الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***
وفي الجواهر يكون صفيقا كثيفا فإن كان شفافا فهو كالعدم مع الانفراد، وإن كان يصف ولا يشف كره وصحت الصلاة، قال صاحب الطراز: الخفيف الشفاف بمنزلة التلطخ بالطين لا يعد سترة، بخلاف الكثيف الرقيق الذي يصف قال: ويجب ستره العورة بكل ما يمكن من حطب أو حشيش أو غيره فإن لم يجد إلا طينا فللشافعية في التلطخ به قولان فإن وجد الستر لبعض العورة ستر الفرجين، فإن وجده لأحدهما ستر أيهما شاء، واختلف في أيهما أولى فقال الشافعي: القبل لعدم الحائل بينه وبين النظر، والدبر تحول بينه وبين النظر الأليتين ولأنه مستقبل به من يناجي، ولبعض أصحابه الدبر أولى؛ لفحشه عند الركوع والسجود قال: وهذا أبين، ويجعل مذاكيره بين فخديه ويمكنه سترها بظهر يديه بخلاف الدبر. فروع ستة: الأول: لو وجد جلد كلب أو خنزير أو ميتة، فظاهر المذهب الستر به في غير الصلاة، وعلى قول عبد الملك في عدم الانتفاع بالنجاسة لا يلبسه، وإذا أبحنا له الخنزير والجلد النجس وجبت الصلاة به؛ لأنه مأذون فيه، وقال أبو حنيفة: هو مخير بين لبسه وتركه؛ لتعارض حرمة العري والصلاة بالنجاسة فتعين التخير، وقال الشافعي: في القديم يصلي عريانا، وقال أيضا: يصلي به لنا أن التطهير يسقطه عدم الماء وقد تحقق، والستر لا يسقطه إلا العجز ولم يوجد ولأن في العري هتك حرمتين: حرمة الستر عن الأبصار، وحرمة الستر للصلاة بخلاف النجاسة. الثاني قال: إذا لم يجد إلا حريرا صلى به عند الكافة خلافا لابن حنبل، ووقع مثله لابن القاسم قال: ولعل الصحيح أن لبسه مع القدرة لا يفسد الصلاة، وهو قول ابن وهب وابن الماجشون ولم يستحبا له إعادة، وقال أشهب: إن كان عليه غيره لم يعد وإلا أعاد في الوقت، وقال ابن حبيب: يعيد أبدا إذا لم يكن عليه غيره وإن كان لم يعد؛ لأن جنسه لا ينافي الصلاة بدليل ما لو كان محشوا في كمه ولبسه للنساء وفي الحرب، وجوزه ابن حبيب في الغزو إذا كان معه غيره. وفي الصحيحين أنه - عليه السلام - أهدى إليه فروج من حرير فلبسه وصلى فيه، ثم انصرف فنزعه نزعا شديدا كالكاره له وقال: لا ينبغي هذا للمتقين ولم يعد الصلاة، وفي الجواهر إذا لم يجد إلا حريرا صلى عريانا عند ابن القاسم وأشهب، واستقرأ الإمام أبو عبد الله من تقديمه الحرير على النجس في الكتاب أنه يصلي به ولا يصلي عريانا، وهذا خلاف ما نقله صاحب الطراز، وكذلك رأيته للمازري منقولا عن ابن القاسم وأشهب، وقال في التخريج الذي عزاه إليه: أنه في المدونة قدمه على النجس والنجس مقدم على العري، والمقدم على المقدم على العري مقدم على العري، وقال: يلزم من قال بالإعادة مطلقا إذا صلى في الحرير وحده مختارا؛ لأنه بمنزلة العريان اختيارا لكون الممنوع شرعا كالمعدوم حسا أنه إذا صلى في الثوب المغصوب يعيد فإن التزمه ألزمناه الصلاة في الدار المغصوبة، والمعروف عند العلماء صحتها فلا يجد انفصالا إلا أن يقول الحرير حق الله تعالى فهو أشد من الغصب، الذي هو حق للعباد، ولقوله الإسقاط من جهتهم. وفي الجواهر لو اجتمع له حرير ونجس ففي الكتاب يصلي في الحرير ويعيد في الوقت؛ لأن تحريمه ليس لأجل الصلاة فلا ينافيها بخلاف النجاسة، وعند أصبغ يصلي في النجس لعموم تحريم الحرير في الصلاة وغيرها، فيكون أفحش من النجس الذي تحريمه خاص بالصلاة فلو صلى بثوب حرير مع القدرة على طاهر غير حرير، فإن أفرده فقيل يعيد في الوقت وبعده، وقيل لا يعيد مطلقا، وقيل في الوقت فإن كان عليه غيره فقيل يعيد، وقيل لا إعادة عليه وكذلك الخلاف فيمن صلى متختما بالذهب. الثالث: قال في الكتاب: يجوز أن يصلي محلول الإزار بغير سراويل، قال صاحب الطراز، قال مطرف: رأيت مالكا في المسجد مطلق الإزار، فلما حضرت الصلاة زرره. وقال ابن الصباغ من الشافعية: إن كان ضيق الجيب لا ترى منه العورة جازت الصلاة، وإلا لم تجز إلا أن يزرره أو يشد وسطه بحبل لما في أبي داود قال سلمة بن الأكوع: إني رجل أصيد أفأصلي في القميص الواحد؟ قال: نعم وزرره ولو بشوكة. وفرق الحنفية بين الأمرد وبين الملتحي؛ لأن لحيته تستر الجيب والطوق، لنا ما في البخاري كان رجال يصلون مع النبي - صلى الله عليه وسلم -عاقدي أزرهم على أعناقهم كهيئة الصبيان فيقال للنساء: لا ترفعن رؤوسكن حتى يستوي الرجال جلوسا، وكل ما يتوقع من الجيب يتوقع من الذيل. الرابع: قال ابن القاسم: في الكتاب تجوز الصلاة بمئزر وسراويل، وقال ابن حنبل: لا تجزئه حتى يكون على عاتقه منه شيء وكذلك السراويل؛ لما في البخاري: لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء وهو محمول عندنا على الاستحباب، قال صاحب الطراز: السراويل مكروه ابتداء وهو قول الشافعي ومالك في العتبية لما في أبي داود أنه - عليه السلام - نهى أن يصلي في سراويل ليس عليه رداء ولأنه يصف، ومن زي العجم، وقال أشهب: يعيد من صلى في السروال والتبان في الوقت. قال: وكذلك من أذن في السراويل وحدها، أعاد أذانه ما لم يصل، وكان كمن صلى بغير أذان. الخامس: قال صاحب الجلاب: من صلى في ثوب واحد فإن كان واسعا التحف به وخالف بين طرفيه وعقده على عنقه، وإن كان ضيقا ائتزر به من سرته إلى ركبتيه، ولا إعادة عليه إذا صلى كذلك مع وجود غيره ويعيد في الوقت، وفي البخاري: النهي عن اشتمال الصماء وهي عند أهل اللغة