.الخبر عن خلع ابن الأحمر صاحب غرناطة ومقتل رضوان ومقدمه على السلطان:
لما هلك السلطان أبو الحجاج سنة خمس وخمسين وسبعمائة ونصب ابنه محمد للأمر واستبد عليه رضوان مولى أبيه وكان قد رشح ابنه الأصغر إسماعيل بما ألقى عليه وعلى أمه من محبته فلما عدلوا بالأمر عنه حجبوه ببعض قصورهم وقد كان له صهر من ابن عمه محمد بن إسماعيل ابن الرئيس أبي سعيد في شقيقته فكان يدعوه سرا إلى القيام بأمره متى أمكنته فرصة في الدولة فخرج السلطان إلى بعض منتزهاته برياضه فصعد سور الحمراء ليلة سبع وعشرين من رمضان من سنة ستين وسبعمائة في بعض أوشاب جمعهم من الطغام لثورته وعمد إلى دار الحاجب رضوان فاقتحم عليه الدار وقتله بين حرمه وبناته وقربوا إلى إسماعيل فرسه فركب فأدخلوه القصر وأعلنوا بيعته وقرعوا طبولهم بسور الحمراء وفر السلطان من مكانه بمنتزهه إلى وادي آش بعد مقتل حاجبه رضوان واتصل الخبر بالسلطان المولى أبي سالم فامتعض لمهلك رضوان وخلع السلطان رعيا لما سلف له في جوارهم وأزعج لحينه أبا القاسم الشريف من أهل مجلسه لاستقلاله فوصل إلى الأندلس وعقد مع أهل الدولة على إجازة المخلوع من وادي آش إلى المغرب وأطلق اعتقالهم الوزير الكاتب أبا عبد الله بن الخطيب كانوا اعتقلوه لأول أمرهم لما كان رديفا للحاجب رضوان وركنا لدولة المخلوع فأوصى المولى أبو سالم إليهم بإطلاقه فأطلقوه ولحق الرسول أبو القاسم الشريف بسلطانه المخلوع بوادي آش للإجازة إلى المغرب وأجاز لذي العقدة من سنته وقدم على السلطان بفاس وأجل قدومه وركب للقائه ودخل به إلى مجلس ملكه وقد احتفل ترتيبه وغص بالمشيخة والعلية ووقف وزيره ابن الخطيب فأنشد السلطان قصيدته الرائقة يستصرخه لسلطاته ويستحثه لمظاهرته على أمره واستعطف واسترحم بما أبكى الناس شفقة له ورحمة ونص القصيدة:
سلا هل لديها من محبرة ذكر ** وهل أعشب الوادي ونم به الزهروهل باكر الوسمي دارا على اللوى ** عفت آيها إلا التوهم والذكربلادي التي عاطيت مشمولة الهوى ** بأكنافها والعيش فينان مخضروجوي الذي ربى جناحي وكرة ** فها أناذا مالي جناح ولا وكرنبت بي لا عن جفوة وقلالة ** ولا نسخ الوصل الهني لها هجرولكنها الدنيا قليل متاعها ** ولذتها دأبا تزور وتزورفمن لي بنيل الدنيا القرب ودوننا ** مدى طال حتى يومه عندنا شهروالله عينا من رآنا وللأسى ** ضرام له في كل جانحة جمروقد بددت در الدموع يد النوى ** وللبين أشجان تضيق لها الصدربكينا على النهر السرور عشية ** فعاد أجاجا بعدنا ذلك النهرأقول لأظعاني وقد غالها السرى ** وآنسها الحادي وأوحشها الزجررويدك بعد العسر يسر فأبشري ** بإنجاز وعد الله قد ذهب العسروإن تجبن الأيام لم تجبن النهى ** وإن يخذل الأقوام لم يخذل الصبروإن عركت مني الخطوب مجربا ** نقابا تسوى عنده الحلو والمرفقد عجمت عودا صليتا مقوما ** وعزما كما تمضي المهندة البكرإذا أنت بالبيضاء قد زرت منزلي ** فلا اللحم حل ما جنيت ولا الظهرزجرنا بإبراهيم ملء همومنا ** فلما رأينا وجهه صدق الزجربمنتخب من آل يعقوب كلما ** دجا الخطب لم يكذب لعرمته فخرتناقلت الركبان طيب حديثه ** فلما رأته صدق الخبر الخيرندى لو حواه البحر لذ مذاقة ** ولم يتعقب مده أبدا جزروبأس غدا يرتاح من خوفه الردى ** وترفا في أذياله الفتية البكرأطاعته حتى العصم في قنن الربا ** وهشت إلى تأميله الأنجم الزهرقصدناك يا مولى الملوك على النوى ** لتنصفنا مما جنى عبدك الدهركففتنا بك الأيام عن غلوائها ** وقد رابنا منها التعسف والكبروعدنا بذاك المجد فانصرف الردى ** ولذنا بذاك العز فانهزم الشرولما أتينا البحر نرهب موجه ** ذكرنا بذاك العز الغمر فاحتقر البحرخلافتك العظمى ومن لم يدن بها ** فإيمانة لغو وعرفانه نكرووصفك يهدي المدح قصد صوابه ** إذا ضل في أوصاف من دونك الشعردعتك قلوب المسلمين وأخلصت ** وقد طاب منها السر لله والجهرومدت إلى الله الأكف ضراعة ** فقال لهن الله قد قضى الأمروألبستها النعمى ببيعتك التي ** لها الطائر الميمون والمحتد الحرفأصبح ثغر الثغر يبسم ضاحكا ** وقد كان مما نابه ليس يفتروأمنت بالسلم البلاد وأهلها ** فلا ضيمة تعدو ولا روعة تعرووقد كان مولانا أبوك مصرحا ** بأنك في أولاده الولد البروقد كنت حقا بالخلافة بعده ** على الفور لكن كل شيء له قدرفأوحشت من دار الخلافة أهلها ** أقامت زمانا لا يلوح بها البدرورد عليك الله حقك إذ قضى ** بأن تشمل النعمى وينسدل الستروقاد إليك الملك رفقا بخلقه ** وقد عدموا ركن الأمانة واضطرواوزادك بالتمحيص عزا ورفعة ** وأجرا ولولا السبك ما عرف التبروأنت الذي تدعى إذا دهم الردى ** وأنت الذي ترجى إذا أخلف القطروأنت إذا جاز الزمان بحكمه ** لك النقض والإبرام والنهي والأمروهذا ابن نصر قد أتى وجناحه ** كسير ومن علياك يلتمس النصرغريب يرجى منك ما أنت أهله ** فإن كنت تبغي الفخر قد جاءك الفخرفعد يا أمير المؤمنين لبيعة ** موثقة قد حل عقدتها الغدرومثلك فن يرعى الدخيل ومن دعا ** بآل مرين جاءه العز والنصروخذ يا إمام الحق للحق ثأره ** ففي ضمن ما تأتي به العز والأجروأنت لها يا ناصر الحق فلتقم ** بحق فما زيد يزجى ولا عمروفإن قيل مال مالك الدثر وافر ** وإن قيل جيش عندك العسكر الحريكف بك العادي ويحيا بك الهدى ** ويبني بك الإسلام ما هدم الكفرأعده إلى أوطانه عنك ثانيا ** وقلده نعماك التي مالها حصروعاجل قلوب الناس فيه بجبرها ** فقد صدهم عنه التغلب والقهروهم يرقبون الفعل منك وصفقة ** تحاولها يمناك ما بعدها خسرمرامك سهل لا يؤدك كفله ** سوى أنه عرض له في الغلى حظروما العمر إلا زينة مستعارة ** ترد ولكن الثناء هو العمرومن باع ما يفنى بباق مخلد ** فقد أنجح المسعى وقد ربح التجرومن دون ما تبقيه يا مالك العلى ** جياد المذاكي والمحجلة الغروارد وشقر واضحات شياتها ** فأجسامها تبر وأراجلها دروشهب إذا ما ضمرت يوم غارة ** مطهمة غارت بها الأنجم الزهروأسد رجال من مرين أعزة ** عمائمها بيض وآمالها سمرعلهم من الماذي كل مفاضة ** تدافع في أعطافها اللجج الخضرهم القوم إن هبو الكشف مملة ** فلا الملتقى صعب ولا المرتقى وعرإذا سئلوا أعطوا وإن نوزعوا سطوا ** وإن وعدوا أوفوا وإن عاهدوا برواوإن سمعوا العواء وافوا بأنفس ** كرام علي هاماتها في الورى البروإن مدحوا هزوا ارتياحا كأنهم ** نشاوى تمشت في معاطفهم خمروتبسم ما بين الوشيج ثغورهم ** وما بين قضب الدوح يبتسم الزهرأمولاي غاضت فكرتي وتبدلت ** طباعي فلا طبع يقيني ولا فكرولولا حنان منك داركتني به ** وأحييتني لم يبق عين ولا أثرفأوجدت منى فائتا أي فائت ** وأنشرت ميتا ضم أشلاءه قبربدأت بفضل لم أكن لعظمه ** بأهل فحل اللطف وانشرح الصدروطوقتني النعمى المضعفة التي ** يقل عليها مني الحمد والشكروأنت بتتميم الصنائع كافل ** إلى أن يعود العز والجاه والوقرجزاك الذي أسنى مقامك رحمة ** تفك بها العاني وينفس مضطرإذا نحن أثنينا عليك بمدحة ** فهيهات يحصى الرمل أو يحصر القطرولكننا نأتي بما نستطيعه ** ومن بذل المجهود حق له العذرثم انقضى المجلس وانصرف ابن الأحمر إلى نزله وقد فرشت له القصور وقربت له الجياد بالمراكب المذهبة وبعث إليه بالكسا الفاخرة ورتب الجرايات له ولمواليه من المعلوجي وبطانته من الصنائع وانحفظ عليه رسم سلطانه في الركب والرجل ولم يفقد من ألقاب ملكه إلا الأداة أدبا مع السلطان واستقر في حملته إلى أن كان من لحاقه بالأندلس وارتجاع ملكه سنة ثلاث وستين وسبعمائة ما نذكره إن شاء الله تعالى.