الفصل الثاني من الباب الأول في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها.
-وهذه الأوقات اختلف العلماء منها في موضعين: أحدهما في عددها، والثاني في الصلوات التي يتعلق النهي عن فعلها فيها.
-(المسألة الأولى) اتفق العلماء على أن ثلاثة من الأوقات منهي عن الصلاة فيها وهي: وقت طلوع الشمس، ووقت غروبها، ومن لَدُن تصلي صلاة الصبح حتى تطلع الشمس. واختلفوا في وقتين: في وقت الزوال وفي الصلاة بعد العصر؛ فذهب مالك وأصحابه إلى أن الأوقات المنهي عنها هي أربعة: الطلوع، والغروب، وبعد الصبح، وبعد العصر، وأجاز الصلاة عند الزوال. وذهب الشافعي إلى أن هذه الأوقات خمسة كلها منهي عنها إلا وقت الزوال يوم الجمعة فإنه أجاز فيه الصلاة. واستثنى قوم من ذلك الصلاة بعد العصر. وسبب الخلاف في ذلك أحد شيئين: إما معارضة أثر لأثر، وإما معارضة الأثر للعمل عند من راعى العمل: أعني عمل أهل المدينة، وهو مالك بن أنس، فحيث ورد النهي ولم يكن هناك معارض لا من قول ولا من عمل اتفقوا عليه، وحيث ورد المعارض اختلفوا. أما اختلافهم في وقت الزوال فلمعارضة العمل فيه للأثر، وذلك أنه ثبت من حديث عقبة بن عامر الجهني أنه قال "ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيها وأن نقبر فيها موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل، وحين تضيف الشمس للغروب" خرجه مسلم، وحديث أبو عبد الله الصنابحي في معناه، ولكنه منقطع، خرجه مالك في موطئه. فمن الناس من ذهب إلى منع الصلاة في هذه الأوقات الثلاثة كلها. ومن الناس من استثنى من ذلك وقت الزوال، إما بإطلاق وهو مالك، وإما في يوم الجمعة فقط وهو الشافعي. وأما مالك فلأن العمل عنده بالمدينة لما وجده على الوقتين فقط ولم يجده على الوقت الثالث: أعني الزوال أباح الصلاة فيه، وأعتقد أن ذلك النهي منسوخ بالعمل. وأما من لم ير للعمل تأثيرا فبقي على أصله في المنع، وقد تكلمنا في العمل وقوته في كتابنا في الكلام الفقهي، وهو الذي يدعى بأصول الفقه. وأما الشافعي فلما صح عنده ما روى ابن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنهم كانوا في زمن عمر بن الخطاب يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر، ومعلوم أن خروج عمر كان بعد الزوال على ما صح ذلك من حديث الطنفسة التي كانت تطرح إلى جدار المسجد الغربي، فإذا غشي الطنفسة كلها ظل الجدار خرج عمر بن الخطاب مع ما رواه أيضا عن أبي هريرة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة" استثنى من ذلك النهي يوم الجمعة، وقوي هذا الأثر عنده العمل في أيام عمر بذلك وإن كان الأثر عنده ضعيفا. وأما من رجح الأثر الثابت في ذلك فبقي على أصله في النهي. وأما اختلافهم في الصلاة بعد صلاة العصر فسببه تعارض الآثار الثابتة في ذلك، وذلك أن في ذلك حديثين متعارضين: أحدهما حديث أبي هريرة المتفق على صحته "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس". والثاني حديث عائشة قالت "ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاتين في بيتي قط سرا ولا علانية: ركعتين قبل الفجر، وركعتين بعد العصر" فمن رجح حديث أبي هريرة قال بالمنع، ومن رجح حديث عائشة أو رآه ناسخا لأنه العمل الذي مات عليه صلى الله عليه وسلم قال بالجواز، وحديث أم سلمة يعارض حديث عائشة، وفيه "أنها رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين بعد العصر، فسألته عن ذلك فقال: إنه أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر وهما هاتان".
-( المسألة الثانية) اختلف العلماء في الصلاة التي لا تجوز في هذه الأوقات فذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنها لا تجوز في هذه الأوقات صلاة بإطلاق لا فريضة مقضية ولا سنة ولا نافلة إلا عصر يومه، قالوا: فإنه يجوز أن يقضيه عند غروب الشمس إذا نسيه. واتفق مالك والشافعي أنه يقضي الصلوات المفروضة في هذه الأوقات. وذهب الشافعي إلى أن الصلوات التي لا تجوز في هذه الأوقات هي النوافل فقط التي تفعل لغير سبب، وأن السنن مثل صلاة الجنازة تجوز في هذه الأوقات، ووافقه مالك في ذلك بعد العصر وبعد الصبح: أعني في السنن، وخالفه في التي تفعل لسبب مثل ركعتي المسجد، فإن الشافعي يجيز هاتين الركعتين بعد العصر وبعد الصبح، ولا يجيز ذلك مالك، واختلف قول مالك في جواز السنن عند الطلوع والغروب. وقال الثوري في الصلوات التي لا تجوز في هذه الأوقات هي ما عدا الفرض ولم يفرق سنة من نفل، فيتحصل في ذلك ثلاثة أقوال: قول هي الصلوات بإطلاق. وقول إنها ما عدا الفروض سواء كانت سنة أو نفلا. وقول إنها النفل دون السنن. وعلى الرواية التي منع مالك فيها صلاة الجنائز عند الغروب قول رابع، وهو أنها النفل فقط بعد الصبح والعصر والنفل والسنن معا عند الطلوع والغروب. وسبب الخلاف في ذلك اختلافهم في الجمع بين العمومات المتعارضة في ذلك أعني الواردة في السنة، وأي يخص بأي، وذلك أن عموم قوله عليه الصلاة والسلام "إذا نسي أحدكم الصلاة فليصلها إذا ذكرها" يقتضي استغراق جميع الأوقات، وقوله في أحاديث النهي في هذه الأوقات "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها" يقتضي أيضا عموم أجناس الصلوات المفروضات والسنن والنوافل، فمتى حملنا الحديثين على العموم في ذلك وقع بينهما تعارض هو من جنس التعارض الذي يقع بين العام والخاص، إما في الزمان، وإما في اسم الصلاة. فمن ذهب إلى الاستثناء في الزمان: أعني الاستثناء الخاص من العام منع الصلوات بإطلاق في تلك الساعات، ومن ذهب إلى استثناء الصلاة المفروضة المنصوص عليها بالقضاء من عموم اسم الصلاة المنهي عنها منع ما عدا الفرض في تلك الأوقات، وقد رجح مالك مذهبه من استثناء الصلوات المفروضة من عموم لفظ الصلاة بما ورد من قوله عليه الصلاة والسلام "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر" ولذلك استثنى الكوفيون عصر اليوم من الصلوات المفروضة، لكن قد كان يجب عليهم أن يستثنوا من ذلك صلاة الصبح أيضا للنص الوارد فيها، ولا يردوا ذلك برأيهم من أن المدرك لركعة قبل الطلوع يخرج للوقت المحظور، والمدرك لركعة قبل الغروب يخرج للوقت المباح. وأما الكوفيون فلهم أن يقولوا إن هذا الحديث ليس يدل على استثناء الصلوات المفروضة من عموم اسم الصلاة التي تعلق النهي بها في تلك الأيام لأن عصر اليوم ليس في معنى سائر الصلوات المفروضة، وكذلك كان لهم أن يقولوا في الصبح لو سلموا أنه يقضى في الوقت المنهي عنه، فإذا الخلاف بينهم آيل إلى أن المستثنى الذي ورد به اللفظ هل هو من باب الخاص أريد به الخاص أم من باب الخاص أريد به العام؟ وذلك أن من رأى أن المفهوم من ذلك هي صلاة العصر والصبح فقط المنصوص عليهما فهو عنده من باب الخاص أريد به الخاص، ومن رأى أن المفهوم من ذلك ليس هو صلاة العصر فقط ولا الصبح بل هي جميع الصلاة المفروضة، فهو عنده من باب الخاص أريد به العام، وإذا كان ذلك كذلك فليس ها هنا دليل قاطع على أن الصلوات المفروضة هي المستثناة من اسم الصلاة الفائتة، كما أنه ليس ههنا دليل أصلا لا قاطع ولا غير قاطع على استثناء الزمان الخاص الوارد في أحاديث النهي من الزمان العام الوارد في أحاديث الأمر دون استثناء الصلاة الخاصة المنطوق بها في أحاديث الأمر من الصلاة العامة المنطوق بها في أحاديث النهي، وهذا بين، فإنه إذا تعارض حديثان في كل واحد منهما عام وخاص لم يجب أن يصار إلى تغليب أحدهما إلا بدليل: أعني استثناء خاص هذا من عام ذاك أو خاص ذاك من عام هذا، وذلك بين والله أعلم.
الباب الثاني في معرفة الأذان والإقامة.
-هذا الباب ينقسم أيضا إلى فصلين: الأول في الأذان. والثاني في الإقامة.
الفصل الأول.
-هذا الفصل ينحصر الكلام فيه في خمسة أقسام: الأول: صفته. الثاني: في حكمه. الثالث: في وقته. الرابع: في شروطه. الخامس: فيما يقوله السامع له.
- القسم الأول من الفصل الأول من الباب الثاني في صفة الأذان.
اختلف العلماء في الأذان على أربع صفات مشهورة: إحداها تثنية التكبير فيه وتربيع الشهادتين وباقيه مثنى، وهو مذهب أهل المدينة مالك وغيره، واختار المتأخرون من أصحاب مالك الترجيع، وهو أن يثني الشهادتين أولا خفيا ثم يثنيهما مرة ثانية مرفوع الصوت. والصفة الثانية أذان المكيين، وبه قال الشافعي، وهو تربيع التكبير الأول والشهادتين وتثنية باقي الأذان، والصفة الثالثة أذان الكوفيين، وهو تربيع التكبير الأول وتثنية باقي الأذان، وبه قال أبو حنيفة. والصفة الرابعة أذان البصريين وهو تربيع التكبير الأول وتثليث الشهادتين وحي على الصلاة وحي على الفلاح، ويبدأ بأشهد أن لا إله إلا الله حتى يصل إلى حي على الفلاح، ثم يعيد كذلك مرة ثانية: أعني الأربع كلمات تبعا، ثم يعيدهن ثالثة، وبه قال الحسن البصري وابن سيرين. والسبب في اختلاف كل واحد من هؤلاء الأربع فرق اختلاف الآثار في ذلك واختلاف اتصال العمل عند كل واحد منهم، وذلك أن المدنيين يحتجون لمذهبهم بالعمل المتصل بذلك في المدينة، والمكيون كذلك أيضا يحتجون بالعمل المتصل عندهم بذلك وكذلك الكوفيون والبصريون ولكل واحد منهم آثار تشهد لقوله. أما تثنية التكبير في أوله على مذهب أهل الحجاز فروي من طرق صحاح عن أبي محذورة وعبد الله بن زيد الأنصاري، وتربيعه أيضا مروي عن أبي محذورة من طرق أخر وعن عبد الله بن زيد. قال الشافعي: وهي زيادات يجب قبولها مع اتصال العمل بذلك بمكة. وأما الترجيع الذي اختاره المتأخرون من أصحاب مالك فروي من طريق أبي قدامة: قال أبو عمر: وأبو قدامة عندهم ضعيف. وأما الكوفيون فبحديث أبي ليلى وفيه "أن عبد الله بن زيد رأى في المنام رجلا قام على خرم حائط وعليه بردان أخضران، فأذن مثنى وأقام مثنى وأنه أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام بلال فأذن مثنى وأقام مثنى" والذي خرجه البخاري في هذا الباب إنما هو من حديث أنس فقط وهو "أن بلالا أمر أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة إلا قد قامت الصلاة، فإنه يثنيها" وخرج مسلم عن أبي محذورة على صفة أذان الحجازين ولمكان هذا التعارض الذي ورد في الأذان رأى أحمد بن حنبل وداود أن هذه الصفات المختلفة إنما وردت على التخيير لا على إيجاب واحدة منها، وأن الإنسان مخير فيها، واختلفوا في قول المؤذن في صلاة الصبح الصلاة خير من النوم هل يقال فيها أم لا؟ فذهب الجمهور إلى أنه يقال ذلك فيها. وقال آخرون: إنه لا يقال لأنه ليس من الأذان المسنون، وبه قال الشافعي. وسبب اختلافهم اختلافهم هل قيل ذلك في زمان النبي صلى الله عليه وسلم؟ أو إنما قيل في زمان عمر؟.