تجلل الرجل بإزاره لا يرفع منه جانبا كالصخرة الصماء التي فيها، فإن وهمه أمر لا يمكنه إلا الاحتراز منه وعند الفقهاء هي أن يدخل الرداء من تحت إبطه الأيسر، ويترك طرفه على يساره وبيدي منكبه الأيمن، ويغطي الأيسر وهو عند أهل اللغة الاضطباع؛ لأنه يبدي ضبعه الأيمن فكرهت؛ لأنه في معنى المربوط ولا يتمكن من الركوع والسجود والمندوب، أو لأنه لا يباشر الأرض بيديه، وإن باشر انكشفت عورته فإن كان عليه مئزر فلا بأس به. السادس: قال في الكتاب: إذا صلى محتزما أو جامعا شعره، أو جامعا كميه إن كان ذلك لباسه، أو كان يعمل فأقيمت الصلاة فدخل على هيئته فلا بأس وإلا فلا خير فيه، وفي الصحيحين: أمرت أن أسجد على سبع ولا أكفت الشعر ولا الثياب. والكفت الضم ومنه قوله تعالى: (ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا) أي: تضم الفرقتين. قال صاحب الطراز: وسر الكراهة أن يضم ذلك خشية التراب، وقد قال عليه السلام: عفروجك في التراب، ولأنه شأن التذلل والخضوع قال: وعلى هذا لو كان مكشوف الرأس فأراد ستره ليقيه التراب كره، قال صاحب الجلاب: الاختيار لمن صلى في جماعة أن يلبس أكمل اللباس، والإمام أولى بذلك ويرتدي ولا يعري منكبيه، ولا بأس بالمئزر والعمامة، ويكره السروال والعمامة فإن كان عليه سيف أو قوس جعل عليه شيئا من اللباس، والأصل في ذلك قوله تعالى: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) والعبد يناجي ربه فيستحب أن يتجمل له ولما كان الإمام ينبغي أن يكون أفضل القوم دينا فينبغي أن يكون أفضلهم زيا، وقوله تكره السراويل والعمامة الكراهة لأجل السروال، وذكر العمامة حشو في الكلام، وكره أن يصلي في ثوب يسجد على بعضه؛ لأنه يصير بمنزلة الساجد على غير الأرض. الشرط الخامس: استقبال الكعبة، والنظر في المستقبل إليه والمستقبل فيه والمستقبل نفسه، فهذه ثلاثة أطراف: الطرف الأول المستقبل إليه وهو الكعبة قال الله تعالى: (وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره) والشطر في اللغة النصف وهو أيضا الجهة وهو المراد هاهنا فيجب على العالم أن يكونوا مستقبليها بوجوههم كالدائرة لمركزها، فأما داخلها فقال في الكتاب: لا تصلي فيه ولا في الحجر فريضة، ولا ركعتا الطواف الواجبتان، ولا الوتر، ولا ركعتا الفجر وغير ذلك لا بأس به فإن صلى مكتوبة أعاد في الوقت كمن صلى إلى غير القبلة، وأجاز الشافعي وأبو حنيفة المكتوبة لقوله تعالى: (وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود) قال الشافعي في الأم: ولا موضع أطهر منه، ووافقنا ابن حنبل، ومنع ابن جرير الجميع لما في مسلم أنه - عليه السلام - لما دخل البيت كبر في نواحيه، ولم يصل فيه حتى خرج ركع في قبل البيت ركعتين وقال: هذه القبلة لنا الآية المتقدمة، والمصلي داخله لم يستقبله بل بعضه، ولأنه لم يأت عن أحد من السلف أنه صلى في البيت، وكيف تغفل الأمة عن الفضيلة التي ذكرها الشافعي مع اجتهاد سلفها وخلفها في تحصيل الفضائل، ولأن الاستقبال مأمور به، وكل مأمور به لابد أن يكون ممكن الفعل والترك حالة التكليف، والمصلي داخل البيت يستحيل ألا يكون مستقبلا لبعضه فيسقط التكليف وهو خلاف الإجماع. والجواب عن هذه الآية: أن موضع الطواف خارج البيت إجماعا فيكون موضع الركوع والسجود كذلك، وأما جواز النافلة فلما في الموطأ أنه - عليه السلام - دخل الكعبة هو وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة الحجبي وبلال، فأغلقها عليه ومكث فيها قال ابن عمر: فسألت بلالا حين خرج ماذا صنع عليه السلام فقال: جعل عمودا عن يساره، وعمودين عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة، ثم صلى. زاد أبو داود صلى ركعتين وهذا الحرف يدفع تأويل ابن جرير أن صلاته كانت دعاء؛ لأن النافلة يجوز ترك الاستقبال فيها مطلقا في السفر وترك القيام مع القدرة والإيماء بالركوع والسجود عند بعض العلماء، قال صاحب الطراز: وفي إعادة المكتوبة ثلاثة أقوال: ففي الكتاب يعيد في الوقت كالمصلي بالاجتهاد لوقوع الخلاف في المسألة، وعند ابن حبيب وأصبغ يعيد أبدا ترجيحا لوجوب استقبال جميع البيت، وعند أبن عبد الحكم لا يعيد مطلقا نظرا لمدرك الشافعي - رضي الله عنهم أجمعين - قال: فلو صلى فوق ظهر البيت فثلاثة أقوال لمالك: يعيد أبدا، وعند أشهب في الوقت، وعند ابن عبد الحكم لا يعيد مطلقا، وقال أبو حنيفة: إن لم يبق بين يديه من السطح شيء لم يجزه وإلا أجزأه وهو محكي عن أشهب وقال الشافعي: لا يجزيه إلا أن يكون عليه ما يستره من البناء، وقال أصحابه: يكفيه من ذلك غرز خشبة أو عصا، قال صاحب الجلاب: يكره أن تصلى المكتوبة في الكعبة والحجر وعلى ظهرها، ومن فعل أعاد في الوقت ولا بأس بصلاة النافلة في جميع ذلك، قال صاحب الطراز: ولو جوزنا الصلاة في الكعبة وعلى ظهرها لم نجزها في سرب تحتها أو مطمورة؛ لأن البيوت شأنها أن ترتفع، وليس شأنها أن تنزل، وكذلك قال في المساجد إن أسطحتها لها أحكام المساجد، بخلاف ما لو حفر تحتها بيتا يجوز أن يدخله الجنب والحائض، إلا أن ذلك لا يفعل إلا بإذن الإمام، ومنشأ الخلاف هل المقصود بالاستقبال بعض هوائها أو بعض بنائها أو جملة بنائها وهوائها؟ والأول مذهب أبي حنيفة وسوى بين داخل البيت وظهره؛ لوجود بعض الهواء، والثاني مذهب الشافعي فسوى بين جزء البناء داخل البيت وعلى ظهره، والثالث مذهبنا وهو مقتضى ظواهر النصوص، فإن جزء البناء لا يسمى بيتا ولا كعبة، وأبعد من ذلك جزء الهواء العاري عن البناء فإن الكعبة في اللغة: هي المرتفعة، ومنه المرأة الكاعب إذا ارتفع ثديها، وكعب الرجل والبيت هو ذو السقف والحيطان، وهذا المعنى لا يتحقق إلا في جملة البيت ببنيانه وهوائه وهذا هو الفرق على المشهور بين داخله وظهره، فإن داخله ارتفاع من حيث الجملة وظهره فراغ محض، والفرق بين الصلاة على ظهرها وعلى أبي قبيس: أن المصلي على أبي قبيس مستقبل بوجهه جملة البناء والهواء بخلاف ظهرها، ولأن السنة فرقت بينهما فنهى - عليه السلام - عن الصلاة على ظهرها. فروع ثلاثة: الأول في الجواهر: لو امتد صف طويل قريب البيت فالخارج عن سمت البيت تبطل صلاته ومثل هذا الصف في الآفاق تصح، وكذلك الصلاة في بلدين متقاربين لسمت واحد تصح إجماعا. وهو مبني على قاعدتين إحداهما: أن الله تعالى إنما أوجب الاستقبال العادي دون الحقيقي، فلو استقبل صف طويل حيوانا بعيدا في برية صدق في العادة أن كل واحد منهم قبالته في رأي العين، ولو قرب منهم بطل ذلك فكذلك الكعبة طولها أربعة وعشرون ذراعا، وعرضها عشرون ذراعا فالصف البعيد منها يعد في العادة مستقبلا لها بخلاف القريب. القاعدة الثانية: أن الخلائق يستقبلون الكعبة شرفها الله كاستقبال أجزاء محيط الدائرة لمركزها، فإذا تخيلنا الكعبة مركزا فقد خرج منه خطوط مجتمعة الأطراف في المركز وكلما بعدت اتسعت مثل قصبتي شبكة الصيادين. فمن المعلوم حينئذ أن كلما بعد خطان من هذه الخطوط وسع طرفاهما أكثر مما إذا قربا، فلذلك كان الصف الطويل في البعد مستقبلا وفي القرب ليس مستقبلا. الثاني في الجواهر: الواقف بمكة خارج المسجد يستقبل بناء الكعبة فإن لم يقدر استدل فإن كان الاستدلال بمشقة، فلبعض المتأخرين في جواز الاجتهاد تردد. الثالث: الواقف بالمدينة يتنزل محرابه - عليه السلام - في حقه منزلة الكعبة، فلا يجوز له الاجتهاد بالتيامن والتياسر؛ لأنه منصوب بالوحي، ومباشرة المعصومين: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجبريل - عليه السلام - وإجماع الأمة وهي معصومة أيضا فيقطع بصحته وخطأ مخالفه، فلا معنى للاجتهاد. الطرف الثاني الذي يستقبل فيه، وفي الجواهر يجب الاستقبال إلا في القتال لقوله تعالى: (فرجالا أو ركبانا). ولا تصلي فريضة ولا صلاة جنازة على راحلة، فإن فعلت مثل فعلها في الأرض ففي جواز ذلك، وكراهيته قولان نظرا لصورة الأداء، وإلى أن الأرض يتأتى فيها من التواضع والتذلل بمباشرة التراب والتمكن من الخشوع، ما ليس في الرواحل، وهذا هو مذهب الكتاب، فقال في مريض لا يستطيع الجلوس لا يصلي المكتوبة في محمله بل على الأرض، وهو قول الشافعي، وفي أبي داود عن عائشة - رضي الله عنها - أنها سئلت هل رخص - عليه السلام - للنساء أن يصلين على الدواب؟ قالت: لم يرخص في ذلك في شدة ولا رخاء. قال صاحب الطراز: فإن فعل قال سحنون: يعيد أبدا، وقال ابن حبيب وابن عبد الحكم: إذا استوت حالتا الأرض والمحمل في الإيماء فلا شيء عليه. فروع أربعة: الأول: قال اللخمي: إذا كان المريض لا يجد من يحوله إلى القبلة، ولا يرجوه صلى أول الوقت، وإن كان راجيا صلى آخر الوقت، وإن شك فوسط الوقت. الثاني: قال في الكتاب: من خاف السباع أو غيرها صلى على دابته إيماء حيثما توجهت به فإن أمن، أعاد في الوقت؛ لقوله تعالى: (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا). وفي الترمذي أنهم كانوا معه - عليهم السلام - في مسيرة فانتهوا إلى مضيق فمطروا والسماء من فوقهم والبلة من تحتهم فأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - على راحلته وأقام أو أقيم، فتقدم النبي - عليه السلام - على راحلته فصلي بهم يومئون إيماء السجود أخفض من الركوع. قال صاحب الطراز: قوله حيثما توجهت به راحلته معناه إذا لم يقدر أن يتوجه بها إلى القبلة، والفرق بين هذا والمسايفة من وجهين أحدهما: أن العذر هاهنا قد يكون موهوما والمسايفة محققة، ولذلك قال ابن الجلاب: إذا كان عذره مشكلا غير محقق أعاد. الثاني فضيلة الجهاد، وسوى الغير بينهما في الإعادة في الوقت فلو خاف من السباع أو اللصوص - وهو ماش - قال ابن حبيب والشافعي: يصلي إيماء كالمسايفة ولو كان جالسا وخاف من عدوه، قال أشهب وغيره: يصلي جالسا ويسجد إلا أن يخاف فيومئ. الثالث: قال صاحب الطراز: لو غشيه السيل في واد لا مفر له إلا بطول، وخاف فوات الوقت ولم يمكنه الوقوف صلى في غدوه، وقال الشافعي، وكذلك خوف الحيات، وقال المزني: الحيات عذر نادر والنادر لا يسقط القضاء، وهذه الفروع كلها مبنية على قاعدة تقدم التنبيه عليها وهي تعارض المقاصد والوسائل فإنه يجب تقديم المقاصد؛ لكونها أهم في نظر الشرع والأركان مقاصد، والاستقبال شرط ووسيلة فلا تترك المقاصد لأجل تعذره. الرابع: قال في الكتاب: لا يصلي عل دابته التطوع إلا في سفر تقصر فيه الصلاة، قال صاحب الطراز: إن كان مستقبل القبلة في السفر القصير فيختلف فيه المذهب على رأي من جوز الإيماء للمتنفل من غير ضرورة، وإن لم يكن مستقبلا فقد جوزه الشافعي في كل سفر، وأصحاب الرأي الفرسخين، والأوزاعي لكل من خرج من بلد في حاجة راكبا أو ماشيا، لنا الأدلة الدالة على الركوع والسجود