الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****
الموسوعة الفقهية / الجزء الرابع والثلاثون 1 - من معاني القضاء في اللّغة: الفراغ، ومنه قول القائل: قضيت حاجتي. والقضاء أيضاً بمعنى الحكم والقطع والفصل، يقال: قضى يقضي قضاءً. إذا حكم وفصل، وقضاء الشيء: إحكامه وإمضاؤه. قال الزّهريّ: القضاء في اللّغة على وجوه: مرجعها إلى انقطاع الشيء وتمامه. والحاجة: المأربة، ويكنّى عنها في استعمال العرب بالبول والغائط، كما يكنّى عن التبوّل والتغوّط بقضاء الحاجة، قال الغزاليّ: الكناية بقضاء الحاجة عن التبوّل والتغوّط أولى من التصريح.
أ - الاستنجاء: 2 - من معاني الاستنجاء: الخلاص من الشيء، يقال: استنجى حاجته منه أي خلصها، وقال ابن قتيبة: مأخوذ من النّجوة وهي ما ارتفع من الأرض، لأنّه إذا أراد قضاء الحاجة استتر بها. واصطلاحاً: قال القليوبيّ: إزالة الخارج من الفرج عن الفرج بماء أو حجر. والعلاقة بين قضاء الحاجة والاستنجاء أنّ الثاني يعقب الأول. ب - الخلاء: 3 - الخلاء في الأصل المكان الخالي. وفي اصطلاح الفقهاء هو المكان المعدّ لقضاء الحاجة. والعلاقة أنّ قضاء الحاجة يكون في الخلاء.
أ - استقبال القبلة واستدبارها: 4 - ذهب أكثر أهل العلم إلى أنّه لا يجوز استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة، لما روى أبو أيّوب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شرّقوا، أو غرّبوا، قال أبو أيّوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض بنيت قبل القبلة فننحرف، ونستغفر الله تعالى»، ولما ورد عن أبي هريرة: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها». وتتحقق حرمة الاستقبال والاستدبار هذه بشرطين: 1 - أن يكون في الصحراء. 2 - أن يكون بلا حائل. وأما في البنيان، أو إذا كان بينه وبين القبلة شيء يستره ففيه قولان: أحدهما: لا يجوز أيضاً، وهو قول أبي حنيفة في الصحيح والثوريّ، لعموم الأحاديث في النهي. والثاني: يجوز استقبال القبلة واستدبارها في البنيان، وروي ذلك عن العباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم، وبه قال مالك والشافعيّ، وابن المنذر، لما روت عائشة رضي الله تعالى عنها: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم - ذكر له أن قوماً يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلة، فقال: أُراهم قد فعلوها؟ استَقبِلُوا بمقعدتي القبلة». قال أبو عبد الله: أحسن ما روى الرّخصة حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، وعن مروان الأصفر قال: رأيت ابن عمر رضي الله عنهما أناخ راحلته مستقبل القبلة، ثم جلس يبول إليها، فقلت: يا أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن هذا؟ قال: بلى، إنّما نهي عن ذلك في الفضاء فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس، وهذا تفسير لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه جمع بين الأحاديث، فيتعين المصير إليه. وعن أبي حنيفة يجوز استدبار الكعبة في البنيان والفضاء جميعاً، لأنّه غير مقابل للقبلة، وما ينحطّ منه ينحطّ نحو الأرض بخلاف المستقبل، لأنّ فرجه مواز لها وما ينحطّ منه، ينحطّ إليها. وبه قال أحمد في رواية لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: «ارتقيت فوق ظهر بيت حفصة لبعض حاجتي فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته، مستدبر القبلة مستقبل الشام». وقال الشافعية في غير المكان المعدّ لقضاء الحاجة: لا تستقبل القبلة ببول ولا تستدبر بغائط، لأنّ الاستقبال جعل الشيء قبالة الوجه والاستدبار جعل الشيء جهة دبره، فلو استقبل وتغوط أو استدبر وبال لم يحرم، وكذا لو استقبل ولوى ذكره يميناً أو يساراً بخلاف عكسه. فإن جلس مستقبلاً لها غافلاً، ثم تذكر انحرف ندباً، لحديث: «من جلس يبول قبالة القبلة فذكر، فتحرف عنها إجلالاً لها، لم يقم من مجلسه حتى يغفر له» هذا إن أمكنه وإلا فلا بأس. وقد صرح الحنفية بأنّه يكره تحريماً للمرأة إمساك صغير لبول أو غائط نحو القبلة، لأنّه قد وجد الفعل من المرأة. ب - تجنّب استقبال بيت المقدس واستدباره: 5 - في استقبال بيت المقدس واستدباره حال قضاء الحاجة قولان: الأول: أنّه مكروه وليس بحرام، وهذا قول الشافعية، وظاهر إحدى الرّوايتين عن أحمد، قال النّوويّ: وهو الصحيح المشهور. الثاني: أنّه ليس بحرام ولا مكروه، وهو قول المالكية، وظاهر الرّواية الأخرى عن الإمام أحمد وهي المذهب. قال الحطاب المالكيّ: لا يكره استقبال بيت المقدس ولا استدباره حال قضاء الحاجة، هكذا قال سند، لأنّ بيت المقدس ليس قبلةً. ج - استقبال الشمس والقمر: 6 - ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنّه يكره استقبال الشمس والقمر لأنّهما من آيات الله تعالى الباهرة، فيكره استقبالهما تعظيماً لهما، والظاهر أنّ المراد استقبال عينهما مطلقاً لا جهتهما، وأنّه لو كان ساتر يمنع عن العين ولو سحاباً فلا كراهة، لأنّه لو استتر عن القبلة جاز، فهاهنا أولى. ويرى المالكية أنّه يجوز استقبالهما، والمراد بالجواز خلاف الأولى عندهم. وأما استدبارهما فيجوز عند جمهور الفقهاء. ونقل ابن عابدين عن بعض الحنفية أنّه يكره استدبارهما أيضاً. وهو ما نقل عن المفتاح: ولا يقعد مستقبلاً للشمس والقمر ولا مستدبراً لهما للتعظيم، وقال الشّربينيّ: وقيل يكره استدبارهما. د - استقبال مهبّ الرّيح: 7 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه يكره لقاضي الحاجة إذا كانت الحاجة بولاً أو غائطاً رقيقاً أن يستقبل مهب الرّيح، لئلا يصيبه رشاش الخارج فينجّسه، وزاد المالكية: ولو كانت الرّيح ساكنةً لاحتمال تحرّكها وهيجانها. ولو هبت ريح عن يمين القبلة ويسارها، وغلب على ظنّه عود النّجاسة عليه، فالظاهر عند الحنفية أنّه يتعين عليه استدبار القبلة حيث أمكن لأنّ الاستقبال أفحش. هـ - كيفية الجلوس عند قضاء الحاجة: 8 - صرح الفقهاء بأنّه يستحبّ لقاضي الحاجة أن يوسّع بين رجليه في جلوسه لقضاء الحاجة، ويعتمد على رجله اليسرى، لما روى سراقة بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: «علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل أحدنا الخلاء أن يعتمد اليسرى وينصب اليمنى» ولأنّه أسهل لخروج الخارج، ويجتهد في الاستفراغ منه، ولا يطيل المقام أكثر من قدر الحاجة، لأنّ ذلك يضرّه، وربما آذى من ينتظره. ويستحبّ أن يغطّي رأسه حال الجلوس، لأنّ ذلك يروى عن أبي بكر الصّدّيق رضي الله تعالى عنه، ولأنّه حال كشف العورة فيستحيي فيها من الله عز وجل ومن الملائكة، وقيل: لأنّه أحفظ لمسامّ الشعر من علوق الرائحة بها فتضرّه، ويلبس حذاءه لئلا تتنجس رجلاه، ولا يكشف عورته قبل أن يدنو إلى القعود. و - التبوّل قائماً: 9 - يكره عند جمهور الفقهاء أن يبول الرجل قائماً لغير عذر، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «من حدثك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائماً فلا تصدّقه»، وقال جابر رضي الله عنه: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبول الرجل قائماً». وفي رواية أخرى عن الإمام أحمد ذكرها في الإنصاف: لا يكره ولو بلا حاجة إن أمن تلوّثاً أو ناظراً، والمذهب كقول الجمهور، قال صاحب المغني: وقد رويت الرّخصة فيه - يعني البول من قيام - عن عمر وعليّ وابن عمر وزيد بن ثابت وسهل بن سعد وأنس وأبي هريرة وعروة رضي الله عنهم. فإن كان لعذر فليس بمكروه اتّفاقاً، قال الشافعية: بل ولا خلاف الأولى، لما ورد عن حذيفة رضي الله عنه: «أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً، فتنحيت فقال: ادنه، فدنوت حتى قمت عند عقبيه فتوضأ فمسح على خفيه». وسبب بوله قائماً ما قيل إنّ العرب كانت تستشفي به لوجع الصّلب، فلعله كان به، قال النّوويّ: ويجوز أن يكون فعله لبيان الجواز، ويفهم مثل ذلك من تعليل الحنابلة. وفصل المالكية في ذلك، فرأوا أنّه إن كان المكان رخواً طاهراً كالرمل جاز فيه القيام، والجلوس أولى لأنّه أستر، وإن كان رخواً نجساً بال قائماً مخافة أن تتنجس ثيابه، وإن كان صلباً طاهراً تعين الجلوس لئلا يتطاير عليه شيء من البول، وإن كان صلباً نجساً تنحى عنه إلى غيره ولا يبول فيه قائماً ولا قاعداً. ولا يعرف هذا التقسيم لغيرهم. ز - ترك التكلّم بذكر أو بغيره: 10 - أما قراءة القرآن ففيها عند الفقهاء قولان: الأول: أنّها حرام، وهو المذهب عند الحنابلة وقول للمالكية. والثاني: أنّها مكروهة، وهو مذهب الشافعية وقول للحنابلة. قال الجمل: إنّ الكلام مكروه ولو بالقرآن خلافاً للأذرعيّ حيث قال بتحريمه. 11 - وأما ما عدا القرآن: فقد نص الفقهاء في المذاهب الأربعة على كراهة التكلّم حال قضاء الحاجة بذكر أو غيره، وفيه خلاف لبعض المالكية، قال الخرشيّ: إنّما طلب السّكوت لأنّ ذلك المحلّ مما يجب ستره وإخفاؤه والمحادثة تقتضي عدم ذلك، والحجة لهذه المسألة على قول الجمهور، أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان، فإنّ الله يمقت على ذلك»، وما رواه المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه قال: «أنّه أتى النّبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه فقال: إنّي كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طهر» وما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «إنّ رجلاً مر على النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلم عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلّم علي، فإنّك إن فعلت ذلك لم أرد عليك». وقد صرح الحنفية بأنّ الكراهة في حال قضاء الحاجة سواء كانت بولاً أو غائطًا، وأنّه يكره التكلّم كذلك في موضع الخلاء ولو في غير حال قضاء الحاجة. وقد صرح المالكية والشافعية والحنابلة باستثناء حالة الضرورة، قال النّوويّ: كأن رأى ضريراً يقع في بئر، أو رأى حيةً أو غيرها تقصد إنساناً أو غيره من المحترمات، فلا كراهة في الكلام في هذه المواضع بل يجب في أكثرها، قال القليوبيّ: يجب للضرورة ويندب للحاجة. ومن الأذكار التي نصّوا عليها أنّه لا يحمد إن عطس، ولا يشمّت عاطساً، ولا يجيب المؤذّن، ولا يردّ السلام ولا يسبّح، لكن قال البغويّ من الشافعية ونقله عن الشعبيّ والحسن والنّخعيّ وابن المبارك: إن عطس حمد الله في نفسه، وكذا قال صاحب كشاف القناع من الحنابلة يجيب المؤذّن بقلبه ويقضيه بعد ذلك ولا يكره الذّكر بالقلب، وذكر في ردّ السلام قولين. ثانيهما أنّه لا يكره. وعند الشافعية الحكم كذلك في ذكر الدّخول إلى الخلاء إذا نسيه فيذكر الله في نفسه في الحالتين. وقال كنون في حاشيته: روى عياض جواز ذكر الله في الكنيف. قال القاضي: وهو قول مالك والنّخعيّ وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وقال ابن القاسم: إذا عطس وهو يبول فليحمد الله، وقال ابن رشد: الدليل له من جهة الأثر «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كلّ أحيانه»، ومن طريق النظر أنّ ذكر الله يصعد إلى الله فلا يتعلق به من دناءة المحلّ شيء فلا ينبغي أن يمنع من ذكر الله على كلّ حال إلا بنص ليس فيه احتمال. أ هـ. وقد ذكر صاحب الإنصاف من الحنابلة روايةً عن أحمد أنّه لا يكره إجابة المؤذّن في تلك الحال، وبها أخذ الشيخ تقيّ الدّين، والمذهب أنّه يكره. ح - إلقاء السلام على المتخلّي وردّه: 12 - ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى كراهة إلقاء السلام على المتغوّط، واستدلّوا بالحديث المتقدّم في المسألة السابقة. وكره ذلك الحنفية أيضاً، قال ابن عابدين: ويراد به ما يعمّ البول، قال: وظاهره التحريم. ط - الذّكر إذا كان مكان الخلاء هو مكان الوضوء: 13 - قال ابن عابدين: لو توضأ في الخلاء فهل يأتي بالبسملة وغيرها من أدعية الوضوء مراعاةً لسنّته؟ أو يتركها مراعاةً للمحلّ؟ قال: الذي يظهر الثاني، لتصريحهم بتقديم النهي على الأمر. وهو مقتضى ما عند الحنابلة من أنّ التسمية في الوضوء واجبة،وأنّ الذّكر بالقلب لا يكره. وذهب المالكية إلى أنّه يكره الذّكر في الخلاء. ي - النحنحة: 14 - قال ابن عابدين من الحنفية: لا يتنحنح في موضع الخلاء إلا بعذر كما إذا خاف دخول أحد عليه، وقال الشبراملسي من الشافعية: هل من الكلام ما يأتي به قاضي الحاجة من التنحنح عند طرق باب الخلاء من الغير ليعلم هل فيه أحد أم لا؟ قال: فيه نظر، والأقرب أنّ مثل هذا لا يسمى كلاماً، وبتقديره فهو لحاجة، وهي دفع دخول من يطرق الباب عليه لظنّه خلو المحلّ. ك - تكريم اليد اليمنى عن مسّ الفرج: 15 - يكره أن يمس الإنسان فرجه بيمينه حال قضاء الحاجة وغيرها، لحديث أبي قتادة رضي الله عنه مرفوعاً: «إذا بال أحدكم فلا يمسح ذكره بيمينه، وإذا تمسح أحدكم فلا يتمسح بيمينه»، قال الأبيّ من المالكية: وحمله الفقهاء على الكراهة، وفي الإنصاف للحنابلة: إنّه الصحيح من المذهب، وفي وجه يحرم، فإن كان لضرورة فلا كراهة ولا تحريم. ل - التنظيف والتطهّر من الفضلة: 16 - ينبغي لقاضي الحاجة بعد الفراغ أن يتنظف بمسح المحلّ بالأحجار أو نحوها أو يتطهر بغسله، أو بهما جميعاً، وله أحكام وآداب شرعية (ر: استنجاء).
