الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
بسم الله الرحمن الرحيم وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ
لاَ ذَنْبَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ الشِّرْكِ أَعْظَمُ مِنْ شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: تَعَمُّدُ تَرْكِ صَلاَةِ فَرْضٍ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا. الثَّانِي: قَتْلُ مُؤْمِنٍ أَوْ مُؤْمِنَةٍ عَمْدًا بِغَيْرِ حَقٍّ. أَمَّا الصَّلاَةُ فَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي " كِتَابِ الصَّلاَةِ ". وَأَمَّا الْقَتْلُ ؛ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ؛ أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَزَالُ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبِ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْمَذْكُورُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ " إنَّ مَنْ وَرَطَاتِ الْأُمُورِ الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا: سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ ".
وَالْقَتْلُ قِسْمَانِ: عَمْدٌ، وَخَطَأٌ. برهان ذَلِكَ: الآيَتَانِ اللَّتَانِ ذَكَرْنَا آنِفًا. فَلَمْ يَجْعَلْ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقَتْلِ قِسْمًا ثَالِثًا. وَادَّعَى قَوْمٌ أَنَّ هَاهُنَا قِسْمًا ثَالِثًا، وَهُوَ عَمْدُ الْخَطَأِ وَهُوَ قَوْلٌ فَاسِدٌ ; لأََنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِي ذَلِكَ نَصٌّ أَصْلاً، وَقَدْ بَيَّنَّا سُقُوطَ تِلْكَ الآثَارِ فِي " كِتَابِ الْإِيصَالِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. مَعَ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِشِبْهِ الْعَمْدِ هُمْ مُخَالِفُونَ لِتِلْكَ الآثَارِ السَّاقِطَةِ الَّتِي مَوَّهُوا بِهَا فِيمَا فِيهَا مِنْ صِفَةِ الدِّيَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَهُوَ عِنْدَهُمْ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا تَعَمَّدَ بِهِ الْمَرْءُ مِمَّا قَدْ يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ وَقَدْ لاَ يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ. قال أبو محمد رضي الله عنه: هَذَا عَمْدٌ وَفِيهِ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ، كَمَا فِي سَائِرِ الْعَمْدِ ; لأََنَّهُ عُدْوَانٌ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَالثَّانِي: مَا تَعَمَّدَ بِهِ مِمَّا لاَ يَمُوتُ أَحَدٌ أَصْلاً مِنْ مِثْلِهِ، فَهَذَا لَيْسَ قَتْلَ عَمْدٍ، وَلاَ خَطَأٍ، وَلاَ شَيْءَ فِيهِ إِلاَّ الأَدَبُ فَقَطْ. وَمِنْ عَجَائِبِ الأَقْوَالِ هَاهُنَا أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ يَقُولُونَ: مَنْ أَخَذَ حَجَرًا مِنْ قِنْطَارٍ فَضَرَبَ مُتَعَمِّدًا رَأْسَ مُسْلِمٍ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَضْرِبُهُ بِهِ حَتَّى شَدَخَ رَأْسَهُ كُلَّهُ: فَإِنَّهُ لاَ قَوَدَ فِيهِ، وَلَيْسَ قَتْلَ عَمْدٍ. وَكَذَلِكَ لَوْ تَعَمَّدَ ضَرْبَ رَأْسِهِ بِعُودٍ غَلِيظٍ حَتَّى يَكْسِرَهُ كُلَّهُ وَيُسِيلَ دِمَاغَهُ وَيَمُوتَ، وَلاَ فَرْقَ. وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ: مَنْ ضَرَبَ بِيَدِهِ فِي فَخْذِ مُسْلِمٍ فَمَاتَ الْمَضْرُوبُ إثْرَ الضَّرْبَةِ: فَفِيهِ الْقَوَدُ، وَيُقْتَلُ الضَّارِبُ. وَسَمَاعُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ يَكْفِي مِنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِمَا. قال أبو محمد رضي الله عنه: فَالْخَطَأُ مَنْ رَمَى شَيْئًا فَأَصَابَ مُسْلِمًا لَمْ يُرِدْهُ بِمَا قَدْ يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ فَمَاتَ الْمُصَابُ، أَوْ وَقَعَ عَلَى مُسْلِمٍ فَمَاتَ مِنْ وَقْعَتِهِ فَهَذَا كُلُّهُ لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ قَتْلُ خَطَأٍ لاَ قَوَدَ فِيهِ. أَوْ قَتَلَ فِي دَارٍ الْحَرْبِ إنْسَانًا يَرَى أَنَّهُ كَافِرٌ فَإِذَا بِهِ مُسْلِمٌ، أَوْ قَتَلَ إنْسَانًا مُتَأَوِّلاً غَيْرَ مُقَلِّدٍ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ فَإِذَا بِهِ عَلَى الْخَطَأِ. برهان قَوْلِنَا فِي الْقَاتِلِ فِي دَارِ الْحَرْبِ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَأَمَّا الْمُتَأَوِّلُ؛ فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ، أَخْبَرَنَا مُسَدَّدٌ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ، هُوَ ابْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ سَمِعْت أَبَا شُرَيْحٍ الْكَعْبِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَرَ خُزَاعَةَ قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيلَ مِنْ هُذَيْلٍ وَإِنِّي عَاقِلُهُ وَمَنْ قُتِلَ لَهُ بَعْدَ مَقَالَتِي هَذِهِ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ: أَنْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ، وَبَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوا. قال أبو محمد رضي الله عنه: فَلاَ شَكَّ أَنَّ خُزَاعَةَ قَتَلُوهُ مُتَأَوِّلِينَ أَنَّ لَهُمْ قَتْلَهُ وَهَكَذَا نَقُولُ فِيمَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ مِنْ النَّصِّ ثُمَّ قَتَلَ مُتَمَادِيًا عَلَى تَأْوِيلِهِ الْفَاسِدِ، الْمُخَالِفِ لِلنَّصِّ، أَوْ عَلَى تَقْلِيدِ مَنْ تَأَوَّلَ فَأَخْطَأَ: فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ. وهذا الخبر زَائِدٌ عَلَى خَبَرِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَخَالِدٍ - رضي الله عنهما فِي قَتْلِ خَالِدٍ مَنْ قَتَلَ مِنْ بَنِي خُذَيْمَةَ مُتَأَوِّلاً وَفِي قَتْلِ أُسَامَةَ: الرَّجُلَ الَّذِي قَالَ: لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَالزِّيَادَةُ لاَ يَجُوزُ تَرْكُهَا.
وَلاَ قَوَدَ عَلَى مَجْنُونٍ فِيمَا أَصَابَ فِي جُنُونِهِ، وَلاَ عَلَى سَكْرَانَ فِيمَا أَصَابَ فِي سُكْرِهِ الْمُخْرِجِ لَهُ مِنْ عَقْلِهِ، وَلاَ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ، وَلاَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ: دِيَةٌ، وَلاَ ضَمَانٌ، وَهَؤُلاَءِ وَالْبَهَائِمُ سَوَاءٌ. لِمَا ذَكَرْنَا فِي " الطَّلاَقِ " وَغَيْرِهِ مِنْ الْخَبَرِ الثَّابِتِ فِي رَفْعِ الْقَلَمِ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَالسَّكْرَانِ لاَ يَعْقِلُ وَقَدْ ذَكَرْنَا خَبَرَ حَمْزَةَ رضي الله عنه فِي قَوْلِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَوْ قَالَهُ فِي صِحَّتِهِ لَخَرَجَ بِذَلِكَ عَنْ الإِسْلاَمِ وَعَقْرُهُ نَاقَتَيْ عَلِيٍّ رضي الله عنه فَلَمْ يَجْعَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ مَلاَمَةً، وَلاَ غَرَامَةً. وقال بعضهم: لَوْ كَانَ هَذَا مَا شَاءَ وَاحِدٌ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا أَوْ يُفْسِدَ مَالَهُ إِلاَّ تَسَاكَرَ حَتَّى يَبْلُغَ مَا يُرِيدُ. فَقُلْنَا لَهُمْ: فَقُولُوا هَذَا الْكَلاَمَ فِي الْمَجْنُونِ، فَقُولُوا: لَوْ كَانَ هَذَا لَمَا شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا، أَوْ يُتْلِفَ مَالَهُ إِلاَّ تَحَامَقَ وَتَجَنَّنَ، حَتَّى يَبْلُغَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُرِيدُ، وَلاَ فَرْقَ. فَقَالُوا: وَمَنْ يَعْرِفُ أَنَّهُ سَكْرَانُ. فَقُلْنَا: وَمَنْ يَعْرِفُ أَنَّهُ مَجْنُونٌ قال أبو محمد رضي الله عنه: وَالْحَقُّ الْمُتَيَقَّنُ فِي هَذَا: أَنَّ الأَحْكَامَ لاَزِمَةٌ لِكُلِّ بَالِغٍ حَتَّى يُوقَنَ أَنَّهُ ذَاهِبُ الْعَقْلِ بِجُنُونٍ أَوْ سُكْرٍ. وَأَمَّا مَا لَمْ يُوقَنْ ذَلِكَ، فَالأَحْكَامُ لَهُ لاَزِمَةٌ وَحَالُ ذَهَابِ الْعَقْلِ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لاَ يَخْفَى عَلَى مَنْ يُشَاهِدُهُ. وَقَدْ وَافَقَنَا الْمُخَالِفُونَ لَنَا فِي هَذَا الْمَكَانِ عَلَى أَنْ لاَ يُؤْخَذَ السَّكْرَانُ بِارْتِدَادِهِ عَنْ الإِسْلاَمِ وَهَذَا أَشْنَعُ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ. فَإِنْ قَالُوا: فَهَلاَّ جَعَلْتُمْ فِي ذَلِكَ دِيَةً. قلنا: لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. فَأَمْوَالُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ حَرَامٌ بِغَيْرِ نَصٍّ، كَتَحْرِيمِ دِمَائِهِمْ، وَلاَ فَرْقَ، وَلاَ نَصَّ فِي وُجُوبِ غَرَامَةٍ عَلَيْهِمْ أَصْلاً. وَجَاءَتْ عَمَّنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ آثَارٌ: أَمَّا الصَّبِيُّ فَجَاءَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَثَرٌ بِأَنَّ سِتَّةَ صِبْيَانٍ تَغَاطُّوا فِي النَّهْرِ فَغَرَقَ أَحَدُهُمْ فَشَهِدَ اثْنَانِ عَلَى ثَلاَثَةٍ، وَشَهِدَ الثَّلاَثَةُ عَلَى الاِثْنَيْنِ، فَجَعَلَ عَلِيٌّ عَلَى الاِثْنَيْنِ ثَلاَثَةَ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ، وَجَعَلَ عَلَى الثَّلاَثَةِ خُمُسَيْ الدِّيَةِ. وَهَذَا لاَ يَصِحُّ أَلْبَتَّةَ ; لأََنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، أَوْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَكِلاَهُمَا لَمْ يُولَدْ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عَلِيٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ هَالِكٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْمَالِكِيُّونَ، وَالْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ مُخَالِفُونَ لَهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الشَّيْءُ حُجَّةً عَلَى مَنْ صَحَّحَهُ، لاَ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَحِّحْهُ. وَرُوِيَ إيجَابُ الْغَرَامَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَقَتَادَةَ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَ الصَّبِيُّ صَغِيرًا جِدًّا فَلاَ شَيْءَ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَلاَ فِي مَالِهِ وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٍ. وقال الشافعي: هِيَ فِي مَالِهِ بِكُلِّ حَالٍ. قال أبو محمد رضي الله عنه: فَهَذِهِ مُنَاقَضَاتٌ ظَاهِرَةٌ، وَأَقْوَالٌ بِلاَ دَلِيلٍ، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلاَ سَقِيمَةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ عَنْ صَاحِبٍ أَصْلاً، وَلاَ قِيَاسٍ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ مُتَيَقَّنٌ. وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ عَلَى الْعَامِدِ، وَقِيَاسُهُ عَلَى الْخَطَأِ بَاطِلٌ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا ; لأََنَّهُ لاَ يُقَاسَ عِنْدَهُمْ الشَّيْءُ إِلاَّ عَلَى نَظِيرِهِ وَمُشْبِهِهِ، وَلاَ شَبَهَ بَيْنَ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ وَبَيْنَ الصَّبِيِّ الْمَجْنُونِ أَصْلاً فَبَطَلَ كُلُّ مَا قَالُوهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ فِي ذَلِكَ عَنْهُ، فَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ إسْقَاطُ الدِّيَةِ قِيَاسًا عَلَى سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ فِي ذَلِكَ أَصَحَّ قِيَاسٍ يُوجَدُ، وَلَكِنَّهُمْ لاَ النُّصُوصَ يَتَّبِعُونَ، وَلاَ الْقِيَاسَ يُحْسِنُونَ، وَلاَ الصَّحَابَةَ يُقَلِّدُونَ. وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ أَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ أَنَا عَفَّانُ، هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ أَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ مَجْنُونًا عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ دَخَلَ الْبَيْتَ بِخِنْجَرٍ فَطَعَنَ ابْنَ عَمِّهِ فَقَتَلَهُ فَقَضَى ابْنُ الزُّبَيْرِ بِأَنْ يُخْلَعَ مِنْ مَالِهِ وَيُدْفَعَ إلَى أَهْلِ الْمَقْتُولِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ: جِنَايَةُ الْمَجْنُونِ فِي مَالِهِ. قال أبو محمد: وَهَذَانِ الأَثَرَانِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: جِنَايَةُ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا. وَهَذَا لاَ يَصِحُّ ; لأََنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبَاهُ، وَجَدَّهُ: لاَ خَيْرَ فِيهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ: أَنَّ مَرْوَانَ كَتَبَ إلَى مُعَاوِيَةَ فِي مَجْنُونٍ قَتَلَ رَجُلاً فَكَتَبَ إلَيْهِ مُعَاوِيَةُ: اعْقِلْهُ، وَلاَ تُقِدْ مِنْهُ. وَهَذَا لاَ يَصِحُّ ; لأََنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيَّ لَمْ يُولَدْ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ مُعَاوِيَةَ. وَرُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَلَى الْمَجْنُونِ الْعَقْلُ، وَلاَ يَصِحُّ عَنْهُمَا ; لأََنَّهُ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ جِنَايَةُ الْمَجْنُونِ عَلَى عَاقِلَتِهِ. وَلاَ يَصِحُّ عَنْهُمَا ; لأََنَّهُ عَمَّنْ لَمْ يُسَمِّ عَنْهُمَا إِلاَّ أَنَّهُ صَحِيحٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ خَالَفَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ فِي هَذَا مَا صَحَّ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَلَمْ يَصِحَّ قَطُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلاَفُهُ. وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيمَا رُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ ; لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ الْغَرَامَةَ فِي مَالِ الْمَجْنُونِ، وَلاَ أَنَّهَا عَلَى عَاقِلَتِهِ: إنَّمَا فِيهَا: أَنَّهُ أَمَرَ مَرْوَانَ بِأَنْ يَعْقِلَهُ وَظَاهِرُ الأَمْرِ أَنَّهُ عَقَلَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَلَوْ فَعَلَ الْإِمَامُ هَذَا لَكَانَ حَسَنًا، وَلَيْسَ وَاجِبًا وَهَذَا مَا خَالَفُوا فِيهِ النُّصُوصَ، وَمِمَّا صَحَّ عَنْ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يَصِحُّ لِقَوْلِهِ خِلاَفٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَالْقِيَاسُ: إذْ قَاسُوا مَا جَنَى الْمَجْنُونُ الْقَاصِدُ عَلَى ضِدِّهِ وَهُوَ مَا جَنَاهُ الْعَاقِلُ الْمُخْطِئُ وَلَمْ يَقِيسُوا إسْقَاطَ الدِّيَةِ عَلَى إسْقَاطِهِمْ الْكَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فأما السَّكْرَانُ فَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّ سُكَارَى تَضَارَبُوا بِالسَّكَاكِينِ. وَهُمْ أَرْبَعَةٌ فَجُرِحَ اثْنَانِ، وَمَاتَ اثْنَانِ: فَجَعَلَ عَلِيٌّ دِيَةَ الاِثْنَيْنِ الْمَقْتُولَيْنِ عَلَى قَبَائِلِهِمَا، وَعَلَى قَبَائِلِ اللَّذَيْنِ لَمْ يَمُوتَا، وَقَاصَّ الْحَيَّيْنِ مِنْ ذَلِكَ بِدِيَةِ جِرَاحِهِمَا، وَأَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رَأَى أَنْ يُقِيدَ لِلْحَيَّيْنِ لِلْمَيِّتَيْنِ وَلَمْ يَرَ عَلِيٌّ ذَلِكَ، وَقَالَ: لَعَلَّ الْمَيِّتَيْنِ قَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الآخَرَ وَهَذَا لاَ يَصِحُّ عَنْ عَلِيٍّ ; لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ، رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سِمَاكٍ، فَقَالَ: عَنْ عُبَيْدِ بْنِ الْقَعْقَاعِ. وَرَوَاهُ أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ فَقَالَ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَعْقَاعِ، وَكِلاَهُمَا لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ وَسِمَاكٌ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ. وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مُخَالِفًا لِقَوْلِ الْحَنَفِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَقَادَ مِنْ السَّكْرَانِ، قَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ: وَكَانَ الْقَاتِلُ مُحَمَّدَ بْنَ النُّعْمَانِ الأَنْصَارِيَّ وَالْمَقْتُولُ عُمَارَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. قال أبو محمد رضي الله عنه: وَهَذَا لاَ يَصِحُّ ; لأََنَّ يَحْيَى لَمْ يُولَدْ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ مُعَاوِيَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ، أَوَّلُ مَنْ ضَعَّفَهُ: مَالِكٌ، وَلاَ نَعْلَمْ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ شَيْئًا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا وَصَحَّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَرَبِيعَةَ.وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: يُقَادُ مِنْ السَّكْرَانِ، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولٍ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ النُّصُوصَ وَمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَالْقِيَاسُ، كَمَا ذَكَرْنَا. قال أبو محمد رضي الله عنه: رُوِّينَا مِنْ طَرِيق عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّ فِي كِتَابٍ لأََبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: لاَ قَوَدَ، وَلاَ قِصَاصَ، وَلاَ حَدَّ، وَلاَ جِرَاحَ، وَلاَ قَتْلَ، وَلاَ نَكَالَ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ حَتَّى يَعْلَمَ مَا لَهُ فِي الإِسْلاَمِ، وَمَا عَلَيْهِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: أَنَّ السَّكْرَانَ لاَ يَلْزَمُهُ طَلاَقٌ فَصَحَّ أَنَّهُ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْنُونِ وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَالْمُزَنِيُّ، وَالطَّحَاوِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَإِيجَابُ الْغَرَامَةِ شَرْعٌ، فَإِذَا كَانَ بِغَيْرِ نَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ فَهُوَ شَرْعٌ مِنْ الدِّينِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا. قال أبو محمد رضي الله عنه: إِلاَّ أَنَّ مَنْ فَعَلَ هَذَا مِنْ الصِّبْيَانِ، أَوْ الْمَجَانِينِ، أَوْ السُّكَارَى فِي: دَمٍ، أَوْ جُرْحٍ، أَوْ مَالٍ: فَفُرِضَ ثِقَافُهُ فِي بَيْتٍ لِيَكُفَّ أَذَاهُ، حَتَّى يَتُوبَ السَّكْرَانُ، وَيُفِيقَ الْمَجْنُونُ، وَيَبْلُغَ الصَّبِيُّ. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَإِنْ قَتَلَ مُسْلِمٌ عَاقِلٌ بَالِغٌ: ذِمِّيًّا، أَوْ مُسْتَأْمَنًا عَمْدًا، أَوْ خَطَأً فَلاَ قَوَدَ عَلَيْهِ، وَلاَ دِيَةَ، وَلاَ كَفَّارَةَ وَلَكِنْ يُؤَدَّبُ فِي الْعَمْدِ خَاصَّةً، وَيُسْجَنُ حَتَّى يَتُوبَ كَفًّا لِضَرَرِهِ. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهَا مَالِكٌ: لاَ يُقَادُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ إِلاَّ أَنْ يَقْتُلَهُ غِيلَةً، أَوْ حِرَابَةً، فَيُقَادُ بِهِ، وَلاَ بُدَّ وَعَلَيْهِ فِي قَتْلِهِ خَطَأً أَوْ عَمْدًا غَيْرَ غِيلَةٍ الدِّيَةُ فَقَطْ، وَالْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهَا الشَّافِعِيُّ: لاَ يُقَادُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ أَصْلاً، لَكِنْ عَلَيْهِ فِي قَتْلِهِ إيَّاهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً الدِّيَةُ، وَالْكَفَّارَةُ. وَجَاءَ فِي ذَلِكَ عَنْ السَّلَفِ. مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّ رَجُلاً مُسْلِمًا قَتَلَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ فَأَقَادَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ وَكِيعٌ: وَحَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ بِمِثْلِهِ سَوَاءً سَوَاءً وَهَذَا مُرْسَلٌ. أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الأَوْدِيُّ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنَ مَسْعُودٍ، قَالاَ جَمِيعًا: مَنْ قَتَلَ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا قُتِلَ بِهِ وَهَذَا مُرْسَلٌ أَيْضًا. وَصَحَّ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيق عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: شَهِدْت كِتَابَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى بَعْضِ أُمَرَائِهِ فِي مُسْلِمٍ قَتَلَ ذِمِّيًّا: فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى وَلِيِّهِ، فَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ قَالَ مَيْمُونٌ: فَدُفِعَ إلَيْهِ فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَأَنَا أَنْظُرُهُ وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيق حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: الْمُسْلِمُ الْحُرُّ يُقْتَلُ بِالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ مِثْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ أَبِي يُوسُفَ. وَقَدْ اخْتَلَفَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي ذَلِكَ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ قَاضِي الْيَمَنِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي زِيَادِ بْنِ مُسْلِمٍ وَكَانَ قَدْ قَتَلَ هِنْدِيًّا بِالْيَمَنِ: أَنْ أَغْرِمْهُ خَمْسَمِائَةٍ، وَلاَ تُقِدْهُ بِهِ. وَقَوْلٌ آخَرُ رُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْمُسْلِمِ يَقْتُلُ الذِّمِّيَّ: إنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ خُلُقًا وَعَادَةً، وَكَانَ لِصًّا عَادِيًا فَأَقِدْهُ بِهِ وَرُوِيَ: فَاضْرِبْ عُنُقَهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي غَضَبِهِ، أَوْ طِيَرَةً، فَأَغْرِمْهُ الدِّيَةَ وَرُوِيَ فَأَغْرِمْهُ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، وَلاَ يَصِحُّ عَنْ عُمَرَ ; لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَرَّرٍ وَهُوَ هَالِكٌ عَنْ أَبِي مُلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ: أَنَّ عُمَرَ وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي كِتَابٍ لأََبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ أَنَّ عُمَرَ، وَهَذَا مُرْسَلٌ. أَوْ مِنْ طَرِيقِ سُوءٍ فِيهَا: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ الأَنْدَلُسِيُّ عَنْ أَسَدِ بْنِ مُوسَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَنَّ عُمَرَ وَهَذَا مُرْسَلٌ. وَقَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لاَ يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ إِلاَّ أَنْ يَقْتُلَهُ غِيلَةً: رُوِّينَاهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مِنْ طَرِيقٍ هَالِكَةٍ مُرْسَلَةً فِيهَا: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ الأَنْدَلُسِيُّ عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ الْهُذَلِيِّ قَالَ: كَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ إلَى عُثْمَانَ: أَنَّ رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَدَا عَلَى دِهْقَانٍ فَقَتَلَهُ عَلَى مَالِهِ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُثْمَانُ: أَنْ أَقْتُلْهُ بِهِ فَإِنَّ هَذَا قَتْلُ غِيلَةٍ عَلَى الْحِرَابَةِ: وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَرِجَالٍ كَثِيرٍ مِنْ أَبْنَاءِ الصَّحَابَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الأَنْدَلُسِيِّ وَفِي بَعْضِهَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَبَعْضُهَا مُرْسَلٌ، وَلاَ يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ. وَقَوْلٌ آخَرُ لاَ يُقْتَلُ بِهِ، كَمَا رُوِّينَا بِالرِّوَايَةِ الثَّابِتَةِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ أَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ أَنَّ رَجُلاً مُسْلِمًا قَتَلَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَنْ يُقَادَ بِهِ ثُمَّ كَتَبَ عُمَرُ كِتَابًا بَعْدَهُ: أَنْ لاَ تَقْتُلُوهُ، وَلَكِنْ اعْقِلُوهُ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ أَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ النَّصْرَانِيَّ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَضَى: أَنْ لاَ يُقْتَلَ بِهِ، وَأَنْ يُعَاقَبَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلاً مُسْلِمًا قَتَلَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَمْدًا فَدُفِعَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَلَمْ يَقْتُلْهُ بِهِ، وَغَلَّظَ عَلَيْهِ الدِّيَةَ كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَقَتَلَ خَالِدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ، هُوَ ابْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَجُلاً ذِمِّيًّا فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ فَلَمْ يَقْتُلْهُ بِهِ، وَغَلَّظَ عَلَيْهِ الدِّيَةَ أَلْفَ دِينَارٍ. قال أبو محمد رضي الله عنه: هَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ عَنْ عُثْمَانَ، وَلاَ يَصِحُّ فِي هَذَا شَيْءٌ غَيْرَ هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ إِلاَّ مَا ذَكَرْنَا عَنْ عُمَرَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا رَبَاحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَنِي حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ أَنَّ يَهُودِيًّا قُتِلَ غِيلَةً فَقَضَى فِيهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ أَنَا أَبُو هِلاَلٍ أَنَا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ. وَرُوِيَتْ بِذَلِكَ مُرْسَلاَتٌ مِنْ طَرِيقِ الصَّحَابَةِ جُمْلَةً، وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي الْمُسْلِمُ يَقْتُلُ الذِّمِّيَّ: لاَ يُقْتَلُ بِهِ، وَفِيهِ الدِّيَةُ. قال أبو محمد رضي الله عنه: وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ وَإِلَيْهِ رَجَعَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ. رُوِّينَا ذَلِكَ: مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْهُ. قال أبو محمد رضي الله عنه: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي تَفْرِيقِهِ بَيْنَ الذِّمِّيِّ، وَالْمُعَاهِدِ، فَمَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ، وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلاَ مِنْ التَّابِعِينَ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ، وَلاَ مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ فَسَقَطَ بِيَقِينٍ. وَكَذَلِكَ وَجَدْنَا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَرَّةِ، وَبَيْنَ الْإِكْثَارِ مِنْ ذَلِكَ، لاَ حُجَّةَ لَهُمْ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ، وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ ثَابِتَةٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ، وَلاَ مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْغِيلَةِ وَغَيْرِهَا وَكَذَلِكَ أَيْضًا سَوَاءً سَوَاءً، إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا قَتَلْنَاهُ لِلْحِرَابَةِ. فَقُلْنَا: أَنْتُمْ لاَ تَقُولُونَ بِالتَّرْتِيبِ فِي حَدِّ الْحِرَابَةِ، وَلَوْ قُلْتُمُوهُ لَكُنْتُمْ مُتَنَاقِضِينَ أَيْضًا; لأََنَّهُ لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِمَّنْ قَالَ بِالتَّرْتِيبِ فِي أَنَّهُ لاَ يُقْتَلُ الْمُحَارِبُ إنْ قُتِلَ فِي حِرَابَةٌ، مَنْ لاَ يُقْتَلُ بِهِ إنْ قَتَلَهُ فِي غَيْرِ الْحِرَابَةِ، وَأَنْتُمْ لاَ تَقْتُلُونَ الْمُسْلِمَ بِالذِّمِّيِّ فِي غَيْرِ الْحِرَابَةِ فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا التَّقْسِيمِ بِيَقِينٍ. وَأَمَّا الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ الْمَالِكِيِّينَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِتَخْيِيرِ الْإِمَامِ فِي قَتْلِ الْمُحَارِبِ، أَوْ صَلْبِهِ، أَوْ قَطْعِهِ، أَوْ نَفْيِهِ فَمِنْ أَيْنَ أَوْجَبُوا قَتْلَ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ، وَلاَ بُدَّ فِي الْحِرَابَةِ وَتَرَكُوا قَوْلَهُمْ فِي تَخْيِيرِ الْإِمَامِ فِيهِ فَوَضَحَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ بِيَقِينٍ لاَ إشْكَالَ فِيهِ، وَأَنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ، وَبِالْمُعَاهَدِ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَمَّا يُقَادُ. وَبِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا لاَ يَحِلُّ دَمُ رَجُلٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ، فَذَكَر فِيهِمْ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَسَنَذْكُرُهُمَا بِأَسَانِيدِهِمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا. قال أبو محمد رضي الله عنه: وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ يَرْفَعُهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ أَقَادَ مُسْلِمًا قَتَلَ يَهُودِيًّا، وَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ. وَرَوَاهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَلاَمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ الْمَدَنِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ ادَّعَوْا فِيهَا الْإِجْمَاعَ وَهُوَ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَمَّا مَاتَ أَبُوهُ رضي الله عنه قَتَلَ الْهُرْمُزَانِ وَكَانَ مُسْلِمًا، وَقَتَلَ جُفَيْنَةَ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا، وَقَتَلَ بُنَيَّةً صَغِيرَةً لأََبِي لُؤْلُؤَةَ وَكَانَتْ تَدَّعِي الإِسْلاَمَ فَأَشَارَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى عُثْمَانَ بِقَتْلِهِ قَالُوا: فَظَاهِرُ الأَمْرِ أَنَّهُمْ أَشَارُوا بِقَتْلِهِ بِهِمْ ثَلاَثَتِهِمْ. وَقَالُوا: كَمَا لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الْمُسْلِمَ يُقْطَعُ إنْ سَرَقَ مِنْ مَالِ الذِّمِّيِّ، وَالْمُسْتَأْمَنِ، فَقَتْلُهُ بِهِمَا أَوْلَى ; لأََنَّ الدَّمَ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْ الْمَالِ، وَقَالُوا لَنَا خَاصَّةً: أَنْتُمْ تَحُدُّونَ الْمُسْلِمَ إنْ قَذَفَ الذِّمِّيَّ، وَالْمُسْتَأْمَنَ، وَتَمْنَعُونَ مِنْ قَتْلِهِ بِقَتْلِهِ لَهُمَا وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا وَاحْتَجُّوا عَلَى الشَّافِعِيِّينَ بِقَوْلِهِمْ: إنْ قَتَلَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ عِنْدَكُمْ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ قَتْلِكُمْ مُسْلِمًا بِكَافِرٍ، وَبَيْنَ قَتْلِكُمْ مُسْلِمًا بِكَافِرٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى. قال أبو محمد رضي الله عنه: وَكُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ: أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَيْضًا فَفِي آخِرِ هَذِهِ الآيَةِ بَيَانُ أَنَّهَا فِي الْمُؤْمِنِينَ بِالْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً ; لِأَنَّهُ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي آخِرِهَا: وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَمَّا قوله تعالى: وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَمَّا قوله تعالى: فَقَالَ عَلِيٌّ: فَاَللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً. قال أبو محمد رضي الله عنه: يَسِيعُ الْكِنْدِيُّ مَجْهُولٌ لاَ يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هُوَ وَجَوَابُ هَذَا السَّائِلِ: أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ حَقٌّ وَاجِبٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إنَّمَا مَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلٌ بِحَقٍّ يَجْعَلُهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ، وَيَأْمُرُ بِإِنْفَاذِهِ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَمَّا بِالظُّلْمِ وَالتَّعَدِّي فَلَمْ يُؤَمِّنَّا اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا أَطْلَقَ أَيْدِي الْكُفَّارِ فِيمَا خَلاَ عَلَى بَعْضِ الأَنْبِيَاءِ عليهم الصلاة والسلام فَقَتَلُوهُمْ، وَعَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَرَحُوا وَجْهَهُ الْمُقَدَّسَ، وَكَسَرُوا ثَنِيَّتَهُ بِنَفْسِي هُوَ، وَبِأَبِي وَأُمِّي. وَكَمَا أَطْلَقَ أَلْسِنَةَ الْحَنَفِيِّينَ، وَأَيْدِي مَنْ وَافَقَهُمْ بِإِيجَابِ الْبَاطِلِ فِي الْقِصَاصِ لِلْكَافِرِ مِنْ الْمُسْلِمِ وَكُلُّ ذَلِكَ ظُلْمٌ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَلاَ رَضِيَهُ، وَلاَ جَعَلَهُ حَقًّا، بَلْ أَنْكَرَهُ عَزَّ وَجَلَّ أَشَدَّ الْإِنْكَارِ نَعَمْ، وَفِي الآيَةِ الَّتِي فِيهَا وَكَذَلِكَ قوله تعالى: فَإِنْ قَالُوا: فَإِذْ لاَ يُسَاوُونَنَا فَلِمَ قَتَلْتُمْ الْكَافِرَ بِالْمُؤْمِنِ. قلنا: وَلاَ كَرَامَةَ أَنْ نَقْتُلَهُ بِهِ قَوَدًا، بَلْ قَتَلْنَاهُ ; لأََنَّهُ نَقَضَ الذِّمَّةَ، وَخَالَفَ الْعَهْدَ بِخُرُوجِهِ عَنْ الصَّغَارِ، وَكَذَلِكَ نَقْتُلُهُ إنْ لَطَمَ مُسْلِمًا أَوْ سَبَّهُ، وَنَسْتَفِيءُ جَمِيعَ مَالِهِ بِذَلِكَ، وَنَسْبِي أَهْلَهُ وَصِغَارَ وَلَدِهِ. فَإِنْ قَالُوا: فَلِمَ تَحْكُمُونَ عَلَى الْمُسْلِمِ بِرَدِّ مَا غَصَبَهُ مِنْ الذِّمِّيِّ أَوْ مَنَعَهُ إيَّاهُ مِنْ الْمَالِ قلنا: لَيْسَ فِي هَذَا سَبِيلٌ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ، إنَّمَا هِيَ مَظْلَمَةٌ يَبْرَأُ مِنْهَا الْمُسْلِمُ تَنْزِيهًا لَهُ عَنْ حَبْسِهَا فَقَطْ. قال أبو محمد رضي الله عنه: وَيُوَضِّحُ هَذَا غَايَةَ الْوُضُوحِ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ قَالَ: أَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ أَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَآخَرُ ذَكَرَهُ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. فَقُلْنَا: هَلْ عَهِدَ إلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدًا لَمْ يَعْهَدْهُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً قَالَ: لاَ، إِلاَّ مَا فِي كِتَابِي هَذَا، فَإِذَا فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ أَلاَ لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلاَ ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. أَنَا حِمَامُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حِمَامٍ الْقَاضِي أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ،، وَمُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَنَا أَبِي، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: أَنَا الْحُمَيْدِيُّ، ثُمَّ اتَّفَقَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَالْحُمَيْدِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ قَالاَ جَمِيعًا: أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ أَنَا مُطَرِّفُ بْنُ طَرِيفٍ قَالَ: سَمِعْت الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: أَنَا أَبُو جُحَيْفَةَ هُوَ السُّوَائِيُّ قَالَ: قُلْت لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِوَى الْقُرْآنِ. قَالَ عَلِيٌّ " لاَ، وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، إِلاَّ أَنْ يُعْطِيَ اللَّهُ عَبْدًا فَهْمًا فِي كِتَابِهِ، أَوْ مَا فِي الصَّحِيفَةِ قُلْت: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ قَالَ: الْعَقْلُ، وَفِكَاكُ الأَسِيرِ، وَأَنْ لاَ يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ ". قال أبو محمد رضي الله عنه: وَهَذَا لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ خِلاَفُهُ. فَاعْتَرَضَ فِيهِ أَهْلُ الْجَهَالَةِ الْمُضِلَّةِ بِأَنْ قَالُوا: قَدْ رُوِيَ هَذَا الْخَبَرُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ أَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ أَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي حَسَّانَ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مَا عَهِدَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا دُونَ النَّاسِ إِلاَّ صَحِيفَةً فِي قِرَابِ سَيْفِي فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَخْرَجَهَا فَإِذَا فِيهَا الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلاَ ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ. قَالُوا: فَمَرَّةً رَوَاهُ قَتَادَةُ عَنْ الْحَسَنِ، وَمَرَّةً رَوَاهُ عَنْ أَبِي حَسَّانَ مُرْسَلاً وَهَذِهِ عِلَّةٌ فِي الْخَبَرِ . فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا مَا جَعَلَ مِثْلَ هَذَا عِلَّةً، إِلاَّ ذُو عِلَّةٍ فِي دِينِهِ، وَمَا نَدْرِي فِي رِوَايَةِ قَتَادَةَ لِلْخَبَرِ مَرَّةً عَنْ أَبِي حَسَّانَ، وَمَرَّةً عَنْ الْحَسَنِ: وَجْهًا يَعْتَرِضُ بِهِ، إِلاَّ مَنْ عَدِمَ الْحَيَاءَ، وَكَابَرَ عَيْنَ الشَّمْسِ. وَقَالُوا أَيْضًا: قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: إنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ إنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَطَالَبُونَ بِالدِّمَاءِ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلاَمُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يُقْتَلُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِدَمٍ أَصَابَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. قال أبو محمد رضي الله عنه: هَذَا عَجَبٌ جِدًّا، أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ: كَذَّابٌ مَشْهُورٌ ثُمَّ لَوْ رَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ لَمَا كَانَتْ فِيهِ شُبْهَةٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا مُخَالِفٌ لِلْحَقِّ ; لأََنَّهُ إمَّا رَأَى مَا رَآهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فَهُوَ كَسَائِرِ الآرَاءِ، لاَ يُعْتَرَضُ بِهَا عَلَى السُّنَنِ، وَلاَ كَرَامَةَ. وَأَمَّا سَمِعَهُ مِمَّنْ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ فَهَذَا أَبْعَدُ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ لَكَانَ هَذَا خَبَرًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ، كَوَضْعِهِ عليه الصلاة والسلام دِمَاءَ الْجَاهِلِيَّةِ فِي " حَجَّةِ الْوَدَاعِ " وَكَانَ مَا فِي صَحِيفَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ خَبَرًا آخَرَ قَائِمًا بِنَفْسِهِ لاَ يَحِلُّ تَخْصِيصُهُ بِذَلِكَ الْخَبَرِ ; لأََنَّهُ عَمَلٌ فَاسِدٌ بِلاَ برهان، وَدَعْوَى بِلاَ بِدَلِيلٍ، وَضَرْبٌ لِلسُّنَنِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، كَمَنْ أَبَاحَ أَكْلَ الْخِنْزِيرِ، وَشُرْبَ الْخَمْرِ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: قال أبو محمد رضي الله عنه: حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ صَحِيفَةٌ لاَ يَجُوزُ الأَحْتِجَاجُ بِهَا وَهِيَ مَمْلُوءَةٌ مَنَاكِيرَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهَا حُجَّةٌ، بَلْ كَانَتْ تَكُونُ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ ; لأََنَّ فِيهَا أَنْ لاَ يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، فَهَذِهِ قَضِيَّةٌ صَحِيحَةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا وَهِيَ قَوْلُنَا. ثُمَّ فِيهَا حُكْمُ مَنْ قُتِلَ عَمْدًا فَلَوْ دَخَلَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الْمُؤْمِنُ يَقْتُلُ الذِّمِّيَّ عَمْدًا لَكَانَتْ مُخَالِفَةً لِلْحُكْمِ الَّذِي قَبْلَهَا وَهَذَا بَاطِلٌ فَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ بِلاَ شَكٍّ فِي الْمُؤْمِنِ يَقْتُلُ الْمُؤْمِنَ عَمْدًا، لاَ فِيمَا قَدْ أَبْطَلَهُ قَبْلُ مِنْ أَنْ يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ. وَقَالُوا: مَعْنَاهُ لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ، أَوْ إذَا قَتَلَهُ خَطَأً، فَكَانَ هَذَا مِنْ أَسْخَفِ مَا أَتَوْا بِهِ، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَظُنَّ هَذَا ذُو مِسْكَةِ عَقْلٍ، وَنَحْنُ مَنْدُوبُونَ إلَى قَتْلِ الْحَرْبِيِّينَ، مَوْعُودُونَ عَلَى قَتْلِهِمْ بِأَعْظَمِ الأَجْرِ، أَيُمْكِنُ أَنْ يَظُنَّ مَنْ بِهِ طَبَاخٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ هَذَا الْحَالِ وَأَمْرِهِ عليه الصلاة والسلام بِالْجِهَادِ يَتَكَلَّفُ أَنْ يُخْبِرَنَا أَنَّنَا لاَ نُقْتَلُ بِالْحَرْبِيِّينَ إذَا قَتَلْنَاهُمْ، مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِهِمْ السَّخِيفِ: أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَرَادَ أَنْ لاَ يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ إذَا قَتَلَهُ خَطَأً هَذَا وَاَللَّهِ يَقِينُ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُوجِبِ لِلنَّارِ، وَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَسَعَ هَذَا فِي دِمَاغِ مَنْ بِهِ مِسْكَةُ عَقْلٍ أَنْ يَكُونَ مُذْ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عليه الصلاة والسلام إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَدْ أَمِنَّا أَنْ يُقْتَلَ مِنَّا أَحَدٌ بِأَلْفِ كَافِرٍ قَتَلَهُمْ خَطَأً ثُمَّ يَتَكَلَّفُ عليه الصلاة والسلام إخْبَارَنَا بِأَنْ لاَ يُقْتَلَ الْمُؤْمِنُ بِكَافِرٍ قَتَلَهُ خَطَأً ثُمَّ لاَ يُبَيِّنُ لَنَا ذَلِكَ إِلاَّ بِكَلاَمٍ مُجْمَلٍ لاَ يَفْهَمُ أَحَدٌ مِنْهُ هَذَا الْمَعْنَى، إنَّمَا يَأْتِي بِهِ الْمُتَكَلِّفُونَ لِنَصْرِ الْبَاطِلِ، وَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَأَمَرَهُ رَبُّهُ تَعَالَى بِالْبَيَانِ لَنَا: فَلاَ، وَلاَ كَرَامَةَ، لَقَدْ نَزَّهَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ هَذَا وَبَاعَدَهُ عَنْ أَنْ يَظُنَّ بِهِ ذَلِكَ مُسْلِمٌ. وَقَالُوا فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلاَ ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ، وَلاَ ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ وَقَدْ صَحَّ بِلاَ خِلاَفٍ وُجُوبُ قَتْلِ الْمُعَاهَدِ بِالذِّمِّيِّ. فَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِالْكَافِرِ: الْحَرْبِيَّ. قال أبو محمد رضي الله عنه: وَهَذَا كَذِبٌ آخَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوجِبٌ لِصَاحِبِهِ وُلُوجَ النَّارِ وَاللَّعْنَةَ، إذْ تَحَكَّمُوا فِي كَلاَمِهِ عليه الصلاة والسلام بِلاَ دَلِيلٍ، وَلَيْسَ إذَا وُجِدَ نَصٌّ قَدْ قَامَ الْبُرْهَانُ: بِأَنَّ فِيهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَجَبَ أَنْ يَحْكُمَ فِي نَصٍّ آخَرَ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ بِلاَ دَلِيلٍ، كَمَا أَنَّهُ إذْ وُجِدَ نَصٌّ مَنْسُوخٌ لَمْ يَحِلَّ لأََحَدٍ أَنْ يَقُولَ فِي نَصٍّ آخَرَ لَمْ يَأْتِ دَلِيلٌ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ: هَذَا مَنْسُوخٌ هَذِهِ صِفَةُ الْكَذَّابِينَ الْفُسَّاقِ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَذِبِ. وَقَالُوا: إنَّ الشَّعْبِيَّ هُوَ أَحَدُ رُوَاةِ ذَلِكَ الْخَبَرِ وَهُوَ يَرَى قَتْلَ الْمُؤْمِنِ بِالذِّمِّيِّ . فَقُلْنَا: هَذَا لَمْ يَصِحَّ قَطُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ ; لأََنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ إِلاَّ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ، وَدَاوُد بْنُ يَزِيدَ الزَّغَافِرِيُّ وَهُوَ سَاقِطٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُ لَكَانَ الْوَاجِبُ رَفْضَ رَأْيِهِ وَاطِّرَاحَهُ وَالأَخْذَ بِرِوَايَتِهِ. لأََنَّهُ وَغَيْرُهُ مِنْ الأَئِمَّةِ مَوْثُوقٌ بِهِمْ فِي أَنَّهُمْ لاَ يَكْذِبُونَ لِفَضْلِهِمْ غَيْرَ مَوْثُوقٍ بِهِمْ بِأَنَّهُمْ لاَ يُخْطِئُونَ، بَلْ كُلُّ أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مَعْصُومٍ مِنْ الْخَطَأِ، وَلاَ بُدَّ، وَلَيْسَ يُخْطِئُ أَحَدٌ فِي الدِّينِ إِلاَّ لِمُخَالَفَةِ نَصِّ قُرْآنٍ، أَوْ نَصِّ سُنَّةٍ بِتَأْوِيلٍ مِنْهُ قَصَدَ بِهِ الْحَقَّ فَأَخْطَأَهُ وَقَدْ أَفْرَدْنَا بَابًا ضَخْمًا فِي كِتَابِنَا الْمَوْسُومِ " بِالْإِعْرَابِ " فِيمَا أَخَذَ بِهِ الْحَنَفِيُّونَ مِنْ السُّنَنِ الَّتِي خَالَفَهَا مَنْ رَوَاهَا مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،، وَهَذَا مِنْ أَبْرَدِ مَا مَوَّهُوا بِهِ. فَهَذَا مَا اعْتَرَضُوا بِهِ قَدْ أَوْضَحَنَا سُقُوطَ أَقْوَالِهِمْ فِيهِ. وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِخَبَرِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ. وَرَبِيعَةَ، عَنِ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيّ فَمُرْسَلاَنِ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ. فَإِنْ لَجُّوا: قلنا لَهُمْ: دُونَكُمْ مُرْسَلاً مِثْلَهُمَا أَنَا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ أَنَا الدَّبَرِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ قَتَلَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَأَنَّهُ يُنْفَى مِنْ أَرْضِهِ إلَى غَيْرِهَا. وَذَكَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى بِذَلِكَ. وَأَمَّا قِصَّةُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَقَتْلُهُ الْهُرْمُزَانَ، وَجُفَيْنَةَ وَبِنْتَ أَبِي لُؤْلُؤَةَ فَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ نَصٌّ، وَلاَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَحَدًا قَالَ بِقَتْلِ جُفَيْنَةَ: فَبَطَلَ بِذَلِكَ دَعْوَاهُمْ. وَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا طُولِبَ بِدَمِ الْهُرْمُزَانِ فَقَطْ، وَكَانَ مُسْلِمًا، وَلاَ خِلاَفَ فِي الْقَوَدِ لِلْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقْحَمَ فِي الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ بِغَيْرِ نَصٍّ، وَلاَ إجْمَاعٍ. وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّهُ كَمَا يَجِبُ قَطْعُ يَدِ الْمُسْلِمِ إذَا سَرَقَ مَالَ ذِمِّيٍّ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ قَتْلُهُ بِهِ، فَقِيَاسٌ فَاسِدٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ ; لأََنَّ الْقَوَدَ، وَالْقِصَاصَ لِلْمُسْلِمِ مِنْ الذِّمِّيِّ حَقٌّ لِلذِّمِّيِّ عِنْدَهُمْ، لَهُ طَلَبُهُ، وَلَهُ تَرْكُهُ وَالْعَفْوُ عَنْهُ. وَهَذَا هُوَ السَّبِيلُ الَّذِي مَنَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَّا، وَلَمْ يَجْعَلْهَا لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ، لَيْسَ هُوَ مِنْ حُقُوقِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ الْمَالُ، وَلاَ لَهُ طَلَبُهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَلاَ لَهُ الْعَفْوُ عَنْهُ، إنَّمَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِهِ شَاءَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ أَوْ أَبَى فَلاَ سَبِيلَ فِيهِ لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ أَصْلاً. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّا نَحُدُّ الْمُسْلِمَ إذَا قَذَفَ الذِّمِّيَّ. قلنا: نَعَمْ، وَكَذَلِكَ نَحُدُّهُ إذَا قَذَفَ الْحَرْبِيَّ، وَلاَ فَرْقَ، لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ كِلاَ الأَمْرَيْنِ حَقًّا لِلذِّمِّيِّ، وَلاَ لِلْمَقْذُوفِ، وَلاَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَلاَ لَهُمَا الْعَفْوُ عَنْهُ، وَلاَ طَلَبُهُ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ. إنَّمَا الْحَدُّ فِي الْقَذْفِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَمَرَ بِهِ كَمَا هُوَ الْحَدُّ فِي الْخَمْرِ لِذِمِّيٍّ كَانَتْ أَوْ لِحَرْبِيٍّ، وَلاَ فَرْقَ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّكُمْ تُغَرِّمُونَ الْمُسْلِمَ الْمَالَ إذَا وَجَبَ لِلذِّمِّيِّ قِبَلَهُ، وَتَأْخُذُونَهُ مِنْ الْمُسْلِمِ بِالسَّجْنِ وَالأَدَبِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ قلنا: نَعَمْ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْقَوَدِ وَالْقِصَاصِ فِي شَيْءٍ ; لأََنَّ الْمَالَ الْمَأْخُوذَ بِغَيْرِ حَقٍّ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى آخِذِهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ وَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ، فَإِنَّمَا هُوَ بَاطِلٌ مَنَعْنَاهُ مِنْهُ، وَأَزَلْنَاهُ عَنْ يَدِهِ، كَمَا نَمْنَعُهُ مِنْ قَتْلِ الذِّمِّيِّ بِلاَ حَقٍّ، وَلاَ فَرْقَ. وَلَوْ قَدَرْنَا عَلَى تَكْلِيفِهِ إحْيَاءَ الذِّمِّيِّ الَّذِي قَتَلَ لَفَعَلْنَا ذَلِكَ بِهِ، فَإِذْ لاَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، إِلاَّ الأَدَبُ ; لِتَعَدِّيهِ إلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَقَطْ كَمَا نُؤَدِّبُهُ فِي غَصْبِهِ مَالَهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهِ، وَلاَ عَلَى إنْصَافِهِ فَقَطْ، وَلَيْسَ كُلُّ مُتَعَدٍّ إلَى مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَلْزَمُهُ قَتْلٌ، وَلاَ قَطْعُ عُضْوٍ، وَلاَ قِصَاصٌ. وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ عَلَى مَنْ قَالَ: إذَا قَتَلَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ: فَالْقَوَدُ عَلَيْهِ بَاقٍ فَقَدْ أَخْطَأَ هَذَا الْقَائِلُ، بَلْ قَدْ سَقَطَ الْقَوَدُ وَالْقِصَاصُ عَنْهُ ; لأََنَّهُ قَتْلُ مُؤْمِنٍ بِكَافِرٍ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثُمَّ يُعْكَسُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْقِيَاسَاتُ الْفَاسِدَةُ فَيُقَالُ لَهُمْ: كَمَا لاَ تَحُدُّونَ أَنْتُمْ الْمُسْلِمَ إذَا قَذَفَ الذِّمِّيَّ، وَتَحُدُّونَ الذِّمِّيَّ إذَا قَذَفَ الْمُسْلِمَ، فَكَذَلِكَ اُقْتُلُوا الذِّمِّيَّ بِالْمُسْلِمِ، وَلاَ تَقْتُلُوا الْمُسْلِمَ بِالذِّمِّيِّ وَهَذَا أَصَحُّ قِيَاسٍ يَكُونُ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لأََنَّهَا حُرْمَةٌ وَحُرْمَةٌ. وَمِنْ غَرَائِبِ الْقَوْلِ: احْتِجَاجُ الْحَنَفِيِّينَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ قَاتِلِ الْمُسْتَأْمَنِ فَلاَ يُقِيدُونَهُ بِهِ، وَبَيْنَ قَاتِلِ الذِّمِّيِّ فَيُقِيدُونَهُ بِهِ. فَإِنْ قَالُوا: الذِّمِّيُّ مَحْقُونُ الدَّمِ بِغَيْرِ وَقْتٍ، وَالْمُسْتَأْمَنُ مَحْقُونُ الدَّمِ بِوَقْتٍ ثُمَّ يَعُودُ دَمُهُ حَلاَلاً إذَا رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَلاَ نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَجَبَ إسْقَاطُ الْقَوَدِ بِهَذَا الْفَرْقِ، وَكِلاَهُمَا مُحَرَّمُ الدَّمِ إذَا قُتِلَ: تَحْرِيمًا مُسَاوِيًا لِتَحْرِيمِ الآخَرِ. وَإِنَّمَا يُرَاعَى الْحُكْمُ وَقْتَ الْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْحُكْمِ لاَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَعَلَّ الْمُسْتَأْمَنَ لاَ يَرْجِعُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَلَعَلَّ الذِّمِّيَّ يَنْقُضُ الذِّمَّةَ وَيَلْحَقُ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيَعُودُ دَمُهُ حَلاَلاً، وَلاَ فَرْقَ وَحَسْبُك بِقَوْمٍ هَذَا مِقْدَارُ عِلْمِهِمْ الَّذِي بِهِ يُحِلُّونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. قال أبو محمد رضي الله عنه: وَأَمَّا قَوْلُنَا: لاَ دِيَةَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي قَتْلِهِ الذِّمِّيَّ عَمْدًا، وَلاَ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي قَتْلِهِ إيَّاهُ خَطَأً، وَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ أَيْضًا فَلِمَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ فِي أَوَّلِ كَلاَمِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَنَّ الآيَةَ الَّتِي فِيهَا إيجَابُ الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ إنَّمَا هِيَ فِي الْمُؤْمِنِ الْمَقْتُولِ خَطَأً فَقَطْ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ نَصٌّ فِي إيجَابِ دِيَةٍ، وَلاَ كَفَّارَةٍ، فِي قَتْلِ الْكَافِرِ الذِّمِّيِّ خَطَأً. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، وَلاَ يَجُوزُ عَلَى أُصُولِ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ أَنْ يُقَاسَ الشَّيْءُ إِلاَّ عَلَى نَظِيرِهِ، وَلَيْسَ الْكَافِرُ نَظِيرَ الْمُؤْمِنِ، وَلاَ مَثَلاً، فَقِيَاسُهُ عَلَيْهِ بَاطِلٌ عَلَى أُصُولِ الْقَائِلِينَ بِالْقِيَاسِ، وَالْمَانِعِينَ مِنْهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا الدِّيَةَ فِي قَتْلِ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَ خَطَأً بِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَأَمَّا هَذِهِ الآيَةُ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا أَصْلاً، لأََنَّ نَصَّهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَنَا يُونُسُ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى الْعِتْقَ إِلاَّ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عِيَاضٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ. فَإِنْ شَغَبُوا بِمَا نَاهَ الطَّلْمَنْكِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ أَنَا الصَّمُوتُ مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ أَنَا الْبَزَّارُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الزَّنَادِيُّ أَنَا أَبُو دَاوُد أَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُجَيْدٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: إنَّ رَجُلاً مِنْ خُزَاعَةَ قَتَلَ رَجُلاً مِنْ هُذَيْلٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كُنْتُ قَاتِلاً مُؤْمِنًا بِكَافِرٍ لَقَتَلْتُهُ فَأَخْرِجُوا عَقْلَهُ فَإِنَّ يَعْقُوبَ وَأَبَاهُ وَجَدَّهُ مَجْهُولُونَ. وَأَمَّا أَدَبُهُ وَسَجْنُهُ فَالثَّابِتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَنْعُ مِنْ أَنْ يُجْلَدَ أَحَدٌ فِي غَيْرِ حَدٍّ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ جَلَدَاتٍ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ وَقَتْلُ الذِّمِّيِّ بِغَيْرِ حَقٍّ مُنْكَرٌ فَوَاجِبٌ تَغْيِيرُهُ بِالْيَدِ وَقَالَ تَعَالَى: حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ صَحِيفَةٌ لاَ يَجُوزُ الأَحْتِجَاجُ بِهَا وَهِيَ مَمْلُوءَةٌ مَنَاكِيرَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهَا حُجَّةٌ، بَلْ كَانَتْ تَكُونُ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ ; لأََنَّ فِيهَا أَنْ لاَ يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، فَهَذِهِ قَضِيَّةٌ صَحِيحَةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا وَهِيَ قَوْلُنَا. ثُمَّ فِيهَا حُكْمُ مَنْ قُتِلَ عَمْدًا فَلَوْ دَخَلَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الْمُؤْمِنُ يَقْتُلُ الذِّمِّيَّ عَمْدًا لَكَانَتْ مُخَالِفَةً لِلْحُكْمِ الَّذِي قَبْلَهَا وَهَذَا بَاطِلٌ فَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ بِلاَ شَكٍّ فِي الْمُؤْمِنِ يَقْتُلُ الْمُؤْمِنَ عَمْدًا، لاَ فِيمَا قَدْ أَبْطَلَهُ قَبْلُ مِنْ أَنْ يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ. وَقَالُوا: مَعْنَاهُ لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ، أَوْ إذَا قَتَلَهُ خَطَأً، فَكَانَ هَذَا مِنْ أَسْخَفِ مَا أَتَوْا بِهِ، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَظُنَّ هَذَا ذُو مِسْكَةِ عَقْلٍ، وَنَحْنُ مَنْدُوبُونَ إلَى قَتْلِ الْحَرْبِيِّينَ، مَوْعُودُونَ عَلَى قَتْلِهِمْ بِأَعْظَمِ الأَجْرِ، أَيُمْكِنُ أَنْ يَظُنَّ مَنْ بِهِ طَبَاخٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ هَذَا الْحَالِ وَأَمْرِهِ عليه الصلاة والسلام بِالْجِهَادِ يَتَكَلَّفُ أَنْ يُخْبِرَنَا أَنَّنَا لاَ نُقْتَلُ بِالْحَرْبِيِّينَ إذَا قَتَلْنَاهُمْ، مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِهِمْ السَّخِيفِ: أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَرَادَ أَنْ لاَ يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ إذَا قَتَلَهُ خَطَأً هَذَا وَاَللَّهِ يَقِينُ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُوجِبِ لِلنَّارِ، وَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَسَعَ هَذَا فِي دِمَاغِ مَنْ بِهِ مِسْكَةُ عَقْلٍ أَنْ يَكُونَ مُذْ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عليه الصلاة والسلام إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَدْ أَمِنَّا أَنْ يُقْتَلَ مِنَّا أَحَدٌ بِأَلْفِ كَافِرٍ قَتَلَهُمْ خَطَأً ثُمَّ يَتَكَلَّفُ عليه الصلاة والسلام إخْبَارَنَا بِأَنْ لاَ يُقْتَلَ الْمُؤْمِنُ بِكَافِرٍ قَتَلَهُ خَطَأً ثُمَّ لاَ يُبَيِّنُ لَنَا ذَلِكَ إِلاَّ بِكَلاَمٍ مُجْمَلٍ لاَ يَفْهَمُ أَحَدٌ مِنْهُ هَذَا الْمَعْنَى، إنَّمَا يَأْتِي بِهِ الْمُتَكَلِّفُونَ لِنَصْرِ الْبَاطِلِ، وَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَأَمَرَهُ رَبُّهُ تَعَالَى بِالْبَيَانِ لَنَا: فَلاَ، وَلاَ كَرَامَةَ، لَقَدْ نَزَّهَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ هَذَا وَبَاعَدَهُ عَنْ أَنْ يَظُنَّ بِهِ ذَلِكَ مُسْلِمٌ. وَقَالُوا فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلاَ ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ، وَلاَ ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ وَقَدْ صَحَّ بِلاَ خِلاَفٍ وُجُوبُ قَتْلِ الْمُعَاهَدِ بِالذِّمِّيِّ. فَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِالْكَافِرِ: الْحَرْبِيَّ. قال أبو محمد رضي الله عنه: وَهَذَا كَذِبٌ آخَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوجِبٌ لِصَاحِبِهِ وُلُوجَ النَّارِ وَاللَّعْنَةَ، إذْ تَحَكَّمُوا فِي كَلاَمِهِ عليه الصلاة والسلام بِلاَ دَلِيلٍ، وَلَيْسَ إذَا وُجِدَ نَصٌّ قَدْ قَامَ الْبُرْهَانُ: بِأَنَّ فِيهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَجَبَ أَنْ يَحْكُمَ فِي نَصٍّ آخَرَ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ بِلاَ دَلِيلٍ، كَمَا أَنَّهُ إذْ وُجِدَ نَصٌّ مَنْسُوخٌ لَمْ يَحِلَّ لأََحَدٍ أَنْ يَقُولَ فِي نَصٍّ آخَرَ لَمْ يَأْتِ دَلِيلٌ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ: هَذَا مَنْسُوخٌ هَذِهِ صِفَةُ الْكَذَّابِينَ الْفُسَّاقِ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَذِبِ. وَقَالُوا: إنَّ الشَّعْبِيَّ هُوَ أَحَدُ رُوَاةِ ذَلِكَ الْخَبَرِ وَهُوَ يَرَى قَتْلَ الْمُؤْمِنِ بِالذِّمِّيِّ. فَقُلْنَا: هَذَا لَمْ يَصِحَّ قَطُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ ; لأََنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ إِلاَّ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ، وَدَاوُد بْنُ يَزِيدَ الزَّغَافِرِيُّ وَهُوَ سَاقِطٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُ لَكَانَ الْوَاجِبُ رَفْضَ رَأْيِهِ وَاطِّرَاحَهُ وَالأَخْذَ بِرِوَايَتِهِ. لأََنَّهُ وَغَيْرُهُ مِنْ الأَئِمَّةِ مَوْثُوقٌ بِهِمْ فِي أَنَّهُمْ لاَ يَكْذِبُونَ لِفَضْلِهِمْ غَيْرَ مَوْثُوقٍ بِهِمْ بِأَنَّهُمْ لاَ يُخْطِئُونَ، بَلْ كُلُّ أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مَعْصُومٍ مِنْ الْخَطَأِ، وَلاَ بُدَّ، وَلَيْسَ يُخْطِئُ أَحَدٌ فِي الدِّينِ إِلاَّ لِمُخَالَفَةِ نَصِّ قُرْآنٍ، أَوْ نَصِّ سُنَّةٍ بِتَأْوِيلٍ مِنْهُ قَصَدَ بِهِ الْحَقَّ فَأَخْطَأَهُ وَقَدْ أَفْرَدْنَا بَابًا ضَخْمًا فِي كِتَابِنَا الْمَوْسُومِ " بِالْإِعْرَابِ " فِيمَا أَخَذَ بِهِ الْحَنَفِيُّونَ مِنْ السُّنَنِ الَّتِي خَالَفَهَا مَنْ رَوَاهَا مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،، وَهَذَا مِنْ أَبْرَدِ مَا مَوَّهُوا بِهِ. فَهَذَا مَا اعْتَرَضُوا بِهِ قَدْ أَوْضَحَنَا سُقُوطَ أَقْوَالِهِمْ فِيهِ. وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِخَبَرِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ. وَرَبِيعَةَ، عَنِ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيّ فَمُرْسَلاَنِ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ. فَإِنْ لَجُّوا: قلنا لَهُمْ: دُونَكُمْ مُرْسَلاً مِثْلَهُمَا أَنَا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ أَنَا الدَّبَرِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ قَتَلَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَأَنَّهُ يُنْفَى مِنْ أَرْضِهِ إلَى غَيْرِهَا. وَذَكَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى بِذَلِكَ. وَأَمَّا قِصَّةُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَقَتْلُهُ الْهُرْمُزَانَ، وَجُفَيْنَةَ وَبِنْتَ أَبِي لُؤْلُؤَةَ فَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ نَصٌّ، وَلاَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَحَدًا قَالَ بِقَتْلِ جُفَيْنَةَ: فَبَطَلَ بِذَلِكَ دَعْوَاهُمْ. وَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا طُولِبَ بِدَمِ الْهُرْمُزَانِ فَقَطْ، وَكَانَ مُسْلِمًا، وَلاَ خِلاَفَ فِي الْقَوَدِ لِلْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقْحَمَ فِي الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ بِغَيْرِ نَصٍّ، وَلاَ إجْمَاعٍ. وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّهُ كَمَا يَجِبُ قَطْعُ يَدِ الْمُسْلِمِ إذَا سَرَقَ مَالَ ذِمِّيٍّ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ قَتْلُهُ بِهِ، فَقِيَاسٌ فَاسِدٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ ; لأََنَّ الْقَوَدَ، وَالْقِصَاصَ لِلْمُسْلِمِ مِنْ الذِّمِّيِّ حَقٌّ لِلذِّمِّيِّ عِنْدَهُمْ، لَهُ طَلَبُهُ، وَلَهُ تَرْكُهُ وَالْعَفْوُ عَنْهُ. وَهَذَا هُوَ السَّبِيلُ الَّذِي مَنَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَّا، وَلَمْ يَجْعَلْهَا لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ، لَيْسَ هُوَ مِنْ حُقُوقِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ الْمَالُ، وَلاَ لَهُ طَلَبُهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَلاَ لَهُ الْعَفْوُ عَنْهُ، إنَّمَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِهِ شَاءَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ أَوْ أَبَى فَلاَ سَبِيلَ فِيهِ لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ أَصْلاً. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّا نَحُدُّ الْمُسْلِمَ إذَا قَذَفَ الذِّمِّيَّ. قلنا: نَعَمْ، وَكَذَلِكَ نَحُدُّهُ إذَا قَذَفَ الْحَرْبِيَّ، وَلاَ فَرْقَ، لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ كِلاَ الأَمْرَيْنِ حَقًّا لِلذِّمِّيِّ، وَلاَ لِلْمَقْذُوفِ، وَلاَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَلاَ لَهُمَا الْعَفْوُ عَنْهُ، وَلاَ طَلَبُهُ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ. إنَّمَا الْحَدُّ فِي الْقَذْفِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَمَرَ بِهِ كَمَا هُوَ الْحَدُّ فِي الْخَمْرِ لِذِمِّيٍّ كَانَتْ أَوْ لِحَرْبِيٍّ، وَلاَ فَرْقَ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّكُمْ تُغَرِّمُونَ الْمُسْلِمَ الْمَالَ إذَا وَجَبَ لِلذِّمِّيِّ قِبَلَهُ، وَتَأْخُذُونَهُ مِنْ الْمُسْلِمِ بِالسَّجْنِ وَالأَدَبِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ. قلنا: نَعَمْ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْقَوَدِ وَالْقِصَاصِ فِي شَيْءٍ ; لأََنَّ الْمَالَ الْمَأْخُوذَ بِغَيْرِ حَقٍّ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى آخِذِهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ وَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ، فَإِنَّمَا هُوَ بَاطِلٌ مَنَعْنَاهُ مِنْهُ، وَأَزَلْنَاهُ عَنْ يَدِهِ، كَمَا نَمْنَعُهُ مِنْ قَتْلِ الذِّمِّيِّ بِلاَ حَقٍّ، وَلاَ فَرْقَ. وَلَوْ قَدَرْنَا عَلَى تَكْلِيفِهِ إحْيَاءَ الذِّمِّيِّ الَّذِي قَتَلَ لَفَعَلْنَا ذَلِكَ بِهِ، فَإِذْ لاَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، إِلاَّ الأَدَبُ ; لِتَعَدِّيهِ إلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَقَطْ كَمَا نُؤَدِّبُهُ فِي غَصْبِهِ مَالَهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهِ، وَلاَ عَلَى إنْصَافِهِ فَقَطْ، وَلَيْسَ كُلُّ مُتَعَدٍّ إلَى مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَلْزَمُهُ قَتْلٌ، وَلاَ قَطْعُ عُضْوٍ، وَلاَ قِصَاصٌ. وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ عَلَى مَنْ قَالَ: إذَا قَتَلَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ: فَالْقَوَدُ عَلَيْهِ بَاقٍ فَقَدْ أَخْطَأَ هَذَا الْقَائِلُ، بَلْ قَدْ سَقَطَ الْقَوَدُ وَالْقِصَاصُ عَنْهُ ; لأََنَّهُ قَتْلُ مُؤْمِنٍ بِكَافِرٍ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثُمَّ يُعْكَسُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْقِيَاسَاتُ الْفَاسِدَةُ فَيُقَالُ لَهُمْ: كَمَا لاَ تَحُدُّونَ أَنْتُمْ الْمُسْلِمَ إذَا قَذَفَ الذِّمِّيَّ، وَتَحُدُّونَ الذِّمِّيَّ إذَا قَذَفَ الْمُسْلِمَ، فَكَذَلِكَ اُقْتُلُوا الذِّمِّيَّ بِالْمُسْلِمِ، وَلاَ تَقْتُلُوا الْمُسْلِمَ بِالذِّمِّيِّ وَهَذَا أَصَحُّ قِيَاسٍ يَكُونُ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لأََنَّهَا حُرْمَةٌ وَحُرْمَةٌ. وَمِنْ غَرَائِبِ الْقَوْلِ: احْتِجَاجُ الْحَنَفِيِّينَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ قَاتِلِ الْمُسْتَأْمَنِ فَلاَ يُقِيدُونَهُ بِهِ، وَبَيْنَ قَاتِلِ الذِّمِّيِّ فَيُقِيدُونَهُ بِهِ. فَإِنْ قَالُوا: الذِّمِّيُّ مَحْقُونُ الدَّمِ بِغَيْرِ وَقْتٍ، وَالْمُسْتَأْمَنُ مَحْقُونُ الدَّمِ بِوَقْتٍ ثُمَّ يَعُودُ دَمُهُ حَلاَلاً إذَا رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَلاَ نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَجَبَ إسْقَاطُ الْقَوَدِ بِهَذَا الْفَرْقِ، وَكِلاَهُمَا مُحَرَّمُ الدَّمِ إذَا قُتِلَ: تَحْرِيمًا مُسَاوِيًا لِتَحْرِيمِ الآخَرِ. وَإِنَّمَا يُرَاعَى الْحُكْمُ وَقْتَ الْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْحُكْمِ لاَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَعَلَّ الْمُسْتَأْمَنَ لاَ يَرْجِعُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَلَعَلَّ الذِّمِّيَّ يَنْقُضُ الذِّمَّةَ وَيَلْحَقُ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيَعُودُ دَمُهُ حَلاَلاً، وَلاَ فَرْقَ وَحَسْبُك بِقَوْمٍ هَذَا مِقْدَارُ عِلْمِهِمْ الَّذِي بِهِ يُحِلُّونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. قال أبو محمد رضي الله عنه: وَأَمَّا قَوْلُنَا: لاَ دِيَةَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي قَتْلِهِ الذِّمِّيَّ عَمْدًا، وَلاَ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي قَتْلِهِ إيَّاهُ خَطَأً، وَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ أَيْضًا فَلِمَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ فِي أَوَّلِ كَلاَمِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَنَّ الآيَةَ الَّتِي فِيهَا إيجَابُ الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ إنَّمَا هِيَ فِي الْمُؤْمِنِ الْمَقْتُولِ خَطَأً فَقَطْ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ نَصٌّ فِي إيجَابِ دِيَةٍ، وَلاَ كَفَّارَةٍ، فِي قَتْلِ الْكَافِرِ الذِّمِّيِّ خَطَأً. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، وَلاَ يَجُوزُ عَلَى أُصُولِ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ أَنْ يُقَاسَ الشَّيْءُ إِلاَّ عَلَى نَظِيرِهِ، وَلَيْسَ الْكَافِرُ نَظِيرَ الْمُؤْمِنِ، وَلاَ مَثَلاً، فَقِيَاسُهُ عَلَيْهِ بَاطِلٌ عَلَى أُصُولِ الْقَائِلِينَ بِالْقِيَاسِ، وَالْمَانِعِينَ مِنْهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا الدِّيَةَ فِي قَتْلِ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَ خَطَأً بِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَأَمَّا هَذِهِ الآيَةُ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا أَصْلاً، لأََنَّ نَصَّهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَنَا يُونُسُ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى الْعِتْقَ إِلاَّ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عِيَاضٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ. فَإِنْ شَغَبُوا بِمَا نَاهَ الطَّلْمَنْكِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ أَنَا الصَّمُوتُ مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ أَنَا الْبَزَّارُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الزَّنَادِيُّ أَنَا أَبُو دَاوُد أَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُجَيْدٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: إنَّ رَجُلاً مِنْ خُزَاعَةَ قَتَلَ رَجُلاً مِنْ هُذَيْلٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كُنْتُ قَاتِلاً مُؤْمِنًا بِكَافِرٍ لَقَتَلْتُهُ فَأَخْرِجُوا عَقْلَهُ فَإِنَّ يَعْقُوبَ وَأَبَاهُ وَجَدَّهُ مَجْهُولُونَ. وَأَمَّا أَدَبُهُ وَسَجْنُهُ فَالثَّابِتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَنْعُ مِنْ أَنْ يُجْلَدَ أَحَدٌ فِي غَيْرِ حَدٍّ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ جَلَدَاتٍ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ وَقَتْلُ الذِّمِّيِّ بِغَيْرِ حَقٍّ مُنْكَرٌ فَوَاجِبٌ تَغْيِيرُهُ بِالْيَدِ. وَقَالَ تَعَالَى:
|