والاستقبال، وجوز في الكتاب ركعتي الفجر والوتر على الراحلة خلافا لـ (ح) في الوتر، لنا ما في الموطأ أنه - عليه السلام - كان يسبح على الراحلة ويرسلها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة، والتنفل على الدابة من حيث الجملة متفق عليه، وإنما الخلاف في الماشي فمنعه مالك وأبو حنيفة، وجوزه الشافعي. حجتنا: عمل السلف، وليس للمخالف مدرك إلا القياس على الراكب، والفرق أن الراكب بمنزلة الجالس المتنفل، وحركة الماشي تنافي هيئة الصلاة، وظاهر قوله في الكتاب يصلي على دابته في السفر حيثما توجهت به عدم اعتبار القبلة وقت الإحرام، وقال الشافعي: إن كانت دابته غير مقطورة واقفة افتتحها إلى القبلة، وقال بعض أصحابه: إذا كانت واقفة لا يصلي إلا إلى القبلة، واتفقوا في المقطورة أنه يصلي حيث توجهت به وإن كانت واقفة، واختلفوا في المفردة التي لا تصعب إدارتها، فقال بعض الشافعية: يلزمه إدارتها ويحرم إلى القبلة كالماشي عندهم، ومنع بعضهم لزوم ذلك حجتهم ما في أبي داود أنه - عليه السلام - كان إذا سافر فإن أراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة وكبر، ثم صلى حيث وجه ركابه، وإذا أحرم إلى جهة مسيره فلا ينحرف بوجهه إلى غيرها. قال مالك: إذا مال محمله فحول وجهه إلى دبر البعير لم أحبه، وليصل إلى سير البعير، ولو صلى في المحمل مشرقا أو مغربا، لا ينحرف إلى القبلة وإن كان يسيرا، وليصل قبل وجهه قال صاحب الطراز: فعلى هذا إذا انحرف بعد الإحرام من غير عذر ولا سهو، فإن كانت القبلة فلا شيء عليه فإنها الأصل، وإن كانت غيرها بطلت صلاته، وقاله الشافعي وأما إذا ظن أن تلك طريقه أو غلبته دابته فلا شيء عليه، وقال الشافعية: يسجد للسهو فلو وصل منزلا وهو في الصلاة نزل، وأتم بالأرض راكعا وساجدا إلا قول من يجوز الإيماء في النافلة للصحيح، فإنه يتم صلاته على دابته إلى القبلة، وإن لم يكن منزل إقامة خفف قراءته، وأتم صلاته على الدابة؛ لأنه يسير وله أن يعمل في صلاته ما لا يستغنى عنه من مسك العنان والضرب بالسوط وتحريك الرجل إلا أنه لا يتكلم، ولا يلتفت، ولا يسجد على قربوس سرجه، ولكن يومئ قال في الكتاب: قيام المصلى في المحمل متربعا وإذا ركع ركع متربعا، ووضع يديه على ركبتيه فإذا رفع رأسه من ركوعه رفع يديه عن ركبتيه، فإذا أهوى إلى السجدة بين رجليه وسجد إلا أن يقدر أن يثني رجليه فيومئ متربعا، وهو قول الشافعي، وقال في العتبية: إذا أعيا في تربعه فمد رجليه أرجو أن يكون خفيفا، قال صاحب الطراز: لو صلى على دابته في قبلته قائما راكعا وساجدا من غير نقص أجزأه على المذهب، وعلى قول سحنون لا يجزيه لدخوله على الغرر، وللشافعي قولان. تمهيد: أقام الشرع جهة السفر بدلا من جهة الكعبة في حق المتنفل؛ لأن تحصيل مقاصد الصلاة أولى من رعاية شرط من شروطها، ولو منع الشرع التنفل في الأسفار لغير القبلة لامتنع أكثر الناس من التنفل في السفر، ولامتنع الأبرار من الأسفار حرصا على النوافل، وكذلك لا تترك مقاصد الصلاة من الأركان؛ لتعذر ستر العورة فإن القاعدة تقديم المقاصد على الوسائل. الطرف الثالث: المستقبل ففي الجواهر: أحواله ست؛ لأنه إن كان في أحد الحرمين وجب عليه اليقين وحرم الاجتهاد، وإن كان غائبا عالما بأدلة الكعبة وجب عليه الاجتهاد وحرم التقليد، وإن لم يكن عالما وأمكنه التعليم وجب التعليم وحرم التقليد، وإن لم يمكنه وقد سمع أقوال العلماء بالأدلة وجب عليه أن يجتهد في تلك الأقوال وحرم التقليد، فإن لم يسمع جاز له التقليد لقوله تعالى: (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ويلحق به الأعمى وحيث قلنا بالتقليد فيجب أن يكون المقلد مكلفا مسلما، عارفا بأدلة القبلة، فإن عدم من يقلده ويلحق به المجتهد إذا خفيت عليه الأدلة، فقال ابن عبد الحكم: يصلي إلى أي جهة شاء، ولو صلى أربع صلوات لأربع جهات لكان مذهبا، وفي المجتهد المتحير قول ثالث أنه يقلد قال صاحب الطراز: فلو رجع للأعمى بصره في الصلاة فشك، تحرى وبنى ولم يقطع، كما لو شك في عدد الركعات، قال: فلو ترك الأعمى التقليد مع إمكانه وصلى برأي نفسه أو الجاهل، قال بعض الشفعوية: صلاته باطلة، قال: وليس كذلك؛ لأنه وجد منه القصد إلى الجهة وهذا مشكل من صاحب الطراز فإن الجاهل ترك ما يجب عليه فأشبه ما لو ترك المجتهد الاجتهاد فإن صلاته باطلة، ولو أخبر الأعمى رجل أن الذي قلده يخطئ، ففي الجواهر: فإن صدقه انحرف إلى الجهة التي أشار إليها وبنى؛ لأنه اجتهد له مجتهد، قال سحنون: هذا هو الحق إن كان المخبر أخبر باجتهاد فإن كان عن معاينة بطل ما مضى، ولم يبن قال ابن القصار في تعليقه: البلد الخراب الذي لا أحد فيه لا يقلد المجتهد محاربيه فإن خفيت عليه الأدلة، أو لم يكن من أهل الاجتهاد قلدها، والبلد العامر الذي تتكرر الصلوات فيه، ويعلم أن إمام المسلمين نصب محرابه أو اجتمع أهل البلد على نصبه، فإن العالم والعامي يقلدونه قال: لأنه قد علم أنه لم يبن إلا بعد اجتهاد العلماء في ذلك قال: وأما المساجد التي لا تجري هذا المجرى فإن العالم بالأدلة يجتهد ولا يقلد، فإن خفيت عليه الأدلة قلد محاريبها، وأما العامي فيصلي في سائر المساجد، وقال صاحب المقدمات: من غاب عن الكعبة ففرضه الاجتهاد فإن صلى بغير اجتهاد فصلاته باطلة، وإن وقعت إلى الكعبة