أ - قضاء الحاجة في طريق مسلوك وظلّ نافع وما في حكمهما: 17 - اتفق الفقهاء على أنّه لا يجوز أن يبول في طريق الناس، ولا مورد ماء، ولا ظلّ ينتفع به الناس، لما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا اللعانين قالوا: وما اللعأنان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلّهم». ومثل الظّلّ في النهي عن قضاء الحاجة فيه مجلس الناس، أي المحلّ الذي يجلس فيه الناس في القمر ليلاً، أو يجلسون فيه في الشمس زمن الشّتاء للتحدّث، وقال صاحب نيل المآرب: إلا أن يكون حديثهم غيبةً أو نميمةً. وصرح بعض فقهاء المالكية والشافعية بأنّ قضاء الحاجة في المورد والطريق والظّلّ وما ألحق به حرام. ب - قضاء الحاجة تحت الشجر: 18 - كره الحنفية والشافعية والحنابلة في رواية قضاء الحاجة تحت الشجر المثمر، والرّواية الأخرى عند الحنابلة أنّه حرام، وفي قول لهم إن كانت الثمرة له كره، وإن كانت لغيره حرم. وإنّما كرهه الحنفية والحنابلة إذا كان ذلك وقت الثمر، وألحقوا به ما قبله بحيث لا يأمن زوال النّجاسة بمطر أو سقي، أو - عند الحنفية - نحوه كجفاف أرض من بول، وسواء عند الحنفية أكان الثمر مأكولاً أو مشموماً، لاحترام الكلّ، وخاصةً ما تجمع ثمرته من تحته كالزيتون. وكره الحنفية ذلك في الزرع أيضاً. وعلل الشافعية الكراهة بالتلويث ولئلا تعافه الأنفس، ولم يحرّموه، قالوا: لأنّ تنجّس الثمرة غير متيقن، وقالوا: ولو كان الشجر مباحاً فإنّه يكره كذلك، ولا فرق عندهم بين وقت الثمرة وغيره، والكراهة في الغائط أشدّ لأنّ البول يطهر بالماء وبجفافه بالشمس والرّيح في قول، وعمم في حاشية الجمل الحكم في كلّ ما ينتفع به في نحو دواء أو دباغ، وما يشمل الأوراق المنتفع بها كذلك. ومقتضى ما ذكروه جميعاً أنّ الشجرة غير المثمرة لا يكره البول تحتها، وأورد في المغني في الاستدلال على ذلك حديث: «أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم كان أحب ما استتر به لحاجته هدف أو حائش نخل». ج - قضاء الحاجة في الماء: 19 - ذهب الحنفية والمالكية إلى كراهة قضاء الحاجة في الماء، بولاً أو غائطاً، وذهب الحنفية إلى أنّ الكراهة تحريمية وإن كان الماء راكداً لحديث جابر رضي الله عنه: «أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الماء الراكد»، ولحديث أبي هريرة: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه»، وتكون الكراهة تنزيهيةً إن كان الماء جارياً، لحديث: «نهى الرسول أن يبال في الماء الجاري». قال ابن عابدين: والمعنى فيه أنّه يقذّره، وربما أدى إلى تنجيسه، وأما الراكد القليل فيحرم البول فيه، لأنّه ينجّسه ويتلف ماليته ويغرّ غيره باستعماله، والتغوّط في الماء أقبح من البول، وكذا إذا بال في إناء ثم صبه في الماء، أو بال بقرب النّهر فجرى إليه، فكلّه قبيح مذموم منهيّ عنه. قال القاضي عياض من المالكية: النهي الوارد في الحديث هو نهي كراهة وإرشاد، وهو في القليل أشدّ، لأنّه يفسده، وقيل: النهي للتحريم، لأنّ الماء يفسد لتكرّر البائلين ويظنّ المارّ أنّه تغير من قراره، ويلحق بالبول التغوّط وصبّ النّجاسة. أ هـ.، وقال ابن ناجي في شرح المدونة: الجاري على أصل المذهب أنّ الكراهة على التحريم في القليل. وقال الشافعية والحنابلة: يكره البول في الماء الراكد قليلاً كان أو كثيراً للحديث. وأما الجاري فقال جماعة من الشافعية: إن كان قليلاً كره وإن كان كثيراً لم يكره، قال النّوويّ: وفيه نظر، وينبغي أن يحرم البول في القليل مطلقاً، لأنّه ينجّسه ويتلفه على نفسه وعلى غيره، وأما الكثير الجاري فلا يحرم، لكنّ الأولى اجتنابه، ولعلهم لم يحرّموا البول في الراكد كما هو ظاهر الحديث، لأنّ الماء غير متمول عادةً، أو لأنّه يمكن تطهيره بالإضافة. وقيد بعضهم الماء الكثير الذي يكره التخلّي فيه بما لم يستبحر، فإن استبحر بحيث لا تعافه النفس فلا كراهة. ونص الشافعية أيضاً على استثناء الماء المسبل والموقوف، فيحرم. وفرق الحنابلة بين التبوّل في الماء والتغوّط فيه فرأوا كراهة الأول وتحريم الثاني، ففي كشاف القناع: يكره بوله في ماء راكد أو قليل جار، ويحرم تغوّطه في ماء قليل أو كثير راكد أو جار لأنّه يقذّره ويمنع الناس الانتفاع به د - التبوّل في مكان الوضوء ومكان الاستحمام: 20 - كره الحنفية والشافعية والحنابلة أن يبول الإنسان في موضع يتوضأ هو أو غيره أو يغتسل فيه، لما ورد عن رجل من الصحابة أنّه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم أو يبول في مغتسله». ويضيف الشافعية: أنّ محل الكراهة إذا لم يكن ثم منفذ ينفذ فيه البول والماء. وفي كشاف القناع للحنابلة: أنّ موضع الكراهة أن يكون الموضع غير مقير أو مبلط، قال: فإن بال في المستحمّ المقير أو المبلط أو المجصص، ثم أرسل عليه الماء قبل اغتساله فيه - قال الإمام أحمد: إن صب عليه الماء وجرى في البالوعة - فلا بأس، للأمن من التلويث، ومثله الوضوء. هـ - قضاء الحاجة في المسجد: 21 - يحرم بالاتّفاق البول والتغوّط في المسجد، صيانةً له وتنزيهاً وتكريماً لمكان العبادة، وإذا كان قد صح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم «النهي عن البصاق فيه» فالبول والتغوّط أولى، وقد ورد: «أنّ أعرابيّاً بال في المسجد فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: دعوه: فلما فرغ دعا بدلو من ماء فصبه عليه» وفي رواية زاد: «ثم إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: إنّ هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنّما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن». أما لو بال في المسجد في إناء وتحفظ من إصابة أرض المسجد، فالجمهور على أنّه حرام أيضاً، صرح بذلك الحنفية والحنابلة، وهو الراجح عند المالكية والأصحّ عند الشافعية، قال ابن قدامة: لأنّ المساجد لم تبن لهذا، وهو مما يقبح ويفحش ويستخفى به، فوجب صيانة المسجد عنه، كما لو أراد أن يبول في أرضه ثم يغسله. والقول الآخر عند كلّ من المالكية والشافعية جواز ذلك بشرط التحرّز، جاء في نوازل الونشريسيّ من كتب المالكية: أجازه صاحب الشامل، وقال الزركشيّ من الشافعية: الثاني أنّه مكروه، قال: وفي كتاب الطهور لأبي عبيد عن سعيد بن أبي بردة أنّه أبصر أبا وائل شقيق بن سلمة في المسجد يبول في طست وهو معتكف، وورد عن عائشة، أنّها قالت: «اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة مستحاضة من أزواجه، فكانت ترى الحمرة والصّفرة، فربما وضعت الطست تحتها وهي تصلّي». وفي حكم قضاء الحاجة في رحاب المسجد، التي لا يثبت لها حكم المسجد، قولان: الأول: أنّه حرام، استظهره الزركشيّ من الشافعية، وقال: يجب الجزم به إذا كانت مطروقةً. والثاني: أنّه مكروه فقط، صرح بذلك الحنفية. وأضافوا: ومصلى العيد، أي إذا كان في الصحراء، وصرح به أيضاً الشافعية. و - قضاء الحاجة في البقاع المعظمة: 22 - قال الرمليّ من الشافعية: ذكر المحبّ الطبريّ الحرمة - أي في التخلّي - على الصفا والمروة أو قزح، وألحق بعضهم بذلك محل الرمي، وإطلاقه يقتضي حرمة ذلك في جميع السنة، ولعل وجهه أنّها محالّ شريفة ضيّقة، فلو جاز ذلك فيها لاستمر وبقي وقت الاجتماع فيها، فيؤذي حينئذ، قال: ويظهر أنّ حرمة ذلك مفرع على الحرمة في محلّ جلوس الناس، وسيأتي أنّ المرجح الكراهة، أما عرفة ومزدلفة ومنىً فلا يحرم فيها لسعتها، ولكن جزم القليوبيّ في حاشية شرح المنهاج بأنّ القول بالحرمة مرجوح، وقال بكراهة ذلك حتى في مزدلفة وعرفة وسائر أماكن اجتماع الحاجّ. وقال الزركشيّ: تورع بعضهم عن قضاء الحاجة بمكة، وكان يتأول أنّها مسجد، وقال: هذا التأويل مردود بالنص والإجماع، وقد فعله النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف، ثم ذكر أحاديث تؤيّد هذا التورّع، منها «أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم كان يذهب لحاجته إلى المغمِّس» وهو مكان على نحو الميلين من مكة. ز - قضاء الحاجة في الكنائس والبيع: 23 - جاء في مواهب الجليل للحطاب المالكيّ نقلاً عن المدخل لابن الحاجّ: يجتنب " المتخلّي " بيع اليهود وكنائس النصارى، لئلا يفعلوا ذلك في مساجدنا، كما نهي عن سبّ الآلهة المدعوة من دون الله لئلا يسبّوا الله تعالى. ح - قضاء الحاجة في المقابر: 24 - يرى الحنفية أنّه يكره قضاء الحاجة في المقابر، قال ابن عابدين: لأنّ الميّت يتأذى مما يتأذى به الحيّ، والظاهر أنّ الكراهة تحريمية، والتحريم هو أيضاً قول الشافعية والحنابلة، إلا أنّ التحريم يتحقق عند الشافعية إذا تبول على القبر، أما إن بال بقرب القبر كره ولم يحرم إلا أن يكون قبر نبيّ فيحرم، والحرمة عند الحنابلة هي التي اقتصر عليها صاحب كشاف القناع، وفي الإنصاف: لا يكره على الصحيح من المذهب، وعنه - يعني الإمام أحمد -: يكره. وتعرض الشافعية للمقبرة إذا كانت منبوشةً فرأوا تحريم قضاء الحاجة فيها لما فيه من تنجيس أجزاء الميّت. ط - قضاء الحاجة في ثقب أو نحوه: 25 - يكره التبوّل في ثقب أو سرب، وهذا باتّفاق المذاهب الأربعة، لما روى عبد الله بن سرجس: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الجحر» ولأنّه ربما خرج عليه من الجحر ما يلسعه، أو يردّ عليه البول، قال النّوويّ هذا متفق عليه، وهي كراهة تنزيه، وقال البجيرميّ من الشافعية: يظهر تحريمه إذا غلب على ظنّه أنّ به حيواناً محترماً يتأذى أو يهلك به. قال ابن عابدين من الحنفية: وهذا - يعني كراهة البول في الثّقوب - في غير المعدّ لذلك، كبالوعة فيما يظهر، وفي كشاف القناع للحنابلة: يكره ولو كان فم بالوعة، وفي التّحفة وحاشية الشّروانيّ من كتب الشافعية: البالوعة قد يشملها الجحر، وقد يمنع الشّمول أنّ البالوعة في قوة المعدّ لقضاء الحاجة (يعني فلا يكره). هذا وقد فرق المالكية بين أن يكون قريباً من الثقب، فيكره البول فيه، وبين أن يكون بعيداً، ففي قول يكره، خيفة حشرات تنبعث عليه من الكوة، وقيل: يباح لبعده من الحشرات إن كانت فيها.
26 - قال الشافعية: لا بأس بالبول في إناء، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: «يقولون إنّ النّبي صلى الله عليه وسلم أوصى إلى عليّ، لقد دعا بالطست ليبول فيها، فانخنثت نفسه، وما أشعر، فإلى من أوصى». ولحديث أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها قالت: «كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان، يبول فيه ويضعه تحت السرير» . وكرهه الحنابلة إذا كان بلا حاجة، قال في منار السبيل: نص عليه أحمد، فإن كانت حاجة كالمرض لم يكره، لحديث أميمة بنت رقيقة، وفي قول ذكره صاحب الإنصاف في أصل المسألة: أنّه لا يكره. وخص المالكية الكراهة - كما في مواهب الجليل - بالآنية النّفيسة، للسرف، قالوا: ويحرم في آنية الذهب والفضة، لحرمة اتّخاذها واستعمالها.
27 - يسنّ عند المالكية والشافعية والحنابلة، لقاضي الحاجة أن يستتر عن النظر، لحديث أبي هريره مرفوعاً: «من أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيباً من رمل فليستدبره فإنّ الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج». وحديث عبد الله بن جعفر قال: «كان أحب ما استتر به النبيّ صلى الله عليه وسلم هدف أو حائش نخل» والحائش هو الحائط. وعند الشافعية: أنّ محل عدّ ذلك من الآداب، أي المستحبات، إذا لم يكن بحضرة من يرى عورته ممن لا يحلّ له نظرها، أما بحضرته فيكون سترها واجباً، إذ كشفها بحضرته حرام، واعتمده المتآخرون منهم، وهذا موافق لقواعد المذاهب الثلاثة الأخرى، وزاد الرمليّ من الشافعية: ولو أخذه البول وهو محبوس بين جماعة، جاز له التكشّف، وعليهم الغضّ. هذا وقد أطلق الشافعية والحنابلة قضاء الحاجة في هذه المسألة، وبين المواق من المالكية أنّ المطلوب عندهم لمريد البول أن يستر عن الناس عورته فقط، لا أن يستتر بشخصه، أما مريد الغائط فيبتعد ويستتر بحيث لا يرى له شخص، وقال المازريّ: السّنّة البعد من البائل إذا كان قاعداً بخلاف ما إذا كان قائماً. وفي كلام الشافعية أيضاً: أنّ التستّر يحصل بمرتفع قدر ثلثي ذراع فأكثر، إن كان بينه وبينه ثلاثة أذرع فأقلّ، إن كان بفضاء أو بناء لا يمكن تسقيفه، فإن كان ببناء مسقف أو يمكن تسقيفه حصل التستّر به، ولم يحد غيرهم في ذلك حدّاً فيما اطلعنا عليه. ولو تعارض التستّر والإبعاد، قال في شرح البهجة: الظاهر رعاية التستّر.
28 - ذكر المالكية والشافعية والحنابلة أنّه يندب لقاضي الحاجة إذا كان بالفضاء التباعد عن الناس، لحديث: «كان إذا ذهب المذهب أبعد». واشترط الحنابلة لذلك أن لا يجد ما يستره عن الناس، فإن وجد ما يستره عن الناس كفى الاستتار عن البعد، والمالكية والشافعية صرحوا بأنّ الاستتار لا يغني عن الابتعاد إذا كان قاضي الحاجة في الفضاء. وقال المالكية والشافعية في تحديد مدى الابتعاد: إلى حيث لا يسمع للخارج منه صوت ولا يشمّ له ريح، وعبارة الخرشيّ من المالكية: حتى لا يسمع له صوت ولا يرى له عورة، قالوا: وأما في الكنيف فلا يضرّ سماع صوته ولا شمّ ريحه للمشقة. وعند الشافعية: أنّه يبتعد في البنيان أيضاً، إلا إن كان المحلّ معدّاً لقضاء الحاجة. واشترط الشافعية والحنابلة للابتعاد أن يكون المحلّ آمناً، فلو خاف على نفسه من سبع أو عدوّ يغتاله فإنّه يقضي حاجته قريباً من المكان الذي هو فيه، وعبارة الشافعية: الكلام حيث أمكن البعد، وسهل عليه، وأمن، وأراده، وإلا سنّ لغيره من الناس البعد عنه بقدر بعده عنهم.
29 - يكره الدّخول إلى الخلاء بشيء فيه ذكر الله تعالى لما ورد أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم: «كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه» وقال الشّيرازيّ: كان عليه محمد رسول الله. وهذا الحكم متفق عليه بين المذاهب الأربعة من حيث الجملة إلا قولاً في مذهب أحمد، واختلفوا في بعض تفصيلات نوردها فيما يلي: لم يفرّق الجمهور بين المصحف وغيره في أنّ الحكم الكراهة بل نص الشافعية على أنّ حمل المصحف مكروه لا حرام، وقال المالكية والحنابلة في المصحف خاصةً: إنّ تنحيته واجبة والدّخول به حرام في غير حال الضرورة بخلاف غيره مما فيه قرآن أو ذكر، قال العدويّ: يجب تنحية مصحف ولو مستوراً، ويكره الدّخول بشيء فيه قرآن أو ذكر غير مستور وقال: فالدّخول ببعض القرآن ليس كالدّخول بكلّه، وذلك محمول على نحو صحيفة فيها آيات، لا مثل جزء، فإنّه يعطى حكم كلّه. أ هـ.، وقال البهوتيّ من الحنابلة: يحرم الدّخول بمصحف إلا لحاجة وقال: لا شك في تحريمه قطعاً ولا يتوقف في هذا عاقل. وذهب الحنفية إلى أنّه إذا كان ملفوفاً في شيء فلا بأس كذلك، والتحرّز أولى. وهذا قول المالكية أيضاً، كما تقدم نقله، فلا يحرم الدّخول بمصحف، ولا يكره الدّخول بما فيه ذكر الله إلا في غير حال ستره، وفي اعتبار الجيب ساتراً قولان، وذلك لكونه ظرفاً متسعاً، لكن عند العدويّ ما يفيد أنّ حمل المصحف خاصةً في تلك الحال ممنوع ولو كان مستوراً، وقد أطلق من سواهم القول، ولم يفرّقوا بين المستور وغيره في الحكم، فيما اطلعنا عليه، بل صرح صاحب مجمع الأنهر بقوله: لا يدخل وفي كمّه مصحف إلا إذا اضطر. ولم يفرّق الحنفية والمالكية في معتمدهم والشافعية والحنابلة في قول بين أن يكون ما فيه ذكر الله خاتماً أو درهماً أو ديناراً أو غيره فرأوا الكراهة في ذلك، وقد ذكر الشّيرازيّ من الشافعية حديث أنس: «أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه» وقال: وإنّما وضعه لأنّه كان عليه " محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ". وخالف في ذلك بعض التابعين فرأوا أن لا كراهة في ذلك، نقله ابن المنذر عن جماعة منهم: ابن المسيّب والحسن وابن سيرين فيما حكاه النّوويّ في شأن الخاتم كما خالف فيه أيضاً مالك في رواية وابن القاسم من أتباعه، والحنابلة في قول. أما الاستنجاء وفي أصبعه خاتم منقوش عليه ذكر الله تعالى أو اسم الله تعالى أو اسم النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقد ذهب الحنفية إلى أنّه يستحبّ أن يجعل الفص في كمّه إذا دخل الخلاء وأن يجعله في يمينه إذا استنجى. وللمالكية ثلاثة أقوال: الجواز وهو الذي يفهم من كلام ابن القاسم وفعله، والكراهة وهو الذي يفهم من كلام مالك كما فهمه ابن رشد وهو المشهور، والتحريم وهو الذي يفهم من كلام التوضيح وابن عبد السلام. وذهب الشافعية إلى أنّ حمل ما عليه ذكر الله تعالى إلى الخلاء مكروه تعظيماً للذّكر واقتداءً بالنبيّ صلى الله عليه وسلم فإنّه كان إذا دخل الخلاء نزع خاتمه، وكان نقشه " محمد رسول الله " قال الإسنويّ: ومحاسن كلام الشريعة يشعر بتحريم بقاء الخاتم الذي عليه ذكر الله تعالى في اليسار حال الاستنجاء وهو ظاهر إذا أفضى ذلك إلى تنجيسه. وقال المرداويّ من الحنابلة: حيث دخل الخلاء بخاتم فيه ذكر الله تعالى جعل فصه في باطن كفّه وإن كان في يساره أداره إلى يمينه لأجل الاستنجاء. ومن اضطر إلى دخول الخلاء بما فيه ذكر الله جاز له إدخاله، ولم يكره، نص الحنفية والمالكية والشافعية على أنّه لا يحرم ولا يكره، واكتفى الحنابلة بأن تتحقق الحاجة إليه.
