الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
صلاة الخوف ثابتة بالكتاب والسنة أما الكتاب فقول الله تعالى: قال: [وصلاة الخوف إذا كان بإزاء العدو وهو في سفر صلى بطائفة ركعة, وأتمت لأنفسها أخرى بالحمد لله وسورة ثم ذهبت تحرس وجاءت الطائفة الأخرى التي بإزاء العدو, فصلت معه ركعة وأتمت لأنفسها أخرى بالحمد لله وسورة ويطيل التشهد حتى يتموا التشهد ويسلم بهم] وجملة ذلك أن الخوف لا يؤثر في عدد الركعات في حق الإمام والمأموم جميعا, فإذا كان في سفر يبيح القصر صلى بهم ركعتين بكل طائفة ركعة, وتتم لأنفسها أخرى على الصفة المذكورة وإنما يجوز ذلك بشرائط: منها أن يكون العدو مباح القتال وأن لا يؤمن هجومه قال القاضي: ومن شرطها كون العدو في غير جهة القبلة ونص أحمد على خلاف ذلك, في رواية الأثرم فإنه قال: قلت له حديث سهل, نستعمله مستقبلين القبلة كانوا أو مستدبرين؟ قال: نعم هو أنكى ولأن العدو قد يكون في جهة القبلة على وجه لا يمكن أن يصلي بهم صلاة عسفان لانتشارهم أو استتارهم, أو الخوف من كمين فالمنع من هذه الصلاة يفضي إلى تفويتها قال أبو الخطاب: ومن شرطها أن يكون في المصلين كثرة يمكن تفريقهم طائفتين كل طائفة ثلاثة فأكثر وقال القاضي: إن كانت كل فرقة أقل من ثلاثة كرهناه, لأن أحمد ذهب إلى ظاهر فعل النبي - صلى الله عليه وسلم- ووجه قولهما أن الله تعالى ذكر الطائفة بلفظ الجمع لقوله تعالى: ولنا ما روى (صالح بن خوات, عمن صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم- يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو, فصلى بالتى معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم, ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته, ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم) رواه مسلم وروى سهل بن أبي حثمة مثل ذلك, والعمل بهذا أولى لأنه أشبه بكتاب الله تعالى وأحوط للصلاة والحرب أما موافقة الكتاب فإن قول الله تعالى: وإن صلى بهم كمذهب أبي حنيفة جاز نص عليه أحمد ولكن يكون تاركا للأولى والأحسن وبهذا قال ابن جرير, وبعض أصحاب الشافعي. ولا تجب التسوية بين الطائفتين لأنه لم يرد بذلك نص ولا قياس ويجب أن تكون الطائفة التي بإزاء العدو ممن تحصل الثقة بكفايتها وحراستها ومتى خشى اختلال حالهم واحتيج إلى معونتهم بالطائفة الأخرى فللإمام أن ينهد إليهم بمن معه, ويبنوا على ما مضى من صلاتهم. فإن صلوا الجمعة صلاة الخوف جاز إذا كانت كل طائفة أربعين فإن قيل: فالعدد شرط في الجمعة كلها ومتى ذهبت الطائفة الأولى بقي الإمام منفردا, فتبطل كما لو نقص العدد فالجواب: أن هذا جاز لأجل العذر ولأنه يترقب مجيء الطائفة الأخرى بخلاف الانفضاض ولا يجوز أن يخطب بإحدى الطائفتين, ويصلى بالأخرى حتى يصلي معه من حضر الخطبة وبهذا قال الشافعي. والطائفة الأولى في حكم الائتمام قبل مفارقة الإمام فإن سها لحقهم حكم سهوه