-القسم الثاني من الفصل الأول من الباب الثاني.
اختلف العلماء في حكم الأذان هل هو واحب أو سنة مؤكدة، وإن كان واجبا فهل هو من فروض الأعيان أو من فروض الكفاية؟ فقيل عن مالك إن الأذان هو فرض على مساجد الجماعات، وقيل سنة مؤكدة، ولم يره على المنفرد لا فرضا ولا سنة. وقال بعض أهل الظاهر هو واجب على الأعيان. وقال بعضهم: على الجماعة كانت في سفر أو في حضر. وقال بعضهم: في السفر. واتفق الشافعي وأبو حنيفة على أنه سنة للمنفرد والجماعة إلا أنه آكد في حق الجماعة. قال أبو عمر: واتفق الكل على أنه سنة مؤكدة أو فرض على المصري لما ثبت "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع النداء لم يغر، وإذا لم يسمعه أغار". والسبب في اختلافهم معارضة المفهوم من ذلك لظواهر الآثار، وذلك أنه ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمالك بن الحويرث ولصاحبه "إذا كنتما في سفر فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما" وكذلك ما روي من اتصال عمله به صلى الله عليه وسلم في الجماعة، فمن فهم من هذا الوجوب مطلقا قال إنه فرض على الأعيان أو على الجماعة، وهو الذي حكاه ابن المغلس عن داود، ومن فهم منه الدعاء إلى الاجتماع للصلاة قال إنه سنة المساجد أو فرض في المواضع التي يجتمع إليها الجماعة. فسبب الخلاف هو تردده بين أن يكون قولا من أقاويل الصلاة المختصة بها أو يكون المقصود به هو الاجتماع.
-القسم الثالث من الفصل الأول في وقته.
وأما وقت الأذان فاتفق الجميع على أنه لا يؤذن للصلاة قبل وقتها، ما عدا الصبح فإنه اختلفوا فيها، فذهب مالك والشافعي إلى أنه يجوز أن يؤذن لها قبل الفجر، ومنع ذلك أبو حنيفة، وقال قوم: لا بد للصبح إذا أذن لها قبل الفجر من أذان بعد الفجر، لأن الواجب عندهم هو الأذان بعد الفجر. وقال أبو محمد بن حزم: لا بد لها من أذان بعد الوقت، وإن أذن قبل الوقت جاز إذا كان بينهما زمان يسير قدر ما يهبط الأول ويصعد الثاني. والسبب في اختلافهم أنه ورد في ذلك حديثان متعارضان: أحدهما الحديث المشهور الثابت، وهو قوله عليه الصلاة والسلام "إن بلالا ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم، وكان ابن مكتوم رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت. والثاني ما روي عن ابن عمر "أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادي: ألا إن العبد قد نام" وحديث الحجازين أثبت، وحديث الكوفيين أيضا خرجه أبو داود وصححه كثير من أهل العلم، فذهب الناس في هذين الحديثين إما مذهب الجمع، وإما مذهب الترجيح، فأما من ذهب مذهب الترجيح فالحجازيون، فإنهم قالوا: حديث بلال أثبت والمصير إليه أوجب. وأما من ذهب مذهب الجمع فالكوفيون، وذلك أنهم قالوا: يحتمل أن يكون نداء بلال في وقت يشك فيه في طلوع الفجر، لأنه كان في بصره ضعف، ويكون نداء ابن أم مكتوم في وقت يتيقن فيه طلوع الفجر، ويدل على ذلك ما روي عن عائشة أنها قالت "لم يكن بين أذانيهما إلا بقدر ما يهبط هذا ويصعد هذا" وأما من قال إنه يجمع بينهما: أعني أن يؤذن قبل الفجر وبعده فعلى ظاهر ماروي من ذلك في صلاة الصبح خاصة أعني أنه كان يؤذن لها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان بلال وابن أم مكتوم.
-القسم الرابع من الفصل الأول من الشروط.
وفي هذا القسم مسائل ثمانية: إحداها هل من شروط من أذن أن يكون هو الذي يقيم أم لا؟ والثانية هل من شرط الأذان أن لا يتكلم في أثنائه أم لا؟ والثالثة هل من شرطه أن يكون على طهارة أم لا؟ والرابعة هل من شرطه أن يكون متوجها إلى القبلة أم لا؟ والخامسة هل من شرطه أن يكون قائما أم لا؟ والسادسة هل يكره أذان الراكب أم ليس يكره؟ والسابعة هل من شرطه البلوغ أم لا؟ والثامنة هل من شرطه أن لا يأخذ على الأذان أجرا أم يجوز له أن يأخذه؟. فأما اختلافهم في الرجلين يؤذن أحدهما ويقيم الآخر، فأكثر فقهاء الأمصار على إجازة ذلك، وذهب بعضهم إلى أن ذلك لا يجوز، والسبب في ذلك أنه ورد في هذا حديثان متعارضان: أحدهما حديث الصدائي قال "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان أوان الصبح أمرني فأذنت ثم قام إلى الصلاة، فجاء بلال ليقيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أخا صداء أذن، ومن أذن فهو يقيم". والحديث الثاني ما روي أن عبد الله بن زيد حين أري الأذان رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأذن، ثم أمر عبد الله فأقام. فمن ذهب مذهب النسخ قال: حديث عبد الله بن زيد متقدم وحديث الصدائي متأخر. ومن ذهب مذهب الترجيح قال: حديث عبد الله بن زيد أثبت، لأن حديث الصدائي انفرد به عبد الرحمن بن زياد الإفريقي وليس بحجة عندهم. وأما اختلافهم في الأجرة على الأذان فلمكان اختلافهم في تصحيح الخبر الوارد في ذلك: أعني حديث عثمان بن أبي العاص أنه قال "إن من آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا" ومن منعه قاس الأذان في ذلك على الصلاة. وأما سائر الشروط الأخر فسبب الخلاف فيها هو قياسها على الصلاة، فمن قاسها على الصلاة أوجب تلك الشروط الموجودة في الصلاة، ومن لم يقسها لم يوجب ذلك. قال أبو عمر بن عبد البر: قد روينا عن أبي وائل بن حجر قال: حق وسنة مسنونة أن لا يؤذن إلا وهو قائم، ولا يؤذن إلا على طهر، قال: وأبو وائل هو من الصحابة، وقوله سنة يدخل في المسند وهو أولى من القياس. قال القاضي: وقد خرج الترمذي عن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال "لا يؤذن إلا متوضئ".
-القسم الخامس.
اختلف العلماء فيما يقوله السامع للمؤذن، فذهب قوم إلى أنه يقول ما يقول المؤذن كلمة بكلمة إلى آخر النداء، وذهب آخرون إلى أنه يقول مثل ما يقول المؤذن إلا إذا قال حي على الصلاة حي على الفلاح، فإنه يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. والسبب في الاختلاف في ذلك تعارض الآثار، وذلك أنه قد روي من حديث أبي سعيد الخدري أنه عليه الصلاة والسلام قال "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول" وجاء من طريق عمر بن الخطاب وحديث معاوية أن السامع يقول عند حي على الفلاح لا حول ولا قوة إلا بالله. فمن ذهب مذهب الترجيح أخذ بعموم حديث أبي سعيد الخدري، ومن بنى العام في ذلك على الخاص جمع بين الحديثين، وهو مذهب مالك بن أنس.
الفصل الثاني من الباب الثاني من الجملة الثانية في الإقامة.
-اختلفوا في الإقامة في موضعين في حكمها وفي صفتها. أما حكمها فإنها عند فقهاء الأمصار في حق الأعيان، والجماعات سنة مؤكدة أكثر من الأذان، وهي عند أهل الظاهر فرض ولا أدري هل هي فرض عندهم على الإطلاق أو فرض من فروض الصلاة؟ والفرق بينهما أن على القول الأول لا تبطل الصلاة بتركها. وعلى الثاني تبطل. وقال ابن كنانة من أصحاب مالك: من تركها عامدا بطلت صلاته. وسبب هذا الاختلاف اختلافهم هل هي من الأفعال التي وردت بيانا لمجمل الأمر بالصلاة فيحمل على الوجوب لقوله عليه الصلاة والسلام "صلوا كما رأيتموني أصلي" أم هي من الأفعال التي تحمل على الندب؟ وظاهر حديث مالك بن الحويرث يوجب كونها فرضا إما في الجماعة وإما على المنفرد. وأما صفة الإقامة فإنها عند مالك والشافعي. إما التكبير الذي في أولها فمثنى. وأما ما بعد ذلك فمرة واحدة إلا قوله قد قامت الصلاة، فإنها عند مالك مرة واحدة، وعند الشافعي مرتين. وأما الحنفية فإن الإقامة عندهم مثنى مثنى، وخير أحمد بن حنبل بين الإفراد والتثنية على رأيه في التخيير في النداء. وسبب الاختلاف تعارض حديث أنس في هذا المعنى وحديث أبي ليلى المتقدم، وذلك أن في حديث أنس الثابت أمر بلال أن يشفع الأذان ويفرد الإقامة إلا قد قامت الصلاة. وفي حديث أبي ليلى أنه عليه الصلاة والسلام أمر بلالا فأذن مثنى وأقام مثنى. والجمهور أنه ليس على النساء أذان ولا إقامة. وقال مالك: إن أقمن فحسن، وقال الشافعي: إن أذن وأقمن فحسن، وقال إسحاق: إن عليهن الأذان والإقامة. وروي عن عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم فيما ذكره ابن المنذر، والخلاف آيل إلى هل تؤم المرأة أو لا تؤم؟ وقيل الأصل أنها في معنى الرجل في كل عبادة، إلا أن يقوم الدليل على تخصيصها، أم في بعضها هي كذلك وفي بعضها يطلب الدليل؟.
الباب الثالث من الجملة الثانية في القبلة.
-اتفق المسلمون على أن التوجه نحو البيت شرط من شروط صحة الصلاة لقوله تعالى {ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام} أما إذا أبصر البيت، فالفرض عندهم هو التوجه إلى عين البيت، ولا خلاف في ذلك. وأما إذا غابت الكعبة عن الأبصار فاختلفوا من ذلك في موضعين: أحدهما هل الفرض هو العين أو الجهة؟ والثاني هل فرضه الإصابة أو الاجتهاد: أعني إصابة الجهة أو العين عند من أوجب العين؟ فذهب قوم إلى أن الفرض هو العين، وذهب آخرون إلى أنه الجهة. والسبب في اختلافهم هل في قوله تعالى {فول وجهك شطر المسجد الحرام} محذوف حتى يكون تقديره: ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام أم ليس ههنا محذوف أصلا وأن الكلام على حقيقته؟ فمن قدر هنالك محذوفا قال: الفرض الجهة، ومن لم يقدر هنالك محذوفا قال: الفرض العين، والواجب حمل الكلام على الحقيقة حتى يدل الدليل على حمله على المجاز، وقد يقال إن الدليل على تقدير هذا المحذوف قوله عليه الصلاة والسلام "ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا توجه نحو البيت" قالوا: واتفاق المسلمين على الصف الطويل خارج الكعبة يدل على أن الفرض ليس هو العين أعني إذا لم تكن الكعبة مبصرة. والذي أوله إنه لو كان واجبا قصد العين لكان حرجا، قد قال تعالى {وما جعل عليكم في الدين من حرج} فإن إصابة العين شيء لا يدرك إلا بتقريب وتسامح بطريق الهندسة واستعمال الأرصاد في ذلك، فكيف بغير ذلك من طرق الاجتهاد ونحن لم نكلف الاجتهاد فيه بطريق الهندسة المبني على الأرصاد المستنبط منها طول البلاد وعرضها.
