الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
قال: [وليس على المأموم سجود سهو إلا أن يسهو إمامه فيسجد معه] وجملته أن المأموم إذا سها دون إمامه, فلا سجود عليه في قول عامة أهل العلم وحكي عن مكحول أنه قام عن قعود إمامه فسجد ولنا أن معاوية بن الحكم تكلم خلف النبي - صلى الله عليه وسلم- فلم يأمره بسجود وروى الدارقطني في سننه عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (ليس على من خلف الإمام سهو فإن سها إمامه فعليه وعلى من خلفه) ولأن المأموم تابع للإمام وحكمه حكمه إذا سها وكذلك إذا لم يسه وإذا سها الإمام, فعلى المأموم متابعته في السجود سواء سها معه أو انفرد الإمام بالسهو وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك وذكر إسحاق أنه إجماع أهل العلم سواء كان السجود قبل السلام, أو بعده لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا سجد فاسجدوا) ولحديث ابن عمر الذي رويناه وإذا كان المأموم مسبوقا فسها الإمام فيما لم يدركه فيه, فعليه متابعته في السجود سواء كان قبل السلام أو بعده روى هذا عن عطاء والحسن والنخعي, والشعبي وأبي ثور وأصحاب الرأي وقال ابن سيرين وإسحاق: يقضى ثم يسجد وقال مالك, والأوزاعي والليث والشافعي في السجود قبل السلام, كقولنا وبعده كقول ابن سيرين وروى ذلك عن أحمد ذكره أبو بكر في زاد المسافر لأنه فعل خارج من الصلاة, فلم يتبع الإمام فيه كصلاة أخرى ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم- (فإذا سجد فاسجدوا) وقوله في حديث ابن عمر (فإن سها إمامه فعليه وعلى من خلفه) ولأن السجود من تمام الصلاة فيتابعه فيه كالذي قبل السلام, وكغير المسبوق وفارق صلاة أخرى فإنه, غير مؤتم به فيها إذا ثبت هذا فمتى قضى ففي إعادة السجود روايتان: إحداهما يعيده لأنه قد لزمه حكم السهو وما فعله من السجود مع الإمام كان متابعا له, فلا يسقط به ما لزمه كالتشهد الأخير والثانية لا يلزمه السجود لأن سجود إمامه قد كملت به الصلاة في حقه, وحصل به الجبران فلم يحتج إلى سجود ثان كالمأموم إذا سها وحده وللشافعي قولان كالروايتين فإن نسي الإمام السجود, سجد المسبوق في آخر صلاته رواية واحدة لأنه لم يوجد من الإمام ما يكمل به صلاة المأموم وإذا سها المأموم فيما تفرد فيه بالقضاء سجد, رواية واحدة لأنه قد صار منفردا فلم يتحمل عنه الإمام وهكذا لو سها فسلم مع إمامه, قام فأتم صلاته ثم سجد بعد السلام كالمنفرد, سواء. فأما غير المسبوق إذا سها إمامه فلم يسجد فهل يسجد المأموم؟ فيه روايتان: إحداهما يسجد, وهو قول ابن سيرين والحكم وحماد وقتادة ومالك, والليث والشافعي وأبي ثور قال ابن عقيل: وهي أصح لأن صلاة المأموم نقصت بسهو الإمام, ولم تنجبر بسجوده فيلزم المأموم جبرها والثانية: لا يسجد روى ذلك عن عطاء والحسن, والنخعي والقاسم وحماد بن أبي سليمان والثوري, وأصحاب الرأي لأن المأموم إنما يسجد تبعا فإذا لم يسجد الإمام لم يوجد المقتضى لسجود المأموم وهذا إذا تركه الإمام لعذر فإن تركه قبل السلام عمدا, وكان الإمام ممن لا يرى أن السجود واجب فهو كتاركه سهوا وإن كان يعتقد وجوبه بطلت صلاته وهل تبطل صلاة المأموم؟ فيه وجهان: أحدهما: تبطل لأنه ترك واجبا في الصلاة عمدا فبطلت صلاة المأموم, كترك التشهد الأول والثاني: لا تبطل لأنه لم يبق من الصلاة إلا السلام. إذا قام المأموم لقضاء ما فاته فسجد إمامه بعد السلام فحكمه حكم القائم عن التشهد الأول إن سجد إمامه قبل انتصابه قائما لزمه الرجوع, وإن انتصب قائما ولم يشرع في القراءة لم يرجع وإن رجع جاز وإن شرع في القراءة لم يكن له الرجوع نص عليه أحمد قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله: رجل أدرك بعض الصلاة, فلما قام ليقضى إذا على الإمام سجود سهو؟ فقال: إن كان عمل في قيامه وابتدأ في القراءة, مضى ثم سجد قلت: فإن لم يستتم قائما؟ قال: يرجع ما لم يعمل قيل له: قد استتم قائما؟ فقال: إذا استتم قائما وأخذ في عمل القضاء, سجد بعدما يقضى وذلك لأنه قام عن واجب إلى ركن أشبه القيام عن التشهد الأول وذكر ابن عقيل أن فيه روايات ثلاثا وهذا أولى وهو منصوص عليه بما قد رويناه. وليس على المسبوق ببعض الصلاة سجود لذلك في قول أكثر أهل العلم ويروى عن ابن عمر وابن الزبير, وأبي سعيد وعطاء وطاوس, ومجاهد وإسحاق في من أدرك وترا من صلاة إمامه سجد للسهو لأنه يجلس للتشهد في غير موضع التشهد ولنا: قول النبي - صلى الله عليه وسلم- (وما فاتكم فأتموا) وفي رواية (فاقضوا) ولم يأمر بسجود ولا نقل ذلك, وقد فات النبي - صلى الله عليه وسلم- بعض الصلاة مع عبد الرحمن بن عوف فقضاها ولم يكن لذلك سجود والحديث متفق عليه وقد جلس في غير موضع تشهده ولأن السجود يشرع للسهو ها هنا ولأن متابعة الإمام واجبة, فلم يسجد لفعلها كسائر الواجبات. ولا يشرع السجود لشيء فعله أو تركه عامدا وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي: يسجد لترك التشهد والقنوت عمدا لأن ما تعلق الجبر بسهوه تعلق بعمده كجبرانات الحج ولنا أن السجود يضاف إلى السهو, فيدل على اختصاصه به والشرع إنما ورد به في السهو فقال (إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) ولا يلزم من انجبار السهو به انجبار العمد لأنه معذور في السهو غير معذور في العمد, وما ذكروه يبطل بزيادة ركن أو ركعة أو قيام في موضع جلوس أو جلوس في موضع قيام, ولا يشرع لحديث النفس لأن الشرع لم يرد به فيه ولأن هذا لا يمكن التحرز منه ولا تكاد صلاة تخلو منه, ولأنه معفو عنه. وحكم النافلة حكم الفرض في سجود السهو في قول عامة أهل العلم لا نعلم فيه مخالفا, إلا أن ابن سيرين قال: لا يشرع في النافلة وهذا يخالف عموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) وقال (إذا نسي أحدكم فزاد أو نقص فليسجد سجدتين) ولم يفرق ولأنها صلاة ذات ركوع وسجود فيسجد لسهوها كالفريضة ولو قام في صلاة الليل فحكمه حكم القيام إلى ثالثة في الفجر, نص عليه أحمد وقال مالك يتمها أربعا ويسجد للسهو ليلا كان أو نهارا وقال الشافعي بالعراق كقوله وقال الأوزاعي في صلاة النهار كقوله, وفي صلاة الليل: إن ذكر قبل ركوعه في الثالثة جلس وسجد للسهو وإن ذكر بعد ركوعه أتمها أربعا ولنا: قول النبي - صلى الله عليه وسلم- (صلاة الليل مثنى) ولأنها صلاة شرعت ركعتين فكان حكمها ما ذكرنا في صلاة الفجر, فأما صلاة النهار فيتمها أربعا. ولا يشرع السجود للسهو في صلاة جنازة لأنها لا سجود في صلبها ففي جبرها أولى ولا في سجود تلاوة لأنه لو شرع لكان الجبر زائدا على الأصل ولا في سجود سهو نص عليه أحمد وقال إسحاق هو إجماع لأن ذلك يفضي إلى التسلسل ولو سها بعد سجود السهو لم يسجد لذلك والله تعالى أعلم. قال: [ومن تكلم عامدا أو ساهيا بطلت صلاته] أما الكلام عمدا, وهو أن يتكلم عالما أنه في الصلاة مع علمه بتحريم ذلك لغير مصلحة الصلاة ولا لأمر يوجب الكلام, فتبطل الصلاة إجماعا قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من تكلم في صلاته عامدا وهو يريد صلاح صلاته أن صلاته فاسدة وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم- (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) رواه مسلم وعن زيد بن أرقم قال: (كنا نتكلم في الصلاة, يكلم أحدنا صاحبه وهو إلى جنبه حتى نزلت وكل كلام حكمنا بأنه لا يفسد الصلاة فإنما هو في اليسير منه فإن كثر وطال, أفسد الصلاة وهذا منصوص الشافعي وقال القاضي في المجرد كلام الناسى إذا طال يعيد رواية واحدة وقال في الجامع لا فرق بين القليل والكثير في ظاهر كلام أحمد لأن ما عفي عنه بالنسيان استوى قليله وكثيره كالأكل في الصيام وهذا قول بعض الشافعية ولنا: أن دلالة أحاديث المنع من الكلام عامة تركت في اليسير بما ورد فيه الأخبار فتبقى فيما عداه على مقتضى العموم, ولا يصح قياس الكثير على اليسير لأنه لا يمكن التحرز منه وقد عفي عنه في العمل من غير جنس الصلاة بخلاف الكثير. قال إلا الإمام خاصة فإنه إذا تكلم لمصلحة الصلاة لم تبطل صلاته ومن ذكر وهو في التشهد أنه قد ترك سجدة من ركعة فليأت بركعة بسجدتيها ويسجد للسهو وجملته أن من سلم عن نقص من صلاته يظن أنها قد تمت ثم تكلم ففيه ثلاث روايات: إحداهن أن الصلاة لا تفسد إذا كان الكلام في شأن الصلاة مثل الكلام في بيان الصلاة مثل كلام النبي - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في حديث ذى اليدين لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه تكلموا, ثم بنوا على صلاتهم ولنا في رسول الله أسوة حسنة والرواية الثانية: تفسد صلاتهم وهو قول الخلال وصاحبه ومذهب أصحاب الرأي لعموم أحاديث النهى والثالثة: أن صلاة الإمام لا تفسد - لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان إماما, فتكلم وبنى على صلاته - وصلاة المأمومين الذين تكلموا تفسد فإنه لا يصح اقتداؤهم بأبى بكر وعمر رضي الله عنهما لأنهما تكلما مجيبين للنبى - صلى الله عليه وسلم- وإجابته واجبة عليهما ولا بذى اليدين, لأنه تكلم سائلا عن نقص الصلاة في وقت يمكن ذلك فيها وليس بموجود في زماننا وهذه الرواية اختيار الخرقي واختص هذا بالكلام في شأن الصلاة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إنما تكلموا في شأنها, فاختصت إباحة الكلام بورود النص لأن الحاجة تدعو إلى ذلك دون غيره فيمتنع قياس غيره عليه فأما من تكلم في صلب الصلاة من غير سلام, ولا ظن التمام فإن صلاته تفسد إماما كان أو غيره لمصلحة الصلاة أو غيرها وذكر القاضي في ذلك الروايات الثلاث, ويحتمله كلام الخرقي لعموم لفظه وهو مذهب الأوزاعي فإنه قال: لو أن رجلا قال للإمام وقد جهر بالقراءة في العصر: إنها العصر لم تفسد صلاته ولأن الإمام قد تطرقه حال يحتاج إلى الكلام فيها, وهو ما لو نسي القراءة في ركعة فذكرها في الثانية فقد فسدت عليه ركعة فيحتاج أن يبدلها بركعة هي في ظن المأمومين خامسة ليس لهم موافقته فيها, ولا سبيل إلى إعلامهم بغير الكلام وقد شك في صلاته فيحتاج إلى السؤال فلذلك أبيح له الكلام ولم أعلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ولا عن صحابته ولا عن الإمام نصا في الكلام في غير الحال التي سلم فيها معتقدا تمام الصلاة, ثم تكلم بعد السلام وقياس الكلام في صلب الصلاة عالما بها على هذه الحال ممتنع لأن هذه حال نسيان غير ممكن التحرز من الكلام فيها, وهي أيضا حال يتطرق