الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
قال: [وعن أبي عبد الله فيمن حلف بنحر ولده روايتان إحداهما, كفارة يمين والأخرى يذبح كبشا] اختلفت الرواية فيمن حلف بنحر ولده نحو أن يقول: إن فعلت كذا, فلله على أن أذبح ولدي أو يقول: ولدي نحير إن فعلت كذا أو نذر ذبح ولده مطلقا غير معلق بشرط فعن أحمد عليه كفارة يمين وهذا قياس المذهب لأن هذا نذر معصية, أو نذر لجاج وكلاهما يوجب الكفارة وهو قول ابن عباس فإنه روى عنه أنه قال لامرأة نذرت أن تذبح ابنها: لا تنحري ابنك وكفري عن يمينك والرواية الثانية, كفارته ذبح كبش ويطعمه للمساكين وهو قول أبي حنيفة ويروى ذلك عن ابن عباس أيضا لأن نذر ذبح الولد جعل في الشرع كنذر ذبح شاة بدليل أن الله ـ تعالى أمر إبراهيم بذبح ولده, وكان أمرا بذبح شاة وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يثبت نسخه ودليل أنه أمر بذبح شاة, أن الله لا يأمر بالفحشاء ولا بالمعاصي وذبح الولد من كبائر المعاصي قال الله تعالى: وإن نذر ذبح نفسه, أو أجنبي ففيه أيضا عن أحمد روايتان وعن ابن عباس أيضا فيه روايتان نقل ابن منصور عن أحمد, فيمن نذر أن ينحر نفسه إذا حنث: يذبح شاة وكذلك إن نذر ذبح أجنب] لأنه روي عن ابن عباس في الذي قال: أنا أنحر فلانا فقال: عليه ذبح كبش ولأنه نذر ذبح آدمي فكان عليه ذبح كبش, كنذر ذبح ابنه والثانية عليه كفارة يمين لأنه نذر معصية فكان موجبه كفارة, لما ذكرنا فيما تقدم وروى الجوزجاني بإسناده عن الأوزاعي قال: حدثني أبو عبيد, قال: جاء رجل إلى ابن عمر فقال: إني نذرت أن أنحر نفسي قال: فتجهمه ابن عمر وأفف منه, ثم أتى ابن عباس فقال له: أهد مائة بدنة ثم أتى عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال له: أرأيت لو نذرت أن لا تكلم أباك أو أخاك؟ إنما هذه خطوة من خطوات الشيطان, استغفر الله وتب إليه ثم رجع إلى ابن عباس فأخبره فقال: أصاب عبد الرحمن ورجع ابن عباس عن قوله والصحيح في هذا, أنه نذر معصية حكمه حكم نذر سائر المعاصي لا غير. قال أحمد في امرأة نذرت نحر ولدها, ولها ثلاثة أولاد: تذبح عن كل واحد كبشا وتكفر يمينها وهذا على قوله: إن كفارة نذر ذبح الولد ذبح كبش جعل عن كل واحد كبشا لأن لفظ الواحد إذا أضيف اقتضى التعميم فكان عن كل واحد كبش فإن عنت بنذرها واحدا فإنما عليها كبش واحد بدليل أن إبراهيم عليه السلام, لما أمر بذبح ابنه الواحد فدى بكبش واحد ولم يفد غير من أمر بذبحه من أولاده, وكذا ها هنا وعبد المطلب لما نذر ذبح ابن من بنيه إن بلغوا عشرة لم يفد منهم إلا واحدا وسواء نذرته معينا, أو عنت واحدا غير معين فأما قول أحمد: وتكفر يمينها فيحتمل أنه أراد أن ذبح الكباش كفارة يمينها ويحتمل أنه كان مع نذرها يمين وأما على الرواية الأخرى تجزئها كفارة يمين, على ما سبق. قال: [ومن حلف بعتق ما يملك فحنث عتق عليه كل ما يملك من عبيده, وإمائه ومكاتبيه ومدبريه, وأمهات أولاده وشقص يملكه من مملوكه] معناه إذا قال: إن فعلت كذا فكل مملوك لي حر أو عتيق, أو فكل ما أملك حر فإن هذا إذا حنث عتق مماليكه ولم تغن عنه كفارة روى ذلك عن ابن عمر وابن عباس وبه قال ابن أبي ليلي, والثوري ومالك والأوزاعي, والليث والشافعي وإسحاق وروي عن ابن عمر, وأبي هريرة وعائشة وأبي سلمة, وحفصة وزينب بنت أبي سلمة والحسن, وأبي ثور: تجزئه كفارة يمين لأنها يمين