الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****
88 - أوّلاً: ليس كلّ ما يشتريه أحد الشّريكين يكون للشّركة: لأنّ الشّريك الّذي ليس بيده شيء من رأس مال الشّركة، لا يستطيع أن يشتري لها شيئاً ما بغير إذن شريكه. بل يكون ما يشتريه حينئذ لنفسه، أو لمن أراد أن يشتري له بطريق مشروع خارج الشّركة. ولا يمكن أن يكون للشّركة لأنّه نوع من الاستدانة، واستدانة شريك العنان لا تجوز إلاّ بإذن شريكه لما فيها من تجاوز مقدار رأس المال المتّفق عليه. كذلك الشّريك الّذي كلّ ما بيده من مال الشّركة عروض - غير نقد - أو معها ناضّ لا يفي بالثّمن، لا تمضي للشّركة صفقته المشتراة بالنّقد - أعني الأثمان - وأيضاً الشّريك الّذي يشتري للشّركة نوعاً آخر غير النّوع الّذي انحصرت فيه تجارة الشّركة بمقتضى عقدها، لا يكون للشّركة شيء ممّا اشتراه: كالّذي يشتري أرزاً، وتجارة الشّركة إنّما هي في القطن، أو بالعكس. ومعنى ذلك كلّه أنّ ما يشتريه شريك العنان بلا إذن خاصّ من شريكه لا يكون للشّركة إلاّ بثلاث شرائط: أ - أن يكون بيده من مال الشّركة ما يكفي لسداد ثمن ما اشتراه. ب - أن يكون هذا الّذي بيده ناضّاً، لا عروضاً، إذا اشترى بنقود. ج - أن يكون ما اشتراه من جنس تجارة الشّركة. ويؤخذ ممّا أسلفنا شريطة رابعة. د - أن لا يكون شريكه قد أذن له صراحةً في الاختصاص بالسّلعة. فإذا توافرت هذه الشّرائط الأربع، وقع الشّراء للشّركة، ولو ادّعى الشّريك أنّه إنّما اشترى لنفسه، أو حتّى أشهد بذلك عند شرائه، لأنّه لا يستطيع إخراج نفسه من الوكالة دون علم شريكه. هذا مذهب الحنفيّة. 89 - ولا توجد مثل هذه الشّرائط في المذاهب الأخرى، عدا قول للحنابلة، هنا وفي شركة الوجوه، يرفض ادّعاء الشّريك الشّراء لنفسه، ولكنّهم اعتمدوا فيهما تصديقه بيمينه وهو في العنان نصّ الشّافعيّة وعلّلوه بأنّه أمين يدّعي ممكناً لا يعلم إلاّ من قبله، ولولا إمكان تصريحه بنيّته عند الشّراء والإشهاد على ذلك، لصدّق بلا يمين، بل عبارة الشّافعيّة أنّه يصدّق في دعوى الشّراء لنفسه ولو رابحاً، وفي دعوى الشّراء للشّركة ولو خاسراً. إلاّ أنّه لا يصدّق عندهم في دعوى الشّراء للشّركة إذا أراد أن يردّ حصّته وحدها بعيب، لأنّ الظّاهر أنّه اشترى لنفسه، فلا يمكّن من تفريق الصّفقة على البائع. نعم إن صدّقه البائع في دعوى الشّراء للشّركة، كان له عند الشّافعيّة تفريق الصّفقة، وردّ حصّته وحدها، لأنّه - بالنّسبة إليها - أصيل، وبالنّسبة إلى حصّة شريكه وكيل، فكان عقده الواحد بمثابة عقدين أمّا المالكيّة فإنّهم يصدّقون الشّريك في دعوى الشّراء لنفسه في الشّركات عدا شركة الجبر بين الورثة. وإنّما نصّوا عليه في شركة المفاوضة، وقصروه فيها على ما يليق بالشّريك وأهله: من الطّعام والشّراب واللّباس، دون سائر العروض والعقار والحيوان. 90 - ثانياً: ذهب الحنفيّة إلى أنّ الدّين الّذي يلزم أحد الشّريكين لا يؤخذ به الآخر: لأنّ شركة العنان تنعقد على الوكالة لا غير، إلاّ إذا صرّح فيها بالتّضامن - كما ذكره في الخانيّة - وإن استظهر الكمال بن الهمام بطلان الكفالة حينئذ، لأنّها كفالة لمجهول، والكفالة الصّريحة لا تصحّ له. 91 - ومذهب الحنابلة عدم قبول إقرار شريك العنان بدين أو عين على الشّركة، لأنّه مأذون في التّجارة لا غير، والإقرار ليس من التّجارة في شيء - وإنّما يقبل على نفسه في حصّته هو وحده. هكذا أطلقوه، من غير تفصيل بين أن يكون المال بيده أو لا - إلاّ أن يكون الدّين من توابع التّجارة، كثمن شيء اشتري للشّركة، وكأجرة دلال وحمّال ومخزّن وحارس، لأنّه إذن كتسليم المبيع، أو إقباض الثّمن. وهذا التّفصيل ليس عند الحنفيّة، وإنّما ذكره الحنابلة ربّما للإجابة عمّا تعلّق به القاضي من الحنابلة - في ذهابه إلى قبول إقرار الشّريك على الشّركة مطلقاً - إذ يقول: " إنّ للشّريك أن يشتري ولا يسلّم الثّمن في المجلس، فلو لم يقبل إقراره بالثّمن لضاعت أموال النّاس، وامتنعوا من معاملته ". وحكاه عنه صاحب الإنصاف، وقال إنّه الصّواب. 92 - ثالثاً: ذهب الحنفيّة إلى أنّ حقوق العقد الّذي يتولاه أحد الشّريكين، قاصرة عليه، لأنّه ما دام الفرض أن لا كفالة، فإنّ حقوق العقد إنّما تكون للعاقد. فإذا باع أحدهما شيئاً من مال الشّركة أو آجره، فهذا هو الّذي يقبض الثّمن أو الأجرة، ويطالب بتسليم المبيع أو العين المؤجّرة، ويخاصم عند