الجهل إلى صاحبها بتحريم الكلام فيها فلا يصح قياس ما يفارقها في هذين الأمرين عليها ولا نص فيها, وإذا عدم النص والقياس والإجماع امتنع ثبوت الحكم لأن إثباته يكون ابتداء حكم بغير دليل ولا سبيل إليه. والكلام المبطل ما انتظم حرفين هذا قول أصحابنا وأصحاب الشافعي لأن بالحرفين تكون كلمة كقوله: أب وأخ ودم وكذلك الأفعال والحروف, ولا تنتظم كلمة من أقل من حرفين ولو قال: لا فسدت صلاته لأنها حرفان لام وألف وإن ضحك فبان حرفان فسدت صلاته وكذلك وإن قهقه ولم يكن حرفان وبهذا قال جابر بن عبد الله وعطاء, ومجاهد والحسن وقتادة, والنخعي والأوزاعي والشافعي, وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا قال ابن المنذر: أجمعوا على أن الضحك يفسد الصلاة وأكثر أهل العلم على أن التبسم لا يفسدها, وقد روى جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال (القهقهة تنقض الصلاة ولا تنقض الوضوء) رواه الدارقطني في سننه. فأما النفخ في الصلاة فإن انتظم حرفين أفسد صلاته لأنه كلام وإلا فلا يفسدها وقد قال أحمد النفخ عندي بمنزلة الكلام وقال أيضا: قد فسدت صلاته لحديث ابن عباس " من نفخ في الصلاة فقد تكلم " وروي عن أبي هريرة أيضا وسعيد بن جبير وقال ابن المنذر: لا يثبت عن ابن عباس, ولا أبي هريرة رضي الله عنهما وروي عن أحمد أنه قال: أكرهه ولا أقول يقطع الصلاة ليس هو كلاما وروى ذلك عن ابن مسعود, وابن عباس وابن سيرين والنخعي, ويحيى بن أبي كثير وإسحاق قال القاضي: الموضع الذي قال أحمد يقطع الصلاة إذا انتظم حرفين لأنه جعله كلاما ولا يكون كلاما بأقل من حرفين والموضع الذي قال: لا يقطع الصلاة إذا لم ينتظم منه حرفان وقال أبو حنيفة إن سمع فهو بمنزلة الكلام وإلا فلا يضر والصحيح أنه لا يقطع الصلاة ما لم ينتظم منه حرفان لما روى عبد الله قال: (انكسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فذكر الحديث إلى أن قال: ثم نفخ في سجوده, فقال: أف أف) رواه أبو داود وأما قول أبي حنيفة فإن أراد ما لا يسمعه الإنسان من نفسه فليس ذلك بنفخ وإنما أراد ما لا يسمعه غيره فلا يصح لأن ما أبطل الصلاة إظهاره أبطلها إسراره, وما لا فلا كالكلام. فأما النحنحة فقال أصحابنا: إن بان منها حرفان, بطلت الصلاة بها كالنفخ ونقل المروذي قال: كنت آتى أبا عبد الله فيتنحنح في صلاته لأعلم أنه يصلي وقال مهنا: رأيت أبا عبد الله يتنحنح في الصلاة قال أصحابنا: هذا محمول على أنه لم ينتظم حرفين وظاهر حال أحمد أنه لم يعتبر ذلك لأن النحنحة لا تسمى كلاما وتدعو الحاجة إليها في الصلاة وقد روي عن على رضي الله عنه قال (كانت لي ساعة في السحر أدخل فيها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فإن كان في صلاة تنحنح, فكان ذلك إذنى وإن لم يكن في صلاة أذن لي) رواه الخلال بإسناده واختلفت الرواية عن أحمد في كراهة تنبيه المصلى بالنحنحة في صلاته فقال في موضع: لا تنحنح في الصلاة قال النبي - صلى الله عليه وسلم- (إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال, ولتصفق النساء) وروى عنه المروذي أنه كان يتنحنح ليعلمه أنه في صلاة وحديث على يدل عليه وهو خاص فيقدم على العام. فأما البكاء والتأوه والأنين الذي ينتظم منه حرفان فما كان مغلوبا عليه لم يؤثر على ما ذكرنا من قبل وما كان من غير غلبة فإن كان لغير خوف الله أفسد الصلاة وإن كان من خشية الله, فقال أبو عبد الله بن بطة في الرجل يتأوه في