فيما قبل مفارقته, وإن سهوا لم يلزمهم حكم سهوهم لأنهم مأمومون وأما بعد مفارقته: فإن سها لم يلزمهم حكم سهوه فإن سهوا لحقهم حكم سهوهم لأنهم منفردون وأما الطائفة الثانية, فيلحقها حكم سهو إمامها في جميع صلاته ما أدركت منها وما فاتها كالمسبوق يلحقه حكم سهو إمامه فيما لم يدركه ولا يلحقها حكم سهوها في شيء من صلاتها لأنها إن فارقته فعلا لقضاء ما فاتها, فهي في حكم المؤتم به لأنهم يسلمون بسلامه فإذا فرغت من قضاء ما فاتها, سجد وسجدت معه فإن سجد الإمام قبل إتمامها سجدت لأنها مؤتمة به فيلزمها متابعته, ولا تعيد السجود بعد فراغها من التشهد لأنها لم تنفرد عن الإمام فلا يلزمها من السجود أكثر مما يلزمه, بخلاف المسبوق وقال القاضي: ينبنى هذا على الروايتين في المسبوق إذا سجد مع إمامه ثم قضى ما عليه وقد ذكرنا الفرق بينهما. قال: [وإن خاف وهو مقيم صلى بكل طائفة ركعتين, وأتمت الطائفة الأولى بالحمد لله في كل ركعة والطائفة الأخرى تتم بالحمد لله وسورة] وجملة ذلك أن صلاة الخوف جائزة في الحضر إذا احتيج إلى ذلك بنزول العدو قريبا من البلد وبه قال الأوزاعي, والشافعي وحكي عن مالك أنها لا تجوز في الحضر لأن الآية إنما دلت على صلاة ركعتين وصلاة الحضر أربعا ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يفعلها في الحضر وخالفه أصحابه, فقالوا كقولنا ولنا قول الله تعالى: فصل واختلفت الرواية فيما يقضيه المسبوق, فروى أنه أول صلاته وما يدركه مع الإمام آخرها وهذا ظاهر المذهب وكذلك قال ابن عمر ومجاهد, وابن سيرين ومالك والثوري, وحكي عن الشافعي وأبي حنيفة وأبي يوسف, والحسن بن حى وروي عن أحمد أن ما يقضيه آخر صلاته وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وعمر بن عبد العزيز, ومكحول وعطاء والزهري, والأوزاعي وإسحاق والمزني, وأبو ثور وهو قول الشافعي ورواية عن مالك لقول النبي: (وما فاتكم فأتموا) متفق عليه ولأنه آخر صلاته حقيقة فكان آخرها حكما, كغير المسبوق ولأنه يتشهد في آخر ما يقضيه ويسلم ولو كان أول صلاته لما تشهد وكان يكفيه تشهده مع الإمام وللرواية الأولى قوله: (وما فاتكم فاقضوا) وهو صحيح, ولأنه يسمى قضاء والقضاء للفائت والفائت أول الصلاة, ومعنى قوله: " فأتموا " أي اقضوا لأن القضاء إتمام ولذلك سماه فائتا والفائت أول الصلاة, ولأنه يقرأ فيما يقضيه الفاتحة وسورة فكان أول الصلاة كغير المسبوق ولا أعلم خلافا بين الأئمة الأربعة في قراءة الفاتحة وسورة قال ابن عبد البر: كل هؤلاء القائلين بالقولين جميعا يقولون: يقضى ما فاته بالحمد لله وسورة, على حسب ما قرأ إمامه إلا إسحاق والمزني وداود قالوا: يقرأ بالحمد وحدها وعلى قول من قال: إنه يقرأ في القضاء بالفاتحة وسورة, لا تظهر فائدة الخلاف إلا أن يكون في الاستفتاح والاستعاذة حال مفارقة الإمام وفي موضع الجلسة للتشهد الأول, في حق من أدرك ركعة من المغرب والرباعية والله أعلم.