الخلاف: فتقام عليه البيّنة أو يقيمها. وتطلب منه اليمين أو يطلبها. أمّا شريكه فهو والأجنبيّ سواء بالنّسبة إلى هذه الحقوق: ليس له ولا عليه منها شيء. وكذلك في حالة ما إذا اشترى أحدهما شيئاً للشّركة أو استأجره: فإنّه، دون شريكه، هو الّذي تتوجّه عليه المطالبة بالثّمن أو الأجرة، وهو الّذي يطالب بالتّسليم ويتولّى القبض، وتقع الخصومة في ذلك له وعليه. ثمّ إذا دفع من مال نفسه رجع على شريكه بحصّته فيما دفع، لأنّه وكيل هذا الشّريك فيما يخصّه من الصّفقة. وهكذا عند الرّدّ بالعيب، وعند الرّجوع بالاستحقاق: إنّما يكون ذلك للّذي تولّى العقد أو عليه. ولا شأن للشّريك الآخر فيه. 93 - والرّهن من مال الشّركة، والارتهان به، من توابع حقوق العقد، لأنّ الرّهن بمثابة الإقباض، والارتهان بمثابة القبض. فبدون إذن العاقد - كالمشتري في حالة الرّهن، والبائع في حالة الارتهان - لا يجوز لغيره أن يرهن أو يرتهن، ولو كان قد شارك في العقد الّذي أوجب الدّين. ذلك لأنّ في الرّهن توفية دين الشّريك الآخر من ماله - إذ فرض الكلام في رهن عين من أعيان الشّركة - ولا يملك أحد أن يوفّي دين غيره من مال ذلك الغير بدون إذنه، وفي الارتهان استيفاء حصّة الشّريك الآخر الّتي وجبت له بمقتضى عقده هو - استقلالاً أو مشاركةً - وذلك لا يملكه غيره بدون إذنه أيضاً. وصرّح المالكيّة بأن ليس لأحد شريكي العنان أن يستبدّ بفعل شيء في الشّركة إلاّ بإذن شريكه ومعرفته. وأمّا الحنابلة فيقول ابن قدامة في المغني: " وله - أي: لكلّ من شريكي العنان - أن يقبض المبيع والثّمن، ويقبضهما، ويخاصم في الدّين، ويطالب به، ويحيل ويحتال، ويردّ بالعيب فيما وليه هو، وفيما ولي صاحبه.. لأنّ حقوق العقد لا تخصّ العاقد ". ونصّ الشّافعيّة على جواز انفراد أحد شريكي العنان بالرّدّ بالعيب. 94 – رابعاً: ما ينفذ فيه تصرّف شريك العنان على شريكه: ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ نفاذ تصرّف شريك العنان على شريكه يختصّ بالتّجارة: فإذا غصب شريك العنان شيئاً أو أتلفه، فإنّه يختصّ بضمانه، ولا يشركه فيه شريكه. بخلاف ما إذا اشترى شيئاً للشّركة - شراءً صحيحاً - وهو يملك الحقّ في شرائه بمقتضى عقدها، فإنّه ينفذ شراؤه على نفسه، وعلى شريكه: وله الرّجوع على هذا الشّريك بحصّته في الثّمن لو أدّاه من مال نفسه. بل لو كان الشّراء فاسداً، فتلف عنده ما اشتراه، فإنّه لا يتحمّل ضمانه وحده، بل يشركه فيه شريكه، على النّسبة الّتي بينهما في رأس مال تجارتهما. أمّا أبو يوسف، فإنّه يكتفي، لنفاذ تصرّف شريك العنان على شريكه بعود نفعه على مال الشّركة، كشريك المفاوضة. وقد ذكر في المبسوط: أنّ العاريّة يستعيرها أحد شريكي العنان لغرض من أغراضه الخاصّة - كحمل طعام أهله - تكون خاصّةً به. فيضمن شريكه لو استعملها. بخلاف ما لو استعارها من أجل الشّركة - كحمل سلعة من سلعها - فإنّها تكون عاريّةً مشتركةً، كما لو كانا استعاراها معاً، حتّى لو حمل عليها الآخر مثل تلك السّلعة فتلفت، فلا ضمان. 95 - بيع شريك العنان بأقلّ من ثمن المثل: نصّ الشّافعيّة على أنّ الشّريك لا يبيع ولا يشتري بالغبن الفاحش. فإن فعل صحّ العقد في نصيبه خاصّةً، وللمشتري أو البائع الخيار. إلاّ أن يكون الشّريك قد اشترى بثمن في الذّمّة، فيصحّ العقد في الجميع، ويقع الشّراء للمشتري خاصّةً، لا للشّركة. وقالوا ليس للشّريك البيع بثمن المثل - إذا كان ثمّ راغب بأكثر - حتّى إنّه لو باع فعلاً، ثمّ ظهر هذا الرّاغب في مدّة الخيار، كان عليه أن يفسخ العقد وإلاّ انفسخ تلقائيّاً. 96 - مشاركة شريك العنان لغير شريكه: ليس لأحد شريكي العنان أن يشارك بغير إذن شريكه، لا مفاوضةً ولا عناناً. لأنّ الشّيء لا يستتبع مثله، فكيف بما هو فوقه. لكنّه إذا كان لا يملك أن يشارك، فإنّه يملك أن يوكّل، فإذا شارك بطلت الشّركة، ولكن لا يلزم من بطلان الشّركة بطلان الوكالة الّتي في ضمنها، إذ لا يلزم من بطلان الأخصّ بطلان الأعمّ. هذا عند الحنفيّة. 97 - وكلام الشّافعيّة والحنابلة عامّ في منع دفع شيء من مال الشّركة إلى أجنبيّ ليعمل فيه، دون إذن سائر الشّركاء - ولو كان ذلك خدمةً للشّركة ولو بلا مقابل: وهو الإبضاع - لأنّ الرّضا في عقد الشّركة إنّما وقع قاصراً على يد الشّريك وتصرّفه هو، دون تصرّف أحد سواه. فهو شبيه بما لو أراد أن يخرج نفسه من الشّركة ويحلّ غيره محلّه.
