الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****
1 - المفصّل - بفتح الصّاد المشدّدة - هو السبع السّابع أو الأخير من القرآن الكريم, وهو ما يلي المثاني من قصار السور, سمّي به لكثرة الفصول بين سوره بالبسملة أو لقلّة المنسوخ فيه ولهذا يسمّى بالمحكم أيضاً كما ورد عن سعيد بن جبيرٍ قال: إنّ الّذي تدعونه المفصّل هو المحكم. أ - الطول: 2 - قال الزّركشي: السّبع الطول أوّلها البقرة وآخرها براءة، لأنّهم كانوا يعدون الأنفال و براءة سورة واحدة, ولذلك لم يفصلوا بينهما, لأنّهما نزلتا جميعاً في مغازي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم, وسمّي طولاً: لطولها. وحكي عن سعيد بن جبيرٍ رحمه الله: أنّه عدّ السّبع الطول: البقرة وآل عمران, والنّساء والمائدة, والأنعام, والأعراف, ويونس. وروي مثله عن ابن عبّاسٍ رضي الله تعالى عنهما. والصّلة بين المفصّل والطول: أنّهما من أقسام القرآن الكريم. عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلى الله عليه وسلم قال: «أعطيت مكان التّوراة السّبع، وأعطيت مكان الزّبور المئين، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني، وفضّلت بالمفصّل». ب - المئون: 3 - المئون هي السور القرآنيّة الّتي وليت السّبع الطول, سمّيت بذلك لأنّ كلّ سورةٍ منها تزيد على مائة آيةٍ أو تقاربها. والصّلة بين المفصّل والمئين: أنّ كلاً منهما من أقسام القرآن الكريم. ج - المثاني: 4 - المثاني في اللغة: جمع مثنى أو مثنّاةٍ, من التّثنية بمعنى التّكرار. وفي الاصطلاح: ما ولي المئين, لأنّها ثنتها, أي كانت بعدها, فالمثاني للمئين ثوانٍ, والمئون لها أوائل, قال السيوطيّ, وعزاه إلى الفرّاء: إنّ المثاني هي السور الّتي آيها أقل من مائةٍ, لأنّها تثنّى أكثر ممّا يثنّى الطول والمئون. ويطلق المثاني أيضاً على القرآن كلّه كما في: {كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ} لأنّه يكرّر فيه الأنباء والوعد والوعيد والقصص. كما تطلق على الفاتحة لأنّها تثنّى في كلّ صلاةٍ. والعلاقة بين المفصّل والمثاني على الإطلاق الأوّل: أنّ كلاً منهما من أقسام سور القرآن الكريم. وعلى الإطلاق الثّاني: أنّ المفصّل جزء من المثاني. وعلى الإطلاق الثّالث: كلاهما ممّا يشتمل عليه القرآن الكريم.
5 - قال الزّركشي والسيوطي: آخر المفصّل في القرآن الكريم سورة النّاس بلا نزاعٍ. واختلف الفقهاء في أوّل المفصّل: فذهب الحنفيّة والمالكيّة على المعتمد والشّافعيّة في الأصحّ, وابن عقيلٍ من الحنابلة إلى أنّ أوّل المفصّل سورة الحجرات. والصّحيح من المذهب عند الحنابلة أنّ أوّل المفصّل من سورة " ق ". وقد جمع الزّركشي أقوال الفقهاء في أوّل المفصّل في اثني عشر قولاً هي: أحدها: الجاثية. ثانيها: القتال, وعزاه الماورديّ للأكثرين. ثالثها: الحجرات. رابعها: " ق ", قيل وهي أوّله في مصحف عثمان رضي الله عنه. وفيه حديث ذكره الخطّابي في غريبه, يرويه عيسى بن يونس قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن يعلى الطّائفي قال: حدّثني عثمان بن عبد اللّه بن أوس بن حذيفة عن جدّه: «أنّه وفد على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيفٍ فسمع أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه كان يحزّب القرآن، قال: وحزب المفصّل من " ق "». وقال الماورديّ في تفسيره: حكاه عيسى بن عمر عن كثيرٍ من الصّحابة, للحديث المذكور. الخامس: الصّافّات. السّادس: الصّف. السّابع: تبارك. حكى هذه الثّلاثة ابن أبي الصّيف اليمني في " نكت التّنبيه ". الثّامن: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ} حكاه الذّماري في شرح التّنبيه المسمّى: رفع التّمويه. التّاسع: {الرَّحْمَنُ}, حكاه ابن السّيّد في أماليه على الموطّأ، وقال: إنّه كذلك في مصحف ابن مسعودٍ رضي الله عنه. قلت رواه أحمد في مسنده كذلك. العاشر: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ}. الحادي عشر: {سَبِّحِ}, حكاه ابن الفركاح في تعليقه عن المرزوقيّ. الثّاني عشر: {وَالضُّحَى}, عزاه الماورديّ لابن عبّاسٍ, حكاه الخطّابي في غريبه, ووجّهه بأنّ القارئ يفصّل بين هذه السور بالتّكبير قال: وهو مذهب ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما وقرّاء مكّة. والصّحيح عند أهل الأثر أنّ أوّله " ق ".
6 - قال السيوطيّ: للمفصّل طوال وأوساط وقصار, قال ابن معنٍ: فطواله إلى " عمّ " وأوساطه منها إلى " الضحى ", ومنها إلى آخر القرآن قصار. قال: هذا أقرب ما قيل فيه. وفيه خلاف وتفصيل, ينظر في مصطلح: (قراءة ف 5).
7 - اتّفق الفقهاء على أنّه يسن للمصلّي أن يقرأ في صلاة الصبح بطوال المفصّل, كما اتّفقوا على أنّه يقرأ في المغرب بقصار المفصّل, وفي العشاء بأوساطه. واختلفوا في الظهر والعصر على أقوالٍ ينظر تفصيلها في مصطلح: (صلاة ف 66).
1 - المَفْصِل على وزن مسجدٍ, وهو في اللغة: ملتقى العظمات من الجسد. وفي الاصطلاح: هو موضع اتّصال عضوٍ بآخر على مقطع عظمين برباطات واصلةٍ بينهما, إمّا مع دخول أحدهما في الآخر كالركبة, أو لا كالكوع.
تتعلّق بالمفصل أحكام منها: أ - في الغسل والوضوء: 2 - اتّفق الفقهاء على أنّه يسن في الوضوء والغسل غسل اليدين إلى الرسغين ثلاثاً قبل إدخالهما الإناء, قال الحصكفي من الحنفيّة: الرسغ هو مفصل الكفّ بين الكوع والكرسوع. والتّفصيل في مصطلح: (غسل ف 30, وضوء). ب - في القصاص: 3 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ من شروط كون الجناية على ما دون النّفس موجبةً للقصاص, إمكان الاستيفاء من غير حيفٍ. وقالوا: إنّ هذا إنّما يتحقّق في الجناية الّتي تبين العضو عمداً, بأن يكون القطع من مفصلٍ فإن كان من غير مفصلٍ فلا قصاص فيه من موضع القطع بغير خلافٍ. والتّفصيل في مصطلح: (جناية على كلٍّ دون النّفس ف 11). ج - في الدّيات: 4 - اتّفق الفقهاء على أنّ في قطع كلّ أنملةٍ من كلّ أصبعٍ من اليدين والرّجلين ثلث عشر الدّية, لأنّ فيها ثلاثة مفاصل, إلا الإبهام ففيها أنملتان, ففي كلّ مفصلٍ منها نصف عشر الدّية. والتّفصيل في مصطلح: (ديات ف 53). د - في السّرقة: 5 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ موضع قطع اليد في السّرقة - بعد تحقق شروط القطع - يكون من الكوع, وهو مفصل الكفّ. وموضع قطع الرّجل هو مفصل الكعب من السّاق. والتّفصيل في مصطلح: (سرقة ف 66).
انظر: آنية.
1 - المفقود في اللغة: الضّائع والمعدوم يقال: فقد الشّيء يفقده فقداً, وفقداناً, وفقوداً: ضلّه وضاع منه, وفقد المال ونحوه: خسره وعدمه. والمفقود في الاصطلاح: غائب لم يدر موضعه وحياته وموته, وأهله في طلبه يجدون, وقد انقطع خبره وخفي عليهم أثره. 2 - المفقود عند الحنفيّة والشّافعيّة نوع واحد. وذهب المالكيّة إلى أنّ المفقود على أنواعٍ: الأوّل: المفقود في بلاد المسلمين, ومنهم من فرّع هذا النّوع إلى مفقودٍ في زمان الوباء, ومفقود في غيره. الثّاني: المفقود في بلاد الأعداء. الثّالث: المفقود في قتال المسلمين مع الكفّار. الرّابع: المفقود في قتال المسلمين بعضهم مع بعضٍ. وأمّا الحنابلة فالمفقود عندهم قسمان: الأوّل: من انقطع خبره لغيبة ظاهرها السّلامة, كالمسافر للتّجارة أو للسّياحة أو لطلب العلم ونحو ذلك. الثّاني: من انقطع خبره لغيبة ظاهرها الهلاك, كالجنديّ الّذي يفقد في المعركة, وراكب السّفينة الّتي غرقت ونجا بعض ركابها, والرّجل الّذي يفقد من بين أهله, كمن خرج إلى السوق أو إلى حاجةٍ قريبةٍ فلم يرجع, ومن هذا النّوع أيضاً من فقد في صحراء مهلكةٍ أو نحو ذلك. 3 - أمّا الأسير, الّذي لا يدرى أحي هو أم ميّت فإنّه يعتبر مفقوداً في قول الزهريّ, والحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة. وأمّا المالكيّة, فلم يجعلوا الأسير مفقوداً ولو لم يعرف موضعه ولا موقعه بعد الأسر, إلا في قول ابن عبد البرّ بأنّ الأسير الّذي تعرف حياته في وقتٍ من الأوقات, ثمّ ينقطع خبره, ولا يعرف له موت ولا حياة يعتبر مفقوداً من النّوع الثّاني عندهم. وقد اعتبر الحنفيّة المرتدّ الّذي لم يعد ألحق بدار الحرب أم لا مفقوداً. ولم يعتبر المالكيّة المحبوس الّذي لا يستطاع الكشف عنه مفقوداً.
