الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***
المراد بالعذر ما هو أعم من المرض وعدم القدرة على السفر، وأما حديث جابر عند مسلم بلفظ: حبسهم المرض فكأنه محمول على الأغلب. 1673- حدثنا نَصْرُ بنُ عليّ الْجَهْضَمِيّ حدثنا المُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ عن أبِيهِ عن أبي إسحاقَ عن البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "ائْتُونِي بالْكَتِفِ أو اللّوْحِ، فكَتَبَ: (لا يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ)، وَعَمْرُو بنُ أُمّ مَكْتُومٍ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فقال: هَلْ لي من رُخْصَةٌ؟ فَنَزَلَتْ {غَيْرُ أُولِي الضّرَرِ}". وفي البابِ عن ابنِ عَبّاسٍ وجَابرٍ وزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ. وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وهو حديث غريبٌ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمانَ التّيْمِيّ عن أبي إسحاقَ. وقد رَوَى شُعْبَةُ والثورِيّ عَنْ أبي إسحاقَ هذا الحديثَ. قوله: (ايتوني بالكتف أو اللوح) الظاهر أن أو للتنويع، ويحتمل أن يكون للشك، وفي رواية للبخاري: ادعوا فلاناً فجاءه ومعه الدواة واللوح والكتف، وفي رواية مسلم: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيداً فجاء بكتف. قال النووي: فيه جواز كتابه القرآن في الألواح والأكتاف، وفيه طهارة عظم المذكي وجواز الانتفاع به (فكتب) أي كتب بأمره، وفي حديث زيد بن ثابت: أملى عليه (هل لي وخصة) وفي حديث زيد عند البخاري: فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها علي قال يا رسول الله، والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت وكان أعمى فنزلت (غير أولى الضرر) قال النووي: قرئ غير بنصب الراء ورفعها قراءتان مشهورتان في السبع، قرأ نافع وابن عامر والكسائي بنصبها والباقون برفعها، وقرئ في الشاذ بجرها، فمن نصب فعلى الاستثناء، ومن رفع فوصف للقاعدين أو بد منهم، ومن جر فوصف للمؤمنين أو بدل منهم. وقال في قوله تعالى: "لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر" الآية دليل لسقوط الجهاد عن المعذورين، ولكن لا يكون ثوابهم ثواب المجاهدين بل لهم ثواب نياتهم إن كان لهم فيه صالحة كما قال صلى الله عليه وسلم: ولكن جهاد ونية، وفيه أن الجهاد فرض كفاية ليس بفرض عين، وفيه يرد على من يقول إنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين وبعده فرض كفاية، والصحيح أنه لم يزل فرض كفاية من حين شرع، وهذه الاَية ظاهرة في ذلك لقوله تعالى: {وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً} انتهى. قوله: (وفي الباب عن ابن عباس وجابر وزيد بن ثابت) أما حديث ابن عباس فأخرجه البخاري وأخرجه الترمذي أيضاً في التفسير، وأما حديث جابر فأخرجه مسلم عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فقال: إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم المرض، وفي رواية: إلا شركوكم في الأجر، وأخرجه أيضاً ابن ماجه وابن حبان وأبو عوانة: وأما حديث زيد فأخرجه الشيخان والترمذي في التفسير. قوله: (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن حبان والترمذي في التفسير (وقد روى شبعة والثوري عن أبي إسحاق هذا الحديث) ذكر الحافظ في الفتح أن ثمانية رجال رووا هذا الحديث عن أبي إسحاق.
1674- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا يَحْيى بنُ سَعِيدٍ عن سُفْيَانَ و شُعْبَةَ عن حَبِيبٍ بنِ أبي ثَابِتٍ عن أبي العبّاسِ عنْ عبدِ الله بنِ عَمْرٍو قال: "جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَأْذِنُهُ في الْجِهَادِ، فقال: أَلَكَ وَالِدَانِ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ". قال أبو عيسى وفي البابِ عن ابنِ عَبّاسٍ. وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وأبُو العَبّاسِ هُوَ الشّاعِرُ الأَعْمَى المَكّيّ، واسْمُهُ السّائِبُ بنُ فَرّوخ. قوله: (جاء رجل) قال الحافظ: يحتمل أن يكون هو جاهمة بن العباس بن مرداس، فقد روى النسائي وأحمد من طريق معاوية بن جاهمة أن جاهمة جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أردت الغزو وجئت لأستشيرك، فقال: هل لك من أم، قال: نعم، قال: الزمها، الحديث. ورواه البيهقي من طريق ابن جريرج عن محمد بن طلحة بن ركانة عن معاوية بن جاهمة السلمي عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أستأذنه في الجهاد فذكره انتهى (قال ففيهما) أي ففي خدمتهما (فجاهد) وفي رواية. فارجع إلى والديك فأحسن صبحتهما. قال الطيبي: فيهما متعلق بالأمر قدم للاختصاص والفاء الأولى جزاء شرط محذوف والثانية جزائية لتضمن الكلام معنى الشرط أي إذا كان الأمر كما قلت فاختص المجاهدة في خدمة الوالدين نحو قوله تعالى: {فإياي فاعبدون} أي إذا لم يخلصوا إلى العبادة في أرض فاخلصوها في غيرها. فحذف الشرط وعوض منه تقديم المفعول المفيد، للاختصاص ضمناً، وقوله فجاهد جيء به مشاكلة، يعني حيث قال فجاهد في موضع فاخدمهما، لأن الكلام في الجهاد، ويمكن أن يكون الجهاد بالمعنى الأعم الشامل للأكبر والأصغر. قال تعالى {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} انتهى. وقال العيني في العمدة قوله: ففيهما فجاهد، أي ففي الوالدين فجاهد، الجار والمجرور متعلق بمقدر وهو جاهد، ولفظ جاهد المذكور مفسر له لأن ما بعد الفاء الجزائية لا يعمل فيها قبلها، ومعنها خصصهما بالجهاد، وهذا كلام ليس ظاهره مراداً، لأن ظاهر الجهاد إيصال الضرر للغير، وإنما المراد إيصال القدر المشترك من كلفة الجهاد وهو بذل المال وتعب البدن فيؤول المعنى إلى إبذال مالك واتعب بدنك في رضى والديك انتهى. وقال في شرح السنة: هذا في جهاد التطوع لا يخرج إلا بإذن الوالدين إذا كان مسلمين، فإن كان الجهاد فرضاً متعيناً فلا حاجة إلى إذنهما وإن معناه عصاهما وخرج، وإن كانا كافرين فيخرج بدون إذنهما فرضاً كان الجهاد أو تطوعاً، وكذلك لا يخرج إلى شيء من التطوعات كالحج والعمرة والزيارة ولا يصوم التطوع إذا كره الوالدان المسلمان أو أحدهما إلا بإذنهما انتهى. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي (واسمه السائب بن فروخ) ثقة من الثالثة.
لا يظهر معنى هذه الترجمة إلا أن يقدر لفظ "على" قبل سرية، ويقال إن المراد أنه يجوز أن يبعث الرجل وحده أميراً على سرية، هذا ما عندي والله تعالى أعلم بمراد المصنف من هذه الترجمة. وقال في هامش النسخة الأحمدية: لا يناسب هذه الترجمة حديث الباب لأن عبد الله جعل أميراً وله قصة مذكورة في الأصول من أنه قال لرجال السرية: احرقوا أنفسكم إن كنتم تطيعون أولى الأمر فأبوا، لعل المراد بالبعث بعثه عقيب السرية وحده وجعله أميراً عليها والله أعلم، كذا بلغني عن شيخنا انتهى ما في هامش النسخة الأحمدية. 1675- حدثنا محمدُ بنُ يَحْيى النيسابوري، حدثنا الْحَجّاجُ بنُ محمدٍ: حدثنا ابنُ جُرَيْجٍ في قوله: {أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ} قال: عَبْدُ الله بنُ حُذَافَةَ بنِ قَيْسِ بنِ عَدِي السّهْمِيّ بَعَثَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على سَرِيّةٍ أَخْبَرَنِيهِ يَعْلَى بنُ مُسْلِمٍ عن سعِيدٍ بنِ جُبَيْر عن ابنِ عَبّاسٍ. قال ابن عباس هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ ابنِ جُرَيْجٍ. قوله: (حدثنا محمد بن يحيى) هو الإمام الذهلي. قوله: (قال عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي: بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية) ضمير قال راجع إلى ابن جريج، وعبد الله بن حذافة مبتدأ وبعثه خبره، والضمير المنصوب لعبد الله بن حذافة أي قال ابن جريج إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حذافة على سرية، وفي رواية مسلم: قال ابن جريج: نزل (يا أيها الكافرون الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم) في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية (أخبرنيه) هذا مقول ابن جريج (يعلى بن مسلم) بن هرمز المكي، أصله من البصرة، ثقة من السادسة. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان. تنبيهان: الأول- قال العلماء: المراد بأولى الأمر من أوجب الله طاعته من الولاة والأمراء، هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم، وقيل هم العلماء، وقيل الأمراء والعلماء. وأما من قال الصحابة خاصة فقط فقد أخطأ، قاله النووي. وقال الحافظ: اختلف في المراد بأولى الأمر في الاَية. فعن أبي هريرة قال: هم الأمراء، أخرجه الطبري بإسناد صحيح، وأخرجه عن ميمون بن مهران وغيره نحوه، وعن جابر بن عبد الله قال: هم أهل العلم والخير، وعن مجاهد وعطاء والحسن وأبي العالية: هم العلماء، ومن وجه آخر أصح منه عن مجاهد قال: هم الصحابة. وهذا أخص، وعن عكرمة قال: أبو بكر وعمر، وهذا أخص من الذي قبله، ورجح الشافعي الأول واحتج له بأن قريشاً كانوا لا يعرفون الإمارة ولا ينقادون إلى أمير فأمروا بالطاعة لمن ولى الأمر، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: من أطاع أميري فقد أطاعني. متفق عليه واختار الطبري حملها على العموم وإن نزلت في سبب خاص انتهى. وذكر العيني في شرح البخاري في تفسير قوله (أولى الأمر) أحد عشر قولاً، وقال: الحادي عشر عام في كل من ولي أمر شيء وهو الصحيح، وإليه مال البخاري بقوله ذوي الأمر انتهى. قلت: الصحيح عندي هو ما صححه العيني ومال إليه البخاري، من أن المراد بأولى الأمر كان من ولى أمر شيء، والدليل على ذلك أن واحد أولى "ذو" لأنها لا واحد لها من لفظها، ومعنى أولى الأمر ذوو الأمر، ومن الظاهر أن ذا الأمر لا يكون إلا من ولى أمر شيء وأما أهل العلم فهم أولو العلم لا أولو الأمر. الثاني: روى البخاري في صحيحه عن علي قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فاستعمل رجلاً من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه فغضب، قال: أليس أمركم النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟ قالوا بلى، فاجمعوا لي حطباً فجمعوا فقال أوقدوا ناراً فأوقدوها فقال ادخلوها. فهموا وجعل بعضهم يمسك بعضاً ويقولون: فررنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من النار فما زالوا حتى خمدت النار فسكن غضبه، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة، الطاعة في المعروف. اختلف أهل العلم في هذا الرجل الذي استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال على السرية فقيل إنه عبد الله بن حذافة السهمي، قال النووي: وهذا ضعيف لأنه وقع في رواية أخرى أنه رجل من الأنصار فدل على أنه غيره انتهى. وقال ابن الجوزي قوله: من الأنصار، وهم من بعض الرواة وإنما هو سهمي، قال الحافظ: ويؤيده حديث ابن عباس عند أحمد في قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم" الاَية نزلت في عبد الله ابن حذافة بن قيس بن عدي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية انتهى.