98 - هاتان الشّركتان لا تخرجان عن أن تكونا مفاوضةً أو عناناً. فتطبّق فيهما أحكام المفاوضة في الأموال إن كانتا من قبيل المفاوضة، وأحكام العنان في الأموال إن كانتا من قبيل العنان. وإذا أطلقت أيّتهما فهي عنان، كما هو الأصل دائماً. إلاّ أنّ شركة العنان في الأعمال تأخذ دائماً حكم شركة المفاوضة في مسألتين: المسألة الأولى: تقبّل أحد الشّريكين ملزم لهما على التّضامن كما لو كانا شخصاً واحداً - وإن لم يلزم أحداً منهما أن يعمل بنفسه، ما لم يشرط ذلك صاحب العمل. فبدون هذا الشّرط يستوي أن يعمله هو، أو يعمله شريكه، أو غيرهما - كأن يستأجرا، هما أو أحدهما، من يقوم به. إذ المشروط مطلق العمل أمّا مع هذا الشّرط من صاحب العمل فيتبع الشّرط، لكن تظلّ المسألة كما هي من حيث إلزام الشّريكين على التّضامن، فإنّ هذا الشّرط لا يعفي من لم يؤخذ عليه من المطالبة، بحكم الضّمان. نعم هو يفيد تقييد حقّ مطالبته - ما دام ليس هو المتقبّل - بمدّة استمرار الشّركة، وأمّا إذا خلا التّقبّل من هذا الشّرط، فإنّ الضّمان يستمرّ بعد انحلال الشّركة. ويترتّب على هذا الأصل أنّ: أ - لصاحب العمل أن يطالب به كاملاً أيّ الشّريكين شاء. ب - لكلّ من الشّريكين أن يطالب صاحب العمل بالأجرة كاملةً. ج - تبرأ ذمّة صاحب العمل من الأجرة بدفعها إلى أيّ الشّريكين شاء. وهذا الحكم عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة. المسألة الثّانية: ما تلف، أو تعيّب، ممّا يعمل فيه الشّريكان، بسبب أحدهما، فضمانه عليهما. ولصاحب العمل أن يطالب بهذا الضّمان أيّهما شاء، وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة. وصرّح الحنابلة بأنّ الضّمان المشترك مقيّد بكونه من غير تفريط المتسبّب فيه، وإلاّ اقتصر الضّمان عليه. 99 - أمّا فيما عدا هاتين المسألتين، فعنان شركة الأعمال كعنان غيرها عند الحنفيّة، ولذا ينصّون على اختلاف حكم الإقرار في شركة الأعمال باختلاف نوعيها من مفاوضة وعنان. ذلك أنّه إذا أقرّ شريك الأعمال بدين ما من ثمن شيء مستهلك - كصابون أو أيّ منظّف آخر أو غير منظّف - أو من أجر عمّال أو أجرة دكّان عن مدّة مضت، وكذّبه شريكه، فإنّه يصدّق على شريكه إذا كانت شركة مفاوضة، ولا يصدّق إلاّ ببيّنة إذا كانت شركة عنان. ذلك أنّ المقرّ يلزمه إقراره، ثمّ لا يؤخذ شريكه بهذا الإقرار إلاّ إذا كان كفيلاً له، وهو كذلك في المفاوضة، ولا كفالة في العنان، إذا أطلقت عن التّقييد بها. أمّا الإقرار بالدّين قبل استهلاك المبيع أو قبل انقضاء مدّة الإجارة، فماض على الشّركة بإطلاق لا فرق بين عنان ومفاوضة. كذلك لو ادّعى مدّع شيئاً ممّا يعملان فيه، كثوب، فأقرّ به أحدهما وأنكر الآخر، لا يصدّق المقرّ على صاحبه إلاّ في المفاوضة، خلافاً لأبي يوسف الّذي ترك هنا القياس إلى الاستحسان وقال: إنّ إقراره ماض على الشّركة في العنان أيضاً، إلحاقاً لها بالمفاوضة في محلّ العمل، كما ألحقت بها في التّضامن والأجرة. والمالكيّة يقولون في شريكي الأعمال: إنّهما كشخص واحد. فمقتضى هذا الأصل العامّ قبول أقارير كلّ منهما، ونفاذها عليهما بإطلاق، لا فرق بين عنان ومفاوضة، ولا بين دين وعين، وأمّا الحنابلة، فإنّما يمضون عليهما إقرار أحدهما إذا كان بشيء في يده، لأنّ اليد له، وإلاّ فلا، لانتفاء اليد.
100 - ذهب الحنفيّة والحنابلة وبعض المالكيّة إلى أنّ كسب الشّركة يكون بين الشّريكين على ما شرطا في عنان شركة الأعمال، دون نظر إلى اتّساق الشّرط أو عدم اتّساقه مع شرط العمل على كلا الشّريكين. وقد تقدّم تعليل ذلك، وتوجيه مخالفته لقسمة الرّبح في شركة الوجوه. وهذا أصل مطّرد سواء عمل الشّريكان أم أحدهما، وسواء كان امتناع الممتنع عن العمل لعذر - كسفر أو مرض - أم لغيره، ككسل وتعال، لأنّ العامل معين للآخر، والشّرط مطلق العمل. ولذا لا مانع من الاستئجار عليه، أو حتّى الاستعانة المجّانيّة. فإذا لم يتعرّضا لشرط العمل بنسبة معيّنة، فهو على نسبة الرّبح الّتي تشارطاها، لأنّ هذا هو الأصل، فلا يعدل عنه إلاّ بنصّ صريح: أمّا الخسارة الوضعيّة في شركة الأعمال، فلا تكون إلاّ بقدر ضمان العمل - أي بقدر ما شرط على كلا الشّريكين من العمل - كما أنّ الخسارة في شركة الأموال دائماً بقدر المالين، إذ العمل هنا كالمال هناك. ولذا لو تشارطا على أن يكون على أحدهما ثلثا العمل وعلى الآخر الثّلث فحسب، والخسارة بينهما نصفان، فالشّرط باطل فيما يتعلّق بالخسارة، وهي بينهما على النّسبة الّتي تشارطاها في العمل نفسه. وينصّ الحنابلة على أنّ حالة الإطلاق تحمل على التّساوي في العمل والأجرة: كالجعالة، إذ لا مرجّح. أمّا جماهير المالكيّة، فيتحتّم عندهم أن يكون الرّبح بين شريكي الأعمال بقدر عمليهما، ولا يتجاوز إلاّ عن فرق يسير. هذا في عقد الشّركة، أمّا بعده، فلا حرج على متبرّع إن تبرّع، ولو بالعمل كلّه. فإذا وقع العقد على تفاوت النّسبة بين العملين والنّسبة بين الرّبحين تفاوتاً فاحشاً، فإنّه يكون عقداً فاسداً عند المالكيّة، ويرجع كلا الشّريكين على صاحبه بما عمل عنه. لكنّ المالكيّة يقرنون هذا التّشدّد بالتّسامح في ربح ما يعمله الشّريك، في غير أوقات عمل الشّركة، إذ يجعلونه له خاصّةً، كما فعلوا في شركة الأموال. 101 - تنبيه: ليس من شرائط شركة الأعمال اتّحاد نوع العمل ولا مكانه عند الحنفيّة، وهو الصّحيح عند الحنابلة، خلافاً لزفر - في رواية تصحيحه شركة التّقبّل - لأنّ المقصود بالشّركة وهو تحصيل الرّبح، يتأتّى مع اتّحاد نوع العمل ومع اختلافه كما يتأتّى مع وحدة المكان ومع تعدّده. 102 - والمالكيّة وأبو الخطّاب، من الحنابلة، يشترطون اتّحاد نوع العمل وإن كان المالكيّة ينزّلون تلازم العملين وتوقّف أحدهما على الآخر، منزلة اتّحادهما: كإعداد الخيوط ونسجها، وسبك الذّهب والفضّة وصياغتهما. بل منهم من يشترط تساوي الشّريكين في درجة إجادة الصّنعة أو العمل. والسّرّ في هذا التّشدّد كلّه، هو الفرار من أن يأكل أحد الشّريكين ثمرة كدّ الآخر ونتاج عمله. وقد ألزمهم ابن قدامة بأنّه لو قال أحدهما: أنا أتقبّل وأنت تعمل، صحّت الشّركة، مع اختلاف العملين. 103 - أمّا اتّحاد المكان فإنّ اشتراطه هو مذهب المدوّنة. ولكنّ متأخّري المالكيّة اعتمدوا خلافه، وأوّلوا ما في المدوّنة على ما إذا كان رواج العمل في المكانين ليس واحداً - حذراً من أن يأكل أحد الشّريكين كسب الآخر - أو على ما إذا كان العمل في أحد المكانين مستقلاً عنه في الآخر: بمعنى أنّ الشّريكين لا يتعاونان فيما يتقبّله كلّ منهما بمكان عمله، أو كما يقولون: " إذا لم تجل يد أحدهما فيما هو بيد الآخر ". ونصّوا على إهدار النّظر إلى الصّنعة إذا كان المقصود هو التّجارة.
