الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****
21 - ذهب الفقهاء إلى أنّ الحامل تنقضي عدّتها بوضع الحمل، سواء أكانت عن طلاق أم وطء شبهة لقوله تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} ولأنّ القصد من العدّة براءة الرّحم، وهي تحصل بوضع الحمل. واختلف الفقهاء في عدّة المتوفّى عنها زوجها إذا كانت حاملاً: فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ عدّتها تنقضي بوضع الحمل، قلّت المدّة أو كثرت، حتّى ولو وضعت بعد ساعة من وفاة زوجها، فإنّ العدّة تنقضي وتحلّ للأزواج. واستدلّوا على قولهم بعموم قوله تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} فقد جاءت عامّةً في المطلّقات ومن في حكمهنّ والمتوفّى عنها زوجها وكانت حاملاً. والآية مخصّصة لعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً}. كما استدلّوا بما روي عن عمر وعبد اللّه بن مسعود وزيد بن ثابت وعبد اللّه بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم أنّهم قالوا في المتوفّى عنها زوجها: إذا ولدت وزوجها على سريره جاز لها أن تتزوّج. واستدلّوا كذلك بما روي عن المسور بن مخرمة: » أنّ سبيعة الأسلميّة نفست بعد وفاة زوجها بليال، فجاءت إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فاستأذنته أن تنكح فأذن لها فنكحت « وقيل: إنّها وضعت بعد وفاة زوجها بأربعين ليلةً، قال الزّهريّ: ولا أرى بأساً أن تتزوّج وهي في دمها غير أنّه لا يقربها زوجها حتّى تطهر. ووجه الدّلالة أنّ الحامل المتوفّى عنها زوجها تنقضي عدّتها وإن لم يمض عليها أربعة أشهر وعشر، بل ولو بعد الوفاة بساعة، ثمّ تحلّ للأزواج، ولأنّ المقصود من العدّة من ذوات الأقراء العلم ببراءة الرّحم، ووضع الحمل في الدّلالة على البراءة فوق مضيّ المدّة، فكان انقضاء العدّة به أولى من الانقضاء بالمدّة. وذهب عليّ وابن عبّاس - في إحدى الرّوايتين عنه - رضي الله عنهم وابن أبي ليلى وسحنون إلى أنّ الحامل المتوفّى عنها زوجها تعتدّ بأبعد الأجلين: وضع الحمل أو مضيّ أربعة أشهر وعشر، أيّهما كان أخيراً تنقضي به العدّة. واستدلّوا على هذا بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} فالآية الكريمة فيها عموم وخصوص من وجه، لأنّها عامّة تشمل المتوفّى عنها زوجها حاملاً كانت أو حائلاً وخاصّةً في المدّة {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} وقوله تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} فيها عموم وخصوص أيضاً، لأنّها تشمل المتوفّى عنها وغيرها وخاصّةً في وضع الحمل، والجمع بين الآيتين والعمل بهما أولى من التّرجيح باتّفاق أهل الأصول، لأنّها إذا اعتدّت بأقصى الأجلين فقد عملت بمقتضى الآيتين، وإن اعتدّت بوضع الحمل فقد تركت العمل بآية عدّة الوفاة، فإعمال النّصّين معاً خير من إهمال أحدهما.
22 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الحمل الّذي تنقضي العدّة بوضعه هو ما يتبيّن فيه شيء من خلق الإنسان ولو كان ميّتاً أو مضغةً تصوّرت، ولو صورةً خفيّةً تثبت بشهادة الثّقات من القوابل. أمّا إذا كان مضغةً لم تتصوّر لكن شهدت الثّقات من القوابل أنّها مبدأ خلقة آدميّ لو بقيت لتصوّرت ففي هذه الحالة تنقضي بها العدّة عند الشّافعيّة في المذهب وروايةً عند الحنابلة لحصول براءة الرّحم به. خلافاً للحنفيّة وقول للشّافعيّة ورواية للحنابلة القائلين بعدم انقضاء العدّة في هذه الحالة بالوضع لأنّ الحمل اسم لنطفة متغيّرة، فإذا كان مضغةً أو علقةً لم تتغيّر ولم تتصوّر فلا يعرف كونها متغيّرةً إلاّ باستبانة بعض الخلق، أمّا إذا ألقت المرأة نطفةً أو علقةً أو دماً أو وضعت مضغةً لا صورة فيها فلا تنقضي العدّة بالوضع عند جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة. وصرّح المالكيّة بأنّه إن كان الحمل دماً اجتمع تنقضي به العدّة، وعلامة كونه حملاً أنّه إذا صبّ عليه الماء الحارّ لم يذب. واشترط المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في رواية في الحمل الّذي تنقضي به العدّة أن يكون الولد منسوباً لصاحب العدّة إمّا ظاهراً وإمّا احتمالاً كالمنفيّ باللّعان، فإذا لاعن حاملاً ونفى الحمل انقضت عدّتها بوضعه لإمكان كونه منه، والقول قولها في العدّة إذا تحقّق الإمكان، أمّا إذا لم يمكن أن يكون منسوباً إليه فلا تنقضي العدّة بوضع الحمل، كما إذا مات صبيّ لا يتصوّر منه الإنزال أو ممسوح عن زوجة حامل، وهكذا كلّ من أتت زوجته الحامل بولد لا يمكن كونه منه. 23 - اتّفق الفقهاء على أنّ عدّة الحامل تنقضي بانفصال جميع الولد إذا كان الحمل واحداً لقوله تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}. واختلفوا في مسألتين: 24 - المسألة الأولى: فيما لو خرج أكثر الولد هل تنقضي العدّة أم لا ؟ ذهب الحنفيّة في ظاهر الرّواية والشّافعيّة والحنابلة والمالكيّة في المعتمد عندهم إلى أنّه إذا خرج أكثر الولد لم تنقض العدّة، ولذلك يجوز مراجعتها ولا تحلّ للأزواج إلاّ بانفصاله كلّه عن أمّه، خلافاً لابن وهب من المالكيّة القائل إنّها تحلّ بوضع ثلثي الحمل بناءً على تبعيّة الأقلّ للأكثر. وصرّح الحنفيّة في قول إلى أنّه لو خرج أكثر الولد تنقضي به العدّة من وجه دون وجه فلا تصحّ الرّجعة ولا تحلّ للأزواج احتياطاً، لأنّ الأكثر يقوم مقام الكلّ في انقطاع الرّجعة احتياطاً، ولا يقوم في انقضاء العدّة حتّى لا تحلّ للأزواج احتياطاً. وصرّح الشّافعيّة بأنّ العدّة لا تنقضي بخروج بعض الولد، ولو خرج بعضه منفصلاً أو غير منفصل ولم يخرج الباقي بقيت الرّجعة، ولو طلّقها وقع الطّلاق، ولو مات أحدهما ورثه الآخر. 25 - المسألة الثّانية: إذا كان الحمل اثنين فأكثر: اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين: القول الأوّل: ذهب فقهاء الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة، إلى أنّ الحمل إذا كان اثنين فأكثر لم تنقض العدّة إلاّ بوضع الآخر، لأنّ الحمل اسم لجميع ما في الرّحم، ولأنّ العدّة شرعت لمعرفة البراءة من الحمل، فإذا علم وجود الولد الثّاني أو الثّالث فقد تيقّن وجود الموجب للعدّة وانتفت البراءة الموجبة لانقضائها، ولأنّها لو انقضت عدّتها بوضع الأوّل لأبيح لها النّكاح كما لو وضعت الآخر، وكذلك لو وضعت ولداً وشكّت في وجود ثان لم تنقض عدّتها حتّى تزول الرّيبة وتتيقّن أنّها لم يبق معها حمل لأنّ الأصل بقاؤه فلا يزول بالشّكّ، وعلى هذا القول فلو وضعت أحدهما وكانت رجعيّةً فلزوجها الرّجعة قبل أن تضع الثّاني أو الآخر لبقاء العدّة، وإنّما يكونان توأمين إذا وضعتهما معاً أو كان بينهما دون ستّة أشهر، فإن كان بينهما ستّة أشهر فصاعداً فالثّاني حمل آخر. القول الثّاني: ذهب عكرمة وأبو قلابة والحسن البصريّ إلى أنّ العدّة تنقضي بوضع الأوّل ولكن لا تتزوّج حتّى تضع الولد الآخر، واستدلّوا بقوله تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} ولم يقل أحمالهنّ فإذا وضعت أحدهما فقد وضعت حملها. وعلى هذا القول لا يجوز مراجعتها بعد وضع الولد الأوّل لعدم بقاء العدّة إلاّ أنّها لا تحلّ للأزواج إلاّ بعد أن تضع الأخير من التّوائم، خلافاً لجمهور الفقهاء فإنّ انقضاء مراجعة الحامل يتوقّف على وضع كلّ الحمل وهذا هو قول عامّة العلماء.
26 – اختلف الفقهاء في ذلك على قولين: القول الأوّل: ذهب جمهور العلماء وأئمّة الفتوى إلى أنّ المرأة تتزوّج بعد وضع الحمل حتّى وإن كانت في دمها، لأنّ العدّة تنقضي بوضع الحمل كلّه فتحلّ للأزواج إلاّ أنّ زوجها لا يقربها حتّى تطهر لقوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ}. القول الثّاني: ذهب الحسن والشّعبيّ والنّخعيّ وحمّاد إلى أنّه لا تنكح النّفساء ما دامت في دم نفاسها لما ورد في الحديث: » فلمّا تعلّت من نفاسها تجمّلت للخطّاب « ومعنى تعلّت يعني طهرت.
27 - معناه أن ترى المرأة أمارات الحمل وهي في عدّة الأقراء أو الأشهر من حركة أو نفخة ونحوهما وشكّت هل هو حمل أم لا. وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: القول الأوّل: قال المالكيّة إن ارتابت المعتدّة أي شكّت وتحيّرت بالحمل إلى أقصى أمد الحمل هل تتربّص خمساً من السّنين أو أربعاً ؟ فيه خلاف: إن مضت المدّة ولم تزد الرّيبة حلّت للأزواج لانقضاء العدّة، أمّا إن مضت وزادت الرّيبة لكبر بطنها مكثت حتّى ترتفع، وفي رواية إذا مضت الخمسة أو الأربعة حلّت ولو بقيت الرّيبة، ولو تزوّجت المرتابة بالحمل قبل تمام الخمس سنين بأربعة أشهر فولدت لخمسة أشهر من نكاح الثّاني لم يلحق الولد بواحد منهما، ويفسخ نكاح الثّاني لأنّه نكح حاملاً، أمّا عدم لحوقه بالأوّل فلزيادته على الخمس سنين بشهر، وأمّا الثّاني فلولادته لأقلّ من ستّة أشهر. القول الثّاني: قال الشّافعيّة: لو ارتابت في العدّة في وجود حمل أم لا بثقل وحركة تجدهما لم تنكح آخر حتّى تزول الرّيبة بمرور زمن تزعم النّساء أنّها لا تلد فيه، لأنّ العدّة قد لزمتها بيقين فلا تخرج عنها إلاّ بيقين، فإن نكحت فالنّكاح باطل للتّردّد في انقضائها والاحتياط في الأبضاع، ولأنّ الشّكّ في المعقود عليه يبطل العقد، فإن ارتابت بعد العدّة ونكاح الآخر استمرّ نكاحها إلى أن تلد لدون ستّة أشهر من وقت عقده فإنّه يحكم ببطلان عقد النّكاح لتحقّق كونها حاملاً يوم العقد والولد للأوّل إن أمكن كونه منه، بخلاف ما لو ولدته لستّة أشهر فأكثر فالولد للثّاني، وإن ارتابت بعد العدّة قبل نكاح بآخر تصبر على النّكاح لتزول الرّيبة للاحتياط لخبر: » دع ما يريبك إلى ما لا يريبك «. القول الثّالث: قال الحنابلة إنّ المرتابة في العدّة في وجود حمل أم لا لها ثلاثة أحوال: الأوّل: أن تحدث بها الرّيبة قبل انقضاء عدّتها فإنّها تبقى في حكم الاعتداد حتّى تزول الرّيبة، فإن بان حمل انقضت عدّتها بوضعه، وإن بان أنّه ليس بحمل تبيّنّا أنّ عدّتها انقضت بالقروء، أو بالشّهور، فإن زوّجت قبل زوال الرّيبة فالنّكاح باطل، لأنّها تزوّجت وهي في حكم المعتدّات في الظّاهر، ويحتمل إذا تبيّن عدم الحمل أنّه يصحّ النّكاح، لبيان أنّها تزوّجت بعد انقضاء عدّتها. الثّاني: إن ظهرت الرّيبة بعد قضاء عدّتها والتّزوّج فالنّكاح صحيح لأنّه وجد بعد قضاء عدّتها في الظّاهر والحمل مع الرّيبة مشكوك فيه ولا يزول به ما حكم بصحّته لكن لا يحلّ لزوجها وطؤها للشّكّ في صحّة النّكاح، ولأنّه لا يحلّ لمن يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره، ثمّ ننظر فإن وضعت الولد لأقلّ من ستّة أشهر منذ تزوّجها الثّاني ووطئها فنكاحه باطل لأنّه نكحها وهي حامل، وإن أتت به لأكثر من ذلك فالولد لاحق به ونكاحه صحيح. الثّالث: أن تظهر الرّيبة بعد قضاء العدّة وقبل النّكاح فلا يحلّ لها أن تتزوّج، وإن تزوّجت فالنّكاح باطل، وفي وجه آخر يحلّ لها النّكاح ويصحّ.
أنواع العدّة ثلاثة: عدّة بالأقراء أو بالأشهر أو بوضع الحمل، وقد تنتقل من حالة إلى أخرى كما يلي:
انتقال العدّة أو تحوّلها من الأشهر إلى الأقراء، كالصّغيرة الّتي لم تحض، وكذلك الآيسة: 28 - اتّفق الفقهاء على أنّ الصّغيرة أو البالغة الّتي لم تحض إذا اعتدّت بالأشهر فحاضت قبل انقضاء عدّتها ولو بساعة لزمها استئناف العدّة، فتنتقل عدّتها من الأشهر إلى الأقراء، لأنّ الأشهر بدل عن الأقراء فإذا وجد المبدل بطل حكم البدل كالتّيمّم مع الماء. أمّا إن انقضت عدّتها بالأشهر ثمّ حاضت بعدها ولو بلحظة لم يلزمها استئناف العدّة لأنّه معنىً حدث بعد انقضاء العدّة، كالّتي حاضت بعد انقضائها بزمن طويل، ولا يمكن منع هذا الأصل، لأنّه لو صحّ منعه لم يحصل لمن لم تحض الاعتداد بالأشهر بحال. والآيسة إذا اعتدّت ببعض الأشهر، ثمّ رأت الدّم، فتتحوّل عدّتها إلى الأقراء عند الشّافعيّة والحنفيّة في ظاهر الرّواية لأنّها لمّا رأت الدّم دلّ على أنّها لم تكن آيسةً وأنّها أخطأت في الظّنّ فلا يعتدّ بالأشهر في حقّها لأنّها بدل فلا يعتبر مع وجود الأصل، وذهب الحنفيّة - على الرّواية الّتي وقّتوا للإياس فيها وقتاً - إلى أنّه إذا بلغت ذلك الوقت ثمّ رأت بعده الدّم لم يكن ذلك الدّم حيضاً كالدّم الّذي تراه الصّغيرة الّتي لا يحيض مثلها، إلاّ إذا كان دماً خالصاً فحيض حتّى يبطل به الاعتداد بالأشهر. ونقل الكاسانيّ عن الجصّاص أنّه قال: إنّ ذلك في الّتي ظنّت أنّها آيسة، فأمّا الآيسة فما ترى من الدّم لا يكون حيضاً، ألا ترى أنّ وجود الحيض منها كان معجزة نبيّ من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ؟ فلا يجوز أن يؤخذ إلاّ على وجه المعجزة، كذا علّل الجصّاص خلافاً للمالكيّة القائلين بأنّ الآيسة إذا رأت الدّم بعد الخمسين وقبل السّبعين، والحنابلة القائلين بعد الخمسين وقبل السّتّين، فإنّه يكون دماً مشكوكاً فيه يرجع فيه إلى النّساء لمعرفة هل هو حيض أم لا ؟ إلاّ أنّ الحنابلة صرّحوا بأنّ المرأة إذا رأت الدّم بعد الخمسين على العادة الّتي كانت تراه فيها فهو حيض في الصّحيح، لأنّ دليل الحيض الوجود في زمن الإمكان، وهذا يمكن وجود الحيض فيه وإن كان نادراً، وإن رأته بعد السّتّين فقد تيقّن أنّه ليس بحيض، فعند ذلك لا تعتدّ به، وتعتدّ بالأشهر، كالّتي لا ترى دماً. (ر: مصطلح إياس ف 6). وصرّح الشّافعيّة بأنّ الآيسة إذا رأت الدّم بعد تمام الأشهر فثلاثة أقوال: أحدها: لا يلزمها العود إلى الأقراء، بل انقضت عدّتها، كما لو حاضت الصّغيرة بعد الأشهر، وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء. الثّاني: يلزمها، لأنّه بان أنّها ليست آيسةً بخلاف الصّغيرة فإنّها برؤية الحيض لا تخرج عن كونها وقت الاعتداد من اللائي لم يحضن. الثّالث: وهو الأظهر إن كان نكحت بعد الأشهر فقد تمّت العدّة والنّكاح صحيح، وإلاّ لزمها الأقراء.
انتقال العدّة من الأقراء إلى الأشهر: 29 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ العدّة تنتقل من الأقراء إلى الأشهر في حقّ من حاضت حيضةً أو حيضتين ثمّ يئست من المحيض فتستقبل العدّة بالأشهر لقوله عزّ وجلّ: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ}. والأشهر بدل عن الحيض فلو لم تستقبل وثبتت على الأوّل لصار الشّيء الواحد أصلاً وبدلاً وهذا لا يجوز، كما أنّ العدّة لا تلفّق من جنسين وقد تعذّر إتمامها بالحيض فوجبت بالأشهر. وإياس المرأة أن تبلغ من السّنّ ما لا يحيض فيه مثلها عادةً، فإذا بلغت هذه السّنّ مع انقطاع الدّم كان الظّاهر أنّها آيسة من الحيضة حتّى يتّضح لنا خلافه. وسنّ اليأس اختلف فيه الفقهاء على أقوال. أمّا إذا انقطع الدّم قبل سنّ اليأس فقد اختلف الفقهاء في الحكم، وسيأتي بيانه. (ر: مصطلح إياس).
تحوّل المعتدّة من عدّة الطّلاق إلى عدّة الوفاة: 30 - اتّفق الفقهاء على أنّه إذا طلّق الرّجل زوجته طلاقاً رجعيّاً، ثمّ توفّي وهي في العدّة، سقطت عنها عدّة الطّلاق، واستأنفت عدّة الوفاة أربعة أشهر وعشراً من وقت الوفاة، لأنّ المطلّقة الرّجعيّة زوجة ما دامت في العدّة ويسري عليها قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً}. ولذلك قال ابن المنذر: أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك، وذلك لأنّ الرّجعيّة زوجة يلحقها طلاقه وينالها ميراثه، فاعتدّت للوفاة كغير المطلّقة. وذهب الفقهاء إلى أنّه إذا طلّق الرّجل زوجته طلاقاً بائناً في حال صحّته، أو بناءً على طلبها، ثمّ توفّي وهي في العدّة، فإنّها تكمل عدّة الطّلاق ولا تنتقل إلى عدّة الوفاة، لانقطاع الزّوجيّة بينهما من وقت الطّلاق بالإبانة، فلا توارث بينهما لعدم وجود سببه، فتعذّر إيجاب عدّة الوفاة فبقيت عدّة الطّلاق على حالها. وأمّا لو طلّق الرّجل زوجته طلاقاً بائناً في مرض موته دون طلب منها، ثمّ توفّي وهي في العدّة فذهب أبو حنيفة وأحمد والثّوريّ ومحمّد بن الحسن إلى أنّها تعتدّ بأبعد الأجلين - من عدّة الطّلاق وعدّة الوفاة - احتياطاً، لشبهة قيام الزّوجيّة لأنّها ترثه، فلو فرضنا بأنّها حاضت قبل الموت حيضتين، ولم تحض الثّالثة بعد الموت حتّى انتهت عدّة الوفاة، فإنّها تكمل عدّة الطّلاق، بخلاف ما لو حاضت الثّالثة بعد الوفاة وقبل انتهاء عدّة الوفاة فإنّها تكمل هذه العدّة. ويقول الكاسانيّ: وجه قولهم أنّ النّكاح لمّا بقي في حقّ الإرث خاصّةً لتهمة الفرار فلأن يبقى في حقّ وجوب العدّة أولى، لأنّ العدّة يحتاط في إيجابها فكان قيام النّكاح من وجه كافياً لوجوب العدّة احتياطاً فيجب عليها الاعتداد أربعة أشهر وعشراً فيها ثلاث حيض. وذهب مالك والشّافعيّ وأبو عبيد وأبو ثور وأبو يوسف وابن المنذر إلى أنّ المعتدّة تبني على عدّة الطّلاق لانقطاع الزّوجيّة من كلّ وجه لأنّها بائن من النّكاح فلا تكون منكوحةً، ولأنّ الإرث الّذي ثبت معاملةً بنقيض القصد لا يقتضي بقاء زوجيّة موجبة للأسف والحزن والحداد على المتوفّى.
تحوّل العدّة من القروء أو الأشهر إلى وضع الحمل: 31 - ذهب جمهور الفقهاء - من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى أنّه لو ظهر في أثناء العدّة بالقروء أو الأشهر أو بعدها أنّ المرأة حامل من الزّوج، فإنّ العدّة تتحوّل إلى وضع الحمل، وسقط حكم ما مضى من القروء أو الأشهر، وتبيّن أنّ ما رأته من الدّم لم يكن حيضاً، لأنّ الحامل لا تحيض ولأنّ وضع الحمل أقوى دلالةً على براءة الرّحم من آثار الزّوجيّة الّتي انقضت، ولقوله تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}.
32 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ العدّة تبدأ في الطّلاق عقيب الطّلاق، وفي الوفاة عقيب الوفاة، لأنّ سبب وجوب العدّة الطّلاق أو الوفاة، فيعتبر ابتداؤها من وقت وجود السّبب، فإن لم تعلم بالطّلاق أو الوفاة حتّى مضت مدّة العدّة فقد انقضت مدّتها، لكن قال في الهداية: ومشايخنا يفتون في الطّلاق أنّ ابتداءها من وقت الإقرار نفياً لتهمة المواضعة، قال البابرتيّ: لجواز أن يتواضعا على الطّلاق وانقضاء العدّة ليصحّ إقرار المريض لها بالدّين ووصيّته لها بشيء، ويتواضعا على انقضاء العدّة ليتزوّج أختها أو أربعاً سواها. وذهب المالكيّة: إلى أنّ العدّة تبدأ من وقت العلم بالطّلاق، فلو أقرّ في صحّته بطلاق متقدّم، وقد مضى مقدار العدّة قبل إقراره، استأنفت عدّتها من وقت الإقرار، وترثه لأنّها في عدّتها، ولا يرثها لانقضاء عدّتها بإقراره، إلاّ إذا قامت بيّنة فتعتدّ من الوقت الّذي ذكرته البيّنة، وهذا في الطّلاق الرّجعيّ، أمّا البائن فلا يتوارثان، أمّا عدّة الوفاة فتبدأ من وقت الوفاة. وقال الشّافعيّة: تبدأ عدّة الوفاة من حين الموت، وتبدأ عدّة الأقراء من حين الطّلاق، لأنّ كلاً منهما وقت الوجوب، ولو بلغتها وفاة زوجها أو طلاقها بعد مدّة العدّة كانت منقضيةً، فلا يلزمها شيء منها، لأنّ الصّغيرة تعتدّ مع عدم قصدها. وقال الحنابلة: من طلّقها زوجها أو مات عنها وهو بعيد عنها، فعدّتها من يوم الموت أو الطّلاق لا من يوم العلم، وهذا هو المشهور عند الحنابلة. وروي عن أحمد أنّه إن قامت بذلك بيّنة فالحكم كذلك، وإن لم تكن هناك بيّنة فعدّتها من يوم يأتيها الخبر. 33 - وانقضاء العدّة يختلف باختلاف نوعها فإن كانت المرأة حاملاً فإنّ عدّتها تنتهي بوضع الحمل كلّه، وإذا كانت العدّة بالقروء فإنّها تنتهي بثلاثة قروء، وإذا كانت العدّة بالأشهر فإنّها تحسب من وقت الفرقة أو الوفاة حتّى تنتهي بمضيّ ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر وعشر. وبيّن الكاسانيّ ما تنقضي به العدّة فقال: انقضاء العدّة نوعان: الأوّل بالقول، والثّاني بالفعل. أمّا القول فهو: إخبار المعتدّة بانقضاء العدّة في مدّة يحتمل الانقضاء في مثلها، فإن كانت حرّةً من ذوات الأشهر فإنّها لا تصدّق في أقلّ من ثلاثة أشهر في عدّة الطّلاق أو أربعة أشهر وعشر في عدّة الوفاة، وإن كانت حرّةً من ذوات الأقراء ومعتدّةً من وفاة، فإنّها لا تصدّق في أقلّ من أربعة أشهر وعشر، أو معتدّةً من طلاق فإن أخبرت بانقضاء عدّتها في مدّة تنقضي في مثلها العدّة يقبل قولها، وإن أخبرت في مدّة لا تنقضي في مثلها العدّة لا يقبل قولها، لأنّ قول الأمين إنّما يقبل فيما لا يكذّبه الظّاهر، والظّاهر هنا يكذّبها، فلا يقبل قولها إلاّ إذا فسّرت مع يمينها، فيقبل قولها مع هذا التّفسير، لأنّ الظّاهر لا يكذّبها مع التّفسير، وأقلّ ما تصدّق فيه المعتدّة بالأقراء عند أبي حنيفة ستّون يوماً، وعند أبي يوسف ومحمّد تسعة وثلاثون يوماً. وأمّا الفعل: فيتمثّل في أن تتزوّج بزوج آخر بعد مضيّ مدّة تنقضي في مثلها العدّة، حتّى لو قالت: لم تنقض عدّتي لم تصدّق، لا في حقّ الزّوج الأوّل ولا في حقّ الزّوج الثّاني، ونكاح الزّوج الثّاني جائز، لأنّ إقدامها على التّزوّج بعد مضيّ مدّة يحتمل الانقضاء في مثلها دليل على الانقضاء.