ولم يفصل، وهاهنا قواعد خمس تتعين الإحاطة بها: القاعدة الأولى: ليس الاجتهاد بذل الجهد كيف كان، بل يشترط فيه معرفة الأدلة المنصوبة على الكعبة، فمن اجتهد في غيرها فليس بمجتهد، كما أن المجتهد في الأحكام الشرعية بغير أدلتها المنصوبة عليها ليس بمجتهد، وأصول الأدلة على الكعبة ستة. العروض والأطوال مع الدائرة الهندسية أو غيرها من الأشكال الهندسية على ما بسط في علم المواقيت، والقطب والكواكب، والشمس والقمر والرياح وهي أضعفها، كما أن أقواها العروض والأطوال، ثم القطب ويدل على اعتبار هذه الأدلة قوله تعالى: (وبالنجم هم يهتدون) في سياق الامتنان وذلك يدل على المشروعية، وقوله تعالى: (لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر). والهداية إنما تكون للمقاصد والصلاة من أهم المقاصد، وقوله تعالى: (والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب) وهذا كله تنبيه على وجوه تحصيل المصالح من الكواكب، ومن أهم المصالح إقامة الصلاة على الوجه المشروع، ولأن القاعدة أن كل ما أفضى إلى المطلوب فهو مطلوب وهذه الأمور مفضية إلى إقامة الصلوات المطلوبة فتكون مطلوبة. القاعدة الثانية: حيث قلنا بتقليد المحاريب فيشترط فيها أن لا تكون مختلفة، ولا مطعونا عليها من أهل العلم فمهما فقد أحد الشرطين، لا يجوز تقليدها إجماعا فإن الأصل في التكاليف العلم؛ لقوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم) وقد أقام الشرع الظن مقامه؛ لتعذره في كثير من الصور، وغلبة صدق الظنون، وندرة كذبها والمصلحة الغالبة لا تترك للمفسدة النادرة، ونفي الشك ملغى بالإجماع ومع الاختلاف أو الطعن، من أهل العلم لا علم ولا ظن، بل نقطع مع الاختلاف بالخطأ ونظنه مع الطعن، وهذا هو شأن محاريب القرى بالديار المصرية، فإنها مختلفة جدا ومطعون عليها جدا، وقد صنف الزين الدمياطي وغيره من العلماء تصانيف فيها، ونبه على كثرة فسادها واختلافها، وليس بالديار المصرية بلد نقلد محاريبها المشهورة حيث قلنا بالتقليد إلا مصر والقاهرة والاسكندرية، وبعض دمياط أو بعض محاريب قوص، وأما المحلة ومنية بني خصيب والفيوم فإن جوامعها في غاية الفساد؛ فإنها مستقبلة بلاد السودان، وليس بينها وبين جهة الكعبة ملابسة. القاعدة الثالثة: في معرفة الاستدلال بالأدلة المتقدمة، أما العروض والأطوال فلا يليق ذكرها هاهنا؛ لطول أمرها بل نحيلها على كتبها الموضوعة لها، وأما القطب فهو نقطة مقدرة ما بين الفرقدين والجدي، وهو أقرب إلى الجدي والجدي والفرقدان مع نجوم صغار بينهما صورتها صورة سفينة أو سمكة، وهي تدور أبدا على الدهر ليلا ونهارا مع بنات نعش، فالجدي يلي النعش، والفرقدان يليان البنات وهذا القطب هو وسط السماء، فمن جعله بين عينيه فقد صار الجنوب بين كتفيه ومشرق الاعتدال على يمينه ومغرب الاعتدال على يساره، وتنقسم له دائرة الأفق أربعة أرباع، ويستعان على ذلك بمن هو عالم به فإذا عرفت القطب فهو يجعل بمصر وما قاربها خلف الكتف الأيسر، لا بين الكتفين ولا قبالة صفحة الخد الأيسر بحيث يكون مطلع العقرب ومشرق الشتاء بين العينين، وكلما صعدت في الديار المصرية ملت إلى المشرق، وكلما انحدرت إلى الشمال ملت إلى الجنوب فأنت أبدا بين المشرق والجنوب على الوجه المحدود لك، ولا يحصل التغير في أقل من مسيرة يومين شرقا أو غربا، شمالا أو جنوبا، وفي إفريقيه من أرض المغرب يميلون إلى الشرق أكثر من مصر، وأهل المغرب الداخل يزيدون على ذلك ويقربون الجدي من صفحة الخد الأيسر أكثر، وفي الأندلس يبعدونه عن صفحة الخد ويقربون إلى الجنوب أكثر من مصر، وأهل اليمن يجعلونه بين أعينهم، وأهل العراق والموصل وبلاد الروم والصقالبة يجعلونه بين أكتافهم، وأهل الشام يميلون عن ذلك إلى جهة المشرق يسيرا، وبلاد العجم يجعلونه على جنب الكتف الأيمن لا بين الكتفين ولا على صفحة الخد، وبلاد الهند والسند يجعلونه على صفحة الخد ويستقبلون وسط المغرب وأوائل بلاد التكرور والنوبة والبجة يجعلونه على صفحة الخد الأيسر ويستقبلون وسط المشرق، وأواخر بلاد التكرور والزيلع والحبشة يقربونه من بين العينين من جهة الخد الأيسر وهذا بيان هذه الجهات من حيث الجملة فإن ذكرها على التفصيل لا يسعه هذا المكان، وعلى المجتهد تحرير ذلك في مواضعه بالزيادة والنقصان بحسب القرب والبعد، وأما الاستدلال بالشمس فطلوعها يعين المشرق والمغرب، وكذلك غروبها وزوالها يعين الشمال والجنوب؛ فإنها لا تزول أبدا إلا قبالة القطب فمستقبلها حينئذ بالديار المصرية والشامية يكون الجنوب أمامه والشمال خلفه، والمشرق والمغرب عن يساره ويمينه فإذا انقسمت لك الجهات الأربع في بلدك وأنت تعلم الكعبة في أي جهة من جهات بلدك استقبلها، كما تقول في الديار المصرية الكعبة منها ما بين الشرق والجنوب وهي أقرب إلى المشرق، وأما الاستدلال بالقمر فأنت تعلم أن القمر لا يزال قوسا إلا في منتصف الشهر، ففي أول الشهر يكون محدب القوس أبدا إلى جهة المغرب، ومقعده إلى الشرق وفي النصف الأخير من الشهر يكون على العكس محدبه إلى المشرق، ومقعده إلى المغرب فمتى نظرت إليه في أي وقت شئت بالليل أو بالنهار خرجت لك الجهات الأربع، وفعلت فيه ما فعلته في الشمس، وأما منتصف الشهر حيث لا تحديب ولا تقعير فإن كنت في أول الليل فاعلم أن الجهة القريبة منه هي المشرق والبعيدة المغرب فتخرج لك الجهات الأربع فتتعين لك جهة القبلة وإن كنت في آخر الليل فالجهة القريبة منه المغرب والبعيدة المشرق فتخرج لك الجهات الأربع، فاصنع حينئذ ما تصنعه مع الشمس، وأما الرياح فاعلم أن العرب كانت تنصب بيوتها إلى جهة المشرق، والبيت إنما يمال إليه من جهة بابه، والميل الصبا ومنه سميت الصابئة صبئبة؛ لأنها مالت إلى عبادة النجوم فسميت الريح الآتية من وسط المشرق صبا، ولما كان باب البيت يتنزل منه منزلة الوجه من الإنسان كان ظهر البيت دبره، فالريح الغربية تسمى دبورا، ومنه قوله عليه السلام: نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور. ويتعين حينئذ أن تكون جهة القطب شماله وضدها يمينه، فسميت الريح من جهة القطب شمالا والبلاد التي في تلك الجهة من الحجاز شاما، وهي التي تسمى بالديار المصرية بحرية؛ لكون البحر الملح في تلك الجهة في الديار المصرية، وعكسها تسمى جنوبية؛ لكونها من جنب البيت، والبلاد التي في تلك الجهة من الحجاز تسمى يمنا وتسمى بمصر مريسية؛ لأجل بلد في هذه الجهة تسمى مريسية، وكل ريح بين ريحين من هذه تسمى نكباء؛ لتنكيبها عن كل واحد منهما، فالرياح حينئذ ثمانية: أربعة أصول، وأربعة نواكب، فإذا علمت ريحا من هذه الرياح تعينت لك الجهات الأربع، وفعلت ما تقدم في الشمس فهذه أصول الأدلة وفروعها كثيرة من الأنهار كالنيل، اعلم أنه يجري من الجنوب إلى الشمال فتخرج به الجهات الأربع، وكذلك غيره من الأنهار والجبال والبلاد وغير ذلك فهذه الأدلة تتعين على الفقيه أن يعلمها أو بعضها؛ ليخرج من عهدة ذلك الواجب في الكعبة. تنبيه: إذا قلنا إن كل مجتهد مصيب في الأحكام الشرعية لا يمكن القول به ههنا؛ لأن أدلة الأحكام يعارض بعضها بعضا، وفيها العام والمخصص، والمطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ فقد يطلع أحد المجتهدين على العام دون المخصص، ويطلع الآخر على المخصص فيختلفان، وكذلك القول في سائر الأقسام، وأما أدلة القبلة فلا تعارض بينها فمن علم جملتها كمن علم واحدا منها في الهداية فلا يقع الخلاف فيها إلا بين جاهل وعالم، ولا يقع بين عالمين أبدا؛ لأنها أمور محسوسة فالمصيب فيها واحد ليس إلا. القاعدة الرابعة: إن أرباب المذاهب ينقلون الخلاف في الواجب في الكعبة في حق الغائب عنها هل هو العين أو الجهة؟ وهو مشكل فإن المعاين لا خلاف أن الواجب عليه العين بلا خلاف هاهنا، والغائب عنها إما واحد، وقد اتفقت الأمة على أنه يجب عليه أن يتبع جهة يغلب على ظنه أن عين الكعبة وراءها إما بالاجتهاد أو بالتقليد، ولم يقل أحد بأنه يجوز له العدول عن تلك الجهة، ولأن الله تعالى كلفه برؤية العين مع الغيبة فلا خلاف هاهنا أيضا، وأما الكثير فقد اتفقوا على وجوب الصلاة في المدينتين المتقاربتين إلى جهة واحدة، ومن المعلوم أن الكعبة لا يكفي طولها بذلك وأن بعضهم خارج عنها بالضرورة والصف الطويل بمنزلة المدينتين، وقد انعقد الإجماع هاهنا على الاكتفاء بالجهة التي يغلب على الظن أن الكعبة وراءها، ولم يقل أحد أن صلاة بعضهم باطلة ولا سبيل إلى القول بذلك إذ ليس البعض أولى من البعض فيبقى محل الخلاف غير معلوم. والجواب: أن الأحكام على قسمين: مقاصد، ووسائل فالمقاصد كالحج، والسفر إليه وسيلة، وإعزاز الدين ونصر الكلمة مقصد، والجهاد وسيلة ونحو ذلك من الواجبات والمحرمات، والمندوبات والمكروهات والمباحات فتحريم الزنا مقصد؛ لاشتماله على مفسدة اختلاط الأنساب، وتحريم الخلوة والنظر وسيلة وصلاة العيدين مقصد مندوب والمشي إليها وسيلة، ورطانة الأعاجم مكروهة ومخالطتهم وسيلة إليه، وأكل الطيبات مقصد مباح والاكتساب له وسيلة مباحة، وحكم كل وسيلة حكم مقصدها في اقتضاء الفعل أو الترك، وإن كانت أخفض منه في ذلك الباب إذا تقرر هذا فالاجتهاد قد يكون في تعيين المقاصد كتميز الأخت من الأجنبية، وقد تقع في الوسائل كالاجتهاد في أوصاف المياه ومقاديرها عند من يعتبر المقدار، والمقصد هو الطهورية. والقاعدة: أنه مهما تبين عدم إفضاء الوسيلة إلى المقصد بطل اعتبارها كما إذا تيقنا أن الماء الذي اجتهدنا في أوصافه ماء ورد منقطع، فإنه يجب إعادة الصلاة بطهارة أخرى فعين الكعبة مع الجهات كطهورية الماء مع الأوصاف، فاختلف العلماء في الواجب وجوب المقاصد في الكعبة هل هو العين وتكون الجهات وسائل؟ فإذا تبين خطؤها بطلت الصلاة كالمياه، وهو مشهور مذهب الشافعي وهو الأصل فإن المقصود الذي دل النص عليه إنما هو البيت أو الواجب وجوب المقاصد هو الجهة ولا عبرة بالعين ألبتة؛ لأن العين لما استحال تيقنها عادة أسقط الشرع اعتبارها، وأقام مظنتها التي هي الجهة مقامها كإقامة السفر ثمانية وأربعين ميلا مقام المشقة، وإقامة صيغ العقود مقام الرضا، والرضا هو الأصل؛ لقوله عليه السلام: لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه منه. لكن لما تعذرت معرفته؛ لخفائه أقيمت مظنته مقامه وسقط اعتباره، حتى لو رضي بانتقال الملك ولم يصدر منه قول ولا فعل لم ينتفل الملك، فكذلك عين الكعبة سقط اعتبارها؛ لخفائها وأقيمت الجهة مقامها فصارت هي الواجبة وجوب المقاصد، وهذا هو المشهور عندنا ومذهب أبي حنيفة وبهذا التقرير يظهر الفرق بين وسيلة الطهورية، ووسيلة الكعبة فإن الوصول إلى الطهورية ممكن، ولو