104 - الشّركة الفاسدة: هي الّتي لم تتوافر فيها إحدى شرائط الصّحّة، كأهليّة التّوكيل والتّوكّل، وقابليّة المحلّ للوكالة، وكون الرّبح بين الشّريكين بنسبة معلومة. وقد ذكر الفقهاء أمثلةً للشّركة الفاسدة. فمن ذلك: 105 - أوّلاً: الشّركة في تحصيل المباحات العامّة: كالشّركة في الاحتطاب، والاحتشاش، والاصطياد، واستقاء الماء، واجتناء الثّمار الجبليّة، واستخراج ما في بطن الأرض المباحة من نفط، أو معدن خلقيّ كالذّهب والحديد والنّحاس أو كنز جاهليّ، وصنع لبن أو آجرّ من طين غير مملوك، فهذه الشّركة فاسدة عند الحنفيّة، لأنّها تتضمّن الوكالة، والمحلّ هنا غير قابل للوكالة، فإنّ الّذي تسبق يده إلى المباح يملكه، مهما يكن قصده، فلا يمكن توكيله في أخذه لغيره. أمّا إذا كان الطّين - ومثله سهلة الزّجاج - مملوكاً، فاشترك اثنان على أن يشترياه، ويطبخاه ويبيعاه، فهذه شركة صحيحة. 106 - وأمّا المالكيّة والحنابلة، فقد صحّحوا الشّركة في تحصيل المباحات بإطلاق. 107 - ثانياً: يقع كثيراً أن تكون دابّة أو عربة مشتركة بين اثنين، فيسلّمها أحدهما إلى الآخر، على أن يؤجّرها ويعمل عليها، ويكون له ثلثا الرّبح، وللّذي لا يعمل الثّلث فحسب. وهي شركة فاسدة عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وابن عقيل والقاضي من الحنابلة، لأنّ رأس مالها منفعة، والمنفعة ملحقة بالعروض. فيكون الدّخل بينهما بنسبة ملكهما، وللّذي كان يعمل أجرة مثل عمله، بالغةً ما بلغت. قال ابن عابدين: ولا يشبه العمل في المشترك حتّى نقول: لا أجر له لأنّ العمل فيما يحمل وهو لغيرهما. 108 - وهذه المسألة شبيهة بمسألة الدّابّة أو العربة تكون لواحد من النّاس، فيدفعها إلى آخر ليعمل عليها، والأجرة بينهما بنسبة معلومة يتّفقان عليها، وقد نصّ أحمد والأوزاعيّ على صحّتها، اعتباراً بصحّة المزارعة عندهما. وهكذا كلّ عين تنمى بالعمل فيها يصحّ دفعها ببعض نمائها. وهذا كلّه عند جماهير أهل العلم فاسد، لشدّة الغرر والجهالة: فمع الحنفيّة على فساد هذا كلّه المالكيّة والشّافعيّة ومن الحنابلة: ابن عقيل دون تردّد، والقاضي في بعض احتمالاته. وقد يستأنس لهم بحديث النّهي: » عن قفيز الطّحّان « يعني: طحن كمّيّة من الحبّ بشيء من طحينها، وإذن فمثل ذلك إجارة فاسدة، لا محمل له سوى ذلك، فيكون الرّبح في مسألة الدّابّة أو العربة لصاحبهما، لأنّ العوض إنّما استحقّ بالحمل الّذي وقع منهما، وليس للعامل إلاّ أجرة مثله. وقد كان أقرب ما يخطر بالبال لتصحيحه إلحاقه بالمضاربة، ولكنّ المضاربة لا تكون في العروض ثمّ هي تجارة، والعمل هنا ليس من التّجارة في شيء. 109 - ثالثاً: وكثيراً ما يقع أيضاً في شركات البهائم، أن يكون لرجل بقرة، فيدفعها إلى آخر ليتعهّدها بالعلف والرّعاية، على أن يكون الكسب الحاصل بينهما بنسبة ما كنصفين. وهذه أيضاً شركة فاسدة لا تدخل في شركة الأموال، إذ ليس فيها أثمان يتّجر بها، ولا في شركة التّقبّل، أو الوجوه، كما هو واضح. والكسب الحاصل إنّما هو نماء ملك أحد الشّريكين - وهو صاحب البقر- فيكون له، وليس للآخر إلاّ قيمة علفه وأجرة مثل عمله. ومثل ذلك دود القزّ، يدفعه مالكه إلى شخص آخر، ليتعهّده علفاً وخدمةً، والكسب بينهما، وكذلك الدّجاجة على أن يكون بيضها نصفين - مثلاً - قالوا: والحيلة أن يبيع نصف الأصل أو ثلثه مثلاً بثمن معلوم، مهما قلّ، فما حصل منه بعد ذلك فهو بينهما على هذه النّسبة. 110 - وقد عرفنا نصّ أحمد والأوزاعيّ في ذلك، وقضيّته تصحيح هذه الشّركات كلّها - شأن كلّ عين تنمي بالعمل فيها - كما عرفنا أنّ جماهير أهل العلم لا يوافقونهما، حتّى قال بعض الشّافعيّة: على القادر أن يمنع من ذلك، لما فيه من بالغ الضّرر. 111 - بيد أنّ المالكيّة ذكروا هنا فرعاً يشبه الاتّجاه الحنبليّ ذلك أنّهم يصحّحون الشّركة بين اثنين، يأتي أحدهما بطائر ذكر، ويأتي الآخر بطائر أنثى - كلاهما من نوع الطّيور الّتي يشرك ذكورها وإناثها في الحضانة، كالحمام - ويزوّجان هذه لهذا، على أن تكون فراخهما بينهما على سواء، وعلى كلّ منهما نفقة طائره - إلاّ أن يتبرّع بها الآخر - وضمانه إذا هلك. والعلّة - كما يشعر سياقهم - أنّ هذه أعيان تنمى من غير طريق التّجارة، فتنزّل منزلة ما ينمى بالتّجارة.