فصل واختلفت الرواية في موضع الجلسة والتشهد الأول في حق من أدرك ركعة من المغرب أو الرباعية إذا قضى, فروى عن أحمد أنه إذا قام استفتح وصلى ركعتين متواليتين يقرأ في كل واحدة بالحمد لله وسورة نص عليه في رواية حرب, وفعل ذلك جندب وذلك لأنهما أول صلاته فلم يتشهد بينهما كغير المسبوق ولأن القضاء على صفة الأداء, والأداء لا جلوس فيه ولأنهما ركعتان يقرأ في كل واحدة منهما بالحمد لله وسورة فلم يجلس بينهما كالمؤداتين والرواية الثانية أنه يقوم فيأتى بركعة, يقرأ فيها بالحمد لله وسورة ثم يجلس ثم يقوم فيأتى بأخرى بالحمد لله وسورة, في المغرب أو بركعتين متواليتين في الرباعية يقرأ في أولاها بالحمد لله وسورة, وفي الثانية بالحمد وحدها نقلها صالح وأبو داود والأثرم وفعل ذلك مسروق وقال عبد الله بن مسعود: كما فعل مسروق يفعل وهو قول سعيد بن المسيب, فإنه روى عنه أنه قال للزهرى: ما صلاة يجلس في كل ركعة منها؟ قال سعيد: هي المغرب إذا أدركت منها ركعة ولأن الثالثة آخر صلاته فعلا فيجب أن يجلس قبلها كغير المسبوق وقد روى الأثرم, بإسناده عن إبراهيم قال: جاء جندب ومسروق إلى المسجد وقد صلوا ركعتين من المغرب فدخلا في الصف فقرأ جندب في الركعة التي أدرك مع الإمام, ولم يقرأ مسروق فلما سلم الإمام قاما في الركعة الثانية فقرأ جندب وقرأ مسروق, وجلس مسروق في الركعة الثانية وقام جندب وقرأ مسروق في الركعة الثالثة ولم يقرأ جندب فلما قضيا الصلاة أتيا عبد الله فسألاه عن ذلك وقصا عليه القصة, فقال عبد الله: كما فعل مسروق يفعل وقال عبد الله: إذا أدركت ركعة من المغرب فاجلس فيهن كلهن وأيا ما فعل من ذلك جاز -إن شاء الله تعالى- ولذلك لم ينكر عبد الله على جندب فعله ولا أمره بإعادة صلاته.
فصل إذا فرقهم في الرباعية فرقتين, فصلى بالأولى ثلاث ركعات وبالثانية ركعة أو بالأولى ركعة وبالثانية ثلاثا, صحت الصلاة لأنه لم يزد على انتظارين ورد الشرع بمثلهما وبهذا قال الشافعي إلا أنه قال: يسجد للسهو ولا حاجة إليه لأن السجود للسهو ولا سهو ها هنا, ولو قدر أنه فعله ساهيا لم يحتج إلى سجود لأنه مما لا يبطل عمده الصلاة فلا يسجد لسهوه كما لو رفع يديه في غير موضع الرفع وترك رفعهما في موضعه فأما إن فرقهم أربع فرق, فصلى في كل طائفة ركعة أو ثلاث فرق فصلى بإحداهن ركعتين وبالباقين ركعة ركعة صحت صلاة الأولى والثانية, لأنهما ائتما بمن صلاته صحيحة ولم يوجد منهما ما يبطل صلاتهما وتبطل صلاة الإمام بالانتظار الثالث لأنه لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم- فزاد انتظارا لم يرد الشرع به, فتبطل صلاته به كما لو فعله من غير خوف ولا فرق بين أن تكون به حاجة إلى ذلك أو لم يكن لأن الرخص إنما يصار فيها إلى ما ورد الشرع به ولا تصح صلاة الثالثة والرابعة لائتمامها بمن صلاته باطلة, فأشبه ما لو كانت صلاته باطلة من أولها فإن لم يعلما ببطلان صلاة الإمام فقال ابن حامد: لا تبطل صلاتهما لأن ذلك مما يخفى فلم تبطل صلاة المأموم, كما لو ائتم بمحدث وينبغى على هذا أن يخفى على الإمام والمأموم كما اعتبرنا في صحة صلاة من ائتم بمحدث - خفاءه على الإمام والمأموم ويحتمل أن لا تصح صلاتهما لأن الإمام والمأموم يعلمان وجود المبطل وإنما خفي عليهم حكمه, فلم يمنع ذلك البطلان كما لو علم الإمام والمأموم حدث الإمام ولم يعلما كونه مبطلا وقال بعض أصحاب الشافعي كقول ابن حامد وقال بعضهم: تصح صلاة الإمام والمأمومين جميعا لأن الحاجة تدعو إلى ذلك, فأشبه ما لو فرقهم فرقتين وقال بعضهم: المنصوص أن صلاتهم تبطل بالانتظار الأول لأنه زاد على انتظار رسول الله - صلى الله عليه وسلم- زيادة لم يرد الشرع بها ولنا على الأول أن الرخص إنما تتلقى من الشرع ولم يرد الشرع بهذا وعلى الثاني, أن طول الانتظار لا عبرة به كما لو أبطأت الثانية فيما إذا فرقهم فرقتين.