يتعلّق بالمفقود أحكام متعدّدة منها: أ - زوجة المفقود: 4 - من الثّابت شرعاً أنّ الفقدان لا يؤثّر في عقد الزّوج, لذلك فإنّ زوجة المفقود تبقى على نكاحه, وتستحق النّفقة في قول الفقهاء جميعاً, ويقع عليها طلاقه وظهاره وإيلاؤه, وترثه ويرثها, ما لم ينته الفقدان. ولكن إلى متى تبقى كذلك؟ لم يأت في السنّة إلا حديث واحد هو قوله عليه الصلاة والسلام: «امرأة المفقود امرأته حتّى يأتيها الخبر». وهذا النّص المجمل جاء بيانه في قول عليٍّ رضي الله عنه: بأنّ امرأة المفقود تبقى على عصمته إلى أن يموت, أو يأتي منه طلاقها. وبه قال ابن مسعودٍ رضي الله عنه والنّخعيّ, وأبو قلابة, والشّعبي, وجابر بن زيدٍ, والحكم, وحمّاد, وابن أبي ليلى, وابن شبرمة وعثمان البتّي, وسفيان الثّوري, والحسن ابن حيٍّ, وبعض أصحاب الحديث. وإليه ذهب الحنفيّة, والشّافعي في الجديد. وذهب عمر رضي الله تعالى عنه إلى أنّ امرأة المفقود تتربّص أربع سنين, ثمّ تعتد للوفاة أربعة أشهرٍ وعشرة أيّامٍ, فإذا انقضت حلّت للأزواج. وبهذا القول قال عثمان, وابن عمر, وابن عبّاسٍ, وابن الزبير, هو رواية عن ابن مسعودٍ, وعليٍّ رضي الله عنهم, وهو قول الشّافعيّ في القديم. وعن سعيد بن المسيّب أنّه إذا فقد في الصّفّ عند القتال تربّصت امرأته سنةً, وإذا فقد في غيره تربّصت أربع سنين. وذهب المالكيّة إلى أنّ المفقود في بلاد المسلمين تتربّص امرأته أربع سنين, ثمّ تعتد أربعة أشهرٍ وعشرة أيّامٍ, ثمّ تحل للأزواج, وأمّا المفقود في بلاد الأعداء, فإنّ زوجته لا تحل للأزواج إلا إذا ثبت موته, أو بلغ من العمر حداً لا يحيا إلى مثله, وهو مقدّر بسبعين سنةً في قول مالكٍ وابن القاسم وأشهب, وقال مالك مرّةً: إذا بلغ ثمانين سنةً, وقال ابن عرفة: إذا بلغ خمساً وسبعين سنةً وعليه القضاء, وذهب أشهب إلى أنّه يعتبر كالمفقود في بلاد المسلمين. أمّا المفقود في قتال المسلمين مع الكفّار فقد قال مالك وابن القاسم بأنّه يعتبر كالمفقود في بلاد الأعداء, وعن مالكٍ: تتربّص امرأته سنةً, ثمّ تعتد, وقيل: هو كالمفقود في بلاد المسلمين. وأمّا المفقود في قتال المسلمين بعضهم مع بعضٍ فقد قال مالك وابن القاسم: ليس في ذلك أجل معيّن, وإنّما تعتد زوجته من يوم التقاء الصّفّين, وقيل: تتربّص سنةً ثمّ تعتد, وقيل: يترك ذلك لاجتهاد الإمام. وأمّا الحنابلة فعندهم في المفقود الّذي ظاهر غيبته السّلامة قولان: الأوّل: لا تزول الزّوجيّة ما لم يثبت موته. الثّاني: أنّ زوجته تنتظر حتّى يبلغ من العمر تسعين سنةً في روايةٍ, وفي روايةٍ أخرى أنّ المدّة مفوّضة إلى رأي الإمام والرّواية الأولى هي القويّة المفتى بها, وهذا هو الصّحيح في المذهب. ومن الحنابلة من قدّر المدّة بمائة وعشرين سنةً. وأمّا المفقود الّذي ظاهر غيبته الهلاك, فإنّ زوجته تتربّص أربع سنين, ثمّ تعتد للوفاة, وهو المذهب. 5 - تبدأ مدّة التّربص من حين رفع الأمر إلى القاضي, وهو قول عمر رضي الله عنه, وعطاءٍ وقتادة, وعليه اتّفق أكثر من قال بالتّربص, وهو المذهب عند المالكيّة, وفي روايةٍ عن مالكٍ تبدأ من حين اليأس من وجود المفقود بعد التّحرّي عنه, وهو القول الأظهر للشّافعيّ بناءً على مذهبه القديم, ورواية عند الحنابلة. وقيل: تبدأ المدّة من حين الغيبة, وهو قول للشّافعيّ بناءً على مذهبه القديم, والرّواية الأصح والصّواب عند الحنابلة. وهناك نصوص نقلت عن عمر, وعثمان وابن عمر, وابن عبّاسٍ رضي الله عنهم, وسعيد ابن المسيّب, جاء فيها ذكر مدّة التّربص دون تحديد متى تبدأ. وذهب عمر, وابن عبّاسٍ, وابن عمر, رضي الله عنهم, وعطاء وإسحاق إلى أنّه لا بدّ من أن يطلّق ولي المفقود زوجته, وهو رواية عند الحنابلة. وفي روايةٍ عن ابن عبّاسٍ, وابن عمر رضي الله عنهم أنّه لا حاجة لطلاق الوليّ, وهو الرّواية الثّانية عند الحنابلة والصّحيح عندهم والمتّفق مع القياس.
6 - يجب على زوجة المفقود بعد مدّة التّربص أن تعتدّ للوفاة أربعة أشهرٍ وعشرة أيّامٍ وهذا قول عمر والصّحابة والعلماء الّذين أخذوا بقوله. ولا تحتاج الزّوجة بعد مدّة التّربص لحكم من الحاكم بالعدّة, ولا بالزّواج بعد انقضائها في قول المالكيّة والحنابلة. وأمّا عند الشّافعيّة, فعلى القول القديم عندهم فيه وجهان, والأصح أنّه لا بدّ من الحكم.