في البحر بخلاف عين الكعبة فظهر أن الجهة واجبة إجماعا، أما وجوب المقاصد أو وجوب الوسائل والعين واجبة وجوب المقاصد على أحد القولين، وليست واجبة على القول الآخر مطلقا لا مقصد ولا وسيلة، ويظهر حينئذ إمكان الخلاف في المسألة ويتخرج وجوب الإعادة عليه في حق من أخطأ، فإن قلنا الجهة هي المقصد وقد حصلت فلا إعادة، وإن قلنا أنها وسيلة والوسيلة إذا لم تفض إلى المقصد سقط اعتبارها، كالأوصاف مع المياه فتجب الإعادة لتحصيل المقصد الذي لم يحصل بعد. القاعدة الخامسة: هي أن جهة الكعبة تكون شرقا في قطر، وغربا في قطر، وكل نقطة تفرض بين المشرق والمغرب من جهة الشمال أو الجنوب، فهي جهة الكعبة لقوم وعلى ثلاثمائة وستين نقطة، وتحرير ذلك يحصل بالطرق المتقدمة من الاستدلال، ولا يجب اتباع الاسطرلاب ولا الطرق الهندسية بل إن حصلت فهي حسن؛ لأنها مؤكدة للحق لا مبطلة له، وعلى هذه القاعدة يتعين أن يكون قوله عليه السلام: ما بين المشرق والمغرب قبله. رواه الترمذي، وذكره مالك عن عمر في الموطأ خاصا ببعض الأقطار فإن اتباع ظاهره يوجب كون الجنوب والشمال قبلة لكل أحد، وهو خلاف الإجماع وبأن المشرق والمغرب ليسا قبلة لأحد، وهو خلاف الإجماع بل هو محمول على المدينة والشام ونحوهما في جهة الجنوب، وعلى اليمن ونحوه في جهة الشمال فإن هذه الأقطار البيت منهم في هاتين الجهتين، وأما من عداهم فلا يراد بالحديث ولذلك قال مالك - رحمة الله عليه - في المجموعة عن عمر رضي الله عنه: ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا توجه قبل البيت، وعليه الأمر عندنا يعني بالمدينة فاشترط في استعمال الحديث مصادفة جهة الكعبة. ومثل هذا الحديث قوله عليه السلام: لا تستقبلوا القبلة لبول أو غائط، ولكن شرقوا أو غربوا. محمول على ما حمل الحديث الأول عليه، فإن التشريق والتغريب قد يكون جهة الكعبة فينعكس الحكم. فروع ثمانية: الأول: قال في الكتاب: إذا علم في الصلاة أنه إلى غير القبلة، ابتدأ الصلاة من أولها بإقامة، ووافقه الشافعي وأبو حنيفة، قال صاحب الطراز: ويتخرج فيها قول باستدارة والتمادي على أحد القولين فيمن ذكر النجاسة في صلاته فإنه يطرحها ويتمادى، ومن صلى عريانا، ثم وجد السترة والفرق على المشهور أن التوجه متفق على شرطيته، بخلاف طهارة الخبث والسترة فيكون آكد، والفرق بين ظهور الخطأ بعد الصلاة وفي أثنائها أن ظهوره في أثنائها كظهور الخطأ في الدليل قبل بت الحكم فإنه يجب الاستئناف إجماعا، وبعدها كظهور الخطأ بعد بت الحكم وتنفيذه فلا يؤثر. سؤال: قد استدارت الصحابة - رضوان الله عليهم - في أثناء الصلاة لما أخبروا بتحول الجهة من البيت المقدس ولم يبتدئوا؟ جوابه: أن الماضي من صلاتهم لم يكن خطأ بل هو صحيح، والطارئ نسخ فبنوا الصحيح على الصحيح بخلاف هذا المصلي. الثاني: قال في الكتاب: إذا تبين الخطأ بعد الفراغ في البيان ناسيا أو مجتهدا يعيد في الوقت، وفي الجواهر لسحنون يعيد مطلقا وكالأسير يجتهد فيصوم شعبان، وحكي التفصيل عن الشافعي قال: وذكر عن ابن القابسي يعيد الناسي أبدا بخلاف المجتهد، قال: فلو صلى بغير القبلة متعمدا أو جاهلا بوجوب الاستقبال، فلا خلاف في إعادته أبدا. ولمحمد بن مسلمة والمغيرة إن شرق أو غرب أعاد في الوقت، وإن استدبر القبلة أعاد مطلقا. حجة: المشهور ما تقدم في القاعدة الرابعة، وقوله تعالى: (فأينما تولوا فثم وجه الله). خص منه الجهة المعلومة الخطأ فتكون حجة فيما عدا ذلك، وفي الترمذي كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر في ليلة مظلمة، فلم ندر أين القبلة فصلى كل واحد منا على حاله، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي - عليه السلام - فنزل قوله: (فأينما تولوا فثم وجه الله) وقول عمر رضي الله عنه: إنها نزلت في التنفل على الرواحل لا ينافي ذلك لاحتمال الجمع في الإرادة، قال صاحب الطراز: أما من لا تلتبس عليه الكعبة، وإنما سها فتوجه إلى غيرها أعاد أبدا. الثالث: قال صاحب الطراز: لو شك المجتهد بعد إحرامه ولم تتعين له جهة تمادى؛ لأنه دخل بالاجتهاد ولم يتبين خطؤه. الرابع قال: لو صلى باجتهاد وحضر صلاة أخرى في ذلك الموضع، فإن كان الوقتان تختلف فيهما الأدلة اجتهد ثانيا وإلا فلا، وفي الجواهر يعيد الاجتهاد مطلقا. الخامس قال: إذا أداه الاجتهاد إلى جهة فصلى إلى غيرها، ثم تبين أنه صلى إلى الكعبة فصلاته باطلة عندنا، وعند الشافعي وأبي حنيفة لتركه الواجب قال: كما لو صلى ظانا أنه محدث، ثم تبين أنه متطهر. السادس: قال في الكتاب: إذا علم في صلاته أنه انحرف عن القبلة ولم يشرق ولم يغرب استقام إلى القبلة وبنى، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة، وقال بعض الشافعية: تبطل؛ لأن الصلاة الواحدة لا تكون إلى جهتين، قال صاحب الطراز: وهذا إذا لم يكن عند المسجد الحرام قال: وأما لو اعتقد المأموم أن الإمام انحرف انحرافا بينا فارقه وأتم لنفسه، ولو كانوا في بيت مظلم، ثم تبين أنهم صلوا لجهات شتى فإن كان الإمام إلى غير القبلة أعادوا كلهم تبعا للإمام، وإن كان غيره أعاد دون الإمام. السابع: قال صاحب الطراز: الكافة على أن من يحسن الاستدلال ولا وجد دليلا، أنه يتحرى جهة تركن إليها نفسه يصلي إليها صلاة واحدة، وقال محمد بن مسلمة: يصلي أربع صلوات إلى أربع