34 - الاستحاضة في الشّرع هي: سيلان الدّم في غير أوقاته المعتادة من مرض وفساد من عرق في أدنى الرّحم يسمّى العاذل. فإذا كانت المرأة المطلّقة المعتدّة من ذوات الحيض، واستمرّ نزول الدّم عليها بدون انقطاع فهي مستحاضة، والحال لا يخلو من أمرين: 35 - الأمر الأوّل: إن استطاعت أن تميّز بين الحيض والاستحاضة برائحة أو لون أو كثرة أو قلّة أو عادة - ويطلق عليها غير المتحيّرة - فتعتدّ بالأقراء لعموم الأدلّة الواردة في ذلك، ومنها قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} ولأنّها تردّ إلى أيّام عادتها المعروفة لها ولأنّ الدّم المميّز بعد طهر تامّ يعدّ حيضاً، فتعتدّ بالأقراء لا بالأشهر. 36 - الأمر الثّاني المستحاضة المتحيّرة الّتي لم تستطع التّمييز بين الدّمين ونسيت قدر عادتها، أو ترى يوماً دمًا ويوماً نقاءً، وسواء أكانت مبتدأةً أم غيرها، فقد اختلف الفقهاء في عدّتها على ثلاثة أقوال: القول الأوّل: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة في الأصحّ، والحنابلة في قول وعكرمة وقتادة وأبو عبيد إلى أنّ عدّة المستحاضة هنا ثلاثة أشهر، بناءً على أنّ الغالب نزول الحيض مرّةً في كلّ شهر، أو لاشتمال كلّ شهر على طهر وحيض غالباً، ولعظم مشقّة الانتظار إلى سنّ اليأس، ولأنّها في هذه الحالة مرتابة، فدخلت في قوله تعالى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ}. ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لحمنة بنت جحش: » تلجّمي وتحيّضي في كلّ شهر في علم اللّه ستّة أيّام أو سبعة أيّام « فجعل لها حيضةً في كلّ شهر تترك فيها الصّلاة والصّيام، ويثبت فيها سائر أحكام الحيض، فيجب أن تنقضي به العدّة، لأنّ ذلك من أحكام الحيض. القول الثّاني: ذهب المالكيّة والحنابلة في قول وإسحاق إلى أنّ عدّة المستحاضة المتحيّرة سنة كاملة، لأنّها بمنزلة من رفعت حيضتها ولا تدري ما رفعها، ولأنّها لم تتيقّن لها حيضاً مع أنّها من ذوات القروء، فكانت عدّتها سنةً، كالّتي ارتفع حيضها. وصرّح المالكيّة بأنّها تتربّص تسعة أشهر استبراءً لزوال الرّيبة، لأنّها مدّة الحمل غالباً، ثمّ تعتدّ بثلاثة أشهر، وتحلّ للأزواج بعد السّنة، وقيل: بأنّ السّنة كلّها عدّة، والصّواب أنّ الخلاف لفظيّ عندهم. القول الثّالث: وهو قول للشّافعيّة: بأنّ المعتدّة المتحيّرة تعتدّ بثلاثة أشهر بعد سنّ اليأس، أو تتربّص أربع سنين أو تسعة أشهر للاحتياط، قياساً على من تباعد حيضها وطال طهرها، أو لأنّها قبل اليأس متوقّعة للحيض المستقيم.
37 - ذهب الفقهاء إلى أنّ المرتابة أو الممتدّ طهرها هي: المرأة الّتي كانت تحيض ثمّ ارتفع حيضها دون حمل ولا يأس، فإذا فارقها زوجها، وانقطع دم حيضها لعلّة تعرف، كرضاع ونفاس أو مرض يرجى برؤه، فإنّها تصبر وجوباً، حتّى تحيض، فتعتدّ بالأقراء، أو تبلغ سنّ اليأس فتعتدّ بثلاثة أشهر كالآيسة، ولا تبالي بطول مدّة الانتظار، لأنّ الاعتداد بالأشهر جعل بعد اليأس بالنّصّ، فلم يجز الاعتداد بالأشهر قبله وهو مذهب عليّ وعثمان وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، وقد روى البيهقيّ عن عثمان رضي الله عنه أنّه حكم بذلك في المرضع. وأمّا إذا حاضت ثمّ ارتفع حيضها دون علّة تعرف، فقد ذهب عمر وابن عبّاس رضي الله عنهم والحسن البصريّ والمالكيّة، وهو قول للشّافعيّ في القديم، والمذهب عند الحنابلة إلى أنّ المرتابة في هذه الحالة تتربّص غالب مدّة الحمل: تسعة أشهر، لتتبين براءة الرّحم، ولزوال الرّيبة، لأنّ الغالب أنّ الحمل لا يمكث في البطن أكثر من ذلك، ثمّ تعتدّ بثلاثة أشهر، فهذه سنة تنقضي بها عدّتها وتحلّ للأزواج. واحتجّوا بما روي عن عمر رضي الله عنه أنّه قال في رجل طلّق امرأته فحاضت حيضةً أو حيضتين فارتفع حيضها لا يدرى ما رفعه: تجلس تسعة أشهر، فإذا لم يستبن بها حمل تعتدّ بثلاثة أشهر، فذلك سنة، ولا يعرف له مخالف. قال ابن المنذر: قضى به عمر رضي الله عنه بين المهاجرين والأنصار، ولم ينكره منكر، وقال الأثرم: سمعت أبا عبد اللّه يسأل عن الرّجل يطلّق امرأته فتحيض حيضةً ثمّ يرتفع حيضها قال: أذهب إلى حديث عمر رضي الله عنه: إذا رفعت حيضتها فلم تدر ممّا ارتفعت، فإنّها تنتظر سنةً، لأنّ العدّة لا تبنى على عدّة أخرى. وصرّح الشّافعيّة في الجديد: بأنّها تصبر حتّى تحيض فتعتدّ بالأقراء أو تيأس فتعتدّ بالأشهر، كما لو انقطع الدّم لعلّة، لأنّ اللّه تعالى لم يجعل الاعتداد بالأشهر إلاّ للّتي لم تحض والآيسة، وهذه ليست واحدةً منهما، لأنّها ترجو عود الدّم، فأشبهت من انقطع دمها لعارض معروف. وفي قول للشّافعيّة في القديم: أنّ المرتابة تتربّص أكثر مدّة الحمل: أربع سنين لتعلم براءة الرّحم بيقين، وقيل في القديم أيضاً: تتربّص ستّة أشهر أقلّ مدّة الحمل، فحاصل المذهب القديم: أنّها تتربّص مدّة الحمل غالبه أو أكثره أو أقلّه، ثمّ تعتدّ بثلاثة أشهر في حالة عدم وجود حمل. وجاء في مغني المحتاج وفقاً للمذهب الجديد - وهو التّربّص لسنّ اليأس -: لو حاضت بعد اليأس في الأشهر الثّلاثة وجبت الأقراء، للقدرة على الأصل قبل الفراغ من البدل، ويحسب ما مضى قرءاً قطعاً، لأنّه طهر محتوش بدمين، أو بعد تمام الأشهر فأقوال أظهرها: إن نكحت بعد الأشهر فقد تمّت العدّة والنّكاح صحيح، وإلاّ فالأقراء واجبة في عدّتها، لأنّه ظهر أنّها ليست آيسةً، وقيل: تنتقل إلى الأقراء مطلقاً تزوّجت أم لا، وقيل: المنع مطلقاً، لانقضاء العدّة ظاهراً، قياساً على الصّغيرة الّتي حاضت بعد الأشهر. والمعتبر في اليأس يأس عشيرتها، وفي قول: يأس كلّ النّساء للاحتياط وطلباً لليقين.
38 - ذهب الفقهاء إلى أنّ عدّة زوجة الصّغير المتوفّى عنها هي أربعة أشهر وعشر، كعدّة زوجة الكبير سواء بسواء إذا لم تكن حاملاً. واختلفوا فيما لو مات عن امرأته وهي حامل على قولين: القول الأوّل: ذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في قول وأبي يوسف إلى أنّ الصّغير الّذي مات عن امرأته وهي حامل - ولا يولد لمثله - عدّة زوجته أربعة أشهر وعشر، لأنّ هذا الحمل ليس منه بيقين، بدليل أنّه لا يثبت نسبه إليه، فلا تنقضي به العدّة، كالحمل من الزّنا أو الحادث بعد موته، والحمل الّذي تنقضي العدّة بوضعه هو الّذي ينسب إلى صاحب العدّة ولو احتمالاً. قال المالكيّة: لو كان الزّوج صبيّاً أو مجبوباً فلا تنقضي عدّة زوجته بوضع حملها، لا من موت ولا طلاق، بل لا بدّ من ثلاثة أقراء في الطّلاق، ويعدّ نفاسها حيضةً، وعليها في الوفاة أقصى الأجلين، وهو المتأخّر من الوضع أو تمام الأربعة أشهر وعشر. وقال الحنفيّة: تجب العدّة بدخول زوجها الصّبيّ المراهق الّذي يتصوّر منه الإعلاق، وكذلك بخلوته الصّحيحة أو الفاسدة، وإذا لم يمكن منه الوطء لصغره، أو لم تحصل خلوة فلا تجب عليها العدّة في الطّلاق. وذهب الشّافعيّة إلى أنّ وطء الصّبيّ - وإن كان في سنّ لا يولد لمثله - يوجب عدّة الطّلاق لعموم الأدلّة، ولأنّ الوطء شاغل في الجملة، ولأنّ الإنزال الّذي يحصل به العلوق لمّا كان خفيّاً يختلف بالأشخاص والأحوال، ولعسر تتبّعه أعرض الشّارع عنه، واكتفى بسببه، وهو الوطء أو استدخال المنيّ كما اكتفى في التّرخّص بالسّفر، وأعرض عن المشقّة. وقال الزّركشيّ: يشترط في وجوب العدّة من وطء الصّبيّ تهيّؤه للوطء وأفتى به الغزاليّ. القول الثّاني: ذهب أبو حنيفة ومحمّد، وأحمد في رواية إلى أنّ عدّة زوجة الصّغير الّذي مات وهي حامل تكون بوضع الحمل لعموم قوله تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}، ولأنّ وجوب العدّة للعلم بحصول فراغ الرّحم، والولادة دليل فراغ الرّحم بيقين، والشّهر لا يدلّ على الفراغ بيقين، فكان إيجاب ما دلّ على الفراغ بيقين أولى، إلاّ إذا ظهر الحمل بعد موته لم تعتدّ به، بل تعتدّ بأربعة أشهر وعشر، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} ولأنّ الحمل إذا لم يكن موجوداً وقت الموت وجبت العدّة بالأشهر، فلا تتغيّر بالحمل الحادث، وإذا كان موجوداً وقت الموت وجبت عدّة الحبل، فكان انقضاؤها بوضع الحمل، ولا يثبت نسب الولد في الوجهين جميعاً، لأنّ الولد لا يحصل عادةً إلاّ من الماء، والصّبيّ لا ماء له حقيقةً، ويستحيل وجوده عادةً فيستحيل تقديره.