الصلاة: إن تأوه من النار فلا بأس وقال أبو الخطاب: إذا تأوه أو أن, أو بكى لخوف الله لم تبطل صلاته قال القاضي: التأوه ذكر مدح الله تعالى به إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقال: إذا أتى بذكر مشروع يقصد به تنبيه غيره فذلك ثلاثة أنواع: الأول مشروع في الصلاة مثل أن يسهو إمامه فيسبح به ليذكره أو يترك إمامه ذكرا فيرفع المأموم صوته ليذكره أو يستأذن عليه إنسان في الصلاة أو يكلمه أو ينوبه شيء فيسبح ليعلم أنه في صلاة, أو يخشى على إنسان الوقوع في شيء فيسبح به ليوقظه أو يخشى أن يتلف شيئا فيسبح به ليتركه فهذا لا يؤثر في الصلاة في قول أكثر أهل العلم منهم الأوزاعي, والشافعي وإسحاق وأبو ثور وحكي عن أبي حنيفة أن من أفهم غير إمامه بالتسبيح فسدت صلاته لأنه خطاب آدمي فيدخل في عموم أحاديث النهى عن الكلام ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم- (من نابه شيء في الصلاة فليقل: سبحان الله فإنه لا يسمعه أحد يقول سبحان الله إلا التفت وفي لفظ إذا نابكم أمر فليسبح الرجال ولتصفق النساء) متفق عليه وهو عام في كل أمر ينوب المصلى وفي " المسند " عن على (كنت إذا استأذنت على النبي - صلى الله عليه وسلم- إن كان في صلاة سبح وإن كان في غير صلاة أذن) ولأنه نبه بالتسبيح أشبه ما لو نبه الإمام, ولو كان تنبيه غير الإمام كلاما مبطلا لكان تنبيه الإمام كذلك. وفي معنى هذا النوع إذا فتح على الإمام إذا ارتج عليه أو رد عليه إذا غلط فلا بأس به في الفرض والنفل وروى ذلك عن عثمان, وعلى وابن عمر رضي الله عنهم وبه قال عطاء والحسن, وابن سيرين وابن معقل ونافع بن جبير بن مطعم, وأبو أسماء الرحبى وأبو عبد الرحمن السلمى وكرهه ابن مسعود وشريح والشعبي, والثوري وقال أبو حنيفة تبطل الصلاة به لما روى الحارث عن علي, قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- (لا يفتح على الإمام) ولنا: ما روى ابن عمر (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- صلى صلاة فقرأ فيها فلبس عليه, فلما انصرف قال لأبي أصليت معنا؟ قال: نعم قال: فما منعك؟) رواه أبو داود قال الخطابي وإسناده جيد وعن ابن عباس قال: (تردد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في القراءة في صلاة الصبح فلم يفتحوا عليه فلما قضى الصلاة نظر في وجوه القوم, فقال: أما شهد الصلاة معكم أبي بن كعب؟ قالوا: لا) فرأى القوم أنه إنما تفقده ليفتح عليه رواه الأثرم وروى مسور بن يزيد المالكى قال: (شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الصلاة فترك آية من القرآن فقيل يا رسول الله آية كذا وكذا تركتها قال: فهلا ذكرتنيها؟) رواه أبو داود والأثرم ولأنه تنبيه لإمامه بما هو مشروع في الصلاة فأشبه التسبيح وحديث على يرويه الحارث وقال الشعبي: كان كذابا, وقد قال عن نفسه: إذا استطعمك الإمام فأطعمه يعنى إذا تعايى فاردد عليه رواه الأثرم وقال الحسن إن أهل الكوفة يقولون: لا تفتح على الإمام وما بأس به أليس يقول سبحان الله وقال أبو داود: لم يسمع أبو إسحاق من الحارث إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها. وإذا ارتج على الإمام في الفاتحة لزم من وراءه الفتح عليه, كما لو نسي سجدة لزمهم تنبيهه بالتسبيح فإن عجز عن إتمام الفاتحة فله أن يستخلف من يصلي بهم لأنه عذر فجاز أن يستخلف من أجله كما لو سبقه الحدث وكذلك لو عجز في أثناء الصلاة عن ركن يمنع الائتمام, كالركوع أو