1676- حدثنا أحمدُ بنُ عَبْدَةَ الضّبِيّ البَصْرِيّ، حدثنا سُفْيَانُ بن عيينة عن عاصِمِ بنِ محمدٍ عن أبيهِ عن ابنِ عُمَرَ أَنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَوْ أَنّ النّاسَ يَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مِنَ الْوحْدَةِ ما سَرَى رَاكِبٌ بِلَيْلٍ- يَعْنِي وَحْدَهُ". 1677- حدثنا إسحاقُ بنُ موسى الأنْصَارِيّ، حدثنا مَعْنٌ، حدثنا مَالِكٌ عن عَبْدِ الرحمَنِ بنِ حَرْمَلَةَ عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ عن أبيهِ عن جَدّهِ، أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "الرّاكِبُ شَيْطَانٌ والرّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ والثلاَثَةُ رَكْبٌ". قال أبو عيسى حديث ابن عمر حديث حسنٌ صحيحٌ لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هذا الوجْهِ مِنْ حَدِيثَ عَاصِمٍ، وهُوَ ابنُ محمدِ بنِ زَيْدِ بن عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ قال محمد: هو ثقة صدوق وعاصم بن عمر العمريّ ضعيف في الحديث لا أروى عنه شيئاً، وحَدِيثُ عَبْدِ الله بنِ عَمْرو حديث حَسَنٌ. قوله: (عن عاصم بن محمد) بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري المدني ثقة من السابغة (عن أبيه) أي محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر المدني ثقة من الثالثة. قوله: (ما أعلم من الوحدة) ما موصولة والمعنى لو يعلم الناس ما أعلم ما في الوحدة من الاَفات التي تحصل من ذلك (ما سار راكب بليل يعني وحده) ما نافية، قال الطيبي: وكان من حق الظاهر أن يقال: ما سار أحد وحده، فقيده بالراكب والليل لأن الخطر بالليل أكثر، فإن انبعاث الشر فيه أكثر والتحرز منه أصعب، ومنه قولهم: الليل أخفى للويل، وقولهم: اعذر الليل لأنه إذا أظلم كثر فيه العذر لا سيما إذا كان راكباً فإن له خوف وجل المركوب من النفور من أدنى شيء والتهوي في الوحدة بخلاف الراجل. قال القاري: ويمكن التقييد بالراكب ليفيد أن الراجل ممنوع بطريق الأولى ولئلا يتوهم أن الوحدة لا تطلق على الراكب كما لا يخفى انتهى. قال ابن المنير: السير لمصلحة الحرب أخص من السفر، والخبر ورد في السفر، فيؤخذ من حديث جابر جواز السفر منفرداً للضرورة والمصلحة التي لا تنتظم إلا بالإنفراد، كإرسال الجاسوس والطليعة والكراهة لما عدا ذلك، ويحتمل أن تكون حالة الجواز مقيدة بالحاجة عند الأمن، وحالة المنع مقيدة بالخوف حيث لا ضرورة. وقد وقع في كتب المغازي: بعث كل من حذيفة ونعيم بن مسعود وعبد الله بن أنيس وخوات بن جبير وعمرو بن أمية وسالم بن عمير في عدة مواطن وبعضها في الصحيح ذكره الحافظ في الفتح. قلت: وحديث جابر الذي أشار إليه ابن المنير أخرجه البخاري في الجهاد وغيره ولفظه: ندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس يوم الخندق فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير ثلاثاً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن لكل نبي حوارياً وحوارى الزبير. قوله: (الراكب شيطان والراكبان شيطانان) قال المظهر: يعني مشى الواحد منفرداً منهى وكذلك مشى الاثنين، ومن ارتكب منهياً فقد أطاع الشيطان ومن أطاعه فكأنه هو، ولذا أطلق صلى الله عليه وسلم اسمه عليه. وفي شرح السنة: معنى الحديث عندي ما روى عن سعيد بن المسيب مرسلاً: الشيطان يهم بالواحد والاثنين فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم. وقال الخطابي: معناه أن التفرد والذهاب وحده في الأرض من فعل الشيطان وهو شيء يحمله عليه الشيطان ويدعوه إليه وكذلك الاثنان، فإذا صاروا ثلاثة فهو ركب أي جماعة وصحب، قال: والمنفرد في السفر إن مات لم يكن بحضرته من يقوم بغسله ودفنه وتجهيزه، ولا عنده من يوصي إليه في ماله ويحمل تركته إلى أهله ويورد خبره إليهم، ولا معه في سفره من يعينه على الحمولة، فإذا كانوا ثلاثة تعاونوا وتناوبوا المهنة والحراسة وصلوا الجماعة وأحرزوا الحظ فيها انتهى. (والثلاثة ركب) بفتح فسكون أي جماعة. قال في النهاية: الركب اسم من أسماء الجمع كنفر ورهط ولهذا صغر على لفظه، وقيل هو جمع راكب كصاحب وصحب، ولو كان كذلك لقيل في تصغيره رويكبون كما يقال صويحبون، والراكب في الأصل هو راكب الإبل خاصة ثن اتسع فيه فأطلق على كم من ركب دابة انتهى. قوله: (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري وابن ماجه كذا في الجامع الصغير (لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث عاصم) قال الحافظ في الفتح: ذكر الترمذي أن عاصم بن محمد تفرد برواية هذا الحديث وفيه نظر، لأن عمر بن محمد أخاه قد رواه معه عن أبيه أخرجه النسائي انتهى. قوله: (وحديث عبد الله بن عمرو) أي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: فإن جده هو عبد الله بن عمرو (أحسن) كذا في النسخة الأحمدية ووفع في بعض النسخ حسن وهو الظاهر بل هو الصحيح. وحديث عبد الله بن عمرو وهذا أخرجه أحمد ومالك وأبو داود والنسائي وصححه.
1678- حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ و نَصْرُ بنُ عليّ قالا: حدثنا سُفْيَانُ بن عينية عن عَمْرِو بنِ دِينَارٍ سَمِعَ جَابرَ بنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الْحَرْبُ خُدْعَةٌ". قال أبو عيسى وفي البابِ عَنْ علي وزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ وعَائِشَةَ وابنِ عَبّاسٍ وأبي هُرَيْرَةَ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بن السكن وَكَعْبِ بنِ مالِكٍ وأنَسٍ. وهذا حديثٌ حسن صحيحٌ. قوله: (الحرب خدعة) قال النووي: فيها ثلاث لغات مشهورات اتفقوا على أن أفصحهن خدعة بفتح الخاء وإسكان الدال، قال ثعلب وغيره: وهي لغة النبي صلى الله عليه وسلم، والثانية بضم الخاء وإسكان الدال، والثالثة بضم الخاء وفتح الدال. واتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب وكيف أمكن الخداع إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل. وقد صحح في الحديث جواز الكذب في ثلاثة أشياء أحدها في الحرب، قال الطبري إنما يجوز من الكذب في الحرب المعاريض دون حقيقة الكذب فإنه لا يحل. قال النووي: والظاهر إباحة حقيقة نفس الكذب لكن الاقتصار على التعريض أفضل. وقال ابن العربي: الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنص رفقاً بالمسلمين لحاجتهم، إليه وليس للعقل فيه مجال، ولو كان تحريم الكذب بالعقل ما انقلب حلالاً انتهى. وقال القاضي عياض في المشارق بعد ذكر أربع لغات فيها وهي الخَدْعَةُ والخُدْعَةُ والْخُدَعَةُ والخَدْعَةُ ما لفظه: فالخدعة بمعنى أن أمرها ينقضي بخدعة واحدة يخدع بها المخدوع فتزل قدمه ولا يجد لها تلافياً ولا إقامة، فكأنه نبه على أخذ الحذر من ذلك، ومن ضم الخاء وفتح الدال نسب الفعل إليها أي تخدع هي من اطمأن إليها أو أن أهلها يخدعون فيها، ومن فتحهما جميعاً كان جمع خادع، يعني أن أهلها بهذه الصفة فلا تطمئن إليهم، كأنه قال أهل الحرب خدعة، وأصل الخدع إظهار أمر وإضمار خلافه. وقال التوربشتي: روى ذلك من وجوه ثلاثة بفتح الخاء وسكون الدال أي أنها خدعة واحدة من تيسرت له حق الظفر، وبضم الخاء وسكون الدال أي معظم ذلك المكر والخديعة، وبضم الخاء وفتح الدال أي أنها خداعة للإنسان بما تخيل إليه وتمنيه، ثم إذا لابسها وجد الأمر بخلاف ما خيل إليه انتهى. قوله: (وفي الباب عن علي وزيد بن ثابت وعائشة وابن عباس وأبي هريرة وأسماء بنت يزيد وكعب بن مالك وأنس بن مالك) أماحديث علي فأخرجه أحمد وأما حديث زيد بن ثابت فأخرجه الطبراني في الكبير، وأما حديث عائشة فأخرجه ابن ماجه، وأما حديث ابن عباس فأخرجه أيضاً ابن ماجه، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان، وأما حديث أسماء بنت يزيد فأخرجه أحمد والترمذي في باب إصلاح ذات البين من أبواب البر والصلة، وأما حديث كعب بن مالك فأخرجه أبو داود، وأما حديث أنس بن مالك فأخرجه أحمد وابن حبان. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود.