مسألة قال: [وإن كانت الصلاة مغربا صلى بالطائفة الأولى ركعتين وأتمت لأنفسها ركعة تقرأ فيها بالحمد لله, ويصلى بالطائفة الأخرى ركعة وأتمت لأنفسها ركعتين تقرأ فيهما بالحمد لله وسورة] وبهذا قال مالك, والأوزاعي وسفيان والشافعي في أحد قوليه وقال في آخر: يصلي بالأولى ركعة, والثانية ركعتين لأنه روى عن على رضي الله عنه أنه صلى ليلة الهدير هكذا ولأن الأولى أدركت معه فضيلة الإحرام والتقدم, فينبغي أن تزيد الثانية في الركعات ليجبر نقصهم وتساوى الأولى ولنا أنه إذا لم يكن بد من التفضيل, فالأولى أحق به ولأنه يجبر ما فات الثانية بإدراكها السلام مع الإمام ولأنها تصلي جميع صلاتها في حكم الائتمام, والأولى تفعل بعض صلاتها في حكم الانفراد وأيا ما فعل فهو جائز على ما قدمنا وهل تفارقه الطائفة الأولى في التشهد أو حين يقوم إلى الثالثة؟ على وجهين وإذا صلى بالثانية الركعة الثالثة, وجلس للتشهد فإن الطائفة تقوم ولا تتشهد معه ذكره القاضي لأنه ليس بموضع لتشهدها بخلاف الرباعية ويحتمل أن تتشهد معه, لأنها تقضى ركعتين متواليتين على إحدى الروايتين فيفضى إلى أن تصلي ثلاث ركعات بتشهد واحد, ولا نظير لهذا في الصلوات فعلى هذا الاحتمال تتشهد معه التشهد الأول ثم تقوم, كالصلاة الرباعية سواء.
فصل ويستحب أن يحمل السلاح في صلاة الخوف لقول الله تعالى: ويجوز أن يصلي صلاة الخوف على كل صفة صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال أحمد: كل حديث يروى في أبواب صلاة الخوف فالعمل به جائز وقال: ستة أوجه أو سبعة يروى فيها كلها جائز وقال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: تقول بالأحاديث كلها كل حديث في موضعه أو تختار واحدا منها قال: أنا أقول من ذهب إليها كلها فحسن, وأما حديث سهل فأنا أختاره إذا تقرر هذا فنذكر الوجوه التي بلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى عليها وقد ذكرنا منها وجهين أحدهما ما ذكره الخرقي, وهو حديث سهل والثاني حديث ابن عمر وهو الذي ذهب إليه أبو حنيفة والثالث صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم- بعسفان, وهو ما روى أبو عياش الزرقى قال (كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم- بعسفان وعلى المشركين خالد بن الوليد فصلينا الظهر فقال المشركون: لقد أصبنا غرة لو حملنا عليهم في الصلاة فنزلت آية القصر بين الظهر والعصر فلما حضرت العصر قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مستقبل القبلة والمشركون أمامه فصف خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم- صف, وصف خلف ذلك الصف صف آخر فركع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وركعوا جميعا ثم سجد وسجد الصف الذي يليه, وقام الآخرون يحرسونهم فلما صلى بهؤلاء السجدتين وقاموا سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم, ثم تأخر الصف الذي يليه إلى مقام الآخرين وتقدم الصف الآخر إلى مقام الصف الأول ثم ركع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وركعوا جميعا, ثم سجد وسجد الصف الذي يليه وقام الآخرون يحرسونهم فلما جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم- والصف الذي يليه