الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ***
وَأَمَّا بَيَانُ مَحَلِّ السُّجُودِ لِلسَّهْوِ فَمَحَلُّهُ الْمَسْنُونُ بَعْدَ السَّلَامِ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كان السَّهْوُ بِإِدْخَالِ زِيَادَةٍ في الصَّلَاةِ أو نُقْصَانٍ فيها وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ قبل السَّلَامِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ فِيهِمَا جميعا وقال مَالِكٌ إنْ كان يَسْجُدُ لِلنُّقْصَانِ فَقَبْلَ السَّلَامِ وَإِنْ كان يَسْجُدُ لِلزِّيَادَةِ فَبَعْدَ السَّلَامِ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِمَا رَوَى عبد اللَّهِ بن بُحَيْنَةَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سَجَدَ لِلسَّهْوِ قبل السَّلَامِ وما رُوِيَ أَنَّهُ سَجَدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ فَمَحْمُولٌ على التَّشَهُّدِ كما حَمَلْتُمْ السَّلَامَ على التَّشَهُّدِ في قَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وفي كل رَكْعَتَيْنِ فَسَلِّمْ أَيْ فَتَشَهَّدْ وَيُرَجَّحُ ما رَوَيْنَا بِمُعَاضَدَةِ الْمَعْنَى إيَّاهُ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ السَّجْدَةَ إنَّمَا يُؤْتَى بها جَبْرًا لِلنُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ في الصَّلَاةِ وَالْجَابِرُ يَجِبُ تَحْصِيلُهُ في مَوْضِعِ النَّقْصِ لَا في غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَالْإِتْيَانُ بِالسَّجْدَةِ بَعْدَ السَّلَامِ تَحْصِيلُ الْجَابِرِ لَا في مَحَلِّ النُّقْصَانِ وَالْإِتْيَانُ بها قبل السَّلَامِ تَحْصِيلُ الْجَابِرِ في مَحَلِّ النُّقْصَانِ فَكَانَ أَوْلَى وَالثَّانِي أَنَّ جَبْرَ النُّقْصَانِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ حَالَ قِيَامِ الْأَصْلِ وَبِالسَّلَامِ الْقَاطِعِ لِتَحْرِيمَةِ الصَّلَاةَ يَفُوتُ الْأَصْلُ فَلَا يُتَصَوَّرُ جَبْرُ النُّقْصَانِ بِالسُّجُودِ بَعْدَهُ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِمَا رَوَى الْمُغِيرَةُ بن شُعْبَةَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قام في مَثْنَى من صَلَاتِهِ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قبل السَّلَامِ وكان سَهْوًا في نُقْصَانٍ وَعَنْ عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظُّهْرَ خَمْسًا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ وكان سَهْوًا في الزِّيَادَةِ وَلِأَنَّ السَّهْوَ إذَا كان نُقْصَانًا فَالْحَاجَةُ إلَى الْجَابِرِ فَيُؤْتَى بِهِ في مَحِلِّ النُّقْصَانِ على ما قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فَأَمَّا إذَا كان زِيَادَةً فَتَحْصِيلُ السَّجْدَةِ قبل السَّلَامِ يُوجِبُ زِيَادَةً أُخْرَى في الصَّلَاةِ وَلَا يُوجِبُ رَفْعَ شَيْءٍ فَيُؤَخَّرُ إلَى ما بَعْدَ السَّلَامِ وَلَنَا حَدِيثُ ثَوْبَانَ رضي اللَّهُ عنه عن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ من غَيْرِ فصل بين الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَرُوِيَ عن عِمْرَانَ بن الْحُصَيْنِ وَالْمُغِيرَةِ بن شُعْبَةَ وَسَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سَجَدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ وَكَذَا رَوَى ابن مَسْعُودٍ وَعَائِشَةُ وأبو هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَوَيْنَا عن ابْنِ مَسْعُودٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال من شَكَّ في صَلَاتِهِ فلم يَدْرِ أَثَلَاثًا صلى أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَتَحَرَّ أَقْرَبَ ذلك إلَى الصَّوَابِ وَلْيَبْنِ عليه وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ وَلِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ أُخِّرَ عن مَحَلِّ النُّقْصَانِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا كان لِمَعْنًى ذلك الْمَعْنَى يَقْتَضِي التَّأْخِيرَ عن السَّلَامِ وهو أَنَّهُ لو أَدَّاهُ هُنَاكَ ثُمَّ سَهَا مَرَّةً ثَانِيَةً وَثَالِثَةً وَرَابِعَةً يَحْتَاجُ إلَى أَدَائِهِ في كل مَحِلٍّ وَتَكْرَارُ سُجُودِ السَّهْوِ في صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَأُخِّرَ إلَى وَقْتِ السَّلَامِ احْتِرَازًا عن التَّكْرَارِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَخَّرَ أَيْضًا عن السَّلَامِ حتى أَنَّهُ لو سَهَا عن السَّهْوِ لَا يَلْزَمُهُ أُخْرَى فَيُؤَدِّي إلَى التَّكْرَارِ وَلِأَنَّ إدْخَالَ الزِّيَادَةِ في الصَّلَاةِ يُوجِبُ نُقْصَانًا فيها فَلَوْ أتى بِالسُّجُودِ قبل السَّلَامِ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَصِيرَ الْجَابِرُ لِلنُّقْصَانِ مُوجِبًا زِيَادَةَ نَقْصٍ وَذَا غَيْرُ صَوَابٍ وَأَمَّا الْجَوَابُ عن تَعَلُّقِهِمْ بِالْأَحَادِيثِ فَهُوَ أَنَّ رِوَايَةَ الْفِعْلِ مُتَعَارِضَةٌ فَبَقِيَ لنا رِوَايَةُ الْقَوْلِ من غَيْرِ تَعَارُضٍ أو تَرَجَّحَ ما ذَكَرْنَا لِمُعَاضَدَةِ ما ذَكَرْنَا من الْمَعْنَى إيَّاهُ أو يُوَفَّقُ فَيُحْمَلُ ما رَوَيْنَا على أَنَّهُ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ الْأَوَّلِ وَلَا مَحْمَلَ له سواه [سواء] فَكَانَ مُحْكَمًا وما رَوَاهُ مُحْتَمَلٌ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَجَدَ قبل السَّلَامِ الْأَوَّلِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَجَدَ قبل السَّلَامِ الثَّانِي فَكَانَ مُتَشَابِهًا فَيُصْرَفُ إلَى مُوَافَقَةِ الْمُحْكَمِ وهو أَنَّهُ سَجَدَ قبل السَّلَامِ الْأَخِيرِ لَا قبل السَّلَامِ الْأَوَّلِ رَدًّا لِلْمُحْتَمَلِ إلَى الْمُحْكَمِ وما ذَكَرَ مَالِكٌ من الْفصل بين الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّهُ سَوَاءٌ نَقَصَ أو زَادَ كُلُّ ذلك كان نُقْصَانًا وَلِأَنَّهُ لو سَهَا مَرَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا بِالزِّيَادَةِ وَالْأُخْرَى بِالنُّقْصَانِ مَاذَا يَفْعَلُ وَتَكْرَارُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وقد روى أَنَّ أَبَا يُوسُفَ أَلْزَمَ مَالِكًا بين يَدَيْ الْخَلِيفَةِ بهذا الْفصل فقال أَرَأَيْتَ لو زَادَ وَنَقَصَ كَيْف يَصْنَعُ فَتَحَيَّرَ مَالِكٌ. وقد خَرَجَ الْجَوَابُ عن أَحَدِ معنيي [معنى] الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْجَابِرَ يَحْصُلُ في مَحَلِّ الْجَبْرِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يُؤْتَى بِهِ في مَحَلِّ الْجَبْرِ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ يُؤَخَّرُ عنه لِمَعْنًى يُوجِبُ التَّأْخِيرَ عن السَّلَامِ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الْجَبْرَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا حَالَ قِيَامِ أَصْلِ الصَّلَاةِ فَنَعَمْ لَكِنْ لِمَ قُلْتُمْ إن سَلَامَ من عليه السَّهْوُ قَاطِعٌ لِتَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ وقد اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا في ذلك فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لَا يَقْطَعُ التَّحْرِيمَةَ أَصْلًا فَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْجَبْرِ وَعِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَقْطَعُهَا على تَقْدِيرِ الْعَوْدِ إلَى السُّجُودِ أو يَقْطَعُهَا ثُمَّ يَعُودُ بِالْعَوْدِ إلَى السُّجُودِ فَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْجَبْرِ وإذا عَرَفَ أَنَّ مَحَلَّهُ الْمَسْنُونَ بَعْدَ السَّلَامِ فإذا فَرَغَ من التَّشَهُّدِ الثَّانِي يُسَلِّمُ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَعُودُ إلَى سُجُودِ السَّهْوِ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُصَلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم وَيَأْتِي بِالدَّعَوَاتِ وهو اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَاخْتِيَارُ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يَأْتِي بِالدُّعَاءِ قبل السَّلَامِ وَبَعْدَهُ وهو اخْتِيَارُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الدُّعَاءَ إنَّمَا شُرِعَ بَعْدَ الْفَرَاغِ من الْأَفْعَالِ وَالْأَذْكَارِ الْمَوْضُوعَةِ في الصَّلَاةِ وَمَنْ عليه السَّهْوُ قد بَقِيَ عليه بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ من الْأَفْعَالِ وَالْأَذْكَارِ وهو سُجُودُ السَّهْوِ وَالصَّلَاةُ على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يَتَحَقَّقْ الْفَرَاغُ فَلِذَلِكَ كان التَّأْخِيرُ إلَى التَّشَهُّدِ الثَّانِي أَحَقَّ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَأْتِيَ بِدَعَوَاتٍ تُشْبِهُ كَلَامَ الناس لِئَلَّا تَفْسُدَ صَلَاتُهُ هذا الذي ذَكَرْنَا بَيَانَ مَحَلِّهِ الْمَسْنُونِ وَأَمَّا مَحِلُّ جَوَازِهِ فَنَقُولُ جَوَازُ السُّجُودِ لَا يَخْتَصُّ بِمَا بَعْدَ السَّلَامِ حتى لو سَجَدَ قبل السَّلَامِ يَجُوزُ وَلَا يُعِيدُ لِأَنَّهُ أَدَاءٌ بَعْدَ الْفَرَاغِ من أَرْكَانِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ سُنَّتَهُ وهو الْأَدَاءُ بَعْدَ السَّلَامِ وَتَرْكُ السُّنَّةِ لَا يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ وَلِأَنَّ الْأَدَاءَ بَعْدَ السَّلَامِ سُنَّةٌ وَلَوْ أَمَرْنَاهُ بِالْإِعَادَةِ كان تَكْرَارًا وَأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَتَرْكُ السُّنَّةِ أَوْلَى من فِعْلِ الْبِدْعَةِ وَاَللَّهُ تعالى أَعْلَمُ. وَأَمَّا قَدْرُ سَلَامِ السَّهْوِ وَصِفَتُهُ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فيه قال بَعْضُهُمْ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وهو اخْتِيَارُ الشَّيْخِ الزَّاهِدِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ عَلِيِّ بن مُحَمَّدٍ الْبَزْدَوِيِّ وقال لو سَلَّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ تَبْطُلُ التَّحْرِيمَةُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ لِمَعْنَى التَّحِيَّةِ وَمَعْنَى التَّحِيَّةِ سَاقِطٌ عن سَلَامِ السَّهْوِ فَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ عَبَثًا لِخُلُوِّهِ عن الْفَائِدَةِ الْمَطْلُوبَةِ منه فَكَانَ قَاطِعًا لِلتَّحْرِيمَةِ وَعَامَّتُهُمْ على أَنَّهُ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ عن يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ لقوله [لقول] صلى اللَّهُ عليه وسلم لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ ذَكَرَ السَّلَامَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الجنس [الحبس] أو إلَى الْمَعْهُودِ وَهُمَا التَّسْلِيمَتَانِ. وَأَمَّا عَمَلُ سَلَامِ السَّهْوِ أَنَّهُ هل يُبْطِلُ التَّحْرِيمَةَ أَمْ لَا فَقَدْ اُخْتُلِفَ فيه قال مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يَقْطَعُ التَّحْرِيمَةَ أَصْلًا وَعِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ إنْ عَادَ إلَى سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَصَحَّ عَوْدُهُ إلَيْهِمَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لم يَقْطَعْ وَإِنْ لم يُعِدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَطَعَ حتى لو ضَحِكَ بَعْدَ ما سَلَّمَ قبل أَنْ يَعُودَ إلَى سَجْدَتَيْ السَّهْوِ لَا نتقض [تنتقض] طَهَارَتُهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ تُنْتَقَضُ وَمِنْ مَشَايِخِنَا من قال لَا تَوَقُّفَ في انْقِطَاعِ التَّحْرِيمَةِ بِسَلَامِ السَّهْوِ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ بَلْ تَنْقَطِعُ من غَيْرِ تَوَقُّفٍ وَإِنَّمَا التَّوَقُّفُ عِنْدَهُمَا في عَوْدِ التَّحْرِيمَةِ ثَانِيًا إنْ عَادَ إلَى سَجْدَتَيْ السهو [تعد] تعود وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا أَسْهَلُ لِتَخْرِيجِ الْمَسَائِلِ وَالْأَوَّلُ وهو أن التَّوَقُّفُ في بَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ وَبُطْلَانُهَا أَصَحُّ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ تَحْرِيمَةٌ وَاحِدَةٌ فإذا بَطَلَتْ لَا تَعُودُ إلَّا لإعادة [بإعادة] ولم تُوجَدْ. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ أَنَّ الشَّرْعَ أَبْطَلَ عَمَلَ سَلَامِ من عليه سَجْدَتَا السَّهْوِ لِأَنَّ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ يُؤْتَى بِهِمَا في تحريمة [تحريم] الصَّلَاةِ لِأَنَّهُمَا شُرِّعَتَا لجبر [لجبران] النُّقْصَانِ وَإِنَّمَا يَنْجَبِرُ إنْ حَصَلَتَا في تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا يَسْقُطَانِ إذَا وُجِدَ بَعْدَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ما يُنَافِي التَّحْرِيمَةَ وَلَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُمَا في تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ إلَّا بَعْدَ بُطْلَانِ عَمَلِ هذا السَّلَامِ فَصَارَ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ في هذه الْحَالَةِ بِمَنْزِلَةٍ وَلَوْ انْعَدَمَ حَقِيقَةً كانت التَّحْرِيمَةُ بَاقِيَةً فَكَذَا إذَا الْتَحَقَ بِالْعَدَمِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ السَّلَامَ جُعِلَ مُحَلَّلًا في الشَّرْعِ قال النبي صلى الله عليه وسلم وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ وَالتَّحْلِيلُ ما يَحْصُلُ بِهِ التَّحَلُّلُ وَلِأَنَّهُ خِطَابٌ لِلْقَوْمِ فَكَانَ من كَلَامِ الناس وأنه مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ غير أَنَّ الشَّرْعَ أَبْطَلَ عَمَلَهُ في هذه الْحَالَةِ لِحَاجَةِ الْمُصَلِّي إلَى جَبْرِ النُّقْصَانِ وَلَا يَنْجَبِرُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الْجَابِرِ في التَّحْرِيمَةِ لِيَلْتَحِقَ الْجَابِرُ بِسَبَبِ بَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ لِمَحَلِّ النُّقْصَانِ فينجبر [فيجبر] النُّقْصَانُ فَنَفَيْنَا التَّحْرِيمَةَ مع وُجُودِ الْمُنَافِي لها لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ فَإِنْ اشْتَغَلَ بِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَصَحَّ اشْتِغَالُهُ بِهِمَا تَحَقَّقَتْ الضَّرُورَةُ إلَى بَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ فَبَقِيَتْ وَإِنْ لم يَشْتَغِلْ لم تَتَحَقَّقْ الضَّرُورَةُ فَيَعْمَلُ السَّلَامُ في الْإِخْرَاجِ عن الصَّلَاةِ وَإِبْطَالُ التَّحْرِيمَةِ عَمَلَهُ وَيُبْنَى على هذا الْأَصْلِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا إذَا قَهْقَهَ قبل الْعَوْدِ إلَى السُّجُودِ بَعْدَ السَّلَامِ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَسَقَطَ عنه السَّهْوُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وهو قَوْلُ زُفَرَ بِنَاءً على أَصْلِهِ في الْقَهْقَهَةِ أنها في كل مَوْضِعٍ لَا تُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ لَا تُوجِبُ انْتِقَاضَ الطَّهَارَةِ كما إذَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ قبل السَّلَامِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ وَالثَّانِيَةُ إذَا سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ فَجَاءَ رَجُلٌ فَاقْتَدَى بِهِ قبل أَنْ يَعُودَ إلَى السُّجُودِ فَاقْتِدَاؤُهُ مَوْقُوفٌ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَإِنْ عَادَ إلَى السُّجُودِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ عَادَ أو لم يَعُدْ وقال بِشْرٌ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ عَادَ أو لم يُعِدْ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ السَّلَامَ قَاطِعًا لِلتَّحْرِيمَةِ جَزْمًا وَالثَّالِثَةُ الْمُسَافِرُ إذَا سَلَّمَ على رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ في ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ فَنَوَى الْإِقَامَةَ قبل أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ لَا يَنْقَلِبُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا وَيَسْقُطُ عنه السَّهْوُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ يَنْقَلِبُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا وَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ لَكِنَّهُ يُؤَخِّرُهُمَا إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ وَأَجْمَعُوا على أَنَّهُ لو عَادَ إلَى سُجُودِ السَّهْوِ ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ إلَّا عِنْدَ بِشْرٍ وَكَذَلِكَ لو قَهْقَهَ في هذه الْحَالَةِ تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ إلَّا عِنْدَ زُفَرَ وَكَذَلِكَ لو نَوَى الْإِقَامَةَ في هذه الْحَالَةِ يَنْقَلِبُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا وَيُؤَخِّرُ سُجُودَ السَّهْوِ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ سَوَاءٌ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ ما سَجَدَ سَجْدَةً وَاحِدَةً أو سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ في سُجُودِ السَّهْوِ ولا سِيَّمَا إذَا سَلَّمَ وهو ذَاكِرٌ له أو سَاهٍ عنه وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَسْجُدَ له أولا يَسْجُدَ حتى لَا يَسْقُطَ عنه في الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لِأَنَّ مَحَلَّهُ بَعْدَ السَّلَامِ إلَّا إذَا فَعَلَ فِعْلًا يَمْنَعُهُ من الْبِنَاءِ بِأَنْ تَكَلَّمَ أو قَهْقَهَ أو أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أو خَرَجَ عن الْمَسْجِدِ أو صَرَفَ وَجْهَهُ عن الْقِبْلَةِ وهو ذَاكِرٌ له لِأَنَّهُ فَاتَ مَحَلُّهُ وهو تَحْرِيمَةُ الصَّلَاةِ فَيَسْقُطُ ضَرُورَةَ فَوَاتِ مَحَلِّهِ وَكَذَا إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ بَعْدَ السَّلَامِ في صَلَاةِ الْفَجْرِ أو احْمَرَّتْ في صَلَاةِ الْعَصْرِ سَقَطَ عنه السَّهْوُ لِأَنَّ السَّجْدَةَ جَبْرٌ لِلنَّقْصِ الْمُتَمَكَّنِ فَيَجْرِي مَجْرَى الْقَضَاءِ وقد وَجَبَتْ كامله فَلَا يقضي النَّاقِصَ. وَأَمَّا بَيَانُ من يَجِبُ عليه سُجُودُ السَّهْوِ وَمَنْ لَا يَجِبُ عليه فَسُجُودُ السَّهْوِ يَجِبُ على الْإِمَامِ وَعَلَى الْمُنْفَرِدِ مَقْصُودًا لِتَحَقُّقِ سَبَبِ الوجود.[الوجوب] مِنْهُمَا وهو السَّهْوُ فَأَمَّا الْمُقْتَدِي إذَا سَهَا في صَلَاتِهِ فَلَا سَهْوَ عليه لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ السُّجُودُ لِأَنَّهُ إنْ سَجَدَ قبل السَّلَامِ كان مُخَالِفًا لِلْإِمَامِ وَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى ما بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ يَخْرُجُ من الصَّلَاةِ بِسَلَامِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ سَلَامُ عَمْدٍ مِمَّنْ لَا سَهْوَ عليه فَكَانَ سَهْوُهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى السُّجُودِ مُلْحَقًا بِالْعَدَمِ لتعدد [لتعذر] السُّجُودِ عليه فَسَقَطَ السُّجُودُ عنه أَصْلًا وَكَذَلِكَ اللَّاحِقُ وهو الْمُدْرِكُ لِأَوَّلِ صَلَاةِ الْإِمَامِ إذَا فَاتَهُ بَعْضُهَا بَعْدَ الشُّرُوعِ بِسَبَبِ النَّوْمِ أو الْحَدَثِ السَّابِقِ بِأَنْ نَامَ خَلْفَ الْإِمَامِ ثُمَّ انْتَبَهَ وقد سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِرَكْعَةٍ أو فَرَغَ من صَلَاتِهِ أو سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَذَهَبَ وَتَوَضَّأَ وقد سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِشَيْءٍ من صَلَاتِهِ أو فَرَغَ عنها فَاشْتَغَلَ بِقَضَاءِ ما سُبِقَ بِهِ فَسَهَا فيه لَا سَهْوَ عليه لِأَنَّهُ في حُكْمِ الْمُصَلِّي خَلْفَ الْإِمَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ عليه وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ إذَا سَهَا فِيمَا يَقْضِي وَجَبَ عليه السَّهْوُ لِأَنَّهُ فِيمَا يَقْضِي بِمَنْزِلَةِ الْمُنْفَرِدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُفْتَرَضُ عليه الْقِرَاءَةُ وَأَمَّا الْمُقِيمُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُسَافِرِ ثُمَّ قام إلَى إتْمَامِ صَلَاتِهِ وَسَهَا هل يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ ذَكَرَ في الْأَصْلِ وقال إنَّهُ يُتَابِعُ الْإِمَامَ في سُجُودِ السَّهْوِ وإذا سَهَا فِيمَا يُتِمُّ فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ أَيْضًا وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ في مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ كَاللَّاحِقِ لَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ في سُجُودِ السَّهْوِ وإذا سَهَا فِيمَا يُتِمُّ لَا يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ لِأَوَّلِ الصَّلَاةِ فَكَانَ في حُكْمِ الْمُقْتَدِي فِيمَا يُؤَدِّيهِ بِتِلْكَ التَّحْرِيمَةِ كَاللَّاحِقِ وَلِهَذَا لَا يَقْرَأُ كَاللَّاحِقِ وَالصَّحِيحُ ما ذُكِرَ في الْأَصْلِ لِأَنَّهُ ما اقْتَدَى بِإِمَامِهِ إلَّا بِقَدْرِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فإذا انْقَضَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ صَارَ مُنْفَرِدًا فِيمَا وَرَاءَ ذلك وَإِنَّمَا لَا يَقْرَأُ فِيمَا يُتِمُّ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ في الْأُولَيَيْنِ وقد قَرَأَ الْإِمَامُ فِيهِمَا فَكَانَتْ قِرَاءَةً له وَسَهْوُ الْإِمَامِ يُوجِبُ السُّجُودَ عليه وَعَلَى الْمُقْتَدِي لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ وَاجِبَةٌ قال النبي صلى الله عليه وسلم تَابِعْ إمَامَكَ على أَيِّ حَالٍ وَجَدْتَهُ وَلِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ تَابِعٌ لِلْإِمَامِ وَالْحُكْمُ في التَّبَعِ ثَبَتَ بِوُجُودِ السَّبَبِ في الْأَصْلِ فَكَانَ سَهْوُ الْإِمَامِ سَبَبًا لِوُجُوبِ السَّهْوِ عليه وَعَلَى الْمُقْتَدِي وَلِهَذَا لو سَقَطَ عن الْإِمَامِ بِسَبَبٍ من الْأَسْباب بِأَنْ تَكَلَّمَ أو أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أو خَرَجَ من الْمَسْجِدِ يَسْقُطُ عن الْمُقْتَدِي وَكَذَلِكَ اللَّاحِقُ يَسْجُدُ لِسَهْوِ الْإِمَامِ إذَا سَهَا في حَالِ نَوْمِ اللَّاحِقِ أو ذَهَابِهِ إلَى الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ في حُكْمِ الْمُصَلِّي خَلْفَهُ وَلَكِنْ لَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ في سُجُودِ السَّهْوِ إذَا انْتَبَهَ في حَالِ اشْتِغَالِ الْإِمَامِ بِسُجُودِ السَّهْوِ أو جاء إلَيْهِ من الْوُضُوءِ في هذه الْحَالَةِ بَلْ يَبْدَأُ بِقَضَاءِ ما فَاتَهُ ثُمَّ يَسْجُدُ في آخِرِ صَلَاتِهِ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ أو الْمُقِيمِ خَلْفَ الْمُسَافِرِ حَيْثُ يتابع [تابع] الْإِمَامَ في سُجُودِ السَّهْوِ ثُمَّ يَشْتَغِلُ بِالْإِتْمَامِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ اللَّاحِقَ الْتَزَمَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِيمَا اقْتَدَى بِهِ على نَحْوِ ما فصل الْإِمَامُ وَأَنَّهُ اقْتَدَى بِهِ في حَقِّ جَمِيعِ الصَّلَاةِ فَيُتَابِعُهُ في جَمِيعِهَا على نَحْوِ ما يُؤَدِّي الْإِمَامُ وَالْإِمَامُ أَدَّى الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ في آخِرِ صَلَاتِهِ فَكَذَا هو فَأَمَّا الْمَسْبُوقُ فَقَدْ الْتَزَمَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ مُتَابَعَتَهُ بِقَدْرِ ما هو صَلَاةُ الْإِمَامِ وقد أَدْرَكَ هذا الْقَدْرَ فَيُتَابِعُهُ فيه ثُمَّ يَنْفَرِدُ وَكَذَا الْمُقِيمُ الْمُقْتَدِي بِالْمُسَافِرِ وَلَوْ سَجَدَ اللَّاحِقُ مع الْإِمَامِ لِلسَّهْوِ وتابعه [تابعه] فيه لم يُجْزِهِ لِأَنَّهُ سَجَدَ قبل أَوَانِهِ في حَقِّهِ فلم يَقَعْ مُعْتَدًّا بِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ إذَا فَرَغَ من قَضَاءِ ما عليه وَلَكِنْ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ ما زَادَ إلَّا سَجْدَتَيْنِ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ إذَا تَابِعَ الْإِمَامَ في سُجُودِ السَّهْوِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لم يَكُنْ على الْإِمَامِ سَهْوٌ حَيْثُ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ إذَا تَابَعَ الْإِمَامَ وما زَادَ إلَّا سَجْدَتَيْنِ لِأَنَّ من الْفُقَهَاءِ من قال لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ على ما نَذْكُرهُ ثُمَّ الْفَرْقُ أَنَّ فَسَادَ الصَّلَاةِ هُنَاكَ ليس لِزِيَادَةِ السَّجْدَتَيْنِ بَلْ لِلِاقْتِدَاءِ في مَوْضِعٍ كان عليه الِانْفِرَادُ في ذلك الْمَوْضِعِ ولم يُوجَدْ هَهُنَا لِأَنَّ اللَّاحِقَ مُقْتَدٍ في جَمِيعِ ما يُؤَدِّي فَلِهَذَا لم تَفْسُدْ صَلَاتُهُ وَكَذَلِكَ الْمَسْبُوقُ يَسْجُدُ لِسَهْوِ الْإِمَامِ سَوَاءٌ كان سَهْوُهُ بَعْدَ الِاقْتِدَاءِ بِهِ أو قَبْلَهُ بِأَنْ كان مَسْبُوقًا بِرَكْعَةٍ وقد سَهَا الْإِمَامُ فيها وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ أَصْلًا لِأَنَّ مَحَلَّ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ وَأَنَّهُ لَا يُتَابِعُهُ في السَّلَامِ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْمُتَابَعَةُ في السَّهْوِ وَلَنَا أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يؤدي في تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ فَكَانَتْ الصَّلَاةُ بَاقِيَةً وإذا بَقِيَتْ الصَّلَاةُ بَقِيَتْ التَّبَعِيَّةُ فَيُتَابِعُهُ فِيمَا يُؤَدِّي من الْأَفْعَالِ بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ وَالتَّلْبِيَةِ حتى لَا يُلَبِّيَ الْمَسْبُوقُ وَلَا يُكَبِّرَ مع الْإِمَامِ في أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ وَالتَّلْبِيَةَ لَا يُؤَدَّيَانِ في تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو ضَحِكَ قَهْقَهَةً في تِلْكَ الْحَالَةِ لَا تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ فَإِنَّهُمَا يُؤَدَّيَانِ في تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ بدليل [بخلاف] انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بِالْقَهْقَهَةِ وَصَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ في تِلْكَ الْحَالَةِ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْجُدَ الْمَسْبُوقُ مع الْإِمَامِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَسْهُو فِيمَا يَقْضِي فَيَلْزَمُهُ السُّجُودُ أَيْضًا فَيُؤَدِّي إلَى التَّكْرَارِ وأنه غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَلِأَنَّهُ لو تَابَعَهُ في السُّجُودِ يَقَعُ سُجُودُهُ في وَسَطِ الصَّلَاةِ وَذَا غَيْرُ صَوَابٍ. فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّكْرَارَ في صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَهُمَا صَلَاتَانِ حُكْمًا وَإِنْ كانت التَّحْرِيمَةُ وَاحِدَةً لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ فِيمَا يَقْضِي كَالْمُنْفَرِدِ وَنَظِيرُهُ الْمُقِيمُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُسَافِرِ فَسَهَا الْإِمَامُ يُتَابِعُهُ الْمُقِيمُ في السَّهْوِ وَإِنْ كان الْمُقْتَدِي رُبَّمَا يَسْهُو في إتْمَامِ صَلَاتِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ السَّهْوِ يَسْجُدُ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ على ما مَرَّ لَكِنْ لَمَّا كان مُنْفَرِدًا في ذلك كَانَا صَلَاتَيْنِ حُكْمًا وَإِنْ كانت التَّحْرِيمَةُ وَاحِدَةً كَذَا هَهُنَا ثُمَّ الْمَسْبُوقُ إنَّمَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ في السَّهْوِ دُونَ السَّلَامِ بَلْ يَنْتَظِرُ الْإِمَامَ حتى يُسَلِّمَ فَيَسْجُدَ فَيُتَابِعُهُ في سُجُودِ السَّهْوِ لَا في سَلَامِهِ وَإِنْ سَلَّمَ فَإِنْ كان عَامِدًا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ كان سَاهِيًا لَا تَفْسُدُ وَلَا سَهْوَ عليه لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ وَسَهْوُ الْمُقْتَدِي بَاطِلٌ فإذا سَجَدَ الْإِمَامُ لِلسَّهْوِ يُتَابِعُهُ في السُّجُودِ وَيُتَابِعُهُ في التَّشَهُّدِ وَلَا يُسَلِّمُ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ لِأَنَّ السَّلَامَ لِلْخُرُوجِ عن الصَّلَاةِ وقد بَقِيَ عليه أَرْكَانُ الصَّلَاةِ فإذا سَلَّمَ مع الْإِمَامِ فَإِنْ كان ذَاكِرًا لِمَا عليه من الْقَضَاءِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ سَلَامُ عَمْدٍ وَإِنْ لم يَكُنْ ذَاكِرًا له لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ سَلَامُ سَهْوٍ فلم يُخْرِجْهُ عن الصَّلَاةِ وَهَلْ يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ لِأَجْلِ سَلَامِهِ يَنْظُرُ إنْ سَلَّمَ قبل تَسْلِيمِ الْإِمَامِ أو سَلَّمَا مَعًا لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ سَهْوَهُ سَهْوُ الْمُقْتَدِي وَسَهْوُ الْمُقْتَدِي مُتَعَطِّلٌ وَإِنْ سَلَّمَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ لَزِمَهُ لِأَنَّ سَهْوَهُ سَهْوُ الْمُنْفَرِدِ فَيَقْضِي ما فَاتَهُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ في آخِرِ صَلَاتِهِ وَلَوْ سَهَا الْإِمَامُ في صَلَاةِ الْخَوْفِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَتَابَعَهُ فِيهِمَا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَإِنَّمَا يَسْجُدُونَ بَعْدَ الْفَرَاغِ من الْإِتْمَامِ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْبُوقِينَ إذا لم يُدْرِكُوا مع الْإِمَامِ أَوَّلَ الصَّلَاةِ وَالطَّائِفَةُ الْأُولَى بِمَنْزِلَةِ اللَّاحِقِينَ لِإِدْرَاكِهِمْ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَوْ قام الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَاءِ ما سُبِقَ بِهِ ولم يُتَابِعْ الْإِمَامَ في السَّهْوِ سَجَدَ في آخِرِ صَلَاتِهِ اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ أَنْ يَسْقُطَ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِيمَا يقضي وَصَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ غَيْرُ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي فَصَارَ كَمَنْ لَزِمَتْهُ السَّجْدَةُ في صَلَاةٍ فلم يَسْجُدْ حتى خَرَجَ منها وَدَخَلَ في صَلَاةٍ أُخْرَى لَا يَسْجُدُ في الثَّانِيَةِ بَلْ يَسْقُطُ كَذَا هذا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّحْرِيمَةَ مُتَّحِدَةٌ فإن الْمَسْبُوقَ يَبْنِي ما يقضي على تِلْكَ التَّحْرِيمَةِ فَجَعَلَ الْكُلَّ كَأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ لِاتِّحَادِ التَّحْرِيمَةِ وإذا كان الْكُلُّ صَلَاةً وَاحِدَةً وقد تَمَكَّنَ فيها النُّقْصَانُ بِسَهْوِ الْإِمَامِ ولم يُجْبَرْ ذلك بِالسَّجْدَتَيْنِ فَوَجَبَ جَبْرُهُ وقد خَرَجَ الْجَوَابُ عن وَجْهِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ مُنْفَرِدٌ في الْقَضَاءِ لِأَنَّا نَقُولُ نعم في الْأَفْعَالِ أَمَّا هو مقتدي [مقتد] في التَّحْرِيمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ غير [غيره] به فَجُعِلَ كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ في حَقِّ التَّحْرِيمَةِ وَلَوْ سَهَا فِيمَا يَقْضِي ولم يَسْجُدْ لِسَهْوِ الْإِمَامِ كَفَاهُ سَجْدَتَانِ لِسَهْوِهِ وَلِمَا عليه من قِبَلِ الْإِمَامِ لِأَنَّ تَكْرَارَ السَّهْوِ في صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَلَوْ سَجَدَ لِسَهْوِ الْإِمَامِ ثُمَّ سَهَا فِيمَا يَقْضِي فَعَلَيْهِ السَّهْوُ لِمَا أمر [مر] أَنَّ ذلك إذًا سهوين [سهوان] في صَلَاتَيْنِ حُكْمًا فلم يَكُنْ تَكْرَارًا وَلَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ ما سَلَّمَ لِلسَّهْوِ فَهَذَا لَا يَخْلُو من ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَمَّا إنْ أَدْرَكَهُ قبل السُّجُودِ أو في حَالِ السُّجُودِ أو بَعْدَ ما فَرَغَ من السُّجُودِ فَإِنْ أَدْرَكَهُ قبل السُّجُودِ أو في حَالِ السُّجُودِ يُتَابِعُهُ في السُّجُودِ لِأَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ الْتَزَمَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِيمَا أَدْرَكَ من صَلَاتِهِ وَسُجُودُ السَّهْوِ من أَفْعَالِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيُتَابِعُهُ فيه وَلَيْسَ عليه قَضَاءُ السَّجْدَةِ الْأُولَى إذَا أَدْرَكَهُ في الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ لم يُوجَدْ منه السَّهْوُ وَإِنَّمَا يَجِبُ عليه السُّجُودُ لِسَهْوِ الْإِمَامِ لِتَمَكُّنِ النَّقْصِ في تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ وَحِينَ دخل في صَلَاةِ الْإِمَامِ كان النُّقْصَانُ بِقَدْرِ ما يَرْتَفِعُ بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ وهو قد أتى بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَانْجَبَرَ النَّقْصُ فَلَا يَجِبُ عليه شَيْءٌ آخَرُ بِخِلَافِ ما إذَا اقْتَدَى بِهِ قبل أَنْ يَسْجُدَ شيئا ثُمَّ لم يُتَابِعْ إمَامَهُ وَقَامَ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ حَيْثُ يَسْجُدُ السَّجْدَتَيْنِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ هُنَاكَ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ وَتَحْرِيمَتُهُ نَاقِصَةٌ نُقْصَانًا لَا يَنْجَبِرُ إلَّا بِسَجْدَتَيْنِ وَبَقِيَ النُّقْصَانُ لِانْعِدَامِ الْجَابِرِ فَيَأْتِي بِهِ في آخِرِ الصَّلَاةِ لِاتِّحَادِ التَّحْرِيمَةِ على ما مَرَّ وَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ ما فَرَغَ من السُّجُودِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ وَلَيْسَ عليه السَّهْوُ بَعْدَ فَرَاغِهِ من صَلَاةِ نَفْسِهِ لِمَا ذَكَرْنَا إن وُجُوبَ السُّجُودِ على الْمَسْبُوقِ بِسَبَبِ سَهْوِ الْإِمَامِ لِتَمَكُّنِ النَّقْصِ في تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ وَحِينَ دخل في صَلَاةِ الْإِمَامِ كان النَّقْصُ انْجَبَرَ بِالسَّجْدَتَيْنِ وَلَا يُعْقَلُ وُجُودُ الْجَابِرِ من غَيْرِ نَقْصٍ وَالله أعلم. وَمَنْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ فَسَبَقَهُ الْحَدَثُ فَهَذَا لَا يَخْلُو إمَّا إنْ كان مُنْفَرِدًا أو إمَامًا فَإِنْ كان مُنْفَرِدًا تَوَضَّأَ وَسَجَدَ لِأَنَّ الْحَدَثَ السَّابِقَ لَا يَقْطَعُ التَّحْرِيمَةَ وَلَا يَمْنَعُ بِنَاءَ بَعْضِ الصَّلَاةِ على الْبَعْضِ فَلَأَنْ لَا يَمْنَعَ بِنَاءَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ أَوْلَى وَإِنْ كان إمَامًا اسْتَخْلَفَ لِأَنَّهُ عَجَزَ عن سَجْدَتَيْ السَّهْوِ فَيُقَدِّمَ الْخَلِيفَةَ لِيَسْجُدَ كما لو بَقِيَ عليه رُكْنٌ أو التَّسْلِيمُ. ثُمَّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ الْمَسْبُوقَ وَلَا لِلْمَسْبُوقِ أَنْ يَتَقَدَّمَ لِأَنَّ غَيْرَهُ أَقْدَرُ على إتْمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ بَلْ يُقَدِّمُ رَجُلًا أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيُسَلِّمُ بِهِمْ وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَلَكِنْ مع هذا لو قَدَّمَهُ أو تَقَدَّمَ جَازَ لِأَنَّهُ قَادِرٌ على إتْمَامِ الصَّلَاةِ في الْجُمْلَةِ وَلَا يَأْتِي بِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ لِأَنَّ أَوَانَ السُّجُودِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وهو عَاجِزٌ عن التَّسْلِيمِ لِأَنَّ عليه الْبِنَاءَ فَلَوْ سَلَّمَ لَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ سَلَامُ عَمْدٍ وَعَلَيْهِ رُكْنٌ وَحِينَئِذٍ يَتَعَذَّرُ عليه الْبِنَاءُ فَيَتَأَخَّرُ وَيُقِيمُ مُدْرِكًا لِيُسَلِّمَ بِهِمْ وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَيَسْجُدُ هو مَعَهُمْ كما لو كان الْإِمَامُ هو الذي يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ ثُمَّ يَقُومُ إلَى قَضَاءِ ما سُبِقَ بِهِ وَحْدَهُ وَإِنْ لم يَسْجُدْ مع خَلِيفَتِهِ سَجَدَ في آخِرِ صَلَاتِهِ اسْتِحْسَانًا على ما ذَكَرْنَا في حَقِّ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ فَإِنْ لم يَجِدْ الْإِمَامُ الْمَسْبُوقُ مُدْرِكًا. وكان الْكُلُّ مَسْبُوقِينَ قَامُوا وَقَضَوْا ما سُبِقُوا بِهِ فُرَادَى لِأَنَّ تَحْرِيمَةَ الْمَسْبُوقِ انْعَقَدَتْ لِلْأَدَاءِ على الِانْفِرَادِ ثُمَّ إذَا فَرَغُوا لَا يَسْجُدُونَ في الْقِيَاسِ وفي الِاسْتِحْسَانِ يَسْجُدُونَ وقد بَيَّنَّا وَجْهَ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَلَوْ قام الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَاءِ ما سُبِقَ بِهِ بَعْدَ ما سَلَّمَ الْإِمَامُ ثُمَّ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ أَنَّ عليه سُجُودَ السَّهْوِ فَسَجَدَهُمَا يَعُودُ إلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَا يَقْتَدِي وَلَا يُعْتَدُّ بِمَا قَرَأَ وَرَكَعَ وَالْجُمْلَةُ في الْمَسْبُوقِ إذَا قام إلَى قَضَاءِ ما عليه فَقَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَخْلُو ما قام إلَيْهِ وَقَضَاهُ أما أَنْ يَكُونَ قبل أَنْ يَقْعُدَ الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أو بعد ما قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَإِنْ كان ما قام إلَيْهِ وَقَضَاهُ قبل أَنْ يَقْعُدَ الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لم يُجْزِهِ لِأَنَّ الْإِمَامَ ما بَقِيَ عليه فَرْضٌ لم يَنْفَرِدْ الْمَسْبُوقُ بِهِ عنه لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مُتَابَعَتَهُ فِيمَا بَقِيَ عليه من الصَّلَاةِ وهو قد بَقِيَ عليه فَرْضٌ وهو الْقَعْدَةُ فلم يَنْفَرِدْ فَبَقِيَ مُقْتَدِيًا وَقِرَاءَةُ الْمُقْتَدِي خَلْفَ الْإِمَامِ لَا تُعْتَبَرُ قِرَاءَةً من صَلَاتِهِ وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ من قِيَامِهِ وَقِرَاءَتُهُ ما كان بَعْدَ ذلك فَإِنْ كان مَسْبُوقًا بِرَكْعَةٍ أو رَكْعَتَيْنِ فَوُجِدَ بَعْدَ ما قَعَدَ الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ قِيَامٌ وَقِرَاءَةٌ قَدْرَ ما تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ جَازَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا قَعَدَ الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَقَدْ انْفَرَدَ لِانْقِطَاعِ التَّبَعِيَّةِ بِانْقِضَاءِ أَرْكَانِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَقَدْ أتى بِمَا فُرِضَ عليه من الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ في أَوَانِهِ فَكَانَ مُعْتَدًّا بِهِ وَإِنْ لم يُوجَدْ مِقْدَارُ ذلك أو وُجِدَ الْقِيَامُ دُونَ الْقِرَاءَةِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ لِانْعِدَامِ ما فُرِضَ عليه في أَوَانِهِ وَإِنْ كان مَسْبُوقًا بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَإِنْ لم يَرْكَعْ حتى فَرَغَ الْإِمَامُ من التَّشَهُّدِ ثُمَّ رَكَعَ وَقَرَأَ في الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ هذه الرَّكْعَةِ جَازَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْقِيَامَ فَرْضٌ في كل رَكْعَةٍ وَفَرْضُ الْقِرَاءَةِ في الرَّكْعَتَيْنِ وَلَا يُعْتَدُّ بِقِيَامِهِ ما لم يَفْرُغْ الْإِمَامُ من التَّشَهُّدِ فإذا فَرَغَ الْإِمَامُ من التَّشَهُّدِ قبل أَنْ يَرْكَعَ هو فَقَدْ وُجِدَ الْقِيَامُ وَإِنْ قَلَّ في هذه الرَّكْعَةِ وَوُجِدَتْ الْقِرَاءَةُ في الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ هذه الرَّكْعَةِ فَقَدْ أتى بِمَا فُرِضَ عليه فَتَجُوزُ صَلَاتُهُ وَإِنْ كان رَكَعَ قبل فَرَاغِ الْإِمَامِ من التَّشَهُّدِ لم [أنجز] تجز صَلَاتَهُ لِأَنَّهُ لم يُوجَدْ قِيَامٌ يعتد [معتد] بِهِ في هذه الرَّكْعَةِ لِأَنَّ ذلك هو الْقِيَامُ بَعْدَ تَشَهُّدِ الْإِمَامِ ولم يُوجَدْ فَلِهَذَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَأَمَّا إذَا قام الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَاءِ ما عليه بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ من التَّشَهُّدِ قبل السَّلَامِ فَقَضَاهُ أَجْزَأَهُ وهو مُسِيءٌ أَمَّا الْجَوَازُ فَلِأَنَّ قِيَامَهُ حَصَلَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ من أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا الْإِسَاءَةُ فَلِتَرْكِهِ انْتِظَارَ سَلَامِ الْإِمَامِ لِأَنَّ أَوَانَ قِيَامِهِ لِلْقَضَاءِ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ من الصَّلَاةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَخِّرَ الْقِيَامَ عن السَّلَامِ. وَلَوْ قام بعد ما سَلَّمَ ثُمَّ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ فَخَرَّ لَهُمَا فَهَذَا على وَجْهَيْنِ أَمَّا إنْ كان الْمَسْبُوقُ قَيَّدَ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ أو لم يُقَيِّدْ فَإِنْ لم يُقَيِّدْ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ رُفِضَ ذلك وَيَسْجُدُ مع الْإِمَامِ لِأَنَّ ما أتى بِهِ ليس بِفِعْلٍ كَامِلٍ وكان مُحْتَمِلًا لِلرَّفْضِ وَيَكُونُ تَرْكُهُ قبل التَّمَامِ مَنْعًا له عن الثُّبُوتِ حَقِيقَةً فَجُعِلَ كَأَنْ لم يُوجَدْ فَيَعُودُ وَيُتَابِعُ إمَامَهُ لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ في الْوَاجِبَاتِ وَاجِبَةٌ وَبَطَلَ ما أتى بِهِ من الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ لِمَا بَيَّنَّا فَإِنْ لم يَعُدْ إلَى مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَمَضَى على قَضَائِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ عَوْدَ الْإِمَامِ إلَى سُجُودِ السَّهْوِ لَا يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ وَالْبَاقِي على الْإِمَامِ سُجُودُ السَّهْوِ وهو وَاجِبٌ وَالْمُتَابَعَةُ في الْوَاجِبِ وَاجِبَةٌ فَتَرْكُ الْوَاجِبِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ أَلَا تَرَى لو تَرَكَهُ الْإِمَامُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فَكَذَا الْمَسْبُوقُ وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَعْدَ الْفَرَاغِ من قَضَائِهِ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ كان الْمَسْبُوقُ قَيَّدَ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ لَا يَعُودُ إلَى مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ لِأَنَّ الِانْفِرَادَ قد تَمَّ وَلَيْسَ على الْإِمَامِ رُكْنٌ وَلَوْ عَادَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ اقْتَدَى بِغَيْرِهِ بَعْدَ وُجُودِ الِانْفِرَادِ وَوُجُوبِهِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَلَوْ ذَكَرَ الْإِمَامُ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ فَسَجَدَهَا فَإِنْ كان الْمَسْبُوقُ لم يُقَيِّدْ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إلَى مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ لِمَا مَرَّ فَيَسْجُدَ معه لِلتِّلَاوَةِ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ ثُمَّ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ وَيَقُومَ الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَاءِ ما عليه وَلَا يُعْتَدُّ بِمَا أتى بِهِ من قَبْلُ لِمَا مَرَّ وَلَوْ لم يَعُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ عَوْدَ الْإِمَامِ إلَى سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ يَرْفُضُ الْقَعْدَةَ في حَقِّ الْإِمَامِ وهو بَعْدُ لم يَصِرْ مُنْفَرِدًا لِأَنَّ ما أتى بِهِ دُونَ فِعْلِ صَلَاةٍ فَتُرْتَفَضُ الْقَعْدَةُ في حَقِّهِ أَيْضًا فإذا ارْتَفَضَتْ في حَقِّهِ لَا يَجُوزُ له الِانْفِرَادُ لِأَنَّ هذا أَوَانُ وُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ وَالِانْفِرَادُ في هذه الْحَالَةِ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ وَإِنْ كان قد قَيَّدَ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ فَإِنْ عَادَ إلَى مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَإِنْ لم يُعِدْ وَمَضَى عليها فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ذُكِرَ في الْأَصْلِ أَنَّ صَلَاتَهُ فَاسِدَةٌ وَذُكِرَ في نَوَادِرِ أبي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَجْهُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّ الْعَوْدَ إلَى سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ يَرْفُضُ الْقَعْدَةَ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَسْبُوقَ انْفَرَدَ قبل أَنْ يَقْعُدَ الْإِمَامُ وَالِانْفِرَادُ في مَوْضِعٍ يَجِبُ فيه الِاقْتِدَاءُ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ وَجْهُ نَوَادِرِ أبي سُلَيْمَانَ أَنَّ ارْتِفَاضَ الْقَعْدَةِ في حَقِّ الْإِمَامِ لَا يَظْهَرُ في حَقِّ الْمَسْبُوقِ لِأَنَّ ذلك بِالْعَوْدِ إلَى التِّلَاوَةِ وَالْعَوْدُ حَصَلَ بعد ما تَمَّ انْفِرَادُهُ عن الْإِمَامِ وَخَرَجَ عن مُتَابَعَتِهِ فَلَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ جَمِيعَ الصَّلَاةِ لو ارْتَفَضَتْ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْمُتَابَعَةِ لَا يَظْهَرُ في حَقِّ الْمُؤْتَمِّ بِأَنْ ارْتَدَّ الْإِمَامُ بَعْدَ الْفَرَاغِ من الصَّلَاةِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْقَوْمِ فَفِي حَقِّ الْقَعْدَةِ أَوْلَى وَلِذَا لو صلى الظُّهْرَ بِقَوْمٍ يوم الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ إلَى الْجُمُعَةِ فَأَدْرَكَهَا ارْتَفَضَ ظُهْرُهُ ولم يَظْهَرْ الرَّفْضُ في حَقِّ الْقَوْمِ بِخِلَافِ ما إذَا لم يُقَيِّدْ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ لِأَنَّ هُنَاكَ الِانْفِرَادُ لم يَتِمَّ على ما قَرَرْنَا وَنَظِيرُ هذه الْمَسْأَلَةِ مُقِيمٌ اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ وَقَامَ إلَى إتْمَامِ صَلَاتِهِ بعد ما تَشَهَّدَ الْإِمَامُ قبل أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ نَوَى الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ حتى تَحَوَّلَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا فَإِنْ لم يُقَيِّدْ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إلَى مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَإِنْ لم يَعُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كان قَيَّدَ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ فَإِنْ عَادَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ لم يُعِدْ وَمَضَى عليها وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ لَا تَفْسُدُ وَلَوْ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَنَّ عليه سَجْدَةً صُلْبِيَّةً فَإِنْ كان الْمَسْبُوقُ لم يُقَيِّدْ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَجِبُ عليه الْعَوْدُ وَلَوْ لم يُعِدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِمَا مَرَّ في سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَإِنْ قَيَّدَ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ فصلاتُهُ فَاسِدَةٌ عَادَ إلَى الْمُتَابَعَةِ أو لم يَعُدْ في الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا لِأَنَّهُ انْتَقَلَ عن صَلَاةِ الْإِمَامِ وَعَلَى الْإِمَامِ رُكْنَانِ السَّجْدَةُ وَالْقَعْدَةُ وهو عَاجِزٌ عن مُتَابَعَتِهِ بَعْدَ إكْمَالِ الرَّكْعَةِ وَلَوْ انْتَقَلَ وَعَلَيْهِ رُكْنٌ وَاحِدٌ وَعَجَزَ عن مُتَابَعَتِهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فَهَهُنَا أَوْلَى رَجُلٌ صلى الظُّهْرَ خَمْسًا ثُمَّ تَذَكَّرَ فَهَذَا لَا يَخْلُو أَمَّا إنْ قَعَدَ في الرَّابِعَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أو لم يَقْعُدْ وَكُلُّ وَجْهٍ على وَجْهَيْنِ أما إن قَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِالسَّجْدَةِ أو لم يُقَيِّدْ فَإِنْ قَعَدَ في الرَّابِعَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَقَامَ إلَى الْخَامِسَةِ فَإِنْ لم يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ حتى تَذَكَّرَ يَعُودُ إلَى الْقَعْدَةِ وَيُتِمَّهَا وَيُسَلِّمْ لِمَا مَرَّ وَإِنْ قَيَّدَهَا بِالسَّجْدَةِ لَا يَعُودُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ على ما مَرَّ ثُمَّ عِنْدَنَا إذَا كان ذلك في الظُّهْرِ أو في الْعِشَاءِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُضِيفَ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى لِيَصِيرَا له نَفْلًا إذْ التَّنَفُّلُ بَعْدَهُمَا جَائِزٌ وما دُونَ الرَّكْعَتَيْنِ لَا يَكُونُ صَلَاةً تَامَّةً كما قال ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنه وَاَللَّهِ ما أَجْزَأَتْ رَكْعَةٌ قَطُّ وَإِنْ كان في الْعَصْرِ لَا يُضِيفُ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى بَلْ يَقْطَعْ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بَعْدَ الْعَصْرِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَرَوَى هِشَامٌ عن مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُضِيفُ إلَيْهَا أُخْرَى أَيْضًا لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بَعْدَ الْعَصْرِ إنَّمَا يُكْرَهُ إذَا شَرَعَ فيه قَصْدًا فَأَمَّا إذَا وَقَعَ فيه بِغَيْرِ قَصْدِهِ فَلَا يُكْرَهُ ولو لم يُضِفْ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى في الظُّهْرِ بَلْ قَطَعَهَا لَا قَضَاءَ عليه عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الشُّرُوعِ في الصَّلَاةِ الْمَظْنُونَةِ وَالصَّوْمِ الْمَظْنُونِ لِأَنَّ الشُّرُوعَ هَهُنَا في الْخَامِسَةِ على ظَنٍّ أنها عليه ولو أَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى في الظُّهْرِ هل تجزىء هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ عن السُّنَّةِ التي بَعْدَ الظُّهْرِ. قال بَعْضُهُمْ يُجْزِيَانِ لِأَنَّ السُّنَّةَ بَعْدَ الظُّهْرِ لَيْسَتْ إلَّا رَكْعَتَيْنِ يُؤَدَّيَانِ نَفْلًا وقد وُجِدَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا لَا يُجْزِيَانِ عنها لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَتَنَفَّلَ بِرَكْعَتَيْنِ بِتَحْرِيمَةٍ على حِدَةٍ لَا بِنَاءً على تَحْرِيمَةِ غَيْرِهَا فلم يُوجَدْ هَيْئَةُ السُّنَّةِ فَلَا تَنُوبُ عنها وَبِهِ كان يُفْتِي الشَّيْخُ أبو عبد اللَّهِ الجرجاني رحمه الله تعالى [الجراجري] ثُمَّ إذَا أَضَافَ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى فَعَلَيْهِ السَّهْوُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا سَهْوَ عليه لِأَنَّ السَّهْوَ تَمَكَّنَ في الْفَرْضِ وقد أَدَّى بَعْدَهَا صَلَاةً أُخْرَى وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إنَّمَا بَنَى النَّفَلَ على تِلْكَ التَّحْرِيمَةِ وقد تَمَكَّنَ فيها النَّقْصُ بِالسَّهْوِ فَيُجْبَرُ بِالسَّجْدَتَيْنِ على ما ذَكَرْنَا في الْمَسْبُوقِ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا أَنَّ هَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ لِلنَّقْصِ الْمُتَمَكَّنِ في الْفَرْضِ أو لِلنَّقْصِ الْمُتَمَكِّنِ في النَّفْلِ فَعِنْدَ أبي يُوسُفَ لِلنَّقْصِ الْمُتَمَكَّنِ في النَّفْلِ لِدُخُولِهِ فيه لَا على وَجْهِ السُّنَّةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلنَّقْصِ الذي تَمَكَّنَ في الْفَرْضِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ أبي يُوسُفَ انْقَطَعَتْ تَحْرِيمَةُ الْفَرْضِ بِالِانْتِقَالِ إلَى النَّفْلِ فَلَا وَجْهَ إلَى جَبْرِ نُقْصَانِ الْفَرْضِ بَعْدَ الْخُرُوجِ منه وَانْقِطَاعِ تَحْرِيمَتِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ التَّحْرِيمَةُ بَاقِيَةٌ لِأَنَّهَا اشْتَمَلَتْ على أَصْلِ الصَّلَاةِ وَوَصْفِهَا وَبِالِانْتِقَالِ إلَى النَّفْلِ انْقَطَعَ الْوَصْفُ لَا غَيْرُ فَبَقِيَتْ التَّحْرِيمَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ بِنَاءَ النَّفْلِ على تَحْرِيمَةِ الْفَرْضِ جَائِزٌ في حَقِّ الِاقْتِدَاءِ حتى جَازَ اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ فَكَذَا بِنَاءُ فِعْلِ نَفْسِهِ على تَحْرِيمَةِ فَرْضِهِ يَكُونُ جَائِزًا وَالْأَصْلُ في الْبِنَاءِ هو الْبِنَاءُ في إحْرَامٍ وَاحِدٍ وَفَائِدَةُ هذا الْخِلَافِ أَنَّهُ لو جاء إنْسَانٌ وَاقْتَدَى بِهِ في هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ أبي يُوسُفَ وَلَوْ أَفْسَدَهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ كان الْإِمَامُ لو أَفْسَدَهُ لَا قَضَاءَ عليه عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَمِنْ هذا صَحَّحَ مَشَايِخُ بَلْخٍ اقْتِدَاءَ الْبَالِغِينَ بِالصِّبْيَانِ في التَّطَوُّعَاتِ فَقَالُوا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مَضْمُونَةً في حَقِّ الْمُقْتَدِي وَإِنْ لم تَكُنْ مَضْمُونَةً في حَقِّ الْإِمَامِ اسْتِدْلَالًا بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَشَايِخُنَا بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ لم يُجَوِّزُوا ذلك وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُصَلِّي سِتًّا وَلَوْ أَفْسَدَهَا لَا يَجِبُ عليه الْقَضَاءُ كما لَا يَجِبُ على الْإِمَامِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أبو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنْ تُجْعَلَ السَّجْدَتَانِ جَبْرًا لِلنَّقْصِ الْمُتَمَكَّنِ في الْإِحْرَامِ وهو إحْرَامٌ وَاحِدٌ فَيَنْجَبِرُ بِهِمَا النَّقْصُ الممكن [المتمكن] في الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ جميعا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّيْخُ أبو بَكْرِ بن أبي سَعِيدٍ رحمه الله تعالى هذا الذي ذَكَرْنَا إذَا قَعَدَ في الرَّابِعَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَأَمَّا إذَا لم يَقْعُدْ وَقَامَ إلَى الْخَامِسَةِ فَإِنْ لم يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ يَعُودُ لِمَا مَرَّ وَإِنْ قَيَّدَ فَسَدَ فَرْضُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَفْسُدُ وَيَعُودُ إلَى الْقَعْدَةِ وَيَخْرُجُ عن الْفَرْضِ بِلَفْظِ السَّلَامِ بَعْدَ ذلك وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ بِنَاءً على أَصْلِهِ الذي ذَكَرْنَا أَنَّ الرَّكْعَةَ الْكَامِلَةَ في احْتِمَالِ النَّقْصِ وما دُونِهَا سَوَاءٌ فَكَانَ كما لو تَذَكَّرَ قبل أَنْ يُقَيِّدَ الْخَامِسَةَ بِسَجْدَةٍ وَرُوِيَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظُّهْرَ خَمْسًا ولم يُنْقَلْ أَنَّهُ كان قَعَدَ في الرَّابِعَةِ وَلَا أَنَّهُ أَعَادَ صَلَاتَهُ. وَلَنَا ما ذَكَرْنَا أَنَّهُ وُجِدَ فِعْلٌ كَامِلٌ من أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وقد انْعَقَدَ نَفْلًا فَصَارَ خَارِجًا من الْفَرْضِ ضَرُورَةَ حُصُولِهِ في النَّفْلِ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ فِيهِمَا وقد بَقِيَ عليه فَرْضٌ وهو الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ وَالْخُرُوجُ عن الصَّلَاةِ مع بَقَاءِ فَرْضٍ من فَرَائِضِهَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ كان قَعَدَ في الرَّابِعَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّاوِيَ قال صلى الظُّهْرَ وَالظُّهْرُ اسْمٌ لِجَمِيعِ أَرْكَانِهَا وَمِنْهَا الْقَعْدَةُ وَهَذَا هو الظَّاهِرُ أَنَّهُ قام إلَى الْخَامِسَةِ على تَقْدِيرِ أَنَّ هذه القعدة هي الْقَعْدَةَ الْأُولَى لِأَنَّ هذا أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ فَيُحْمَلُ فِعْلُهُ عليه وَالله أعلم. ثُمَّ الْفَسَادُ عِنْدَ أبي يُوسُفَ بِوَضْعِ رَأْسِهِ بِالسَّجْدَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِرَفْعِ رَأْسِهِ عنها حتى لو سَبَقَهُ الْحَدَثُ في هذه الْحَالَةِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْصَرِفَ وَيَتَوَضَّأَ وَيَعُودَ وَيَتَشَهَّدَ وَيُسَلِّمَ وَيَسْجُدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ لِأَنَّ السَّجْدَةَ لَا تَصِحُّ مع الْحَدَثِ فَكَأَنَّهُ لم يَسْجُدْ وَعِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ بِنَفْسِ الْوَضْعِ فَلَا يَعُودُ ثُمَّ الذي يَفْسُدُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْفَرْضِيَّةُ لَا أَصْلُ الصَّلَاةِ حتى كان الْأَوْلَى أَنْ يُضِيفَ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى فَتَصِيرَ السِّتُّ له نَفْلًا ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الظُّهْرَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَفْسُدُ أَصْلُ الصَّلَاةِ بِنَاءً على أَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِيَّةِ مَتَى بَطَلَتْ بَطَلَتْ التَّحْرِيمَةُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا تَبْطُلُ وَهَذَا الْخِلَافُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عليه وَإِنَّمَا اسْتَخْرَجَ من مَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا في الْأَصْلِ في باب الْجُمُعَةِ وهو أَنَّ مُصَلِّيَ الْجُمُعَةِ إذَا خَرَجَ وَقْتُهَا وهو وَقْتُ الظُّهْرِ قبل إتْمَامِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَهْقَهَ تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا تُنْتَقَضُ وَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّهُ بَقِيَ نَفْلًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا له وَكَذَا تَرْكُ الْقَعْدَةِ في كل شَفْعٍ من التَّطَوُّعِ عِنْدَهُ مُفْسِدٌ وَعِنْدَهُمَا غَيْرُ مُفْسِدٍ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ عَظِيمَةٌ لها شُعَبٌ كَثِيرَةٌ أَعْرَضْنَا عن ذِكْرِ تَفَاصِيلِهَا وَجُمَلِهَا وَمَعَانِي الْفُصُولِ وَعِلَلِهَا إحالة [حالة] إلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِنَّمَا أَفْرَدْنَا هذه الْمَسْأَلَةَ بِالذِّكْرِ وَإِنْ كان بَعْضُ فُرُوعِهَا دخل في بَعْضِ ما ذَكَرْنَا من الْأَقْسَامِ لِمَا أَنَّ لها فُرُوعًا أخرى [أخر] لَا تُنَاسِبُ مَسَائِلَ الْفصل وَكَرِهْنَا قَطْعَ الْفَرْعِ عن الْأَصْلِ فَرَأَيْنَا الصَّوَابَ في إيرَادِهَا بِفُرُوعِهَا في آخِرِ الْفصل تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ وَالله الموفق. وَأَمَّا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ فَالْكَلَامُ فيها يَقَعُ في مَوَاضِعَ في بَيَانِ وُجُوبِهَا وفي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْوُجُوبِ وفي بَيَانِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وفي بَيَانِ من تَجِبُ عليه وَمَنْ لَا تَجِبُ وَيَتَضَمَّنُ بَيَانَ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ وفي بَيَانِ شَرَائِطِ جَوَازِهَا وفي بَيَانِ مَحِلِّ أَدَائِهَا وفي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ أَدَائِهَا وفي بَيَانِ سَبَبِهَا وفي بَيَانِ مَوَاضِعِهَا من الْقُرْآنِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ قال أَصْحَابُنَا إنَّهَا وَاجِبَةٌ وقال الشَّافِعِيُّ إنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَلَيْسَتْ بواجبه وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ حين عَلَّمَهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الشَّرَائِعَ فقال هل عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ قال لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ فَلَوْ كانت سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَاجِبَةً لَمَا اُحْتُمِلَ تَرْكُ الْبَيَانِ بَعْدَ السُّؤَالِ وَعَنْ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ على الْمِنْبَرِ وَسَجَدَ ثُمَّ تَلَاهَا في الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ فَتَشَوَّفَ الناس لِلسُّجُودِ فقال أَمَا إنَّهَا لم تُكْتَبْ عَلَيْنَا إلَّا أَنْ نَشَاءَ وَلَنَا ما رَوَى أبو هُرَيْرَةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال إذَا تَلَا ابن آدَمَ آيَةَ السَّجْدَةِ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي وَيَقُولُ أُمِرَ ابن آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فلم أَسْجُدْ فَلِيَ النَّارُ وَالْأَصْلُ أَنَّ الحكم [الحكيم] مَتَى حَكَى عن غَيْرِ الْحَكِيمِ أَمْرًا ولم يَعْقُبْهُ بِالنَّكِيرِ يَدُلُّ ذلك على أَنَّهُ صَوَابٌ فَكَانَ في الحديث دَلِيلٌ على كَوْنِ ابْنِ آدَمَ مَأْمُورًا بِالسُّجُودِ وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَمَّ أَقْوَامًا بِتَرْكِ السُّجُودِ فقال: {وإذا قُرِئَ عليهم الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} وَإِنَّمَا يُسْتَحَقُّ الذَّمُّ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَلِأَنَّ مَوَاضِعَ السُّجُودِ في القران مُنْقَسِمَةٌ منها ما هو أَمْرٌ بِالسُّجُودِ وَإِلْزَامٌ لِلْوُجُوبِ كما في آخِرِ سُورَةِ الْقَلَمِ وَمِنْهَا ما هو إخْبَارٌ عن اسْتِكْبَارِ الْكَفَرَةِ عن السُّجُودِ فَيَجِبُ عَلَيْنَا مُخَالَفَتُهُمْ بِتَحْصِيلِهِ وَمِنْهَا ما هو إخْبَارٌ عن خُشُوعِ الْمُطِيعِينَ فَيَجِبُ عَلَيْنَا مُتَابَعَتُهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ} وَعَنْ عمر [عثمان] وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بن عَبَّاسِ وَعَبْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قالوا السَّجْدَةُ على من تَلَاهَا وَعَلَى من سَمِعَهَا وَعَلَى من جَلَسَ لها على اخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِمْ وَعَلَى كَلِمَةِ إيجَابٍ وَأَمَّا حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ فَفِيهِ بَيَانُ الْوَاجِبِ ابْتِدَاءً لَا ما يَجِبُ بِسَبَبٍ يُوجَدُ من الْعَبْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لم يذكر الْمَنْذُورَ وهو وَاجِبٌ وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه فَنَقُولُ بِمُوجَبِهِ أنها لم تُكْتَبْ عَلَيْنَا بَلْ أُوجِبَتْ وَفَرْقٌ بَيْن الْفَرْضِ وَالْوَاجِب على ما عُرِفَ في مَوْضِعِهِ. وَأَمَّا بَيَانُ كَيْفِيَّةِ وُجُوبِهَا فَأَمَّا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ على سَبِيلِ التَّرَاخِي دُونَ الْفَوْرِ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْأُصُولِ لِأَنَّ دَلَائِلَ الْوُجُوبِ مُطْلَقَةٌ عن تَعْيِينِ الْوَقْتِ فَتَجِبُ في جُزْءٍ من الْوَقْتِ غَيْرِ عَيْنٍ وَيَتَعَيَّنُ ذلك بِتَعْيِينِهِ فِعْلًا وَإِنَّمَا يَتَضَيَّقُ عليه الْوُجُوبُ في آخِرِ عُمُرِهِ كما في سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ الْمُوَسَّعَةِ وَأَمَّا في الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ على سَبِيلِ التَّضْيِيقِ لِقِيَامِ دَلِيلِ التَّضْيِيقِ وهو أنها وَجَبَتْ بِمَا هو من أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وهو الْقِرَاءَةُ فَالْتَحَقَتْ بِأَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَصَارَتْ جُزْءًا من أَجْزَائِهَا وَلِهَذَا يَجِبُ أَدَاؤُهَا في الصَّلَاةِ وَلَا يُوجِبُ حُصُولُهَا في الصَّلَاةِ نُقْصَانًا فيها وَتَحْصِيلُ ما ليس من الصَّلَاةِ في الصَّلَاةِ إنْ لم يُوجِبْ فَسَادَهَا يُوجِبُ نُقْصَانًا وإذا الْتَحَقَتْ بِأَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَجَبَ أَدَاؤُهَا مُضَيَّقًا كَسَائِرِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ خَارِجِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ هُنَاكَ لَا دَلِيلَ على التَّضْيِيقِ وَلِهَذَا قُلْنَا إذَا تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ فلم يَسْجُدْ ولم يَرْكَعْ حتى طَالَتْ الْقِرَاءَةُ ثُمَّ رَكَعَ وَنَوَى السُّجُودَ لم يُجْزِهِ وَكَذَا إذَا نَوَاهَا في السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ لِأَنَّهَا صَارَتْ دَيْنًا وَالدَّيْنُ يُقْضَى بِمَا له لَا بِمَا عليه وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ عليه فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الدَّيْنُ على ما نَذْكُرُ وَلِهَذَا قُلْنَا أنه لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلتِّلَاوَةِ في الْمِصْرِ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ في الْمِصْرِ لَا يَتَحَقَّقُ عَادَةً وَالْجَوَازُ بِالتَّيَمُّمِ مع وُجُودِ الْمَاءِ لَنْ يَكُونَ إلَّا لِخَوْفِ الْفَوْتِ أَصْلًا كما في صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ وَلَا خَوْفَ هَهُنَا لِانْعِدَامِ وَقْتٍ مُعَيَّنٍ لها خَارِجَ الصَّلَاةِ فلم يَتَحَقَّقْ التَّيَمُّمُ طَهَارَةً وَالطَّهَارَةُ شَرْطٌ لِأَدَائِهَا بِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا سَبَبُ وُجُوبِ السَّجْدَةِ فَسَبَبُ وُجُوبِهَا أَحَدُ شَيْئَيْنِ التِّلَاوَةُ أو السَّمَاعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على حَالِهِ مُوجِبٌ فَيَجِبُ على التَّالِي الْأَصَمِّ وَالسَّامِعِ الذي لم يَتْلُ أَمَّا التِّلَاوَةُ فَلَا يُشْكِلُ وَكَذَا السَّمَاعُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْحَقَ اللَّائِمَةَ بِالْكُفَّارِ لِتَرْكِهِمْ السُّجُودَ إذَا قرىء [قرئ] عليهم الْقُرْآنُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فما لهم لَا يُؤْمِنُونَ وإذا قُرِئَ عليهم الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ}. وقال تَعَالَى: {إنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إذَا ذُكِّرُوا بها خَرُّوا سُجَّدًا} الْآيَةَ من غَيْرِ فصل في الْآيَتَيْنِ بين التَّالِي وَالسَّامِعِ وَرَوَيْنَا عن كِبَارِ الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ السَّجْدَةُ على من سَمِعَهَا وَلِأَنَّ حُجَّةَ اللَّهِ تَعَالَى تَلْزَمُهُ بِالسَّمَاعِ كما تَلْزَمُهُ بِالتِّلَاوَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَخْضَعَ لحاجة [لحجة] اللَّهِ تَعَالَى بِالسَّمَاعِ كما يَخْضَعُ بِالْقِرَاءَةِ. وَيَسْتَوِي الْجَوَابُ في حَقِّ التَّالِي بين ما إذَا تَلَا السَّجْدَةَ بِالْعَرَبِيَّةِ أو بِالْفَارِسِيَّةِ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حتى قال أبو حَنِيفَةَ حتى يَلْزَمُهُ السُّجُودُ في الْحَالَيْنِ وَأَمَّا في حَقِّ السَّامِعِ فَإِنْ سَمِعَهَا مِمَّنْ يَقْرَأُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَقَالُوا يَلْزَمُهُ بِالْإِجْمَاعِ فَهِمَ أو لم يَفْهَمْ لِأَنَّ السَّبَبَ قد وُجِدَ فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ وَلَا يَقِفُ على الْعِلْمِ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْأَسْباب وَإِنْ سَمِعَهَا مِمَّنْ يَقْرَأُ بِالْفَارِسِيَّةِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ بِنَاءً على أَصْلِهِ إن الْقِرَاءَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ جَائِزَةٌ وقال أبو يُوسُفَ في الْأَمَالِي وعندهما إنْ كان السَّامِعُ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَعَلَيْهِ السَّجْدَةُ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا ليس بِسَدِيدٍ لِأَنَّهُ إنْ جَعَلَ الْفَارِسِيَّةَ قُرْآنًا يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ سَوَاءٌ فُهِمَ أو لم يُفْهَمْ كما لو سَمِعَهَا مِمَّنْ يَقْرَأُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ لم يَجْعَلْهُ قُرْآنًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ وَإِنْ فُهِمَ ولو اجْتَمَعَ سَبَبَا الْوُجُوبِ وَهُمَا التِّلَاوَةُ وَالسَّمَاعُ بِأَنْ تَلَا السَّجْدَةَ ثُمَّ سَمِعَهَا أو سَمِعَهَا ثُمَّ تَلَاهَا أو تَكَرَّرَ أَحَدُهُمَا فَنَقُولُ الْأَصْلُ أَنَّ السَّجْدَةَ لَا يَتَكَرَّرُ وُجُوبُهَا إلَّا بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ إمَّا اخْتِلَافُ الْمَجْلِسِ أو التِّلَاوَةُ أو السَّمَاعُ حتى إن من تَلَا آيَةً وَاحِدَةً مِرَارًا في مَجْلِسٍ وَاحِدٍ تَكْفِيهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْأَصْلُ فيه ما رُوِيَ أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السَّلَامُ كان يَنْزِلُ بِالْوَحْيِ فَيَقْرَأُ آيَةَ السَّجْدَةِ على رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَسُولُ اللَّهَ كان يَسْمَعُ وَيَتَلَقَّنُ ثُمَّ يَقْرَأُ على أَصْحَابِهِ وكان لَا يَسْجُدُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَرُوِيَ عن أبي عبد الرحمن السُّلَمِيُّ مُعَلِّمِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ كان يُعَلِّمُ الْآيَةَ مِرَارًا وكان لَا يَزِيدُ على سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَلِيًّا رضي اللَّهُ عنه كان عَالِمًا بِذَلِكَ ولم يُنْكِرْ عليه. وَرُوِيَ عن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ كان يُكَرِّرُ آيَةَ السَّجْدَةِ حين كان يُعَلِّمُ الصِّبْيَانَ وكان لَا يَسْجُدُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةَ وَلِأَنَّ الْمَجْلِسَ الْوَاحِدَ جَامِعٌ لِلْكَلِمَاتِ الْمُتَفَرِّقَةِ كما في الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلِأَنَّ في إيجَابِ السَّجْدَةِ في كل مَرَّةٍ إيقَاعٌ في الْحَرَجِ لِكَوْنِ الْمُعَلِّمِينَ مُبْتَلِينَ بِتَكْرَارِ الْآيَةِ لِتَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ وَالْحَرَجُ مَنْفِيٌّ بِنَصِّ الْكتاب وَلِأَنَّ السَّجْدَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالتِّلَاوَةِ وَالْمَرَّةُ الْأُولَى هِيَ الْحَاصِلَةُ لِلتِّلَاوَةِ فَأَمَّا التَّكْرَارُ فلم يَكُنْ لِحَقِّ التِّلَاوَةِ بَلْ لِلتَّحَفُّظِ أو لِلتَّدَبُّرِ وَالتَّأَمُّلِ في ذلك وَكُلُّ ذلك من عَمَلِ الْقَلْبِ وَلَا تَعَلُّقَ لِوُجُوبِ السَّجْدَةِ بِهِ فَجُعِلَ الْإِجْرَاءُ على اللِّسَانِ الذي هو من ضَرُورَةِ ما هو فِعْلُ الْقَلْبِ أو وَسِيلَةٌ إلَيْهِ من أَفْعَالِهِ فَالْتَحَقَ بِمَا هو فِعْلُ الْقَلْبِ وَذَلِكَ ليس بِسَبَبٍ كَذَا عَلَّلَ الشَّيْخُ أبو مَنْصُورٍ رحمه الله تعالى. وَأَمَّا الصَّلَاةُ على النبي صلى الله عليه وسلم بِأَنْ ذَكَرَهُ أو سمع ذِكْرَهُ في مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِرَارًا فلم يُذْكَرْ في الْكُتُبِ وَذَهَبَ الْمُتَقَدِّمُونَ من أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُ يَكْفِيهِ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ قِيَاسًا على السَّجْدَةِ وقال بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ يصلي عليه في كل مَرَّةٍ لِقَوْلِهِ لَا تَجْفُونِي بَعْدَ مَوْتِي فَقِيلَ له وَكَيْفَ نَجْفُوَكَ يا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال إن أُذْكَرَ في مَوْضِعٍ فَلَا يُصَلَّى عَلَيَّ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَقُّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحُقُوقُ الْعِبَادِ لَا تَتَدَاخَلُ وَعَلَى هذا اخْتَلَفُوا في تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ أن من عَطَسَ وَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى في مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِرَارًا فقال بَعْضُهُمْ يَنْبَغِي لِلسَّامِعِ أَنْ يُشَمِّتَ في كل مَرَّةٍ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَاطِسِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا زَادَ على الثَّلَاثِ لَا يُشَمِّتُهُ لِمَا رُوِيَ عن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال لِلْعَاطِسِ في مَجْلِسِهِ بَعْدَ الثَّلَاثِ قُمْ فَانْتَثِرْ فَإِنَّكَ مَزْكُومٌ ثُمَّ لَا فَرْقَ هَهُنَا بين ما إذَا تَلَا مِرَارًا ثُمَّ سَجَدَ وَبَيْنَ ما إذَا تَلَا وَسَجَدَ ثُمَّ تَلَا بَعْدَ ذلك مِرَارًا في مَجْلِسٍ وَاحِدٍ حتى لَا يَلْزَمَهُ سَجْدَةٌ أُخْرَى فَرْقٌ بين هذا وَبَيْنَ ما إذَا زَنَى مِرَارًا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَوْ زَنَى مَرَّةً ثُمَّ حُدَّ ثُمَّ زَنَى مَرَّةً أُخْرَى يُحَدُّ ثَانِيًا وَكَذَا ثَالِثًا وَرَابِعًا وَالْفَرْقُ أَنَّ هُنَاكَ تَكَرَّرَ السَّبَبُ لِمُسَاوَاةِ كل فِعْلٍ الْأَوَّلَ في الْمَأْثَمِ وَالْقُبْحِ وَفَسَادِ الْفِرَاشِ وَكُلِّ مَعْنًى صَارَ بِهِ الْأَوَّلُ سَبَبًا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا أُقِيمَ عليه الْحَدُّ جُعِلَ ذلك حُكْمًا لِكُلِّ سَبَبٍ فَجُعِلَ بِكَمَالِهِ حُكْمًا لِهَذَا وَحُكْمًا لِذَاكَ وَجُعِلَ كَأَنَّ كُلَّ سَبَبٍ ليس معه غَيْرُهُ في حَقِّ نَفْسِهِ لِحُصُولِ ما شُرِعَ له الْحَدُّ وهو الزَّجْرُ عن الْمُعَاوَدَةِ في الْمُسْتَقْبَلِ فإذا وُجِدَ الزِّنَا بَعْدَ ذلك انْعَقَدَ سَبَبًا كَاَلَّذِي تَقَدَّمَ فَلَا بُدَّ من وُجُودِ حُكْمِهِ بِخِلَافِ ما نَحْنُ فيه لِأَنَّ هَهُنَا السَّبَبُ هو التِّلَاوَةُ وَالْمَرَّةُ الْأُولَى هِيَ الْحَاصِلَةُ بِحَقِّ التِّلَاوَةِ على ما مَرَّ فلم يَتَكَرَّرْ السَّبَبُ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَبَدَّلُ بِتَخَلُّلِ السَّجْدَةِ بَيْنَهُمَا وَعَدَمِ التَّخَلُّلِ لِحُصُولِ الثَّانِيَةِ بِحَقِّ التَّأَمُّلِ وَالتَّحَفُّظِ في الْحَالَيْنِ. وَكَذَا السَّامِعُ لَتِلْكَ التِّلَاوَاتِ الْمُتَكَرِّرَةِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِالْمَرَّةِ الْأَوْلَى لِأَنَّ ما وَرَاءَهَا في حَقِّهِ جُعِلَ غير سَبَبٍ بَلْ تابعا [تبعا] لِلتَّأَمُّلِ وَالْحِفْظِ لِأَنَّهُ في حَقِّهِ يُفِيدُ الْمَعْنَيَيْنِ جميعا أَعْنِي الْإِعَانَةَ على الْحِفْظِ وَالتَّدَبُّرِ بِخِلَافِ ما إذَا سمع إنْسَانٌ آخَرُ الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ أو الثَّالِثَةَ أو الرَّابِعَةَ وَذَلِكَ في حَقِّهِ أَوَّلَ ما سمع حَيْثُ تَلْزَمُهُ السَّجْدَةُ لِأَنَّ ذلك في حَقِّهِ سَمَاعُ التِّلَاوَةِ لِأَنَّ كُلَّ مَرَّةٍ تِلَاوَةٌ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّ الْحَقِيقَةَ جُعِلَتْ سَاقِطَةً في حَقِّ من تَكَرَّرَتْ في حَقِّهِ فَفِي حَقِّ من لم تَتَكَرَّرْ بَقِيَتْ على حَقِيقَتِهَا. وَبِخِلَافِ ما إذَا قَرَأَ آيَةً وَاحِدَةً في مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ لِأَنَّ هُنَاكَ النُّصُوصَ مُنْعَدِمَةً وَالْجَامِعُ وهو الْمَجْلِسُ غَيْرُ ثَابِتٍ وَالْحَرَجُ مَنْفِيٌّ وَمَعْنَى التدبر [التفكر] والتفكر [والتدبر] زَائِلٌ لِأَنَّهَا في الْمَجْلِسِ الْآخَرِ حَصَلَتْ بِحَقِّ التِّلَاوَةِ لِيَنَالَ ثَوَابَهَا في ذلك الْمَجْلِسِ وَبِخِلَافِ ما إذَا قَرَأَ آيَاتٍ مُتَفَرِّقَةً في مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لِزَوَالِ هذه الْمَعَانِي أَيْضًا أَمَّا النُّصُوصُ فَلَا تُشْكِلُ وَكَذَا الْمَعْنَى الْجَامِعِ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ لَا يَجْعَلُ الْكَلِمَاتِ الْمُخْتَلِفَةَ الْجِنْسِ بِمَنْزِلَةِ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَنْ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ولآخر [والآخر] بِمِائَةِ دِينَارٍ وَلِعَبْدِهِ بِالْعِتْقِ في مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَا يَجْعَلُ الْمَجْلِسُ الْكُلَّ إقْرَارًا وَاحِدًا وَكَذَا الْحَرَجُ مُنْتَفٍ وَكَذَا التِّلَاوَةُ الثَّانِيَةُ لَا تَكُونُ لِلتَّدَبُّرِ في الْأُولَى وَالله أعلم. وَلَوْ تَلَاهَا في مَكَان وَذَهَبَ عنه ثُمَّ انْصَرَفَ إلَيْهِ فَأَعَادَهَا فَعَلَيْهِ أُخْرَى لِأَنَّهَا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ حَصَلَتْ بِحَقِّ التِّلَاوَةِ فَتَجَدَّدَ السَّبَبُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ هذا إذَا بَعُدَ عن ذلك الْمَكَانِ فَإِنْ كان قَرِيبًا منه لم يَلْزَمْهُ أُخْرَى وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ تَلَاهَا في مَكَانِهِ لِحَدِيثِ أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ كان يُعَلِّمُ الناس بِالْبَصْرَةِ وكان يَزْحَفُ إلَى هذا تَارَةً وَإِلَى هذا تَارَةً أُخْرَى فَيُعَلِّمُهُمْ آيَةَ السَّجْدَةِ وَلَا يَسْجُدُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَوْ تَلَاهَا في مَوْضِعٍ وَمَعَهُ رَجُلٌ يَسْمَعُهَا ثُمَّ ذَهَبَ التَّالِي عنه ثُمَّ انْصَرَفَ إلَيْهِ فَأَعَادَهَا وَالسَّامِعُ على مَكَانِهِ سَجَدَ التَّالِي لِكُلِّ مَرَّةٍ لِتَجَدُّدِ السَّبَبِ في حَقِّهِ وهو التِّلَاوَةُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ وَأَمَّا السَّامِعُ فَلَيْسَ عليه إلَّا سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ السَّبَبَ في حَقِّهِ سَمَاعُ التِّلَاوَةِ وَالثَّانِيَةُ ما حَصَلَتْ بِحَقِّ التِّلَاوَةِ في حَقِّهِ لِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ وَكَذَلِكَ إذَا كان التَّالِي على مَكَانِهِ ذلك وَالسَّامِعُ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ وَيَسْمَعُ تِلْكَ الْآيَةِ سَجَدَ السَّامِعُ لِكُلِّ مَرَّةٍ سَجْدَةً وَلَيْسَ على التَّالِي إلَّا سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ لِتَجَدُّدِ السَّبَبِ في حَقِّ السَّامِعِ دُونَ التَّالِي على ما مَرَّ وَلَوْ تَلَاهَا في مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ أو في الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ في زَاوِيَةٍ ثُمَّ تَلَاهَا في زَاوِيَةٍ أُخْرَى لَا يَجِبُ عليه إلَّا سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ كُلَّهُ جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ مَكَان وَاحِدٍ في حَقِّ الصَّلَاةِ فَفِي حَقِّ السَّجْدَةِ أَوْلَى وَكَذَا حُكْمُ السَّمَاعِ وَكَذَلِكَ الْبَيْتُ وَالْمَحْمَلُ وَالسَّفِينَةُ في حُكْمِ التِّلَاوَةِ وَالسَّمَاعِ سَوَاءٌ كانت السَّفِينَةُ وَاقِفَةً أو جَارِيَةً بِخِلَافِ الدَّابَّةِ على ما نَذْكُرُ وَلَوْ تَلَاهَا وهو يَمْشِي لَزِمَهُ لِكُلِّ مَرَّةٍ سَجْدَةٌ لِتَبَدُّلِ الْمَكَانِ وَكَذَلِكَ لو كان يَسْبَحُ في نَهْرٍ عَظِيمٍ أو بَحْرٍ لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ كان يَسْبَحُ في حَوْضٍ أو غَدِيرٍ له حَدٌّ مَعْلُومٌ قِيلَ يَكْفِيهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ تَلَاهَا على غُصْنٍ ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى غُصْنٍ آخَرَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فيه وَكَذَا في التِّلَاوَةُ عِنْدَ الكدس [الكرس] وَقَالُوا في تَسْدِيَةِ الثَّوْبِ أنه يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ مِرَارًا وهو يَسِيرُ على الدَّابَّةِ إنْ كان خَارِجَ الصَّلَاةِ سَجَدَ لِكُلِّ مَرَّةٍ سَجْدَةً على حِدَةٍ بِخِلَافِ ما إذَا قَرَأَهَا في السَّفِينَةِ وَهِيَ تَجْرِي حَيْثُ تَكْفِيهِ وَاحِدَةٌ. وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوَائِمَ الدَّابَّةِ جُعِلَتْ كَرِجْلَيْهِ حُكْمًا لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ عليها في السَّيْرِ وَالْوُقُوفِ فَكَانَ تَبَدُّلُ مَكَانِهَا كَتَبَدُّلِ مَكَانِهِ فَحَصَلْت الْقِرَاءَةُ في مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ فَتَعَلَّقَتْ بِكُلِّ تِلَاوَةٍ سَجْدَةٌ بِخِلَافِ السَّفِينَةِ فَإِنَّهَا لم تُجْعَلْ بِمَنْزِلَةِ رِجْلَيْ الرَّاكِبِ لِخُرُوجِهَا عن قَبُولِ تَصَرُّفِهِ في السَّيْرِ وَالْوُقُوفِ وَلِهَذَا أُضِيفَ سَيْرُهَا إلَيْهَا دُونَ رَاكِبِهَا قال اللَّهُ تَعَالَى: {حتى إذَا كُنْتُمْ في الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} وقال: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ في مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} فلم يَجْعَلْ تَبَدُّلَ مَكَانِهَا تَبَدُّلَ مَكَانِهِ بَلْ مَكَانُهُ ما اسْتَقَرَّ هو فيه من السَّفِينَةِ من حَيْثُ الْحَقِيقَةُ وَالْحُكْمُ وَذَلِكَ لم يَتَبَدَّلْ فَكَانَتْ التِّلَاوَةُ مُتَكَرِّرَةً في مَكَان وَاحِدٍ فلم يَجِبْ لها إلَّا سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ كما في الْبَيْتِ وَعَلَى هذا حُكْمُ السَّمَاعِ بِأَنْ سَمِعَهَا من غير [غيره] مَرَّتَيْنِ وهو يَسِيرُ على الدَّابَّةِ لِتَبَدُّلِ مَكَانِ السَّامِعِ هذا إذَا كان خَارِجَ الصَّلَاةِ فَأَمَّا إذَا كان في الصَّلَاةِ بِأَنْ تَلَاهَا وهو يَسِيرُ على الدَّابَّةِ وَيُصَلِّي عليها إنْ كان ذلك في رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الشَّرْعَ حَيْثُ جَوَّزَ صَلَاتَهُ عليها مع حُكْمِهِ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ في الْأَمَاكِنِ الْمُخْتَلِفَةِ دَلَّ على أَنَّهُ أَسْقَطَ اعْتِبَارَ اخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ أو جَعَلَ مَكَانَهُ في هذه الْحَالَةِ ظَهْرَ الدَّابَّةِ لَا ما هو مَكَانُ قَوَائِمِهَا وَهَذَا أَوْلَى من إسْقَاطِ اعْتِبَارِ الْأَمَاكِنِ الْمُخْتَلِفَةِ لِأَنَّهُ ليس بِتَغْيِيرٍ لِلْحَقِيقَةِ أو هو أَقَلُّ تَغْيِيرًا لها وَذَلِكَ تَغْيِيرٌ لِلْحَقِيقَةِ من جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَالظَّهْرُ مُتَّحِدٌ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَصَارَ رَاكِبُ الدَّابَّةِ في هذه الْحَالَةِ كَرَاكِبِ السَّفِينَةِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الشَّرْعَ جَوَّزَ صَلَاتَهُ وَلَوْ جَعَلَ مَكَانَهُ أَمْكِنَةَ قَوَائِمِ الدَّابَّةِ لَصَارَ هو مَاشِيًا بِمَشْيِهَا وَالصَّلَاةُ مَاشِيًا لَا تَجُوزُ وَأَمَّا إذَا كَرَّرَ التِّلَاوَةَ في رَكْعَتَيْنِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكْفِيَهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وهو قَوْلُ أبي يُوسُفَ الْأَخِيرُ وفي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ لِكُلِّ تِلَاوَةٍ سَجْدَةٌ وهو قَوْلُ أبي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وهو قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهَذِهِ من الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ التي رَجَعَ فيها أبو يُوسُفَ عن الِاسْتِحْسَانِ إلَى الْقِيَاسِ إحْدَاهَا هذه الْمَسْأَلَةُ وَالثَّانِيَةُ إن الرَّهْنَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لَا يَكُونُ رَهْنًا بِالْمُتْعَةِ قِيَاسًا وهو قَوْلُ أبي يُوسُفَ الْأَخِيرُ وفي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ رَهْنًا وهو قَوْلُ أبي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وهو قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا جَنَى جِنَايَةً فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَاخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْنِيُّ عليه الْقِيَاسُ أَنْ يُخَيَّرَ الْمَوْلَى ثَانِيًا وهو قَوْلُ أبي يُوسُفَ الْأَخِيرُ وفي الِاسْتِحْسَانِ لَا يُخَيَّرُ وهو قَوْلُ أبي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وهو قَوْلُ مُحَمَّدٍ لَا يُخَيَّرُ وَعَلَى هذا الْخِلَافُ إذَا صلى على الْأَرْضِ وَقَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ في رَكْعَتَيْنِ. وَلَا خِلَافَ فِيمَا إذَا قَرَأَهَا في رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وهو قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَكَانَ هَهُنَا وَإِنْ اتَّحَدَ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لَكِنْ مع هذا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ الثَّانِيَةَ تَكْرَارًا لِأَنَّ لِكُلِّ رَكْعَةٍ قِرَاءَةً مُسْتَحَقَّةً فَلَوْ جَعَلْنَا الثَّانِيَةَ تَكْرَارًا لِلْأُولَى وَالْتَحَقَتْ الْقِرَاءَةُ بِالرَّكْعَةِ الْأَوْلَى لَخَلَتْ الثَّانِيَةُ عن الْقِرَاءَةِ وَلَفَسَدَتْ وَحَيْثُ لم تَفْسُدْ دَلَّ أنها لم تُجْعَلْ مُكَرَّرَةً بِخِلَافِ ما إذَا كَرَّرَ التِّلَاوَةَ في رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ هُنَاكَ أَمْكَنَ جَعْلُ التِّلَاوَةِ الْمُتَكَرِّرَةِ مُتَّحِدَةً حُكْمًا وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْمَكَانَ مُتَّحِدٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَيُوجِبُ كَوْنَ الثَّانِيَةِ تَكْرَارًا لِلْأُولَى كما في سَائِرِ الْمَوَاضِعِ وما ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لها حُكْمَانِ جَوَازُ الصَّلَاةِ وَوُجُوبُ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَنَحْنُ إنَّمَا نَجْعَلُ الْقِرَاءَةَ الثَّانِيَةَ مُلْتَحِقَةً بِالْأُولَى في حَقِّ وُجُوبِ السَّجْدَةِ لَا في غَيْرِهِ من الْأَحْكَامِ وَلَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ على الدَّابَّةِ بِالْإِيمَاءِ فَقَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ في الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَسَجَدَ بِالْإِيمَاءِ ثُمَّ أَعَادَهَا في الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَعَلَى قَوْلِ أبي يُوسُفَ الْأَخِيرِ لَا يُشْكِلُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أُخْرَى وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ على قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وهو قَوْلُ مُحَمَّدٍ قال بَعْضُهُمْ يَلْزَمُهُ أُخْرَى وقال بَعْضُهُمْ يَكْفِيهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ ثُمَّ تَبَدُّلُ الْمَجْلِسِ قد يَكُونُ حَقِيقَةً وقد يَكُونُ حُكْمًا بِأَنْ تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ ثُمَّ أَكَلَ أو نَامَ مُضْطَجِعًا أو أَرْضَعَتْ صَبِيًّا أو أَخَذَ في بَيْعٍ أو شِرَاءٍ أو نِكَاحٍ أو عَمَلٍ يَعْرِفُ أَنَّهُ قَطْعٌ لِمَا كان قبل ذلك ثُمَّ أَعَادَهَا فَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ أُخْرَى لِأَنَّ الْمَجْلِسَ يَتَبَدَّلُ بِهَذِهِ الْأَعْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَوْمَ يَجْلِسُونَ لِدَرْسِ الْعِلْمِ فَيَكُونُ مَجْلِسُهُمْ مَجْلِسَ الدَّرْسِ ثُمَّ يَشْتَغِلُونَ بِالنِّكَاحِ فَيَصِيرُ مَجْلِسُهُمْ مَجْلِسَ النِّكَاحِ ثُمَّ بِالْبَيْعِ فَيَصِيرُ مَجْلِسُهُمْ مَجْلِسَ الْبَيْعِ ثُمَّ بِالْأَكْلِ فَيَصِيرُ مَجْلِسُهُمْ مَجْلِسَ الْأَكْلِ ثُمَّ بِالْقِتَالِ فَيَصِيرُ مَجْلِسُهُمْ مَجْلِسَ الْقِتَالِ فَصَارَ تَبَدُّلُ الْمَجْلِسِ بِهَذِهِ الْأَعْمَالِ كَتَبَدُّلِهِ بِالذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ لِمَا مَرَّ وَلَوْ نَامَ قَاعِدًا أو أَكَلَ لُقْمَةً أو شَرِبَ شَرْبَةً أو تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أو عَمِلَ عَمَلًا يَسِيرًا ثُمَّ أَعَادَهَا فَلَيْسَ عليه أُخْرَى لِأَنَّ بهذا الْقَدْرِ لَا يَتَبَدَّلُ الْمَجْلِسُ وَالْقِيَاسُ فِيهِمَا سَوَاءٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أُخْرَى لِاتِّحَادِ الْمَكَانِ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا إذَا طَالَ الْعَمَلُ اعْتِبَارًا بِالْمُخَيَّرَةِ إذَا عَمِلَتْ عَمَلًا كَثِيرًا خَرَجَ الْأَمْرُ عن يَدِهَا وكان قَطْعًا لِلْمَجْلِسِ بِخِلَافِ ما إذَا أَكَلَ لُقْمَةً أو شَرِبَ شَرْبَةً وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ فَأَطَالَ الْقِرَاءَةَ بَعْدَهَا أو أَطَالَ الْجُلُوسَ ثُمَّ أَعَادَهَا ليس عليه سَجْدَةٌ أُخْرَى لِأَنَّ مَجْلِسَهُ لم يَتَبَدَّلْ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَطُولِ الْجُلُوسِ وَكَذَا لو اشْتَغَلَ بِالتَّسْبِيحِ أو بِالتَّهْلِيلِ ثُمَّ أَعَادَهَا لَا يَلْزَمُهُ أُخْرَى وَإِنْ قَرَأَهَا وهو جَالِسٌ ثُمَّ قام فَقَرَأَهَا وهو قَائِمٌ إلَّا أَنَّهُ في مَكَانِهِ ذلك يَكْفِيهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ لم يَتَبَدَّلْ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَلِأَنَّهُ لم يَبْرَحْ مَكَانَهُ وَأَمَّا الْحُكْمُ فَلِأَنَّ الْمَوْجُودَ قِيَامٌ وهو عَمَلٌ قَلِيلٌ كَأَكْلِ لُقْمَةٍ أو شُرْبِ شَرْبَةٍ وَبِمِثْلِهِ لَا يَتَبَدَّلُ الْمَجْلِسُ وَهَذَا بِخِلَافِ ما إذَا خَيَّرَ امْرَأَتَهُ فَقَامَتْ من مَجْلِسِهَا حَيْثُ خَرَجَ الْأَمْرُ من يَدِهَا كما لو انْتَقَلَتْ إلَى مَجْلِسٍ آخَرَ لِأَنَّ خُرُوجَ الْأَمْرِ من يَدِهَا مُوجِبُ الإعراض [الاعتراض] عن قَبُولِ التَّمْلِيكِ إذْ التَّخْيِيرُ تَمْلِيكٌ على ما يُعْرَفُ في كتاب الطَّلَاقِ. وَمَنْ مَلَكَ شيئا فَأَعْرَضَ عنه يَبْطُلُ ذلك التَّمْلِيكُ وَهَذَا لِأَنَّ الْقِيَامَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ لِأَنَّ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا أو زَوْجَهَا أَمْرٌ تَحْتَاجُ فيه إلَى الرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ لِتَنْظُرَ أَيَّ ذلك أَعْوَدَ لها وَأَنْفَعَ وَالْقُعُودُ أَجْمَعُ لِلذِّهْنِ وَأَشَدُّ إحْضَارًا لِلرَّأْيِ فَالْقِيَامُ من هذه الْحَالَةِ إلَى ما يُوجِبُ تَفَرُّقَ الذِّهْنِ وَفَوَاتَ الرَّأْيِ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ أَمَّا هَهُنَا فَالْحُكْمُ يَخْتَلِفُ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ وَتَعَدُّدِهِ لَا بِالْإِعْرَاضِ وَعَدَمِهِ وَالْمَجْلِسُ لم يَتَبَدَّلْ فلم يَعْدُ مُتَعَدِّدًا مُتَفَرِّقًا وَكَذَلِكَ لو قَرَأَهَا وهو قَائِمٌ فَقَعَدَ ثُمَّ أَعَادَهَا يَكْفِيهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ قَرَأَهَا في مَكَان ثُمَّ قام وَرَكِبَ الدَّابَّةَ على مَكَانِهِ ثُمَّ أَعَادَهَا قبل أَنْ يَسِيرَ فَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ على الْأَرْضِ وَلَوْ سَارَتْ الدَّابَّةُ ثُمَّ تَلَا بَعْدَهَا فَعَلَيْهِ سَجْدَتَانِ وَكَذَلِكَ إذَا قَرَأَهَا رَاكِبًا ثُمَّ نَزَلَ قبل السَّيْرِ فَأَعَادَهَا يَكْفِيهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ اسْتِحْسَانًا وفي الْقِيَاسِ عليه [فعليه] سَجْدَتَانِ لِتَبَدُّلِ مَكَانِهِ بِالنُّزُولِ أو الرُّكُوبِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ النُّزُولَ أو الرُّكُوبَ عَمَلٌ قَلِيلٌ فَلَا يُوجِبُ تَبَدُّلَ الْمَجْلِسِ وَإِنْ كان سَارَ ثُمَّ نَزَلَ فَعَلَيْهِ سَجْدَتَانِ لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ بِمَنْزِلَةِ مَشْيِهِ فَيَتَبَدَّلُ بِهِ الْمَجْلِسُ وَكَذَلِكَ لو قَرَأَهَا ثُمَّ قام في مَكَانِهِ ذلك وَرَكِبَ ثُمَّ نَزَلَ قبل السَّيْرِ فَأَعَادَهَا لَا تَجِبُ عليه إلَّا سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ قَرَأَهَا رَاكِبًا ثُمَّ نَزَلَ ثُمَّ رَكِبَ فَأَعَادَهَا وهو على مَكَانِهِ فَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ لِمَا بَيَّنَّا وَالْأَصْلُ أَنَّ النُّزُولَ وَالرُّكُوبَ لَيْسَا بِمَكَانَيْنِ. وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ ولم يَسْجُدْ لها ثُمَّ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَتَلَاهَا في عَيْنِ ذلك الْمَكَانِ صَارَتْ إحْدَى السَّجْدَتَيْنِ تَابِعَةً لِلْأُخْرَى فَتَسْتَتْبِعُ التي وُجِدَتْ في الصَّلَاةِ التي وُجِدَتْ قَبْلَهَا وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ تِلْكَ التِّلَاوَةِ وَتُجْعَلُ كَأَنَّهُ لم يقل [يتل] إلَّا في الصَّلَاةِ حتى أَنَّهُ لو سَجَدَ لِلْمَتْلُوَّةِ في الصَّلَاةِ خَرَجَ عن عُهْدَةِ الْوُجُوبِ وإذا لم يَسْجُدْ لم يَبْقَ عليه شَيْءٌ إلَّا الْمَأْثَمُ. وَهَذَا على رِوَايَةِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَكتاب الصَّلَاةِ من الْأَصْلِ وَنَوَادِرِ الصَّلَاةِ التي رَوَاهَا الشَّيْخُ أبو حَفْصٍ الْكَبِيرُ وَلَنَا على رِوَايَةِ الصَّلَاةِ التي رَوَاهَا أبو سُلَيْمَانَ لَا تَسْتَتْبِعُ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بَلْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهَا وَلَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ تِلْكَ التِّلَاوَةِ الْأُولَى وَبَقِيَتْ السَّجْدَةُ وَاجِبَةً عليه سَوَاءٌ سَجَدَ لِلْمَتْلُوَّةِ في الصَّلَاةِ أو لم يَسْجُدْ وَأَمَّا إذَا تَلَاهَا وَسَجَدَ لها ثُمَّ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَأَعَادَهَا في ذلك الْمَكَانِ يَسْجُدُ لِلْمَتْلُوَّةِ في الصَّلَاةِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَتَيْنِ أَمَّا على رِوَايَةِ النَّوَادِرِ فَلِعَدَمِ الِاسْتِتْبَاعِ وَثُبُوتِ الِاسْتِقْلَالِ وَأَمَّا على رِوَايَةِ الْجَامِعِ وَالْمَبْسُوطِ فَلِكَوْنِ الْمَوْجُودَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ تَابِعَةً لِلْمَوْجُودَةِ في الصَّلَاةِ وَالتَّابِعُ لَا يَسْتَتْبِعُ الْمَتْبُوعَ فَلَا تَصِيرُ السَّجْدَةُ لِتِلْكَ التِّلَاوَةِ مَانِعَةً من لُزُومِ السَّجْدَةِ بِهَذِهِ التِّلَاوَةِ. وَجْهُ رِوَايَةِ نَوَادِرِ أبي سُلَيْمَانَ أَنَّ الْآيَةَ تُلِيَتْ في مَجْلِسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ حُكْمًا لِأَنَّ الْأُولَى وُجِدَتْ في مَجْلِسِ التِّلَاوَةِ وَالثَّانِيَةَ في مَجْلِسِ الصَّلَاةِ وَالْمَجْلِسُ يَتَبَدَّلُ بِتَبَدُّلِ الْأَفْعَالِ فيه لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ قد يَكُونُ مَجْلِسَ عَقْدٍ ثُمَّ يَصِيرُ مَجْلِسَ مُذَاكَرَةٍ ثُمَّ يَصِيرُ مَجْلِسَ أَكْلٍ وَاعْتُبِرَ هذا التَّبَدُّلُ في حَقِّ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ في باب الْعُقُودِ وَكُلِّ ما يَتَعَلَّقُ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ. فَكَذَا هذا لِأَنَّ التَّعَدُّدَ الْحُكْمِيَّ مُلْحَقٌ بِالتَّعَدُّدِ الْحَقِيقِيِّ في الْمَوَاضِعِ أَجْمَعَ فَيَتَعَلَّقُ بِكُلِّ تِلَاوَةٍ حكم [وحكم] وَلَا تَسْتَتْبِعُ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلِأَنَّ الثَّانِيَةَ أن تَفُوتُ لِالْتِحَاقِهَا بِأَجْزَاءِ الصَّلَاةِ لِتَعَلُّقِهَا بِمَا هو من أركان الصَّلَاةِ فلم يُمْكِنْ أَنْ تُجْعَلَ تَابِعَةً لِلْأُولَى فَالْأُولَى أَيْضًا تَفُوتُ بِالسَّبْقِ فَلَا تَصِيرُ تَابِعَةً لِمَا بَعْدَهَا إذْ الشَّيْءُ لَا يَتْبَعُ ما بَعْدَهُ وَلَا يَسْتَتْبِعُ ما قَبْلَهُ وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ وَالْمَبْسُوطِ أَنَّ الْمَجْلِسَ مُتَّحِدٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا. أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَظَاهِرَةٌ وَأَمَّا الْحُكْمُ فَلِأَنَّهُ وَإِنْ صَارَ مَجْلِسَ صَلَاةٍ وَلَكِنْ في الصَّلَاةِ تِلَاوَةٌ مَفْرُوضَةٌ فَكَانَ مَجْلِسُ الصَّلَاةِ مَجْلِسَ التِّلَاوَةِ ضَرُورَةً فلم يُوجَدْ التَّبَدُّلُ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَلَا بُدَّ من إثْبَاتِ صِفَةِ الِاتِّحَادِ من حَيْثُ الْحُكْمِ لِلتِّلَاوَتَيْنِ الْمُتَعَدِّدَتَيْنِ حَقِيقَةً لِوُجُودِ الْمُوجِبِ لِصِفَةِ الِاتِّحَادِ وهو الْمَجْلِسُ الْمُتَّحِدُ وَكَذَا الْمُتَعَدِّدُ من أَسْباب السَّجْدَةِ قَابِلٌ لِلِاتِّحَادِ حُكْمًا كَالسَّمَاعِ وَالتِّلَاوَةِ فإن كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على الِانْفِرَادِ سَبَبٌ ثُمَّ من قَرَأَ وَسَمِعَ من نَفْسِهِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ فَالْتَحَقَ السَّبَبَانِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَدَلَّ أَنَّ الْمُتَعَدِّدَ من أَسْباب السَّجْدَةِ قَابِلٌ لِلِاتِّحَادِ حُكْمًا فَصَارَ مُتَّحِدًا حُكْمًا وَزَمَانُ وُجُودِ الْوَاحِدِ وَاحِدٌ فَجُعِلَ كَأَنَّ التِّلَاوَتَيْنِ وُجِدَتَا في زَمَانٍ وَاحِدٍ وَلَا وَجْهَ أَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُمَا وُجِدَتَا خَارِجَ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّ الْمَوْجُودَةَ في الصَّلَاتَيْنِ مُتَقَرِّرَةٌ في مَحِلِّهَا بِدَلِيلِ جَوَازِ الصَّلَاةِ وَلَوْ جُعِلَ كَأَنَّهُمَا وُجِدَتَا خَارِجَ الصَّلَاةِ في حَقِّ وُجُوبِ السَّجْدَةِ دُونَ جَوَازِ الصَّلَاةِ لَبَقِيَ التَّعَدُّدُ من وَجْهٍ مع وُجُودِ دَلِيلِ الِاتِّحَادِ وَمَهْمَا أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالدَّلِيلَيْنِ من جَمِيعِ الْوُجُوهِ كان أَوْلَى من الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ من وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ الْمَوْجُودَةُ في الصَّلَاةِ في حُكْمِ التَّفَكُّرِ لِتَعَلُّقِ جَوَازِ الصَّلَاةِ بها وهو من أَحْكَامِ الْقِرَاءَةِ دُونَ التَّفَكُّرِ وَلَا مَانِعَ من أَنْ تُجْعَلَ الْأُولَى كَأَنَّهَا وُجِدَتْ في الصَّلَاةِ فَصَارَ كما لو تُلِيَتَا في الصَّلَاةِ في رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَوْ كان كَذَلِكَ لَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ إلَّا سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ من جُمْلَةِ الصَّلَاةِ كَذَا هذا وَعَلَى هذا إذَا سمع من غَيْرِهِ آيَةَ السَّجْدَةِ ثُمَّ شَرَعَ في الصَّلَاةِ في ذلك