فتدخل في عموم قول الله تعالى: فأما إن قال: إن فعلت, فلله على أن أعتق عبدي أو أحرره أو نحو هذا لم يعتق بحنثه وكفر كفارة يمين, على ما ذكرنا في نذر اللجاج لأن هذا لم يعلق عتق العبد إنما حلف على تعليق العتق بشرط بخلاف الذي قبله. وإذا حنث, عتق عليه عبيده وإماؤه ومدبروه, وأمهات أولاده ومكاتبوه والأشقاص التي يملكها من العبيد والإماء وبهذا قال أبو ثور, والمزني وابن المنذر وعن أحمد رواية أخرى لا يعتق الشقص إلا أن ينويه ولعله ذهب إلى أن الشقص لا يقع عليه اسم العبد وقال أبو حنيفة, وصاحباه وإسحاق: لا يعتق المكاتب وهو قول الشافعي لأنه خارج عن ملك سيده وتصرفه فلم يدخل في اسم مماليكه, كالحر وقال الربيع: سماعي من الشافعي أنه يعتق ولنا أنه مملوكه, فيعتق كالمدبر ودليل كونه مملوكه قوله عليه السلام: (المكاتب عبد ما بقي عليه درهم) وقوله لعائشة: (اشترى بريرة, وأعتقيها) وكانت مكاتبة ولا يصح شراء غير المملوك ولا عتقه ولأنه يصح إعتاقه بالإجماع, وأحكامه أحكام العبيد ولأنه مملوك فلا بد له من مالك, ولأنه يصح إعتاقه بالمباشرة فدخل في العتق بالتعليق كسائر عبيده وأما الشقص, فإنه مملوك له قابل للتحرير فيدخل في عموم لفظه. فإن قال: عبد فلان حر, إن دخلت الدار ثم دخلها لم يعتق العبد بغير خلاف لأنه لا يعتق بإعتاقه ناجزا, فلا يعتق بالتعليق أولى وهل تلزمه كفارة يمين؟ فيه عن أحمد روايتان ذكرهما ابن أبي موسى إحداهما عليه كفارة لأنه حلف بالعتق فيما لا يقع بالحنث فلزمته كفارة, كما لو قال: لله على أن أعتق فلانا والثانية لا كفارة عليه لأنه حلف بإخراج مال غيره فلم يلزمه شيء, كما لو قال: مال فلان صدقة إن دخلت الدار ولأنه تعليق للعتق على صفة فلم تجب به كفارة, كسائر التعليق وأما إذا قال: لله على أن أعتق عبدا فإنه نذر فأوجب الكفارة لكون النذر كاليمين وليس كذلك ها هنا, فإنه إنما علق العتق على صفة فوجود الصفة أثر في جعل المعلق كالمنجز ولو نجز العتق لم يلزمه شيء, فكذلك ها هنا. فإن قال إن فعلت كذا فمال فلان صدقة أو فعلى فلان حجة أو فمال فلان حرام عليه أو هو بريء من الإسلام وأشباه هذا, فليس ذلك بيمين ولا تجب به كفارة ولا نعلم بين أهل العلم فيه خلافا لأنه لم يرد الشرع فيه بكفارة ولا هو في معنى ما ورد الشرع به. قال: ومن حلف فهو مخير في الكفارة قبل الحنث وبعده وسواء كانت الكفارة صوما, أو غيره إلا في الظهار والحرام فعليه الكفارة قبل الحنث الظهار والحرام شيء واحد, وإنما عطف أحدهما على الآخر لاختلاف اللفظين ولا خلاف بين العلماء فيما علمناه, في وجوب تقديم كفارته على الوطء والأصل فيه قول الله تعالى: فأما التكفير قبل اليمين فلا يجوز عند أحد من العلماء لأنه تقديم للحكم قبل سببه فلم يجز, كتقديم الزكاة قبل ملك النصاب وكفارة القتل قبل الجرح. والتكفير قبل الحنث وبعده سواء في الفضيلة وقال ابن أبي موسى: بعده أفضل عند أحمد وهو قول الشافعي ومالك, والثوري لما فيه من الخروج من الخلاف وحصول اليقين ببراءة الذمة ولنا أن الأحاديث الواردة فيه فيها التقديم مرة والتأخير أخرى, وهذا دليل التسوية ولأنه تعجيل مال يجوز تعجيله قبل وجوبه فلم يكن التأخير أفضل, كتعجيل الزكاة وكفارة القتل وما ذكروه معارض بتعجيل النفع للفقراء والتبرع بما لم يجب عليه, وعلى أن الخلاف المخالف للنصوص لا يوجب تفضيل المجمع عليه كترك الجمع بين الصلاتين.
|