الغزوات جمع غزوة، وأصل الغزو القصد، ومغزى الكلام مقصده، والمراد بالغزوات هنا ما وقع من قصد النبي صلى الله عليه وسلم الكفار بنفسه وبجيش من قبله، وقصدهم أعم من أن يكون إلى بلادهم أو إلى الأماكن التي حلوها حتى دخل مثل أحد والخندق. 1679- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا وَهْبُ بنُ جَريرٍ و أبو دَاوُدَ الطيالسيّ قالا: حدثنا شُعْبَةُ عن أبي إسحاقَ قال: كُنْتُ إلى جَنْبِ زَيْدِ بن أرْقَمَ فَقِيلَ لَهُ: كَمْ غَزَا النبيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَةٍ قالَ: "تِسْعَ عَشَرَةَ، فَقلت: كَمْ غَزَوْتَ أَنْتَ مَعَهُ؟ قال: سَبْعَ عَشَرَةَ، قلت: وأَيّتُهُنّ كانَ أَوّلَ؟ قالَ ذَاتُ العُشَيْرَ أو العُشيْرَة". قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (فقيل له) قال الحافظ: القائل هو الراوي أبو إسحاق بينه إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق كما سيأتي في آخر المغازي بلفظ: سألت زيد بن أرقم (قال تسع عشرة) كذا قال، ومراده الغزوات التي خرج النبي صلى الله عليه وسلم فيها بنفسه سواء قاتل أو لم يقاتل. قال الحافظ في الفتح: لكن روى أبو يعلى من طريق ابن الزبير عن جابر أن عدد الغزوات إحدى وعشرون وإسناده صحيح وأصله في مسلم. فعلى هذا، ففات زيد بن أرقم ذكر اثنتين منها، ولعلهما الأبواء وبواط، وكأن ذلك خفي عليه لصغره، ويؤيد ما قتله ما وقع عند مسلم بلفظ: قلت ما أول غزوة غزاها؟ قال: ذات العشير أو العشيرة انتهى. والعشيرة كما تقدم هي الثالثة. وأما قول ابن التين: يحمل قول زيد بن أرقم على أن العشيرة أول ما غزا، هو أي زيد بن أرقم والتقدير فقلت: ما أول غزوة غزاى أي وأنت معه؟ قال العشير، فهو محتمل أيضاً، ويكون قد خفى عليه ثنتان مما بعد ذلك أو عد الغزوتين واحدة. فقد قال موسى بن عقبة: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمان: بدر ثم أحد ثم الأحزاب ثم المصطلق ثم خيبر ثم مكة ثم حنين ثم الطائف انتهى. وأهمل غزوة قريظة لأنه ضمها إلى الأحزاب لكونها كانت في إثرها وأفردها غيره لوقوعها منفردة بعد هزيمة الأحزاب، وكذا وقع لغيره عد الطائف وحنين واحدة لتقاربهما. فيجتمع على هذا قول زيد بن أرقم وقول جابر، وقد توسع ابن سعد فبلغ عدة المغازي التي خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه سبعاً وعشرين، وتبع في ذلك الواقدي وهو مطابق لما عده ابن إسحاق إلا أنه لم يفرد وادي القرى من خيبر، أشار إلى ذلك السهيلي، وكأن الستة الزائدة من هذا القبيل، وعلى هذا يحمل ما أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعاً وعشرين وأخرجه يعقوب بن سفيان عن سلمة بن شبيب عن عبد الرزاق فزاد فيه أن سعيداً قال أولاً: ثمان عشرة ثم قال أربعاً وعشرين، قال الزهري: فلا أدري أوهم أو كان شيئاً سمعه بعد. قال الحافظ: وحمله على ما ذكرته يدفع الوهم ويجمع الأقوال والله أعلم. وأما البعوث والسرايا فعند ابن إسحاق ستاً وثلاثين، وعند الواقدي ثمانياً وأربعين. وحكى ابن الجوزي في القلقيح ستاً وخمسين، وعند المسعودي ستين، وبلغها شيخنا في نظم السيرة زيادة على السبعين، ووقع عند الحاكم في الإكليل أنها تزيد على مائة، فلعله أراد ضم المغازي إليها انتهى. (وأيتهن كان أول) كذا في النسخه الحاضرة عندنا والظاهر أن يكون: وأيتهن كانت (ذات العشيراء والعسيراء) الأول بضم العين المهملة وفتح الشين المعجمة مصغراً، والثاني كذلك لكن بالسين المهملة، كذا في النسخ الحاضرة عندنا. وقال الحافظ في الفتح: ووقع في الترمذي: العشير أو العسير بلا هاء فيهما، وفي رواية مسلم: ذات العسير أو العشير. قال النووي في شرح مسلم: قال القاضي في المشارق: وهي ذات العشيرة بضم العين وفتح الشين المعجمة، قال: وجاء في كتاب المغازي يعني من صحيح البخاري: عسير بفتح العين وكسر السين المهملة بحذف الهاء قال: والمعروف فيها العشيرة مصغرة بالشين المعجمة والهاء، قال: وكذا ذكرها أو إسحاق وهي من أرض مذحج، وقال الحافظ: قول قتادة: العشيرة بضم العين المهملة وفتح الشين المعجمة وإثبات الهاء هو الذي اتفق عليه أهل السير وهو الصواب، وأما غزوة العسيرة بالمهملة فيه غزوة تبوك، قال الله تعالى: {الذين اتبعوه في ساعة العسيرة} وسميت بذلك لما فيها من المشقة وهي بغير تصغير، وأما هذه فنسبت إلى المكان الذي وصلوا إليه واسمه العشير أو العشيرة يذكر ويؤنث وهو موضع. وذكر ابن سعد أن المطلوب في هذه الغزاة هي عير قريش التي صدرت من مكة إلى الشام بالتجارة ففاتهم وكانوا يترقبون رجوعها فخرج النبي صلى الله عليه وسلم يتلقاها ليغنمها فبسبب ذلك كانت وقعة بدر. قال ابن إسحاق: فإن السبب في غزوة بدر ما حدثني يزيد بن رومان عن عروة أن أبا سفيان كان بالشام في ثلاثين راكباً منهم مخرمة بن نوفل وعمرو بن العاص فأقبلوا في قافلة عظيمة فيها أموال قريش، فندب النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، وكان أبو سفيان يتجسس الأخبار، فبلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم استنفر أصحابه بقصدهم فأرسل ضمضم بن عمرو الغفاري إلى قريش بمكة يحرضهم على المجيء لحفظ أموالهم ويحذرهم المسلمين، فاستنفرهم ضمضم فخرجوا في ألف راكب ومعهم مائة فرس، واشتد حذر أبي سفيان فأخذ طريق الساحل وجد في السير حتى فات المسلمين، فلما أمن أرسل إلى من يلقي قريشاً يأمرهم بالرجوع، فامتنع أبو جهل من ذلك، فكان ما كان من وقعة بدر انتهى. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان.
قال في القاموس: تعبية الجيش تهيئته في مواضعه. 1680- حدثنا محمدُ بنُ حُمَيْدٍ الرّازِيّ، حدثنا سَلَمَةُ بنُ الفَضْلِ عن محمدِ بنِ إسحاقَ عن عِكْرَمَةَ عن ابنِ عبّاسٍ عَنْ عبدِ الرحمَنِ بنِ عَوْفٍ قال: "عَبّأَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِبَدْرٍ لَيْلاً". قال أبو عيسى وفي البابِ عَنْ أبي أيّوبَ. وهذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هذا الوجْهِ وسأَلْتُ محمدَ بنَ إسماعيلَ عَنْ هذا الحديثِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ وقال: محمدُ بنُ إسحاقَ سَمِعَ مِنْ عِكْرِمَةَ، وحِينَ رَأَيْتُهُ كَانَ حَسَنَ الرّأْيِ في محمدِ بنِ حمَيْدٍ الرّازِيّ ثُمّ ضَعّفَهُ بَعْدُ. قوله: (حدثنا سلمة بن الفضل) الأبرش مولى الأنصار قاضي الري صدوق كثير الخطأ من التاسعة. قوله: (عبأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال في النهاية: يقال عبأت الجيش عباً، وعبأتهم تعبئة وتعبيئاً، وقد يترك الهمز فيقال عبيتهم تعبية أي رتبتهم في مواضعهم وهيأتهم للحرب انتهى "ببدر ليلاً" يعني سوى الصفوف وأقام كلا منا مقاماً يصلح له في الليل ليكون على طبقه ووفقه في النهار. قوله: (وفي الباب عن أبي أيوب) أخرجه أحمد في مسنده. قوله: (هذا حديث غريب) في سنده محمد بن حميد الرازي وهو ضعيف (وحين رأيته) أي حين لقيت البخاري (ثم ضعفه بعد) في تهذيب التهذيب: قال البخاري فيه نظر، فقيل له ذلك فقال أكثر على نفسه.