-( وأما المسألة الثانية) فهي هل فرض المجتهد في القبلة الإصابة أو الاجتهاد فقط حتى يكون إذا قلنا إن فرضه الإصابة متى تبين له أنه أخطأ أعاد الصلاة. ومتى قلنا إن فرضه الاجتهاد لم يجب أن يعيد إذا تبين له الخطأ، وقد كان صلى قبل اجتهاده. أما الشافعي فزعم أن فرضه الإصابة وأنه إذا تبين له أنه أخطأ أعاد أبدا. وقال قوم: لا يعيد وقد مضت صلاته ما لم يتعمد أو صلى بغير اجتهاد، وبه قال مالك وأبو حنيفة، إلا أن مالكا استحب له الإعادة في الوقت. وسبب الخلاف في ذلك معارضة الأثر للقياس مع الاختلاف أيضا في تصحيح الأثر الوارد في ذلك. أما القياس فهو تشبيه الجهة بالوقت: أعني بوقت الصلاة، وذلك أنهم أجمعوا على أن الفرض فيه هو الإصابة، وأنه إن انكشف للمكلف أنه صلى قبل الوقت أعاد أبدا إلا خلافا شاذا في ذلك عن ابن عباس وعن الشعبي، وما روي عن مالك من أن المسافر إذا جهل فصلى العشاء قبل غيبوية الشفق ثم انكشف له أنه صلاها قبل غيبوبة الشفق أنه قد مضت صلاته، ووجه الشبه بينهما أن هذا ميقات وقت، وهذا ميقات جهة. وأما الأثر فحديث عامر بن ربيعة قال "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة ظلماء في سفر، فخفيت علينا القبلة، فصلى كل واحد منا إلى وجه وعلَّمنا، فلما أصبحنا فإذا نحن قد صلينا إلى غير القبلة، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مضت صلاتكم، ونزلت {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} وعلى هذا فتكون هذه الآية محكمة، وتكون فيمن صلى فانكشف له أنه صلى لغير القبلة، والجمهور على أنها منسوخة بقوله تعالى {ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام} فمن لم يصح عنده هذا الأثر قاس ميقات الجهة على ميقات الزمان، ومن ذهب مذهب الأثر لم تبطل صلاته. وفي هذا الباب مسألة مشهورة، وهي جواز الصلاة في داخل الكعبة. وقد اختلفوا في ذلك، فمنهم من منعه على الإطلاق، ومنهم من أجازه على الإطلاق، ومنهم من فرق بين النفل في ذلك والفرض. وسبب اختلافهم تعارض الآثار في ذلك، والاحتمال المتطرق لمن استقبل أحد حيطانها من داخل هل يسمى مستقبلا للبيت كما يسمى من استقبله من خارج أم لا؟ أما الأثر فإنه ورد في ذلك حديثان متعارضان كلاهما ثابت: أحدهما حديث ابن عباس قال "لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل حتى خرج، فلما خرج ركع ركعتين في قبل الكعبة وقال: هذه القبلة" والثاني حديث عبد الله بن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة هو وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة وبلال بن رباح، فأغلقها عليه ومكث فيها، فسألت بلالا حين خرج ماذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: جعل عمودا عن يساره وعمودا عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه ثم صلى" فمن ذهب مذهب الترجيح أو النسخ قال إما بمنع الصلاة مطلقا إن رجح حديث ابن عباس، وإما بإجازتها مطلقا إن رجح حديث ابن عمر، ومن ذهب مذهب الجمع بينهما حمل حديث ابن عباس على الفرض وحديث ابن عمر على النفل، والجمع بينهما فيه عسر، فإن الركعتين اللتين صلاهما عليه الصلاة والسلام خارج الكعبة وقال "هذه القبلة" هي نفل، ومن ذهب مذهب سقوط الأثر عند التعارض، فإن كان ممن يقول باستصحاب حكم الإجماع والاتفاق لم يجز الصلاة داخل البيت أصلا، وإن كان ممن لا يرى استصحاب حكم الإجماع عاد النظر في انطلاق اسم المستقبل للبيت على من صلى داخل الكعبة، فمن جوزه أجاز الصلاة، ومن لم يجوزه، وهو الأظهر، لم يجز الصلاة في البيت، واتفق العلماء بأجمعهم على استحباب السترة بين المصلي والقبلة إذا صلى، منفردا كان أو إماما، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام "إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل" واختلفوا في الخط إذا لم يجد سترة، فقال الجمهور: ليس عليه أن يخط. وقال أحمد بن حنبل: يخط خطا بين يديه. وسبب اختلافهم اختلافهم في تصحيح الأثر الوارد في الخط، والأثر رواه أبو هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال "إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا، فإن لم يكن فلينصب عصا، فإن لم تكن معه عصا فليخط خطا ولا يضره من مر بين يديه" خرجه أبو داود وكان أحمد بن حنبل يصححه والشافعي لا يصححه وقد روي "أنه صلى الله عليه وسلم صلى لغير سترة" والحديث الثابت أنه كان يخرج له العنزة، فهذه جملة قواعد هذا الباب وهي أربع مسائل.
الباب الرابع من الجملة الثانية.
-وهذا الباب ينقسم إلى فصلين: أحدهما في ستر العورة والثاني فيما يجزئ من اللباس في الصلاة.
الفصل الأول.
-اتفق العلماء على أن ستر العورة فرض بإطلاق، واختلفوا هل هو شرط من شروط صحة الصلاة أم لا؟ وكذلك اختلفوا في حد العورة من الرجل والمرأة، وظاهر مذهب مالك أنها من سنن الصلاة، وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أنها من فروض الصلاة وسبب الخلاف في ذلك تعارض الآثار واختلافهم في مفهوم قوله تعالى {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} هل الأمر بذلك على الوجوب أو على الندب؟ فمن حمله على الوجوب قال: المراد به ستر العورة، واحتج لذلك بأن سبب نزول هذه الآية كان أن المرأة كانت تطوف بالبيت عريانة وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله * وما بدا منه فلا أحله
فأنزلت هذه الآية "وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان" ومن حمله على الندب قال: المراد بذلك الزينة الظاهرة من الرداء وغير ذلك من الملابس التي هي زينة، واحتج لذلك بما جاء في الحديث من أنه كان رجال يصلون مع النبي عليه الصلاة والسلام عاقدي أزرهم على أعناقهم كهيئة الصبيان، ويقال للنساء لا ترفعن رؤوسكن حتى يستوي الرجال جلوسا قالوا: ولذلك من لم يجد ما به يستر عورته لم يختلف في أنه يصلي، واختلف فيمن عدم الطهارة هل يصلي أم لا يصلي؟.
-( وأما المسألة الثانية) وهي حد العورة من الرجل فذهب مالك والشافعي إلى أن حد العورة منه ما بين السرة إلى الركبة، وكذلك قال أبو حنيفة وقال قوم: العورة هما السوأتان فقط من الرجل. وسبب الخلاف في ذلك أثران متعارضان كلاهما ثابت: أحدهما حديث جرهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الفخذ عورة". والثاني حديث أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم حسر عن فخذه وهو جالس مع أصحابه" قال البخاري وحديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط، وقد قال بعضهم العورة الدبر والفرج والفخذ.
-(وأما المسألة الثالثة) وهي حد العورة في المرأة، فأكثر العلماء على أن بدنها كله عورة ما خلى الوجه والكفين، وذهب أبو حنيفة إلى أن قدمها ليست بعورة، وذهب أبو بكر بن عبد الرحمن وأحمد إلى أن المرأة كلها عورة. وسبب الخلاف في ذلك احتمال قوله تعالى {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} هل هذا المستثنى المقصود منه أعضاء محدودة، أم إنما المقصود به ما لا يملك ظهوره؟ فمن ذهب إلى أن المقصود من ذلك ما لا يملك ظهوره عند الحركة قال: بدنها كله عورة حتى ظهرها، واحتج لذلك بعموم قوله تعالى {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين} الآية، ومن رأى أن المقصود من ذلك ما جرت به العادة بأنه لا يستر وهو الوجه والكفان ذهب إلى أنهما ليسا بعورة واحتج لذلك بأن المرأة ليست تستر وجهها في الحج.
الفصل الثاني من الباب الرابع فيما يجزئ في اللباس في الصلاة.
-أما اللباس فالأصل فيه قوله تعالى {خذوا زينتكم عند كل مسجد} والنهي الوارد عن هيئات بعض الملابس في الصلاة، وذلك أنهم اتفقوا فيما أحسب على أن الهيئات من اللباس التي نهي عن الصلاة فيها مثل اشتمال الصماء، وهو أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء، وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء، وسائر ما ورد من ذلك أن ذلك كله سد ذريعة ألا تنكشف عورته، ولا أعلم أن أحدا قال لا تجوز صلاة على إحدى هذه الهيئات إن لم تنكشف عورته، وقد كان على أصول أهل الظاهر يجب ذلك واتفقوا على أنه يجزئ الرجل من اللباس في الصلاة الثوب الواحد لقول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل أيصلي الرجل في الثوب الواحد؟ فقال "أو لكلكم ثوبان؟" واختلفوا في الرجل يصلي مكشوف الظهر والبطن، فالجمهور على جواز صلاته لكون الظهر والبطن من الرجل ليسا بعورة، وشذ قوم فقالوا: لا تجوز صلاته لنهيه صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء، وتمسك بوجوب قوله تعالى {خذوا زينتكم عند كل مسجد} واتفق الجمهور على أن اللباس المجزئ للمرأة في الصلاة هو درع وخمار، لما روي عن أم سلمة "أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا تصلي فيه المرأة؟ فقال: في الخمار والدرع السابغ إذا غيبت ظهور قدميها" ولما روي أيضا عن عائشة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" وهو مروي عن عائشة وميمونة وأم سلمة أنهم كانوا يفتون بذلك وكل هؤلاء يقولون إنها إن صلت مكشوفة أعادت في الوقت وبعده، إلا مالكا فإنه قال: إنها تعيد في الوقت فقط. والجمهور على أن الخادم لها أن تصلي مكشوفة الرأس والقدمين، وكان الحسن البصري يوجب عليها الخمار واستحبه عطاء. وسبب الخلاف الخطاب المتوجه إلى الجنس الواحد هل يتناول الأحرار والعبيد معا أم الأحرار فقط دون العبيد؟ واختلفوا في صلاة الرجل في الثوب الحرير فقال قوم: تجوز صلاته فيه. وقال قوم: لا تجوز. وقوم استحبوا له الإعادة في الوقت. وسبب اختلافهم في ذلك هل الشيء المنهي عنه مطلقا اجتنابه شرط في صحة الصلاة أم لا؟ فمن ذهب إلى أنه شرط: قال إن الصلاة لا تجوز به، ومن ذهب إلى أنه يكون بلباسه مأثوما والصلاة جائزة قال: ليس شرطا في صحة الصلاة كالطهارة التي هي شرط، وهذه المسألة هي من نوع الصلاة في الدار المغصوبة والخلاف فيها مشهور.
الباب الخامس.
-وأما الطهارة من النجس فمن قال إنها سنة مؤكدة فيبعد أن يقول إنها فرض في الصلاة أي من شروط صحتها. ومن قال إنها فرض بإطلاق فيجوز أن يقول إنها فرض في الصلاة، ويجوز أن لا يقول ذلك؛ وحكى عبد الوهاب عن المذهب في ذلك قولين: أحدهما إن إزالة النجاسة شرط في صحة الصلاة في حال القدرة والذكر، والقول الآخر إنها ليست شرطا. والذي حكاه من أنها شرط لا يتخرج على مشهور المذهب من أن غسل النجاسة سنة مؤكدة، وإنما يتخرج على القول بأنها فرض مع الذكر والقدرة، وقد مضت هذه المسألة في كتاب الطهارة، وعرف هنالك أسباب الخلاف فيها، وإنما الذي يتعلق به ههنا الكلام من ذلك: هل ما هو فرض مطلق مما يقع في الصلاة يجب أن يكون فرضا في الصلاة أم لا؟ والحق أن الشيء المأمور به على الإطلاق لا يجب أن يكون شرطا في صحة شيء ما (آخر مأمور به، وإن وقع فيه إلا بأمر آخر، وكذلك الأمر في الشيء المنهي عنه على الإطلاق لا يجب أن يكون شرطا في صحة شيء ما) (ما بين القوسين غير موجود بالنسخة المصرية، لكنه مثبت في النسخة الفاسية اهـ) إلا بأمر آخر.
الباب السادس.