7 - إذا حكم الحاكم بالتّفريق بين المفقود وزوجته فإنّ الحكم ينفذ بالظّاهر دون الباطن, وهو الأصح عند الشّافعيّة. وقيل ينفذ ظاهراً وباطناً, وهو قول الحنابلة. ولهذا نتائج في أثر ظهور المفقود حياً في نكاح الزّوجة غيرَه. (ر: ف 25 - 26). فإن تزوّجت امرأة المفقود في وقتٍ ليس لها أن تتزوّج فيه فنكاحها باطل, لأنّ حكم الزّوجيّة بينها وبين زوجها الأوّل على حاله. ولو تزوّجت امرأة المفقود قبل مضّي الزّمان المعتبر للتّربص والعدّة, ثمّ تبيّن أنّه كان ميّتاً أو أنّه كان قد طلّقها قبل ذلك بمدّة تنقضي فيها العدّة لم يصحّ النّكاح لأنّها ممنوعة منه فأشبهت الزّوجة, وهو قول للشّافعيّة, وأمّا القول الأصح عندهم فإنّ نكاحها صحيح, وبالقول الأوّل للشّافعيّة أخذ الحنابلة. ولو ادّعت امرأة أنّها زوجة للمفقود, وأقامت بيّنةً على ذلك لم يقض لها به عند الحنفيّة, خلافاً للمالكيّة, ومبنى المسألة قائم على جواز الحكم على الغائب وعدمه. ب - أموال المفقود: للفقدان أثر ظاهر في أموال المفقود القائمة, وفي اكتسابها بالوصيّة, والإرث, وفي إدارة تلك الأموال. أوّلاً: في بيع مال المفقود: 8 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه ليس للقاضي أن يبيع عقار المفقود, ولا العروض الّتي لا يتسارع إليها الفساد, وأمّا ما يتسارع إليه الفساد كالثّمار ونحوها فإنّه يبيعه, ويحفظ ثمنه. وذهب المالكيّة إلى جواز بيع أموال المفقود إذا قضى عليه بدين أو استحقاقٍ أو ضمان عيبٍ ونحو ذلك, وهذا مبني على قولهم في جواز القضاء على الغائب ثانياً: في قبض حقوق المفقود: 9 - ليس للقاضي عند الحنفيّة أن يأخذ مال المفقود الّذي في يد مودعه, ولا المال الّذي في يد الشّريك المضارب, لأنّهما نائبان عن المفقود في الحفظ, وعند المالكيّة له ذلك, وهو قول عند الحنفيّة, غير أنّ ابن عابدين حمله على أنّ القاضي رأى مصلحةً فيه, كما لو كان المدين غير ثقةٍ. ولو أنّ المدين دفع الدّين إلى زوجة المفقود أو ولده, وكذلك المستأجر لو دفع الأجرة, فإنّ الذّمّة لا تبرأ ما لم يأمر القاضي بذلك, هذا عند الحنفيّة وأمّا عند المالكيّة فإنّ ديون المفقود لا تدفع للورثة, وإنّما تدفع للسلطان. ثالثاً: في الإنفاق من مال المفقود: 10 - من الثّابت بإجماع الفقهاء أنّ زوجة المفقود تستحق النّفقة (ر: ف 4), وهذه النّفقة تكون في مال المفقود, بذلك قال الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة. وقال ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما: تستدين, فإن جاء زوجها أخذت من ماله, وإن مات أخذت من نصيبها من الميراث, وبه قال النّخعيّ, فإن لم يكن للمفقود مال, وطلبت الزّوجة من القاضي الحكم لها بالنّفقة فإنّه يجيبها إلى ذلك, وبه قال النّخعيّ, وهو قول لأبي حنيفة, وفي قولٍ آخر له: لا يجيبها, وهو قول شريحٍ, وقال زفر: يأمرها القاضي بأن تستدين, وتنفق على نفسها. وتنقطع النّفقة بموت المفقود, أو بمفارقته لها فإن استمرّت بقبض النّفقة بعد أن تبيّن أنّه مات أو فارقها ثمّ رجع, فعليها أن تعيد ما قبضته من تاريخ الموت, أو المفارقة. وتسقط النّفقة عند الشّافعيّة بزواج امرأة المفقود من غيره. وعند الحنابلة تسقط بتفريق الحاكم بينها وبين زوجها المفقود, أو بزواجها من غيره, ويجب في مال المفقود نفقة زوجته في مدّة العدّة، بذلك قال ابن عمر, وابن عبّاسٍ رضي الله عنهم, وفيه قولان عند المالكيّة والحنابلة. 11 - ويجب في مال المفقود نفقة الفقراء من أولاده ووالديه وهو قول الحنفيّة, والشّافعيّة, والمالكيّة غير أنّ المالكيّة اشترطوا لاستحقاق الأبوين النّفقة أن يكون قد قضى بها قاضٍ قبل الفقد, فإن تبيّن أنّ المفقود ميّت, واستمرّ هؤلاء بقبض النّفقة بعد ثبوت موته, فإنّهم يغرمون ما أنفق عليهم من يوم مات, لأنّهم ورثة. 12 - وتستوفى النّفقة المفروضة للزّوجة والأولاد والوالدين من دراهم المفقود ودنانيره ومن التّبر أيضاً, إذا كان كل ذلك تحت يد القاضي, أو كان وديعةً, أو ديناً للمفقود, وقد أقرّ الوديع والمدين بذلك, وأقرّا بالزّوجيّة والنّسب. وينتصب الوديع والمدين خصماً في الدّعوى, لأنّ المال تحت يدهما, فيتعدّى القضاء منهما إلى المفقود, فإن كان الوديع أو المدين منكراً للوديعة أو الدّين أو الزّوجيّة والنّسب, لم يصلح لمخاصمة أحدٍ من مستحقّي النّفقة, ولا تسمع البيّنة ضدّه. وليس لهؤلاء بيع شيءٍ من مال المفقود الّذي يخاف عليه الفساد كالثّمار, ونحوها, فإن باعوه, فالبيع باطل. وليس لهم بيع دار المفقود, ولم لم يبق من ماله سواها, واحتاجوا للنّفقة. وعند الحنفيّة يجوز للقاضي أن يأخذ من مستحقّي النّفقة كفيلاً, لاحتمال أن يحضر المفقود, ويقيم البيّنة على طلاق امرأته, وأنّه ترك لأولاده مالاً يكفي لنفقتهم, وليس له ذلك عند المالكيّة. والقضاء على المفقود بالنّفقة لمستحقّيها ليس قضاءً على الغائب حقيقةً, وإنّما هو تمكين لهم من أخذ حقّهم. ولا تجب على المفقود نفقة أحدٍ من أقارب المفقود غير الّذين ذكرنا آنفاً. رابعاً: في الوصيّة: 13 - توقف الوصيّة للمفقود عند الحنفيّة, حتّى يظهر حاله, فإن ظهر حياً قبل موت أقرانه فله الوصيّة, وإذا حكم بموته ردّ المال الموصى به إلى ورثة الموصي. ولو أنّ رجلاً أقام البيّنة على أنّ المفقود قد أوصى له بوصيّة وجاء موت المفقود أو بلغ من السّنين ما لا يحيا إلى مثلها, والموصى له حي, قال المالكيّة: تقبل البيّنة, وتصح الوصيّة إذا كانت في حدود الثلث, وكذلك الحال لو أوصى له قبل الفقد, وهذا مبني على أصولهم في جواز القضاء على الغائب. خامساً: في الإرث: 14 - يعتبر المفقود حياً بالنّسبة لأمواله, فلا يرث منه أحد, ويبقى كذلك إلى أن يثبت موته حقيقةً, ويحكم باعتباره ميّتاً, على ما يأتي بيانه (ر: ف 20 - 21). 15 - ولا يرث المفقود من أحدٍ, وإنّما يتعيّن وقف نصيبه من إرث مورّثه, ويبقى كذلك إلى أن يتبيّن أمره, ويكون ميراثه كميراث الحمل, فإن ظهر أنّه حي استحقّ نصيبه وإن ثبت أنّه مات بعد موت مورثه استحقّ نصيبه من الإرث كذلك, وإن ثبت أنّه مات قبل موت مورثه أو مضت المدّة, ولم يعلم خبره, فإنّ ما أوقف من نصيبه يرد إلى ورثة المورث. وإن كان المفقود ممّن يحجب الحاضرين, لم يصرف إليهم شيء, بل يوقف المال كله. وإن كان لا يحجبهم, يعطى كل واحدٍ الأقلّ من نصيبه الإرثيّ على تقدير حياة المفقود, وعلى تقدير موته, مثال ذلك: رجل مات عن بنتين, وابنٍ مفقودٍ, وابن ابنٍ, وبنت ابنٍ, وطلبت البنتان الإرث, فإنّ فرضهما في هذه المسألة الثلثان, لا يدفع إليهما, وإنّما يدفع إليهما النّصف ; لأنّه أقل النّصيبين, ولا يدفع شيء لابن الابن, ولا لبنت الابن, فإذا مضت المدّة, وحكم بموت المفقود, أعطيت البنتان السّدس, ليتمّ لهما الثلثان, وأعطي الباقي لأولاد الابن, للذّكر مثل حظّ الأنثيين, وعلى ما سبق اتّفاق الفقهاء إلا ما ذكر من خلافٍ في المذهب الحنبليّ حول ردّ ما أوقف من نصيب المفقود الّذي لم يعلم خبره رغم مضيّ المدّة إلى ورثة المورث وهذا قول في المذهب, غير أنّ القول الأصحّ فيه أنّه ملك للمفقود, يوزع بين ورثته, وعليه المذهب. 