30 - قال ابن عابدين ولو نقش اسمه تعالى أو اسم نبيّه - أي على خاتمه - استحب أن يجعل الفص في كمّه إذا دخل الخلاء وأن يجعله في يمينه إذا استنجى. وجاء في شرح البهجة وحاشيته من كتب الشافعية: يجتنب الداخل إلى الخلاء حمل مكتوب فيه اسم الله تعالى واسم النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: ولعل المراد الأسماء المختصة به تعالى وبرسوله مثلاً دون ما لا يختصّ كعزيز وكريم ومحمد وأحمد، إذا لم يكن ما يشعر بأنّه المراد كقوله بعد محمد: صلى الله عليه وسلم نبه عليه النّوويّ في تنقيحه، ويجتنب كل اسم معظم كالملائكة وألحق الرمليّ في نهاية المحتاج أسماء الأنبياء وإن لم يكن رسولاً، وأسماء الملائكة، ولكن وجدنا في بلغة السالك للمالكية. ينحّي " اسم نبيّ "، وفي كشاف القناع للحنابلة: يتوجه أنّ اسم الرسول كذلك.
31 - وردت أحاديث بأذكار معينة يقولها الإنسان إذا أراد دخول الخلاء، مضمونها تسمية الله تعالى والاستعاذة به من الشياطين، فاستحب الفقهاء قولها: منها: «اللهم إنّي أعوذ بك من الخبث والخبائث» وعلى هذا اقتصر الحنفية والمالكية والشافعية، قال الخطابيّ: الخبث بضمّ الباء جمع الخبيث، والخبائث جمع الخبيثة، يريد ذكور الشياطين وأناثهم. وفي الحديث أيضاً: «ستر ما بين أعين الجنّ وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول: بسم الله». ومنها ما نقله ابن قدامة أيضاً، أنّ النّبي قال: «لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول: اللهم إنّي أعوذ بك من الرّجس النّجس، الخبيث المخبث، الشيطان الرجيم». هذا وقد نص الحنفية والشافعية على أنّه يقدّم البسملة على التعوّذ، ويخالف هذا التعوّذ في القراءة فإنّه يقدم على البسملة. ونص القليوبيّ من الشافعية على كراهية إكمال التسمية، بل يكتفى ببسم الله، ولا يقول: الرحمن الرحيم، وقال النّوويّ: قال أصحابنا: هذا الذّكر مشترك بين البنيان والصحراء. وعند المالكية: يقول الذّكر الوارد قبل الوصول إلى محلّ الحدث، سواء أكان الموضع معدّاً لقضاء الحاجة أم لا، فإن فاته أن يقول ذلك قبل وصوله إلى المحلّ قاله بعد وصوله إن لم يكن المحلّ معدّاً لقضاء الحاجة وقبل جلوسه، لأنّ الصمت مشروع حال الجلوس، أما إن كان المحلّ معدّاً لقضاء الحاجة فلا يقول الذّكر فيه ويفوت بالدّخول، وعند الشافعية يقوله في نفسه. ووردت أحاديث بأذكار أخرى يقولها الإنسان إذا خرج من الخلاء، فرأى الفقهاء أنّ قولها مستحبّ، منها ما جاء في الفتاوى الهندية للحنفية، يقول إذا خرج: «الحمد لله الذي أخرج عنّي ما يؤذيني، وأبقى في ما ينفعني». وذكر المالكية والشافعية والحنابلة صيغاً أخرى منها: «غفرانك» قال القليوبيّ: ويكرّرها ثلاثاً، ولم يذكر دليلاً. ومنها: «الحمد لله الذي أذهب عنّي الأذى وعافاني».
32 - صرح جمهور الفقهاء بأنّه يقدّم رجله اليسرى في الدّخول، واليمنى في الخروج، عكس المسجد فيهما، لقاعدة الشرع: أنّ ما كان من باب التشريف والتكريم يندب فيه التيامن، وما كان بضدّه يندب فيه التياسر.
انظر: أداء.
1 - من معاني القضاء في اللّغة: الحكم والأداء. واصطلاحاً: قال ابن عابدين: القضاء فعل الواجب بعد وقته. والفوائت في اللّغة جمع فائتة، من فاته الأمر فوتاً وفواتاً: إذا مضى وقته ولم يفعل. ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ. وقضاء الفوائت عند الفقهاء: قال الدردير: استدراك ما خرج وقته.
أ - الأداء: 2 - الأداء لغةً: الإيصال. وفي الاصطلاح قال الحصكفيّ: الأداء فعل الواجب في وقته. والصّلة بين الأداء وقضاء الفوائت هي أنّ كليهما من أقسام المأمور به، ويختلف القضاء عن الأداء في أنّ الأداء يختصّ بفعل العبادة في الوقت المحدد لها، وأنّ القضاء يختصّ بفعل العبادة في غير وقتها المحدد لها. ب - الإعادة: 3 - الإعادة في اللّغة: ردّ الشيء ثانياً، ومنه: إعادة الصلاة. وأما في الاصطلاح: قال الحصكفيّ: الإعادة فعل مثل الواجب في وقته لخلل غير الفساد. والصّلة بين القضاء وبين الإعادة هي: أنّ القضاء لما لم يسبق فعله في وقته، والإعادة لما سبق فعله في وقته بخلل. 4 - العبادات المحددة بوقت تفوت بخروج الوقت المحدد لها من غير أداءً، وتتعلق بالذّمة إلى أن تقضى. (ر: أداء ف / 7). والفقهاء متفقون على وجوب قضاء الفوائت المتعلّقة بالذّمة في الجملة، قال السّيوطيّ: كلّ من وجب عليه شيء ففات لزمه قضاؤه استدراكاً لمصلحته. وقال صاحب التلخيص: كلّ عبادة واجبة إذا تركها المكلف لزمه القضاء أو الكفارة، إلا واحدةً، وهي الإحرام لدخول مكة إذا أوجبناه فدخلها غير محرم، لا يجب عليه القضاء في أصحّ القولين، لأنّه لا يمكن، لأنّ دخوله ثانياً يقتضي إحراماً آخر، فهو واجب بأصل الشرع لا بالقضاء، نعم لو صار ممن لا يجب عليه الإحرام كالحطاب قضى لتمكّنه. وجاء في الفتاوى الهندية: والقضاء فرض في الفرض، وواجب في الواجب، وسنّة في السّنّة.
5 - العبادات منقسمة إلى ما يقضى في جميع الأوقات، وما لا يقضى إلا في مثل وقته، وإلى ما يقبل الأداء والقضاء، وما يتعذر وقت قضائه مع قبوله للتأخير، وإلى ما يكون قضاؤه متراخياً، وما يجب قضاؤه على الفور، وإلى ما يكون قضاؤه بمثل معقول وما يكون قضاؤه بمثل غير معقول. فأما ما يقضى في جميع الأوقات، فكالضحايا والهدايا المنذورات، وأما ما لا يقضى إلا في مثل وقته فهو كالحجّ. وأما ما يقبل الأداء والقضاء فكالحجّ والصوم والصلاة، فإنّ الصلوات المكتوبات هي مختصة الأداء بالأوقات المعروفة جائزة القضاء بعد خروج وقت الأداء، كما أنّ الصّيام الواجب هو مخصوص بشهر رمضان قابل للقضاء. وأما ما يقبل الأداء ولا يقبل القضاء فكالجمعات، فإنّها مختصة بوقت الظّهر لا تقبل القضاء. وأما ما لا يوصف بقضاء ولا أداءً من النّوافل المبتدآت التي لا أسباب لها، فكالصّيام، والصلاة التي لا أسباب لها ولا أوقات، وكذا الجهاد لا يتصور قضاؤه، لأنّه ليس له وقت مضروب لا يزيد ولا ينقص، والحكم والفتيا لا يوصفان بقضاء ولا أداء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك افتتاح الصلاة، والأذكار المشروعات في غير الصلاة. وأما ما يتعذر وقت قضائه مع قبوله للتأخير، فكصوم رمضان، لكنّه مع ذلك لا يجوز تأخيره إلى دخول رمضان ثان عند جمهور الفقهاء مع جواز قضائه مع قضاء رمضان آخر. وأما ما يكون قضاؤه متراخياً، فكقضاء صوم رمضان عند الحنفية، وصلاة الناسي والنائم عند الشافعية. وأما ما يجب قضاؤه على الفور، فكالحجّ والعمرة إذا فسدا أو فاتا. (وانظر: صوم ف / 86). وأما ما يكون قضاؤه بمثل معقول، فكقضاء الصوم بالصوم، وأما ما يكون قضاؤه بمثل غير معقول فمثل الفدية في الصوم، وثواب النفقة في الحجّ بإحجاج النائب، لأنّا لا نعقل المماثلة بين الصوم والفدية، لا صورةً ولا معنىً، فلم يكن مثلاً قياساً.
6 - اتفق الفقهاء على وجوب قضاء الصلاة الفائتة على الناسي والنائم، كما يرى الفقهاء وجوب قضاء الفوائت على السكران بالمحرم. ولا خلاف بينهم في أنّه لا يجب قضاء الصلوات على الحائض والنّفساء والكافر الأصليّ إذا أسلم. 7- واختلفوا في وجوب القضاء على تارك الصلاة عمداً، والمرتدّ، والمجنون بعد الإفاقة، والمغمى عليه، والصبيّ إذا بلغ في الوقت، ومن أسلم في دار الحرب، وفاقد الطهورين. 8- فأما المتعمّد في الترك، فيرى جمهور الفقهاء أنّه يلزمه قضاء الفوائت، ومما يدلّ على وجوب القضاء حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم أمر المجامع في نهار رمضان أن يصوم يوماً مع الكفارة» أي بدل اليوم الذي أفسده بالجماع عمداً، ولأنّه إذا وجب القضاء على التارك ناسياً فالعامد أولى. ويرى بعض الفقهاء عدم وجوب القضاء على المتعمّد في الترك، قال عياض: ولا يصحّ عند أحد سوى داود وابن عبد الرحمن الشافعيّ. 9- وأما المرتدّ فيرى الحنفية والمالكية عدم وجوب قضاء الصلاة التي تركها أثناء ردته، لأنّه كان كافراً وإيمانه يجبّها. وذهب الشافعية إلى وجوب القضاء بعد إسلامه تغليظاً عليه، ولأنّه التزمها بالإسلام فلا تسقط عنه بالجحود كحقّ الآدميّ. وذكر أبو إسحاق بن شاقلا عن أحمد في وجوب القضاء على المرتدّ روايتين: إحداهما: لا يلزمه، وهو ظاهر كلام الخرقيّ في هذه المسألة، فعلى هذا لا يلزمه قضاء ما ترك في حال كفره، ولا في حال إسلامه قبل ردته، ولو كان قد حج لزمه استئنافه، لأنّ عمله قد حبط بكفره. والثانية: يلزم قضاء ما ترك من العبادات في حال ردته وإسلامه قبل ردته، ولا يجب عليه إعادة الحجّ، لأنّ العمل إنّما يحبط بالإشراك مع الموت. وفي الإنصاف: وإن كان مرتدّاً فالصحيح من المذهب أنّه يقضي ما تركه قبل ردته، ولا يقضي ما فاته زمن ردته. 10 - وأما المجنون فلا خلاف بين الفقهاء في أنّه غير مكلف بأداء الصلاة في حال جنونه. (ر: جنون ف / 11). وإنّما اختلفوا في وجوب القضاء عليه بعد الإفاقة: فذهب الحنفية إلى أنّه لا قضاء على مجنون حالة جنونه لما فاته في حالة عقله، كما لا قضاء عليه في حالة عقله لما فاته حالة جنونه، هذا إذا استمر جنونه أكثر من خمس صلوات للحرج، وإلا وجب عليه القضاء. ويرى المالكية أنّه إن أفاق المجنون وقد بقي إلى غروب الشمس خمس ركعات في الحضر وثلاث في السفر، وجبت عليه الظّهر والعصر، وإن بقي أقلّ من ذلك إلى ركعة وجبت العصر وحدها، وإن بقي أقلّ من ركعة سقطت الصلاتان، وفي المغرب والعشاء إن بقي إلى طلوع الفجر بعد ارتفاع الجنون خمس ركعات وجبت الصلاتان، وإن بقي ثلاثاً سقطت المغرب، وإن بقي أربع فقيل: تسقط المغرب، لأنّه أدرك قدر العشاء خاصةً، وقيل: تجب الصلاتان، لأنّه يصلّي المغرب كاملةً ويدرك العشاء بركعة. وذهب الشافعية إلى أنّه لا قضاء على ذي جنون غير متعدّ فيه، ويسنّ له القضاء، أما المتعدّي فعليه قضاء ما فاته من الصلوات زمن ذلك لتعدّيه. وصرح الحنابلة بأنّ المجنون غير مكلف، ولا يلزمه قضاء ما ترك في حال جنونه، إلا أن يفيق في وقت الصلاة، لأنّ مدته تطول غالباً، فوجوب القضاء عليه يشقّ، فعفي عنه. وللتفصيل في أثر الجنون في سقوط الصلاة (ر: جنون ف / 11). 11 - وأما المغمى عليه، فلا يلزمه قضاء الصلاة إلا أن يفيق في جزء من وقتها ولم يؤدّها، وهذا قول المالكية والشافعية، وهو قول عند الحنابلة. ونص الشافعية على أنّ المتعدّي بإغمائه يجب عليه القضاء. ويرى الحنفية أنّه ليس على مغمًى عليه قضاء ما فاته في تلك الحالة إذا زادت الفوائت على يوم وليلة. ويقول الحنابلة على الصحيح من المذهب: إنّ المغمى عليه حكمه حكم النائم، لا يسقط عنه قضاء شيء من الواجبات التي يجب قضاؤها على النائم كالصلاة والصّيام. وللتفصيل في أثر الإغماء في الصلاة والصّيام والحجّ والزكاة (ر: إغماء ف / 7 - 12). 12 - وأما الصبيّ، فلا تجب الصلاة عليه عند جمهور الفقهاء، ولكنّه يؤمر بها إذا بلغ سبع سنين، ويضرب عليها لعشر سنين، وصرح الشافعية بأنّ الصبي لو كان مميّزاً فتركها ثم بلغ أمر بالقضاء بعد البلوغ ندباً، كما كان يستحبّ له أداؤها. وفي أوجه الوجهين عند الشافعية يضرب على القضاء. وفي أصحّ الرّوايتين عند الحنابلة تجب الصلاة على الصبيّ العاقل. وبناء على هذه الرّواية يلزم الصبي قضاء ما فاته من الصلوات. وعن أحمد: إنّ الصلاة تجب على من بلغ عشراً، وعنه تجب على المراهق، وعنه تجب على المميّز. وعلى قول الجمهور إذا بلغ في أثنائها أو بعدها في الوقت فعليه إعادتها. وعند الشافعية إذا صلى الصبيّ وظيفة الوقت، ثم بلغ قبل خروج الوقت فيستحبّ له أن يعيدها، ولا تجب الإعادة على الصحيح. 13 - أما من أسلم في دار الحرب فترك صلوات أو صياماً لا يعلم وجوبه، لزمه قضاؤه عند الحنابلة، وهو المفهوم من كلام الشافعية وإطلاقات المالكية. ويرى الحنفية أنّه يعذر من أسلم بدار الحرب فلم يصم ولم يصلّ ولم يزكّ وهكذا، لجهله الشرائع، جاء في الفتاوى الهندية: لا قضاء على مسلم أسلم في دار الحرب ولم يصلّ مدةً لجهله بوجوبها. 14 - وأما فاقد الطهورين، فقد قال المالكية: لا تجب الصلاة على فاقد الطهورين أو القدرة على استعمالهما كالمكره والمربوط، ولا يقضيها على المشهور إن تمكن بعد خروج الوقت. ويرى الشافعية أنّه يجب على فاقد الطهورين أن يصلّي الفرض فقط. وذهب الحنفية إلى أنّه يتشبه بالمصلّين احتراماً للوقت، فيركع ويسجد إن وجد مكاناً يابساً، وإلا فيومئ قائماً، ويعيد الصلاة بعد ذلك. وللتفصيل (ر: فقد الطهورين ف / 2). وصرح المالكية والشافعية ومحمد من الحنفية بأنّ من زال عقله بسبب مباح يقاس على المجنون، فلا يلزمه قضاء ما فاته من الصلوات.