112 - أوّلاً: أنّها لا تفيد الشّريك ما تفيده الشّركة الصّحيحة من تصرّفات هكذا قرّره الحنفيّة. ولمّا كانت الشّركة عند الشّافعيّة ليست عقداً مستقلاً، بل وكالة كسائر الوكالات، فإنّهم يقولون: تنفذ تصرّفات الشّريكين في الشّركة الفاسدة، لبقاء الإذن، ومثله للحنابلة. 113 - ثانياً: ذهب الحنفيّة إلى أنّه في الشّركة الّتي لها مال يكون دخلها للعامل وحده. ففي الشّركة لتحصيل شيء من المباحات العامّة، إذا أخذه أحدهما، ولم يعمل الآخر شيئاً لإعانته، فهو للّذي أخذه، لأنّه الّذي باشر سبب الملك، ولا شيء لشريكه. وإذا أخذاه معاً، فهو بينهما نصفين، لأنّهما اشتركا في مباشرة سبب الملك، فإذا باعاه - وقد علمت نسبة ما حصل لكلّ منهما، باعتبار القيمة في القيميّ كالحطب والحشيش، ومعيار المثل في المثليّ ككيل الماء ووزن المعدن - فالثّمن بينهما على هذه النّسبة، وإن جهلت النّسبة، فدعوى كلّ واحد منهما مصدّقة في حدود النّصف، لأنّها إذن لا تخالف الظّاهر، إذ هما حصّلاه معاً، وكان بأيديهما، فالظّاهر أنّهما فيه سواء. أمّا دعوى أحدهما فيما زاد على النّصف، فلا تقبل إلاّ ببيّنة، لأنّها خلاف الظّاهر. وإذا أخذ الشّيء المباح أحدهما، وأعانه الآخر بما لا يعتبر أخذاً - عملاً كان أم غيره - كأن قلعه، وجمعه الآخر، أو قلعه وجمعه وربطه هو، وحمله الآخر، أو استقى الماء، وقدّم الآخر المزادة أو الفنطاس أو البغل أو العربة لحمله، فهو كلّه للّذي أخذه، وليس عليه للّذي أعان، بنحو ما ذكرنا، إلاّ أجرة مثله أو مثل آلته بالغةً ما بلغت، لأنّه استوفى منافعه بعقد فاسد. 114 - والمالكيّة والشّافعيّة يوافقون في حالة انفراد أحد الشّريكين بالعمل. أمّا في حالة وقوع العمل من الشّريكين فإنّهم يفرّقون بين ثلاث حالات: أ - تمايز العملين. فيكون لكلّ كسبه. ب - اختلاط العملين، لكن بحيث لا تلتبس نسبة أحدهما إلى الآخر. فالكسب على هذه النّسبة. ج - اختلاط العملين، بحيث تلتبس نسبتهما. وهنا يخالفون الحنفيّة، ويبدون احتمالين: الاحتمال الأوّل: التّساوي في الكسب، لأنّه الأصل. وهذا هو ظاهر كلام المالكيّة. الاحتمال الثّاني: تركهما حتّى يصطلحا. وهناك موضع خلاف آخر: فإنّ المباحات الّتي يحصّلها أحد الشّريكين على انفراد - في حالة الشّركة لتحصيل المباحات - تكون بينه وبين شريكه، ما دام الفرض أنّه قد حصّلها بهذه النّيّة بناءً على صحّة النّيابة في تحصيل المباحات: وهو ما عليه المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة. وذهب الحنابلة إلى أنّ الرّبح في حالة عمل الشّريكين، يقسم بالتّساوي، إذ الفرض أنّ سبب الاستحقاق، وهو العمل، مشترك، ثمّ يرجع كلّ شريك على شريكه بأجرة ما عمل له: أي بنصف أجرة عمله في الشّركة الثّنائيّة، وثلثي أجرة عمله في الشّركة الثّلاثيّة، وثلاثة أرباع أجرة عمله في الشّركة الرّباعيّة، وهكذا دواليك. إلاّ أنّ الشّريف أبا جعفر، منهم، يذهب في شركة الأموال إلى التّسوية بين الشّركة الصّحيحة والفاسدة في قسمة الرّبح: فإن شرطا شيئاً فهما على ما شرطاه، لأنّ عقد الشّركة يصحّ على الجهالة، فيثبت المسمّى في فاسده كالنّكاح. 115 - وشركة الوجوه، هي عند المالكيّة والشّافعيّة، من قبيل الشّركة الفاسدة الّتي لا مال فيها، ولها عندهم ثلاث صور: الصّورة الأولى: أن يتّفق اثنان فصاعداً على أنّ كلّ ما يشتريه أحدهما بدين في ذمّته يكون الآخر شريكاً له فيه، والرّبح بينهما. ومن المالكيّة من يميّز هذه الصّورة باسم شركة الذّمم. ويرى الشّافعيّة أنّ ما يشتريه كلّ منهما يكون لنفسه خاصّةً، له ربحه وعليه وضيعته ومعنى ذلك أنّ ما يشتريانه معاً، يكون مشتركاً بينهما شركة ملك، حسب شروط العقد. ولكنّ المالكيّة يقولون: بل - برغم الفساد - يكون بينهما ما يشتريانه معاً أو يشتريه أحدهما، على ما شرطاه. ويلاحظ أنّ كلاً من المالكيّة والشّافعيّة، على هذا التّصوير، إنّما يبني على خلوّ المسألة من توكيل كلّ من الشّريكين الآخر في الشّراء له. فلو وجد هذا التّوكيل، فقد نصّ بعض المتأخّرين جدّاً من الشّافعيّة على أنّ الشّركة تكون شركة عنان صحيحةً بشرط بيان النّسبة الّتي يكون عليها الرّبح بينهما - إن لم يعلم قدر المالين - وإذن فما يخصّ الشّريك الّذي لم يتولّ الشّراء من الثّمن، يكون ديناً عليه. أمّا التّوكيل - أو الإذن - بشراء شيء معيّن لهما بثمن معلوم، فهذا صحيح، ويؤدّي إلى شركة ملك لا خفاء بها عند الجميع، كما لو اشترياه معاً بدين عليهما، قال المالكيّة وبعض الشّافعيّة: ولا يطالب البائع كلّ شريك إلاّ بحصّته من الثّمن، ما لم يشرط عليه الضّمان عن شريكه، والّذي اعتمده الشّافعيّة في مثله تنزيل الوكيل منزلة الضّامن. الصّورة الثّانية: أن يتّفق وجيه وخامل على أن يشتري الوجيه ويبيع الخامل. وفيها يكون ما يشتريه الوجيه له خاصّةً. والخامل ليس إلاّ عامل جعالة فاسدة لجهالة العوض، فيستحقّ أجرة مثل عمله على الوجيه، كما قرّره الشّافعيّة. أمّا المالكيّة، فلم يختلف الحكم الّذي أعطوه لهذه الصّورة عن الّذي أعطوه للصّورة الأولى، إلاّ بالنّصّ على رجوع كلّ من الشّريكين على الآخر بما عمل عنه. وقد نازع فيه بعضهم، ومال إلى تصحيح الشّركة. الصّورة الثّالثة: أن يعمل الوجيه للخامل في ماله، دون أن يسلّم المال إليه، أو تقتصر مهمّة الوجيه على أن يبيع مال الخامل، ولو أسلمه إليه. وقد ذكر الشّافعيّة أنّ هذه الصّورة بشقّيها مضاربة فاسدة، إمّا لكون رأس المال ليس نقداً، وإمّا لعدم تسليمه للمضارب. فيكون للمضارب أجرة مثله لا غير ولم يعرض المالكيّة للشّقّ الأوّل من التّصوير، وهم في الشّقّ الثّاني موافقون على أنّه للعامل أجرة مثله، إلاّ أنّهم سمّوها جعلاً وزادوا أنّ للمشتري الخيار، لمكان الغشّ، إن كانت السّلعة قائمةً، وإلاّ فعليه الأقلّ من ثمنها، وقيمتها. 