الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
ومتى كانت اليمين على فعل واجب أو ترك محرم, كان حلها محرما لأن حلها بفعل المحرم وهو محرم وإن كانت على فعل مندوب أو ترك مكروه فحلها مكروه وإن كانت على فعل مباح, فحلها مباح فإن قيل: فكيف يكون حلها مباحا وقد قال الله تعالى: قال: ( وإن فعله ناسيا فلا شيء عليه إذا كانت اليمين بغير الطلاق والعتاق ) وجملة ذلك أن من حلف أن لا يفعل شيئا, ففعله ناسيا فلا كفارة عليه نقله عن أحمد الجماعة إلا في الطلاق والعتاق فإنه يحنث هذا ظاهر المذهب واختاره الخلال وصاحبه وهو قول أبى عبيد وعن أحمد, رواية أخرى أنه لا يحنث في الطلاق والعتاق أيضا وهذا قول عطاء, وعمرو بن دينار وابن أبى نجيح وإسحاق, قالوا: لا حنث على الناسى في طلاق ولا غيره وهو ظاهر مذهب الشافعي لقوله تعالى: وإن فعله غير عالم بالمحلوف عليه, كرجل حلف لا يكلم فلانا فسلم عليه يحسبه أجنبيا أو حلف إنه لا يفارق غريمه حتى يستوفى حقه, فأعطاه قدر حقه ففارقه ظنا منه أنه قد بر فوجد ما أخذه رديئا, أو حلف: لا بعت لزيد ثوبا فوكل زيد من يدفعه إلى من يبيعه فدفعه إلى الحالف فباعه من غير علمه, فهو كالناسى لأنه غير قاصد للمخالفة أشبه الناسى. والمكره على الفعل ينقسم قسمين أحدهما: أن يلجأ إليه مثل من يحلف لا يدخل دارا, فحمل فأدخلها أو لا يخرج منها فأخرج محمولا أو مدفوعا بغير اختياره, ولم يمكنه الامتناع فهذا لا يحنث في قول أكثرهم وبه قال أصحاب الرأي وقال مالك: إن دخل مربوطا لم يحنث وذلك لأنه لم يفعل الدخول والخروج فلم يحنث, كما لو لم يوجد ذلك الثاني أن يكره بالضرب والتهديد بالقتل ونحوه فقال أبو الخطاب: فيه روايتان كالناسى وللشافعي قولان وقال مالك, وأبو حنيفة: يحنث لأن الكفارة لا تسقط بالشبهة فوجب مع الإكراه والنسيان ككفارة الصيد ولنا, قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ولأنه نوع إكراه, فلم يحنث به كما لو حمل ولم يمكنه الامتناع ولأن الفعل لا ينسب إليه, فأشبه من لم يفعله ولا نسلم الكفارة في الصيد بل إنما تجب على المكره والله أعلم. قال: [ومن حلف على شيء, وهو يعلم أنه كاذب فلا كفارة عليه لأن الذي أتى به أعظم من أن تكون فيه الكفارة] هذا ظاهر المذهب نقله الجماعة عن أحمد وهو قول أكثر أهل العلم, منهم ابن مسعود وسعيد بن المسيب والحسن, ومالك والأوزاعي والثوري, والليث وأبو عبيد وأبو ثور, وأصحاب الحديث وأصحاب الرأي من أهل الكوفة وهذه اليمين تسمى يمين الغموس لأنها تغمس صاحبها في الإثم قال ابن مسعود: كنا نعد من اليمين التي لا كفارة لها اليمين الغموس وعن سعيد بن المسيب, قال: هي من الكبائر وهي أعظم من أن تكفر وروي عن أحمد أن فيها الكفارة وروي ذلك عن عطاء, والزهري والحكم والبتي وهو قول الشافعي لأنه وجدت منه اليمين بالله تعالى, والمخالفة مع القصد فلزمته الكفارة كالمستقبلة ولنا, أنها يمين غير منعقدة فلا توجب الكفارة كاللغو, أو يمين على ماض فأشبهت اللغو وبيان كونها غير منعقدة, أنها لا توجب برا ولا يمكن فيها ولأنه قارنها ما ينافيها وهو الحنث, فلم تنعقد كالنكاح الذي قارنه الرضاع ولأن الكفارة لا ترفع إثمها, فلا تشرع فيها ودليل ذلك أنها كبيرة فإنه يروى عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (من الكبائر الإشراك بالله, وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس) رواه البخاري, وروى فيه: (خمس من الكبائر لا كفارة لهن الإشراك بالله والفرار من الزحف وبهت المؤمن, وقتل المسلم بغير حق والحلف على يمين