-وأما المواضع التي يصلي فيها، فإن من الناس من أجاز الصلاة في كل موضع لا تكون فيه نجاسة، ومنهم من استثنى من ذلك سبعة مواضع: المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، والحمام، ومعاطن الإبل، وفوق ظهر بيت الله، ومنهم من استثنى من ذلك المقبرة فقط، ومنهم من استثنى المقبرة والحمام، ومنهم من كره الصلاة في هذه المواضع المنهي عنها ولم يبطلها وهو أحد ما روي عن مالك، وقد روي عنه الجواز، وهذه رواية ابن القاسم. وسبب اختلافهم تعارض ظواهر الآثار في هذا الباب، وذلك أن ههنا حديثين متفق على صحتهما وحديثين مختلف فيهما. فأما المتفق عليهما فقوله عليه الصلاة والسلام "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي، وذكر فيها: وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأينما أدركتني الصلاة صليت" وقوله عليه الصلاة والسلام "اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا" وأما الغير المتفق عليهما فأحدهما ما روي "أنه عليه الصلاة والسلام نهى أن يصلي في سبعة مواطن: في المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، وفي الحمام وفي معاطن الإبل، وفوق ظهر بيت الله" خرجه الترمذي. والثاني ما روي أنه قال عليه الصلاة والسلام "صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل" فذهب الناس في هذه الأحاديث ثلاثة مذاهب: أحدهما مذهب الترجيح والنسخ، والثاني مذهب البناء: أعني بناء الخاص على العام، والثالث مذهب الجمع. فأما من ذهب مذهب الترجيح والنسخ فأخذ بالحديث المشهور، وهو قوله عليه الصلاة والسلام "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" وقال هذا ناسخ لغيره، لأن هذه هي فضائل له عليه الصلاة والسلام ، وذلك مما لا يجوز نسخه. وأما من ذهب مذهب بناء الخاص على العام فقال: حديث الإباحة عام، وحديث النهي خاص، فيجب أن يبني الخاص على العام. فمن هؤلاء من استثنى السبعة مواضع، ومنهم من استثنى الحمام والمقبرة وقال: هذا هو الثابت عنه عليه الصلاة والسلام لأنه قد روي أيضا النهي عنهما مفردين. ومنهم من استثنى المقبرة فقط للحديث المتقدم. وأما من ذهب مذهب الجمع ولم يستثن خاصا من عام فقال أحاديث النهي محمولة على الكراهة، والأول على الجواز. واختلفوا في الصلاة في البيع والكنائس، فكرهها قوم، وأجازها قوم، وفرق قوم بين أن يكون فيها صور أو لا يكون، وهو مذهب ابن عباس لقول عمر: لا تدخل كنائسهم من أجل التماثيل، والعلة فيمن كرهها لا من أجل التصاوير، حملها على النجاسة، واتفقوا على الصلاة على الأرض، واختلفوا في الصلاة على الطنافس وغير ذلك مما يقعد عليه على الأرض، والجمهور على إباحة السجود على الحصير وما يشبهه مما تنبت الأرض، والكراهية بعد ذلك، وهو مذهب مالك بن أنس (لا يخفى ما في هذه العبارة فتدبر).
الباب السابع. في معرفة الشروط التي هي شروط في صحة الصلاة.
-وأما التروك المشترطة في الصلاة، فاتفق المسلمون على أن منها قولا، ومنها فعلا. فأما الأفعال فجميع الأفعال المباحة التي ليست من أفعال الصلاة، إلا قتل العقرب والحية في الصلاة، فإنهم اختلفوا في ذلك لمعارضة الأثر في ذلك للقياس، واتفقوا فيما أحسب على جواز الفعل الخفيف. وأما الأقوال فهي أيضا الأقوال التي ليست من أقاويل الصلاة، وهذه أيضا لم يختلفوا أنها تفسد الصلاة عمدا لقوله تعالى {وقوموا لله قانتين} ولما ورد من قوله عليه الصلاة والسلام "إن الله يحدث من أمره ما يشاء" ومما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة، وهو حديث ابن مسعود وحديث زيد بن أرقم أنه قال "كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت {وقوموا لله قانتين} فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام" وحديث معاوية بن الحكم السلمي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن صلاتنا لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتهليل والتحميد وقراءة القرآن" إلا أنهم اختلفوا من ذلك في موضعين: أحدهما إذا تكلم ساهيا، والآخر إذا تكلم عامدا لإصلاح الصلاة. وشذ الأوزاعي فقال: من تكلم في الصلاة لإحياء نفس أو لأمر كبير، فإنه يبنى. والمشهور من مذهب مالك أن التكلم عمدا على جهة الإصلاح لا يفسدها. وقال الشافعي: يفسدها التكلم كيف كان إلا مع النسيان. وقال أبو حنيفة: يفسدها التكلم كيف كان. والسبب في اختلافهم تعارض ظواهر الأحاديث في ذلك، وذلك أن الأحاديث المتقدمة تقتضي تحريم الكلام على العموم، وحديث أبي هريرة المشهور "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من اثنتين، فقال له ذو اليدين: اقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصدق ذو اليدين؟ فقالوا: نعم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين أخريين ثم سلم" ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم والناس معه، وأنهم بنوا بعد التكلم، ولم يقطع ذلك التكلم صلاتهم، فمن أخذ بهذا الظاهر، ورأى أن هذا شيء يخص الكلام لإصلاح الصلاة استثنى هذا من ذلك العموم، وهو مذهب مالك بن أنس، ومن ذهب إلى أنه ليس في الحديث دليل على أنهم تكلموا عمدا في الصلاة وإنما يظهر منهم أنهم تكلموا وهم يظنون أن الصلاة قد قصرت، وتكلم النبي عليه الصلاة والسلام وهو يظن أن الصلاة قد تمت، ولم يصح عنده أن الناس قد تكلموا بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما قصرت الصلاة وما نسيت" قال: إن المفهوم من الحديث إنما هو إجازة الكلام لغير العامد، فإذا السبب في اختلاف مالك والشافعي في المستثنى من ذلك العموم هو اختلافهم في مفهوم هذا الحديث مع أن الشافعي اعتمد أيضا في ذلك أصلا عاما، وهو قوله عليه الصلاة والسلام "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" وأما أبو حنيفة فحمل أحاديث النهي على عمومها، ورأى أنها ناسخة لحديث ذي اليدين وأنه متقدم عليها.
الباب الثامن. في معرفة النية وكيفية اشتراطها في الصلاة.
-وأما النية فاتفق العلماء على كونها شرطا في صحة الصلاة لكون الصلاة هي رأس العبادات التي وردت في الشرع لغير مصلحة معقولة: أعني من المصالح المحسوسة، واختلفوا هل من شرط نية المأموم أن توافق نية الإمام في تعيين الصلاة وفي الوجوب حتى لا يجوز أن يصلي المأموم ظهرا بإمام يصلي عصرا؟ ولا يجوز أن يصلي الإمام ظهرا يكون في حقة نفلا، وفي حق المأموم فرضا؟ فذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنه يجب أن توافق نية المأموم نية الإمام، وذهب الشافعي إلى أنه ليس يجب. والسبب في اختلافهم معارضة مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام "إنما جعل الإمام ليؤتم به" لما جاء في حديث معاذ من أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يصلي بقومه، فمن رأى ذلك خاصا لمعاذ، وأن عموم قوله عليه الصلاة والسلام "إنما جعل الإمام ليؤتم به" يتناول النية اشترط موافقة الإمام للمأموم. ومن رأى أن الإباحة لمعاذ في ذلك هي إباحة لغيره من سائر المكلفين وهو الأصل قال: لا يخلو الأمر في ذلك الحديث الثاني من أحد أمرين: إما أن يكون ذلك العموم الذي فيه لا يتناول النية لأن ظاهره إنما هو في الأفعال، فلا يكون بهذا الوجه معارضا لحديث معاذ، وإما أن يكون يتناولها فيكون حديث معاذ قد خصص في ذلك العموم. وفي النية مسائل ليس لها تعلق بالمنطوق به من الشرع رأينا تركها إذ كان غرضنا على القصد الأول إنما هو الكلام في المسائل التي تتعلق بالمنطوق به من الشرع.
(الجملة الثالثة من كتاب الصلاة) وهي معرفة ما تشتمل عليه من الأقوال والأفعال، وهي الأركان والصلوات المفروضة تختلف في هذين بالزيادة والنقصان، إما من قبل الانفراد والجماعة، وإما من قبل الزمان، مثل مخالفة ظهر الجمعة لظهر سائر الأيام، وإما من قبل الحضر والسفر، وإما من قبل الأمن والخوف، وإما من قبل الصحة والمرض، فإذا أريد أن يكون القول في هذه صناعيا وجاريا على نظام فيجب أن يقال أولا فيما تشترك فيه هذه كلها ثم يقال فيما يخص واحدة واحدة منها، أو يقال في واحدة واحدة منها وهو الأسهل وإن كان هذا النوع من التعليم يعرض منه تكرار ما، وهو الذي سلكه الفقهاء ونحن نتبعهم في ذلك، فنجعل هذه الجملة منقسمة إلى ستة أبواب. الباب الأول: في صلاة المنفرد الحاضر الآمن الصحيح. الباب الثاني: في صلاة الجماعة: أعني في أحكام الإمام والمأموم في الصلاة. الباب الثالث: في صلاة الجمعة. الباب الرابع: في صلاة السفر. الباب الخامس: في صلاة الخوف. الباب السادس: في صلاة المريض.
الباب الأول في صلاة المنفرد الحاضر الآمن الصحيح.
-وهذا الباب فيه فصلان: الفصل الأول: في أقوال الصلاة. والفصل الثاني: في أفعال الصلاة.
الفصل الأول في أقوال الصلاة. وفي هذا الفصل من قواعد المسائل تسع مسائل:
-(المسألة الأولى) اختلف العلماء في التكبير على ثلاثة مذاهب: فقوم قالوا: إن التكبير كله واجب في الصلاة. وقوم قالوا: إنه كله ليس بواجب وهو شاذ. وقوم أوجبوا تكبيرة الإحرام فقط، وهم الجمهور، وسبب اختلاف من أوجبه كله ومن أوجب منه تكبيرة الإحرام فقط: معارضة ما نقل من قوله لما نقل من فعله عليه الصلاة والسلام، فأما ما نقل من قوله فحديث أبي هريرة المشهور أن النبي عليه الصلاة والسلام قال للرجل الذي علمه الصلاة "إذا أردت الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة ثم كبر ثم اقرأ" فمفهوم هذا هو أن التكبيرة الأولى هي الفرض فقط، ولو كان ما عدا ذلك من التكبير فرضا لذكره له كما ذكر سائر فروض الصلاة. وأما ما نقل من فعله فمنها حديث أبي هريرة "أنه كان يصلي فيكبر كلما حفض ورفع، ثم يقول: إني لأشبهكم صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم" ومنها حديث مطرف بن عبد الله بن الشخير قال "صليت أنا وعمران بن الحصين خلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فكان إذا سجد كبر، وإذا رفع رأسه من الركوع كبر، فلما قضى صلاته وانصرفنا أخذ عمران بيده، فقال: أذكرني هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم "فالقائلون بإيجابه تمسكوا بهذا العمل المنقول في هذه الأحاديث وقالوا: الأصل أن تكون كل أفعاله التي أتت بيانا لواجب، محمولة على الوجوب كما قال صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي" و"خذوا عني مناسككم" وقالت الفرقة الأولى ما في هذه الآثار يدل على أن العمل عند الصحابة إنما كان على إتمام التكبير ولذلك كان أبو هريرة يقول: إني لأشبهكم صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال عمران: أذكرني هذا بصلاته صلاة محمد صلى الله عليه وسلم. وأما من جعل التكبير كله نفلا فضعيف، ولعله قاسه على سائر الأذكار التي في الصلاة مما ليست بواجب، إذ قاس تكبيرة الإحرام على سائر التكبيرات. قال أبو عمر بن عبد البر: ومما يؤيد مذهب الجمهور ما رواه شعبة بن الحجاج عن الحسن بن عمران عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يتم التكبير، وصليت مع عمر بن عبد العزيز فلم يتم التكبير. وما رواه أحمد بن حنبل عن عمر رضي الله عنه أنه كان لا يكبر إذا صلى وحده، وكأن هؤلاء رأوا أن التكبير إنما هو لمكان إشعار الإمام للمأمومين بقيامه وقعوده، ويشبه أن يكون إلى هذا ذهب من رآه نفلا.