116 - ثالثاً: حيث المال من أحد الشّريكين وفسدت الشّركة لأيّ سبب فالدّخل له وللآخر أجرة مثله عند الحنفيّة، لأنّ الدّخل نماء الملك، كما قالوه في المزارعة الفاسدة، إذ يتبع الزّرع البذر. فلو عهد شخص يملك بيوتاً أو عربات أو دوابّ إلى آخر ليقوم على تأجيرها، وتكون الأجرة بينهما، فليس لهذا الآخر إلاّ أجرة مثله، والدّخل كلّه للمالك. كما أنّه لو احتاج شخص يريد أن يبيع بضاعته في السّوق إلى عربة أو دابّة تنقلها، فلم يقبل صاحب العربة أو الدّابّة أن يعطيه إيّاها إلاّ بشرط أن يكون له نصف الرّبح فإنّ هذا الشّرط يكون لغواً، والشّركة فاسدة، والرّبح كلّه لصاحب البضاعة، لأنّه نماء ملكه، وليس لصاحب الدّابّة أو العربة إلاّ أجرة مثلها، لاستيفاء منافعها بعقد فاسد. 117 - وعند غير الحنفيّة كذلك وهو أنّ الرّبح تبع للمال. ولذا يقول الشّافعيّة: لو أنّ ثلاثةً اشتركوا، أحدهم بماله، والثّاني بشراء سلعة بهذا المال، والثّالث ببيع هذه السّلعة، على أن يكون الرّبح بينهم يكون الرّبح لصاحب المال، وليس عليه لكلّ من شريكيه سوى أجرة مثل عمله. 118 - رابعاً: اتّفق الفقهاء على أنّه إذا كان المال من الشّريكين فالدّخل بينهما بقدر المالين كما لو كانت حصّة كلّ من الشّريكين في ربح شركة أموال حصّةً مجهولةً. وكما لو كان لأحد اثنين شاحنة وللآخر سيّارة ركوب، فاتّفقا على أن يؤجّر كلّ منهما ما يخصّه وما يخصّ الآخر، وما حصل من الدّخل بينهما على سواء، أو بنسبة معلومة - فإنّ هذه الشّركة فاسدة، إذ خلاصتها أنّ كلاً منهما قال للآخر: بع منافع هذا الشّيء الّذي تملكه، ومنافع هذا الّذي أملكه، على أن يكون ثمن هذه وتلك قسمةً بيننا بنسبة كذا - وليس هذا إلاّ تحصيل الرّبح من مال الغير، دون عمل ولا ضمان، والرّبح لا يكون إلاّ بمال أو عمل أو ضمان، لكن إذا وضعت هذه الشّركة الفاسدة موضع التّنفيذ فإن أجّرا السّيّارتين كلّ منهما بأجر معلوم فلكلّ منهما أجر ملكه وإن أجّرا السّيّارتين صفقةً واحدةً، بأجرة معلومة في عمل معلوم، فهي إجارة صحيحة، والأجرة المتحصّلة إنّما تقسم بينهما على مثل أجرة ما يملكه كلّ منهما، كما يقسم الثّمن على قيمة المبيعين المختلفين. لا على ما تشارطا، لأنّ الشّرط في ضمن الشّركة الفاسدة لغو، لا اعتداد به. 119 - وهذا الحكم الّذي أخذه هذا القسم - حيث المال من الشّريكين - كقاعدة عامّة، هو مذهب جماهير أهل العلم. فقد أطبق عليه المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة، وقالوا: يرجع كلّ شريك على شريكه الآخر بأجرة مثل ما عمل له، إلاّ أن يكون متبرّعاً. غير أنّ المالكيّة واقفون أبداً مع أصلهم الّذي أصّلوه في المزارعة، كما أسلفناه وجروا على سننه كلّما كان له مجال ولذا نجدهم يقولون - فيما لو اشترك ثلاثة: أحدهم بداره، والثّاني بدابّته، والثّالث برحاه، على أن يتولّى عمل الطّحن واحد منهم بعينه، وليكن صاحب الدّابّة - أنّ الغلّة كلّها تكون للّذي انفرد بالعمل، وعليه للآخرين أجرة مثل ما قدّموا. وهو مسلك لا يكاد يسلكه سواهم. ومثال ذلك مسألة الشّاحنة وسيّارة الرّكوب، إذا انفرد أحد الشّريكين بالعمل. ثمّ قد يقع الخلاف أيضاً من الآخرين في طريق التّطبيق: فقد نصّ الحنابلة كما ذكر ابن قدامة في مسألة الدّابّتين، على أنّ الشّريكين لو تقبّلا عمل شيء معلوم إلى مكان معلوم في ذمّتهما، ثمّ حملا على الدّابّتين أو على غيرهما، فإنّها تكون شركةً صحيحةً، والأجرة بينهما على ما شرطاه مع أنّ أصول الحنابلة لا تساعده، إذ لا بدّ عندهم للصّحّة من عقد تقبّل عامّ بين الشّريكين سابق على هذا التّقبّل الّذي ذكره ابن قدامة على أنّ ابن قدامة عاد فأبدى احتمال تصحيح الشّركة على شرطها، حتّى في حالة ما إذا أجّر الشّريكان الدّابّتين إجارة عين قياساً على صحّة الشّركة عندهم في تحصيل المباحات. 120 - في الشّركة الفاسدة، كيف يطالب البائع بثمن ما باعه من أحد شريكيها، إذا غاب أحدهما وحضر الآخر؟ يقول المالكيّة إنّ الأحوال ثلاثة: الحالة الأولى: أن يكون البائع يعلم فساد الشّركة، فلا يكون له حقّ مطالبة الشّريك الحاضر إلاّ بحصّته في الثّمن. الحالة الثّانية: أن يكون البائع يعلم بالشّركة، ولا يعلم بفسادها، وحينئذ يكون له حقّ مطالبة الشّريك الحاضر، بجميع الثّمن، ولو لم يكن هو الّذي اشترى منه. الحالة الثّالثة: أن يكون لا يعلم بالشّركة نفسها، وفي هذه الحالة إن كان الشّريك الحاضر هو الّذي اشترى منه، طالبه بجميع الثّمن، لأنّه لم يتعاقد معه على أنّه وكيل لغيره في النّصف، وإن لم يكن هو الّذي اشترى منه، فإنّما يطالبه بحصّة في الثّمن لا غير، لأنّه لم يملك إلاّ مقابل هذه الحصّة من السّلعة. هكذا حكوه عن اللّخميّ والّذي ذكره الخرشيّ خلافه، فانظره إن شئت.