سجد الآخرون, ثم جلسوا جميعا فسلم عليهم فصلاها بعسفان, وصلاها يوم بنى سليم) رواه أبو داود وروى جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم- نحو هذا المعنى أخرجه مسلم وروي عن حذيفة أنه أمر سعيد بن العاص بطبرستان حين سألهم: أيكم شهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا وأمره بنحو هذه الصلاة وقال: وتأمر أصحابك إن هاجهم هيج فقد حل لهم القتال والكلام رواه الأثرم بإسناده وإن حرس الصف الأول في الأولى, والثاني في الثانية أو لم يتقدم الثاني إلى مقام الأول أو حرس بعض الصف وسجد الباقون, جاز ذلك كله لأن المقصود يحصل لكن الأولى فعل مثلما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم- ومن شرط هذه الصلاة أن يكون العدو في جهة القبلة لأنه لا يمكن حراستهم في الصلاة إلا كذلك وأن يكونوا بحيث لا يخفى بعضهم على بعض, ولا يخاف كمين لهم. الوجه الرابع أن يصلي بكل طائفة صلاة منفردة ويسلم بها, كما روى أبو بكرة: قال (صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في خوف الظهر فصف بعضهم خلفه وبعضهم بإزاء العدو, فصلى ركعتين ثم سلم فانطلق الذين صلوا فوقفوا موقف أصحابهم, ثم جاء أولئك فصلوا خلفه فصلى بهم ركعتين ثم سلم فكان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- أربع, ولأصحابه ركعتان) أخرجه أبو داود والأثرم وهذه صفة حسنة قليلة الكلفة, لا يحتاج فيها إلى مفارقة الإمام ولا إلى تعريف كيفية الصلاة وهذا مذهب الحسن وليس فيها أكثر من أن الإمام في الثانية متنفل يؤم مفترضين. الوجه الخامس أن يصلي بالطائفة الأولى ركعتين, ولا يسلم ثم تسلم الطائفة وتنصرف ولا تقضى شيئا وتأتى الطائفة الأخرى, فيصلى بها ركعتين ويسلم بها ولا تقضى شيئا وهذا مثل الوجه الذي قبله, إلا أنه لا يسلم في الركعتين الأوليين لما روى جابر قال: (أقبلنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم- حتى إذا كنا بذات الرقاع فذكر الحديث قال: فنودى بالصلاة فصلى بطائفة ركعتين, ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين قال: وكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- أربع ركعات وللقوم ركعتين ركعتين) متفق عليه وتأول القاضي هذا على أن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى بهم كصلاة الحضر, وأن كل طائفة قضت ركعتين وهذا ظاهر الفساد جدا لأنه يخالف صفة الرواية وقول أحمد ويحمله على محمل فاسد أما الرواية فإنه ذكر أنه صلى بكل طائفة ركعتين, ولم يذكر قضاء ثم قال في آخرها: وللقوم ركعتين ركعتين وأما قول أحمد فإنه قال: ستة أوجه أو سبعة, يروى فيها كلها جائز وعلى هذا التأويل لا تكون ستة ولا خمسة ولأنه قال: كل حديث يروى في أبواب صلاة الخوف فهو جائز وهذا مخالف لهذا التأويل وأما فساد المحمل فإن الخوف يقتضي تخفيف الصلاة وقصرها, كما قال الله تعالى: الوجه السادس أن يصلي بكل طائفة ركعة ولا تقضى شيئا لما روى ابن عباس, قال: (صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بذى قرد صلاة الخوف والمشركون بينه وبين القبلة فصف صفا خلفه, وصفا موازى العدو فصلى بهم ركعة ثم ذهب هؤلاء إلى مصاف هؤلاء, ورجع هؤلاء إلى مصاف هؤلاء فصلى