39 - ذهب المالكيّة إلى أنّ زوجة المجبوب كزوجة الصّبيّ، لا عدّة عليها من طلاقه، كالمطلّقة قبل الدّخول، وقيل: عليها العدّة إن كان يعالج وينزل، وعلى الأوّل خليل، وعلى الثّاني عياض، ولو طلقت زوجته أو مات عنها وهي حامل فلا تنقضي عدّتها بوضع الحمل، لا من موت ولا طلاق، بل لا بدّ من ثلاثة أقراء في الطّلاق، ويعدّ نفاسها حيضةً، وعليها في الوفاة أقصى الأجلين، وهو المتأخّر من الوضع أو تمام الأربعة أشهر وعشر. وصرّح بعض المالكيّة بأنّ الزّوج إذا كان مجبوب الذّكر والخصيتين فلا تعتدّ امرأته، وأمّا إن كان مجبوب الخصيتين قائم الذّكر فعلى امرأته العدّة، لأنّه يطأ بذكره، وإن كان مجبوب الذّكر قائم الخصيتين: فهذا إن كان يولد لمثله فعليها العدّة، وإلاّ فلا، وقيل: يرجع في المقطوع ذكره أو أنثياه إلى أهل المعرفة كالأطبّاء أو النّساء. والممسوح ذكره وأنثياه كالصّبيّ الّذي لا يولد لمثله، فلا عدّة على زوجته في المعتمد في طلاق أو فسخ، وإنّما تجب عليها عدّة الوفاة، لأنّ فيها ضرباً من التّعبّد، فإذا مات وظهر بها حمل فلا يلحقه، ولا تنقضي عدّتها بوضعه، لأنّ الحمل الّذي تنقضي العدّة بوضعه هو الّذي ينسب لأبيه، وإنّما تنتهي بأقصى الأجلين: الوضع أو أربعة أشهر وعشر. وقال الشّافعيّة: تعتدّ المرأة من وطء خصيّ لا مقطوع الذّكر ولو دون الأنثيين لعدم الدّخول، لكن إن بانت حاملاً لحقه الولد، لإمكانه إن لم يكن ممسوحاً، واعتدّت بوضعه وإن نفاه، بخلاف الممسوح، لأنّ الولد لا يلحقه على المذهب، ولا تجب العدّة من طلاقه. وذهب الحنابلة إلى أنّه إذا طلّق الخصيّ المجبوب امرأته أو مات عنها فأتت بولد لم يلحقه نسبه، ولم تنقض عدّتها بوضعه وتستأنف بعد الوضع عدّة الطّلاق: ثلاثة قروء، أو عدّة الوفاة: أربعة أشهر وعشراً، وذكر القاضي: أنّ ظاهر كلام أحمد أنّ الولد يلحق به، لأنّه قد يتصوّر منه الإنزال بأن يحكّ موضع ذكره بفرجها فينزل، فعلى هذا القول يلحق به الولد وتنقضي به العدّة، والصّحيح أنّ هذا لا يلحق به ولد، لأنّه لم تجر به عادة، فلا يلحق به ولدها، كالصّبيّ الّذي لم يبلغ عشر سنين. وذكر الحنفيّة في باب العنّين وغيره: أنّ المجبوب أو الخصيّ كالعنّين في وجوب العدّة على الزّوجة عند الفرقة بناءً على طلبها. وصرّح السّرخسيّ بأنّ الخصيّ كالصّحيح في وجوب العدّة على زوجته عند الفرقة، وكذلك المجبوب بشرط الإنزال.
40 - المفقود: هو الّذي غاب وانقطع خبره مع إمكان الكشف عنه، فخرج الأسير الّذي لا ينقطع خبره، والمحبوس الّذي لا يستطاع الكشف عنه، فإذا غاب الرّجل عن امرأته لم يخل من حالين: أحدهما: إذا غاب ولم ينقطع خبره، فلا يجوز لامرأته أن تتزوّج باتّفاق العلماء، فتظلّ على عصمته، وإذا تعذّر الإنفاق عليها من ماله، أو لحقها ضرر من غيبته أو كانت تخشى على نفسها الفتنة ففي ذلك تفصيل ينظر في مصطلح: (غيبة). ثانيهما: إذا غاب الزّوج عن زوجته وانقطع خبره ولا يعرف مكانه، ففي هذه الحالة قولان للفقهاء في الجملة: القول الأوّل: ذهب ابن شبرمة وابن أبي ليلى والثّوريّ وأبو حنيفة والشّافعيّ في الجديد، وهو قول للحنابلة - فيما لو كان ظاهر غيبته السّلامة - إلى أنّ الزّوجة باقية على عصمته، فلا تزول الزّوجيّة حتّى يتيقّن موته أو طلاقه، أو تمضي مدّة لا يعيش أكثر منها، وهذه سلطة تقديريّة للقاضي، ثمّ تعتدّ بعد ذلك وتحلّ للأزواج واستدلّوا بما رواه الشّافعيّ عن عليّ رضي الله عنه موقوفاً: " امرأة المفقود امرأة ابتليت، فلتصبر حتّى يأتيها يقين موته "، وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: » امرأة المفقود امرأته حتّى يأتيها البيان « لأنّ عقدها ثابت بيقين فلا يرتفع إلاّ بيقين، ولأنّ الأصل بقاء الحياة حتّى يثبت موته. وروي عن أبي حنيفة أنّه يحكم بموت المفقود إذا بلغ سنّه مائةً وعشرين سنة من وقت ولادته، وعن أبي يوسف تقدّر بمائة سنة، وقيل: تسعون سنةً، أو يحكم بموته إذا مات آخر أقرانه سنّاً، أو يفوّض القاضي في ذلك، ثمّ تعتدّ عدّة الوفاة من وقت الحكم بموته، وتحلّ للأزواج. ونقل أحمد بن أصرم عن أحمد: إذا مضى عليه تسعون سنةً من يوم ولادته قسم ماله، وهذا يقتضي أنّ زوجته تعتدّ عدّة الوفاة ثمّ تتزوّج، لأنّ الظّاهر أنّه لا يعيش أكثر من هذا العمر، فإذا اقترن به انقطاع خبره وجب الحكم بموته، كما لو كان فقده بغيبة ظاهرها الهلاك. القول الثّاني: ذهب عمر وغيره من الصّحابة رضي الله عنهم، ومالك والشّافعيّ في القديم وهو رواية أخرى عن الحنابلة - في حالة ما لو كانت غيبته ظاهرها الهلاك - إلى أنّ زوجة المفقود تتربّص أربع سنين إن دامت نفقتها من ماله ثمّ تعتدّ للوفاة أربعة أشهر وعشراً، ثمّ تحلّ للأزواج، واستدلّوا بما روي عن عمر رضي الله عنه قال في امرأة المفقود: تتربّص أربع سنين ثمّ تعتدّ أربعة أشهر وعشراً، ووافقه في ذلك عثمان وعليّ وابن عبّاس وابن الزّبير رضي الله عنهم، وبه قال عطاء وعمر بن عبد العزيز والحسن والزّهريّ وقتادة واللّيث وعليّ بن المدينيّ وعبد العزيز بن أبي سلمة، فالتّربّص بأربع سنين أمر تعبّديّ، أو أنّه أكثر الحمل عندهم. وقال سعيد بن المسيّب: إنّ امرأة المفقود بين الصّفّين في القتال تتربّص سنةً فقط، لأنّ غلبة هلاكه في هذه الحالة أكثر من غلبته في غيرها، لوجود سببه وهو القتال. وذهب المالكيّة إلى أنّه يحكم بموت المفقود بالنّسبة لزوجته بعد أربع سنين من حين العجز عن خبره، وقيل: من حين رفع الأمر إلى القاضي أو الوالي أو لجماعة المسلمين ثمّ تعتدّ عدّة الوفاة. وللحنابلة روايتان: إحداهما: يعتبر ابتداء المدّة من ضرب القاضي أو الحاكم لها، لأنّها مدّة مختلف فيها، فافتقرت إلى ضرب الحاكم كمدّة العنّة. وثانيتهما: ابتداء المدّة من وقت انقطاع الخبر وبعد الأثر، لأنّ هذا ظاهر في موته، فكان ابتداء المدّة منه، كما لو شهد به شاهدان، وهذا التّفصيل على القديم من مذهب الشّافعيّة.
41 - ذهب الفقهاء إلى أنّ زوجة الأسير لا تنكح حتّى تعلم بيقين وفاته، وهذا قول النّخعيّ والزّهريّ ويحيى الأنصاريّ ومكحول.
42 - ذهب الفقهاء إلى وجوب عدّة زوجة المرتدّ بعد الدّخول أو ما في حكمه بسبب التّفريق بينهما، فإن جمعها الإسلام في العدّة دام النّكاح، وإلاّ فالفرقة من الرّدّة وعدّتها تكون بالأشهر، أو بالقروء، أو بالوضع كعدّة المطلّقة. ولو مات المرتدّ أو قتل حدّاً وامرأته في العدّة، فقد اختلف الفقهاء على قولين: القول الأوّل: ذهب المالكيّة والشّافعيّة وأبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّه لا يجب عليها إلاّ عدّة الطّلاق، لأنّ الزّوجيّة قد بطلت بالرّدّة، وعدّة الوفاة لا تجب إلاّ على الزّوجات. القول الثّاني: ذهب أبو حنيفة ومحمّد إلى أنّ المرتدّ إذا مات أو قتل وهي في العدّة وورثته قياساً على طلاق الفارّ، فإنّه يجب عليها عدّة الوفاة: أربعة أشهر وعشر فيها ثلاث حيض، حتّى إنّها لو لم تر في مدّة الأربعة أشهر والعشر ثلاث حيض تستكمل بعد ذلك، لأنّ كلّ معتدّة ورثت تجب عليها عدّة الوفاة، ووجه قولهما: بأنّ النّكاح لمّا بقي في حقّ الإرث، فلأن يبقى في حقّ وجوب العدّة أولى، لأنّ العدّة يحتاط في إيجابها، فكان قيام النّكاح من وجه كافياً لوجوب العدّة احتياطاً، فيجب عليها الاعتداد أربعة أشهر وعشراً فيها ثلاث حيض، قياساً على المطلّقة طلاقاً بائناً الّتي مات زوجها قبل أن تنقضي العدّة، وذكر القدوريّ روايتين في هذه المسألة عن أبي حنيفة.
43 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة والثّوريّ وأبو عبيد إلى أنّ عدّة الكتابيّة أو الذّمّيّة في الطّلاق أو الفسخ أو الوفاة كعدّة المسلمة لعموم الأدلّة الموجبة للعدّة بلا فرق بينهما بشرط أن يكون الزّوج مسلماً، لأنّ العدّة تجب بحقّ اللّه وبحقّ الزّوج، قال تعالى: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} فهي حقّه، والكتابيّة أو الذّمّيّة مخاطبة بحقوق العباد، فتجب عليها العدّة، وتجبر عليها لأجل حقّ الزّوج والولد، لأنّها من أهل إيفاء حقوق العباد. واختلف الفقهاء فيما لو كانت الذّمّيّة تحت ذمّيّ على قولين: القول الأوّل: ذهب أبو حنيفة والشّافعيّة والمالكيّة إلى أنّه لو طلّق الذّمّيّ الذّمّيّة أو مات عنها، فلا عدّة عليها إذا كان دينهم لا يقرّ ذلك، ويجوز لها أن تتزوّج فور طلاقها، لأنّ العدّة لو وجبت عليها إمّا أن تجب بحقّ اللّه تعالى أو بحقّ الزّوج، ولا سبيل إلى إيجابها بحقّ الزّوج، لأنّه لا يعتقد حقّاً لنفسه، ولا وجه لإيجابها بحقّ اللّه تعالى، لأنّ العدّة فيها معنى القربة، وهي غير مخاطبة بالقربات، إلاّ إذا كانت حاملاً، فإنّها تمنع من النّكاح، لأنّ وطء الزّوج الثّاني يوجب اشتباه النّسب، وحفظ النّسب حقّ الولد، فلا يجوز إبطال حقّه، فكان على الحاكم استيفاء حقّه بالمنع من الزّواج حتّى تضع الحمل، إلاّ أنّ المالكيّة قد صرّحوا بأنّ الذّمّيّة الحرّة غير الحامل إذا كانت تحت زوج ذمّيّ مات عنها أو طلّقها، وأراد مسلم أن يتزوّجها أو ترافعا إلينا - وقد دخل بها - فعدّتها ثلاثة قروء، وإن لم يكن دخل بها حلّت مكانها من غير شيء. القول الثّاني: ذهب الحنابلة وأبو يوسف ومحمّد إلى أنّ العدّة واجبة على الذّمّيّة حتّى ولو كانت تحت ذمّيّ، لأنّ الذّمّيّة من أهل دار الإسلام، فجرى عليها ما يجري على المسلمين من أحكام الإسلام، ولعموم الآيات الواردة في العدّة، ولأنّها بائن بعد الدّخول أشبهت المسلمة، فعدّتها كعدّة المسلمة، ولأنّها معتدّة من الوفاة أشبهت المسلمة.
44 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في المذهب إلى أنّ عدّة المختلعة عدّة المطلّقة، وهو قول سعيد بن المسيّب وسالم بن عبد اللّه وسليمان بن يسار وعمر بن عبد العزيز والحسن والشّعبيّ والنّخعيّ والزّهريّ وغيرهم، واستدلّوا بقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} ولأنّ الخلع فرقة بين الزّوجين في الحياة بعد الدّخول، فكانت العدّة ثلاثة قروء كعدّة المطلّقة. وفي قول عن أحمد: أنّ عدّتها حيضة، وهو المرويّ عن عثمان بن عفّان وابن عمر وابن عبّاس رضي الله عنهم وأبان بن عثمان وإسحاق وابن المنذر، واستدلّوا بما روي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما: » أنّ امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه، فجعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عدّتها حيضةً «. كما أنّ عثمان رضي الله عنه قضى به. (ر: مصطلح خلع).