الْمَكَانِ وَتَلَا تِلْكَ الْآيَةِ بِعَيْنِهَا في الصَّلَاةِ فَهَذَا وَاَلَّذِي تَلَا بِنَفْسِهِ ثُمَّ شَرَعَ في الصَّلَاةِ مَكَانَهُ ثُمَّ أَعَادَهَا سَوَاءٌ وقد مَرَّ الْكَلَامُ فيه والله أعلم. وَلَوْ قَرَأَهَا في الصَّلَاةِ أَوَّلًا ثُمَّ سَلَّمَ فَأَعَادَهَا قبل أَنْ يَبْرَحَ مَكَانَهُ ذُكِرَ في كتاب الصَّلَاةِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُخْرَى وَذُكِرَ في النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ وَجْهُ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ أَنَّ الْمَوْجُودَةَ في الصَّلَاةِ تَفُوتُ بِالسَّبْقِ وَحُرْمَةِ الصَّلَاةِ جميعا فَيَسْتَتْبِعُ الْأَدْنَى دَرَجَةً الْمُتَأَخِّرَةُ وَقْتًا ولهذه [وبهذه] الْمَسْأَلَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ التَّعْلِيلَ لِرِوَايَةِ النَّوَادِرِ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِاخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ حُكْمًا ليس بِصَحِيحٍ وَجْهُ رِوَايَةِ كتاب الصَّلَاةِ أَنَّ الْمَتْلُوَّةَ في الصَّلَاةِ لَا وُجُودَ لها بَعْدَ الصَّلَاةِ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَلَا يُشْكِلُ وَكَذَا الْحُكْمُ فإن بَعْدَ انْقِطَاعِ التَّحْرِيمَةِ لَا بَقَاءَ لِمَا هو من أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ أَصْلًا وَالْمَوْجُودُ هو الذي يُسْتَتْبَعُ دُونَ الْمَعْدُومِ بِخِلَافِ ما إذَا كانت الْأُولَى مَتْلُوَّةً خَارِجَ الصَّلَاةِ فإن تِلْكَ بَاقِيَةٌ بَعْدَ التِّلَاوَةِ من حَيْثُ الْحُكْمُ لِبَقَاءِ حُكْمِهَا وهو وُجُوبُ السَّجْدَةِ فإذا تَلَاهَا في الصَّلَاةِ وُجِدَتْ وَالْأُولَى مَوْجُودَةٌ فَاسْتَتْبَعَ الْأَقْوَى الْأَضْعَفُ الْأَوْهَى وَذَكَرَ الشيخ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ رحمه الله تعالى أَنَّهُ إنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الموضوع [الموضع] فَوَضَعَ الْمَسْأَلَةَ في النَّوَادِرِ فِيمَا إذَا أَعَادَهَا بعدما سَلَّمَ قبل أَنْ يَتَكَلَّمَ وَبِالسَّلَامِ لم يَنْقَطِعْ فَوْرُ الصَّلَاةِ فَكَأَنَّهُ أَعَادَهَا في الصَّلَاةِ وَوَضَعَهَا في كتاب الصَّلَاةِ فِيمَا إذَا أَعَادَهَا بَعْدَ ما سَلَّمَ وَتَكَلَّمَ وَبِالْكَلَامِ يَنْقَطِعُ فَوْرُ الصَّلَاةِ الكبرى [ألا] لو تَذَكَّرَ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ بَعْدَ السَّلَامِ يَأْتِي بها بعد [وبعد] الْكَلَامِ لَا يَأْتِي بها فَيَكُونُ هذا في مَعْنَى تَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ وَإِنْ لم يَسْجُدْهَا في الصَّلَاةِ حتى سَجَدَهَا الْآنَ قال في الْأَصْلِ أَجْزَأَهُ عنهما وهو مَحْمُولٌ على ما إذَا أَعَادَهَا بَعْدَ السَّلَامِ قبل الْكَلَامِ لِأَنَّهُ لم يَخْرُجْ عن حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَكَأَنَّهُ كَرَّرَهَا في الصَّلَاةِ وَسَجَدَ أَمَا لَا يَسْتَقِيمُ هذا الْجَوَابُ فِيمَا إذَا أَعَادَهَا بَعْدَ الْكَلَامِ لِأَنَّ الصَّلَاتِيَّةَ قد سَقَطَتْ عنه بِالْكَلَامِ ولو تَلَاهَا في صَلَاتِهِ ثُمَّ سَمِعَهَا من أَجْنَبِيٍّ أَجْزَأَتْهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَرَوَى ابن سِمَاعَةَ عن مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا تُجْزِيهِ لِأَنَّ السَّمَاعِيَّةَ لَيْسَتْ بصلاتيه وَاَلَّتِي أَدَّاهَا صلاتيه فَلَا تَنُوبُ عَمَّا لَيْسَتْ بصلاتيه وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ التِّلَاوَةَ الْأُولَى من أَفْعَالِ صَلَاتِهِ وَالثَّانِيَةَ لَا فَحَصَلَتْ الثَّانِيَةُ تَكْرَارًا لِلْأُولَى من حَيْثُ الْأَصْلُ وَالْأُولَى بَاقِيَةٌ فَجُعِلَ وَصْفُ الْأُولَى لِلثَّانِيَةِ فَصَارَتْ من الصَّلَاةِ فَيَكْتَفِي بِسَجْدَةٍ وَاحِدَة وَقَالُوا على رِوَايَةِ النَّوَادِرِ أَيْضًا تَكُونُ تَكْرَارًا لِأَنَّ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ بِمُسْتَحَقَّةٍ بِنَفْسِهَا في مَحَلِّهَا فَتَلْتَحِقُ بِالْأُولَى بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ رُكْنٌ من أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَكَانَتْ مُسْتَحَقَّةً بِنَفْسِهَا في مَحَلِّهَا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ مُلْحَقَةً بِالْأُولَى وَلَوْ سَمِعَهَا أَوَّلًا من أَجْنَبِيٍّ وهو في الصَّلَاةِ ثُمَّ تَلَاهَا بِنَفْسِهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ على ما نَذْكُرُ وَلَوْ تَلَاهَا في الصَّلَاةِ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ أَحْدَثَ فَذَهَبَ وَتَوَضَّأَ ثُمَّ عَادَ إلَى مَكَانِهِ وَبَنَى على صَلَاتِهِ ثُمَّ قَرَأَ ذلك الْأَجْنَبِيُّ تِلْكَ الْآيَةَ فَعَلَى هذا لِلْمُصَلِّي أَنْ يَسْجُدَهَا إذَا فَرَغَ من صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ تَحَوَّلَ عن مَكَانِهِ فَسَمِعَ الثَّانِيَةَ بَعْدَمَا تَبَدَّلَ الْمَجْلِسُ وَفَرْقٌ بين هذا وَبَيْنَ ما إذَا قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَذَهَبَ وَتَوَضَّأَ ثُمَّ جاء وَقَرَأَ مَرَّةً أُخْرَى لَا يَلْزَمُهُ سَجْدَةٌ أُخْرَى وَإِنْ قَرَأَ الثَّانِيَةَ بَعْدَمَا تَبَدَّلَ الْمَكَانُ وَالْفَرْقُ أَنَّ في هذه الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْمَكَانُ قد تَبَدَّلَ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَلَا يُشْكِلُ وَأَمَّا الْحُكْمُ فَلِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ لَا تَجْعَلُ الْأَمَاكِنَ الْمُتَفَرِّقَةَ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ في حَقِّ ما ليس من أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَسَمَاعُ السَّجْدَةِ ليس من أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فلم يَتَّحِدْ الْمَكَانُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَيَلْزَمُهُ بِكُلِّ مَرَّةٍ سَجْدَةٌ على حِدَةٍ بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فإن هُنَاكَ الْقِرَاءَةُ من أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَالتَّحْرِيمَةُ تَجْعَلُ الْأَمَاكِنَ الْمُتَفَرِّقَةَ مَكَانًا وَاحِدًا حُكْمًا لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَجُوزُ في الْأَمْكِنَةِ الْمُخْتَلِفَةِ فَجُعِلَتْ الْأَمْكِنَةُ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ في حَقِّ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لِضَرُورَةِ الْجَوَازِ وَالْقِرَاءَةُ من أَفْعَالُ الصَّلَاةِ فَصَارَ الْمَكَانُ في حَقِّهَا مُتَّحِدًا فَأَمَّا السَّمَاعُ فَلَيْسَ من أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَتَبْقَى الْأَمْكِنَةُ في حَقِّهِ مُتَفَرِّقَةً لِعَدَمِ ضَرُورَةٍ تُوجِبُ الِاتِّحَادَ وَالْحَقَائِقُ لَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُهَا حُكْمًا إلَّا لِضَرُورَةٍ وَلَوْ سَمِعَهَا رَجُلٌ من إمَامٍ ثُمَّ دخل في صَلَاتِهِ فَإِنْ كان الْإِمَامُ لم يَسْجُدْهَا سَجَدَهَا مع الْإِمَامِ وَإِنْ كان سَجَدَهَا الْإِمَامُ سَقَطَتْ عنه حتى لَا يَجِبَ عليه قَضَاؤُهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَمَّا اقْتَدَى بِالْإِمَامِ صَارَتْ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ قِرَاءَةً له وَجُعِلَ من حَيْثُ التَّقْدِيرُ كَأَنَّ الْإِمَامَ قَرَأَهَا ثَانِيًا فَصَارَتْ تِلْكَ السَّجْدَةُ من أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَلَوْ قَرَأَ ثَانِيًا لَا يَجِبُ عليه مَرَّةً أُخْرَى لِأَنَّ الْأُولَى صَارَتْ من أَفْعَالِ الصَّلَاة فَكَذَا هَهُنَا وإذا صَارَتْ من أَفْعَالِ صَلَاتِهِ لَا تُؤَدَّى خَارِجَ الصَّلَاةِ لِمَا مَرَّ وَذُكِرَ في زِيَادَاتِ الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِمَا سمع قبل الِاقْتِدَاءِ بعدما فَرَغَ من صَلَاتِهِ. وَذُكِرَ في نَوَادِرِ الصَّلَاةِ لِأَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ لو تَلَا ما سمع خَارِجَ الصَّلَاةِ في صَلَاةِ نَفْسِهِ في غَيْرِ ذلك الْمَكَانِ وَسَجَدَ لها لَا يَسْقُطُ عنه ما لَزِمَهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ في زِيَادَاتِ الزِّيَادَاتِ فَصَارَ في الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَجْهُ تِلْكَ الرِّوَايَةِ أَنَّ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ بِتَكْرَارٍ لِلْأُولَى لِأَنَّ التَّكْرَارَ إعَادَةُ الشَّيْءِ بِصِفَتِهِ وَهَهُنَا الْأُولَى لم تَكُنْ وَاجِبَةً وَلَا فِعْلًا من أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَالثَّانِيَةُ وَاجِبَةٌ وَهِيَ فِعْلٌ من أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَاخْتَلَفَ الْوَصْفُ فلم تَكُنْ إعَادَةً بِخِلَافِ ما إذَا كَانَتَا في الصَّلَاةِ أو كَانَتَا جميعا خَارِجَ الصَّلَاةِ حَيْثُ كان تَكْرَارًا لِاتِّحَادِ الْوَصْفِ أَلَا تَرَى أَنَّ من بَاعَ بِأَلْفٍ ثُمَّ بَاعَ بِمِائَةِ دِينَارٍ ما كان تَكْرَارًا بَلْ كان فَسْخًا لِلْأَوَّلِ وَلَوْ بَاعَ في الثَّانِيَةِ بِأَلْفٍ كان تَكْرَارًا وإذا لم يَكُنْ تَكْرَارًا جُعِلَ كَأَنَّهُ قَرَأَ آيَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ في مَكَان أو آيَةً في مَكَانَيْنِ فَيَتَعَلَّقُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حُكْمٌ على حِدَةٍ دَلَّ عليه أَنَّهُ لو كان قَرَأَ الْأُولَى وَسَجَدَ ثُمَّ شَرَعَ في الصَّلَاةِ في غَيْرِ ذلك الْمَكَانِ وَأَعَادَهَا يَلْزَمُهُ أُخْرَى في الرِّوَايَاتِ أَجْمَعَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ ليس بِإِعَادَةٍ وَلَوْ كان إعَادَةً لَمَا لَزِمَهُ أُخْرَى. وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الثَّانِيَةَ إعَادَةٌ لِلْأُولَى من حَيْثُ الْأَصْلُ لِأَنَّهَا عَيْنُ تِلْكَ الْآيَةِ وَلَيْسَتْ بِإِعَادَةٍ من حَيْثُ الْوَصْفُ لِأَنَّ وَصْفَ كَوْنِهَا رُكْنًا من أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لم يَكُنْ في الْأُولَى وَوُجِدَ في الثَّانِيَةِ وَالْأُولَى بَاقِيَةٌ حُكْمًا لِبَقَاءِ حُكْمِهَا وهو وُجُوبُ السَّجْدَةِ فإذا كانت بَاقِيَةً وَالثَّانِيَةُ من حَيْثُ الْأَصْلُ تَكْرَارٌ لِلْأُولَى فَجُعِلَتْ من حَيْثُ الْأَصْلُ كَأَنَّهَا عَيْنُ الْأُولَى فَبَقِيَتْ الصِّفَةُ الثابتة [الثانية] لِلتِّلَاوَةِ الثانية [والثانية] لِلْأُولَى لِصَيْرُورَةِ الثَّانِيَةِ غير [عين] الْأَوْلَى فَتَصِيرُ صِفَتُهَا صِفَةَ تِلْكَ فَصَارَتْ هِيَ أَيْضًا مَوْصُوفَةً بِكَوْنِهَا صَلَاتِيَّةً فَلَا تُؤَدَّى خَارِجَ الصَّلَاةِ لِمَا مَرَّ بِخِلَافِ ما إذَا كان سَجَدَ لِلْأُولَى لِأَنَّهَا لم يبق [تبق] حكمها [حكما] بَلْ انْقَضَتْ بِنَفْسِهَا وَحُكْمِهَا فلم يُجْعَلْ وَصْفُ الثَّانِيَةِ وَصْفًا لِلْأُولَى فَبَقِيَتْ الثَّانِيَةُ إعَادَةً من حَيْثُ الْأَصْلُ ابْتِدَاءً من حَيْثُ الْوَصْفُ فَتَجِبُ سَجْدَةٌ أُخْرَى من حَيْثُ الْوَصْفُ وَلَا تَجِبُ من حَيْثُ الْأَصْلُ فلم يُعْتَبَرْ جَانِبُ الْأَصْلِ وَإِنْ كان هو الْمَتْبُوعُ لِمَا أَنَّ الِاحْتِيَاطَ في باب الْعِبَادَاتِ اعْتِبَارُ جَانِبِ الْوُجُوبِ فَيُرَجَّحُ جَانِبُ الْوَصْفِ فَوَجَبَتْ سَجْدَةٌ أُخْرَى على أَنَّ اعْتِبَارَ جَانِبِ الْوَصْفِ مُوجِبٌ وَاعْتِبَارَ جَانِبِ الْأَصْلِ ليس بِمَانِعٍ لَكِنَّهُ ليس بِمُوجِبٍ فلم يَقَعْ التَّعَارُضُ وَالله أعلم. وَلَوْ قَرَأَ الْإِمَامُ سَجْدَةً في رَكْعَةٍ وَسَجَدَهَا ثُمَّ أَحْدَثَ في الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَقَدَّمَ رَجُلًا جاء سَاعَتَئِذٍ فَقَرَأَ تِلْكَ السَّجْدَةَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَهَا لِوُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ في حَقِّهِ وهو ابْتِدَاءُ التِّلَاوَةِ ولم يُوجَدْ منه أَدَاءٌ قبل هذا وَعَلَى الْقَوْمِ أَنْ يَسْجُدُوهَا معه لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا مُتَابَعَتَهُ. وَأَمَّا بَيَانُ من تَجِبُ عليه فَكُلُّ من كان أَهْلًا لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عليه إمَّا أَدَاءً أو قَضَاءً فَهُوَ من أَهْلِ وُجُوبِ السَّجْدَةِ عليه وَمَنْ لَا فَلَا لِأَنَّ السَّجْدَةَ جُزْءٌ من أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ فَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهَا أَهْلِيَّةُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ من الْإِسْلَامِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالطَّهَارَةِ من الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ حتى لَا تَجِبَ على الْكَافِرِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ قرؤوا [قرءوا] أو سَمِعُوا لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا من أَهْلِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عليهم وَتَجِبُ على الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ لِأَنَّهُمَا من أَهْلِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمَا وَكَذَا تَجِبُ على السَّامِعِ بِتِلَاوَةِ هَؤُلَاءِ إلَّا الْمَجْنُونَ لِأَنَّ التِّلَاوَةَ منهم صَحِيحَةٌ كَتِلَاوَةِ الْمُؤْمِنِ وَالْبَالِغِ وَغَيْرِ الْحَائِضِ وَالْمُتَطَهِّرُ لِأَنَّ تَعَلُّقَ السَّجْدَةِ بِقَلِيلِ الْقِرَاءَةِ وهو ما دُونَ آيَةٍ فلم يَتَعَلَّقْ بِهِ النَّهْيُ فَيُنْظَرُ إلَى أَهْلِيَّةِ التَّالِي وَأَهْلِيَّتِهِ بِالتَّمْيِيزِ وقد وُجِدَ فَوُجِدَ سَمَاعُ تِلَاوَةٍ صَحِيحَةٍ فَتَجِبُ السَّجْدَةُ بِخِلَافِ السَّمَاعِ من الْبَبْغَاءِ وَالصَّدَى فإن ذلك ليس بِتِلَاوَةٍ وَكَذَا إذَا سمع من الْمَجْنُونِ لِأَنَّ ذلك ليس بِتِلَاوَةٍ صَحِيحَةٍ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِانْعِدَامِ التَّمْيِيزِ.
|