15 - ذهب الحنفية والمالكية والثوريّ إلى أنّ الفائتة تقضى على الصّفة التي فاتت إلا لعذر وضرورة، فيقضي المسافر في السفر ما فاته في الحضر من الفرض الرّباعيّ أربعاً، والمقيم في الإقامة ما فاته في السفر منها ركعتين. وقال الشافعية: المقضية إن فاتت في الحضر وقضاها في السفر لم يقصر خلافاً للمزنيّ، وإن شك هل فاتت في السفر أو الحضر؟ لم يقصر أيضاً، وإن فاتت في السفر فقضاها فيه أو في الحضر فأربعة أقوال: أظهرها: إن قضى في السفر قصر وإلا فلا. والثاني: يتمّ فيهما، والثالث: يقصر فيهما، والرابع: إن قضى ذلك في السفر قصر، وإن قضى في الحضر أو سفر آخر أتم. وقال الحنابلة: إذا نسي صلاة الحضر فذكرها في السفر فعليه الإتمام، لأنّ الصلاة تعين عليه فعلها أربعاً، فلم يجز له النّقصان من عددها كما لو سافر، ولأنّه إنّما يقضي ما فاته، وقد فاته أربع. وأما إن نسي صلاة السفر فذكرها في الحضر فقال أحمد: عليه الإتمام احتياطاً، وبه قال الأوزاعيّ. وإن نسي صلاة سفر وذكرها فيه قضاها مقصورةً، لأنّها وجبت في السفر وفعلت فيه.
16 - يرى الحنفية والمالكية والشافعية في القول المقابل للأصحّ وأبو ثور وابن المنذر أنّ الاعتبار في صفة القراءة بوقت الفوائت، ليكون القضاء على وفق الأداء، ولا فرق عند هؤلاء بين المنفرد والإمام. ويرى الشافعية على الأصحّ الاعتبار بوقت القضاء، ويقولون: إن قضى فائتة الليل بالليل جهر، وإن قضى فائتة النهار بالنهار أسر، وإن قضى فائتة النهار ليلاً أو عكس، فالاعتبار بوقت القضاء على الأصحّ. قال النّوويّ: صلاة الصّبح وإن كانت نهاريةً فهي في القضاء جهرية، ولوقتها حكم الليل في الجهر وإطلاقهم محمول على هذا. وقال الحنابلة: يُسِرّ في قضاء صلاة جهر كعشاء أو صبح قضاها نهاراًً، ولو جماعةً اعتباراً بزمن القضاء، كصلاة سرّ قضاها ولو ليلاً اعتباراً بالمقضية، ويجهر بالجهرية كأوليي المغرب إذا قضاها ليلاً في جماعة فقط، اعتباراً بالقضاء وشَبَهِها بالأداء، لكونها في جماعة، فإن قضاها منفرداً أسرها، لفوات شبهها بالأداء.
17 - ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أنّ الترتيب بين الفوائت وبين فرض الوقت واجب، وبه قال النّخعيّ والزّهريّ وربيعة ويحيى الأنصاريّ والليث وإسحاق، وعن ابن عمر رضي الله عنهما ما يدلّ عليه، واستدلّوا بقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من نسي صلاةً أو نام عنها فكفارتها أن يصلّيها إذا ذكرها»، وفي بعض الرّوايات: «من نسي صلاةً فوقتها إذا ذكرها»، فقد جعل وقت التذكّر وقت الفائتة، فكان أداء الوقتية قبل قضاء الفائتة أداءً قبل وقتها، فلا يجوز وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نسي أحدكم صلاته فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصلّ مع الإمام، فإذا فرغ من صلاته فليصلّ الصلاة التي نسي، ثم ليعد صلاته التي صلى مع الإمام»، وروى أحمد «أنّه صلى الله عليه وسلم عام الأحزاب صلى المغرب، فلما فرغ قال: هل علم أحد منكم أنّي صليت العصر؟ قالوا: يا رسول الله، ما صليتها، فأمر المؤذّن فأقام الصلاة فصلى العصر، ثم أعاد المغرب»، وقد قال: «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» وكالمجموعتين. ووجوب الترتيب بين الفائتة والوقتية عند الحنفية والمالكية يقتصر على ما إذا كانت الفوائت يسيرةً، فيجب تقديم يسير الفوائت على الحاضرة، ويسير الفوائت عند الحنفية ما دون ستّ صلوات. وقال المالكية: يسير الفوائت خمس فأقلّ، وقيل: أربع فأقلّ، فالأربع يسير اتّفاقاً، والسّتة كثير اتّفاقاً، والخلاف في الخمس. وصرح المالكية على المشهور بأنّ الترتيب في هذه الحالة واجب وجوباً غير شرط، وأما الترتيب بين مشتركتي الوقت فواجب وجوب شرط.
وذهب الشافعية والمالكية في قول إلى أنّ الترتيب في قضاء الصلوات بين فريضة الوقت والمقضية مستحبّ، فإن دخل وقت فريضة وتذكر فائتةً، فإن اتسع وقت الحاضرة استحب البدء بالفائتة، وإن ضاق وجب تقديم الحاضرة، ولو تذكر الفائتة بعد شروعه في الحاضرة أتمها، ضاق الوقت أم اتسع، ثم يقضي الفائتة، ويستحبّ أن يعيد الحاضرة بعدها.
18 - ذهب المالكية والحنابلة إلى أنّ ترتيب الفوائت في أنفسها واجب، قلت أو كثرت، فيقدم الظّهر على العصر، وهي على المغرب، وهكذا وجوباً. وترتيب الفوائت في أنفسها واجب غير شرط على المشهور من المذهب المالكيّ، فمن أخل بهذا الترتيب ونكس صحت صلاته، وأثم إن تعمد، ولا يعيد المنكّس، وقيل: إنّه واجب شرطاً، وهو مذهب الحنابلة إذ قالوا: لأنّه ترتيب واجب في الصلاة، فكان شرطاً لصحتها، فمن أخل بهذا الترتيب لم تصح صلاته. والحنفية يقولون بوجوب الترتيب بين الفوائت نفسها، إلا أن تزيد الفوائت على ستّ صلوات، فيسقط الترتيب فيما بين الفوائت نفسها كما يسقط بينها وبين الوقتية، وحدّ الكثرة عندهم أن تصير الفوائت ستّاً. بخروج وقت الصلاة السادسة المستلزمة لدخول وقت السابعة في الأغلب، وعن محمد أنّه اعتبر دخول وقت السادسة، قال المرغينانيّ: والأول هو الصحيح، لأنّ الكثرة بالدّخول في حدّ التكرار، وذلك في الأول، فإذا دخل وقت السابعة سقط الترتيب عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد إذا دخل وقت السادسة. ويرى الشافعية أنّه يستحبّ الترتيب بين الفوائت ولا يجب.
19 - صرح المالكية والحنابلة بوجوب فورية قضاء الفوائت، لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «فليصلّها إذا ذكرها» فأمر بالصلاة عند الذّكر، والأمر للوجوب، والمراد بالفور الفور العادي، بحيث لا يعدّ مفرّطاً، لا الحال الحقيقيّ، وقيد الحنابلة الفورية بما إذا لم يتضرر في بدنه أو في معيشة يحتاجها، فإن تضرر بسبب ذلك سقطت الفورية. وأما الشافعية، فقال النّوويّ: من لزمه صلاة ففاتته لزمه قضاؤها، سواء فاتت بعذر أو بغيره، فإن كان فواتها بعذر كان قضاؤها على التراخي، ويستحبّ أن يقضيها على الفور. قال صاحب التهذيب: وقيل: يجب قضاؤها حين ذكر، لحديث أنس رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من نسي صلاةً فليصلّ إذا ذكرها»، والذي قطع به الأصحاب أنّه يجوز تأخيرها، لحديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: «كنّا في سفر مع النبيّ صلى الله عليه وسلم وإنّا أسرينا، حتى إذا كنّا في آخر الليل وقعنا وقعةً ولا وقعة أحلى عند المسافر منها، فما أيقظنا إلا حرّ الشمس،.. فلما استيقظ النبيّ صلى الله عليه وسلم شكوا إليه الذي أصابهم قال: لا ضير - أو لا يضير - ارتحلوا فارتحل فسار غير بعيد، ثم نزل، فدعا بالوضوء فتوضأ، ونودي بالصلاة، فصلى بالناس» وهذا هو المذهب. وإن فوتها بلا عذر فوجهان: أصحّهما عند العراقيّين: أنّه يستحبّ القضاء على الفور، ويجوز التأخير، كما لو فاتت بعذر، وأصحّهما عند الخراسانيّين: أنّه يجب القضاء على الفور، وبه قطع جماعات منهم أو أكثرهم، ونقل إمام الحرمين اتّفاق الأصحاب عليه، وهذا هو الصحيح، لأنّه مفرّط بتركها، ولأنّه يقتل بترك الصلاة التي فاتت، ولو كان القضاء على التراخي لم يقتل. ويرى الحنفية على الصحيح جواز التأخير والبدار في قضاء الصوم والصلاة.
يسقط الترتيب للأسباب الآتية: أ - ضيق الوقت: 20 - يرى الحنفية والحنابلة في المذهب، وسعيد بن المسيّب والحسن والأوزاعيّ والثوريّ وإسحاق، أنّه يسقط الترتيب بضيق وقت الحاضرة، لأنّ فرض الوقت آكد من فرض الترتيب. واختلف الحنفية فيما بينهم في المراد بالوقت الذي يسقط الترتيب بضيقه. قال الطحاويّ: على قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف العبرة لأصل الوقت، وعلى قياس قول محمد العبرة للوقت، المستحبّ، بيانه: أنّه إذا شرع في صلاة العصر وهو ناس للظّهر، ثم تذكر الظّهر في وقت لو اشتغل بالظّهر يقع العصر في وقت مكروه، فعلى قول الشيخين يقطع العصر ويصلّي الظّهر، وعلى قول محمد: يمضي في العصر، ثم يصلّي الظّهر بعد غروب الشمس. وذهب المالكية إلى أنّه يجب مع ذكر - لا شرطاً - ترتيب يسير الفوائت أصلاً أو بقاءً إذا اجتمع مع الحاضرة، فيقدم عليها وإن خرج وقتها، وتندب عندهم البداءة بالحاضرة مع الفوائت الكثيرة إن لم يخف فوات الوقت، وإلا وجب. وقال أحمد في رواية عنه: الترتيب واجب مع سعة الوقت وضيقه، وهذه الرّواية اختارها الخلال وصاحبه، وهو مذهب عطاء والزّهريّ والليث. وفي رواية ثانية عن أحمد: إن كان وقت الحاضرة يتسع لقضاء الفوائت وجب الترتيب، وإن كان لا يتسع سقط الترتيب في أول وقتها. وأما الشافعية فلا يجب الترتيب عندهم أصلاً. ب - النّسيان: 21 - ذهب الحنفية والحنابلة في المذهب إلى أنّه يسقط وجوب الترتيب بالنّسيان، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله وضع عن أمتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه»، ولأنّ المنسية ليست عليها أمارة تدعو لتذكّرها فجاز أن يؤثّر فيها النّسيان، كالصّيام. ويرى المالكية أنّه يجب مع الذّكر ابتداءً وفي الأثناء على المعروف ترتيب الحاضرتين، كالظّهر والعصر، أو المغرب والعشاء، فيقدم كالظّهر على العصر، والمغرب على العشاء، فلو بدأ بالأخيرة ناسياً للأولى أعاد الأخيرة ما دام الوقت، بعد أن يصلّي الأولى. وقال ابن قدامة بعد أن نسب إلى مالك القول بوجوب الترتيب مع النّسيان: ولعل من يذهب إلى ذلك يحتجّ بحديث أبي جمعة، وبالقياس على المجموعتين. وحكى ابن عقيل عن الإمام أحمد أنّه قال: لا يسقط الترتيب بالنّسيان.
ج - الجهل: 22 - يرى الحنفية والحنابلة في قول، وهو اختيار الآمديّ: أنّ من جهل فرضية الترتيب لا يفترض عليه، كالناسي. وذهب الحنابلة في المذهب إلى أنّه لا يعذر في ترك الترتيب بالجهل بوجوبه، لأنّ الجهل بأحكام الشرع مع التمكّن من العلم لا يسقط أحكامها، كالجهل بتحريم الأكل في الصوم، وهذا رأي المالكية فيمن جهل وجوب ترتيب الحاضرتين فبدأ بالأخيرة جهلاً بالحكم، فإنّه يعيد الأخيرة أبداً بعد أن يصلّي الأولى. د - كثرة الفوائت: 23 - ذهب الحنابلة والمالكية في قول إلى أنّ الترتيب واجب في قضاء الفوائت وإن كثرت. ويرى الحنفية أنّه يسقط الترتيب بكثرة الفوائت الحقيقية أو الحكمية، لأنّ اشتراط الترتيب إذ ذاك ربما يفضي إلى تفويت الوقتية، وهو حرام، والمعتبر خروج وقت السادسة في الصحيح، لأنّ الكثرة بالدّخول في حدّ التكرار، وروي بدخول وقت السادسة. وصرح الحنفية بأنّه كما سقط الترتيب فيما بين الكثيرة والحاضرة سقط فيما بين أنفسها على الأصحّ. ولا يعود الترتيب بين الفوائت التي كانت كثيرةً بعودها إلى القليلة بقضاء بعضها، لأنّ الساقط لا يعود في أصحّ الرّوايتين عند الحنفية وعليه الفتوى. وقال بعضهم: يعود الترتيب، وصحح هذا القول الصدر الشهيد، وفي الهداية: هو الأظهر، لأنّ علة السّقوط الكثرة وقد زالت. ولا يعود الترتيب أيضاً بفوت صلاة حديثة بعد نسيان ستّ قديمة، فتجوز الوقتية مع تذكّر الحديثة لكثرة الفوائت على الأصحّ عند الحنفية، وعليه الفتوى عندهم. وقيل: لا تجوز الوقتية، ويجعل الماضي كأن لم يكن زجراً له، وصححه في معراج الدّراية، وفي المحيط: وعليه الفتوى. ويقول المالكية على المذهب بوجوب ترتيب الفوائت قلت أو كثرت ترتيباً غير شرط، فيقدّم الظّهر على العصر، وهي على المغرب وهكذا، وجوباً، فإن نكس صحت، وأثم إن تعمد ولا يعيد المنكس. هـ - فوات الجماعة: 24 - يرى الحنفية أنّ من شرع في قضاء فائتة وأقيمت الحاضرة في المسجد فإنّه لا يقطع، أما إذا أقيمت الجماعة في ذلك الفرض بعينه فإنّه يقطع ويقتدي. وذهب المالكية إلى أنّه إن أقيمت صلاة لراتب بمسجد والمصلّي في فريضة غير المقامة، قطع صلاته ودخل مع الإمام إن خشي بإتمامها فوات ركعة، وإن لم يخش فوات ركعة مع الإمام أتم صلاته. وصرح الشافعية بأنّه لا يجوز قلب الفائتة نفلاً ليصلّيها جماعةً في فائتة أخرى أو حاضرة، إذ لا تشرع فيها الجماعة حينئذ خروجاً من خلاف العلماء، فإن كانت الجماعة في تلك الفائتة بعينها جاز ذلك، لكنّه لا يندب. وللحنابلة فيمن عليه فائتة وخشي فوات الجماعة روايتان: إحداهما: يسقط الترتيب، لأنّه اجتمع واجبان: الترتيب والجماعة، ولا بد من تفويت أحدهما، فكان مخيراً فيهما. والثانية: لا يسقط الترتيب، لأنّه آكد من الجماعة، بدليل اشتراطه لصحة الصلاة بخلاف الجماعة، وهذا ظاهر المذهب.