-(المسألة الثانية) قال مالك: لا يجزئ من لفظ التكبير إلا الله أكبر. وقال الشافعي: الله أكبر والله الأكبر اللفظان كلاهما يجزئ. وقال أبو حنيفة: يجزئ من لفظ التكبير كل لفظ في معناه مثل: الله الأعظم، والله الأجل. وسبب اختلافهم: هل اللفظ هو المتعبد به في الافتتاح أو المعنى، وقد استدل المالكيون والشافعيون بقوله عليه الصلاة والسلام "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم" قالوا: والألف واللام ههنا للحصر، والحصر يدل على أن الحكم خاص بالمنطوق به، وأنه لا يجوز بغيره، وليس يوافقهم أبو حنيفة على هذا الأصل، فإن هذا المفهوم هو عنده من باب دليل الخطاب، وهو أن يحكم للمسكوت عنه بضد حكم المنطوق به، ودليل الخطاب عند أبي حنيفة غير معمول به.
-(المسألة الثالثة) ذهب قوم إلى أن التوجيه في الصلاة واجب، وهو أن يقول بعد التكبير: إما {وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض} وهو مذهب الشافعي، وإما أن يسبح وهو مذهب أبي حنيفة، وإما أن يجمع بينهما وهو مذهب أبي يوسف وصاحبه. وقال مالك ليس التوجيه بواجب في الصلاة ولا بسنة. وسبب الاختلاف معارضة الآثار الواردة بالتوجيه للعمل عند مالك، أو الاختلاف في صحة الآثار الواردة بذلك. قال القاضي: قد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسكت بين التكبير والقراءة إسكاتة، قال: فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي: إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب [في نسختنا "البرب" بدل "الثوب" وهو خطأ مطبعي!. وتصحيحنا موافق للروايات المشهورة لهذا الدعاء. دار الحديث] الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد" وقد ذهب قوم إلى استحسان سكتات كثيرة في الصلاة، منها حين يكبر، ومنها حين يفرغ من قراءة أم القرآن وإذا فرغ من القراءة قبل الركوع، وممن قال بهذا القول الشافعي وأبو ثور والأوزاعي، وأنكر ذلك مالك وأصحابه وأبو حنيفة وأصحابه. وسبب اختلافهم اختلافهم في تصحيح حديث أبي هريرة أنه قال "كانت له عليه الصلاة والسلام في صلاته حين يكبر ويفتتح الصلاة وحين يقرأ فاتحة الكتاب، وإذا فرغ من القراءة قبل الركوع.
-(المسألة الرابعة) اختلفوا في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في افتتاح القراءة في الصلاة، فمنع ذلك مالك في الصلاة المكتوبة جهرا كانت أو سرا، لا في استفتاح أم القرآن ولا في غيرها من السور، وأجاز ذلك في النافلة. وقال أبو حنيفة والثوري وأحمد يقرؤها مع أم القرآن في كل ركعة سرا، وقال الشافعي: يقرؤها ولا بد في الجهر جهرا وفي السر سرا، وهي عنده آية من فاتحة الكتاب، وبه قال أحمد وأبو ثور وأبو عبيد. واختلف قول الشافعي هل هي آية من كل سورة؟ أم إنما هي آية من سورة النمل فقط، ومن فاتحة الكتاب؟ فروي عنه القولان جميعا. وسبب الخلاف في هذا آيل إلى شيئين: أحدهما اختلاف الآثار في هذا الباب، والثاني اختلافهم: هل بسم الله الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب أم لا؟ فأما الآثار التي احتج بها من أسقط ذلك فمنها حديث ابن مغفل قال "سمعني أبي وأنا أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: يا بني إياك والحدث، فإني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلم أسمع رجلا منهم يقرؤها "قال أبو عمر بن عبد البر: ابن مغفل رجل مجهول. ومنها ما رواه مالك من حديث أنس أنه قال: "قمت وراء أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فكلهم كان لا يقرأ بسم الله إذا افتتحوا الصلاة" قال أبو عمر: وفي بعض الروايات أنه قال: "خلف النبي صلى الله عليه وسلم فكان لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم" فقال أبو عمر: إلا أن أهل الحديث قالوا في حديث أنس هذا: إن النقل فيه مضطرب اضطرابا لا تقوم به حجة، وذلك أن مرة روي عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومرة لم يرفع، ومنهم من يذكر عثمان ومن لا يذكره، ومنهم من يقول: فكانوا يقرءون بسم الله الرحمن الرحيم، ومنهم من يقول: فكانوا لا يقرءون بسم الله الرحمن الرحيم. ومنهم من يقول: فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم. وأما الأحاديث المعارضة لهذا، فمنها حديث نعيم بن عبد الله المجمر قال: صليت خلف أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم قبل أم القرآن وقبل السورة وكبر في الخفض والرفع وقال: أنا أشبهكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنها حديث ابن عباس "أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم" ومنها حديث أم سلمة أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين" فاختلاف هذه الآثار أحد ما أوجب اختلافهم في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة. والسبب الثاني كما قلنا هو: هل بسم الله الرحمن الرحيم آية من أم الكتاب وحدها أو من كل سورة أم ليست آية لا أم الكتاب ولا من كل سورة؟ فمن رأى أنها آية من أم الكتاب أوجب قراءتها بوجوب قراءة أم الكتاب عنده في الصلاة، ومن رأى أنها آية من أول كل سورة وجب عنده أن يقرأها مع السورة. وهذه المسألة قد كثر الاختلاف فيها والمسألة محتملة، ولكن من أعجب ما وقع في هذه المسألة أنهم يقولون: ربما اختلف فيه هل بسم الله الرحمن الرحيم آية من القرآن في غير سورة النمل؟ أم إنما هي آية من القرآن في سورة النمل فقط؟ ويحكون على جهة الرد على الشافعي أنها لو كانت من القرآن في غير سورة النمل لبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن القرآن نقل تواترا، هذا الذي قاله القاضي في الرد على الشافعي وظن أنه قاطع وأما أبو حامد فانتصر لهذا بأن قال إنه أيضا لو كانت من غير القرآن لوجب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبين ذلك، وهذا كله تخبط وشيء غير مفهوم، فإنه كيف يجوز في الآية الواحدة بعينها أن يقال فيها إنها من القرآن في موضع وإنها ليست من القرآن في موضع آخر، بل يقال إن بسم الله الرحمن الرحيم قد ثبت أنها من القرآن حيثما ذكرت، وأنها آية من سورة النمل، وهل هي آية من سورة أم القرآن ومن كل سورة يستفتح بها، مختلف فيه، والمسألة محتملة، وذلك أنها في سائر السور فاتحة، وهي جزء من سورة النمل، فتأمل هذا فإنه بين، والله أعلم.
-(المسألة الخامسة) اتفق العلماء على أنه لا تجوز صلاة بغير قراءة لا عمدا ولا سهوا، إلا شيئا روي عن عمر رضي الله عنه أنه صلى فنسي القراءة، فقيل له في ذلك، فقال: كيف كان الركوع والسجود؟ فقيل حسن، فقال: لا بأس إذا، وهو حديث غريب عندهم، أدخله مالك في موطئه في بعض الروايات وإلا شيئا روي عن ابن عباس أنه لا يقرأ في صلاة السر وأنه قال "قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلوات وسكت في أخرى" فنقرأ فيما قرأ ونسكت فيما سكت. وسئل هل في الظهر والعصر قراءة؟ فقال: لا، وأخذ الجمهور بحديث خباب "أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر، قيل فبأي شيء كنتم تعرفون ذلك؟ قال: باضطراب لحيته" وتعلق الكوفيون بحديث ابن عباس في ترك وجوب القراءة في الركعتين الأخيرتين من الصلاة لاستواء صلاة الجهر والسر في سكوت النبي صلى الله عليه وسلم في هاتين الركعتين. واختلفوا في القراءة الواجبة في الصلاة، فرأى بعضهم أن الواجب من ذلك أم القرآن لمن حفظها، وأن ما عداها ليس فيه توقيت، ومن هؤلاء من أوجبها في كل ركعة، ومنهم من أوجبها في أكثر الصلاة، ومنهم من أوجبها في نصف الصلاة، ومنهم من أوجبها في ركعة من الصلاة، وبالأول قال الشافعي، وهي أشهر الروايات عن مالك، وقد روي عنه أنه إن قرأها في ركعتين من الرباعية أجزأته.
وأما من رأى أنها تجزئ في ركعة، فمنهم الحسن البصري وكثير من فقهاء البصرة. وأما أبو حنيفة فالواجب عنده إنما هو قراءة القرآن أي آية اتفقت أن تقرأ، وحد أصحابه في ذلك ثلاث آيات قصار أو آية طويلة مثل آية الدين، وهذا في الركعتين الأوليين. وأما في الأخيرتين فيستحب عنده التسبيح فيهما دون القراءة، وبه قال الكوفيون. والجمهور يستحبون القراءة فيها كلها. والسبب في هذا الاختلاف تعارض الآثار في هذا الباب، ومعارضة ظاهر الكتاب للأثر. أما الآثار المتعارضة في ذلك، فأحدها حديث أبي هريرة الثابت "ان رجلا دخل المسجد فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم السلام وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل، فصلى ثم أمره بالرجوع، فعل ذلك ثلاث مرات، فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره، فقال عليه الصلاة والسلام : إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تستوي قائما، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها"
وأما المعارض لهذا فحديثان ثابتان متفق عليهما: أحدهما حديث عبادة بن الصامت أنه عليه الصلاة والسلام قال "لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب" وحديث أبي هريرة أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، فهي خداج، فهي خداج ثلاثا" وحديث أبي هريرة المتقدم ظاهره أنه يجزئ من القراءة في الصلاة ما تيسر من القرآن، وحديث عبادة وحديث أبي هريرة الثاني يقتضيان أن أم القرآن شرط في الصلاة، وظاهر قوله تعالى {فاقرءوا ما تيسر منه} يعضد حديث أبي هريرة المتقدم:، والعلماء المختلفون في هذه المسألة إما أن يكونوا ذهبوا في تأويل هذه الأحاديث مذهب الجمع، وإما أن يكونوا ذهبوا مذهب الترجيح، وعلى كلا القولين يتصور هذا المعنى، وذلك أنه من ذهب مذهب من أوجب قراءة ما تيسر من القرآن له أن يقول هذا أرجح، لأن ظاهر الكتاب يوافقه، وله أن يقول على طريق الجمع أنه يمكن أن يكون حديث عبادة المقصود به نفي الكمال لا نفي الإجزاء، وحديث أبي هريرة المقصود منه الإعلام بالمجزئ من القراءة، إذا كان المقصود منه تعليم فرائض الصلاة، ولأولئك أيضا أن يذهبوا هذين المذهبين بأن يقولوا هذه الأحاديث أوضح لأنها أكثر، وأيضا فإن حديث أبي هريرة المشهور يعضده، وهو الحديث الذي فيه يقول تعالى "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: نصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل، يقول العبد الحمد لله رب العالمين، يقول الله حمدني عبدي" الحديث، ولهم أن يقولوا أيضا إن قوله عليه الصلاة والسلام "ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن" مبهم والأحاديث الأخر معينة، والمعين يقضي على المبهم، وهذا فيه عسر، فإن معنى حرف "ما" ههنا إنما هو معنى أي شيء تيسر، وإنما يسوغ هذا إن دلت "ما" في كلام العرب على ما تدل عليه لام العهد، فكان يكون تقدير الكلام: اقرأ الذي تيسر معك من القرآن ويكون المفهوم منه أم الكتاب، إذا كانت الألف واللام في الذي تدل على العهد، فينبغي أن يتأمل هذا في كلام العرب، فإن وجدت العرب تفعل هذا أعني تتجوز في موطن ما، فتدل بما على شيء معين فليسغ هذا التأويل، وإلا فلا وجه له، فالمسألة كما ترى محتملة، وإنما كان يرتفع الاحتمال لو ثبت النسخ.
وأما الاختلاف من أوجب أم الكتاب في الصلاة في كل ركعة أو في بعض الصلاة فسببه احتمال عودة الضمير الذي في قوله عليه الصلاة والسلام "لم يقرأ فيها بأم القرآن" على كل أجزاء الصلاة أو على بعضها، وذلك أن من قرأ في الكل منها أو في الجزء: أعني في ركعة أو ركعتين لم يدخل تحت قوله عليه الصلاة والسلام "لم يقرأ فيها" وهذا الاحتمال بعينه هو الذي أصار أبا حنيفة إلى أن يترك القراءة أيضا في بعض الصلاة: أعني في الركعتين الأخرتين، واختار مالك أن يقرأ في الركعتين الأوليين من الرباعية بالحمد وسورة، وفي الأخرتين بالحمد فقط، فاختار الشافعي أن تقرأ في الأربع من الظهر بالحمد وسورة إلا أن السورة التي تكون في الأوليين تكون أطول، فذهب مالك إلى حديث أبي قتادة الثابت "أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين منها بفاتحة الكتاب فقط. وذهب الشافعي إلى ظاهر حديث ابي سعيد الثابت أيضا أنه كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين قدر خمسة عشر آية، ولم يختلفوا في العصر لاتفاق الحديثين فيها، وذلك أن في حديث أبي سعيد هذا "أنه كان يقرأ في الأوليين من العصر قدر خمس عشرة آية، وفي الأخريين قدر النصف من ذلك".