أسباب الانتهاء العامّة هي الّتي لا تخصّ شركةً دون شركة، بل تجيء في جميع أنواع الشّركات وهي: 121 - أوّلاً: فسخ أحد الشّريكين، وقد سلف الكلام على هذا، عند الكلام على عدم لزوم العقد. 122 - ثانياً: نصّ الحنفيّة على أنّ إنكار أحدهما الشّركة بمثابة فسخها، حتّى إنّه لو وقع، لامتنع على الشّريك الآخر، بعد علمه به، وعلى المنكر نفسه التّصرّف في حصّة شريكه من مال الشّركة. فإذا تصرّف فيها كان عليه ضمانها، كالغاصب وله ربحها وعليه خسارتها، لأنّه تصرّف بغير إذن صاحبها، وإن كان لا يطيب له الرّبح عند أبي حنيفة ومحمّد، فيتصدّق به. وقد نصّ الشّافعيّة خلافاً للحنابلة على البطلان بالإنكار في الوكالة، إذا كان الإنكار متعمّداً ولا يرمي به إلى غرض آخر - كصيانة مال الوكالة من أن تناله يد ظالم غاشم - والشّركة عندهم ليست إلاّ وكالةً. 123 - ثالثاً: جنون أحدهما جنوناً مطبقاً. وهو لا يصير مطبقاً إلاّ بعد أن يستمرّ شهراً أو سنةً كاملةً، على خلاف عند الحنفيّة. فلا تنتهي الشّركة إلاّ إذا مضت هذه المدّة بعد ابتدائه. وإنّما تبطل الشّركة، لأنّها تعتمد الوكالة ولا تنفكّ عنها، والوكالة تبطل بالجنون المطبق، لسلبه الأهليّة. ويعود هنا في تصرّف الشّريك الآخر في حصّة المجنون ما سلف في الإنكار ونصّ على هذا المبطل أيضاً الشّافعيّة والحنابلة دون تقييد بمدّة. 124 - رابعاً: موت أحدهما، لأنّ الموت مبطل للوكالة، والوكالة الضّمنيّة جزء من ماهيّة الشّركة لا تنفكّ عنها ابتداءً ولا بقاءً، ضرورة الحاجة إلى ثبوت واستمرار ولاية التّصرّف لكلا الشّريكين عن الآخر، منذ قيام الشّركة إلى انتهائها. إلاّ أنّ بطلان الشّركة في الأموال بالموت، لا يتوقّف على علم الشّريك به، لأنّه عزل حكميّ غير مقصود لا يمكن تقديمه وتأخيره، إذ بمجرّد الموت ينتقل شرعاً ملك مال الميّت إلى ورثته، فلا يمكن إيقاف ما نفّذه الشّرع. وإنّما تبطل الشّركة بالموت بالنّسبة للميّت. فإذا لم يكن له سوى شريك واحد لم يبق شيء من الشّركة بالضّرورة، أمّا إذا كان له أكثر من شريك، فإنّ شركة الباقين على قيد الحياة باقية. ونصّ على هذا المبطل أيضاً الشّافعيّة والحنابلة. 125 - ويقرّر الشّافعيّة والحنابلة أنّ للوارث الرّشيد الخيار بين القسمة واستئناف الشّركة، وأنّ على وليّ الوارث غير الرّشيد، أو وليّ الشّريك الّذي انتهت الشّركة بجنونه، أن يختار من هذين الأمرين أصلحهما لمحجوره. نعم إن كان على التّركة دين، أو فيها وصيّة لغير معيّن، توقّف جواز استئناف الشّركة على قضائهما، ولو من خارج التّركة، لأنّهما يتعلّقان بالتّركة تعلّق الرّهن، والمرهون لا تصحّ الشّركة فيه. والموصى له المعيّن بمثابة الوارث في ذلك كلّه، ويعتبر كأحد الورثة عند التّعدّد. وفي استئناف الشّركة يكتفي الشّافعيّة بصيغة التّقرير، وإن كان في بعض عباراتهم ما يفيد قصر هذا الاكتفاء على ما إذا كان مال الشّركة عروضاً. 126 - خامساً: ذهب الحنفيّة إلى أنّ القضاء بلحاق أحدهما بدار الحرب مرتدّاً تنتهي به الشّركة لأنّه بهذا يصير من أهل دار الحرب، والقضاء به عندهم موت حكميّ. بل يرى أبو حنيفة أنّه بالقضاء المذكور يتبيّن أنّ هذا الموت الحكميّ كان من حين الرّدّة فإذا بطلت الشّركة بهذا السّبب، ثمّ عاد الشّريك مسلماً، فلا جدوى بالنّسبة للشّركة، فقد بطلت وقضي الأمر. أمّا الرّدّة بدون هذا القضاء - سواء اقترنت باللّحاق بدار الحرب أم لا - فإنّما يترتّب عليها إيقاف الشّركة، حتّى إذا رجع المرتدّ إلى الإسلام عادت سيرتها الأولى، وإن مات أو قتل، تبيّن بطلانها من حين الرّدّة. 127 - سادساً: مخالفة شروط العقد: كما لو تجاوز الشّريك حدود المكان الّذي قيّدت به إلاّ أنّ البطلان يكون بمقدار المخالفة كلّيّاً أو جزئيّاً، فمثال المخالفة الكلّيّة ما لو نهى أحد الشّريكين الآخر عن الخروج بالبضاعة، فخرج بها. ومثال المخالفة الجزئيّة: أن يبيع نسيئةً ولا يجيزه شريكه، فيبطل البيع في حصّة الشّريك، وينفذ في حصّة البائع، وفي هذه الحصّة تبطل الشّركة حينئذ. 