25 - قال أبو نصر الحنفيّ فيمن يقضي صلوات عمره من غير أن يكون فاته شيء، يريد الاحتياط، فإن كان لأجل النّقصان والكراهة فحسن، وإن لم يكن لذلك لم يفعل، وجاء في المضمرات: والصحيح أنّه يجوز إلا بعد صلاة الفجر والعصر وقد فعل ذلك كثير من السلف لشبهة الفساد. وقال الحطاب: الشكّ الذي لا يستند لعلامة لغو، لأنّه وسوسة، فلا قضاء إلا لشكّ عليه دليل، وقد أولع كثير من المنتمين للصلاح بقضاء الفوائت لعدم تحقّق الفوات أو ظنّه أو شكّ فيه، ويسمّونه صلاة العمر، ويرونها كمالاً، ويريد بعضهم بذلك أنّه لا يصلّي نافلةً أصلاً، بل يجعل في محلّ كلّ نافلة فائتةً لما عسى أن يكون من نقص أو تقصير أو جهل، وذلك بعيد عن حال السلف، وفيه هجران المندوبات وتعلّق بما لا أجر له، وقد سمعت شيخنا أبا عبد الله محمد بن يوسف السنوسي ثم التّلمساني يذكر أنّ النهي عن ذلك منصوص فحنقته عليه، فقال: نص عليه القرافيّ في الذخيرة ولم أقف عليه، نعم، رأيت لسيّدي أبي عبد الله البلاليّ في اختصار الإحياء عكسه.
26 - يرى الحنفية والمالكية على المشهور، والحنابلة في قول: أنّ السّنن - عدا سنّة الفجر - لا تقضى بعد الوقت. ثم اختلف الحنفية في قضاء هذه السّنن تبعاً للفرض، فقال بعضهم: يقضيها تبعاً، لأنّه كم من شيء يثبت ضمناً ولا يثبت. قصداً. وقال بعضهم: لا يقضيها تبعاً كما لا يقضيها مقصودةً، قال العينيّ: وهو الأصحّ، لاختصاص القضاء بالواجب، وفي مختصر البحر: ما سوى ركعتي الفجر من السّنن إذا فاتت مع الفرض يقضي عند العراقيّين كالأذان والإقامة، وعند الخراسانيّين لا يقضى. وأما سنّة الفجر فإنّها تقضى تبعاً للفرض إلى وقت الزوال عند أبي حنيفة وأبي يوسف، سواء كان قضى الفرض بالجماعة، أو قضاه وحده، وقال محمد: تقضى منفردةً بعد الشمس قبل الزوال، فلا قضاء لسنّة الفجر منفردةً قبل الشمس ولا بعد الزوال باتّفاق الحنفية، وسواء صلى منفرداً أو بجماعة. ثم اختلف مشايخ ما وراء النّهر في قضاء سنّة الفجر تبعاً للفرض فيما بعد الزوال، فقال بعضهم: تقضى تبعاً، وقال بعضهم: لا تقضى تبعاً ولا مقصودةً. وصرح المالكية بأنّه لا يقضى نفل خرج وقته سوى سنّة الفجر فإنّها تقضى بعد حلّ النافلة للزوال سواء كان معها الصّبح أو لا. ويرى الشافعية أنّ النّوافل غير المؤقتة كصلاة الكسوفين والاستسقاء وتحية المسجد لا مدخل للقضاء فيها، وأما النّوافل المؤقتة كالعيد والضّحى، والرواتب التابعة للفرائض، ففي قضائها عندهم أقوال: أظهرها: أنّها تقضى، والثاني: لا، والثالث: ما استقل كالعيد والضّحى قضي، وما كان تبعاً كالرواتب فلا. وعلى القول بأنّها تقضى، فالمشهور: أنّها تقضى أبداً، والثاني: تقضى صلاة النهار ما لم تغرب شمسه، وفائت الليل ما لم يطلع فجره فيقضي ركعتي الفجر ما دام النهار باقياً، والثالث: يقضي كل تابع ما لم يصلّ فريضةً مستقبلةً، فيقضي الوتر ما لم يصلّ الصّبح، ويقضي سنّة الصّبح ما لم يصلّ الظّهر، والباقي على هذا المثال، وقيل: على هذا الاعتبار بدخول وقت المستقبلة، لا بفعلها. ويرى الحنابلة على المذهب أنّ من فاته شيء من السّنن الرواتب سنّ له قضاؤها، وعن أحمد: لا يستحبّ قضاؤها، وعنه: يقضي سنّة الفجر إلى الضّحى، وقيل: لا يقضي إلا سنّة الفجر إلى وقت الضّحى وركعتي الظّهر. وصرح الحنفية بأنّه يلزم التطوّع بالشّروع مضيّاً وقضاءً، بمعنى أنّه يلزمه المضيّ فيه حتى إذا أفسده لزم قضاؤه. وللتفصيل (ر: نفل، وصلاة العيدين ف / 7 - 9، وأداء ف /20، وتطوّع ف / 18).
27 - يرى جمهور الفقهاء أنّ من فاتته صلوات سنّ له أن يؤذّن للأولى، ثم يقيم لكلّ صلاة إقامةً. وأضاف الحنفية والشافعية إلى أنّ ذلك يكون إن والى بين الفوائت، فإن لم يوال بينها أذن وأقام لكلّ. وصرح الحنفية بأنّ الأكمل فعلهما في كلّ منها، كما فعله النبيّ صلى الله عليه وسلم «حين شغله الكفار يوم الأحزاب عن أربع صلوات: الظّهر والعصر والمغرب والعشاء، فقضاهنّ مرتبًا على الولاء، وأمر بلالاً أن يؤذّن ويقيم لكلّ واحدة منهنّ». وذهب المالكية إلى كراهية الأذان لفائتة. وللتفصيل في المسائل المتعلّقة بالأذان للفوائت (ر: أذان ف / 43 - 44).
28 - يرى جمهور الفقهاء جواز الجماعة في قضاء الفوائت، وصرح المالكية والشافعية والحنابلة بسنّية الجماعة في المقضية، وقيد الشافعية السّنّية بكونها في المقضية التي يتفق الإمام والمأموم فيها، بأن يكون قد فاتهما ظهر أو عصر مثلاً، واستدلّوا بأنّ النّبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق " فاته أربع صلوات فقضاهنّ في جماعة "، وقد روى عمران بن حصين رضي الله عنه قال: «سرينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان في آخر الليل عرسنا - أي نزل بنا للاستراحة - فلم نستيقظ حتى حرّ الشمس فجعل الرجل منّا يقوم دهشاً إلى طهوره، فأمرهم النبيّ صلى الله عليه وسلم: أن يسكنوا، ثم ارتحلنا فسرنا حتى إذا ارتفعت الشمس، توضأ ثم أمر بلالاً فأذن ثم صلى الركعتين قبل الفجر ثم أقام فصلينا، فقالوا: يا رسول الله، ألا نعيدها في وقتها في الغد لوقتها؟ قال: أينهاكم ربّكم تبارك وتعالى عن الرّبا ويقبله منكم؟». وقيد الشافعية السّنّية بكونها في المقضية التي يتفق الإمام والمأموم فيها بأن يكون قد فاتهما ظهر أو عصر مثلاً. وحكي عن الليث بن سعد منع قضاء الفوائت في جماعة. وللفقهاء خلاف وتفصيل في القضاء خلف الأداء، والأداء خلف القضاء، وقضاء صلاة خلف من يقضي غيرها، ينظر في (اقتداء ف / 35).
29 - ذهب المالكية والشافعية والحنابلة، وأبو العالية والشعبيّ والحكم وحماد والأوزاعيّ وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر إلى أنّه يجوز قضاء الفرائض الفائتة في جميع أوقات النهي وغيرها. واستدلّوا بقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من نسي صلاةً أو نام عنها فكفارتها أن يصلّيها إذا ذكرها»، وبحديث أبي قتادة رضي الله عنه: «إنّما التفريط على من لم يصلّ الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى، فمن فعل ذلك فليصلّها حين ينتبه لها». ويرى الحنفية عدم جواز قضاء الفوائت وقت طلوع الشمس، ووقت الزوال، ووقت الغروب، لعموم النهي، وهو متناول للفرائض وغيرها، ولأنّ النّبي صلى الله عليه وسلم «لما نام عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس أخرها حتى ابيضت الشمس» ولأنّها صلاة، فلم تجز في هذه الأوقات كالنّوافل. وللتفصيل (ر: أوقات الصلاة ف / 24).
30 - من ترك الزكاة التي وجبت عليه وهو متمكّن من إخراجها حتى مات ولم يوص بإخراجها أثم إجماعاً. (ر: زكاة ف / 126). ثم ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ من وجبت عليه الزكاة وتمكن من أدائها فلم يفعل حتى مات وجب قضاء ذلك من تركته، لأنّه متى لزم في حال الحياة لم يسقط بالموت، كدين الآدميّ. وللمالكية تفصيل قال الدّسوقيّ: زكاة العين في عام الموت لها أحوال أربعة: أ - إن اعترف بحلولها وبقائها في ذمته، وأوصى بإخراجها، فمن رأس المال جبراً على الورثة. ب - وإن اعترف بحلولها ولم يعترف ببقائها ولم يوص بإخراجها، فلا يجبرون على إخراجها، لا من الثّلث ولا من رأس المال، وإنّما يؤمرون من غير جبر، إلا أن يتحقق الورثة عدم إخراجها فتخرج من رأس المال جبراً. ج - وإن لم يعترف ببقائها وأوصى بإخراجها، أخرجت من الثّلث جبراً. د - وإن اعترف ببقائها ولم يوص بإخراجها، لم يقض عليهم بإخراجها، وإنّما يؤمرون بغير جبر، لاحتمال أن يكون أخرجها، فإن علموا عدم إخراجها أجبروا عليها من رأس المال. ويرى الحنفية وابن سيرين والشعبيّ والنّخعيّ وحماد بن سليمان وحميد الطويل والمثنّى والثوريّ أنّ الزكاة تسقط بموت ربّ المال، ولا تؤخذ من تركته بغير وصية، لفقد شرطها وهو النّية. والتفصيل في مصطلح (زكاة ف / 126).
31 - يرى المالكية والشافعية والحنابلة أنّ من أخر زكاة الفطر عن يوم العيد مع القدرة على إخراجها أثم، ولزمه القضاء. وصرح الحنفية بكراهة التأخير، إلا أنّ وقت أداء زكاة الفطر عندهم موسع لا يضيق إلا في آخر العمر. وللتفصيل في سبب وجوب زكاة الفطر ووقت وجوب أدائها (ر: زكاة الفطر ف /8 - 9).
32 - من أفطر أياماً من رمضان قضى بعدة ما فاته، لأنّ القضاء يجب أن يكون بعدة ما فاته، لقوله تعالى: {وَمَن كَان مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. وللتفصيل فيما يوجب القضاء انظر (صوم ف / 86).
33 - ذهب الحنفية إلى أنّ الاعتكاف إذا فسد، فالذي فسد لا يخلو إما أن يكون واجباً، وهو المنذور، وإما أن يكون تطوّعاً، فإن كان واجباً يقضي إذا قدر على القضاء، إلا الرّدة خاصةً، لأنّه إذا فسد التحق بالعدم، فصار فائتاً معنىً، فيحتاج إلى القضاء جبراً للفوات، ويقضي بالصوم، لأنّه فاته مع الصوم فيقضيه مع الصوم، غير أنّ المنذور به إن كان اعتكاف شهر بعينه، يقضي قدر ما فسد لا غير، ولا يلزمه الاستقبال، كالصوم المنذور به في شهر بعينه إذا أفطر يوماً، أنّه يقضي ذلك اليوم، ولا يلزمه الاستئناف، كما في صوم رمضان، وإذا كان اعتكاف شهر بغير عينه يلزمه الاستقبال، لأنّه يلزمه متتابعاً فيراعى فيه صفة التتابع، وسواء فسد بصنعه من غير عذر، كالخروج والجماع والأكل والشّرب في النهار، إلا الرّدة، أو فسد بصنعه لعذر، كما إذا مرض فاحتاج إلى الخروج فخرج، أو بغير صنعه رأساً، كالحيض والجنون والإغماء الطويل، لأنّ القضاء يجب جبراً للفائت، والحاجة إلى الجبر متحقّقة في الأحوال كلّها، إلا أنّ سقوط القضاء في الرّدة عرف بالنص، وهو قوله تعالى {قُل لِلَّذِين كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ}، وقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «الإسلام يجبّ ما قبله»، والقياس في الجنون الطويل أن يسقط القضاء، كما في صوم رمضان، إلا أنّ في الاستحسان يقضي، لأنّ سقوط القضاء في صوم رمضان إنّما كان لدفع الحرج، لأنّ الجنون إذا طال قلما يزول، فيتكرر عليه صوم رمضان، فيحرج في قضائه، وهذا المعنى لا يتحقق في الاعتكاف، وأما اعتكاف التطوّع إذا قطعه قبل تمام اليوم فلا شيء عليه في رواية الأصل، وفي رواية الحسن يقضي، بناء على أنّ اعتكاف التطوّع غير مقدر في رواية محمد عن أبي حنيفة وفي رواية الحسن عنه مقدر بيوم. وأما حكمه إذا فات عن وقته المعين له، بأن نذر اعتكاف شهر بعينه، أنّه إذا فات بعضه قضاه لا غير، ولا يلزمه الاستقبال، كما في الصوم، وإن فاته كلّه قضى الكل متتابعاً، لأنّه لما لم يعتكف حتى مضى الوقت صار الاعتكاف ديناً في ذمته، فصار كانه أنشأ النذر باعتكاف شهر بعينه، فإن قدر على قضائه فلم يقضه حتى أيس من حياته يجب عليه أن يوصي بالفدية لكلّ يوم طعام مسكين، لأجل الصوم، لا لأجل الاعتكاف، كما في قضاء رمضان والصوم المنذور في وقت بعينه، وإن قدر على البعض دون البعض فلم يعتكف، فكذلك إن كان صحيحاً وقت النذر، فإن كان مريضاً وقت النذر فذهب الوقت وهو مريض حتى مات، فلا شيء عليه، وإن صح يوماً واحداً يلزمه أن يوصي بالإطعام لجميع الشهر في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وعن محمد لا يلزمه إلا مقدار ما يصحّ على ما ذكره القدوريّ. وإذا نذر اعتكاف شهر بغير عينه، فجميع العمر وقته، كما في النذر بالصوم في وقت بغير عينه، وفي أيّ وقت أدى كان مؤدّياً لا قاضياً، لأنّ الإيجاب حصل مطلقاً عن الوقت، وإنّما يتضيق عليه الوجوب إذا أيس من حياته، وعند ذلك يجب عليه أن يوصي بالفدية كما في قضاء رمضان والصوم المنذور المطلق، فإن لم يوص حتى مات سقط عنه في أحكام الدّنيا حتى لا تؤخذ من تركته، ولا يجب على الورثة الفدية إلا أن يتبرعوا به. ويرى المالكية أنّ العذر الذي يقطع الاعتكاف إما إغماء أو جنون أو حيض أو نفاس أو مرض، والاعتكاف إما نذر معين من رمضان أو غيره، أو نذر غير معين، وفي كلّ إما أن يطرأ العذر قبل الاعتكاف، أو مقارناً له، أو بعد الدّخول فيه. فإن كانت تلك الموانع في الاعتكاف المنذور المطلق أو المعين من رمضان، فلا بد من البناء بعد زوالها، سواء طرأت قبل الاعتكاف وقارنت، أو بعد الدّخول. وإن كان نذرا معيناً من غير رمضان، فإن طرأت خمسة الأعذار قبل الشّروع في الاعتكاف، أو مقارنةً، فلا يجب القضاء. وإن طرأت بعد الدّخول، فالقضاء متصلاً. وإن كان تطوّعاً معيناً أو غير معين فلا قضاء، سواء طرأت الأعذار الخمسة قبل الشّروع أو بعده أو مقارنةً له. وبقي حكم ما إذا أفطر ناسياً، والحكم أنّه يقضي، سواء كان الاعتكاف نذرا معيناً من رمضان، أو من غيره، أو كان نذرا غير معين، أو كان تطوّعاً معيناً أو غير معين. وأما إن أفطر في اعتكافه متعمداً فإنّه يبتدئ اعتكافه، وكذلك يبتدئ اعتكافه من جامع فيه ليلاً أو نهاراًً ناسياً أو متعمداً. وقال الشافعية: إن نذر أن يعتكف شهراً نظر فإن كان شهراً بعينه لزمه اعتكافه ليلاً ونهاراًً، سواء كان الشهر تامّاً أو ناقصاً، لأنّ الشهر عبارة عما بين الهلالين تم أو نقص، وإن نذر اعتكاف نهار الشهر، لزمه النهار دون الليل، لأنّه خص النهار، فلا يلزمه الليل، فإن فاته الشهر ولم يعتكف فيه، لزمه قضاؤه ويجوز أن يقضيه متتابعاً أو متفرّقاً، لأنّ التتابع في أدائه بحكم الوقت، فإذا فات سقط، كالتتابع في يوم شهر رمضان، وإن نذر أن يعتكف متتابعاً لزمه قضاؤه متتابعاً، لأنّ التتابع هاهنا وجب لحكم النذر، فلم يسقط بفوات الوقت. ويرى الحنابلة أنّ من نذر اعتكافاً ثم أفسده ينظر، فإن كان نذر أياماً متتابعةً فسد ما مضى من اعتكافه واستأنف، لأنّ التتابع وصف في الاعتكاف، وقد أمكنه الوفاء به، فلزمه، وإن كان نذر أياماً معينةً كالعشرة الأواخر من شهر رمضان، ففيه وجهان: أحدهما: يبطل ما مضى ويستأنفه، لأنّه نذر اعتكافاً متتابعاً فبطل بالخروج منه، كما لو قيده بالتتابع بلفظه. والثاني: لا يبطل، لأنّ ما مضى منه قد أدى العبادة فيه أداءً صحيحاً، فلم يبطل بتركها في غيره، كما لو أفطر في أثناء شهر رمضان، والتتابع هاهنا حصل ضرورة التعيين، والتعيين مصرح به، وإذا لم يكن بدّ من الإخلال بأحدهما، ففيما حصل ضرورةً أولى، ولأنّ وجوب التتابع من حيث الوقت لا من حيث النذر، فالخروج في بعضه لا يبطل ما مضى منه، فعلى هذا يقضي ما أفسد فيه فحسب، وعليه الكفارة على الوجهين جميعاً، لأنّه تارك لبعض ما نذره.