-(المسألة السادسة) اتفق الجمهور على منع قراءة القرآن في الركوع والسجود لحديث علي في ذلك قال "نهاني جبريل صلى الله عليه وسلم أن أقرأ القرآن راكعا وساجدا" قال الطبري: وهو حديث صحيح، وبه أخذ فقهاء الأمصار، وصار قوم من التابعين إلى جواز ذلك، وهو مذهب البخاري لأنه لم يصح الحديث عنده، والله أعلم. واختلفوا: هل الركوع والسجود قول محدود يقوله المصلي أم لا؟ فقال مالك: ليس في ذلك قول محدود. وذهب الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وجماعة غيرهم إلى أن المصلي يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم ثلاثا، وفي السجود سبحان ربي الأعلى ثلاثا على ما جاء في حديث عقبة بن عامر. وقال الثوري: أحب إلى أن يقولها الإمام خمسا في صلاته حتى يدرك الذي خلفه ثلاثة تسبيحات. والسبب في هذا الاختلاف معارضة حديث ابن عباس في هذا الباب لحديث عقبة بن عامر، وذلك أن في حديث ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام قال "ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم" وفي حديث عقبة بن عامر أنه قال "لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في ركوعكم، ولما نزلت سبح اسم ربك الأعلى قال: اجعلوها في سجودكم" وكذلك اختلفوا في الدعاء في الركوع بعد اتفاقهم على جواز الثناء على الله، فكره ذلك مالك لحديث علي أنه قال عليه الصلاة والسلام: "أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء" وقالت طائفة يجوز الدعاء في الركوع، واحتجوا بأحاديث جاء فيها أنه عليه الصلاة والسلام دعا في الركوع وهو مذهب البخاري، واحتج بحديث عائشة قالت "كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي" وأبو حنيفة لا يجيز الدعاء في الصلاة بغير ألفاظ القرآن (وكذا ما ورد من السنة ا هـ مصححه)، ومالك والشافعي يجيزان ذلك. والسبب في ذلك اختلافهم فيه، هل هو كلام أم لا؟.
-(المسألة السابعة) اختلفوا في وجوب التشهد وفي المختار منه، فذهب مالك وأبو حنيفة وجماعة إلى أن التشهد ليس بواجب، وذهبت طائفة إلى وجوبه، وبه قال الشافعي وأحمد وداود. وسبب اختلافهم معارضة القياس لظاهر الآثار، وذلك أن القياس يقتضي إلحاقه بسائر الأركان التي ليست بواجبة في الصلاة، لاتفاقهم على وجوب القرآن، وأن التشهد ليس بقرآن فيجب. وحديث ابن عباس أنه قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن" يقتضي وجوبه مع أن الأصل عند هؤلاء أن أفعاله وأقواله في الصلاة يجب أن تكون محمولة على الوجوب حتى يدل الدليل على خلاف ذلك، والأصل عند غيرهم على خلاف هذا، وهو أن ما ثبت وجوبه في الصلاة مما اتفق عليه أو صرح بوجوبه فلا يجب أن يلحق به إلا ما صرح به ونص عليه، فهما كما ترى أصلان متعارضان. وأما المختار من التشهد، فإن مالكا رحمه الله اختار تشهد عمر رضي الله عنه الذي كان يعلمه الناس على المنبر، وهو: التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي، ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. واختار أهل الكوفة أبو حنيفة وغيره تشهد عبد الله بن مسعود. قال أبو عمر: وبه قال أحمد وأكثر أهل الحديث، لثبوت نقله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو: "التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله" واختار الشافعي وأصحابه تشهد عبد الله بن عباس الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، فكان يقول "التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله" وسبب اختلافهم اختلاف ظنونهم في الأرجح منها، فمن غلب على ظنه رجحان حديث ما من هذه الأحاديث الثلاثة مال إليه، وقد ذهب كثير من الفقهاء إلى أن هذا كله على التخيير كالأذان والتكبير على الجنائز وفي العيدين وفي غير ذلك مما تواتر نقله، وهو الصواب والله أعلم. وقد اشترط الشافعي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد وقال: إنها فرض لقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} ذهب إلى أن هذا التسليم هو التسليم من الصلاة، وذهب الجمهور إلى أنه التسليم الذي يؤتى به عقب الصلاة عليه، وذهب قوم من أهل الظاهر إلى أنه واجب أن يتعوذ المتشهد من الأربع التي جاءت في الحديث من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ومن فتنة المسيح الدجال ومن فتنة المحيا والممات، لأنه ثبت "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ منها في آخر تشهده" وفي بعض طرقه "إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ من أربع" الحديث خرجه مسلم.
-(المسألة الثامنة) اختلفوا في التسليم من الصلاة، فقال الجمهور بوجوبه، وقال أبو حنيفة وأصحابه: ليس بواجب، والذين أوجبوه منهم من قال الواجب على المنفرد والإمام تسليمة واحدة، ومنهم من قال اثنتان، فذهب الجمهور مذهب ظاهر حديث علي، وهو قوله عليه الصلاة والسلام فيه "وتحليلها التسليم" ومن ذهب إلى أن الواجب من ذلك تسليمتان، فلما ثبت من "أنه عليه الصلاة والسلام كان يسلم تسليمتين" وذلك عند من حمل فعله على الوجوب. واختار مالك للمأموم تسليمتين والإمام واحدة، وقد قيل عنه إن المأموم يسلم ثلاثا: الواحدة للتحليل، والثانية للإمام، والثالثة لمن هو عن يساره. وأما أبو حنيفة فذهب إلى ما رواه عبد الرحمن بن زياد الإفريقي أن عبد الرحمن بن رافع وبكر بن سوادة حدثاه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا جلس الرجل في آخر صلاته فأحدث قبل أن يسلم فقد تمت صلاته" قال أبو عمر بن عبد البر: وحديث علي المتقدم أثبت عند أهل النقل، لأن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص انفرد به الإفريقي، وهو عند أهل النقل ضعيف. قال القاضي: إن كان أثبت من طريق النقل فإنه محتمل من طريق اللفظ، وذلك أنه ليس يدل على أن الخروج من الصلاة لا يكون بغير التسليم إلا بضرب من دليل الخطاب وهو مفهوم ضعيف عند الأكثر، ولكن للجمهور أن يقولوا إن الألف واللام التي للحصر أقوى من دليل الخطاب في كون حكم المسكوت عنه بضد حكم المنطوق به.
-(المسألة التاسعة) اختلفوا في القنوت، فذهب مالك إلى أن القنوت في صلاة الصبح مستحب. وذهب الشافعي إلى أنه سنة، وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يجوز القنوت في صلاة الصبح، وأن القنوت إنما موضعه الوتر. وقال قوم: بل يقنت في كل صلاة. وقال قوم: لا قنوت إلا في رمضان. وقال قوم: بل في النصف الأخير منه. وقال قوم: بل في النصف الأول منه. والسبب في ذلك اختلاف الآثار المنقولة في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقياس بعض الصلوات في ذلك على بعض: أعني التي قنت فيها على التي لم يقنت فيها. قال أبو عمر بن عبد البر: والقنوت بلعن الكفرة في رمضان مستفيض في الصدر الأول اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في دعائه على رعل وذكوان، والنفر الذين قتلوا أصحاب بئر معونة. وقال الليث بن سعد: ما قنت منذ أربعين عاما أو خمسة وأربعين عاما إلا وراء إمام يقنت. قال الليث: وأخذت في ذلك بالحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت شهرا أو أربعين يدعو لقوم ويدعو على آخرين، حتى أنزل الله تبارك وتعالى معاتبا {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون} فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم القنوت فما قنت بعدها حتى لقي الله، قال: فمنذ حملت هذا الحديث لم أقنت، وهو مذهب يحيى بن يحيى. قال القاضي: ولقد حدثني الأشياخ أنه كان العمل عليه بمسجده عندنا بقرطبة، وأنه استمر إلى زماننا أو قريب من زماننا. وخرج مسلم عن أبي هريرة "أن النبي عليه الصلاة والسلام قنت في صلاة الصبح، ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم} وخرج عن أبي هريرة أنه قنت في الظهر والعشاء الأخيرة وصلاة الصبح. وخرج عنه عليه الصلاة والسلام "أنه قنت شهرا في صلاة الصبح يدعو على بني عصية" واختلفوا فيما يقنت به، فاستحب مالك القنوت بـ "اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونستهديك ونؤمن بك ونخنع لك ونخلع ونترك من يكفرك، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخاف عذابك إن عذابك بالكافرين ملحق" ويسميها أهل العراق السورتين، ويروى أنها في مصحف أبي بن كعب. وقال الشافعي وإسحاق بل يقنت "باللهم اهدنا فيمن هديت وعافينا فيمن عافيت، وقنا شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، تباركت ربنا وتعاليت" وهذا يرويه الحسن بن علي من طرق ثابتة أن النبي عليه الصلاة والسلام علمه هذا الدعاء يقنت به في الصلاة. وقال عبد الله بن داود: من لم يقنت بالسورتين فلا يصلي خلفه. وقال قوم: ليس في القنوت شيء موقوت.
الفصل الثاني في الأفعال التي هي أركان وفي هذا الفصل من قواعد المسائل ثماني مسائل
-(المسألة الأولى) اختلف العلماء في رفع اليدين في الصلاة في ثلاثة مواضع: أحدها في حكمه. والثاني في المواضع التي يرفع فيها من الصلاة. والثالث إلى أن ينتهي برفعها. فأما الحكم، فذهب الجمهور إلى أنه سنة في الصلاة، وذهب داود وجماعة من أصحابه إلى أن ذلك فرض، وهؤلاء انقسموا أقساما فمنهم من أوجب ذلك في تكبيرة الإحرام فقط. ومنهم من أوجب ذلك في الاستفتاح وعند الركوع: أعني عند الانحطاط فيه وعند الارتفاع منه، ومنهم من أوجب ذلك في هذين الموضعين وعند السجود، وذلك بحسب اختلافهم في المواضع التي يرفع فيها. وسبب اختلافهم معارضة ظاهر حديث أبي هريرة الذي فيه تعليم فرائض الصلاة لفعله عليه الصلاة والسلام، وذلك أن حديث أبي هريرة إنما فيه أنه قال له وكبر ولم يأمره برفع يديه، وثبت عنه عليه الصلاة والسلام من حديث ابن عمر وغيره "أنه كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة" وأما اختلافهم في المواضع التي ترفع فيها فذهب أهل الكوفة أبو حنيفة وسفيان الثوري وسائر فقهائهم إلى أنه لا يرفع المصلي يديه إلا عند تكبيرة الإحرام فقط، وهي رواية ابن القاسم عن مالك،
وذهب الشافعي وأحمد وأبو عبيد وأبو ثور، وجمهور أهل الحديث وأهل الظاهر إلى الرفع عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع، وعند الرفع من الركوع وهو مروى عن مالك إلا أنه عند بعض أولئك فرض وعند مالك سنة. وذهب بعض أهل الحديث إلى رفعها عند السجود وعند الرفع منه. والسبب في هذا الاختلاف كله اختلاف الآثار الواردة في ذلك ومخالفة العمل بالمدينة لبعضها، وذلك أن في ذلك أحاديث أحدها حديث عبد الله بن مسعود، وحديث البراء بن عازب "أنه كان عليه الصلاة والسلام يرفع يديه عند الإحرام مرة واحدة لا يزيد عليها، والحديث الثاني حديث ابن عمر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما أيضا كذلك وقال "سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد" كان لا يفعل ذلك في السجود، وهو حديث متفق على صحته وزعموا أنه روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر رجلا من أصحابه. والحديث الثالث حديث وائل بن حجر، وفيه زيادة على ما في حديث عبد الله بن عمر "أنه كان يرفع يديه عند السجود" فمن حمل الرفع ههنا على أنه ندب أو فريضة، فمنهم من اقتصر به على الإحرام فقط ترجيحا لحديث عبد الله بن مسعود وحديث البراء بن عازب وهو مذهب مالك لموافقة العمل به، ومنهم من رجح حديث عبد الله بن عمر، فرأى الرفع في الموضعين أعني في الركوع وفي الافتتاح لشهرته، واتفق الجميع عليه ومن كان رأيه من هؤلاء أن الرفع فريضة حمل ذلك على الفريضة، ومن كان رأيه أنه ندب حمل ذلك على الندب، ومنهم من ذهب مذهب الجمع وقال: إنه يجب أن تجمع هذه الزيادات بعضها إلى بعض على ما في حديث وائل بن حجر، فإذا العلماء ذهبوا في هذه الآثار مذهبين: إما مذهب الترجيح، وإما مذهب الجمع. والسبب في اختلافهم في حمل رفع اليدين في الصلاة: هل هو على الندب أو على الفرض؟ هو السبب الذي قلناه قبل من أن بعض الناس يرى أن الأصل في أفعاله صلى الله عليه وسلم أن تحمل على الوجوب حتى يدل الدليل على غير ذلك، ومنهم من يرى أن الأصل لا يزاد فيما صح بدليل واضح من قول ثابت أو إجماع أنه من فرائض الصلاة إلا بدليل واضح، وقد تقدم هذا من قولنا، ولا معنى لتكرير الشيء الواحد مرات كثيرة، وأما الحد الذي ترفع إليه اليدان، فذهب بعضهم إلى أنه المنكبان، وبه قال مالك والشافعي وجماعة، وذهب بعضهم إلى رفعهما إلى الأذنين، وبه قال أبو حنيفة، وذهب بعضهم إلى رفعهما إلى الصدر، وكل ذلك مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن أثبت ما في ذلك أنه كان يرفعهما حذو منكبيه وعليه الجمهور، والرفع إلى الأذنين أثبت من الرفع إلى الصدر وأشهر.