45 - عدّة الملاعنة كعدّة المطلّقة، لأنّها مفارقة في الحياة، فأشبهت المطلّقة عند جمهور الفقهاء، خلافاً لابن عبّاس رضي الله عنهما فالمرويّ عنه أنّ عدّتها تسعة أشهر.
46 - اختلف الفقهاء في عدّة الزّانية على ثلاثة أقوال: القول الأوّل: ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والثّوريّ إلى أنّ الزّانية لا عدّة عليها، حاملاً كانت أو غير حامل وهو المرويّ عن أبي بكر وعمر وعليّ رضي الله عنهم، واستدلّوا بقول الرّسول صلى الله عليه وسلم: » الولد للفراش وللعاهر الحجر « ولأنّ العدّة شرعت لحفظ النّسب، والزّنا لا يتعلّق به ثبوت النّسب، ولا يوجب العدّة. وإذا تزوّج الرّجل امرأةً وهي حامل من الزّنا جاز نكاحه عند أبي حنيفة ومحمّد، ولكن لا يجوز وطؤها حتّى تضع، لئلاّ يصير ساقياً ماءه زرع غيره، لقول الرّسول صلى الله عليه وسلم: » لا يحلّ لامرئ يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره «. وقوله صلى الله عليه وسلم: » لا توطأ حامل حتّى تضع « فهذا دليل على امتناع وطئها حتّى تضع حملها. خلافاً للشّافعيّة الّذين يقولون بجواز النّكاح والوطء للحامل من زناً على الأصحّ، إذ لا حرمة له. القول الثّاني: وهو المعتمد لدى المالكيّة والحنابلة في المذهب وهو ما ذهب إليه الحسن والنّخعيّ: أنّ المزنيّ بها تعتدّ عدّة المطلّقة، لأنّه وطء يقتضي شغل الرّحم، فوجبت العدّة منه، ولأنّها حرّة فوجب استبراؤها بعدّة كاملة قياساً على الموطوءة بشبهة، ولأنّ المزنيّ بها إذا تزوّجت قبل الاعتداد اشتبه ولد الزّوج بالولد من الزّنا، فلا يحصل حفظ النّسب، قال الدّسوقيّ: إذا زنت المرأة أو غصبت وجب عليها الاستبراء من وطئها بثلاث حيض إن كانت حرّةً. أمّا الحامل من زناً أو من غصب فيحرم على زوجها وطؤها قبل الوضع اتّفاقاً، وإذا كانت الزّانية غير متزوّجة فإنّه لا يجوز العقد عليها زمن الاستبراء، فإن عقد عليها وجب فسخه. القول الثّالث: ذهب المالكيّة في قول، والحنابلة في رواية أخرى إلى أنّ الزّانية تستبرأ بحيضة واحدة، واستدلّوا بحديث: » لا توطأ حامل حتّى تضع، ولا غير ذات حمل حتّى تحيض حيضةً «. ولمزيد من التّفصيل يراجع مصطلح: (استبراء ف 24).
47 - ذهب الفقهاء إلى وجوب العدّة بالدّخول في النّكاح الفاسد المختلف فيه بين المذاهب، بسبب الفرقة الكائنة بتفريق القاضي، كالنّكاح بدون شهود أو وليّ، وذهبوا أيضاً إلى وجوب العدّة في النّكاح المجمع على فساده بالوطء، أي بالدّخول، مثل: نكاح المعتدّة وزوجة الغير، والمحارم إذا كانت هناك شبهة تسقط الحدّ، بأن كان لا يعلم بالحرمة، أمّا إذا كان يعلم بالحرمة فقد ذهب المالكيّة والحنابلة وبعض الحنفيّة إلى وجوب العدّة، ويطلق عليها استبراء، لأنّها وجبت للتّعرّف على براءة الرّحم، لا لقضاء حقّ النّكاح، إذ لا حقّ للنّكاح الفاسد أيّاً كان نوعه، أمّا الشّافعيّة وبعض الحنفيّة فقالوا بعدم وجوب العدّة عند العلم بالحرمة، لعدم وجود الشّبهة المسقطة للحدّ، ولعدم ثبوت النّسب، جاء في فتح القدير: والمنكوحة نكاحاً فاسداً، وهي المنكوحة بغير شهود، ونكاح امرأة الغير عليها العدّة إذا لم يعلم الزّوج الثّاني بأنّها متزوّجة، فإن كان يعلم - أي الزّوج الثّاني - لا تجب العدّة بالدّخول، حتّى لا يحرم على الزّوج وطؤها لأنّه زناً، وإذا زنى بامرأة حلّ لزوجها وطؤها، وبه يفتى. (ر: مصطلح بطلان ف 30). وذهب الفقهاء إلى عدم وجوب عدّة الوفاة في النّكاح المجمع على فساده، واختلفوا في وجوب عدّة الوفاة في النّكاح الفاسد المختلف فيه على قولين: القول الأوّل: ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة في قول إلى عدم وجوب عدّة الوفاة في النّكاح الفاسد المختلف فيه كالمجمع عليه، واستدلّوا بأنّ عدّة الوفاة تجب في النّكاح الصّحيح، لأنّ اللّه تعالى أوجبها على الأزواج، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً} ولا يصير زوجاً حقيقةً إلاّ بالنّكاح الصّحيح، كما أنّها تجب إظهاراً للحزن والتّأسّف لفوات نعمة النّكاح، والنّعمة في النّكاح الصّحيح دون الفاسد. القول الثّاني: ذهب المالكيّة وهو قول للحنابلة إلى وجوب عدّة الوفاة في النّكاح الفاسد المختلف فيه، لأنّه نكاح يلحق به النّسب، فوجبت به عدّة الوفاة كالنّكاح الصّحيح.
48 - عدّة الموطوءة بشبهة وهي الّتي زفّت إلى غير زوجها، والموجودة ليلاً على فراشه إذا ادّعى الاشتباه كعدّة المطلّقة باتّفاق الفقهاء، للتّعرّف على براءة الرّحم لشغله ولحقوق النّسب فيه، كالوطء في النّكاح الصّحيح، فكان مثله فيما تحصل البراءة منه، ولأنّ الشّبهة تقام مقام الحقيقة في موضع الاحتياط، وإيجاب العدّة من باب الاحتياط. وإن وطئت المزوّجة بشبهة لم يحلّ لزوجها وطؤها قبل انقضاء عدّتها، كي لا يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب، وله الاستمتاع منها فيما دون الفرج في أحد وجهي الحنابلة، لأنّها زوجة حرم وطؤها لعارض مختصّ بالفرج، فأبيح الاستمتاع منها بما دونه كالحائض، ولا يجب عليها عدّة وفاة أيضاً باتّفاق الفقهاء كالمنكوحة نكاحاً فاسداً مجمعاً على فساده، لأنّ وجوب العدّة هنا على سبيل الاستبراء.
49 - إذا طلّق الرّجل إحدى زوجتيه أو زوجاته دون تعيين أو بيان فللفقهاء في ذلك تفصيل كما يلي: ذهب الحنفيّة إلى أنّ لفظ الطّلاق إذا كان مضافاً إلى زوجة مجهولة فهو طلاق مبهم، والجهالة إمّا أن تكون أصليّةً، وإمّا أن تكون طارئةً، فالأصليّة: أن يكون لفظ الطّلاق فيها من الابتداء مضافاً إلى المجهول، والطّارئة: أن يكون مضافاً إلى معلومة ثمّ تجهل، كما إذا طلّق الرّجل امرأةً بعينها من نسائه ثلاثاً ثمّ نسي المطلّقة. وعدّة المرأة في الطّلاق المبهم كعدّة غيرها من المطلّقات، لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} ولكنّهم اختلفوا في ابتداء عدّتها هل من وقت الطّلاق أم من وقت البيان: فذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنّها تعتدّ من وقت البيان لا من وقت الطّلاق، لأنّ الطّلاق لم يكن واقعاً قبل البيان، وذهب محمّد إلى أنّها تعتدّ من وقت الطّلاق كغيرها من المطلّقات لأنّ الطّلاق نازل في غير المعيّن. وإذا مات الزّوج قبل بيان الطّلاق المبهم لإحدى زوجتيه، فإنّه يجب على كلّ واحدة منهما عدّة الوفاة وعدّة الطّلاق، لأنّ إحداهما منكوحة والأخرى مطلّقة، وعلى المنكوحة عدّة الوفاة لا عدّة الطّلاق، وعلى المطلّقة عدّة الطّلاق لا عدّة الوفاة، فدارت كلّ واحدة من العدّتين في حقّ كلّ واحدة من المرأتين بين الوجوب وعدمه، والعدّة يحتاط في إيجابها، ومن الاحتياط القول بوجوبها على كلّ واحدة منهما. وذهب الشّافعيّة إلى أنّه لو طلّق إحدى امرأتيه معيّنةً أو مبهمةً، كقوله: إحداكما طالق: ونوى معيّنةً أم لا ومات قبل البيان للمعيّنة أو التّعيين للمبهمة، فإن كان قبل موته لم يطأ واحدةً منهما اعتدّتا لوفاته بأربعة أشهر وعشرة أيّام احتياطاً، لأنّ كلّ واحدة منهما كما يحتمل أن تكون مفارقةً بالطّلاق يحتمل أن تكون مفارقةً بالموت وكذا إن وطئ كلاً منهما وهما ذواتا أشهر في طلاق بائن أو رجعيّ، أو هما ذواتا أقراء والطّلاق رجعيّ، فتعتدّ كلّ منهما عدّة وفاة، فإن كان الطّلاق بائناً في ذوات الأقراء اعتدّت كلّ واحدة منهما بالأكثر من عدّة وفاة وثلاثة قروء، لأنّ كلّ واحدة وجب عليها عدّة، واشتبهت عليها بعدّة أخرى، فوجب أن تأتي بذلك لتخرج عمّا عليها بيقين، وتحتسب عدّة الوفاة من الموت جزماً، وتحسب الأقراء من وقت الطّلاق على الصّحيح، وقيل: من حين الموت، وعدّة الحامل منهما بوضع الحمل، لأنّ عدّتها لا تختلف بالتّقديرين. ولو اختلف حال المرأتين، بأن كانت إحداهما ممسوسةً أو حاملاً أو ذات أقراء والأخرى بخلافها، عملت كلّ واحدة بمقتضى الاحتياط في حقّها. وقال الحنابلة: لو طلّق واحدةً من نسائه لا بعينها، أخرجت بالقرعة، وعليها العدّة دون غيرها، من وقت الطّلاق لا من وقت القرعة، وإن طلّق واحدةً بعينها وأنسيها، فالصّحيح أنّه يحرم عليه الجميع، فإن مات فعلى الجميع الاعتداد بأقصى الأجلين من عدّة الطّلاق والوفاة، وهذا إن كان الطّلاق بائناً، فإن كان رجعيّاً فعليها عدّة الوفاة من وقت الموت، أمّا ذات الأقراء فمن وقت الطّلاق. وإن طلّق الجميع ثلاثاً بعد ذلك، فعليهنّ كلّهنّ تكميل عدّة الطّلاق من وقت طلاقهنّ ثلاثاً. وصرّح المالكيّة بأنّه لو طلّق واحدةً لا بعينها طلقتا أو طلقن معاً طلاقاً منجّزاً على المشهور، وإن نوى واحدةً بعينها ونسيها فالطّلاق للجميع، وإن قال لإحداهما: أنت طالق، وللأخرى أو أنت ولا نيّة خيّر في طلاق أيّتهما أحبّ كما ذهب إليه الحنابلة.