34 - ترك ركن من أركان الحجّ إما أن يكون بمانع قاهر يمنع المحرم من أركان النّسك، ويعبّر عنه الفقهاء بالإحصار، أو يكون بغير مانع قاهر، ويعبّر عنه الفقهاء بالفوات. وقد اتفق الفقهاء على أنّه يجب على المحصر قضاء النّسك الذي أحصر عنه إذا كان واجباً كحجة الإسلام، والحجّ والعمرة المنذورين عند جميعهم، وكعمرة الإسلام عند الشافعية والحنابلة، ولا يسقط هذا الواجب عنه بسبب الإحصار. وللتفصيل في أحكام قضاء النّسك الواجب الذي أحصر عنه المحرم، وقضاء نسك التطوّع وما يلزم المحصر في القضاء (ر: إحصار ف / 49 - 51، وحجّ ف / 121 - 123). ومن فاته الحجّ يتحلل بطواف وسعي وحلق عند جمهور الفقهاء ويلزمه القضاء من قابل. ويرى الحنابلة في إحدى الرّوايتين، والمزنيّ، أنّه يمضي في حجّ فاسد ويلزمه جميع أفعال الحجّ، لأنّ سقوط ما فات وقته لا يمنع ما لم يفت. وللتفصيل في صور فوات الحجّ، وتحلّل من فاته الحجّ، وكيفية التحلّل (ر: فوات).
35 - يرى الحنفية والمالكية أنّ التضحية تفوت بمضيّ وقتها، ولا يخاطب بها المكلف بعد مضيّ زمنها. ثم قال الحنفية: إن كان أوجب على نفسه شاةً بعينها، بأن قال: لله علي أن أضحّي بهذه الشاة، سواء كان الموجب فقيراً أو غنيّاً، أو كان المضحّي فقيراً وقد اشترى شاةً بنية الأضحية فلم يضحّ حتى مضت أيام النّحر، تصدق بها حيةً، وإن كان من لم يضحّ غنيّاً ولم يوجب على نفسه شاةً بعينها، تصدق بقيمة شاة اشترى أو لم يشتر. وعند المالكية لا تتعين الأضحية إلا بالذبح، فلا تتعين أضحية بالنذر ولا بالنّية ولا بالتمييز لها. وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنّ من لم يضحّ حتى فات الوقت فإن كان تطوّعاً لم يضحّ، بل قد فاتت التضحية هذه السنة، وإن كان منذوراً لزمه أن يضحّي ويقضي الواجب كالأداء. وللتفصيل (ر: أضحية ف / 42 - 44).
36 - اختلف الفقهاء في قضاء ما فات من القسم: فذهب الحنفية والمالكية إلى أنّ القسم يفوت بفوات زمنه سواء فات لعذر أم لا، فلا يقضي، فليس للتي فاتت ليلتها ليلة بدلها، لأنّ القصد من القسم دفع الضرر الحاصل في الحال، وذلك يفوت بفوات زمنه، ولو قلنا بالقضاء، لظلمت صاحبة الليلة المستقبلة. وقال العينيّ نقلاً عن المحيط والمبسوط: الزوج لو أقام عند واحدة شهراً ظلماً، ثم طلب القسم من الباقيات، أو بغير طلب، فليس عليه أن يعوّض، لأنّه ليس بمال، فلم يكن عليه ديناً في الذّمة، لكنّه ظالم يوعظ، فإن استمر يؤدب تعزيراً. ويرى الشافعية والحنابلة أنّه إن تعذر على الزوج المقام عند ذات الليلة ليلاً لشغل أو حبس، أو ترك المقام عندها في ليلتها لغير عذر قضاه لها، كسائر الواجبات. وهذا ما اختاره ابن الهمام حيث قال: والذي يقتضيه النظر أن يؤمر بالقضاء إذا طلبت، لأنّه حقّ آدميّ، وله قدرة على إيفائه.
37 - ذهب المالكية والشافعية والحنابلة في أظهر الرّوايتين، والحسن وإسحاق وابن المنذر إلى أنّ من ترك الإنفاق الواجب لامرأته مدةً لم يسقط بذلك، وكان ديناً في ذمته، سواء تركه لعذر أو لغير عذر، لأنّه مال يجب على سبيل البدل في عقد معاوضة، فلا يسقط بمضيّ الزمان، كالثمن والأجرة والمهر. ويرى الحنفية والحنابلة في الرّواية الأخرى، أنّه إذا مضت مدة ولم ينفق عليها سقطت النفقة، إلا أن تكون قد قضي بها أو صالحته على مقدارها، فيقضى لها بنفقة ما مضى، لأنّ النفقة لم تجب عوضاً عن البضع، فبقي وجوبه جزاءً عن الاحتباس صلةً ورزقاً لا عوضاً، لأنّ الله تعالى سماه رزقاً بقوله: {وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُن}. والرّزق اسم لما يذكر صلةً، والصّلات لا تملك إلا بالتسليم حقيقةً أو بقضاء القاضي، كما في الهبة، أو بالتزامه بالتراضي. وصرح الحنفية بأنّه إذا مات أحد الزوجين بعد القضاء أو الاصطلاح قبل القبض سقطت النفقة، لأنّها صلة من الصّلات تسقط بالموت قبل القبض. هذا حكم نفقة الزوجة، وأما نفقة القريب، فيرى الفقهاء أنّه إذا فات منها يوم أو أيام ولم ينفق على من تلزمه نفقته لم يصر ديناً عليه، ولم يجب عليه قضاؤه، لأنّها تسقط بمضيّ الزمان، إلا أن يكون القاضي أمر بالاستدانة عليه، فتصير ديناً في ذمته ولا تسقط. وللتفصيل (ر: نفقة).
1 - القضاة: جمع قاض، وهو القاطع للأمور المحكم لها، يقال: قضى قضاءً فهو قاض، إذا حكم وفصل، واستقضي فلان: جعل قاضياً يحكم بين الناس. ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ.
الحكّام: 2 - الحكام. جمع حاكم، وهو اسم يتناول الخليفة والوالي والقاضي والمحكم، إلا أنّه عند الإطلاق في عبارات الفقهاء ينصرف إلى القاضي. والصّلة بين القضاة والحكام عموم وخصوص.
3 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ تولية القضاة فوراً في قضاء الأقاليم فرض عين على الإمام، لما أنّه لا يجوز له إخلاء مسافة العدوى عن قاض لأنّ الإحضار من فوقها مشقة، لدخول ذلك في عموم ولايته، ولا يصحّ إلا من جهته، ولا يتوقف حتى يسأل، لأنّها من الحقوق المسترعاة، وقبول التولية فرض كفاية في حقّ الصالحين له. والتفصيل في مصطلح (قضاء). وفي القضاء فضل عظيم لمن قوي على القيام به وأداء الحقّ فيه، ولذلك جعل الله فيه أجراً مع الخطأ وأسقط عنه حكم الخطأ. والتفصيل في مصطلح (قضاء).
4 - اشترط الفقهاء فيمن يتولى القضاء شروطاً، اختلفوا في بعضها، واتفقوا في بعضها الآخر، والتفصيل في مصطلح (قضاء). تعدّد القضاة: 5 - يجوز أن يولّي الإمام قاضيين. أو ثلاثةً في بلد واحد يجعل لكلّ منهم عملاً، فيتولى أحدهم عقود الأنكحة، والآخر الحكم في المداينات، وآخر النظر في العقارات مثلاً. ويجوز أن يُولِّي كلّاً منهم عموم النظر في ناحية من نواحي البلد، لعدم المنازعة بينهما، أما إن لم يخص كلّاً من القاضيين بما ذكر بل عمم ولايتهما فقد اختلف الفقهاء في ذلك على مذاهب، والتفصيل في مصطلح (قضاء).
6 - يجوز للقاضي أخذ الرّزق من بيت مال المسلمين، ورخص فيه شريح وابن سيرين، والشافعيّ، وبعض الحنفية، وعليه جمهور الفقهاء وأكثر أهل العلم، والتفصيل في مصطلح (قضاء). أما استئجاره على القضاء فلا يجوز عند عامة الفقهاء. والتفصيل في مصطلح (قضاء).
1 - القِطار من الإبل في اللّغة: عدد على نسق واحد، والجمع قُطُر، مثل كتاب وكتب، يقال: قَطَر الإبل قطراً، وقطّرها وأقطرها: قرّب بعضها إلى بعض على نسق. والفقهاء يستعملون هذا اللفظ بالمعنى اللّغويّ نفسه. قال البابرتيّ: القطار: الإبل تقطر على نسق واحد. وقال الزرقانيّ: القطار - بكسر القاف - هو ربط الإبل أو غيرها بعضها ببعض. ويشترط بعض فقهاء الشافعية أن لا يزيد عدد القطار الواحد على تسعة للعادة الغالبة وخالف ابن الصلاح فقدره بسبعة. قال النّوويّ: والأصحّ التوسّط، ذكره أبو الفرج السرخسيّ، فقال: في الصحراء لا يتقيد بعدد، وفي العمران يعتبر ما جرت العادة بأن يجعل قطاراً، وهو ما بين سبعة إلى عشرة، وقال البلقينيّ: لم يعتبر ذلك الشافعيّ ولا كثير من الأصحاب، منهم الشيخ أبو حامد وأتباعه، والتقييد بالتّسع أو السبع ليس بمعتمد، وذكر الأذرعيّ والزركشيّ نحوه، ثم قالا: وسبب اضطرابهم في العدد اضطراب العرف فيه، فالأشبه الرّجوع في كلّ مكان إلى عرفه، وبه صرح صاحب الوافي.
الراحلة: 2 - الراحلة: المركب من الإبل ذكراً كان أو أنثى، والناقة التي تصلح للرحل، والأول هو مراد الفقهاء والراحلة جزء من القطار.
هناك أحكام تتعلق بالقطار تكلم الفقهاء عنها، منها: الحرز، وضمان ما أتلفه القطار، على الوجه الآتي: أ - الحرز: 3 - يرى الشافعية والحنابلة أنّ القطار إن كان معه سائق يسوقه، فحرزه نظره إليه، وما كان منه بحيث لا يراه فليس بمحرز، وإن كان معه قائد، فحرزه أن ينظر إليه كل ساعة وينتهي نظره إليه إذا التفت، فإن كان لا يرى البعض لحائل جبل أو بناء، فذلك البعض غير محرز. وقال المالكية بقطع السارق لشيء من القطار بمجرد إبانته عن باقيه على المعتمد. وحكى ابن كجّ وجهاً للشافعية أنّه لا يشترط انتهاء نظر القائد إلى آخر القطار. وحيث يشترط انتهاء نظر القائد إلى القطار فقد اختلف فقهاء الشافعية في اشتراط بلوغ الصوت، فقال بعضهم: لو لم يبلغ صوته بعض القطار فإنّ ذلك البعض غير محرز، وسكت آخرون عن اعتبار بلوغ الصوت اكتفاءً بالنظر، لأنّه إذا قصد ما يراه أمكنه العدو إليه. وذهب الحنفية إلى أنّ من سرق من القطار بعيراً أو حملاً لم يقطع، لأنّه ليس بحرز مقصود، فتتمكن فيه شبهة العدم، وهذا لأنّ السائق والراكب والقائد إنّما يقصدون قطع المسافة ونقل الأمتعة دون الحفظ، حتى لو كان مع الأحمال من يتبعها للحفظ قالوا: يقطع، وإن شق الحمل وأخذ منه قطع، لأنّ الجوالق في مثل هذا حرز، لأنّه يقصد بوضع الأمتعة فيه صيانتها كالكمّ، فوجد الأخذ من الحرز فيقطع. وللتفصيل (ر: سرقة ف / 37). ب - ضمان ما أتلفه القطار: 4 - نص الحنفية على أنّ الدّية تجب على قائد قطار وطئ بعير منه رجلاً، وإن كان معه سائق ضمنا لاستوائهما في التسبّب، لكنّ ضمان النفس على العاقلة وضمان المال في ماله، هذا لو كان السائق من جانب من الإبل، فلو توسطها وأخذ بزمام واحد ضمن ما خلفه، وضمنا ما قدامه، وضمن راكب على بعير وسط القطار الوسط فقط ولا يضمن ما قدامه لأنّه غير سائق له ولا ما خلفه لأنّه غير قائد ما لم يأخذ بزمام ما خلفه، وإن قتل بعير ربط على قطار سائر بلا علم قائده رجلاً ضمن عاقلة القائد الدّية، ورجعوا بها على عاقلة الرابط، لأنّه دية لا خسران، ولو ربط البعير والقطار واقف ضمنها عاقلة القائد بلا رجوع لقوده بلا إذن. وقال المالكية: من قاد قطاراً فهو ضامن لما وطئ البعير في أول القطار أو آخره، وإن نفحت رجلاً بيدها أو رجلها لم يضمن القائد، إلا أن يكون ذلك من شيء فعله بها. وعند الحنابلة: قال شمس الدّين ابن قدامة: الجمل المقطور على الجمل الذي عليه راكب يضمن الراكب جنايته لأنّه في حكم القائد، فأما الجمل المقطور على الجمل الثاني فينبغي ألا يضمن جنايته إلا أن يكون له سائق، لأنّ الراكب الأول لا يمكنه حفظه عن الجناية.
انظر: هرّ.
1 - القطع في اللّغة: إبانة جزء من الجرم، يقال: قطعت الحبل قطعاً: فصلت منه جزءاً، ويطلق على المعاني: فكلّ من شرع في أمر من الأمور فلم يكمله يقال: إنّه قطعه، فمن تحلل عن الصلاة بالسلام قبل إتمامها، أو أتى ما يبطلها بعد الشّروع فيها فقد قطع صلاته ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ.
تختلف أحكام القطع باختلاف موضوع القطع:
2 - قطع العبادة الواجبة بعد الشّروع فيها بلا مسوّغ شرعيّ غير جائز باتّفاق الفقهاء، لأنّ قطعها بلا مسوّغ شرعيّ عبث يتنافى مع حرمة العبادة، وورد النهي عن إفساد العبادة، قال تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}، أما قطعها بمسوّغ شرعيّ فمشروع، فتقطع الصلاة لقتل حية ونحوها للأمر بقتلها، وخوف ضياع مال له قيمة له أو لغيره، ولإغاثة ملهوف، وتنبيه غافل أو نائم قصدت إليه نحو حية، ولا يمكن تنبيهه بتسبيح، ويقطع الصوم لإنقاذ غريق، وخوف على نفس، أو رضيع. أما قطع التطوّع بعد الشّروع فيه فقد اختلف الفقهاء في حكمه فقال الحنفية والمالكية: لا يجوز قطعه بعد الشّروع بلا عذر كالفرض ويجب إتمامه، لأنّه عبادة، ويلزم بالشّروع فيه، ولا يجوز إبطاله، لأنّه عبادة. وقال الشافعية والحنابلة: يجوز قطع التطوّع، عدا الحجّ والعمرة، لحديث «المتنفل أمير نفسه» ولكن يستحبّ إتمامه، أما الحجّ والعمرة فيجب إتمامهما، وإن فسدا إذا شرع فيهما، لأنّ نفلهما كفرضهما (ر: تطوّع ف / 21). وتنقطع الصلاة بإتيان ما يتنافى معها كتعمّد الحدث، ونية الخروج منها بعد الإحرام، والكلام الكثير عرفاً، والعمل الكثير، ونحو ذلك من مبطلاتها. وقال الحنابلة: يقطعها أيضاً: الكلب الأسود إذا مر بين يدي المصلّي، وهو البهيم الذي ليس في لونه شيء سوى السواد، وفي رواية عن أحمد أنّه يقطع الصلاة: الكلب الأسود، والحمار، والمرأة إذا مرت بين يدي المصلّي، ولا يقطع شيء من ذلك عند عامة الفقهاء. ويقطع عند الحنفية محاذاة المرأة الرجل في صلاة مطلقةً يشتركان فيها (ر: اقتداء ف / 11). ويقطع الصوم ما يبطله من أكل أو شرب أو جماع، ولا ينقطع الصوم بنية القطع عند الشافعية (ر: صوم ف / 33).