-(المسألة الثانية) ذهب أبو حنيفة إلى أن الاعتدال من الركوع وفي الركوع غير واجب. وقال الشافعي: هو واجب. واختلف أصحاب مالك: هل ظاهر مذهبه يقتضي أن يكون سنة أو واجبا إذ لم ينقل عنه نص في ذلك: والسبب في اختلافهم: هل الواجب الأخذ ببعض ما ينطلق عليه الاسم أم بكل ذلك الشيء الذي ينطلق عليه الاسم، فمن كان الواجب عنده الأخذ ببعض ما ينطلق عليه الاسم لم يشترط الاعتدال في الركوع، ومن كان الواجب عنده الأخذ بالكل اشترط الاعتدال، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحديث المتقدم للرجل الذي علمه فروض الصلاة "اركع حتى تطمئن راكعا، وارفع حتى تطمئن رافعا" فالواجب اعتقاد كونه فرضا، وعلى هذا الحديث عول كل من رأى أن الأصل لا تحمل أفعاله عليه الصلاة والسلام في سائر أفعال الصلاة مما لم ينص عليها في هذا الحديث على الوجوب حتى يدل الدليل على ذلك، ومن قبل هذا لم يروا رفع اليدين فرضا ولا ما عدا تكبيرة الإحرام والقراءة من الأقاويل التي في الصلاة فتأمل هذا، فإنه أصل مناقض للأصل الأول وهو سبب الخلاف في أكثر هذه المسائل.
-(المسألة الثالثة) اختلف الفقهاء في هيئة الجلوس، فقال مالك وأصحابه يقضي بأليتيه إلى الأرض وينصب رجله اليمنى ويثني اليسرى، وجلوس المرأة عنده كجلوس الرجل. وقال أبو حنيفة وأصحابه: ينصب الرجل اليمنى ويقعد على اليسرى. وفرق الشافعي بين الجلسة الوسطى والأخيرة، فقال في الوسطى بمثل قول أبي حنيفة، وفي الأخيرة بمثل قول مالك. وسبب اختلافهم في ذلك تعارض الآثار، وذلك أن في ذلك ثلاثة آثار: أحدها وهو ثابت باتفاق حديث أبي حميد الساعدي الوارد في وصف صلاته عليه الصلاة والسلام، وفيه "وإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى ونصب اليمنى وقعد على مقعدته". والثاني حديث وائل بن حجر، وفيه "أنه كان إذا قعد في الصلاة نصب اليمنى وقعد على اليسرى". والثالث ما رواه مالك عن عبد الله بن عمر أنه قال "إنما سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى وتثني اليسرى، وهو يدخل في المسند لقوله فيه: إنما سنة الصلاة. وفي روايته عن القاسم بن محمد أنه أراهم الجلوس في التشهد ، فنصب رجله اليمنى وثنى اليسرى وجلس على وركه الأيسر ولم يجلس على قدمه، ثم قال: أراني هذا عبد الله بن عبد الله بن عمر، وحدثني أن أباه كان يفعل ذلك، فذهب مالك مذهب الترجيح لهذا الحديث، وذهب أبو حنيفة مذهب الترجيح لحديث وائل. وذهب الشافعي مذهب الجمع على حديث أبي حميد. وذهب الطبري مذهب التخيير. وقال: هذه الهيئات كلها جائزة وحسن فعلها لثبوتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قول حسن، فإن الأفعال المختلفة أولى أن تحمل على التخيير منها على التعارض، وإنما يتصور ذلك التعارض أكثر ذلك في الفعل مع القول أو في القول مع القول.
-( المسألة الرابعة) اختلف العلماء في الجلسة الوسطى والأخيرة، فذهب الأكثر في الوسطى إلى أنها سنة وليست بفرض، وشذ قوم وقالوا: إنها فرض، وكذلك ذهب الجمهور في الجلسة الأخرى إلى أنها فرض وشذ قوم فقالوا: إنها ليست بفرض. والسبب في اختلافهم هو تعارض مفهوم الأحاديث، وقياس إحدى الجلستين على الثانية، وذلك أن في حديث أبي هريرة المتقدم "اجلس حتى تطمئن جالسا" فوجب الجلوس على ظاهر هذا الحديث في الصلاة كلها، فمن أخذ بهذا قال: إن الجلوس كله فرض، ولما جاء في حديث ابن بحينة الثابت "أنه عليه الصلاة والسلام أسقط الجلسة الوسطى ولم يجبرها وسجد لها" وثبت عنه أنه أسقط ركعتين فجبرهما، وكذلك ركعة. فهم الفقهاء من هذا الفرق بين حكم الجلسة الوسطى وحكم الركعة، وكانت عندهم الركعة فرضا بإجماع، فوجب أن لا تكون الجلسة الوسطى فرضا، فهذا هو الذي أوجب أن فرق الفقهاء بين الجلستين، ورأوا أن سجود السهو إنما يكون للسنن دون الفروض، ومن رأى أنها فرض قال: السجود للجلسة الوسطى شيء يخصها دون سائر الفرائض، وليس في ذلك دليل على أنها ليست بفرض، وأما من ذهب إلى أنهما كليهما سنة فقاس الجلسة الأخيرة على الوسطى بعد أن اعتقد في الوسطى بالدليل الذي اعتقد به الجمهور أنها سنة، فإذا السبب في اختلافهم هو في الحقيقة آيل إلى معارضة الاستدلال لظاهر القول أو ظاهر الفعل، فإن من الناس أيضا من اعتقد أن الجلستين كليهما فرض من جهة أن أفعاله عليه الصلاة عنده الأصل فيها أن تكون في الصلاة محمولة على الوجوب حتى يدل الدليل على غير ذلك على ما تقدم، فإذاً الأصلان جميعا يقتضيان ههنا أن الجلوس الأخير فرض، ولذلك عليه أكثر الجمهور من غير أن يكون له معارض إلا القياس، وأعني بالأصلين القول والعمل، ولذلك أضعف الأقاويل من رأى أن الجلستين سنة والله أعلم. وثبت عنه عليه الصلاة والسلام "أنه كان يضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى وكفه اليسرى على ركبته اليسرى ويشير بإصبعه" واتفق العلماء على أن هذه الهيئة من هيئة الجلوس المستحسنة في الصلاة، واختلفوا في تحريك الأصابع لاختلاف الأثر في ذلك، والثابت أنه كان يشير فقط.
-(المسألة الخامسة) اختلف العلماء في وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة، فكره ذلك مالك في الفرض، وأجازه في النفل. ورأى قوم أن هذا الفعل من سنن الصلاة وهم الجمهور. والسبب في اختلافهم أنه قد جاءت آثار ثابتة نقلت فيها صفة صلاته عليه الصلاة والسلام، ولم ينقل فيها أنه كان يضع يده اليمنى على اليسرى، وثبت أيضا أن الناس كانوا يؤمرون بذلك. وورد ذلك أيضا من صفة صلاته عليه الصلاة والسلام في حديث أبي حميد فرأى قوم أن الآثار التي أثبتت ذلك اقتضت زيادة على الآثار التي لم تنقل فيها هذه الزيادة وأن الزيادة يجب أن يصار إليها. ورأى قوم أن الأوجب المصير إلى الآثار التي ليس فيها هذه الزيادة، لأنها أكثر، ولكون هذه ليست مناسبة لأفعال الصلاة، وإنما هي من باب الاستعانة، ولذلك أجازها مالك في النفل ولم يجزها في الفرض، وقد يظهر من أمرها أنها هيئة تقتضي الخضوع، وهو الأولى بها.
-(المسألة السادسة) اختار قوم إذا كان الرجل في وتر من صلاته أن لا ينهض حتى يستوي قاعدا، واختار آخرون أن ينهض من سجوده نفسه، وبالأول قال الشافعي وجماعة، وبالثاني قال مالك وجماعة. وسبب الخلاف أن في ذلك حديثين مختلفين: أحدهما حديث مالك بن الحويرث الثابت "أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي" فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا وفي حديث أبي حميد في صفة صلاته عليه الصلاة والسلام أنه لما رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأولى قام ولم يتورك" فأخذ بالحديث الأول الشافعي، وأخذ بالثاني مالك، وكذلك اختلفوا إذا سجد، هل يضع يديه قبل ركبتيه، أو ركبتيه قبل يديه؟ ومذهب مالك وضع الركبتين قبل اليدين. وسبب اختلافهم أن في حديث ابن حجر قال "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه" وعن أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه" وكان عبد الله بن عمر يضع يديه قبل ركبتيه. وقال بعض أهل الحديث: حديث وائل بن حجر أثبت من حديث أبي هريرة.