128 - أمّا المالكيّة فلا يرتّبون على مخالفة شروط العقد، بل وطبيعته، إلاّ إعطاء الشّريك الآخر حقّ ردّ التّصرّف الّذي وقعت به المخالفة، وتضمين المخالف، إن ضاع المال بسبب مخالفته. فقد نصّوا على ذلك فيما إذا استبدّ بالتّصرّف شريك العنان، لأنّها تقتضي عدم استبداد شريك بالتّصرّف للشّركة، دون مراجعة شريكه وكذا عند الحنفيّة وهو المفهوم من تصرّف الشّافعيّة بإزاء بيع الشّريك نسيئةً دون إذن شريكه، باعتباره عندهم لا يستمدّ حقّ البيع نسيئةً من طبيعة عقد الشّركة. 129 - سابعاً: ذكر الشّافعيّة والحنابلة من المبطلات: طروّ الحجر على أحد الشّريكين بسفه. وزاد الشّافعيّة الحجر للفلس إلاّ أنّه مبطل جزئيّ بالنّسبة للفلس، بمعنى أنّه لا ينفذ من المفلّس بعد الحجر عليه أي تصرّف سلبه الحجر إيّاه. ومن قواعد الشّافعيّة أنّ البيع والشّراء في الذّمّة ينفذان من المفلّس. أمّا السّفيه، فلا يصحّ له تصرّف ماليّ إلاّ في الوصيّة والتّدبير. فعلى هذا إذا باع المفلّس أو شريكه شيئاً من مال الشّركة نفذ في نصيب غير المفلّس وإذا اشترى المفلّس للشّركة في ذمّته نفذ عليها عندهم.
130 - أوّلاً: هلاك المال في شركة الأموال عند الحنفيّة: وصورته أن يهلك المالان، أعني مال كلّ من الشّريكين - سواء كان ذلك قبل الشّراء بمال الشّركة أم بعده - أو يهلك مال أحدهما قبل الشّراء بشيء من مال الشّركة. والشّقّ الثّاني من التّرديد لا يتصوّر إلاّ إذا كان مال هذا الأحد متميّزاً من مال الآخر، لاختلاف الجنس، أو لعدم الاختلاط. أمّا إذا كان المالان من جنس واحد وقد خلطا، فإنّ ما يهلك منهما يهلك على الشّريكين كليهما - إذ لا يمكن القطع بأنّ الّذي هلك هو مال هذا دون ذاك - وما بقي فعلى الشّركة. والسّرّ في بطلان الشّركة بهلاك المال، أنّه عندما يهلك مال الشّركة كلّه يكون قد هلك محلّ العقد المتعيّن له، والعقد يبطل بفوات محلّه، كالبيع إذا هلك المبيع. وإنّما تعيّن الهالك هنا محلاً للعقد لأنّ الأثمان - وإن كانت لا تتعيّن في المعاوضات لئلاّ تخرج عن طبيعة الثّمنيّة، وتصير سلعةً مقصودةً بذاتها - فإنّها تتعيّن في غيرها، كالهبة والوصيّة - من كلّ عقد لا يكون بإزائها فيه عوض. وهذه هي طبيعة الشّركة. فإذا بطلت الشّركة بهلاك أحد المالين قبل الشّراء، فالمال الآخر خالص لصاحبه، وما يشتريه به بعد يكون له خاصّةً لا سبيل لمن هلك ماله عليه، لا من طريق الشّركة، لما علم من بطلانها، ولا من طريق الوكالة الّتي كانت في ضمنها، لأنّ بطلان الشّركة يستتبع بطلانها، وإن لم تكن بلفظ الوكالة فحينئذ يكون ما يشتريه صاحب المال الباقي مشتركاً بحكم الوكالة، لأنّ الوكالة الصّريحة لا تبطل ببطلان الشّركة. ويرجع على شريكه بحصّة من الثّمن. لكنّها إذن شركة ملك، إذ لا عقد شركة بينهما. 131 - وذهب الحنابلة إلى أنّ هلاك أحد المالين على الشّركة بإطلاق، والباقي بلا هلاك للشّركة كذلك، لأنّهم يحكمون باشتراك المالين بمجرّد عقد الشّركة، ويقولون إنّ المال يقسم بكلمة، كما في الخرص، فلا غرو أن يشترك فيه بكلمة، كما في الشّركة. فإذا كانت الشّركة بالمال مناصفةً، اقتضى مجرّد عقدها ثبوت الملك لكلّ من الشّريكين في نصف مال صاحبه وتوسّط المالكيّة في معتمدهم، فقالوا: إنّ هلاك أحد المالين قبل خلطهما، ولو خلطاً حكميّاً، يكون من ضمان صاحبه خاصّةً، لا من ضمان الشّركة - ومع ذلك تبقى الشّركة: بحيث يكون ما يشترى بالمال الباقي لها، وعلى الشّريك الّذي تلف ماله حصّته في الثّمن - إلاّ أن يكون الشّراء بعد علم المشتري بهلاك المال الآخر ولم يرده للشّركة الشّريك الّذي هلك ماله، أو أراده ولكن ادّعى الآخر أنّه اشتراه لنفسه: فحينئذ يكون لصاحب المال الباقي وحده. أمّا الشّافعيّة، فلم أر لهم في ذلك كلاماً صريحاً. ولكنّ مقتضى جعلهم الخلط من شرائط صحّة الشّركة بطلان الشّركة، بهلاك أحد المالين فيما عداه أو هلاك المالين جميعاً. 132 - ثانياً: فوات التّساوي في شركة المفاوضة: سواء كان الفائت هو التّساوي في رأس المال، أم في أهليّة التّصرّف، وإذا بطلت المفاوضة بهذا أو ذاك، انقلبت عناناً، لعدم اشتراط المساواة في العنان، كما هو معلوم، وهذا عند الحنفيّة. ثالثاً: انتهاء المدّة في الشّركة المؤقّتة وقد تقدّم أنّ التّأقيت صحيح عند سائر الفقهاء عدا الطّحاويّ من الحنفيّة.
|