3 - تنقطع قدوة المأموم بخروج إمامه من صلاته بسلام، أو غيره لزوال الرابطة. ويجوز عند الشافعية للمأموم قطعها بنية المفارقة، وإن قلنا: إنّ الجماعة فرض كفاية، لأنّ فرض الكفاية لا يلزم بالشّروع عندهم، كالتطوّع، إلا في الجهاد وصلاة الجنازة، لأنّ «الفرقة الأولى فارقت النّبي صلى الله عليه وسلم في ذات الرّقاع»، لكن يكره قطعها إلا لعذر، كمرض، وتطويل الإمام لمن لا يصبر لضعف، أو شغل، وتركه سنّةً مقصودةً كتشهّد أو قنوت.
4 - يقطع موالاة الفاتحة تخلّل ذكر، وإن قل، وسكوت طويل عرف بلا عذر، أو سكوت ولو كان قصيراً قصد به قطع القراءة، لإشعار ذلك الإعراض عن القراءة.
5 - يشترط لصحة خطبة الجمعة سماع العدد الذي تنعقد به، فإن انفضّوا أو بعضهم ففي ذلك تفصيل ينظر في (خطبة ف / 24).
6 - اتفق الفقهاء على حرمة قطع أو قلع نبات الحرم إذا كان مما لا يستنبته الناس عادةً، سواء أكان شجراً أو غيره، ويستوي في ذلك المحرم وغيره، لحديث: «حرّم الله مكة فلم تحل لأحد قبلي ولا لأحد بعدي أحلت لي ساعةً من نهار، لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها». (ر: حرم ف / 10).
7 - للحرّ البالغ العاقل قطع سلعة - أي ورم ونحوه - من جسده لا خطر في قطعها، ولا في تركها، لأنّ له غرضاً في إزالة الشين، فإن كان في قطعها خطر على نفسه بقول طبيبين أو طبيب ثقة ولا خطر في تركها، أو زاد خطر القطع، فلا يجوز له قطعها، لأنّ ذلك يؤدّي إلى هلاك نفسه. والله يقول: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، وإن قال الأطباء: إن لم يقطع حصل أمر يفضي إلى الهلاك، وجب القطع، كما يجب دفع المهلكات، ومثل السّلعة العضو المتآكل في الأحكام. وللأصل وإن علا: قطع نحو سلعة وعضو متآكل من صبيّ، ومجنون مع الخطر فيه إن زاد خطر الترك على خطر القطع، لأنّه يلي صون مالهما عن الضياع فبدنهما أولى، وللحاكم وغيره من الأولياء غير الأب والجدّ قطعها بلا خطر، أما مع الخطر فلا يجوز.
8 - يجب على الإمام إقامة حدّ السرقة على سارق نصاب السرقة من حرز مثله إذا رفع إلى الإمام وثبتت السرقة عنده، لقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا}، وحديث: «تقطع اليد في ربع دينار فصاعداً». والتفصيل في مصطلح (سرقة ف / 62).
9 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ من بين عقوبات المحاربين قطع أيديهم وأرجلهم، قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ}. والتفصيل في مصطلح (حرابة ف / 7 وما بعدها).
انظر: حرابة.
انظر: مقادير.
انظر: قيء.
انظر: حشفة، ختان.
انظر: مقادير.
1 - القَلَنْسُوة لغةً: من ملابس الرّءوس. والتقليس: لبس القلنسوة. ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ.
2 - ذهب الحنفية والحنابلة في المذهب إلى أنّه لا يجوز المسح في الوضوء على القلنسوة لعدم الحرج في نزعها. قال إسحاق بن إبراهيم: قال أحمد: لا يمسح على القلنسوة. وقال المالكية: يجوز المسح على القلنسوة إن خيف من نزعها ضرر. وقال الشافعية: إن عسر رفع القلنسوة، أو لم يرد ذلك كمل بالمسح عليها وإن لبسها على حدث، لخبر مسلم «أنّه صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة»، وسواء أعسر عليه تنحيتها أم لا.
3 - يحرم على المحرم لبس القلنسوة، لأنّ ستر الرأس من محظورات الإحرام، لما روى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما «أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم: لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين». قال ابن بطال: قوله «ولا البرانس» قال في الصّحاح البرنس: قلنسوة طويلة وكان النّساك يلبسونها في صدر الإسلام. فإن لبس المحرم القلنسوة لزمه الفدية وهذا باتّفاق الفقهاء.
4 - من أحكام أهل الذّمة أنّهم يُلزمون بلبس يميّزهم عن المسلمين، لأنّ عمر رضي الله تعالى عنه صالحهم على تغيير زيّهم بمحضر من الصحابة، فإذا لبسوا القلانس يجب أن تكون مخالفةً للقلانس التي يلبسها المسلمون وذلك بتمييزها بعلامة يُعرفون بها. قال ابن عابدين: يمنع أهل الذّمة من لبس القلانس الصّغار، وإنّما تكون طويلةً من كرباس مصبوغةً بالسواد مضربةً مبطنةً وهذا في العلامة أولى. وقد ذكر أبو يوسف في كتاب الخراج بإلزامهم لبس القلانس الطويلة المضربة وأنّ عمر رضي الله تعالى عنه كان يأمر بذلك، أي تكون علامةً يعرفون بها. وقال الشّيرازيّ: إن لبسوا القلانس جعلوا فيها خِرَقاً ليتميزوا عن قلانس المسلمين، لما روى عبد الرحمن بن غنم في الكتاب الذي كتبه لعمر حين صالح نصارى الشام فشرط أن لا تتشبه بهم في شيء من لباسهم من قلنسوة ولا عمامة. وبمثل ذلك قال الحنابلة. وقال المالكية: يُلزمون بلبس يميّزهم.
انظر: ميسر.
انظر: ألبسة.
انظر: مقادير.
انظر: أطعمة.
انظر: رقّ.
1 - يطلق القنوت في اللّغة على معان عدة، منها: - الطاعة: ومن ذلك قوله تعالى: {لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ}. - والصلاة: ومن ذلك قوله تعالى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ}. وطول القيام: ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصلاة طول القنوت» أي طول القيام. وسئل ابن عمر رضي الله عنهما عن القنوت، فقال: ما أعرف القنوت إلا طول القيام، ثم قرأ قوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً}. - والسّكوت: حيث ورد عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: كنّا نتكلم في الصلاة، يكلّم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} فأمرنا بالسّكوت ونهينا عن الكلام. - والدّعاء: وهو أشهرها، قال الزجاج: المشهور في اللّغة أنّ القنوت الدّعاء، وأنّ القانت الداعي، وحكى النّوويّ أنّ القنوت يطلق على الدّعاء بخير وشرّ، يقال: قنت له وقنت عليه. وفي الاصطلاح: قال ابن علان: القنوت عند أهل الشرع اسم للدّعاء في الصلاة في محلّ مخصوص من القيام.
2 - القنوت منحصر في ثلاثة مواطن: صلاة الصّبح، وصلاة الوتر، وفي النّوازل، وبيان ذلك فيما يأتي: أ - القنوت في الصّبح: 3 - اختلف الفقهاء في حكم القنوت في صلاة الصّبح على أربعة أقوال: الأول: للحنفية والحنابلة والثوريّ: وهو أنّ القنوت في الصّبح غير مشروع، وهو مرويّ عن ابن عباس، وابن عمر، وابن مسعود، وأبي الدرداء، رضي الله عنهم، وقال أبو حنيفة: القنوت في الفجر بدعة، وقال الحنابلة: يكره. واستدلّوا على ذلك: بما ورد أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم «قنت في صلاة الفجر شهراً يدعو في قنوته على أحياء من أحياء العرب، ثم تركه»، قالوا: فكان منسوخاً، إذ الترك دليل النسخ، وبما روي عن أبي مالك سعد بن طارق الأشجعيّ قال: «قلت لأبي: يا أبت، إنّك قد صليت خلف رسول الله، وأبي بكر، وعثمان، وعليّ هاهنا بالكوفة نحواً من خمس سنين، أكانوا يقنتون؟ قال: أي بني، محدث». وفي لفظ: «يا بني إنّها بدعة». قال التّرمذيّ: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم. والثاني: للمالكية على المشهور: وهو أنّ القنوت في الصّبح مستحبّ وفضيلة، لأنّ النّبي صلى الله عليه وسلم «كان يقنت في صلاة الصّبح» فيما روى أبو هريرة وخفاف بن إيماء والبراء وأنس بن مالك. قال أنس: «ما زال رسول الله يقنت في الفجر حتى فارق الدّنيا»، وقال عليّ بن زياد بوجوب القنوت في الصّبح، فمن تركه فسدت صلاته. ويجوز قبل الرّكوع وبعده في الركعة الثانية، غير أنّ المندوب الأفضل كونه قبل الرّكوع عقب القراءة بلا تكبيرة قبله، وذلك لما فيه من الرّفق بالمسبوق، وعدم الفصل بينه وبين ركني الصلاة ولأنّه الذي استقر عليه عمل عمر رضي الله عنه بحضور الصحابة، قال القاضي عبد الوهاب البغداديّ " وروي عن أبي رجا العطارديّ قال: كان القنوت بعد الرّكوع، فصيره عمر قبله ليدرك المدرك وروي أنّ المهاجرين والأنصار سألوه عثمان، فجعله قبل الرّكوع، لأنّ في ذلك فائدةً لا توجد فيما بعده، وهي أنّ القيام يمتدّ فيلحق المفاوت، ولأنّ في القنوت ضرباً من تطويل القيام، وما قبل الرّكوع أولى بذلك، لا سيما في الفجر. ويندب كونه بلفظ: اللهم إنّا نستعينك، ونستغفرك، ونؤمن بك، ونتوكل عليك، ونخضع لك، ونخلع ونترك من يكفرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلّي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخاف عذابك، إنّ عذابك الجدّ بالكفار ملحق. ومن ترك القنوت عمداً أو سهواً فلا شيء عليه، فإن سجد لتركه قبل السلام بطلت صلاته. وليس لدعاء القنوت حدّ محدود. ولا يرفع يديه في دعاء القنوت، كما لا يرفع في التأمين، ولا في دعاء التشهّد. والإسرار به هو المستحبّ في حقّ الإمام والمأموم والمنفرد، لأنّه دعاء، فينبغي الإسرار به حذراً من الرّياء. والمسبوق إذا أدرك الركعة الثانية لا يقنت في القضاء، لأنّه إنّما يقضي الركعة الأولى ولم يكن فيها قنوت، قال ابن رشد: إن أدرك قبل ركوع الثانية لم يقنت في قضائه، سواء أدرك قنوت الإمام أم لا. الثالث: للشافعية: وهو أنّ القنوت في صلاة الصّبح سنّة، قال النّوويّ: اعلم أنّ القنوت مشروع عندنا في الصّبح، وهو سنّةٌ متأكّدة، وذلك لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه: «ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدّنيا». قالوا: ولو تركه لم تبطل صلاته، لكن يسجد للسهو، سواء تركه عمداً أو سهواً. أمّا محلّه، فبعد الرفع من الرّكوع في الركعة الثانية من الصّبح، فلو قنت قبل الرّكوع لم يحسب له على الأصحّ، وعليه أن يعيده بعد الرّكوع ثم يسجد للسهو. وأمّا لفظه، فالاختيار أن يقول فيه ما روي عن الحسن بن عليّ رضي الله عنهما قال: «علمني رسول الله كلمات أقولهنّ في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنّك تقضي ولا يقضى عليك، وأنّه لا يذلّ من واليت، تباركت ربنا وتعاليت»، وزاد العلماء فيه: " ولا يعزّ من عاديت " قبل: " تباركت ربنا وتعاليت " وبعده: " فلك الحمد على ما قضيت، أستغفرك وأتوب إليك ". قال النّوويّ: قال أصحابنا: لا بأس بهذه الزّيادة، وقال أبو حامد والبندنيجيّ وآخرون: مستحبة. ويسنّ أن يقول عقب هذا الدّعاء: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد وسلّم. وذلك في الوجه الصحيح المشهور. قال النّوويّ: واعلم أنّ القنوت لا يتعين فيه دعاء على المذهب المختار، فأي دعاء دعا به حصل القنوت، ولو قنت بآية أو آيات من القرآن العزيز، وهي مشتملة على الدّعاء حصل القنوت، ولكنّ الأفضل ما جاءت به السّنّة. ولو قنت بالمنقول عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان حسناً، فقد روي أنّه قنت في الصّبح بعد الرّكوع فقال: اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألّف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوّك وعدوّهم، اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك، ويكذّبون رسلك، ويقاتلون أولياءك، اللهم خالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا تردّه عن القوم المجرمين، بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنّا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إياك نعبد ولك نصلّي ونسجد، ولك نسعى ونحفد، ونخشى عذابك الجد، ونرجو رحمتك، إنّ عذابك بالكافرين ملحق. ثم إنّه يستحبّ الجمع بين قنوت عمر رضي الله عنه وما سبق، فإن جمع بينهما، فالأصحّ تأخير قنوت عمر، وإن اقتصر فليقتصر على الأول، وإنّما يستحبّ الجمع بينهما إذا كان منفرداً أو إمام جماعة محصورين يرضون بالتطويل.