50 - تداخل العدد معناه: أن تبتدئ المرأة المعتدّة عدّةً جديدةً وتندرج بقيّة العدّة الأولى في العدّة الثّانية، والعدّتان إمّا أن تكونا من جنس واحد فقط أو من جنسين مختلفين، لشخص واحد أو شخصين، ولذلك فإنّ الفقهاء اختلفوا في جواز التّداخل وعدمه وفقاً لكلّ حالة على حدة. فذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ المرأة إذا لزمتها عدّتان من جنس واحد، وكانتا لرجل واحد، فإنّهما تتداخلان لاتّحادهما في الجنس والقصد، مثل: ما لو طلّق الرّجل زوجته ثلاثاً، ثمّ تزوّجها في العدّة ووطئها، وقال: ظننت أنّها تحلّ لي، أو طلّقها بألفاظ الكناية فوطئها في العدّة فإنّ العدّتين تتداخلان، فتعتدّ بثلاثة أقراء ابتداءً من الوطء الواقع في العدّة، ويندرج ما بقي من العدّة الأولى في العدّة الثّانية، قال النّوويّ: إذا كانت العدّتان لشخص، وكانتا من جنس واحد بأن طلّقها وشرعت في العدّة بالأقراء أو الأشهر ثمّ وطئها في العدّة جاهلاً إن كان الطّلاق بائناً، وجاهلاً أو عالماً إن كان رجعيّاً، تداخلت العدّتان، ومعنى التّداخل: أنّها تعتدّ بثلاثة قروء، أو ثلاثة أشهر من وقت الوطء ويندرج فيها بقيّة عدّة الطّلاق، وقدر تلك البقيّة يكون مشتركاً واقعاً عن الجهتين، وله الرّجعة في قدر البقيّة إن كان الطّلاق رجعيّاً، ولا رجعة بعدها، ويجوز تجديد النّكاح في تلك البقيّة وبعدها إذا لم يكن عدد الطّلاق مستوفىً هذا هو الصّحيح، وإن كانت العدّتان من جنسين لشخص واحد، بأن كانت إحداهما بالحمل والأخرى بالأقراء، سواء طلّقها حاملاً ثمّ وطئها، أو حائلاً ثمّ أحبلها، فإنّ الحنفيّة، وهو الأصحّ عند الشّافعيّة، ورواية للحنابلة: يرون تداخل العدّتين، لأنّهما لرجل واحد، كما لو كانتا من جنس واحد. ومقابل الأصحّ عند الشّافعيّة، والحنابلة في رواية أخرى: عدم التّداخل لاختلافهما في الجنس. ويترتّب على القول هنا بالتّداخل أنّ العدّتين تنقضيان بالوضع، وللزّوج الرّجعة في الطّلاق الرّجعيّ إلى أن تضع إن كانت عدّة الطّلاق بالحمل، أو كانت بالأقراء على الأصحّ عند الشّافعيّة. ويترتّب على عدم التّداخل إذا كان الحمل لعدّة الطّلاق اعتدّت بعد وضعه بثلاثة أقراء، ولا رجعة إلاّ في مدّة الحمل، وإن كان الحمل لعدّة الوطء، أتمّت بعد وضعه بقيّة عدّة الطّلاق، وله الرّجعة قبل الوضع في تلك البقيّة على الأصحّ عند الشّافعيّة. وإذا كانت العدّتان لشخصين، سواء أكانتا من جنسين، كالمتوفّى عنها زوجها إذا وطئت بشبهة، أو كانتا من جنس واحد، كالمطلّقة الّتي تزوّجت في عدّتها فوطئها الثّاني وفرّق بينهما، فإنّ الشّافعيّة والحنابلة يرون عدم التّداخل، لأنّهما حقّان مقصودان لآدميّين، فلم يتداخلا كالدّينين. ولأنّ العدّة احتباس يستحقّه الرّجال على النّساء، فلم يجز أن تكون المرأة المعتدّة في احتباس رجلين كاحتباس الزّوجة، فعليها أن تعتدّ للأوّل لسبقه، ثمّ تعتدّ للثّاني، ولا تتقدّم عدّة الثّاني على عدّة الأوّل إلاّ بالحمل. وقال الحنفيّة: تتداخل العدّتان، لأنّ كلاً منهما أجل، والآجال تتداخل ولذلك يجب على المرأة أن تعتدّ من وقت التّفريق، ويندرج ما بقي من العدّة الأولى في العدّة الثّانية، لأنّ المقصود التّعرّف على فراغ الرّحم، وقد حصل بالواحدة، فتتداخلان، ولذلك صرّح الحنفيّة بأنّ المعتدّة عن وفاة إذا وطئت بشبهة تعتدّ بالشّهور، وتحتسب بما تراه من الحيض فيها، تحقيقاً للتّداخل بقدر الإمكان، فلو لم تر فيها دماً يجب أن تعتدّ بعد الأشهر بثلاث حيض. أمّا المالكيّة فقد ذكر ابن جزيّ فروعاً في تداخل العدّتين: الفرع الأوّل: من طلقت طلاقاً رجعيّاً ثمّ مات زوجها في العدّة، انتقلت إلى عدّة الوفاة، لأنّ الموت يهدم عدّة الرّجعيّ، بخلاف البائن. الفرع الثّاني: إن طلّقها رجعيّاً، ثمّ ارتجعها في العدّة، ثمّ طلّقها، استأنفت العدّة من الطّلاق الثّاني، سواء أكان قد وطئها أم لا، لأنّ الرّجعة تهدم العدّة، ولو طلّقها ثانيةً في العدّة من غير رجعة بنت اتّفاقاً، ولو طلّقها طلقةً ثانيةً ثمّ راجعها في العدّة أو بعدها ثمّ طلّقها قبل المسيس بنت على عدّتها الأولى، ولو طلّقها بعد الدّخول استأنفت من الطّلاق الثّاني. الفرع الثّالث: إذا تزوّجت في عدّتها من الطّلاق، فدخل بها الثّاني، ثمّ فرّق بينهما اعتدّت بقيّة عدّتها من الأوّل، ثمّ اعتدّت من الثّاني، وقيل تعتدّ من الثّاني وتجزيها عنهما، وإن كانت حاملاً فالوضع يجزئ عن العدّتين اتّفاقاً. وصرّح المالكيّة بأنّه لو طرأ موجب لعدّة مطلقاً - لوفاة أو طلاق - قبل تمام عدّة انهدم الأوّل، أي: بطل حكمه مطلقاً، كان الموجبان من رجل واحد أو رجلين، بفعل سائغ أم لا، واستأنفت حكم الطّارئ في الجملة، إذ قد تمكث أقصى الأجلين، مثل الرّجل الّذي تزوّج بائنته وطلّقها بعد البناء، فتستأنف عدّةً من طلاقه الثّاني وينهدم الأوّل، أمّا لو طلّقها قبل البناء فإنّها تبقى على عدّة الطّلاق الأوّل، ولو مات بعد تزوّجها - بنى بها أو لا - فإنّها تستأنف عدّة الوفاة، وتنهدم الأولى. والمرتجع لمطلّقته الرّجعيّة قبل تمام عدّتها، سواء وطئها بعد ارتجاعها أو لا ثمّ طلّقها أو مات عنها قبل تمام عدّة الطّلاق الرّجعيّ، فإنّ المعتدّة تستأنف عدّة طلاق من يوم طلاقه لها ثانياً أو عدّة وفاة من يوم موته، لأنّ ارتجاعها يهدم العدّة الأولى الكائنة من الطّلاق الرّجعيّ.
51 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وهو المذهب عند الحنابلة إلى أنّ الطّلاق يلحق المعتدّة من طلاق رجعيّ، لبقاء أحكام الزّوجيّة في عدّة الطّلاق الرّجعيّ. فالرّجعيّة في حكم الزّوجات، لبقاء الولاية عليها بملك الرّجعة، قال الشّافعيّ: الرّجعيّة زوجة في خمس آيات من كتاب اللّه، يريد بذلك لحوق الطّلاق وصحّة الظّهار واللّعان والإيلاء والميراث. وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الطّلاق لا يلحق المعتدّة من طلاق بائن بينونةً صغرى أو كبرى كخلع وفسخ لعدم بقاء المحلّ وهي الزّوجة، أو لزوال الزّوجيّة حقيقةً وحكماً كما لو انتهت عدّتها، ووافق الحنفيّة الجمهور في أنّ المعتدّة من طلاق بائن بينونةً كبرى لا يلحقها الطّلاق. أمّا المعتدّة من طلاق بائن بينونةً صغرى فيلحقها صريح الطّلاق. وأمّا طلاق الكناية الواقع في عدّة المبانة أو المختلعة فإنّه يلحقها في ظاهر الرّواية عند الحنفيّة، إن كانت الكناية تحمل معنى الطّلاق الرّجعيّ، لأنّ الواقع بهذا النّوع من الكناية رجعيّ، فكان في معنى الطّلاق الصّريح، فيلحقها الخلع والإبانة في العدّة كالصّريح، خلافاً لما روي عن أبي يوسف أنّه لا يلحقها لأنّ هذه كناية والكناية لا تعمل إلاّ في حال قيام الملك كسائر الكنايات، وإن كانت الكناية تحمل معنى الطّلاق البائن، كقوله: أنت بائن ونحوه، ونوى الطّلاق، لا يلحقها بلا خلاف عند الحنفيّة، لأنّ الإبانة قطع الوصلة، والوصلة منقطعة، فلا يتصوّر قطعها ثانياً، أو لأنّ الإبانة تحريم شرعاً، وهي محرّمة وتحريم المحرّم محال. واتّفق الفقهاء على أنّ المعتدّة من طلاق بائن بينونةً كبرى لا تكون محلاً للطّلاق، لانعدام العلاقة الزّوجيّة ولزوال الملك وزوال حلّ المحلّيّة.
52 - اتّفق الفقهاء على أنّ التّصريح بخطبة معتدّة الغير أو المواعدة بالنّكاح حرام سواء أكانت العدّة من طلاق رجعيّ أم بائن أم وفاة أم فسخ أو معتدّة عن وطء شبهة، وفي التّعريض بخطبة المعتدّة تفصيل ينظر في مصطلح: (خطبة ف 9 - 13 وتعريض ف 4 - 5).
53 - اتّفق الفقهاء على أنّه لا يجوز للأجنبيّ نكاح المعتدّة أيّاً كانت عدّتها من طلاق أو موت أو فسخ أو شبهة، وسواء أكان الطّلاق رجعيّاً أم بائناً بينونةً صغرى أو كبرى. وذلك لحفظ الأنساب وصونها من الاختلاط ومراعاةً لحقّ الزّوج الأوّل، فإن عقد النّكاح على المعتدّة في عدّتها فرّق بينها وبين من عقد عليها، واستدلّوا بقوله تعالى: {وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} والمراد تمام العدّة، والمعنى: لا تعزموا على عقدة النّكاح في زمان العدّة، أو لا تعقدوا عقدة النّكاح حتّى ينقضي ما كتب اللّه عليها من العدّة. يقول الكاسانيّ: ولأنّ النّكاح بعد الطّلاق الرّجعيّ قائم من كلّ وجه، وبعد الثّلاث والبائن قائم من وجه حال قيام العدّة، لقيام بعض الآثار، والثّابت من وجه كالثّابت من كلّ وجه في باب الحرمات احتياطاً، ويجوز لصاحب العدّة أن يتزوّجها في عدّتها إذا لم يكن الطّلاق ثلاثاً لأنّ النّهي عن التّزوّج للأجانب لا للأزواج، لأنّ عدّة الطّلاق إنّما لزمتها حقّاً للزّوج، لكونها باقيةً على حكم نكاحه من وجه، وهذا يظهر في حقّ التّحريم على الأجنبيّ لا على الزّوج إذ لا يجوز أن يمنع حقّه. وفي الموطّأ: أنّ طليحة الأسدية كانت زوجة رشيد الثّقفيّ وطلّقها، فنكحت في عدّتها، فضربها عمر بن الخطّاب وضرب زوجها بخفقة ضربات، وفرّق بينهما ثمّ قال عمر: أيّما امرأة نكحت في عدّتها فإن كان الّذي تزوّجها لم يدخل بها فرّق بينهما ثمّ اعتدّت بقيّة عدّتها من زوجها الأوّل، ثمّ إن شاء كان خاطباً من الخطّاب، وإن كان دخل بها فرّق بينهما ثمّ اعتدّت بقيّة عدّتها من الأوّل، ثمّ اعتدّت من الآخر، ثمّ لا ينكحها أبداً.
54 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ مكان العدّة من طلاق أو فسخ أو موت هو بيت الزّوجيّة الّتي كانت تسكنه قبل مفارقة زوجها، وقبل موته، أو عندما بلغها خبر موته، وتستتر فيه عن سائر الورثة ممّن ليس بمحرم لها. فإذا كانت في زيارة أهلها، فطلّقها أو مات، كان عليها أن تعود إلى منزلها الّذي كانت تسكن فيه للاعتداد وإن كانت في غيره، فالسّكنى في بيت الزّوجيّة وجبت بطريق التّعبّد، فلا تسقط ولا تتغيّر إلاّ بالأعذار، واستدلّوا على ذلك بقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ}. ووجه الدّلالة: أنّ اللّه سبحانه وتعالى أضاف البيت إليها، والبيت المضاف إليها هو الّذي كانت تسكنه قبل مفارقة زوجها أو موته، وبحديث الفريعة بنت مالك رضي الله عنها: » أنّها جاءت إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأخبرته: أنّ زوجها خرج في طلب أعبد له، فقتلوه بطرف القدوم، قالت: فسألت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي، فإنّ زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة ؟ فقالت: قال الرّسول صلى الله عليه وسلم: نعم. قالت: فانصرفت حتّى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد ناداني، أو أمر بي فنوديت له فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: كيف قلت ؟ فرددت عليه القصّة، فقال: امكثي في بيتك حتّى يبلغ الكتاب أجله، قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً، قالت: فلمّا كان عثمان بن عفّان أرسل إليّ فسألني عن ذلك، فأخبرته، فاتّبعه وقضى به «. ووجه الدّلالة: أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم ألزمها أن تعتدّ في بيت الزّوجيّة حتّى تنقضي العدّة ويبلغ الكتاب أجله، وبه قضى عثمان، في جماعة الصّحابة رضي الله عنهم فلم ينكروه، وروي عن عمر وابن عمر وابن مسعود وأمّ سلمة رضي الله عنهم والثّوريّ والأوزاعيّ، فإذا ثبت هذا فإنّه يجب الاعتداد عليها في المنزل الّذي مات زوجها وهي ساكنة به، أو طلّقها. ويرى الحنابلة أنّه يستحبّ سكنى المعتدّة المبتوتة في الموضع الّذي طلّقها فيه. وقال جابر بن زيد والحسن البصريّ وعطاء من التّابعين: إنّ المتوفّى عنها زوجها تعتدّ حيث شاءت، وهذا ما روي عن عليّ وابن عبّاس وجابر وعائشة رضي الله عنهم، واستدلّوا بأنّ قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} نسخت الآية الّتي جعلت العدّة للمتوفّى عنها زوجها حولاً كاملاً وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} والنّسخ إنّما وقع على ما زاد على أربعة أشهر وعشر، فبقي ما سوى ذلك من الأحكام ثمّ جاء الميراث فنسخ السّكنى، وتعلّق حقّها بالتّركة، فتعتدّ حيث شاءت.