1681- حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ، أنبأنا إسماعيلُ بنُ أبي خَالدٍ عن ابنِ أبي أوْفَى قالَ: "سَمِعْتُهُ يقُولُ، يَعْنِي النبيّ صلى الله عليه وسلم، يَدْعُو على الأحْزَابِ فقالَ: اللّهُمّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَريعَ الْحِسَابِ، اهْزِمِ الأحْزَابَ وزَلْزِلْهُمْ". قال أبو عيسى وفي البابِ عنِ ابنِ مَسْعُودٍ. وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (عن ابن أبي أوفى) هو عبد الله بن أبي أوفى علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي صحابي شهد الحديبية وعمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم دهراً. مات سنة سبع وثمانين وهو آخر من مات بالكوفة من الصحابة، كذا في التقريب. قوله: (اللهم) يعني يا الله يا (منزل الكتاب) أي القرآن (سريع الحساب) يعني يا سريع الحساب، إما يراد به أنه سريع حسابه بمجيء وقته، وإما أنه سريع في الحساب (اهزم الأحزاب) هزمهم الله تعالى بأن أرسل عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها كما ورد في سورة الأحزاب وهم أحزاب اجتمعوا يوم الخندق (وزلزلهم) قال النووي: أي ازعجهم وحركهم بالشدائد. قال أهل اللغة: الزلزال والزلزلة الشدائد التي تحرك الناس. قال: وقد اتفقوا على استحباب الدعاء عند لقاء العدو انتهى. وقال الحافظ: المراد الدعاء عليهم إذا انهزموا أن لا يستقر لهم قرار. وقال الداودي: أراد أن تطيش عقولهم وترعد أقدامهم عند اللقاء فلا يتثبتوا. قوله: (وفي الباب عن ابن مسعود) أخرجه أحمد في مسنده. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجه.
جمع لواء بكسر اللام والمد، قال في المغرب: اللواء على الجيش وهو دون الراية، لأنه شقة ثوب يلوي، وبشد إلى عود الرمح، والراية علم الجيش ويكنى أم الحرب وهو فوق اللواء. وقال أبو بكر بن العربي: اللواء غير الراية، فاللواء ما يعقد في طرف الرمح ويلوى عليه، والراية ما يعقد فيه ويترك حتى تصفقه الرياح. وقال التوربشتي: الراية هي التي يتولاها صاحب الحرب ويقاتل عليها وتميل المقاتلة إليها، واللواء علامة كبكبة الأمير تدور معه حيث دار. وفي شرح مسلم: الراية العلم الصغير، واللواء العلم الكبير، كذا في المرقاة. 1682- حدثنا محمدُ بنُ عُمَرَ بنِ الوَلِيدِ الكِنْدِيّ الكوفي و أبو كُرَيْبٍ و محمدُ بنُ رَافِعٍ قالُوا: حدثنا يَحْيى بنُ آدَمَ عن شَرِيكٍ عن عَمّارٍ يعني الدّهْنِي عن أبي الزّبَيْرِ عن جَابِرٍ: "أنّ النبي صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكّةَ وَلِوَاؤُهُ أبْيَضُ". قال أبو عيسى هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ يَحْيى بنِ آدَمَ عن شَرِيكٍ قال وسَأَلْتُ محمداً عن هذا الْحَديثِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بنِ آدَمَ عن شَرِيكٍ. وقالَ حدثنا غَيْرُ واحِدٍ عن شَرِيكٍ عن عَمّارٍ عن أبِي الزّبَيْرِ عن جَابِرٍ: "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكّةَ وعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ". قال محمدٌ: والحديثُ هُوَ هذا. قال أبو عيسى والدّهْنُ بَطْنٌ مِنْ بَجِيلَةَ وَعمّارٌ الدّهْنِيّ هُوَ عَمّارُ بنُ مُعَاوِيَةَ الدّهْنِي، ويُكْنَى أبَا مُعَاوِيَةَ، وهُوَ كُوفِيّ وهو ثِقَةٌ عندَ أهلِ الحديثِ. قوله: (ومحمد بن عمر بن الوليد الكندي) أبو جعفر الكوفي صدوق من الحادية عشرة. قوله: (دخل مكة) أي يوم الفتح. قوله: (هذا حديث غريب) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه (قال محمد: والحديث هو هذا) أي الحديث المحفوظ هو هذا الحديث لأنه رواه غير واحد عن شريك، وأما حديث يحيى بن آدم عن شريك بلفظ: دخل مكة ولواؤه أبيض، فليس بمحفوظ لتفرد يحيى بن آدم به ومخالفته لغير واحد من أصحاب شريك (والدهن) بضم أوله وسكون الهاء بعدها نون.
جمع راية قد عرفت معناها، والفرق بينها وبين اللواء في الباب المتقدم، قال الحافظ: وجنح الترمذي إلى التفرقة فترجم بالألوية وأورد حديث جابر، ثم ترجم للرايات وأورد حديث البراء وحديث ابن عباس. 1683- حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ حدثنا يَحْيَى بنُ زَكَرِيّا بنُ أبي زَائِدَةَ حدثنا أبو يَعْقُوبَ الثّقَفِيّ حدثنا يُونُسُ بنُ عُبَيْدٍ مَوْلَى محمدِ بنِ القَاسِمِ قَالَ: بَعَثَنِي محمدُ بن القَاسِمِ إلى البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ أسْأَلُهُ عن رَايَةِ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ: "كانَتْ سَوْدَاءَ مُربّعَةً مِنْ نَمِرَةَ". قال أبو عيسى وفي البابِ عن علي والْحَارِثِ بنِ حَسّانَ وابنِ عَبّاسٍ. قال أبو عيسى وهذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ ابنِ أبي زَائِدَةَ. وأبُو يَعْقُوبَ الثّقَفِيّ اسْمُهُ إسحاقُ بنُ إبراهيمَ، وَرَوَى عنهُ أيضاً عُبَيْدُ الله بن مُوسَى. 1684- حدثنا محمدُ بنُ رَافِعٍ حدثنا يَحْيَى بنُ إسحاقَ وهُوَ السّالِحانِيّ حدثنا يَزِيدُ بنُ حِبّانَ قال سَمِعْتُ أبَا مِجْلَزٍ لاحِقَ بنَ حُمَيْدٍ يُحَدّثُ عن ابن عَبّاسٍ قال: "كانَتْ رَايَةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم سَوْداءَ، وَلوِاؤُهُ أبْيَضَ". قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هذا الوجْهِ من حَديثِ ابنِ عباسٍ. قوله: (حدثنا يونس بن عبيد مولى محمد بن القاسم) الثقفي مقبول من الرابعة (قال) أي يونس (بعثني) أي أرسلني (أسأله عن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لونها وكيفيتها (كانت سوداء) قال القاضي: أراد بالسوداء ما غالب لونه سواد بحيث يرى من البعيد أسود، لا ما لونه سواد خالص لأنه قال (من نمرة) بفتح الكسر وهي بردة من صوف يلبسها الأعراب فيها تخطيط من سواد وبياض، ولذلك سمت نمرة تشبيهاً بالنمر، ذكره القاري. قوله: (وفي الباب عن علي والحارث بن حسان وابن عباس) أما حديث علي فأخرجه أحمد، وأما حديث الحارث بن حسان فأخرجه ابن ماجه، وأما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي في هذا الباب، ولأبي الشيخ عن ابن عباس: كان مكتوباً على رايته: لا إله إلا الله محمد رسول الله. قال الحافظ وسنده واه. قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه (وأبو يعقوب الثقفي اسمه إسحاق بن إبراهيم) الكوفي وثقه ابن حبان وفيه ضعف من الثامنة كذا في التقريب. قوله: (حدثنا يحيى بن إسحاق هو السالحاني) قال في التقريب: يحيى بن إسحاق السيلحيني بمهملة ممالة وقد تصير ألفاً ساكنة وفتح اللام وكسر المهملة ثم تحتانية ساكنة ثم نون، أبو زكرياً أو أبو بكر نزيل بغداد، صدوق من كبار العاشرة (حدثنا يزيد بن حبان) النبطي البلخي نزيل المدائن أخو مقاتل صدوق يخطئ من السابعة (سمعت أبا مجلز) بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي (لاحق بن حميد) بن سعيد السدوسي البصري مشهور بكنيته ثقة من كبار الثالثة. قوله: (كانت راية النبي صلى الله عليه وسلم سوداء) قال ابن الملك: أي ما غالب لونه أسود بحيث يرى من البعيد أسود لا أنه خالص السواد يعني لما سبق أنها كانت من نمرة (ولواؤه أبيض) بالنصب على أنه خبر كان، ويجوز رفعه على الخبرية. وروى أبو داود من طريق سِمَاك عن رجل من قومه عن آخر منهم: رأيت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم صفراء، ويجمع بينه وبين أحاديث الباب باختلاف الأوقات. قوله: (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن ماجه والحاكم قال المنذري: وأخرج البخاري هذا الحديث في تاريخه الكبير من رواية يزيد هذا مختصراً على الراية.