16 - ولو ادّعى ورثة رجلٍ أنّه فقد, وطلبوا قسمة ماله فإنّ القاضي لا يقسمه حتّى تقوم البيّنة على موته, وتكون الدّعوى بأن يجعل القاضي من في يده المال خصماً عن المفقود, أو ينصّب عنه قيّماً في هذه الولاية. سادساً: في إدارة أموال المفقود: تدار أموال المفقود من قبل وكيله, أو وكيلٍ يعيّنه القاضي. أ - الوكيل الّذي عيّنه المفقود: 17 - من كان له وكيل, ثمّ فقد فإنّ الوكالة تبقى صحيحةً، لأنّ الوكيل لا ينعزل بفقد الموكّل. ولهذا الوكيل أن يحفظ المال الّذي أودّعه المفقود, وليس لأمين بيت المال أن ينزعه من يده. وأمّا قبض الديون الّتي أقرّ بها غرماء المفقود, وقبض غلات أمواله, فليس له ذلك. وذهب ابن عابدين إلى أنّ لوكيل المفقود حق قبض الديون والغلات ما دام قد وكّل بذلك. وللحنابلة في قبض وكيل المفقود للغلات قولان. وليس لمن كان وكيلاً بعمارة دار المفقود أن يعمّرها إلا بإذن الحاكم, فلعلّه مات, وحينئذٍ يكون التّصرف للورثة. ب - الوكيل الّذي يعيّنه القاضي: 18 - إذا لم يكن للمفقود وكيل فإنّ على القاضي أن ينصّب له وكيلاً. وهذا الوكيل يتولّى جمع مال المفقود وحفظه وقبض كلّ حقوقه من ديونٍ ثابتةٍ وأعيانٍ وغلاتٍ, وليس له أن يخاصم إلا بإذن القاضي في الحقوق الّتي للمفقود, وفي الحقوق الّتي عليه وإلى هذا ذهب الحنفيّة, ووافقهم المالكيّة في الجملة. ولا تسمع الدّعوى بحقّ على المفقود, ولا تقبل البيّنة عند الحنفيّة, غير أنّ القاضي إن قبل ذلك, وحكم به, نفذ حكمه, وعليه الفتوى. وذهب المالكيّة إلى قبول البيّنة على المفقود. ولو طلب ورثة المفقود من الحاكم نصب وكيلٍ عنه, فعليه أن يستجيب لذلك. انتهاء الفقدان: ينتهي الفقدان بإحدى الحالات الآتية: الحالة الأولى: عودة المفقود: 19 - إذا ظهر أنّ المفقود حي, وعاد إلى وطنه, فقد انتهى الفقدان, لأنّ المفقود مجهول الحياة أو الموت, وبظهوره انتفت تلك الجهالة, وسيأتي بيان ذلك. (ر: ف 25 - 26). الحالة الثّانية: موت المفقود: 20 - إذا ثبت بالبيّنة أنّ المفقود قد مات فقد انتهت حالة الفقدان, لزوال الجهالة الّتي كانت تحيط حياته أو موته, وعلى ذلك اتّفاق الفقهاء. ولا بدّ من ثبوت موته أمام القاضي, غير أنّ الشّافعيّة لم يشترطوا صدور حكمٍ بذلك. ويمكن للورثة أن يدّعوا موت المفقود, ويقدّموا البيّنة لإثبات ذلك, ويختار القاضي وكيلاً عن المفقود يخاصم الورثة, فإذا أثبتت البيّنة موته, قضى القاضي بذلك. ويقسّم ميراث المفقود بين الأحياء من ورثته يوم موته, وعليه اتّفاق الفقهاء, لأنّ شرط التّوريث بقاء الوارث حياً بعد موت المورث. 21 - أمّا ميراث الزّوجة فاختلف الفقهاء فيه كما يلي: ذهب الشّعبي إلى أنّ زوجة المفقود الّتي تزوّجت, ثمّ ظهر أنّه ميّت فعليها العدّة منه, وهي ترثه. وفي المذهب المالكيّ تفصيل: فإن جاء موته قبل أن تنكح زوجاً غيره, فإنّها ترثه. وإن تزوّجت بعد انقضاء العدّة, لم يفرّق بينها وبين زوجها الثّاني, وورثت من زوجها المفقود. وإن تزوّجت وجاء موته قبل الدخول ورثته, وفرّق بينهما, واستقبلت عدّتها من يوم الموت. وإن جاء موت المفقود بعد دخول الثّاني, لم يفرّق بينهما, ولا إرث لها. أمّا إن كان زواج الثّاني قد وقع في العدّة من الأوّل المتوفّى, فإنّها ترثه, ويفرّق بينها وبين زوجها الثّاني. وعند الحنابلة ترث الزّوجة من زوجها المفقود الّذي ثبت موته إن لم تتزوّج, أو كانت تزوّجت ولم يدخل بها الثّاني, وفي روايةٍ أنّها لا ترث منه. فإن دخل بها الثّاني, وكان الزّوح الأوّل قد قدم واختارها ثمّ مات, فإنّها ترثه ويرثها, ولو مات الثّاني لم ترثه, ولم يرثها, وإن مات أحدهما قبل اختيارها - وقلنا بأنّ لها أن تتزوّج - فإنّها ترث الزّوج الثّاني ويرثها, لا ترث الزّوج الأوّل ولا يرثها. وإن ماتت قبل اختيار الزّوج الأوّل, فإنّه يخيّر, فإن اختارها ورثها, وإن لم يخترها ورثها الثّاني. وهذا كله ظاهر مذهب الحنابلة. واختار الشّيخ ابن قدامة أنّها لا ترث زوجها الثّاني, ولا يرثها بحال إلا أن يجدّد لها عقداً, أو لا يعلم أنّ الأوّل كان حياً, ومتى علم أنّ الأوّل كان حياً ورثها وورثته, إلا أن يختار تركها, فتبين منه بذلك, فلا ترثه ولا يرثها. وعلى القول بأنّ الحكم بوقوع الفرقة يوقع التّفريق ظاهراً وباطناً ترث الثّاني ويرثها, ولا ترث الأوّل ولا يرثها. وأمّا عدّتها, فمن ورثته اعتدّت لوفاته عدّة الوفاة. الحالة الثّالثة: اعتبار المفقود ميّتاً: 22 - يعتبر المفقود ميّتاً حكماً بمضيّ مدّةٍ على فقده, أو ببلوغه سناً معيّنةً. ففي ظاهر الرّواية عند الحنفيّة يحكم بموت المفقود إذا لم يبق أحد من أقرانه في بلده, لا في جميع البلدان, وهو الأصح عندهم. غير أنّهم اختلفوا في السّنّ الّتي يمكن أن يموت فيها الأقران, فعن أبي حنيفة: هي مائة وعشرون سنةً, وهذا ما اختاره القدوري. وعن أبي يوسف مائة سنةٍ, وقال محمّد بن حامدٍ البخاري: هي تسعون سنةً, وذهب بعضهم إلى أنّها سبعون سنةً, ومنهم من قال: بأنّ هذه المدّة متروكة إلى اجتهاد الإمام, وينظر إلى شخص المفقود والقرائن الظّاهرة. ولعلماء الحنفيّة خلاف في التّرجيح بين هذه الأقوال فمنهم من قال: الفتوى على التّسعين سنةً وهو الأرفق, ومنهم من قال: الفتوى على الثّمانين, واختار ابن الهمام السّبعين سنةً, ومنهم من قال بأنّ تفويض المدّة إلى الإمام هو المختار والأقيس. وأمّا المالكيّة والحنابلة, فقد ذكرنا مذهبهم قبلاً. (ر: ف 4). وأمّا الشّافعيّة, فالصّحيح المشهور عندهم أنّ تقدير تلك السّنّ متروك لاجتهاد الإمام, ومنهم من قدّره باثنتين وستّين سنةً, أو بسبعين, أو بثمانين, أو بمائة, أو بمائة وعشرين سنةً. 23 - فإذا انقضت المدّة المذكورة جرى تقسيم ميراث المفقود بين ورثته الموجودين في اليوم الّذي أعتبر فيه ميّتاً, لا بين الّذين ماتوا قبله, فكأنّه مات حقيقةً في ذلك اليوم, بهذا قضى عمر وعثمان رضي الله عنهما, وهو قول للحنفيّة, وقول للمالكيّة, وهو القول الأصح عند الحنابلة, وفي القول الآخر عند الحنابلة: يقسّم الميراث بعد انقضاء عدّة الزّوجة إذا كان المفقود يغلب عليه الهلاك وفي قولٍ للحنفيّة, وفي القول المعتمد عند المالكيّة, وفي المذهب الشّافعيّ, وفي قولٍ للحنابلة: أنّ ميراث المفقود يعطى لورثته الأحياء يوم الحكم بموته, إلا أنّ الشّافعيّة قالوا: إذا مضت مدّة زائدة على ما يغلب على الظّنّ أنّ المفقود لا يعيش فوقها, وحكم القاضي بموته من مضيّ تلك المدّة السّابقة على حكمه بزمن معلومٍ, فينبغي أن يصحّ, ويعطى المال لمن كان وارثه في ذلك الوقت, وإن كان سابقاً على الحكم. وتعتد امرأة المفقود عدّة الوفاة في الوقت الّذي جرى فيه تقسيم ميراثه. (ر: ف 5). 24 - ولا بدّ من الحكم باعتباره ميّتاً عند الحنفيّة, وهو المنصوص عليه في المذهب, وهو قول عند المالكيّة, وبه أخذ الشّافعيّة. وهو قول عند الحنابلة, غير أنّ القول الأصحّ عندهم أنّه لا يحتاج إلى حكمٍ باعتباره ميّتاً, وهو قول للحنفيّة وللمالكيّة. وأمّا طبيعة الحكم باعتباره المفقود ميّتاً, فللفقهاء فيه خلاف, فهو منشئ للحالة الجديدة الّتي أصبح عليها المفقود عند من قال بوجوب صدور الحكم, وهو مظهر عند من قال بعدم وجوب الحكم. (ر: ف 6). ولهذا الخلاف نتائج مهمّة جداً, فعلى القول بأنّ الحكم منشئ لا تستطيع الزّوجة أن تبدأ عدّة الوفاة, ولا أن تتزوّج إلا بعد صدوره. وكذلك فإنّ أموال المفقود لا توزّع إلا بين الورثة الموجودين يوم صدور الحكم لا قبله, كأن المفقود قد مات حقيقةً في اليوم المذكور. وأمّا من قال بأنّ الحكم مظهر, فإنّ عدّة الزّوجة تبدأ من تاريخ انتهاء مدّة التّربص, أو من بلوغ المفقود السّنّ الّتي لا يمكن أن يحيا بعدها, وأنّ ميراث المفقود يقسّم بين ورثته الأحياء في ذلك التّاريخ, ولا عبرة لصدور الحكم.