-(المسألة السابعة) اتفق العلماء على أن السجود يكون على سبعة أعضاء: الوجه واليدين والركبتين وأطراف القدمين، لقوله عليه الصلاة والسلام "أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء" واختلفوا فيمن سجد على وجهه ونقصه السجود على عضو من تلك الأعضاء هل تبطل صلاته أم لا؟ فقال قوم: لا تبطل صلاته لأن اسم السجود إنما يتناول الوجه فقط. وقال قوم: تبطل إن لم يسجد على السبعة الأعضاء للحديث الثابت، ولم يختلفوا أن من سجد على جبهته وأنفه فقد سجد على وجهه، واختلفوا فيمن سجد على أحدهما، فقال مالك: إن سجد على جبهته دون أنفه جاز، وإن سجد على أنفه دون جبهته لم يجز. وقال أبو حنيفة: بل يجوز ذلك. وقال الشافعي: لا يجوز إلا أن يسجد عليهما جميعا. وسبب اختلافهم: هل الواجب هو امتثال بعض ما ينطلق عليه الاسم أم كله، وذلك أن في حديث النبي عليه الصلاة والسلام الثابت عن ابن عباس "أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء" فذكر منها الوجه، فمن رأى أن الواجب هو بعض ما ينطلق عليه الاسم، قال: إن سجد على الجبهة أو الأنف أجزأه. ومن رأى أن اسم السجود يتناول من سجد على الجبهة ولا يتناول من سجد على الأنف أجاز السجود على الجبهة دون الأنف، وهذا كأنه تحديد للبعض الذي هو امتثاله، هو الواجب مما ينطلق عليه الاسم، وكان هذا على مذهب من يفرق بين أبعاض الشيء، فرأى أن بعضها يقوم في امتثاله مقام الوجوب وبعضها لا يقوم مقامه فتأمل هذا فإنه أصل في هذا الباب، وإلا جاز لقائل أن يقول: إنه إن مس من أنفه الأرض مثقال خردلة تم سجوده، وأما من رأى أن الواجب هو امتثال كل ما ينطلق عليه الاسم، فالواجب عنده أن يسجد على الجبهة والأنف. والشافعي يقول: إن هذا الاحتمال الذي من قبل اللفظ قد أزاله فعله عليه الصلاة والسلام وبينه، فإنه كان يسجد على الأنف والجبهة لما جاء من أنه انصرف من صلاة من الصلوات وعلى جبهته وأنفه أثر الطين والماء، فوجب أن يكون فعله مفسرا للحديث المجمل. قال أبو عمر بن عبد البر: وقد ذكر جماعة من الحفاظ حديث ابن عباس فذكروا فيه الأنف والجبهة. قال القاضي أبو الوليد: وذكر بعضهم الجبهة فقط، وكلا الروايتين في كتاب مسلم، وذلك حجة لمالك. واختلفوا أيضا هل من شرط السجود أن تكون يد الساجد بارزة وموضوعة على الذي يوضع عليها الوجه أم ليس ذلك من شروطه؟ فقال مالك: ذلك من شرط السجود أحسبه شرط تمامه. وقالت جماعة: ليس ذلك من شرط السجود. ومن هذا الباب اختلافهم في السجود على طاقات العمامة، وللناس فيه ثلاثة مذاهب: قول بالمنع، وقول بالجواز، وقول بالفرق بين أن يسجد على طاقات يسيرة من العمامة أو كثيرة، وقول بالفرق بين أن يمس من جبهته الأرض شيء أو لا يمس منها شيء، وهذا الاختلاف كله موجود في المذهب وعند فقهاء الأمصار، وفي البخاري وكانوا يسجدون على القلانس والعمائم. واحتج من لم ير إبراز اليدين في السجود بقول ابن عباس "أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نسجد على سبعة أعضاء ولا نكفت ثوبا ولا شعرا" وقياسا على الركبتين وعلى الصلاة في الخفين يمكن أن يحتج بهذا العموم في السجود على العمامة.
-(المسألة الثامنة) اتفق العلماء على كراهية الإقعاء في الصلاة لما جاء في الحديث من النهي أن يقعي الرجل في صلاته كما يقعي الكلب إلا أنهم اختلفوا فيما يدل عليه الاسم، فبعضهم رأى أن الإقعاء المنهي عنه هو جلوس الرجل على أليتيه في الصلاة ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب والسبع ولا خلاف بينهم أن هذه الهيئة ليست من هيئات الصلاة. وقوم رأوا أن معنى الإقعاء الذي نهي عنه هو أن يجعل أليته على عقيبه بين السجدتين وأن يجلس على صدور قدميه، وهو مذهب مالك لما روي عن ابن عمر أنه ذكر أنه إنما كان يفعل ذلك لأنه كان يشتكي قدميه. وأما ابن عباس فكان يقول: الإقعاء على القدمين في السجود على هذه الصفة هو سنة نبيكم، خرجه مسلم. وسبب اختلافهم هو تردد اسم الإقعاء المنهي عنه في الصلاة بين أن يدل على المعنى اللغوي أو يدل على معنى شرعي: أعني على هيئة خصها الشرع بهذا الاسم، فمن رأى أنه يدل على المعنى اللغوي قال: هو إقعاء الكلب. ومن رأى أنه يدل على معنى شرعي قال: إنما أريد بذلك إحدى هيئات الصلاة المنهي عنها، ولما ثبت عن ابن عمر أن قعود الرجل على صدور قدميه ليس من سنة الصلاة، سبق إلى اعتقاده أن هذه الهيئة هي التي أريد بالإقعاء المنهي عنه، وهذا ضعيف، فإن الأسماء التي لم تثبت لها معان شرعية يجب أن تحمل على المعنى اللغوي حتى يثبت لها معنى شرعي، بخلاف الأمر في الأسماء التي ثبت لها معان شرعية: أعني أنه يجب أن يحمل على المعاني الشرعية حتى يدل الدليل على المعنى اللغوي، مع أنه قد عارض حديث ابن عمر في ذلك حديث ابن عباس.
الباب الثاني من الجملة الثالثة.
-وهذا الباب الكلام المحيط بقواعده فيه فصول سبعة: أحدها: في معرفة حكم صلاة الجماعة. والثاني في معرفة شروط الإمامة، ومن أولى بالتقديم وأحكام الإمام الخاصة به. الثالث: في مقام المأموم من الإمام والأحكام الخاصة بالمأمومين. الرابع: في معرفة ما يتبع فيه المأموم الإمام مما ليس يتبعه. الخامس: في صفة الاتباع. السادس: فيما يحمله الإمام عن المأمومين. السابع: في الأشياء التي إذا فسدت لها صلاة الإمام يتعدى الفساد إلى المأمومين.
الفصل الأول في معرفة حكم صلاة الجماعة.
-في هذا الفصل مسئلتان: إحداهما: هل صلاة الجماعة واجبة على من سمع النداء أم ليست بواجبة. المسألة الثانية إذا دخل الرجل المسجد وقد صلى، هل يجب عليه أن يصلي مع الجماعة الصلاة التي قد صلاها أم لا؟.
-(أما المسألة الأولى) فإن العلماء اختلفوا فيها، فذهب الجمهور إلى أنها سنة أو فرض على الكفاية. وذهبت الظاهرية إلى أن صلاة الجماعة فرض متعين على كل مكلف. والسبب في اختلافهم تعارض مفهومات الآثار في ذلك وذلك أن ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة أو بسبع وعشرين درجة" يعني أن الصلاة في الجماعات من جنس المندوب إليه، وكأنها كمال زائد على الصلاة الواجبة، فكأنه قال عليه الصلاة والسلام: صلاة الجماعة أكمل من صلاة المنفرد. والكمال إنما هو شيء زائد على الإجزاء، وحديث الأعمى المشهور حين استأذنه في التخلف عن صلاة الجماعة لأنه لا قائد له، فرخص له في ذلك، ثم قال له عليه الصلاة والسلام: أتسمع النداء؟ قال: نعم، قال: لا أجد لك رخصة" هو كالنص في وجوبها مع عدم العذر، خرجه مسلم. ومما يقوي هذا حديث أبي هريرة المتفق على صحته، وهو "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عظما سمينا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء" وحديث ابن مسعود، وقال فيه "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه" وفي بعض رواياته "ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم" فسلك كل واحد من هذين الفريقين مسلك الجمع بتأويل حديث مخالفه، وصرفه إلى ظاهر الحديث الذي تمسك به. فأما أهل الظاهر فإنهم قالوا: إن المفاضلة لا يمتنع أن تقع في الواجبات أنفسها: أي إن صلاة الجماعة في حق من فرضه صلاة الجماعة تفضل صلاة المنفرد في حق من سقط عنه وجوب صلاة الجماعة لمكان العذر بتلك الدرجات المذكورة. قالوا: وعلى هذا فلا تعارض بين الحديثين واحتجوا لذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: "صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم" وأما أولئك فزعموا أنه يمكن أن يحمل حديث الأعمى على نداء يوم الجمعة، إذ ذلك هو النداء الذي يجب على من سمعه الإتيان إليه باتفاق وهذا فيه بعد والله أعلم، لأن نص الحديث هو أن أبا هريرة قال "أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى، فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه فقال: هل تسمع النداء بالصلاة. قال: نعم، قال: فأجب" وظاهر هذا يبعد أن يفهم منه نداء الجمعة، مع أن الإتيان إلى صلاة الجمعة واجب على كل من كان في المصر وإن لم يسمع النداء، ولا أعرف في ذلك خلافا. وعارض هذا الحديث أيضا حديث عتبان بن مالك المذكور في الموطأ، وفيه أن عتبان بن مالك كان يؤم وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم "إنه تكون الظلمة المطر والسيل وأنا رجل ضرير البصر فصل يا رسول الله في بيتي مكانا أتخذه مصلى، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أين تحب أن أصلي فأشار له إلى مكان من البيت فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم".
-(وأما المسألة الثانية) فإن الذي دخل المسجد وقد صلى لا يخلو من أحد وجهين: إما أن يكون صلى منفردا، وإما أن يكون صلى في جماعة. فإن كان صلى منفردا فقال قوم: يعيد معهم كل الصلوات إلا المغرب فقط، وممن قال بهذا القول مالك وأصحابه. وقال أبو حنيفة: يعيد الصلوات كلها إلا المغرب والعصر. وقال الأوزاعي: إلا المغرب والصبح. وقال أبو ثور: إلا العصر والفجر. وقال الشافعي: يعيد الصلوات كلها، وإنما اتفقوا على إيجاب إعادة الصلاة عليه بالجملة لحديث بشر بن محمد عن أبيه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له حين دخل المسجد ولم يصل معه: مالك لم تصل مع الناس: ألست برجل مسلم؟ فقال بلى يا رسول الله، ولكني صليت في أهلي، فقال عليه الصلاة والسلام: إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت" فاختلف الناس لاحتمال تخصيص هذا العموم بالقياس أو بالدليل، فمن حمله على عمومه أوجب عليه إعادة الصلوات كلها وهو مذهب الشافعي. وأما من استثنى من ذلك صلاة المغرب فقط فإنه خصص العموم بقياس الشبه وهو مالك رحمه الله، وذلك أنه زعم أن صلاة المغرب هي وتر، فلو أعيدت لأشبهت صلاة الشفع التي ليست بوتر، لأنها كانت تكون بمجموع ذلك ست ركعات، فكأنها كانت تنتقل من جنسها إلى جنس صلاة أخرى وذلك مبطل لها، وهذا القياس فيه ضعف، لأن السلام قد فصل بين الأوتار والتمسك بالعموم أقوى من الاستثناء بهذا النوع من القياس، وأقوى من هذا ما قاله الكوفيون من أنه إذا أعادها يكون قد أوتر مرتين، وقد جاء في الأثر " لا وتران في ليلة" وأما أبو حنيفة فإنه قال: إن الصلاة الثانية تكون له نفلا، فإن أعاد العصر يكون قد تنفل بعد العصر، وقد جاء النهي عن ذلك، فخصص العصر بهذا القياس والمغرب بأنها وتر، والوتر لا يعاد، وهذا قياس جديد إن سلم لهم الشافعي أن الصلاة الأخيرة لهم نفل. وأما من فرق بين العصر والصبح في ذلك فلأنه لم تختلف الأثار في النهي عن الصلاة بعد الصبح، واختلف في الصلاة بعد العصر كما تقدم، وهو قول الأوزاعي. وأما إذا صلى في جماعة فهل يعيد في جماعة أخرى؟ فأكثر الفقهاء على أنه لا يعيد، منهم مالك وأبو حنيفة، وقال بعضهم: بل يعيد، وممن قال بهذا القول أحمد وداود وأهل الظاهر. والسبب في اختلافهم تعارض مفهوم الآثار في ذلك، وذلك أنه ورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال "لا تصلي صلاة في يوم مرتين" وروي عنه "أنه أمر الذين صلوا في جماعة أن يعيدوا مع الجماعة الثانية" وأيضا فإن ظاهر حديث بشر يوجب الإعادة على كل مصل إذا جاء المسجد، فإن قوته قوة العموم، والأكثر على أنه إذا ورد العام على سبب خاص لا يقتصر به على سببه، وصلاة معاذ مع النبي عليه الصلاة والسلام، ثم كان يؤم قومه في تلك الصلاة فيه دليل على جواز إعادة الصلاة في الجماعة، فذهب الناس في هذه الأثار مذهب الجمع ومذهب الترجيح. أما من ذهب مذهب الترجيح فإنه أخذ بعموم قوله عليه الصلاة والسلام "لا تصلى صلاة واحدة في يوم مرتين" ولم يستثن من ذلك إلا صلاة المنفرد فقط لوقوع الاتفاق عليها. وأما من ذهب مذهب الجمع فقالوا إن معنى قوله عليه الصلاة والسلام: "لا تصلى صلاة واحدة في يوم مرتين" إنما ذلك أن لا يصلي الرجل الصلاة الواحدة بعينها مرتين، يعتقد في كل واحدة منهما أنها فرض، بل يعتقد في الثانية أنها زائدة على الفرض ولكنه مأمور بها. وقال قوم: بل معنى هذا الحديث إنما هو للمنفرد: أعني أن لا يصلي الرجل المنفرد صلاة واحدة بعينها مرتين.