بهم ركعة ثم سلم عليهم, فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- ركعتان وكانت لهم ركعة ركعة) رواه الأثرم وعن حذيفة (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى صلاة الخوف بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة, ولم يقضوا شيئا) رواه أبو داود وروى مثله عن زيد بن ثابت وأبي هريرة رواهن الأثرم وكذلك قال أبو داود في " السنن " وهو مذهب ابن عباس, وجابر قال: إنما القصر ركعة عند القتال وقال طاوس ومجاهد والحسن وقتادة, والحكم كذا يقولون: ركعة في شدة الخوف يومئ إيماء وقال إسحاق: يجزئك عند الشدة ركعة تومئ إيماء, فإن لم يقدر فسجدة واحدة فإن لم يقدر فتكبيرة لأنها ذكر لله تعالى وعن الضحاك, أنه قال: ركعة فإن لم يقدر كبر تكبيرة حيث كان وجهه فهذه الصلاة يقتضي عموم كلام أحمد جوازها لأنه ذكر ستة أوجه ولا أعلم وجها سادسا سواها, وأصحابنا ينكرون ذلك قال القاضي: لا تأثير للخوف في عدد الركعات وهذا قول أكثر أهل العلم منهم ابن عمر والنخعي والثوري, ومالك والشافعي وأبو حنيفة, وأصحابه وسائر أهل العلم من علماء الأمصار لا يجيزون ركعة والذي قال منهم ركعة, إنما جعلها عند شدة القتال والذين روينا عنهم صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم- أكثرهم لم ينقصوا عن ركعتين وابن عباس لم يكن ممن يحضر النبي - صلى الله عليه وسلم- في غزواته ولا يعلم ذلك إلا بالرواية عن غيره, فالأخذ برواية من حضر الصلاة وصلاها مع النبي - صلى الله عليه وسلم- أولى. ومتى صلى بهم صلاة الخوف من غير خوف فصلاته وصلاتهم فاسدة لأنها لا تخلو من مفارق إمامه لغير عذر, وتارك متابعة إمامه في ثلاثة أركان أو قاصر للصلاة مع إتمام إمامه وكل ذلك يفسد الصلاة, إلا مفارقة الإمام لغير عذر على اختلاف فيه وإذا فسدت صلاتهم فسدت صلاة الإمام لأنه صلى إماما بمن صلاته فاسدة, إلا أن يصلي بهم صلاتين كاملتين فإنه تصح صلاته وصلاة الطائفة الأولى وصلاة الثانية تبنى على ائتمام المفترض بالمتنفل, وقد نصرنا جوازه. قال: [وإذا كان الخوف شديدا وهم في حال المسايفة صلوا رجالا وركبانا, إلى القبلة وإلى غيرها يومئون إيماء يبتدئون تكبيرة الإحرام إلى القبلة إن قدروا, أو إلى غيرها] أما إذا اشتد الخوف والتحم القتال فلهم أن يصلوا كيفما أمكنهم رجالا وركبانا, إلى القبلة إن أمكنهم وإلى غيرها إن لم يمكنهم يومئون بالركوع والسجود على قدر الطاقة, ويجعلون السجود أخفض من الركوع ويتقدمون ويتأخرون ويضربون ويطعنون, ويكرون ويفرون ولا يؤخرون الصلاة عن وقتها وهذا قول أكثر أهل العلم وقال أبو حنيفة وابن أبي ليلى: لا يصلي مع المسايفة, ولا مع المشى لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يصل يوم الخندق وأخر الصلاة ولأن ما منع الصلاة في غير شدة الخوف منعها معه, كالحدث والصياح وقال الشافعي: يصلي ولكن إن تابع الطعن أو الضرب, أو المشى أو فعل ما يطول بطلت صلاته لأن ذلك من مبطلات الصلاة, أشبه الحدث ولنا قول الله تعالى: فصل والعاصى بهربه كالذي يهرب من حق توجه عليه, وقاطع الطريق واللص والسارق, ليس له أن يصلي صلاة الخوف لأنها رخصة ثبتت للدفع عن نفسه في محل مباح فلا تثبت بالمعصية كرخص السفر.