إن ظهر المفقود حياً بعد الحكم باعتباره ميّتاً, فإنّ لذلك آثاراً بالنّسبة لزوجته, وبالنّسبة لأمواله.
25 - للفقهاء في هذه المسألة خلاف: ذهب الحنفيّة إلى أنّ المفقود إن عاد ولم تكن زوجته قد تزوّجت فهو أحق بها, فإن تزوّجت فلا سبيل له عليها, وفي قولٍ آخر: إنّ زوجته له. وعند المالكيّة أنّ المفقود إن عاد قبل نكاح زوجته غيره, فهي زوجته, وهذا هو القول المشهور المعمول به, فإن عاد بعد النّكاح, فعن مالكٍ في ذلك روايتان: الأولى: إن عاد قبل الدخول, فهو أحق بها, ويفرّق بينها وبين زوجها الثّاني, وأمّا إن عاد بعد الدخول, فالثّاني على نكاحه, ولا يفرّق بينه, وبين زوجته. الثّانية: إن عاد المفقود, فوجد زوجته قد تزوّجت فلا سبيل له عليها, ولو لم يكن دخول. وقد أخذ بكلّ من الرّوايتين طائفة من المالكيّة, وقال ابن القاسم, وأشهب بأنّ أقوى القولين ما جاء في الرّواية الثّانية وهي مذكورة في الموطّأ. وقول الشّافعيّة يختلف بين القديم والجديد: ففي القول القديم: إن قدم المفقود بعد زواج امرأته, ففي عودتها إليه قولان, وقيل يخيّر الأوّل بين أخذها من الثّاني, وتركها له وأخذ مهر المثل منه. وفي القول الجديد: هي باقية على نكاح المفقود, فإن تزوّجت غيره فنكاحها باطل, تعود للأوّل بعد انتهاء عدّتها من الثّاني. وذهب الحنابلة إلى أنّ المفقود إن قدم قبل أن تتزوّج امرأته, فهي على عصمته. فإن تزوّجت غيره, ولم يدخل بها, فهي زوجة الأوّل في روايةٍ, وهي الصّحيح, وفي روايةٍ أنّه يخيّر. فإن دخل بها الثّاني, كان الأوّل بالخيار, إن شاء أخذ زوجته بالعقد الأوّل, وإن شاء أخذ مهرها وبقيت على نكاح الثّاني. فإن اختار المرأة, وجب عليها أن تعتدّ من الثّاني قبل أن يطأها الأوّل, ولا حاجة لطلاقها منه, وهو المنصوص عن أحمد، وقيل: تحتاج إلى طلاقٍ. وإن اختار تركها فإنّه يرجع على الزّوج الثّاني بالمهر الّذي دفعه هو, وفي روايةٍ: يرجع عليه بالمهر الّذي دفعه الثّاني, والأوّل هو الصّواب. وفي رجوع الزّوج الثّاني على المرأة بما دفعه للأوّل روايتان, وعدم الرجوع هو الأظهر والأصح. ويجب أن يجدّد الزّوج الثّاني عقد زواجه إن اختار الأوّل ترك الزّوجة له, وهو الصّحيح. وقيل: لا يحتاج إلى ذلك, وهو القياس. فإن رجع المفقود بعد موت الزّوجة على عصمة الثّاني فلا خيار له, وهي زوجة الثّاني ظاهراً وباطناً, وهو يرثها ولا يرثها الأوّل, وقال بعضهم: يرثها. وقد جعل بعض الحنابلة التّخيير للمرأة, فإن شاءت اختارت الأوّل, وإن شاءت اختارت الثّاني, وأيّهما اختارت, ردّت على الآخر ما أخذت منه.
26 - للفقهاء في هذه المسألة خلاف: ذهب الحنفيّة إلى أنّ المفقود إن عاد حياً, فإنّه لا يرجع على زوجته وأولاده بما أنفقوه بإذن القاضي وإن باعوا شيئاً من الأعيان ضمنوه. ويأخذ أيضاً ما بقي في أيدي الورثة من أمواله, ولا يطالب بما ذهب, سواء أظهر حياً قبل الحكم باعتباره ميّتاً, أم بعده. وقال المالكيّة والشّافعيّة بأنّه يرجع بجميع تركته, ولو بعد تقسيمها على الورثة. وعند الحنابلة يأخذ المفقود ما وجد من أعيان أمواله وأمّا ما تلف, فإنّه مضمون على الورثة في الرّواية الصّحيحة في المذهب, وفي الرّواية الأخرى غير مضمونٍ, وقد اختارها جماعة منهم.
انظر: إفلاس.
1 - المفهوم: هو ما دلّ عليه اللّفظ لا في محلّ النطق, أي يكون حكماً لغير المذكور, وحالاً من أحواله, كتحريم ضرب الوالدين المفهومة حرمته من قوله تعالى: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ} الدّالّ منطوقاً على تحريم التّأفيف. المنطوق: 2 - المنطوق: هو ما دلّ عليه اللّفظ على ثبوت حكم المذكور مطابقةً, أو تضمناً, أو التزاماً, أي يكون حكماً للمذكور وحالاً من أحواله. والصّلة بين المفهوم والمنطوق: أنّ كليهما من أقسام الدّلالة, وقيل: من أقسام المدلول.
3 - يختلف حكم المفهوم باختلاف قسميه: مفهوم الموافقة, ومفهوم المخالفة وذلك على النّحو التّالي: أ - مفهوم الموافقة: 4 - مفهوم الموافقة: أن يكون المسكوت عنه موافقاً للمنطوق به في الحكم, كدلالة النّهي عن التّأفيف على حرمة الضّرب, وهذا يسمّى عند الحنفيّة بدلالة النّصّ. وهو حجّة اتّفاقاً كما ذكره ابن عابدين, وقال الشّوكاني نقلاً عن القاضي أبي بكرٍ الباقلانيّ: القول بمفهوم الموافقة من حيث الجملة مجمع عليه. ثمّ مفهوم الموافقة إن كان أولى بالحكم من المنطوق به يسمّى فحوى الخطاب, كالمثال السّابق, لأنّ الضّرب أشد من التّأفيف في الإيذاء. وإن كان مساوياً له يسمّى لحن الخطاب, كتحريم إحراق مال اليتيم المفهومة حرمته من قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} لأنّ تحريم الإحراق مساوٍ لتحريم الأكل المذكور في الآية في الإتلاف. ب - مفهوم المخالفة: 5 - مفهوم المخالفة: هو ثبوت نقض حكم المنطوق, نفياً كان أو إثباتاً, للمسكوت عنه, ويسمّى دليل الخطاب أيضاً, لأنّ دليله من جنس الخطاب, أو لأنّ الخطاب دال عليه. والمفاهيم المخالفة بأقسامها حجّة عند الجمهور إلا مفهوم اللّقب, قال الجلال المحلّي وابن عبد الشّكور: احتجّ بمفهوم اللّقب الدّقّاق والصّيرفي من الشّافعيّة, وابن خويزمنداد من المالكيّة, وبعض الحنابلة, علماً كان أو اسم جنسٍ, نحو على زيدٍ حج أي: لا على عمرٍو, وفي النّعم زكاة أي: لا في غيرها. وأمّا جمهور الحنفيّة فإنّهم - كما ذكر ابن عابدين نقلاً عن التّحرير - ينفون مفهوم المخالفة بأقسامه في كلام الشّارع فقط, قال ابن عابدين: أفاد أنّ مفهوم المخالفة في الرّوايات ونحوها معتبر بأقسامه حتّى مفهوم اللّقب. وفي أنواع مفهوم المخالفة, وشروط العمل به, وغير ذلك تفصيل ينظر في الملحق الأصوليّ.
1 - المفوّضة في اللغة: اسم فاعلٍ من التّفويض, والتّفويض جعل الأمر إلى غيره, يقال: فوّض الأمر إليه أي جعل له التّصرف فيه. وفي الاصطلاح: هي المرأة الّتي نكحت بلا ذكر مهرٍ, أو على أن لا مهر لها, وسمّيت مفوّضةً بكسر الواو, لتفويضها أمرها إلى الزّوج أو إلى الوليّ بلا مهرٍ, أو لأنّها أهملت المهر, وتسمّى مفوّضةً بفتح الواو, إذا فوّض وليها أمرها إلى الزّوج بلا مهرٍ, قال بعض العلماء: والفتح أفصح. الشّغار: 2 - الشّغار في اللغة: من شغر البلد شغوراً إذا خلا عن حافظٍ يمنعه. وفي الاصطلاح: أن يزوّج كل واحدٍ صاحبه بنته على أنّ بضع كلّ واحدةٍ صداق الأخرى, ولا مهر سوى ذلك فيقبل ذلك. والعلاقة بينهما أنّ كلاً منهما يجعل عقد النّكاح بلا مهرٍ.
3 - اتّفق الفقهاء على أنّ المهر ليس من أركان عقد النّكاح, وأنّ عقد الزّوج يصح بلا مهرٍ, فإذا زوّجها وسكت عن تعيين الصّداق حين العقد, أو قالت لوليّها أو لزوجها أو لأجنبيّ: زوّجني على ما شئت أو نحو ذلك صحّ العقد باتّفاق الفقهاء. والأصل في ذلك قوله تعالى: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} الآية, ولما روي من أنّ ابن مسعودٍ رضي الله عنه سئل عن رجلٍ تزوّج امرأةً ولم يفرض لها صداقاً ولم يدخل بها حتّى مات، فقال رضي الله عنه: لها مثل صداق نسائها لا وكس ولا شطط، وعليها العدّة ولها الميراث, ولأنّ القصد من النّكاح الاستمتاع والوصلة دون الصّداق, فصحّ من غير ذكره كالنّفقة.
قسّم الفقهاء التّفويض إلى ضربين:
4 - التّفويض ينصرف إلى تفويض البضع عند الإطلاق, وهو إخلاء النّكاح عن المهر كأن تأذن المرأة لوليّها أن يزوّجها بغير صداقٍ بقولها له: زوّجني بلا مهرٍ, وذلك إذا كانت عاقلةً بالغةً رشيدةً ثيّباً كانت أو بكراً, فيزوّجها الولي ويسكت عن المهر, وهذه الصورة من التّفويض صحيحة باتّفاق الفقهاء, أو ينفي المهر بقوله: زوّجتك بغير مهرٍ أو زوّجتك بغير مهرٍ لا في الحال ولا في المآل, فيصح العقد بهذه الصّيغة عند جمهور الفقهاء, للنصوص السّابقة, ولأنّ القصد من النّكاح الوصلة والاستمتاع دون الصّداق, ولأنّ معنى الصورتين واحد. وذهب المالكيّة وهو وجه عند الشّافعيّة إلى بطلان عقد النّكاح في هذه الصورة، لأنّ التزام هذا الشّرط يجعلها كالموهوبة الّتي اختصّ بها النّبي صلى الله عليه وسلم. قال المالكيّة: إن وقع - النّكاح بهذه الصورة - فالمشهور أنّه يفسخ النّكاح قبل الدخول بناءً على أنّ فساده من جهة صداقه, ويثبت بعد الدخول بصداق المثل, ومقابل المشهور قولان: الأوّل: يفسخ العقد قبل البناء وبعد البناء بناءً على أنّ فساد النّكاح من جهة عقده. الثّاني: لا يفسخ العقد قبل البناء ولا بعد البناء ويكون لها صداق المثل. وهل يفسخ العقد بطلاق؟ قولان عند المالكيّة الرّاجح منهما أنّه يفسخ - في حال الفسخ - بطلاق, لأنّه مختلف فيه. وفي كلّ الأحوال يلحق به الولد, ويسقط به الحد لوجود الخلاف. وقال المالكيّة: وفي معنى إسقاط المهر - المذكور في الصورة السّابقة - إرسال المرأة للزّوج مالاً على أن يدفعه لها صداقاً فيفسخ العقد قبل البناء ويثبت بعد البناء بصداق المثل, أمّا لو سكتا عن المهر عند العقد أو دخلا على التّفويض باللّفظ أو على تحكيم الغير في بيان قدر المهر فلا فساد. وأمّا إذا كانت المفوّضة صغيرةً أو مجنونةً أو غير رشيدةٍ كأن تكون سفيهةً محجوراً عليها فلا يصح تفويضها. وإذا زوّج الأب ابنته المجبرة بغير صداقٍ صحّ النّكاح وبطل التّفويض في الأظهر عند الشّافعيّة وكان لها مهر المثل بالعقد. وذهب الحنابلة هو وجه عند الشّافعيّة إلى صحّة النّكاح والتّفويض. قال الماورديّ: إذا فوّض الولي نكاحها بغير إذنها فعلى ضربين: أحدهما: أن يكون الولي ممّن لا ينكح إلا بإذن كسائر الأولياء مع الثّيّب وغير الأب مع البكر, فإن لم يستأذنها في النّكاح ولا في التّفويض كان النّكاح باطلاً, فإن استأذنها في النّكاح ولم يستأذنها في التّفويض صحّ النّكاح وبطل التّفويض, وكان لها بالعقد مهر المثل. والضّرب الثّاني: أن يكون الولي ممّن يصح أن ينكح من غير إذنٍ كالأب مع بنته البكر فالنّكاح صحيح بغير إذنها فأمّا صحّة التّفويض بغير إذنها فمعتبر باختلاف القولين في الّذي بيده عقدة النّكاح, فإن قيل: إنّه الزّوج دون الأب بطل تفويض الأب, وإن قيل: إنّه الأب ففي صحّة تفويضه وجهان: أحدهما: وهو قول أبي إسحاق المروزيّ: أنّه باطل ولها بالعقد مهر المثل. والوجه الثّاني: هو قول أبي عليّ بن أبي هريرة: أنّه صحيح كالعقود وليس لها بالعقد مهر. وقال النّووي رحمه اللّه تعالى: لو زوّجها الولي ونفى المهر من غير أن ترضى هي بمهر المثل, فهو كما لو نقص عن مهر المثل, فإن كان الولي مجبراً فهل يبطل النّكاح؟ أم يصح بمهر المثل؟ قولان. وإن كان الولي غير مجبرٍ فهل يبطل قطعاً أم على القولين؟ فيه طريقان. ولو أنكحها وليها على أن لا مهر لها ولا نفقة أو على أن لا مهر لها وتعطي زوجها ألفاً فهذا أبلغ في التّفويض, ولو قالت لوليّها: زوّجني بلا مهرٍ فزوّجها بمهر المثل من نقد البلد صحّ المسمّى وإن زوّجها بدون مهر المثل أو بغير نقد البلد لم يلزم المسمّى وكان كما لو أنكحها تفويضاً.
5 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يصح النّكاح إذا زوّجها على ما شاءت هي أو على ما شاء الزّوج, أو على ما شاء الولي أو على ما شاء أجنبي: أي أن يجعل الصّداق إلى رأي أحد الزّوجين أو رأي الوليّ, أو رأي أجنبيٍّ بقوله: زوّجتك على ما شئت أو على ما شئنا, أو على ما شاء زيد, أو زوّجتك على حكمها أو على حكمك أو على حكمي, أو على حكم زيدٍ, ونحو ذلك, فالنّكاح صحيح في جميع هذه الصور ويجب مهر المثل لأنّها لم تأذن في تزويجها إلا على صداقٍ لكنّه مجهول فسقط لجهالته ووجب مهر المثل, والتّفويض الصّحيح كما قال ابن قدامة: أن تأذن المرأة الجائزة للتّصرف لوليّها في تزويجها بغير مهرٍ, أو بتفويض قدره أو يزوّجها أبوها كذلك - أي بغير مهرٍ - فأمّا إن زوّجها غير أبيها ولم يذكر مهراً بغير إذنها في ذلك فإنّه يجب مهر المثل. قال الإمام النّووي رحمه اللّه: لو قالت لوليّها: زوّجني وسكتت عن المهر فالّذي ذكره الإمام وغيره أنّ هذا ليس بتفويض لأنّ النّكاح يعقد غالباً بمهر فيحمل الإذن على العادة فكأنّها قالت: زوّجني بمهر. ثمّ قال: وفي بعض كتب العراقيّين ما يقتضي كونه تفويضاً. فإذا أطلقت الإذن - أي سكتت عن المهر - وزوّجها الولي ولم يسمّ لها في العقد مهراً, ولا شرط فيه أن ليس لها مهراً, فقد اختلف أصحاب الشّافعيّ هل يكون نكاح تفويضٍ أم لا؟ على وجهين: أحدهما: وهو قول أبي إسحاق المروزيّ أنّه ليس بنكاح تفويضٍ, لعدم الشّرط في سقوط المهر ويكون مهر المثل مستحقاً بالعقد, قال النّووي رحمه اللّه تعالى: وليس النّكاح في هذه الصور خالياً عن المهر وليس هذا التّفويض بالتّفويض الّذي عقدنا له الباب. الثّاني: وهو قول أبي عليّ بن أبي هريرة أنّه نكاح تفويضٍ, لأنّ إسقاط ذكر المهر في العقد كاشتراط سقوطه في العقد, فعلى هذا لا مهر لها بالعقد إلا أن تتعقّبه أحد أمورٍ أربعةٍ هي: إمّا: بأن يفرضاه عن مراضاةٍ, وإمّا: بأن يفرضه الحاكم بينهما, وإمّا بالدخول بها, وإمّا بالموت, كما يأتي تفصيله لاحقاً.