السجود فإنه يستخلف من يتم بهم الصلاة كمن سبقه الحدث بل هذا أولى بالاستخلاف لأن من سبقه الحدث قد بطلت صلاته, وهذا صلاته صحيحة فكان بالاستخلاف أولى وإذا لم يقدر على إتمام الفاتحة فقال ابن عقيل: يأتي بما يحسن ويسقط عنه ما عجز عنه وتصح صلاته لأن القراءة ركن عجز عنه في أثناء الصلاة, فسقط كالقيام فأما المأموم فإن كان أميا عاجزا عن قراءة الفاتحة صحت صلاته أيضا وإن كان قارئا نوى مفارقته وأتم وحده, ولا يصح له إتمام الصلاة خلفه لأن هذا قد صار حكمه حكم الأمى والصحيح أنه إذا لم يقدر على قراءة الفاتحة أن صلاته تفسد لأنه قادر على الصلاة بقراءتها فلم تصح صلاته بدون ذلك لعموم قوله عليه الصلاة والسلام (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ولا يصح قياس هذا على الأمى لأن الأمى لو قدر على تعلمها قبل خروج الوقت لم تصح صلاته بدونها, وهذا يمكنه أن يخرج فيسأل عما وقف عليه ويصلى ولا قياسه على أركان الأفعال لأن خروجه عن الصلاة لا يزيل عجزه عنها ولا يأمن عود مثل ذلك لعجز بخلاف هذا النوع الثاني: ما لا يتعلق بتنبيه آدمي, إلا أنه لسبب من غير الصلاة مثل أن يعطس فيحمد الله أو تلسعه عقرب فيقول: بسم الله أو يسمع, أو يرى ما يغمه فيقول: ولنا ما روى عامر بن ربيعة قال: (عطس شاب من الأنصار خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو في الصلاة فقال: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه, حتى يرضى ربنا وبعدما يرضى من أمر الدنيا والآخرة فلما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: من القائل هذه الكلمة؟ فإنه لم يقل بأسا ما تناهت دون العرش) رواه أبو داود وعن علي, أنه قال له رجل من الخوارج وهو في صلاة الغداة فناداه: قيل لأحمد -رحمه الله-: إذا قرأ: يكره أن يفتح من هو في الصلاة على من هو في صلاة أخرى أو على من ليس في صلاة لأن ذلك يشغله عن صلاته, وقد قال النبي صلى - صلى الله عليه وسلم-: (إن في الصلاة لشغلا) وقد سئل أحمد عن رجل جالس بين يدي المصلى يقرأ فإذا أخطأ فتح عليه المصلى فقال: كيف يفتح إذا أخطأ هذا, ويتعجب من هذه المسألة فإن فعل لم تبطل صلاته لأنه قرآن وإنما قصد قراءته دون خطاب الآدمي بغيره ولا بأس أن يفتح على المصلى من ليس معه في الصلاة وقد روى النجاد بإسناده قال: كنت قاعدا بمكة, فإذا رجل عند المقام يصلي وإذا رجل قاعد خلفه يلقنه فإذا هو عثمان رضي الله عنه. إذا سلم على المصلي, لم يكن له رد السلام بالكلام فإن فعل بطلت صلاته روى نحو ذلك عن أبي ذر وعطاء والنخعي وبه قال مالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وكان سعيد بن المسيب والحسن وقتادة لا يرون به بأسا, وروي عن أبي هريرة أنه أمر بذلك وقال إسحاق: إن فعله متأولا جازت صلاته . ولنا ما روى جابر قال: (كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في حاجة, فرجعت وهو يصلي على راحلته ووجهه إلى غير القبلة فسلمت عليه, فلم يرد على فلما انصرف قال: أما إنه لم يمنعنى أن أرد عليك إلا إني كنت أصلي) وقول ابن مسعود (, قلنا: يا رسول الله, كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا؟ قال: إن في الصلاة لشغلا) رواهما مسلم ولأنه كلام آدمي فأشبه تشميت العاطس إذا ثبت هذا فإنه يرد السلام بالإشارة وهذا قول مالك والشافعي وإسحاق وأبي ثور وعن ابن عباس أنه سلم عليه موسى بن جميل وهو يصلي, فقبض ابن عباس على ذراعه فكان ذلك ردا من ابن عباس عليه وإن رد عليه بعد فراغه من الصلاة فحسن روى هذا عن أبي ذر وعطاء والنخعي وداود لما روى ابن مسعود قال: (فقدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي, فسلمت عليه فلم يرد على السلام فأخذنى ما قدم وما حدث, فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الصلاة قال: وإن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن الله قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة) فرد على السلام وقد روى صهيب قال: (مررت برسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي, فسلمت عليه وكلمته فرد إشارة) قال بعض الرواة: ولا أعلمه إلا قال إشارة بأصبعه وعن ابن عمر, قال: (خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلى قباء فصلى فيه قال: فجاءته الأنصار فسلموا عليه وهو يصلي قال: فقلت لبلال: كيف رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلى؟ قال يعقوب: هكذا: وبسط - يعنى كفه - وجعل بطنه أسفل, وظهره إلى فوق) قال الترمذي: كلا الحديثين صحيح رواهما أبو داود والأثرم وقد ذكرنا ذلك فيما مضى. وإذا دخل قوم على قوم وهم يصلون, فسئل أحمد عن الرجل يدخل على القوم وهم يصلون أيسلم عليهم؟ قال: نعم وروى ابن المنذر عن أحمد أنه سلم على مصل وفعل ذلك ابن عمر وكرهه عطاء, وأبو مجلز والشعبي وإسحاق لأنه ربما غلط المصلى فرد عليه السلام وقد روى مالك في موطئه: أن ابن عمر سلم على رجل وهو يصلي, فرد عليه السلام فرجع إليه ابن عمر فنهاه عن ذلك ومن ذهب إلى تجويزه احتج بقول الله تعالى: إذا أكل أو شرب في الفريضة عامدا بطلت صلاته, رواية واحدة ولا نعلم فيه خلافا قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن المصلى ممنوع من الأكل والشرب وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من أكل أو شرب في صلاة الفرض عامدا أن عليه الإعادة, وأن ذلك يفسد الصوم الذي لا يفسد بالأفعال فالصلاة أولى فإن فعل ذلك في التطوع أبطله في الصحيح من المذهب, وهو قول أكثر الفقهاء لأن ما أبطل الفرض أبطل التطوع كسائر مبطلاته وعن أحمد رواية أخرى أنه لا يبطلها ويروى عن ابن الزبير وسعيد بن جبير, أنهما شربا في التطوع وعن طاوس أنه لا بأس به وكذلك قال إسحاق لأنه عمل يسير فأشبه غير الأكل, فأما إن أكثر فلا خلاف في أنه يفسدها لأن غير الأكل من الأعمال يفسد إذا كثر فالأكل والشرب أولى وإن أكل أو شرب في فريضة أو تطوع ناسيا لم تفسد وبهذا قال عطاء والشافعي وقال الأوزاعي تفسد صلاته لأنه فعل مبطل من غير جنس الصلاة فاستوى عمده وسهوه, كالعمل الكثير ولنا عموم قوله عليه الصلاة والسلام: (عفي لأمتى عن الخطأ والنسيان) ولأنه يسوى بين قليله وكثيره حال العمد ويعفى عنه في الصلاة كالعمل من جنسها ويشرع لذلك سجود السهو وهذا قول الشافعي فإن ما يبطل عمده الصلاة إذا عفي عنه لأجل السهو شرع له السجود كالزيادة من جنس الصلاة, ومتى كثر ذلك أبطل الصلاة بغير خلاف لأن الأفعال المعفو عن يسيرها إذا كثرت أبطلت فهذا أولى.
فصل إذا ترك في فيه ما يذوب كالسكر فذاب منه شيء, فابتلعه أفسد صلاته لأنه أكل وإن بقي بين أسنانه أو في فيه من بقايا الطعام يسير يجرى به الريق, فابتلعه لم تفسد صلاته لأنه لا يمكن الاحتراز منه وإن ترك في فيه لقمة ولم يبتلعها كره لأنه يشغله عن خشوع الصلاة والذكر والقراءة فيها, ولا يبطلها لأنه عمل يسير فأشبه ما لو أمسك شيئا في يده والله أعلم.
|