فصل قال أصحابنا: يجوز أن يصلوا في حال شدة الخوف جماعة, رجالا وركبانا ويحتمل أن لا يجوز ذلك وهو قول أبي حنيفة لأنهم يحتاجون إلى التقدم والتأخر وربما تقدموا الإمام, وتعذر عليهم الائتمام واحتج أصحابنا بأنها حالة يجوز فيها الصلاة على الانفراد فجاز فيها صلاة الجماعة كركوب السفينة, ويعفى عن تقدم الإمام للحاجة إليه كالعفو عن العمل الكثير ولمن نصر الأول أن يقول: العفو عن ذلك لا يثبت إلا بنص أو معنى نص ولم يوجد واحد منهما, وليس هذا في معنى العمل الكثير لأن العمل الكثير لا يختص الإمامة بل هو في حال الانفراد كحال الائتمام, فلا يؤثر الانفراد في نفسه بخلاف تقدم الإمام.
فصل وإذا صلوا صلاة الخوف ظنا منهم أن ثم عدوا فبان أنه لا عدو, أو بان عدو لكن بينهم وبينه ما يمنع عبوره إليهم فعليهم الإعادة سواء صلوا صلاة شدة الخوف أو غيرها, وسواء كان ظنهم مستندا إلى خبر ثقة أو غيره أو رؤية سواد أو نحوه لأنهم تركوا بعض واجبات الصلاة ظنا منهم سقوطها, فلزمتهم الإعادة كما لو ترك المتوضئ غسل رجليه ومسح على خفيه, ظنا منه أن ذلك يجزئ عنه وصلى ثم تبين أن خفه كان مخرقا وكما لو ظن المحدث أنه متطهر فصلى ويحتمل أن لا تلزم الإعادة إذا كان عدوا بينهم وبينه ما يمنع العبور لأن السبب للخوف متحقق, وإنما خفي المانع.
مسألة قال: [ومن أمن وهو في الصلاة أتمها صلاة آمن وكذلك إن كان آمنا فاشتد خوفه أتمها صلاة خائف] وجملته أنه إذا صلى بعض الصلاة حال شدة الخوف مع الإخلال بشيء من واجباتها, كالاستقبال وغيره فأمن في أثناء الصلاة أتمها آتيا بواجباتها, فإذا كان راكبا إلى غير القبلة نزل مستقبل القبلة وإن كان ماشيا, وقف واستقبل القبلة وبنى على ما مضى لأن ما مضى كان صحيحا قبل الأمن فجاز البناء عليه, كما لو لم يخل بشيء من الواجبات وإن ترك الاستقبال حال نزوله أو أخل بشيء من واجباتها بعد أمنه فسدت صلاته وإن ابتدأ الصلاة آمنا بشروطها وواجباتها, ثم حدث شدة خوف أتمها على حسب ما يحتاج إليه, مثل أن يكون قائما على الأرض مستقبلا فيحتاج أن يركب ويستدبر القبلة أتمها على حسب ما يحتاج إليه, ويطعن ويضرب ونحو ذلك فإنه يصير إليه ويبنى على ما مضى من صلاته وحكي عن الشافعي أنه إذا أمن نزل فبنى, وإذا خاف فركب ابتدأ لأن الركوب عمل كثير ولا يصح لأن الركوب قد يكون يسيرا فمثله في حق الآمن لا يبطل ففي حق الخائف أولى كالنزول, ولأنه عمل أبيح للحاجة فلم يمنع صحة الصلاة كالهرب.
|