ويستحبّ إذا كان المصلّي إماماً ألا يخص نفسه بالدّعاء، بل يعمّم، فيأتي بلفظ الجمع " اللهم اهدنا... إلخ "، لما روي عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمّ امرؤ قوماً، فيخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم». أما رفع اليدين في القنوت ففيه وجهان مشهوران، أصحّهما استحباب رفع اليدين فيه. وأما مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدّعاء - إن قلنا بالرفع - ففيه وجهان، أصحّهما عدم استحباب المسح. وأما الجهر بالقنوت أو الإسرار به في صلاة الصّبح، فيفرق بين ما إذا كان المصلّي إماماً، أو منفرداً، أو مأموماً. - فإن كان إماماً: فيستحبّ له الجهر بالقنوت في الأصحّ. - وإن كان منفرداً فيسرّ به بلا خلاف. - وإن كان مأموماً: فإن لم يجهر الإمام قنت سرّاً كسائر الدعوات، وإن جهر الإمام بالقنوت، فإن كان المأموم يسمعه أمن على دعائه، وشاركه في الثناء على آخره، وإن كان لا يسمعه قنت سرّاً. ب - القنوت في الوتر: 4 - اختلف الفقهاء في حكم القنوت في صلاة الوتر على أربعة أقوال: الأول: لأبي حنيفة: وهو أنّ القنوت واجب في الوتر قبل الرّكوع في جميع السنة، وقال الصاحبان أبو يوسف ومحمد: هو سنّة في كلّ السنة قبل الرّكوع. فعند الحنفية إذا فرغ مصلّي الوتر من القراءة في الركعة الثالثة كبر رافعاً يديه، ثم يقرأ دعاء القنوت، واستدلّوا على ذلك بما روي أنّه صلى الله عليه وسلم «قنت في آخر الوتر قبل الرّكوع». وذكر الكرخيّ أنّ مقدار القيام في القنوت مقدار سورة {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ}، لما روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم «أنّه كان يقرأ في القنوت: اللهم إنّا نستعينك … إلخ» «اللهم اهدنا فيمن هديت... إلخ» وكلاهما على مقدار هذه السّورة. وليس في القنوت دعاء مؤقت، كذا ذكر الكرخيّ في كتاب الصلاة، لأنّه روي عن الصحابة أدعية في حال القنوت، ولأنّ المؤقت من الدّعاء يجري على لسان الداعي من غير احتياجه إلى إحضار قلبه وصدق الرغبة منه إلى الله تعالى، فيبعد عن الإجابة، ولأنّه لا توقيت في القراءةِ لشيءٍ من الصلوات، ففي دعاء القنوت أولى، وقد روي عن محمد أنّه قال: التوقيت في الدّعاء يذهب رقة القلب، وقال بعض مشايخنا: المراد من قوله: ليس في القنوت دعاء مؤقت ما سوى قوله: «اللهم إنّا نستعينك..» لأنّ الصحابة اتفقوا على هذا في القنوت، فالأولى أن يقرأه، ولو قرأ غيره جاز، ولو قرأ معه غيره كان حسناً، والأولى أن يقرأ بعده ما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن عليّ رضي الله عنهما في قنوته «اللهم اهدنا فيما هديت..»، إلى آخره. ومن لا يحسن القنوت بالعربية أو لا يحفظه، ففيه ثلاثة أقوال مختارة، قيل: يقول: " يا ربّ " ثلاث مرات، ثم يركع، وقيل: يقول: اللهم اغفر لي ثلاث مرات، وقيل: يقول: اللهم ربنا آتنا في الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، قال ابن نجيم بعد أن ذكر الأقوال الثلاثة: والظاهر أنّ الاختلاف في الأفضلية لا في الجواز، وأنّ الأخير أفضل لشموله، وأنّ التقييد بمن لا يحسن العربية ليس بشرط، بل يجوز لمن يعرف الدّعاء المعروف أن يقتصر على واحد مما ذكر لما علمت أنّ ظاهر الرّواية عدم توقيته. وأما صفة دعاء القنوت من الجهر والمخافتة، فقد ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاويّ أنّه إن كان منفرداً فهو بالخيار: إن شاء جهر وأسمع غيره، وإن شاء جهر وأسمع نفسه، وإن شاء أسر كما في القراءة. وإن كان إماماً يجهر بالقنوت، لكن دون الجهر بالقراءة في الصلاة، والقوم يتابعونه هكذا إلى قوله: إنّ عذابك بالكفار ملحق. قال أبو يوسف: يسنّ أن يقرأ المقتدي أيضاً وهو المختار، لأنّه دعاء كسائر الأدعية، وقال محمد: لا يقرأ بل يؤمّن لأنّ له شبهة القرآن احتياطاً. وقال في الذخيرة: استحسنوا الجهر في بلاد العجم للإمام ليتعلموا، كما جهر عمر رضي الله عنه بالثناء حين قدم عليه وفد العراق، ونص في الهداية على أنّ المختار المخافتة، وفي المحيط على أنّه الأصحّ. وفي البدائع: واختار مشايخنا بما وراء النّهر الإخفاء في دعاء القنوت في حقّ الإمام والقوم جميعاً، لقوله تعالى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} وقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «خير الذّكر الخفيّ». أما الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم في القنوت. فقد قال أبو القاسم الصفار: لا يفعل، لأنّ هذا ليس موضعها، وقال الفقيه أبو الليث: يأتي بها، لأنّ القنوت دعاء، فالأفضل أن يكون فيه الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم ذكره في الفتاوى. وأما حكم القنوت إذا فات عن محلّه، فقالوا: إذا نسي القنوت حتى ركع ثم تذكر بعدما رفع رأسه من الرّكوع لا يعود، ويسقط عنه القنوت ويسجد للسهو، وإن تذكره في الرّكوع، فكذلك في ظاهر الرّواية، كما في البدائع، وصححه في الفتاوى الخانية، وروي عن أبي يوسف: أنّه يعود إلى القنوت، لأنّ له شبهاً بالقراءة فيعود، كما لو ترك الفاتحة أو السّورة فتذكرها في الرّكوع أو بعد رفع الرأس منه، فإنّه يعود وينتقض ركوعه، كذا هاهنا. والثاني: للمالكية في المشهور وطاوس، وهو رواية عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنّه لا يشرع القنوت في صلاة الوتر من السنة كلّها، فعن طاوس أنّه قال: القنوت في الوتر بدعة، وعن ابن عمر: أنّه لا يقنت في صلاة بحال، ومشهور مذهب مالك كراهة القنوت في الوتر. وفي رواية عن مالك أنّه يقنت في الوتر في النّصف الأخير من رمضان. والثالث: للشافعية في الأصحّ: وهو أنّه يستحبّ القنوت في الوتر في النّصف الأخير من شهر رمضان خاصةً، فإن أوتر بركعة قنت فيها، وإن أوتر بأكثر قنت في الأخيرة. وفي وجه للشافعية: أنّه يقنت في جميع رمضان. وحكى الرّويانيّ وجهاً أنّه يجوز القنوت في جميع السنة بلا كراهة، ولا يسجد للسهو لتركه في غير النّصف الأخير من رمضان، قال: وهذا حسن وهو اختيار مشايخ طبرستان. قال الرافعيّ: وظاهر كلام الشافعيّ كراهة القنوت في غير النّصف الأخير من رمضان. أما محلّ القنوت في الوتر، فهو بعد رفع الرأس من الرّكوع في الصحيح المشهور. أما لفظ القنوت في الوتر فكالصّبح. واستحب الشافعية أن يضم إلى ما ذكرنا من دعاء القنوت قنوت عمر رضي الله عنه. أما الجهر بالقنوت في الوتر ورفع اليدين ومسح الوجه فحكمها ما سبق في قنوت الصّبح نفسه. والرابع: للحنابلة: وهو أنّه يسنّ القنوت جميع السنة في الركعة الواحدة الأخيرة من الوتر بعد الرّكوع، لما روى أبو هريرة وأنس «أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الرّكوع»، قال ابن قدامة في تعليل مشروعيته كل السنة: لأنّه وتر، فيشرع فيه القنوت، كالنّصف الأخير من رمضان، ولأنّه ذكر شرع في الوتر، فشرع في جميع السنة كسائر الأذكار. ولو كبَّر ورفع يديه بعد القراءة، ثم قنت قبل الرّكوع جاز، لما روى أبيّ بن كعب «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر قبل الرّكوع». وهيئة القنوت أن يرفع يديه إلى صدره حال قنوته ويبسطهما وبطونهما نحو السماء ولو كان مأموماً، ويقول جهراً - سواء أكان إماماً أو منفرداً -: " اللهم إنّا نستعينك، ونستهديك، ونستغفرك، ونتوب إليك، ونؤمن بك، ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلّي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، إنّ عذابك الجد بالكفار ملحق، اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شر ما قضيت، إنّك تقضي ولا يقضى عليك، وإنّه لا يذلّ من واليت، ولا يعزّ من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، اللهم إنّا نعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وبك منك، لا نحصى ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك ". وله أن يزيد ما شاء مما يجوز به الدّعاء في الصلاة، قال المجد ابن تيمية: فقد صحَّ عن عمر رضي الله عنه أنّه كان يقنت بقدر مائة آية، ثم يصلّي على النبيّ صلى الله عليه وسلم ويفرد المنفرد الضمير، فيقول اللهم اهدني. اللهم إنّي أستعيذك... إلخ، وهو الصحيح في المذهب. وعليه نص أحمد، وعند ابن تيمية، يجمعه، لأنّه يدعو لنفسه وللمؤمنين. والمأموم إذا سمع قنوت إمامه أمن عليه بلا قنوت، وإن لم يسمعه دعا، وهل يمسح وجهه بيديه إذا فرغ؟ على روايتين: أشهرهما: أنّه يمسح بهما وجهه، نقله أحمد، واختاره الأكثر، لما روى السائب بن يزيد عن أبيه «أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا فرفع يديه، مسح وجهه بيديه»، وكخارج الصلاة. والثانية: لا، نقلها الجماعة، واختارها الآجرّيّ لضعف الخبر، وعنه: يكره، صححها في الوسيلة، وعنه: يمرّهما على صدره، وبعد ذلك يرفع يديه إذا أراد السّجود، لأنّ القنوت مقصود في القيام، فهو كالقراءة. ج - القنوت عند النازلة: 5 - اختلف الفقهاء في حكم القنوت عند النّوازل على أربعة أقوال: الأول للحنفية: وهو أنّه لا يقنت في غير الوتر إلا لنازلةٍ: كفتنة وبليّةٍ، فيقنت الإمام في الصلاة الجهرية، قال الطحاويّ: إنّما لا يقنت عندنا في صلاة الفجر من دون وقوع بلية، فإن وقعت فتنة أو بلية فلا بأس به، فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهل القنوت للنازلة قبل الرّكوع أو بعده؟ احتمالان، استظهر الحمويّ في حواشي الأشباه والنّظائر كونه قبله، ورجح ابن عابدين ما استظهره الشرنبلالي في مراقي الفلاح أنّه بعده. والثاني للمالكية في المشهور والشافعية في غير الأصحّ: وهو أنّه لا يقنت في غير الصّبح مطلقاً، قال الزرقانيّ: لا بوتر ولا في سائر الصلوات عند الضرورة خلافاً لزاعميه، لكن لو قنت في غيرها لم تبطل، والظاهر أنّ حكمه في غير الصّبح الكراهة، ودليلهم على ذلك ما في الصحيحين عن أنس وأبي هريرة رضي الله عنهما «أنّه صلى الله عليه وسلم قنت شهراً ثم تركه». والثالث للشافعية في الصحيح المشهور وبعض المالكية: وهو أنّه إذا نزلت بالمسلمين نازلة، كوباء، وقحط، أو مطر يضرّ بالعمران أو الزرع، أو خوف عدوّ، أو أسر عالم قنتوا في جميع الصلوات المكتوبة، قال النّوويّ: مقتضى كلام الأكثرين أنّ الكلام والخلاف في غير الصّبح إنّما هو في الجواز، ومنهم من يشعر إيراده بالاستحباب، قلت: الأصحّ استحبابه، وصرح به صاحب العدة، ونقله عن نص الشافعيّ في الإملاء، فإن لم تكن نازلة فلا قنوت إلا في صلاة الفجر، قال ابن علان: وإن لم تنزل فلا يقنتوا، أي يكره ذلك لعدم ورود الدليل لغير النازلة، وفارقت الصّبح غيرها بشرفها مع اختصاصها بالتأذين قبل الوقت، وبالتثويب، وبكونها أقصرهن، فكانت بالزّيادة أليق، وليعود على يومه بالبركة، لما فيه - أي القنوت - من الذّلة والخضوع. واستدلّوا على ذلك بحديث ابن عباس رضي الله عنهما: «قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً متتابعاً في الظّهر والعصر والمغرب والعشاء والصّبح، يدعو على رِعْلٍ وذكوان وعصيّة في دبر كلّ صلاة إذا قال سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة، ويؤمَّن من خلفه» قال ابن علان: إنّه صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو على قاتلي أصحابه القراء ببئر معونة، لدفع تمرّد القاتلين، لا لتدارك المقتولين لتعذّره. وقيس غير خوف العدوّ عليه. وإذا قنت في غير الصّبح من الفرائض لنازلة، فهل يجهر بالقنوت أم يسرّ به؟ قال النّوويّ: الراجح أنّها كلّها كالصّبح، سرّيةً كانت أم جهريةً، ومقتضى إيراده في الوسيط أنّه يسرّ في السرية، وفي الجهرية الخلاف. والرابع للحنابلة على الراجح عندهم: وهو أنّه يكره القنوت في غير وتر إلا أن تنزل بالمسلمين نازلة - غير الطاعون - لأنّه لم يثبت القنوت في طاعون عمواس ولا في غيره، ولأنّه شهادة للأخيار، فلا يسأل رفعه، فيسنّ للإمام الأعظم - وهو الصحيح في المذهب - القنوت فيما عدا الجمعة من الصلوات المكتوبات - وهو المعتمد في المذهب - لرفع تلك النازلة، ذلك لما روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم «أنّه قنت شهراً يدعو على حيّ من أحياء العرب، ثم تركه»، وما روي عن عليّ رضي الله عنه أنّه قنت ثم قال: إنّما استنصرنا على عدونا هذا. ويقول الإمام في قنوته نحوا مما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنّه كان يقول في القنوت: " اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألّف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوّك وعدوّهم، اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يكذّبون رسلك، ويقاتلون أولياءك، اللهم خالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا يردّ عن القوم المجرمين، بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنّا نستعينك... إلخ. ويجهر بالقنوت للنازلة في صلاة جهرية، قال ابن مفلح وظاهر كلامهم مطلقاً، ولو قنت في النازلة كلّ إمام جماعة أو كلّ مصلّ، لم تبطل صلاته. لأنّ القنوت من جنس الصلاة، كما لو قال: آمين يا رب العالمين.
1 - القنية في اللّغة: جمع المال وكسبه واتّخاذه للنفس، يقال: اقتنيت المال: اتخذته لنفسي قنيةً لا للتّجارة، وقنى الشيء قنياً: كسبه وجمعه. والقنية في الاصطلاح: حبس المال للانتفاع لا للتّجارة.
الكنز: 2 - الكنز لغةً: من كنزت المال كنزاً أي جمعته وادخرته. وشرعاً: هو المال الذي لم تؤد زكاته وإن لم يكن مدفوناً تحت الأرض. والعلاقة بين القنية والكنز هي حبس المال وجمعه.
3 - قنية الأشياء قد يكون مباحاً مثل اقتناء الذهب والفضة في حال دون حال، وقد يكون مندوباً مثل اقتناء المصاحف وكتب الحديث والعلم، وقد يكون حراماً مثل الخنزير والخمر وآلات اللهو المحرمة. انظر مصطلح (اقتناء ف / 2).
4 - قسم ابن جزيّ العروض إلى أربعة أقسام: قسم للقنية خالصاً، وقسم للتّجارة خالصاً ففيه الزكاة، وقسم للقنية والتّجارة، وقسم للغلة والكراء. وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ عرض التّجارة يصير للقنية بنية القنية وتسقط الزكاة منه، لأنّ القنية هي الأصل، ويكفي في الردّ إلى الأصل مجرد النّية، كما لو نوى المسافر الإقامة في مكان صالح للإقامة يصير مقيماً في الحال بمجرد النّية ; ولأنّ نية التّجارة شرط لوجوب الزكاة في العروض، فإذا نوى القنية زالت نية التّجارة ففات شرط الوجوب ; ولأنّ القنية هي الحبس للانتفاع وقد وجد بالنّية مع الإمساك، كما أنّ العرض إذا صار للقنية بالنّية لا يصير للتّجارة بالنّية المجردة ما لم يقترن بها فعل التّجارة ; لأنّ التّجارة هي تقليب العروض بقصد الإرباح، ولم يوجد ذلك بمجرد النّية ; ولأنّ الأصل القنية، والتّجارة عارض فلم يصر إليها بمجرد النّية، كما لو نوى الحاضر السفر لا يثبت له حكم السفر بمجرد النّية، بل لا بد من الشّروع فيه والخروج عن عمران المصر. وخالف في ذلك أبو ثور وابن عقيل وأبو بكر من الحنابلة وأحمد في رواية حيث ذهبوا إلى أنّ القنية تصير للتّجارة بمجرد النّية، واستدلّوا بحديث سمرة رضي الله عنه قال: «أما بعد فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة مما نعدّه للبيع»، قال ابن قدامة: قال بعض أصحابنا: هذا على أصحّ الرّوايتين ; لأنّ نية القنية بمجردها كافية فكذلك نية التّجارة بل أولى ; لأنّ إيجاب الزكاة يغلب على إسقاطها احتياطاً ; ولأنّه أحظّ للمساكين فاعتبر كالتقويم.
1 - القهقهة مصدر قهقه إذا مد ورجع في ضحكه، وقيل: هو اشتداد الضحك. وفي الاصطلاح: الضحك المسموع له ولجيرانه.
أ - الضحك: 2 - الضحك لغةً: مصدر ضَحِكَ يضحك ضِحكاً وضَحِكاً: انفرجت شفتاه وبدت أسنانه من السّرور. وفي الاصطلاح: هو ما يكون مسموعاً له دون جيرانه. وبين الضحك والقهقهة عموم وخصوص. ب - التبسّم: 3 - التبسّم مصدر تبسم، والثّلاثيّ بسم، يقال: بسم يبسم بسماً: انفرجت شفتاه عن ثناياه ضاحكاً بدون صوت، وهو أخفّ من الضحك. وعرفه الجرجانيّ بقوله: ما لا يكون مسموعاً له ولجيرانه. والصّلة بين التبسّم والقهقهة أنّ التبسّم غالباً مقدّمة للقهقهة.
4 - اختلف الفقهاء في القهقهة في الصلاة، فقال جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة: إنّ الصلاة تفسد بالقهقهة ولا ينتقض الوضوء، لما روى البيهقيّ عن أبي الزّناد قال: كان من أدركت من فقهائنا الذين ينتهى إلى قولهم منهم سعيد بن المسيّب وعروة بن الزّبير والقاسم بن محمد وأبو بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد بن ثابت وغيرهم يقولون فيمن رعف غسل عنه الدم ولم يتوضأ وفيمن ضحك في الصلاة أعادها ولم يعد وضوءه. ولأنّ الضحك لو كان ناقضاً لنقض في الصلاة وغيرها كالحدث، فهي لا توجب الوضوء خارج الصلاة فلا توجبه داخلها كالعطاس والسّعال. وقال الحنفية: القهقهة في الصلاة ذات الرّكوع والسّجود تنقض الوضوء وتفسد الصلاة لما روي عن أبي العالية والحسن البصريّ وإبراهيم النّخعيّ والزّهريّ «أنّ رجلاً أعمى جاء والنبيّ صلى الله عليه وسلم في الصلاة، فتردى في بئر، فضحك طوائف من الصحابة، فأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم من ضحك أن يعيد الوضوء والصلاة»، وكما تبطل بالحدث العمد إذا حصل قبل القعود الأخير قدر التشهّد فإنّها تبطل كذلك، بالقهقهة إذا حصلت قبل القعود الأخير قدر التشهّد كذلك أما إن كانت بعده فإنّها لا تبطل الصلاة وإن نقضت الوضوء. وأما إذا كانت القهقهة خارج الصلاة، أو في صلاة الجنازة وسجدة التّلاوة وصلاة الصبيّ وصلاة الباني بعد الوضوء لا تفسد الوضوء في جميع ذلك.
5 - ولو قهقه الإمام والقوم جميعاً: فإنّ قهقهة الإمام أولاً تنقض وضوءه دون القوم ; لأنّ قهقهتهم لم تصادف تحريمة الصلاة بفساد صلاتهم لفساد صلاة الإمام، فجعلت قهقهتهم خارج الصلاة. وإن قهقه القوم أولاً ثم الإمام انتقض طهارة الكلّ ; لأنّ قهقهتهم حصلت في الصلاة. وكذلك إن قهقهوا معاً ; لأنّ قهقهة الكلّ حصلت في تحريمة الصلاة. وهذا مذهب الحنفية.
|