55 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يجب على المعتدّة من طلاق أو فسخ أو موت ملازمة السّكن في العدّة، فلا تخرج منه إلاّ لحاجة أو عذر، فإن خرجت أثمت وللزّوج في حال الطّلاق أو الفسخ منعها، ولورثته كذلك من بعده، ولا يجوز للزّوج أو ورثته إخراجها من مسكن النّكاح ما دامت في العدّة، وإلاّ أثموا بذلك لإضافة البيوت إليهنّ في قوله تعالى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ} وقوله تعالى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ} يقتضي أن يكون حقّاً على الأزواج، وقوله تعالى: {وَلا يَخْرُجْنَ} يقتضي أنّه حقّ على الزّوجات للّه تعالى ولأزواجهنّ، فالعدّة حقّ اللّه تعالى، والحقّ الّذي للّه تعالى لا يسقط بالتّراضي، لعدم قابليّته للإسقاط، وهذا هو الأصل، إلاّ للأعذار وقضاء الحاجات كما سيأتي. ولكنّ الفقهاء اختلفوا في مدى جواز خروج المعتدّة، وذلك باختلاف أحوالها وباختلاف الأوقات والأعذار.
56 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّ المطلّقة الرّجعيّة لا يجوز لها الخروج من مسكن العدّة لا ليلاً ولا نهاراً واستدلّوا على ذلك بقوله تعالى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ} إلخ. فقد نهى اللّه تعالى الأزواج عن الإخراج والمعتدّات عن الخروج، إلاّ إذا ارتكبن فاحشةً، أي: الزّنا. وبقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم} والأمر بالإسكان نهي عن الإخراج والخروج. قال النّوويّ: إن كانت رجعيّةً فهي زوجته، فعليه القيام بكفايتها، فلا تخرج إلاّ بإذنه. وقال الكاسانيّ: ولأنّها زوجته بعد الطّلاق الرّجعيّ لقيام ملك النّكاح من كلّ وجه، فلا يباح لها الخروج كما قبل الطّلاق، إلاّ أنّ بعد الطّلاق لا يباح لها الخروج وإن أذن لها به، بخلاف ما قبل الطّلاق، لأنّ حرمة الخروج بعد الطّلاق لمكان العدّة وفيها حقّ اللّه تعالى فلا يملك إبطاله، بخلاف ما قبل الطّلاق، لأنّ الحرمة ثمّة لحقّ الزّوج خاصّةً فيملك إبطال حقّ نفسه بالإذن بالخروج. وخالف المالكيّة والحنابلة فقالوا بجواز خروج المطلّقة الرّجعيّة نهاراً لقضاء حوائجها، وتلزم منزلها باللّيل لأنّه مظنّة الفساد، واستدلّوا بحديث جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما قال: » طلقت خالتي ثلاثاً، فخرجت تجدّ نخلاً لها، فلقيها رجل فنهاها، فأتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت ذلك له، فقال لها: اخرجي فجدّي نخلك لعلّك أن تصدّقي منه أو تفعلي خيراً «. وصرّح المالكيّة بأنّ خروج المعتدّة لقضاء حوائجها يجوز لها في الأوقات المأمونة وذلك يختلف باختلاف البلاد والأزمنة، ففي الأمصار وسط النّهار، وفي غيرها في طرفي النّهار، ولكن لا تبيت إلاّ في مسكنها.
57 - اختلف الفقهاء في جواز خروج المعتدّة من طلاق بائن على قولين: القول الأوّل: ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة والثّوريّ والأوزاعيّ واللّيث بن سعد إلى جواز خروجها نهاراً لقضاء حوائجها، أو طرفي النّهار لشراء ما يلزمها من ملبس ومأكل ودواء أو بيع غزل، أو كانت تتكسّب من شيء خارج عن محلّها كالقابلة والماشطة أو لأداء عملها سواء أكان الطّلاق بائناً بينونةً صغرى أم كبرى، لحديث جابر رضي الله عنه السّابق: » طلقت خالتي ثلاثاً: فخرجت... « إلخ. قال الشّافعيّ: والجداد لا يكون إلاّ نهاراً غالباً، والضّابط عنده: كلّ معتدّة لا تجب نفقتها ولم يكن لها من يقضيها حاجتها لها الخروج، أمّا من وجبت نفقتها فلا تخرج إلاّ بإذن أو ضرورة كالزّوجة، لأنّهنّ مكفيّات بنفقة أزواجهنّ. بل أجاز الشّافعيّة للبائن الخروج ليلاً إن لم يمكنها نهاراً، وكذا إلى دار جارة لها لغزل وحديث ونحوهما للتّأنّس، بشرط: أن تأمن الخروج، ولم يكن عندها من يؤنسها، وأن ترجع وتبيت في بيتها، لما روي عن مجاهد قال: » استشهد رجال يوم أحد فآم نساؤهم وكنّ متجاورات في دار فجئن النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقلن: يا رسول اللّه، إنّا نستوحش باللّيل فنبيت عند إحدانا فإذا أصبحنا تبدّرنا إلى بيوتنا فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: تحدّثن عند إحداكنّ ما بدا لكنّ، فإذا أردتنّ النّوم فلتؤب كلّ امرأة منكنّ إلى بيتها «. وقال الحنفيّة: لا يجوز خروج المعتدّة من الطّلاق الثّلاث أو البائن ليلاً أو نهاراً، لعموم النّهي ومسيس الحاجة إلى تحصين الماء.
58 - ذهب الفقهاء إلى أنّ المتوفّى عنها زوجها لا تخرج ليلاً، ولا بأس بأن تخرج نهاراً لقضاء حوائجها. قال الكاسانيّ: لأنّها تحتاج إلى الخروج بالنّهار لاكتساب ما تنفقه، لأنّه لا نفقة لها من الزّوج المتوفّى بل نفقتها عليها، فتحتاج إلى الخروج لتحصيل النّفقة، ولا تخرج باللّيل لعدم الحاجة إلى الخروج باللّيل، وإذا خرجت بالنّهار في حوائجها لا تبيت خارج منزلها الّذي تعتدّ فيه. وقال المتولّي: إلاّ أن تكون حاملاً وتستحقّ النّفقة، فلا يباح لها الخروج إلاّ لضرورة واستدلّوا بحديث الفريعة السّابق، وبما روى علقمة أنّ نسوةً من همدان نعي إليهنّ أزواجهنّ، فسألن ابن مسعود رضي الله عنه فقلن: إنّا نستوحش، فأقرّهنّ أن يجتمعن بالنّهار، فإذا كان باللّيل فلترح كلّ امرأة إلى بيتها.
59 - المعتدّة من شبهة أو نكاح فاسد في الخروج من مسكنها كالمعتدّة من وفاة وهذا عند الحنفيّة والشّافعيّة. وفصّل الحنفيّة فقالوا: المعتدّة من النّكاح الفاسد لها أن تخرج، إلاّ إذا منعها الزّوج لتحصين مائه، والصّغيرة لها أن تخرج من منزلها إذا كانت الفرقة لا رجعة فيها، سواء أذن الزّوج لها أو لم يأذن، لأنّ وجوب السّكنى في البيت على المعتدّة لحقّ اللّه تعالى وحقّ الزّوج، وحقّ اللّه عزّ وجلّ لا يجب على الصّبيّ، وحقّ الزّوج في حفظ الولد ولا ولد منها، وإن كانت الفرقة رجعيّةً فلا يجوز لها الخروج دون إذن زوجها لأنّها زوجته، وله أن يأذن لها بالخروج، والمجنونة لها أن تخرج من منزلها لأنّها غير مخاطبة كالصّغيرة، إلاّ أنّ لزوجها أن يمنعها من الخروج لتحصين مائه، والكتابيّة لها أن تخرج لأنّ السّكنى في العدّة حقّ اللّه تعالى من وجه فتكون عبادةً من هذا الوجه والكفّار لا يخاطبون بشرائع هي عبادات، إلاّ إذا منعها الزّوج من الخروج لصيانة مائه عن الاختلاط، فإذا أسلمت في العدّة لزمها ما يلزم المسلمة فيما بقي من العدّة.
60 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يجوز للمعتدّة من طلاق أو فسخ أو وفاة الخروج والانتقال من مكان العدّة إلى مكان آخر في حالة الضّرورة. قال الكاسانيّ: إن اضطرّت إلى الخروج من بيتها، بأن خافت سقوط منزلها أو خافت على متاعها أو كان المنزل بأجرة ولا تجد ما تؤدّيه في أجرته في عدّة الوفاة، أو كان المنزل ملكاً لزوجها وقد مات، أو كان نصيبها لا يكفيها، أو خافت على متاعها منهم - الورثة - فلا بأس أن تنتقل، لأنّ السّكنى وجبت بطريق العبادة حقّاً للّه تعالى عليها، والعبادات تسقط بالأعذار، وإذا انتقلت لعذر: يكون سكناها في البيت الّذي انتقلت إليه بمنزلة كونها في المنزل الّذي انتقلت منه في حرمة الخروج عنه، لأنّ الانتقال من الأوّل إليه كان لعذر، فصار المنزل الّذي انتقلت إليه كأنّه منزلها من الأصل، فلزمها المقام فيه حتّى تنقضي العدّة. وصرّح المالكيّة بأنّه يجوز انتقالها من مكان العدّة في حالة العذر، كبدويّة معتدّة ارتحل أهلها فلها الارتحال معهم حيث كان يتعذّر لحوقها بهم بعد العدّة، أو لعذر لا يمكن المقام معه بمسكنها كسقوطه أو خوف جار سوء أو لصوص إذا لم يوجد الحاكم الّذي يزيل الضّرر، فإذا وجد الحاكم الّذي يزيل الضّرر إذا رفع إليه فلا تنتقل، سواء أكانت حضريّةً أم بدويّةً، وإذا انتقلت لزمت الثّاني إلاّ لعذر، وهكذا، فإذا انتقلت لغير عذر ردّت بالقضاء قهراً عنها، لأنّ بقاءها في مكان العدّة حقّ للّه تعالى. وصرّح الشّافعيّة بأنّها تعذر للخروج في مواضع هي: إذا خافت على نفسها أو مالها من هدم أو حريق أو غرق أو لصوص أو فسقة أو جار سوء. وتتحرّى القرب من مسكن العدّة، أو لو لزمها عدّة وهي في دار الحرب فيلزمها أن تهاجر إلى دار الإسلام، قال المتولّي: إلاّ أن تكون في موضع لا تخاف على نفسها ولا على دينها فلا تخرج حتّى تعتدّ، أو إذا لزمها حقّ واحتيج إلى استيفائه ولم يمكن استيفاؤه في مسكنها كحدّ أو يمين في دعوى، فإن كانت برزةً خرجت وحدّت أو حلفت ثمّ تعود إلى المسكن وإن كانت مخدّرةً بعث الحاكم إليها نائباً أو أحضرها بنفسه أو إذا كان المسكن مستعاراً أو مستأجراً فرجع المعير أو طلبه المالك أو مضت المدّة فلا بدّ من الخروج. ومذهب الحنابلة في الجملة لا يخرج عمّا سبق. واستدلّ الفقهاء بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنّها نقلت أختها أمّ كلثوم بنت أبي بكر رضي الله عنه لمّا قتل طلحة رضي الله عنه فدلّ ذلك على جواز الانتقال للعذر.
