الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
قال: [أو بالعهد] وجملته أنه إذا حلف بالعهد أو قال: وعهد الله وكفالته فذلك يمين, يجب تكفيرها إذا حنث فيها وبهذا قال الحسن وطاوس والشعبي, والحارث العكلي وقتادة والحكم, والأوزاعي ومالك وحلفت عائشة رضي الله عنها بالعهد أن لا تكلم ابن الزبير فلما كلمته أعتقت أربعين رقبة, وكانت إذا ذكرته تبكي وتقول: واعهداه قال أحمد: العهد شديد في عشرة مواضع من كتاب الله: قال: [أو بالخروج من الإسلام] اختلفت الرواية عن أحمد, في الحلف بالخروج من الإسلام مثل أن يقول: هو يهودي أو نصراني, أو مجوسي إن فعل كذا أو: هو بريء من الإسلام أو من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو من القرآن, إن فعل أو يقول: هو يعبد الصليب أو يعبدك أو يعبد غير الله ـ تعالى, إن فعل أو نحو هذا فعن أحمد: عليه الكفارة إذا حنث يروى هذا عن عطاء وطاوس, والحسن والشعبي والثوري, والأوزاعي وإسحاق وأصحاب الرأي ويروى ذلك عن زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ والرواية الثانية: لا كفارة عليه وهو قول مالك, والشافعي والليث وأبي ثور, وابن المنذر لأنه لم يحلف باسم الله ولا صفته فلم تلزمه كفارة, كما لو قال: عصيت الله فيما أمرني ويحتمل أن يحمل كلام أحمد في الرواية الأولى على الندب دون الإيجاب لأنه قال في رواية حنبل: إذا قال: أكفر بالله, أو أشرك بالله فأحب إلى أن يكفر كفارة يمين إذا حنث ووجه الرواية الأولى ما روي عن الزهري عن خارجة بن زيد, عن أبيه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه سئل عن الرجل يقول: هو يهودي أو نصراني, أو مجوسي أو بريء من الإسلام في اليمين يحلف بها فيحنث في هذه الأشياء, فقال: (عليه كفارة يمين) أخرجه أبو بكر ولأن البراءة من هذه الأشياء توجب الكفر بالله فكان الحلف يمينا كالحلف بالله ـ تعالى والرواية الثانية أصح, إن شاء الله ـ تعالى فإن الوجوب من الشارع ولم يرد في هذه اليمين نص, ولا هي في قياس المنصوص فإن الكفارة إنما وجبت في الحلف باسم الله تعظيما لاسمه وإظهارا لشرفه وعظمته, ولا تتحقق التسوية. وإن قال: هو يستحل الخمر والزنى إن فعل ثم حنث أو قال: هو يستحل ترك الصلاة أو الصيام أو الزكاة فهو كالحلف بالبراءة من الإسلام لأن استحلال ذلك يوجب الكفر وإن قال: عصيت الله فيما أمرني أو في كل ما افترض علي, أو محوت المصحف أو أنا أسرق أو أقتل النفس التي حرم الله إن فعلت وحنث, لم تلزمه كفارة لأن هذا دون الشرك وإن قال: أخزاه الله أو أقطع يده, أو لعنه الله إن فعل ثم حنث فلا كفارة عليه نص عليه أحمد وبهذا قال عطاء, والثوري وأبو عبيد وأصحاب الرأي وقال طاوس, والليث: عليه كفارة وبه قال الأوزاعي إذا قال: عليه لعنة الله ولنا أن هذا لا يوجب الكفر فأشبه ما لو قال: محوت المصحف وإن قال: لا يراني الله في موضع كذا إن فعلت وحنث فقال القاضي: عليه كفارة وذكر أن أحمد نص عليه والصحيح أن هذا لا كفارة فيه لأن إيجابها في هذا ومثله تحكم بغير نص, ولا قياس صحيح. ولا يجوز الحلف بالبراءة من الإسلام لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (من قال: إني بريء من الإسلام فإن كان كاذبًا فهو كما قال وإن كان صادقا, لم يعد إلى الإسلام سالما) رواه أبو داود. قال: [أو بتحريم مملوكه أو شيء من ماله] وجملته أنه إذا قال: هذا حرام على إن فعلت وفعل أو قال: ما أحل الله على حرام إن فعلت ثم فعل, فهو مخير إن شاء ترك ما حرمه على نفسه وإن شاء كفر وإن قال: هذا الطعام حرام على فهو كالحلف على تركه ويروى نحو هذا عن ابن مسعود, والحسن وجابر بن زيد وقتادة, وإسحاق وأهل العراق وقال سعيد بن جبير, فيمن قال: الحل على حرام: يمين من الأيمان يكفرها وقال الحسن: هي يمين إلا أن ينوي طلاق امرأته وعن إبراهيم مثله وعنه: إن نوى طلاقا, وإلا فليس بشيء وعن الضحاك أن أبا بكر وعمر وابن مسعود قالوا: الحرام يمين طلاق وقال طاوس: هو ما نوى وقال مالك والشافعي: ليس بيمين, ولا شيء عليه لأنه قصد تغيير المشروع فلغا ما قصده كما لو قال هذه ربيبتي ولنا, قول الله تعالى: قال: [أو يقول: أقسم بالله, أو أشهد بالله أو أعزم بالله] هذا قول عامة الفقهاء لا نعلم فيه خلافا, وسواء نوى اليمين أو أطلق لأنه لو قال: بالله ولم يقل: أقسم ولا أشهد, ولم يذكر الفعل كان يمينا وإنما كان يمينا بتقدير الفعل قبله لأن الباء تتعلق بفعل مقدر, على ما ذكرناه فإذا أظهر الفعل ونطق بالمقدر, كان أولى بثبوت حكمه وقد ثبت له عرف الاستعمال قال الله تعالى: أقسم بالله لتفعلنه ** وكذلك الحكم إن ذكر الفعل بلفظ الماضي, فقال: أقسمت بالله أو شهدت بالله قال عبد الله بن رواحة: أقسمت بالله لتنزلنه وإن أراد بقوله: أقسمت بالله الخبر عن قسم ماض أو بقوله: أقسم بالله عن قسم يأتي به, فلا كفارة عليه وإن ادعى إرادة ذلك قبل منه وقال القاضي: لا يقبل في الحكم وهو قول بعض أصحاب الشافعي لأنه خلاف الظاهر ولنا أن هذا حكم فيما بينه وبين الله ـ تعالى, فإذا علم من نفسه أنه نوى شيئا أو أراده مع احتمال اللفظ إياه لم تلزمه كفارة وإن قال: شهدت بالله إني آمنت بالله فليس بيمين وإن قال: أعزم بالله يقصد اليمين, فهو يمين وإن أطلق فظاهر كلام الخرقي أنه يمين وهو قول ابن حامد وقال أبو بكر: ليس بيمين وهو قول الشافعي لأنه لم يثبت له عرف الشرع ولا الاستعمال, وظاهره غير اليمين لأن معناه أقصد بالله لأفعلن ووجه الأول أنه يحتمل اليمين وقد اقترن به ما يدل عليه, وهو جوابه بجواب القسم فيكون يمينا فأما إن نوى بقوله غير اليمين لم يكن يمينا.
|