قال في القاموس: الشعار ككتاب العلامة في الحرب والسفر. وقال في النهاية: ومنه الحديث: إن شعار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان في الغزو يا منصور (أمت أمت) أي علامتهم التي كانوا يتعارفون بها في الحرب انتهى. 1685- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا وَكِيعٌ حدثنا سُفْيَانُ عن أبي إسحاقَ عن المهَلّبِ بن أبي صُفْرَةَ، عَمّنْ سَمِعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إنْ بَيّتَكُمُ العَدُوّ فَقُولُوا: حم لا يُنْصَرُونَ". قال أبو عيسى وفي البابِ عن سَلَمَةَ بنِ الأكْوَعِ. وهَكَذَا رَوَى بَعْضُهُمْ عنْ أبي إسحاقَ مِثْلَ رِوَايَةِ الثّوْرِيّ. وَروى عنهُ عن المُهَلّبِ بنِ أبِي صُفْرَةَ عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً. قوله: (عن المهلب بن أبي صفرة) بضم المهملة وسكون الفاء، واسمه ظالم بن سارق العتكي الأزدي أبي سعيد البصري من ثقات الأمراء وكان عارفاً بالحرب فكان أعداؤه يرمونه بالكذب، من الثانية: وله رواية مرسلة: قال أبو إسحاق السبيعي: ما رأيت أمير أفضل منه. كذا في التقريب. قوله: (إن بيتكم العدو) أي إن قصدكم بالقتل ليلاً واختلطتم معهم. قال في النهاية: تبييت العدو هو أن يقصد في الليل من غير أن يعلم فيؤخذ بغتة وهو البيات (فقولوا) وفي رواية أبي داود إن بيتم فليكن شعاركم (حم لا ينصرون) بصيغة المجهول. قال القاضي: معناه بفضل السور المفتتحة بحم ومنزلتها من الله لا ينصرون. وقال الخطابي: معناه الخبر، ولو كان بمعنى الدعاء لكان مجزوماً، أي لا ينصرووا، وإنما هو إخبار كأنه قال: والله إنهم لا ينصرفون. وقد روى عن ابن عباس أنه قال: حم اسم من أسماء الله فكأنه حلف بالله أنهم لا ينصرون. وقال الجزري في النهاية: قيل معناه اللهم لا ينصرون، ويريد به الخبر لا الدعاء، لأنه لو كان دعاء لقال لا ينصروا مجزوماً، فكأنه قال والله لا ينصرون، وقيل إن السور التي في أولها حم سور لها شأن، فنبه أن ذكرها لشرف منزلتها مما يستظهر به على استنزال النصر من الله، وقوله "لا ينصرون" كلام مستأنف كأنه حين قال قولوا: حم قبل ماذا يكون إذا قلنا؟ فقال: لا ينصرون انتهى. قوله: (وفي الباب عن سلمة بن الأكوع) أخرج حديثه أبو داود والنسائي بلفظ: قال غزونا مع أبي بكر زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان شعارناً أمت أمت.
1686- حدثنا محمدُ بنُ شُجَاعٍ البَغْدَادِيّ حدثنا أبو عُبيْدَةَ الحَدّادُ عن عثمانَ بنِ سَعْدٍ عَنْ ابنِ سِيرِينَ قال: "صَنَعْتُ سَيْفِي على سَيْفِ سَمُرَةَ بن جندب وَزَعَمَ سَمُرَةَ أنّهُ صَنَعَ سَيْفَهُ على سَيْفِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وكانَ حَنَفِيّا". قال أبو عيسى هذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إلا مِنْ هذا الوجْهِ. وقد تَكَلّمَ يَحْيَى بنُ سعِيدٍ القَطّانُ في عثمانَ بنِ سَعْدٍ الكَاتِبِ وَضَعّفَهُ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ. قوله: (حدثنا محمد بن شجاع البغدادي) المروزي بفتح الميم وتشديد الراء المضمومة وبالذال المعجمة، ثقة من العاشرة (حدثنا أبو عبيدة الحداد) اسمه عبد الواحد بن واصل السدوسي مولاهم البصري نزيل بغداد ثقة، تكلم فيه الأزدي بغير حجة من التاسعة (عن عثمان بن سعد) التميمي أبي بكر البصري الكاتب المعلم ضعيف من الخامسة. قوله: (صنعت سيفي على سيف سمرة) أي على هيئة سيفه (وكان حنفياً) قال في المجمع في حديث سيفه وكان حنيفاً هو منسوب إلى أحنف بن قيس تابعي كبير وتنسب إليه لأنه أول من أمر باتخاذها والقياس أحنفي انتهى. وقال في هامش النسخة الأحمدية: قوله حنيفاً أي على هيئة سيوف بني حنيفة قبيلة مسيلمة لأن صانعه منهم أو ممن يعمل كعملهم انتهى.
1687- حدثنا أحمدُ بنُ محمدِ بنِ مُوسَى أنبأنا عبدُ الله بنُ المبَارَكِ أنبأنا سَعِيدُ بنُ عبدِ العزيزِ عن عَطِيّةَ بن قَيْسٍ عن قَزَعَةَ عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ قال: لَمّا بَلَغَ النبيّ صلى الله عليه وسلم عام الفَتْحِ مَرّ الظّهْرَانِ فَآذَنَنَا بِلِقَاءِ العَدُوّ فَأَمَرَنَا بالفِطْرِ فَأفْطَرْنَا أَجْمَعونَ". قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وفي الباب عن عمر. قوله: (عن قزعة) بزاي وفتحات ابن يحيى البصري ثقة من الثالثة. قوله: (مر الظهران) بفتح الميم والظاء، قال في النهاية: هو واد بين مكة وعسفان واسم القرية المضافة إليه مر بفتح الميم وتشديد الراء انتهى (فآذننا) أي أعلمنا (فأمرنا بالفطر فأفطرنا أجمعين) وفي رواية مسلم: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن صيام قال فنزلنا منزلاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر ثم نزلنا منزلاً آخر فقال إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا وكانت عزمة فأفطرنا وفيه دليل على أن الفطر لمن وصل في سفره إلى موضع قريب من العدو أولى، لأنه ربما وصل إليهم العدو إلى ذلك الموضع الذي هو مظنة ملاقاة العدو، ولهذا كان الإفطار أولى ولم يتحتم، وأما إذا كان لقاء العدو متحققاً فالإفطار عزيمة، لأن الصائم يضعف عن منازلة الأقران، ولا سيما عند غليان مراجل الضراب والطعان، ولا يخفى ما في ذلك من الإهانة لجنود المحقين وإدخال الوهن على عامة المجاهدين من المسلمين. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود.
1688- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا أبو دَاوُدَ الطّيَالِسِيّ قال: أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عن قَتَادَةَ حدثنا أنَسُ بنُ مالِكٍ قال: "رَكِبَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَرَساً لأَبِي طَلْحَةَ يُقَالُ لَهُ مَنْدُوبٌ، فقال: ما كانَ مِنْ فَزَعٍ وإنْ وَجَدْنَاهُ لبَحْراً". قال أبو عيسى وفي البابِ عَنْ ابن عَمْرٍو بنِ العَاصِ. وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. 1689- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا محمدُ بنُ جَعْفَرٍ و ابنُ أبي عَدِي و أبو دَاوُدَ قالوا حدثنا شُعْبَةُ عن قَتَادَةَ عن أنَسٍ بن مالك قَالَ: "كانَ فَزَعٌ بالمَدِينَةِ فاسْتَعَارَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَرَساً لَنَا يُقَالُ لَهُ مَنْدُوبٌ، فقالَ: "ما رأَيْنَا مِنْ فَزَعٍ وإنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْراً". قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. 1690- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عن ثَابِتٍ عن أَنَسٍ قال: "كانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم أجرإ الناسِ، وأجْوَد النّاسِ، وأشْجَع الناسِ، قالَ: وقَدْ فَزِعَ أهلُ المَدِينَةِ لَيْلَة سَمِعُوا صَوْتاً قال: فَتَلَقّاهُمُ النبيّ صلى الله عليه وسلم على فَرَسٍ لأبي طَلْحَةَ عُرْيٍ وهو مُتَقَلّدٌ سَيْفَهُ، فقال: لَمْ ترَاعُوا لم تُرَاعُوا، فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: وجَدْتُه بحراً- يَعْنِي الفَرَسَ". قال أبو عيسى هذا حديثٌ صحيحٌ. قوله: (ركب النبي صلى الله عليه وسلم فرساً لأبي طلحة) هو زيد بن سهل زوج أم أنس (يقال له مندوب) قال الحافظ: قيل سمى بذلك من الندب وهو الرهن عند السباق، وقيل الندب كان في جسمه وهو أثر الجرح (ما كان من فزع) أي خوف (وإن وجدناه لبحراً) قال الخطابي: إن هي النافية واللام في "لبحرا" بمعنى إلا أي ما وجدناه إلا بحراً. قال ابن التين: هذا مذهب الكوفيين، وعند البصريين إن مخففة من الثقيلة واللام زائدة، كذا قال الأصمعي، يقال للفرس بحر إذا كان واسع الجرى أو لأن جريه لا ينفد كما لا ينفد البحر، ويؤيده ما في رواية. وكان بعد ذلك لا يجازي. قوله: (وفي الباب عن عمرو بن العاص) أخرجه أحمد في مسنده. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان. (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي مولاهم أبو عبد الله البصري المعروف بغندر (وابن أبي عدي) هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي السلمي مولاهم القسملي. قوله: (كان فزع بالمدينة) أي خوف من عدو (فاستعار رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً لنا) وفي رواية للبخاري: فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرساً من أبي طلحة. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان.