فاجرة يقتطع بها مال امرئ مسلم) ولا يصح القياس على المستقبلة لأنها يمين منعقدة يمكن حلها والبر فيها, وهذه غير منعقدة فلا حل لها وقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير) يدل على أن الكفارة إنما تجب بالحلف على فعل يفعله فيما يستقبله قاله ابن المنذر. قال: [والكفارة إنما تلزم من حلف يريد عقد اليمين] وجملته أن اليمين التي تمر على لسانه في عرض حديثه, من غير قصد إليها لا كفارة فيها في قول أكثر أهل العلم لأنها من لغو اليمين نقل عبد الله, عن أبيه أنه قال: اللغو عندي أن يحلف على اليمين يرى أنها كذلك, والرجل يحلف فلا يعقد قلبه على شيء وممن قال: إن اللغو اليمين التي لا يعقد عليها قلبه عمر وعائشة رضي الله عنهما وبه قال عطاء والقاسم, وعكرمة والشعبي والشافعي لما روي عن عطاء, قال: قالت عائشة: إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال يعني اللغو في اليمين: (هو كلام الرجل في بيته لا والله وبلى والله) أخرجه أبو داود قال: ورواه الزهري, وعبد الملك بن أبي سليمان ومالك بن مغول عن عطاء, عن عائشة موقوفا وروى الزهري أن عروة حدثه, عن عائشة قالت أيمان اللغو, ما كان في المراء والهزل والمزاحة, والحديث الذي لا يعقد عليه القلب وأيمان الكفارة كل يمين حلف عليها على وجه من الأمر في غضب أو غيره, ليفعلن أو ليتركن فذلك عقد الأيمان التي فرض الله ـ تعالى ـ فيها الكفارة ولأن اللغو في كلام العرب الكلام غير المعقود عليه وهذا كذلك وممن قال: لا كفارة في هذا ابن عباس, وأبو هريرة وأبو مالك وزرارة بن أوفى, والحسن والنخعي ومالك وهو قول من قال: إنه من لغو اليمين ولا نعلم في هذا خلافا ووجه ذلك قول الله تعالى: قال: [ومن حلف على شيء يظنه كما حلف فلم يكن, فلا كفارة عليه لأنه من لغو اليمين] أكثر أهل العلم على أن هذه اليمين لا كفارة فيها قاله ابن المنذر يروى هذا عن ابن عباس وأبي هريرة وأبي مالك, وزرارة بن أوفى والحسن والنخعي, ومالك وأبي حنيفة والثوري وممن قال: هذا لغو اليمين مجاهد, وسليمان بن يسار والأوزاعي والثوري, وأبو حنيفة وأصحابه وأكثر أهل العلم على أن لغو اليمين لا كفارة فيه وقال ابن عبد البر: أجمع المسلمون على هذا وقد حكى عن النخعي في اليمين على شيء يظنه حقا فيتبين بخلافه أنه من لغو اليمين, وفيه الكفارة وهو أحد قولي الشافعي وروي عن أحمد أن فيه الكفارة وليس من لغو اليمين لأن اليمين بالله ـ تعالى ـ وجدت مع المخالفة, فأوجبت الكفارة كاليمين على مستقبل ولنا قول الله تعالى: قال: [واليمين المكفرة, أن يحلف بالله ـ عز وجل أو باسم من أسمائه] أجمع أهل العلم على أن من حلف بالله ـ عز وجل فقال: والله, أو بالله أو تالله فحنث أن عليه الكفارة قال ابن المنذر: وكان مالك, والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور, وأصحاب الرأي يقولون: من حلف باسم من أسماء الله ـ تعالى فحنث, أن عليه الكفارة ولا نعلم في هذا خلافا إذا كان من أسماء الله ـ عز وجل التي لا يسمى بها سواه وأسماء الله تنقسم ثلاثة أقسام أحدها ما لا يسمى بها غيره, نحو قوله: والله والرحمن والأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء, ورب العالمين ومالك يوم الدين ورب السماوات والأرض, والحي الذي لا يموت ونحو هذا فالحلف بهذا يمين بكل حال والثاني ما يسمى به غير الله تعالى مجازا, وإطلاقه ينصرف إلى الله ـ سبحانه مثل الخالق والرازق, والرب والرحيم والقادر, والقاهر والملك والجبار ونحوه, فهذا يسمى به غير الله مجازا بدليل قول الله تعالى:
|