61 - ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا يجوز خروج المعتدّة من وفاة إلى الحجّ، لأنّ الحجّ لا يفوت، والعدّة تفوت. وقال المالكيّة: إذا أحرمت المتوفّى عنها زوجها بحجّ أو عمرة بقيت على ما هي فيه، ولا ترجع إلى مسكنها لتعتدّ فيه. كما ذهب الفقهاء إلى أنّه لا يجوز للمعتدّة أن تنشئ سفراً لغير الحجّ أو العمرة، فإن طرأت العدّة على المسافرة ففي مضيّها على سفرها أو رجوعها تفصيل ينظر في: (إحداد ف 22، 24 ورجوع ف 25). أمّا المرأة المعتكفة فيلزمها العودة إلى مسكنها لقضاء العدّة لأنّها أمر ضروريّ وهذا ما ذهب إليه الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة، خلافاً للمالكيّة القائلين: تمضي المعتكفة على اعتكافها إن طرأت عليها عدّة من وفاة أو طلاق، وبهذا قال ربيعة وابن المنذر، أمّا إذا طرأ اعتكاف على عدّة فلا تخرج له، بل تبقى في بيتها حتّى تتمّم عدّتها، فلا تخرج للطّارئ بل تستمرّ على السّابق. (ر: مصطلح إحداد، ف 24).
62 - الإحداد هو: ترك التّزيّن بالثّياب والحليّ والطّيب مدّةً مخصوصةً في أحوال مخصوصة، وحكم الإحداد يختلف باختلاف أحوال المعتدّة من وفاة أو طلاق رجعيّ أو بائن. وقد اتّفق الفقهاء على وجوب الإحداد على المعتدّة في عدّة الوفاة من نكاح صحيح، حتّى ولو لم يدخل بها الزّوج المتوفّى بخلاف المنكوحة نكاحاً فاسداً إذا مات عنها زوجها أمّا المطلّقة طلاقاً رجعيّاً فلا إحداد عليها لبقاء أكثر أحكام النّكاح فيها، بل يستحبّ لها التّزيّن بما يدعو الزّوج إلى رجعتها والعودة لها، لعلّ اللّه يحدث بعد ذلك أمراً. واختلفوا في المعتدّة من طلاق بائن بينونةً صغرى أو كبرى وتفصيل ذلك في مصطلح: (إحداد ف 4).
63 - اتّفق الفقهاء على أنّ المطلّقة طلاقاً رجعيّاً لها السّكنى والنّفقة والكسوة وما يلزمها لمعيشتها، سواء أكانت حاملاً أم حائلاً، لبقاء آثار الزّوجيّة مدّة العدّة. كما اتّفقوا على وجوب السّكنى للمعتدّة من طلاق بائن إذا كانت حاملاً حتّى تضع حملها. واختلفوا فيما لو كانت المعتدّة من طلاق بائن حائلاً، كما اختلفوا في وجوب السّكنى والنّفقة للمعتدّة عن وفاة. وفي ذلك تفصيل ينظر في مصطلح: (سكنى ف 12 - 15).
64 - ذهب الفقهاء إلى أنّ المعتدّة من طلاق رجعيّ إذا ماتت، أو مات زوجها وهي في العدّة ورث أحدهما الآخر لبقاء آثار الزّوجيّة ما دامت العدّة قائمةً، وقالوا: إنّ المعتدّة من طلاق بائن في حالة صحّة الزّوج، برضاها أو بغير رضاها، لا توارث بينهما. واختلف الفقهاء في إرث المعتدّة من طلاق بائن في حالة مرض الموت وهو ما يسمّيه الفقهاء: " طلاق الفارّ ": فذهب الحنفيّة والشّافعيّة في القديم إلى القول بإرث المعتدّة من طلاق بائن في حالة مرض الموت، بشرط ألاّ يكون الطّلاق برضاها، وأن يموت في مرضه الّذي وقع فيه الطّلاق قبل انقضاء العدّة، وأن تكون مستحقّةً للميراث وقت الطّلاق، وتظلّ أهليّتها لذلك حتّى وفاة المطلّق. أمّا إذا ماتت هذه الزّوجة في العدّة فلا يرث المطلّق منها عملاً بقصده السّيّئ، فبطلاقه البائن لها أسقط حقّه في الإرث منها، ويرى المالكيّة أنّ المطلّقة البائن ترث زوجها لو طلّقها أو لاعنها أو خالعها في مرض الموت المخوف ومات فيه، سواء أكان الطّلاق برضاها أم لا، حتّى ولو انقضت العدّة وتزوّجت غيره ولو أزواجاً، ولا يرثها الزّوج في حالة موتها في مرضه المخوف الّذي طلّقها فيه، ولو كانت هي مريضةً أيضاً، لأنّه الّذي أخرج نفسه وأسقط ما كان يستحقّه لأنّ العصمة كانت بيده ويرى الشّافعيّة في القول الجديد أنّها لا ترث لانقطاع الزّوجيّة، ولأنّها لو ماتت لم يرثها بالاتّفاق. أمّا على القول القديم عندهم بأنّ البائن ترث ففيه أقوال: ترث ما لم تنقض العدّة أو ما لم تتزوّج، أو أبداً، إلاّ أنّ للقول القديم شروطاً: كون الزّوجة وارثةً، وعدم اختيارها البينونة في مرض مخوف ونحوه ومات بسببه، وكونها بطلاق لا بلعان وفسخ، وكونه منشأً ليخرج ما إذا أقرّ به، وكونه منجّزاً. ويرى الحنابلة أنّ المعتدّة من الطّلاق البائن إن كان في المرض المخوف ثمّ مات الزّوج من مرضه ذلك في عدّتها ورثته بشرط ألاّ يكون الطّلاق في المرض برغبتها أو اختيارها، ولم يرثها إن ماتت، والمشهور عن أحمد أنّها ترثه بعد العدّة أيضاً ما لم تتزوّج، وروي عنه ما يدلّ على أنّها لا ترثه إن مات بعد العدّة. وينظر (مصطلح طلاق ف 66).
65 - ذهب الفقهاء إلى أنّ المعتدّة من طلاق بائن حكمها حكم الأجنبيّة، فلا يجوز للمطلّق معاشرتها ومساكنتها أو الخلوة بها أو النّظر إليها، لانقطاع آثار الزّوجيّة، فلا تحلّ له إلاّ بعقد ومهر جديدين في البينونة الصّغرى، أو أن تنكح زوجاً غيره ثمّ يفارقها في البينونة الكبرى. واختلفوا في معاشرة المعتدّة من طلاق رجعيّ أو مساكنتها والاستمتاع أو الخلوة بها على قولين: فذهب المالكيّة والشّافعيّة وفي رواية للحنابلة إلى أنّه لا يجوز للمطلّق لزوجته طلاقاً رجعيّاً معاشرتها ومساكنتها في الدّار الّتي تعتدّ فيها، لأنّه يؤدّي إلى الخلوة بها وهي محرّمة عليه، ولأنّ في ذلك إضراراً بها وقد قال تعالى: {وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} فالطّلاق رفع لحلّ النّكاح ومقدّماته، فلا يجوز الدّخول عليها أو الأكل معها أو لمسها أو النّظر إليها، بل يجب عليه الخروج من المسكن، إلاّ إذا كانت الدّار واسعةً ومعها محرم مميّز يستحى منه ويكون بصيراً. وذهب الحنفيّة، وهو ظاهر المذهب للحنابلة إلى أنّه يجوز الاستمتاع بالرّجعيّة والخلوة بها ولمسها والنّظر إليها بنيّة المراجعة، وكذلك بدونها مع الكراهة التّنزيهيّة عند الحنفيّة، لأنّها في العدّة كالزّوجة يملك مراجعتها بغير رضاها.
66 - اتّفق الفقهاء على أنّ الرّجعة لا تكون إلاّ في عدّة الطّلاق الرّجعيّ، وهذا ثابت بالكتاب والسّنّة والإجماع. (ر: مصطلح رجعة). ويتعلّق بذلك عدّة دعاوى أهمّها ما يتعلّق باختلاف الزّوجين في تاريخ انقضاء العدّة، أو تاريخ الرّجعة. وفي ذلك صور ذكرت بالتّفصيل في مصطلح: (رجعة، ف 23). وهناك صور أخرى ذكرها بعض الفقهاء منها ما يأتي: قال المالكيّة: إن ادّعت الرّجعيّة انقضاء عدّتها بعد زمن يمكن انقضاؤها فيه صدّقت في إخبارها بانقضاء عدّتها بالقرء، وانقضاء عدّتها بالوضع لحملها - اللاحق لزوجها، أو الّذي يصحّ استلحاقه - بلا يمين منها على انقضائها، وعليه فلا تصحّ رجعتها وتحلّ للأزواج، وإن ادّعت انقضاء عدّة القروء فيما يمكن الانقضاء فيه نادراً، كحضت ثلاثاً في شهر، سئل النّساء فإن صدّقنها أي: شهدن أنّ النّساء تحيض لمثله عمل به. وقال الشّافعيّة: إذا ادّعى الزّوج أنّه راجع المعتدّة في العدّة وأنكرت، فإمّا أن يختلفا قبل أن تنكح زوجاً غيره، وإمّا بعد النّكاح فإذا كان الاختلاف قبل النّكاح: فإمّا أن تكون العدّة منقضيةً، وإمّا أن تكون باقيةً. فإن اتّفقا على وقت انقضاء العدّة كيوم الجمعة، وقال: راجعت يوم الخميس، فقالت: بل السّبت، صدّقت بيمينها على الصّحيح بأنّها لا تعلمه راجع يوم الخميس، لأنّ الأصل عدم الرّجعة إلى يوم السّبت وقيل: القول قوله بيمينه. وإذا لم يتّفقا على وقت الانقضاء، بل على وقت الرّجعة كيوم الجمعة، وقالت هي: انقضت الخميس، وقال هو: بل انقضت السّبت، صدّق في الأصحّ بيمينه: أنّها ما انقضت الخميس، لأنّ الأصل عدم انقضائها قبله، وقيل: هي المصدّقة، وقيل: المصدّق السّابق الدّعوى. وقال الحنابلة: إن راجع الزّوج مطلّقته فادّعت انقضاء عدّتها بالقروء، فإن قيل: هي الحيض، وأقلّ الطّهر ثلاثة عشر يوماً فأقلّ ما يعرف به انقضاء العدّة تسعة وعشرون يوماً ولحظة، وإن قيل: القروء هي الأطهار فإنّ عدّتها تنقضي بثمانية وعشرين يوماً ولحظتين، ومتى ادّعت المطلّقة عدّتها بالقروء في أقلّ من هذا لم يقبل قولها، وإن ادّعت انقضاء عدّتها في أقلّ من شهر لم يقبل قولها إلاّ ببيّنة، فإن ادّعت ذلك في أكثر من شهر صدّقت بلا بيّنة. وإن ادّعت انقضاء عدّتها بالشّهور فلا يقبل قولها فيه، والقول قول الزّوج فيه، لأنّ الخلاف في ذلك ينبني على الخلاف في وقت الطّلاق. وإن ادّعت انقضاء عدّتها بوضع الحمل لتمامه فلا يقبل قولها في أقلّ من ستّة أشهر من حين إمكان الوطء بعد العقد.
67 - ذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى ثبوت نسب الولد في العدّة، ما دام قد ولد في نطاق الحدّ الأقصى لمدّة الحمل من وقت الطّلاق أو الموت، فيثبت نسبه ولا ينتفي عنه إلاّ باللّعان - سواء أقرّت المعتدّة بانقضاء عدّتها أو لم تقرّ خلافاً للحنفيّة فإنّهم يفرّقون في ثبوت النّسب بين المعتدّة الّتي أقرّت بانقضاء عدّتها أو لم تقرّ، وبين البائن والرّجعيّة والمتوفّى عنها. (ر: مصطلح نسب). فإذا أقرّت بانقضاء العدّة، ثمّ جاءت بولد لأقلّ من ستّة أشهر ثبت نسبه اتّفاقاً، لأنّه ظهر عكسه بيقين، فصارت كأنّها لم تقرّ به. وإن جاءت به لستّة أشهر فأكثر لا يثبت نسبه عند الحنفيّة، والحنابلة، لأنّه لم يظهر عكسه، فيكون من حمل حادث بعده كما يقول الحنفيّة ولأنّها أتت به بعد الحكم بقضاء عدّتها وحلّ النّكاح لها بمدّة الحمل، فلم يلحق به كما لو أتت به بعد انقضاء عدّتها بوضع حملها لمدّة الحمل، كما يعلّله الحنابلة. وقال المالكيّة والشّافعيّة يثبت نسبه ما لم تتزوّج أو يبلغ أربع سنين، لأنّه ولد يمكن كونه منه في هذه المدّة، وهي أقصى مدّة الحمل، وليس معه من هو أولى منه.
68 - المعتدّة إذا وجبت نفقتها على زوجها مدّة العدّة فلا يجوز إعطاؤها من الزّكاة وفي حالة عدم وجوبها عليه في العدّة أو بعدها فإنّه يجوز إعطاؤها من الزّكاة لعدم وجوب النّفقة عليه. (ر: نفقة، زكاة).
ر: مِثْليّات.
الموسوعة الفقهية / نهاية الجزء التاسع والعشرون
|