1691- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ حدثنا سُفْيَانُ الثوري حدثنا أبو إسحاقَ عن البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ: قال "قالَ لَنا رَجُلٌ أفَرَرتُمْ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَاَ أَبَا عَمُارَةَ؟ قال: لا والله ما وَلّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وَلَكِنْ وَلّى سَرَعَان النّاسِ تَلَقّتْهُمْ هوَازِنُ بالنّبْلِ وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم على بَغْلَتِهِ، وَأَبُو سُفيانَ بنُ الحَارِثِ بنِ عبدِ المطّلِبِ آخِذٌ بِلِجَامِهَا، وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: أَنَا النبيّ لا كَذِب، أَنَا ابنُ عَبْدِ المُطّلِب". قال أبو عيسى وفي البابِ عن عليّ وابنِ عُمَرَ. وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. 1692- حدثنا محمدُ بنُ عُمَرَ بنِ عليّ المُقَدّمِيّ البصري حدثني أبي عن سُفْيَانَ بنِ حُسَيْنٍ عَنْ عُبَيْدِ الله بنِ عُمَر عن نَافِعٍ عن ابنِ عُمَر قالَ: "لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ حُنَيْنٍ وإنّ الفِئَتَيْنِ لِمُوَلّيَتَينِ وَمَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِائَةُ رَجُلٍ". قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نعرفه مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ الله إلاّ مِنْ هذا الوجْهِ. قوله: (أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي رواية للبخاري: أتوليت يوم حنين، وفي رواية له: أوليتم مع النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية أخرى له: أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا أبا عمارة) هي كنية البراء (ولكن ولى سرعان الناس) قال في النهاية: السرعان بفتح السين والراء أوائل الناس الذين يتسارعون إلى الشيء ويقبلون عليه بسرعة، ويجوز تسكين الراء انتهى (تلقتهم هوازن بالنبل) وفي رواية للبخاري: فرشقتهم هوازن. والرشق بالشين المعجمة والقاف رمي السهام، وهوازن قبيلة كبيرة من العرب فيها عدة بطون ينسبون إلى هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس بن غيلان بن إلياس بن مضر (ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته) هذه البغلة هي البيضاء كما في رواية الشيخين (وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب) بن هاشم وهو ابن عمر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان إسلامه قبل فتح مكة لأنه خرج إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلقيه في الطريق وهو سائر إلى فتح مكة، فأسلم وحسن إسلامه، وخرج إلى غزوة حنين فكان فيمن ثبت، كذا في الفتح (ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب) قال الحافظ في الفتح قال ابن التين: كان بعض أهل العلم بفتح الباء من قوله لا كذب، ليخرجه عن الوزن. وقد أجيب عن مقالته صلى الله عليه وسلم هذا الرجز بأجوبة أحدها أنه نظم غيره وأنه كان فيه أنت النبي لا كذب أنت ابن عبد المطلب. فذكره بلفظ أنا في الموضعين. ثانيها: أنه رجز وليس من أقسام الشعر، وهذا مردود. ثالثها أنه لا يكون شعراً حتى يتم قطعته، وهذه كلمات يسيرة ولا تسمى شعراً. رابعها أنه خرج موزوناً ولم يقصد به الشعر، وهذا أعدل الأجوبة. وأما نسبته إلى عبد المطلب دون أبيه عبد الله فكأنها لشهرة عبد المطلب بين الناس لما رزق من نباهة الذكر وطول العمر، بخلاف عبد الله فإنه مات شاباً، ولهذا كان كثير من العرب يدعونه ابن عبد المطلب، كما قال ضمام بن ثعلبة لما قدم: أيكم ابن عبد المطلب، وقيل لأنه كان اشتهر بين الناس أنه يخرج من ذرية عبد المطلب رجل يدعو إلى الله ويهدي الله الخلق على يديه ويكون خاتم الأنبياء، فانتسب إليه ليتذكر ذاك من كان يعرفه، وقد اشتهر ذلك بينهم، وذكره سيف بن ذي يزن قديماً لعبد المطب قبل أن يتزوج عبد الله آمنة وأراد صلى الله عليه وسلم تنبيه أصحابه بأنه لا يدمن ظهوره وأن العاقبة له لتقوى قلوبهم إذا عرفوا أنه ثابت غير منهزم. وأما قوله "لا كذب" ففيه إشارة إلى أن صفة النبوة يستحيل معها الكذب، فكأنه قال: أنا النبي والنبي لا يكذب فلست بكاذب فيما أقول حتى أنهزم وأنا متيقن بأن الذي وعدني الله به من النصر حق فلا يجوز على الفرار. وقيل معنى قوله "لا كذب" أي أنا النبي حقاً لا كذب في ذلك، انتهى ما في الفتح. قوله: (وفي الباب عن علي وابن عمر) أما حديث علي فأخرجه أحمد، وأما حديث ابن عمر فأخرجه الترمذي في هذا الباب. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان. قوله: (حدثنا محمد بن عمر بن علي) بن عطاء بن مقدم قوله: (المقدمي) بالتشديد البصري صدوق من صغار العاشرة (عن سفيان بن حسين) بن حسن الواسطي ثقة في غير الزهري باتفاقهم من السابعة مات بالري مع المهدي وقيل في أول خلافة الرشيد، كذا في التقريب. قوله: (وإن الفئتين لموليتان) كذا في النسخ الحاضرة، وأورد الحافظ هذا الحديث في الفتح نقلاً عن الترمذي وفيه: وإن الناس لمولين، مكان: وإن الفئتين لموليتان، حيث قال: وروى الترمذي من حديث ابن عمر بإسناد حسن قال: لقد رأيتنا يوم حنين وإن الناس لمولين وما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة رجل. قال الحافظ: وهذا أكثر ما وقفت عليه من عدد من أثبت يوم حنين. وروى أحمد والحاكم من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين فولى عنه الناس وثبت معه ثمانون رجلاً من المهاجرين والأنصار فكنا على أقدامنا. ولم نولهم الدبر وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة. وهذا لا يخالف حديث ابن عمر فإنه نفى أن يكونوا مائة، ولبن مسعود أثبت أنهم كانوالا ثمانين. قوله: (أحسن الناس) أي خلقاً وخلقاً وصورة وسيرة ونسباً وحسباً ومعاشرة ومصاحبة (وأجود الناس) أي أكثرهم كرماً وسخاوة (وأشجع الناس) أي قوة وقلباً (ولقد فزع) بكسر الزاي أي خاف (ليلة سمعوا صوتاً) أي منكراً (فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم) وفي رواية لمسلم: فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً وقد سبقهم إلى الصوت (على فرس لأبي طلحة عرى) بضم فسكون أي ليس عليه سرج (وهو) أي النبي صلى الله عليه وسلم (متقلد سيفه) وفي رواية لمسلم: في عنقه السيف (لم تراعوا) بضم التاء والعين مجهول من الروع بمعنى الفزع والخوف أي لم تخافوا ولم تفزعوا، وأتى بصيغة الجحد مبالغة في النفي وكأنه ما وقع الروع والفزع قط (لم تراعوا) كرره تأكيداً أو كل لخطاب قوم من عن يمينه ويساره. قوله: (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان.
1693- حدثنا محمدُ بنُ صُدْرَانَ أبُو جَعْفَرٍ البَصْرِيّ حدثنا طَالِبُ بنُ حُجَيْرٍ عن هُودٍ بنُ عبدِ الله بن سَعْدٍ عن جَدّهِ مزِيدَةَ قال: "دَخَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الفَتْحِ وعلى سَيْفِهِ ذَهَبٌ وفِضّةٌ، قالَ طَالِبٌ: فَسَأَلْتُهُ عن الفِضّةِ فقال: كانَتْ قَبِيعَةُ السّيْفِ فِضّةً". قال أبو عيسى وفي البابِ عن أنَسٍ. وهذا حديثٌ حسن غريبٌ. وجَدّ هُودٍ اسْمُهُ مَزِيدَةُ العَصَرِيّ. 1694- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ بن حازمٍ حدثنا أبي عن قَتَادَةَ عن أنَسٍ قالَ: "كانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ فِضّةٍ". قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ غَرِيبٌ وهَكَذَا رُوِيَ عن هَمّامٍ عن قَتَادَةَ عن أنَسٍ، وقَدْ رَوَى بعضُهُمْ عن قَتَادَةَ عن سَعِيدِ بنِ أبي الْحَسَنِ قَالَ: كانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ فِضّةٍ. قوله: (حدثنا محمد بن صدران أبو جعفر البصري) قال في التقريب: محمد بن إبراهيم بن صدران بضم المهملة والسكون الأزدي السلمي أبو جعفر المؤذن البصري وقد ينسب لجده صدوق من العاشرة (حدثنا طالب بن حجين) بمهملة وجيم مصغراً العبدي البصري صدوق من السابعة (عن هو بن عبد الله بن سعد) العبدي العصري مقبول من الرابعة (عن جده) لأمه (مزيدة) بوزن كبيرة ابن جابر أو ابن مالك وهو أصح، العصري صحابي مقل. قوله: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي مكة (فسألته) أي هوداً (وكانت قبيعة السيف فضة) في النهاية: هي التي تكون على رأس قائم السيف، وقيل ما تحت شاربي السيف، وفي القاموس: قبيعة السيف ما على طرف مقبضه من فضة أو حديدة. وقال الخطابي: قبيعة السيف الثومة التي فوق المقبض انتهى. قوله: (وفي الباب عن أنس) أخرج حديثه الترمذي في هذا الباب. قوله: (هذا حديث غريب) قال التوربشتي: حديث مزيدة لا يقوم به حجة إذ ليس له سند يعتد به، ذكر صاحب الاستيعاب حديثه وقال إسناده ليس بالقوي انتهى. وقال الذهبي في الميزان في ترجمة طالب بن حجير بعد ذكر هذا الحديث ما لفظه: قال الترمذي حسن غريب. وقال الحافظ: أبو الحسن القطار هو عندي ضعيف لا حسن، وصدق أبو الحسن تفرد طالب به وهو صالح الأمر إن شاء الله وهذا منكر، فما علمنا في حلية سيفه صلى الله عليه وسلم وسلم ذهباً، انتهى كلام الذهبي. قلت: ويدل على ضعف هذا الحديث حديث أبي أمامة عند البخاري: لقد فتح الفتوح قوم ما كانت حلية سيوفهم الذهب ولا الفضة إنما كانت حليتهم العلابي والاَنك والحديد. قال الحافظ في شرح هذا الحديث: وفي هذا الحديث أن تحلية السيوف وغيرها من آلات الحرب بغير الذهب والفضة أولى. وأجاب من أباحها بأن تحلية السيوف بالذهب والفضة إنما شرع لإرهاب العدو، وكان لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك غنية لشدتهم في أنفسهم وقوتهم في إيمانهم انتهى. قوله: (حدثنا أبي) أي جرير بن حازم. قوله: (وكانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة) في شرح السنة: فيه دليل على جواز تحلية السيف بالقليل من الفضة، وكذلك المنطقة. واختلفوا في اللجام والسرج فأباحه بعضهم كالسيف وحرم بعضهم لأنه من زينة الدابة. وكذلك اختلفوا في تحلية سكين الحرب والمقلمة بقليل من الفضة، فأما التحلية بالذهب فغير مباح في جميعها. قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود والنسائي والدارمي (وهكذا روي عن همام عن قتادة عن أنس) أي كما رواه جرير عن قتادة عن أنس أي كما رواه جرير عن قتادة عن أنس كذلك رواه همام عن قتادة عن أنس وقد رواه النسائي عنهما جميعاً فقال: أخبرنا أبو داود قال حدثنا عمرو بن عاصم قال حدثنا همام وجرير قال حدثنا عن أنس قال: كان نعل سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة وقبيعة سيفه فضة وما بين ذلك حلق فضة (وقد روى بعضهم عن قتادة عن سعيد بن أبي الحسن الخ) المراد من بعضهم هو هشام الدستوائي فقد روى أبو داود والنسائي من طريق هشام عن قتادة عن سعيد بن أبي الحسن قال كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فضة، وهذا الحديث مرسل لأن سعيد بن أبي الحسن تابعي، قال الحافظ في التقريب: سعيد بن أبي الحسن البصري أخو الحسن ثقة من الثالثة. اعلم أن أبا داود والنسائي وغيرهما قد صرحوا بأن حديث هشام عن قتادة عن سعيد بن أبي الحسن هو المحفوظ، فقال أبو داود في سننه: أقوى هذه الأحاديث حديث سعيد بن أبي الحسن والباقية ضعاف. وقال الدارمي في مسنده: باب قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أبو النعمان حدثنا جرير بن حازم عن قتادة عن أنس قال: كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة، قال عبد الله يعني الدارمي: هشام الدستوائي خالفه فقال قتادة عن سعيد ابن أبي الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم وزعم الناس أنه هو المحفوظ. وقال الزيلعي: قال النسائي هذا حديث منكر والصواب قتادة عن سعد بن أبي الحسن وما رواه عن همام غير عمرو بن عاصم انتهى. وقال الحافظ في تهذيب رسول الله التهذيب: قال أحمد حديث جرير عن قتادة عن أنس قال: كانت قبيعة سيف صلى الله عليه وسلم فضة خطأ، والصواب عن قتادة عن سعيد بن أبي الحسن انتهى ما في تهذيب التهذيب محصلاً. لكن قال الحافظ ابن القيم إن حديث قتادة عن أنس محفوظ لاتفاق جرير بن حازم وهمام على قتادة عن أنس، والذي رواه عن قتادة عن سعيد بن أبي الحسن مرسلاً هو هشام الدستوائي، وهشام وإن كان مقدماً في أصحاب قتادة فليس همام وجرير إذاً تفقا بدونه انتهى. قلت: الظاهر قال ما قال ابن القيم والله تعالى أعلم.
