْفِرَى عَلَى اللَّهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ اسْتَرَاحَ يَوْمَ السَّابِعِ، وَذَلِكَ عِنْدَهُمْ يَوْمُ السَّبْتِ، وَهُمْ يُسَمُّونَهُ يَوْمَ الرَّاحَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {مِنْ لُغُوبٍ} قَالَتِ الْيَهُودُ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، فَفَرَغَ مِنَ الْخَلْقِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاسْتَرَاحَ يَوْمَ السَّبْتِ، فَأَكْذَبَهُمْ اللَّهُ، وَقَالَ {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ}. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} كَانَ مِقْدَارُ كَلٍّ أَلْفُ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} قَالَ: لَمْ يَمَسَّنَا فِي ذَلِكَ عَنَاءٌ، ذَلِكَ اللُّغُوبُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَاصْبِرْ يَا مُحَمَّدُ عَلَى مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْيَهُودُ، وَمَا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ، وَيَكْذِبُونَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} يَقُولُ: وَصَلِّ بِحَمْدِ رَبِّكَ صَلَاةَ الصّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلَاةَ الْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا: الْعَصْرُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِيقَوْلِهِ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ: الصُّبْحُ، وَقَبْلَ الْغُرُوبِ: الْعَصْرُ. وَقَوْلُهُ {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي التَّسْبِيحِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهِ صَلَاةَ الْعَتَمَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَمِنَ اللَّيْلِ} قَالَ: الْعَتَمَةُ وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ الصَّلَاةُ بِاللَّيْلِ فِي أَيِّ وَقْتٍ صَلَّى.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِمَارَةَ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} قَالَ: مِنَ اللَّيْلِ كُلِّهِ. وَالْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِدٌ فِي ذَلِكَ أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} فِلْمْ يُحِدَّ وَقْتًا مِنَ اللَّيْلِ دُونَ وَقْتٍ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ عَلَى جَمِيعِ سَاعَاتِ اللَّيْلِ. وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْنَا، فَهُوَ بِأَنْ يَكُونَ أَمْرًا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ، أَشْبَهُ مِنْهُ بِأَنْ يَكُونَ أَمْرًا بِصَلَاةِ الْعَتَمَةِ، لِأَنَّهُمَا يُصَلَّيَانِ لَيْلًا. وَقَوْلُهُ {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} يَقُولُ: سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ أَدْبَارَ السُّجُودِ مِنْ صَلَاتِكِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَىالتَّسْبِيحِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يُسَبِّحَهُ أَدْبَارَ السُّجُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهِ الصَّلَاةَ، قَالُوا: وَهُمَا الرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ يُصَلِّيَانِ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، قَالَ: ثَنَا عَنْبَسَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيًّا، عَنْ أَدْبَارِ السُّجُودِ، فَقَالَ: الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {أَدْبَارَ السُّجُودِ}: الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا مُصْعَبُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنِ الْأَجْلَحِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ. قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ {أَدْبَارَ السُّجُودِ}: الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} قَالَ: الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ. قَالَ: ثَنَا يَحْيَى، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ (أَدْبَارَ السُّجُودِ): الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثَنَا مُؤَمِّلٌ، قَالَ: ثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَوْسِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَدْبَارَ السُّجُودِ: رَكْعَتَانِ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عِلْوَانَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: {أَدْبَارَ السُّجُودِ} الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {أَدْبَارَ السُّجُودِ}: الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ}- {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} قَالَ: الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ الصّبْحِ، وَالرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، قَالَ شُعْبَةُ: لَا أَدْرِي أَيَّتَهُمَا أَدْبَارَ السُّجُودِ، وَلَا أَدْرِي أَيَّتَهُمَا إِدْبَارَ النُّجُومِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} قَالَ: كَانَ مُجَاهِدُ يَقُولُ: رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} قَالَ: هُمَا السَّجْدَتَانِ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو فُضَيْلٍ، عَنْ رِشْدِينَ بْنِ كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ أَدْبَارُ السُّجُودَِ “». حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ، وَهِبَةُ اللَّهِ بْنُ رَاشِدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو صَخْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مُعَاوِيَةَ الْبَجَلِيَّ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الصَّهْبَاءِ الْبَكْرِيَّ يَقُولُ: سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ {أَدْبَارَ السُّجُودِ} قَالَ: هُمَا رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو السَّكُونِيُّ، قَالَ: ثَنَا بَقِيَّةُ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، قَالَ: ثَنَا حِمْيَرُ بْنُ يَزِيدَ الرَّحْبِيُّ، عَنْ كُرَيْبِ بْنِ يَزِيدَ الرَّحْبِيِّ؛ قَالَ: وَكَانَ جُبَيْرُ بْنُ نَفَيْرٍ يَمْشِي إِلَيْهِ، قَالَ: كَانَ إِذَا صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَالرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ أَخَفَّ، وَفَسَّرَ إِدْبَارَ النُّجُومِ، وَأَدْبَارَ السُّجُودِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ عِيسَى بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ}: الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، قَالَ: ثَنَا عَنْبَسَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ {أَدْبَارَ السُّجُودِ}: الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ. قَالَ: ثَنَا عَنْبَسَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ}: الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ. قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: أَدْبَارُ السُّجُودِ: الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْبَرِّ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: سُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، قَالَ: هُمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ {فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ}. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} قَالَ: الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} قَالَ: رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ. وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِقَوْلِهِ {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ}: التَّسْبِيحَ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ، دُونَ الصَّلَاةِ بَعْدَهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي {فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} قَالَ: هُوَ التَّسْبِيحُ بَعْدَ الصَّلَاةِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: التَّسْبِيحُ. قَالَ ابْنُ عَمْرٍو: فِي حَدِيثِهِ فِي إِثْرِ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا. وَقَالَ الْحَارِثُ فِي حَدِيثِهِ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ كُلِّهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ النَّوَافِلُ فِي أَدْبَارِ الْمَكْتُوبَاتِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ}: النَّوَافِلُ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُمَا الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْلَا مَا ذَكَرْتُ مِنْ إِجْمَاعِهَا عَلَيْهِ، لَرَأَيْتُ أَنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يُخَصِّصْ بِذَلِكَ صَلَاةً دُونَ صَلَاةٍ، بَلْ عَمَّ أَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا، فَقَالَ: وَأَدْبَارَ السُّجُودِ، وَلَمْ تَقُمْ بِأَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِهِ: دُبُرَ صَلَاةٍ دُونَ صَلَاةٍ، حُجَّةٌ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا مِنْ خَبَرٍ وَلَا عَقْلٍ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءُ الْحِجَازِ وَالْكُوفَةِ، سِوَى عَاصِمٍ وَالْكِسَائِيِ {وَإِدْبَارَ السُّجُودِ} بِكَسْرِ الْأَلِفِ، عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرُ أدْبَرَ يُدْبِرُ إِدْبَارًا. وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو عَمْرٍو (وَأَدْبَارَ) بِفَتْحِ الْأَلِفِ عَلَى مَذْهَبِ جَمْعِ دُبُرٍ وَأَدْبَارٍ. وَالصَّوَابُ عِنْدِي الْفَتْحُ عَلَى جَمْعِ دُبُرٍ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِي مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاسْتَمَعْ يَا مُحَمَّدُ صَيْحَةَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، يَوْمَ يُنَادِي بِهَا مُنَادِينَا مِنْ مَوْضِعٍ قَرِيبٍ. وَذُكِرَ أَنَّهُ يُنَادِي بِهَا مِنْ صَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِي مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} قَالَ مَلِكٌ قَائِمٌ عَلَى صَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ يُنَادِي: أَيَّتُهَا الْعِظَامُ الْبَالِيَةُ وَالْأَوْصَالُ الْمُتَقَطِّعَةُ؛ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُنَّ أَنْ تَجْتَمِعْنَ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ؛ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِي مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} قَالَ: كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّهُ يُنَادِي مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنَ الصَّخْرَةِ، وَهِيَ أَوْسَطِ الْأَرْضِ. وَحُدِّثْنَ أَنَّ كَعْبًا قَالَ: هِيَ أَقْرَبُ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِي مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ يُنَادِي مِنَ الصَّخْرَةِ الَّتِي فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِي مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} قَالَ: هِيَ الصَّيْحَةُ. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، عَنِ الْأَغَرِّ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ حَيَّانَ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: مَلِكٌ قَائِمٌ عَلَى صَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَاضِعٌ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ يُنَادِي، قَالَ: قُلْتُ: بِمَاذَا يُنَادِي؟ قَالَ: يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَى الْحِسَابِ؛ قَالَ: فَيُقْبِلُونَ كَمَا قَالَ اللَّهُ {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ}. وَقَوْلُهُ {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَوْمَ يَسْمَعُ الْخَلَائِقُصَيْحَةَ الْبَعْثِ مِنَ الْقُبُورِبِالْحَقِّ، يَعْنِي بِالْأَمْرِ بِالْإِجَابَةِ لِلَّهِ إِلَى مَوْقِفِ الْحِسَابِ. وَقَوْلُهُ {ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ. يَوْمَ خُرُوجِ أَهْلِ الْقُبُورِ مِنْ قُبُورِهِمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنُمِيتُ الْأَحْيَاءَ، وَإِلَيْنَا مَصِيرُ جَمِيعِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَإِلَيْنَا مَصِيرُهُمْ يَوْمَ تَشَقَّقَ الْأَرْضُ، فَ“ الْيَوْمَ“ مِنْ صِلَةِ مَصِيرٍ. وَقَوْلُهُ {تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ} يَقُولُ: تَصَدِّعُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ. وَقَوْلُهُ (سِرَاعًا) وَنُصِبَتْ سِرَاعًا عَلَى الْحَالِ مِنَ الْهَاءِ وَالْمِيمِ فَى قَوْلِهِ عَنْهُمْ. وَالْمَعْنَى: يَوْمَ تَشَقَّقَ الْأَرْضُ عَنْهُمْ فَيَخْرُجُونَ مِنْهَا سِرَاعًا، فَاكْتَفَى بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ} عَلَى ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِهِ. قَوْلُهُ {ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} يَقُولُ: جَمْعُهُمْ ذَلِكَ جَمْعٌ فِي مَوْقِفِ الْحِسَابِ، عَلَيْنَا يَسِيرٌ سَهْلٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: نَحْنُ يَا مُحَمَّدُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ فِرْيَتِهِمْ عَلَى اللَّهِ، وَتَكْذِيبِهِمْ بِآيَاتِهِ، وَإِنْكَارِهِمْ قُدْرَةَ اللَّهِ عَلَى الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ. {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} يَقُولُ: وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَلَّطٍ. كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} قَالَ: لَا تَتَجَبَّرُ عَلَيْهِمْ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَرِهَ الْجَبْرِيَّةَ، وَنَهَى عَنْهَا، وَقَدَّمَ فِيهَا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: وَضَعَ الْجَبَّارَ فِي مَوْضِعِ السّلْطَانِ مِنَ الْجَبْرِيَّةِ؛ وَقَالَ: أَنْشَدَنِي الْمُفَضَّلُ: وَيَوْمَ الْحَزْنِ إِذْ حَشَدَتْ مَعَدٌّ *** وَكَانَ النَّاسُ إِلَّا نَحْنُ دِينَا عَصَيْنَا عَزْمَةَ الجَبَّارِ حَتَّى *** صَبَحْنَا الجَوْفَ ألْفًا مُعْلَمِينَا وَيُرْوَى: “ الْجَوْفَ “ وَقَالَ: أَرَادَ بِالْجَبَّارِ: الْمُنْذِرَ لِوِلَايَتِهِ. قَالَ: وَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} لَمْ تُبْعَثْ لِتَجْبِرَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، إِنَّمَا بُعِثْتَ مُذَكِّرًا، فَذَكِّرْ. وَقَالَ: الْعَرَبُ لَا تَقُولُ فَعَّالَ مِنْ أَفْعَلْتَ، لَا يَقُولُونَ: هَذَا خَرَّاجٌ، يُرِيدُونَ: “ مُخْرِجٌ“، وَلَا يَقُولُونَ: دَخَّالٌ، يُرِيدُونَ: “ مُدْخِلٌ“، إِنَّمَا يَقُولُونَ: فَعَّالٌ، مَنْ فَعَلْتُ وَيَقُولُونَ: خَرَاجٌ، مِنْ “ خَرَجْتُ“؛ وَدَخَّالٌ: مَنْ“ دَخَلْتُ“؛ وَقَتَّالٌ، مَنْ“ قَتَلْتُ“. قَالَ: وَقَدْ قَالَتِ الْعَرَبُ فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ: “ دَرَّاكٌ“، مَنْ“ أَدْرَكْتُ“، وَهُوَ شَاذٌّ. قَالَ: فَإِنْ قَلْتَ الْجَبَّارُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، فَهُوَ وَجْهٌ. قَالَ: وَقَدْ سَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ: جَبَرَهُ عَلَى الْأَمْرِ، يُرِيدُ: أجْبَرَهُ، فَالْجَبَّارُ مِنْ هَذِهِ اللّغَةِ صَحِيحٌ، يُرَادُ بِهِ: يَقْهَرُهُمْ وَيُجْبِرُهُمْ. وَقَوْلُهُ {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَذَكِّرْ يَا مُحَمَّدُ بِهَذَا الْقُرْآنِ الَّذِي أَنْزَلْتُهُ إِلَيْهِ مَنْ يَخَافُ الْوَعِيدَ الَّذِي أَوْعَدْتُهُ مَنْ عَصَانِي وَخَالَفَ أَمْرِي. حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوَدِيُّ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ الرَّازِّيُّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَمْرِو الْمُلَّائِي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ خَوَّفَتْنَا؟ فَنَزَلَتْ {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ}. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ سَيَّارٍ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ ذَكَّرَتْنَا، فَذَكَرَ مِثْلَهُ. آخَرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ“ ق“
|