6 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يجب للمفوّضة مهر: إمّا بنفس العقد, أو بغيره على خلافٍ بين الفقهاء كما سيأتي, وأنّه لا يخلو نكاح في دار الإسلام عن مهرٍ وأنّ المفوّضة تستحق هذا المهر بأحد أمورٍ أربعةٍ: أوّلها: أن يفرض أحد الزّوجين المهر برضاء الآخر قبل الدخول فهذا المفروض حكمه حكم المهر المسمّى في العقد فيتشطّر بالطّلاق ويتأكّد بالدخول وبالموت ولها حبس نفسها لتسليمه. الثّاني: أن يفرضه القاضي بينهما وذلك عند تنازعهما في قدر المفروض أو عندما يمتنع الزّوج من الفرض فيفرض مقدار مهر المثل لأنّ وظيفته فصل الخصومات ولا يتوقّف ما يفرضه القاضي على رضاهما, لأنّه حكم إلا أنّه لا يزيد عن مهر مثلها, لأنّ الزّيادة عن مهر المثل ميل على الزّوج, ولا ينقص عن مهر المثل, لأنّ النقصان عن مهر المثل ميل على الزّوجة ولا يحل الميل لأحد الخصمين, ولأنّه إنّما يفرض بدل البضع, فيقدّر بقدره كسلعة أتلفت يقوّمها بما يقول به أهل الخبرة, قال البهوتي: فلا يغيّره حاكم آخر ما لم يتغيّر السّبب كيساره وإعساره في النّفقة والكسوة, فإنّ الحاكم يغيّره ويفرضه ثانياً باعتبار الحال, وليس ذلك نقضاً للحكم السّابق, وبذلك يشترط للقاضي عند فرضه لمهر المثل علمه بقدر مهر مثلها حتّى لا يزيد عليه ولا ينقص عنه لكن الشّافعيّة نصوا على أنّه يغتفر الزّيادة أو النّقص اليسير الواقع في محلّ الاجتهاد الّذي يحتمل مثله في قدر مهر المثل, وقال الشّربيني الخطيب ما معناه: منع الزّيادة والنّقص وإن رضي الزّوجان وهو كذلك, لأنّ منصبه يقتضي ذلك ثمّ إن شاءا بعد ذلك فعلا ما شاءا, واختار الأذرعي الجواز. وما فرضه القاضي من مهر المثل كالمسمّى في العقد أيضاً فيتنصّف بالطّلاق قبل الدخول ولا تجب المتعة معه, لعموم قوله تعالى: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ، وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}. ونصّ الشّافعيّة والحنابلة على أنّه لا يصح فرض أجنبيٍّ بغير إذن الزّوجين لأنّه ليس بزوج ولا حاكمٍ, ولأنّ هذا فيه خلاف كلٍّ يقتضيه العقد فإذا فرض أجنبي للمفوّضة مهراً يعطيه من مال نفسه لم يصحّ وإن رضيت على الأصحّ عند الشّافعيّة, ومقابل الأصحّ يصح كما يصح أن يؤدّي الصّداق عن الزّوج بغير إذنه. ويرى المالكيّة أنّ فرض الأجنبيّ كفرض الزّوج ويسمون هذا تحكيماً, فإن فرض مهر المثل لزمهما ولا يلزمه فرضه ابتداءً, وإن فرض أقلّ منه لزمه دون الزّوجة, وإن فرض المحكّم أكثر منه فعلى العكس أي لزمها دونه فهو مخيّر بين الرّضا وعدمه. الثّالث: أن يدخل بها، فقد ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا دخل بالمفوّضة وجب لها مهر المثل وإن أذنت له في وطئها بشرط أن لا مهر لها, لأنّ الوطء لا يباح بالإباحة, لما فيه من حقّ اللّه, ولأنّ الوطء في دار الإسلام لا يخلو من مهرٍ أو حدٍّ, ولتخرج بالتزام المهر ممّا خصّ به نبي اللّه صلى الله عليه وسلم من نكاح الموهوبة بغير مهرٍ, ومن حكم الزّنا الّذي لا يستحق فيه مهر, ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «لها الصّداق بما استحللت من فرجها». ومثل الدخول في وجوب مهر المثل الخلوة الصّحيحة, وذلك عند الحنفيّة والحنابلة والقديم عند الشّافعيّة والخلوة الصّحيحة أن يخلو الزّوج بزوجته بعد العقد الصّحيح بلا مانعٍ حسّيٍّ كمرض لأحدهما يمنع الوطء, وبلا مانعٍ طبعيٍّ كوجود شخصٍ ثالثٍ عاقلٍ معهما, وبلا مانعٍ شرعيٍّ من أحدهما كإحرام لفرض من حجٍّ أو عمرةٍ, قال الحنفيّة: ومن المانع الحسّيّ رتق وقرن وعفل, وصغر لا يطاق معه الجماع. وزاد الحنابلة: أنّ المهر يتقرّر كذلك بلمس الزّوجة بشهوة والنّظر إلى فرجها بشهوة, وتقبيلها ولو بحضرة النّاس, لأنّ ذلك نوع استمتاعٍ فأوجب المهر كالوطء, ولأنّه نال منها شيئاً لا يباح لغيره, ولمفهوم قوله تعالى: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} وحقيقة اللّمس التقاء البشرتين. أمّا المالكيّة والشّافعيّة في الجديد فلا يستقر عندهم المهر بالخلوة لقوله تعالى: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} الآية, والمراد بالمسّ الجماع, ولأنّ الخلوة لا تلتحق بالوطء في سائر الأحكام من حدٍّ وغسلٍ ونحوهما. الرّابع: الموت، ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ المفوّضة يجب لها مهر المثل إذا مات زوجها أو ماتت هي قبل الفرض وقبل المسيس, لإجماع الصّحابة رضي الله عنهم على ذلك, ولأنّ الموت لا يبطل به النّكاح بدليل التّوارث وإنّما هو نهاية له ونهاية العقد كاستيفاء المعقود عليه بدليل الإجارة ومتى استقرّ لم يسقط منه شيء بانفساخ النّكاح ولا غيره, قال الحنابلة: حتّى ولو قتل أحدهما الآخر, أو قتل أحدهما نفسه، لأنّ النّكاح قد بلغ غايته فقام مقام الاستيفاء للمنفعة, ونصّ الشّافعيّة على أنّه لو قتلت المرأة زوجها قبل الدخول لم يستقرّ المهر. وقال ابن عابدين: واعلم أنّه إذا ماتا جميعاً فعند أبي حنيفة لا يقضى بشيء وعندهما يقضى بمهر المثل. وقال السّرخسي: هذا إذا تقادم العهد بحيث يتعذّر على القاضي الوقوف على مهر المثل, أمّا إذا لم يتقادم فيقضى بمهر المثل عنده أيضاً. وذهب المالكيّة وهو قول عند الشّافعيّة إلى أنّ موت أحد الزّوجين لا يجب به شيء. قال الإمام النّووي في الرّوضة: إذا مات أحد الزّوجين قبل الفرض والمسيس فهل يجب مهر المثل أم لا يجب شيء؟ فيه خلاف مبني على حديث بروع بنت واشقٍ أنّها نكحت بلا مهرٍ, فمات زوجها قبل أن يفرض لها فقضى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بمهر يفرض لها فقضى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بمهر نسائها والميراث. والرّاجح ترجيح الوجوب والحديث صحيح، ولا اعتبار بما قيل في إسناده وقياساً على الدخول فإنّ الموت مقرّر كالدخول, ولا وجه للقول الآخر مع صحّة الحديث.