1695- حدثنا أبو سَعِيدٍ الأَشَجّ حدثنا يُونُسُ بنُ بُكَيْرٍ عن محمدِ بنِ إسحاقَ عن يَحْيَى بنِ عَبّادِ بنِ عَبْدِ الله بنِ الزّبَيْرِ عن أبِيهِ عن جَدّهِ عبدِ الله بنِ الزّبَيْرِ عن الزبير بنِ العَوّامِ قالَ: "كانَ على النبيّ صلى الله عليه وسلم دِرْعَانِ يَوْمَ أُحُدٍ، فَنَهَضَ إلى الصّخْرَةِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ، فَأَقْعَدَ طَلْحَةَ تَحْتَهُ، فَصَعِدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم عليه حتى اسْتَوَى على الصّخْرَةِ، فقالَ: سَمِعْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "أوْجَبَ طَلْحَةُ". قال أبو عيسى وفي البابِ عن صَفْوَانَ بنِ أُمَيّةَ والسّائِبِ بنِ يَزِيدَ. وهذا حديثٌ حسن غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حديثِ محمدِ بنِ إسحاقَ. قوله: (عن جده عبد الله بن الزبير) بن العوام القرشي الأسدي كان أول مولود في الإسلام بالمدينة من المهاجرين وولي الخلافة تسع سنين: وقتل في ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين، كذا في التقريب. قوله: (كان على النبي صلى الله عليه وسلم درعان) أي مبالغة في قوله تعالى: {خذوا حذركم} وقوله: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} فإنها تشمل الدرع وإن فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بأقوى أفرادها حيث قال: ألا إن القوة الرمي، قال القاري: وفيه إشارة إلى جواز المبالغة في أسباب المجاهدة وأنه لا ينافي التوكل والتسليم بالأمور الواقعة المقدرة (يوم أحد) بضمتين موضع معروف بالمدينة (فنهض) أي قام متوجهاً (إلى الصخرة) أي التي كانت هناك يستوي عليها وينظر إلى الكفار ويشرف على الأبرار (أوجب طلحة) أي الجنة كما في رواية، والمعنى أنه أثبتها لنفسه بعمله هذا أو بما فعل في ذلك اليوم، فإنه خاطر بنفسه يوم أحد وفدى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلها وقاية له حتى طعن ببدنه وجرح جميع جسده حتى شلت يده ببضع وثمانين جراحة كذا في المرقاة. قوله: (وفي الباب عن صفوان بن أبي أمية والسائب بن يزيد) أما حديث صفوان بن أمية فأخرجه أحمد في مسنده، وأما حديث السائب بن يزيد فأخرجه أبو داود وابن ماجه عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عليه يوم أحد درعان قد ظاهر بينهما. قوله: (هذا حديث حسن غريب الخ) وأخرجه أحمد، كذا في المرقاة.
قال في القاموس: المغفر كمنبر وبهاء وكتابة زرد من الدرع يلبس تحت القلنسوة أو حلق يتقنع بها المتسلح انتهى. وقال في الصراح: زرد بالتحريك زرد بافته زراد زرة كر. 1696- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا مالِكُ بنُ أَنَسٍ عن ابن شِهَابٍ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قالَ: "دَخَلَ النبيّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الفَتْحِ وعلى رَأْسِهِ المِغْفَرُ فَقِيلَ لَهُ ابنُ خَطَلٍ مُتَعَلّقٌ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ، فقال: اقْتُلُوهُ". قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريب. لا نَعْرِفُ كَبِيرَ أحَدٍ رَوَاهُ غَيْرُ مالِكٍ عن الزّهْرِيّ. قوله: (عام الفتح) أي عام فتح مكة (وعلى رأسه المغفر) زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس، وقيل هو رفرف البيضة. قال في المحكم وفي المشارق: هو ما يجعل من فضل الدروع الحديد على الرأس مثل القلنسوة. وفي رواية زيد بن الحباب عن مالك يوم الفتح: وعليه مغفر من حديد. أخرجه الدارقطني في الغرائب (فقيل له) أي النبي صلى الله عليه وسلم (ابن خطل) بفتح الخاء المعجمة قال الحافظ: والجمع بين ما اختلف فيه من اسمه كان يسمى عبد العزى فلما أسلم سمى عبد الله، وأما من قال هلال فالتبس عليه بأخ له اسمه هلال انتهى. (قال اقتلوه) قال الحافظ: والسبب في قتل ابن خطل وعدم دخوله في قوله: من دخل المسجد فهو آمن، ما روى إسحاق في المغازي حدثني عبد الله بن أبي بكر وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة قال: لا يتقل أحد إلا من قاتل إلا نفراً سماهم، فقال اقتلوهم وإن وجدتموهم تحت أستار الكعبة، منهم عبد الله بن خطل وعبد الله بن سعد، وإنما أمر بقتل ابن خطل لأنه كان مسلماً فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقاً وبعث معه رجلاً من الأنصار، وكان معه مولى يخدمه وكان مسلماً، فنزل منزلاً فأمر المولى أن يذبح تيساً ويصنع له طعاماً فنام واستيقظ ولم يصنع له شيئاً، فعدى عليه فقتله ثم ارتد مشركاً، وكانت له قينتان تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري في الحج وفي الجهاد وفي المغازي وفي اللباس، وأخرجه مسلم في المناسك، وأبو داود في الجهاد، والنسائي في الحج وفي السير، وابن ماجه في الجهاد. قوله: (لا نعرف كبير أحد رواه غير مالك عن الزهري) كذا في النسخ الحاضرة عندنا، ونقل الحافظ في الفتح هذه العبارة بلفظ: لا يعرف كثير أحد رواه غير مالك عن الزهري كما ستقف، قال الحافظ: وقيل إن مالكاً تفرد به عن الزهري، وممن جزم بذلك ابن الصلاح في علوم الحديث له في الكلام على الشاذ، وتعقبه شيخنا الحافظ أبو الفضل العراقي بأنه ورد من طريق ابن أخي الزهري وأبي أويس ومعمر والأوزاعي، وقال إن رواية ابن أخي الزهري عند والبزار ورواية أبي أويس عبد ابن سعد وابن عدي وأن رواية معمر ذكرها ابن عدي، وأن رواية الأوزاعي ذكرها المزني ولم يذكر شيخنا من أخرج روايتهما، وقد وجدت رواية معمر في فوائد ابن المقري، ورواية الأوزاعي في فوائد تمام، ثم نقل شيخنا عن ابن السدي أن ابن العربي قال حين قيل له لم يروه إلا مالك: قد رويته من ثلاثة عشر طريقاً غير طريق مالك وإنه وعد بإخراج ذلك ولم يخرج شيئاً. وأطال ابن السدي في هذه القصة وأنشد فيها شعراً وحاصلها أنهم اتهموا ابن العربي في ذلك ونسبوه إلى المجازفة، ثم شرح ابن السدي يقدح في أصل القصة ولم يصب في ذلك، فراوي القصة عدل متقن، والذين اتهموا ابن العربي في ذلك هم الذين أخطأوا لقلة اطلاعهم، وكأنه بخل عليهم بإخراج ذلك لما ظهر له من إنكارهم وتعنتهم وقد تتبعت طرقه حتى وقفت على أكثر من العدد الذي ذكره ابن العربي ولله الحمد، ثم ذكر الحافظ تلك الطرق التي وجدها ثم قال: فتبين بذلك أن إطلاق ابن الصلاح متعقب، وأن قول ابن العربي صحيح، وأن كلام من اتهمه مردود ولكن ليس في طرقه شيء على شرط الصحيح إلا طريق مالك، فيحمل قول من قال انفرد به مالك أي بشرط الصحة، وقول من قال توبع أي في الجملة، وعبارة الترمذي سالمة من الاعتراض فإنه قال بعد تخريجه حسن صحيح غريب لا يعرف كثير أحد رواه غير مالك عن الزهري، فقوله كثير يشير إلى أنه توبع في الجملة انتهى كلام الحافظ مختصراً.