7 - نصّ الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة على أنّ للمفوّضة قبل الدخول مطالبة الزّوج بأن يفرض لها مهراً لتكون على بصيرةٍ من تسليم نفسها, لأنّ النّكاح لا يخلو من المهر, فلها حق المطالبة ببيان قدره. قال ابن قدامة: ولا نعلم فيه مخالفاً, فإن اتّفق الزّوجان على فرضه جاز ما فرضاه, قليلاً كان أو كثيراً سواء كانا عالمين بقدر مهر المثل أو غير عالمين به، لأنّه إذا فرض لها كثيراً فقد بذل لها من ماله فوق ما يلزمه, وإن رضيت باليسير, فقد رضيت بدون ما يجب لها فلا تمنع من ذلك, عن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لرجل: «أترضى أن أزوّجك فلانة؟ قال: نعم، وقال للمرأة: أترضين أن أزوّجك فلاناً؟ قالت: نعم، فزوّج أحدهما صاحبه فدخل بها الرّجل ولم يفرض لها صداقاً ولم يعطها شيئاً، وكان ممّن شهد الحديبية وكان من شهد الحديبية له سهم بخيبر، فلمّا حضرته الوفاة قال: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم زوّجني فلانة ولم يفرض لها صداقاً، ولم أعطها شيئاً وإنّي أشهدكم أنّي قد أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر، فأخذت سهماً فباعته بمائة ألفٍ». فأمّا إن تشاحّا فيه ففرض لها مهر مثلها أو أكثر منه فليس لها المطالبة بسواه, فإن لم ترض به لم يستقرّ لها حتّى ترضاه, فإن طلّقها قبل الدخول فليس لها إلا المتعة, لأنّه لم يثبت لها بفرضه ما لم ترض به كحالة الابتداء, وإن فرض لها أقلّ من مهر المثل فلها المطالبة بتمامه ولا يثبت لها ما لم ترض به, وإن تشاحّا رفعا إلى القاضي, وفرض لها مهر المثل كما سبق. أمّا المالكيّة فقالوا: إنّ للمفوّضة طلب تقدير قدر المهر في نكاح التّفويض قبل البناء ويكره لها تمكينه من نفسها قبل البناء إلا أنّه يلزمها الرّضا بما فرض لها الزّوج إن فرض لها مهر المثل أو أكثر, أمّا إن فرض لها بأقلّ من مهر مثلها فلا يلزمها الرّضا به, فإن رضيت به جاز إذا كانت رشيدةً رشّدها مجبرها بعد بلوغها وتجربتها بحسن تصرفها في المال بشهادة عدلين على رفع حجره عنها وإطلاق التّصرف لها ولو كان ذلك بعد الدخول, كما يجوز للأب أن يرضى بأقلّ من مهر مثلها بالنّسبة لغير الرّشيدة, وإن كان ذلك بعد الدخول أيضاً, وكذلك يجوز لوصيّ الأب أن يرضى بأقلّ من مهر مثل محجورته بشرط أن يكون ذلك قبل الدخول, وبشرط أن يكون هذا صلاحاً لها كأن كان راجياً حسن عشرة زوجها لها, ولا يجوز لوليّ البكر المهملة الّتي مات أبوها ولم يوص عليها ولم يقدّم القاضي عليها مقدّماً يتصرّف لها الرّضا بأقلّ من مهر مثلها. وقالوا إذا لم يرض الزّوج بما فرض لها فله تطليقها ولا شيء عليه عند ذلك. وللمفوّضة عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة حبس نفسها عن الزّوج ليفرض لها مهراً ولها كذلك حبس نفسها عنه لتسليم المفروض إذا كان حالاً كالمسمّى في العقد, أمّا إذا كان المفروض مؤجّلاً فليس لها حبس نفسها عنه لتسليمه كالمهر المسمّى في العقد إذا كان مؤجّلاً أيضاً. وفي مقابل الأصحّ عند الشّافعيّة: أنّه ليس لها حبس نفسها عن زوجها لتسليم المفروض لأنّها سامحت بالمهر فكيف تضايق في تقديمه. 8 - واختلف الفقهاء في وقت استحقاق المفوّضة للمهر فذهب الحنفيّة والحنابلة وهو مقابل الأظهر عند الشّافعيّة إلى أنّ المفوّضة يجب لها المهر بنفس العقد, ولذلك يحق لها ولاية المطالبة بفرضه, وولاية المطالبة بتسليم المفروض, ولأنّه لو لم يجب بنفس العقد لما استقرّ بالموت كما في العقد الفاسد, ولأنّ النّكاح لا يجوز أن يخلو عن المهر والقول بعدم وجوبه يفضي إلى خلوّه عنه, ولأنّ ملك النّكاح لم يشرع لعينه, بل لمقاصد لا حصول لها إلا بالدّوام على النّكاح والقرار عليه, ولا يدوم إلا بوجوب المهر بنفس العقد, لما يجري بين الزّوجين من الأسباب الّتي تحمل الزّوج على الطّلاق من الوحشة والخشونة فلو لم يجب المهر بنفس العقد لا يبالي الزّوج عن إزالة هذا المذهب بأدنى خشونةٍ تحدث بينهما, لأنّه لا يشق عليه إزالته لمّا لم يخف لزوم المهر, فلا تحصل المقاصد المطلوبة من النّكاح, ولأنّ مصالح النّكاح ومقاصده لا تحصل إلا بالموافقة, ولا تحصل الموافقة إلا إذا كانت المرأة عزيزةً مكرّمةً عند الزّوج ولا عزّة إلا بانسداد طريق الوصول إليها بمال له خطر عنده, لأنّ ما ضاق طريق إصابته يعز في الأعين فيعز به إمساكه وما يتيسّر طريق إصابته يهون في الأعين فيهون إمساكه, ومتى هانت المرأة في أعين الزّوج تلحقها الوحشة فلا تقع الموافقة, فلا تحصل مقاصد النّكاح, ولأنّ الملك ثابت في جانبها إمّا في نفسها, وإمّا في المتعة وأحكام الملك في الحرّة تشعر بالذلّ والهوان, فلا بدّ وأن يقابله مال له خطر, لينجبر الذل من حيث المعنى, ولأنّها إذا طلبت الفرض من الزّوج يجب عليه الفرض حتّى لو امتنع فالقاضي يجبره على ذلك ولو لم يفعل ناب القاضي منابه في الفرض. وذهب الشّافعيّة في الأظهر عندهم إلى أنّه لا يجب للزّوجة المفوّضة مهر على زوجها بنفس العقد لأنّ القرآن دلّ على أنّه لا يجب لها إذا طلقت قبل المسيس إلا المتعة, ولأنّه لو وجب لها مهر بنفس العقد لتشطّر بالطّلاق قبل الدخول كالمسمّى الصّحيح. قال الماورديّ: لم يجب للمفوّضة بالعقد مهر, لاشتراطه سقوطه, ولا لها أن تطالب بمهر, لأنّه لم يجب لها بالعقد مهر ولكن لها أن تطالب بأن يفرض لها مهراً إمّا بمراضاة الزّوجين أو بحكم الحاكم فيصير المهر بعد الفرض كالمسمّى في العقد, ويفهم من كلام المالكيّة أنّهم يرون مثل مذهب الشّافعيّة حيث نصوا على أنّه يجوز للزّوج إذا فرض المحكّم لها مهر المثل ولم يرض أن يطلّقها ولا شيء عليه, ممّا يدل على أنّه لم يجب لها مهر بنفس العقد.
9 - اختلف الفقهاء في انتصاف ما فرض للمفوّضة إذا طلقت قبل الدخول وذلك بعد ما اتّفقوا على أنّه إذا طلّقها قبل الدخول وقبل الفرض فلا يجب لها شيء من المهر, لمفهوم قولـه تعالى: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}. فذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبي يوسف من الحنفيّة إلى أنّه يتنصّف ما فرض للمفوّضة إذا طلّقها قبل الدخول كالمهر المسمّى في العقد بشرط أن يكون سبب الفرقة من الزّوج لا من الزّوجة وبشرط أن يكون المفروض صحيحاً, سواء كان النهوض من الزّوجين أو من الحاكم لعموم قوله تعالى: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} الآية, ولأنّ هذا مهر وجب قبل الطّلاق, فوجب أن يتنصّف كما لو سمّاه. وذهب الحنفيّة وهو رواية عن أحمد إلى أنّه لا ينصّف المهر المفروض للمفوّضة إذا طلقت قبل الدخول لأنّ عقدها خلا من تسميةٍ فأشبهت الّتي لم يسمّ لها شيء, ولأنّ التّنصيف خاص بالمهر المسمّى في العقد بالنّصّ, لقوله تعالى: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} الآية, ولأنّ هذا المفروض تعيين للواجب بالعقد وهو مهر المثل وذلك لا يتنصّف فكذا ما نزّل منزلته.
10 - ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا طلقت المفوّضة قبل الدخول بها وقبل أن يفرض لها مهر فلا تستحق على زوجها شيئاً إلا المتعة, واختلفوا في وجوب المتعة لها إذا كانت الفرقة من جهة الزّوج لا من جهتها: فذهب الجمهور وهم الحنفيّة والشّافعيّة في الجديد والحنابلة إلى وجوب المتعة لها إذا طلقت قبل الدخول وقبل أن يفرض لها شيء وذلك إذا كانت الفرقة من جهة الزّوج كأن يطلّق أو يلاعن أو يفسخ العقد من قبلها بسبب الجبّ والعنّة والرّدّة منه وإبائه الإسلام وتقبيله ابنتها, أو أمّها عند من يرى ذلك. أمّا إذا كان السّبب من جهتها فلا متعة لها عندهم لا وجوباً ولا استحباباً. وذهب المالكيّة والشّافعيّة في القديم إلى أنّ المتعة ليست واجبةً للمفوّضة. وسبب الخلاف يعود إلى اختلافهم في تفسير بعض الألفاظ الواردة في قوله تعالى: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ}. وينظر التّفصيل في مصطلح: (تفويض ف 8, متعة الطّلاق ف 2).
11 - اختلف الفقهاء في أيّ حالٍ من أحوال المفوّضة يعتبر عند فرض مهر المثل لها, هل في حالها عند عقد النّكاح, لأنّه المقتضي للوجوب, أو في حالها عند الوطء, لأنّه وقت الوجوب عند بعض الفقهاء, أم يعتبر حالها من العقد إلى الوطء, لأنّ البضع دخل بالعقد في ضمان الزّوج واقترن به الإتلاف فوجب أكثر مهر مثلها من وقت عقدها إلى أن يطأها زوجها كالمقبوض بشراء فاسدٍ. والتّفصيل في مصطلح: (مهر).
|