1697- حدثنا هَنّادٌ حدثنا عَبْثَرُ بنُ الْقَاسِمِ عَنْ حُصَيْنٍ عن الشّعْبِيّ عن عُرْوَةَ البَارِقِيّ قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الْخَيْرُ مَعْقُودٌ في نوَاصِي الْخَيْلِ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ: الأجْرُ والمَغْنَمُ". قال أبو عيسى وفي البابِ عن ابنِ عُمَرَ وأبي سَعِيدٍ وجَريرٍ وأبي هُرَيْرَةَ وأسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ والمُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ وَجَابِرٍ. قال أبو عيسى وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وعُرْوَةُ هُوَ ابنُ أبي الْجَعْدِ البَارِقِيّ ويقالُ هو عُرْوَة بنُ الْجَعْدِ. قال أحمدُ بنُ حَنْبَلٍ: وفِقْهُ هذا الحديثِ أنّ الْجِهَادِ مَعَ كُلّ إمَامٍ إلى يَوْمِ القيامةِ. قوله: (حدثنا عبثر) بفتح أوله وسكون الموحدة وفتح المثلثة (بن القاسم) الزبيدي بالضم أو زبيد كذلك الكوفي ثقة من الثامنة (عن عروة البارقي) هو ابن الجعد، ويقال ابن أبي الجعد، ويقال اسم أبيه عياض صحابي، سكن الكوفة وهو أول قاض بها. قوله: (الخير معقود في نواصي الخيل) أي ملازم بها كأنه معقود فيها، كذا في النهاية: والمراد بالخيل ما يتخذ للغزو بأن يقاتل عليه أو يرتبط لأجل ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: الخيل لثلاثة الحديث، ولقوله في آخر الحديث الأجر والمغنم، قال عياض: إذا كان في نواصيها البركة فيبعد أن يكون فيها شؤم، فيحتمل أن يكون الشؤم في غير الخيل التي ارتبطت للجهاد وأن الخيل التي أعدت له هي المخصوصة بالخير والبركة، أو يقال الخير والشر يمكن اجمتاعهما في ذات واحدة، فإنه فسر الخير بالأجر والمغنم، ولا يمنع ذلك أن يكون ذلك الفرس مما يتشاءم به انتهى. (الأجر والمغنم) بدل من قوله الخير أو هو خير مبتدأ أو محذوف أي هو الأجر والمغنم، ووقع عند مسلم من رواية جرير عن حصين قالوا: بم ذلك يا رسول الله؟ قال الأجر والمغنم، قال الطيبي: يحتمل أن يكون الخير الذي فسر بالأجر والغنم استعاره لظهوره وملازمته، وخص الناصية لرفعة قدرها وكأنه شبهه لظهوره بشيء محسوس معقود على مكان مرتفع، فنسب الخير إلى لازم المشبه به، وذكر الناصية تجديداً للاستعارة، والمراد بالناصية هنا الشعر المسترسل على الجبهة قاله الخطابي وغيره. قالوا: ويحتمل أن يكون كنى بالناصية عن جميع ذات الفرس كما يقال: فلان مبارك الناصية، قال الحافظ: ويبعده لفظ الحديث الثالث يعني حديث أنس: البركة في نواصي الخيل. وقد روى مسلم من حديث جابر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوي ناصية فرسه بأصبعه ويقول، فذكر الحديث، فيحتمل أن تكون الناصية خصت بذلك لكونها المقدم منها إشارة إلى أن الفضل في الإقدام بها على العدو دون المؤخر لما فيه من الإشارة إلا الإدبار. قوله: (وفي الباب عن ابن عمر، وأبي سعيد وجرير وأبي هريرة وأسماء بنت يزيد والمغيرة بن شعبة وجابر) أما حديث ابن عمر فأخرجه مالك وأحمد والشيخان والنسائي وابن ماجه، وأما حديث أبي سعيد فأخرجه أحمد، وأما حديث جرير فأخرجه أحمد ومسلم والنسائي والطحاوي، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي في باب من ارتبط فرساً في سبيل الله، وأخرجه أيضاً مسلم والنسائي وابن ماجه، وأما حديث أسماء بنت يزيد فأخرجه أحمد، وأما حديث المغيرة بن شعبة فأخرجه أبو يعلى. وأما حديث جابر فأخرجه أحمد والطحاوي. وفي الباب أحاديث أخرى عن غير هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم ذكرها الحافظ في الفتح في شرح باب الجهاد ماض مع البر والفاجر. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجه والطحاوي. قوله: (قال أحمد بن حنبل: وفقه هذا الحديث أن الجهاد مع كل إمام) أي براً كان أو فاجراً (إلى يوم القيامة) يعني أن الجهاد ماض مع كل إمام إلى يوم القيامة. وقال البخاري في صحيحه: باب الجهاد ماض مع البر والفاجر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة قال الحافظ: سبقه إلى الاستدلال بهذا الإمام أحمد لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر بناء الخير في نواصي الخيل إلى يوم القيامة وفسره بالأجر والمغنم، والمغنم المقترن بالأجر إنما يكون من الخيل بالجهاد، ولم يقيد ذلك بما إذا كان الإمام عادلاً، فدل على أن لا فرق في حصول هذا الفضل بين أن يكون الغزو مع الإمام العادل والجائر انتهى.
1698- حدثنا عبدُ الله بنُ الصّباحِ الهَاشِميّ البَصْرِيّ حدثنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ أخبرنا شَيْبَانُ يعني بن عبدِ الرحمنِ حدثنا عيسى بنُ عليّ بنِ عبدِ الله بن عباس عن أبيهِ عن ابنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يُمْنُ الْخَيْلِ في الشّقْرِ". قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هذا الوجْهِ مِنْ حديثِ شيبَانَ. 1699- حدثنا أحمدُ بنُ محمدٍ أخبرنا عبدُ الله بنُ المبَارَكِ أخبرنا ابنُ لَهِيعَةَ عن يَزِيدَ بنِ أبي حَبيبٍ عن عليّ بنِ رَبَاحٍ عن أبي قَتَادَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "خَيْرُ الْخَيْلِ الأَدْهَمُ الأَقْرَح الأَرْنم ثم الأقْرَحُ المُحَجّلُ طلقُ اليَمِينِ، فإنْ لَمْ يَكُنْ أدْهَمَ فُكَمَيّتٌ على هذه الشّيَةِ". 1700- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ حدثنا أبي عن يَحْيَى بنِ أيّوبَ عن يَزِيدَ بنِ أبي حَبيبٍ بهذا الاسناد نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ. قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ.
قوله: (حدثنا عيسى بن علي بن عبد الله) بن عباس الهاشمي الحجازي ثم البغدادي، صدوق مقل، كان معتزلاً للسلطان من السابعة (عن أبيه) أي علي بن عبد الله بن عباس، ثقة عابد من الثالثة. قوله: (بمن يختار) أي بركنها (في الشقر) بضم أوله جمع أشقر وهو أحمر. قال في مختار الصحاح: الشقرة لون الأشقر وهي في الإنسان حمرة صافية وبشرته مائلة إلى البياض، وفي الخيل حمرة صافية يحمر معها العرف والذنب، فإن اسودا فهو الكميت. قوله: (هذا حديث حسن غريب الخ) وأخرجه أحمد وأبو داود. قوله: (حدثنا أحمد بن محمد) بن موسى أبو العباس السمسار المعروف بمردويه (عن علي بن رباح) بن قصير ضد الطويل اللخمي البصري ثقة والمشهور فيه علي بالتصغير وكان يغضب منها، من صغار الثالثة. قوله: (خير الخيل الأدهم) قال التوربشتي: الأدهم الذي يشتد سواده، وقوله (الأقرح) الذي في وجهه القرحة بالضم وهي ما دون الغرة يعني فيه بياض يسير ولو قدر درهم (الأرثم) بالمثلثة أي في جحفلته العليا بياض يعني أنه الأبيض الشفة العليا، وقيل الأبيض الأنف، قاله القاري، والجحفلة بمنزلة الشفة للخيل والبغال والحمير (ثم) أي بعد ما ذكر من الأوصاف المجتمعة في الفرس (الأقرح المحجل) التحجيل بياض في قوائم الفرس أو في ثلاث منها أو في رجليه قل أو كثر بعد أن يجاوز الأرساغ لا يجاوز الركبتين والعرقوبين (طلق اليمين) بضم الطاء واللام ويسكن إذا لم يكن في إحدى قوائهما تحجيل (فإن لم يكن) أي الفرس (أدهم) أي أسود من الدهمة وهي السواد على مافي القاموس (فكميت) بالتصغير أي بأذنيه وعرفه سواد والباقي أحمر. وقال التوربشتي: الكميت من الخيل يستوي فيه المذكر والمؤنث والمصدر الكميتة وهي حمرة يدخلها فترة. وقال الخليل: إنما صغر لأنه بين السواد والحمرة لم يخلص لواحد منهما فأرادوا بالتصغير أنه قريب منهما (على هذه الشية) بكسر الشين المعجمة وفتح التحتية، وأي العلامة، وهي في الأصل كل لون يخالف معظم لون الفرس وغيره والهاء عوض عن الواو الذاهبة من أوله وهمزها لحن، وهذه إشارة إلى الأفراح الأرثم ثم المحجل طلق اليمين قوله: (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه أحمد وابن ماجه والدارمي والحاكم.
|