جهات وهو مذهبه في الأواني يصلي بعددها وزائد إحدى صلوات، وكذلك في الثياب النجسة ووجه قول الجماعة قوله تعالى: (فأينما تولوا فثم وجه الله) وأن اليقين لا يحصل بأربع جهات لاحتمال أن تكون الكعبة في جهة بين اثنتين منها، بل لا يحصل اليقين حتى يصلي ثلاثمائة وستين صلاة، وهذا لم يقل به أحد ففارقت هذه المسألة مسألة الأواني. الثامن قال: لو أخبر مجتهد مجتهدا وهو ثقة خبير عن جهة البلد رجع إليه فإن قبلة البلد لابد فيها من اجتهادات، فهي أقرب للصواب من اجتهاد واحد، وإن أخبره عن اجتهاد نفسه، سأله عن وجه الاجتهاد، فإن تبين لأحدهما صواب الآخر اتبعه وإلا فلا، فإن فعل فصلاة المأموم منهما باطلة، فإن طلع الغيم ونسي أحدهما وجه اجتهاده سأل صاحبه، فإن تبين له صوابه اتبعه، وإن لم يتبين انتظر زوال الغيم فإن خاف فوات الوقت قلد صاحبه كالأعمى. الشرط السادس: النية وقد تقدمت في الطهارة مباحثها فتراجع هناك، ونذكر هاهنا ما تختص به فنقول قال صاحب المقدمات: النية الكاملة هي المتعلقة بأربعة أشياء: تعيين الصلاة، والتقرب بها، ووجوبها، وأدائها واستشعار الإيمان يعتبر في ذلك كله فهذه هي النية الكاملة فإن سها عن الإيمان أو وجوب الصلاة أو كونها أداء أو التقرب بها لم تفسد إذا عينها؛ لاشتمال التعيين على ذلك. قال صاحب الطراز: والمعيد للصلاة في جماعة والصبي لا يتعرضان لفرض ولا لنفل. وفي الجواهر إذا كان مأموما فلا بد من نية الاقتداء مع ذلك، فإن تركها بطلت صلاته، وأما الإمام فلا يجب عليه أن ينوي الإمامة إلا في خمسة مواضع، قال ابن بشير في كتاب النظائر: الذي له الجمعة، والجمع، والجنائز، والخوف، والاستخلاف يجمعها للحفظ ثلاث جيمات وخائان والسر فيها من جهة الفقه شيء واحد، وهو أن الإمامة فيها شرط ولما كانت صلاة المنفرد مساوية لصلاة الإمام لم يحصل وصف الإمامة إلا بالنية فيحصل الشرط حينئذ، وحكى الباجي عن (ش) أن الإمام يجب عليه أن ينوي مطلقا وليس كذلك، وقال: (ح) لا تقتدي المرأة بمن لم ينو أنه يؤمها إلا في الجمعة قال: لأن الإمام يجب عليه تأخيرها خلفه فلا يتوجه عليه هذا الفرض إلا بنية، كما أنه لا يتوجه على المأموم فرض الاتباع إلا بالنية، وما ذكره منقوض بالجمعة. وأما المأموم فإنه تسقط عنه القراءة وسجود السهو في السهو الذي يخصه فلابد من نية تؤثر في ذلك، قال صاحب الطراز: واختلف هل يشترط أن ينوي الدخول بتكبيرة الإحرام؟ فمال إليه الباجي وقال: هو معنى قول مالك إذا كبر للركوع ناسيا للإحرام قال: ومن جوز تقديم النية لم يشترط ذلك، قال: وأما ما عدا الإحرام من الأركان فلا تحتاج إلى تعيين عند الإحرام ولا عند الفعل، وقال بعض الشفعوية: ينوي الأركان عند الإحرام قال: وهو هوس وقد كانت الأمة على خلاف هذا ويلزمه أن ينوي حروف الفاتحة والتسليم؛ لأنها واجبة قال: ومثل هذه الهفوة قول القاضي أبي بكر من أصحابنا أنه يلزمه عند الإحرام أن يذكر حدث العالم، وأدلته وإثبات الأعراض واستحالة عرو الجواهر عنها وإبطال حوادث لا أول لها، وأدلة العالم بالصانع وإثبات الصفات وما يجب له تعالى وما يستحيل وما يجوز، وأدلة المعجزة وتصحيح الرسالة، ثم الطرق التي بها وصل التكليف إليه قال: وحكى المازري أردت اتباع كلام القاضي عند إحرامي فرأيت في منامي كأني أخوض في بحر من ظلام، فقلت: هذه والله الظلمة التي قالها القاضي أبو بكر، وحكى صاحب القبس مذهب القاضي عن إمام الحرمين أيضا، وأنه كان يقول تذكار هذه الأمور يكفي فيه الزمن اليسير بخلاف تعلمها، وفي الجواهر هل يفتقر إلى نية عدد الركعات؟ فيه خلاف ينبني عليه الخلاف في ثلاث مسائل: من افتتح بنية القصر فأتم، أو بالعكس أو صلى الجمعة فلم تتم له شروطها: هل عليه ظهر أم لا؟ أو دخل مع الإمام في الجمعة يظنها الظهر أو بالعكس ويجب مقارنتها لتكبيرة الإحرام، وحكى اللخمي ثلاثة أقوال: قال مالك: تجزئ الجمعة عن الظهر ولا يجزئ الظهر عن الجمعة، وقال في السليمانية: تجزئ عنها، وقال أشهب: لا تجزئ الجمعة عن الظهر إنشاء واستصحابا، ووافقنا الشافعي، وقال ابن حنبل وأبو حنيفة في إحدى الروايتين عنه: يجوز تقديمها بالشيء اليسير ووافقهما صاحب المقدمات، وقال داود: يجب تقديمها لنا أن النية شرعت؛ لتميز العبادات عن العادات أو لتميز مراتب العبادات كما تقدم في كتاب الطهارة، والذي لا يقارن الشيء لا يميزه، وفي الجواهر: لا يفتقر إلى لفظ سوى التكبير خلافا لـ (ش) في استحبابه لذلك لما فيه من التكليف والتنبيه على متعلقاتها، لنا أن السلف لم يكونوا يفعلون ذلك فلا يشرع ويجب استصحابها حكما بأن لا يحدث ما ينافيها كنية الخروج في الحال، أو في أثنائه قال صاحب النكت: رفض النية في الوضوء والحج لا يضر بخلاف الصلاة والصوم، والفرق أن الوضوء تعين بالأعضاء، والحج بمواضعه المخصوصة بخلاف الآخرين فكان احتياجهما إلى النية أقل فكان تأثير الرفض فيهما أبعد، والغفلة عنهما في أثناء الصلاة لا تضر، ويحكى عن سحنون أنه كان يعيد صلاته معللا بأن نيته غربت، وقال القاضي أبو بكر: إن غربت لأمر مضى في الصلاة أو عارض لم يضر، وإن كانت بأسباب متقدمة قد لزمت للعبد من الانهماك في الدنيا، والتعلق بفضولها فيقوى ترك الاعتداد بها؛ لأنه واقع باختياره، وقال صاحب القبس: إن الله تعالى سمح للعباد في استرسال الخواطر في الصلاة بما ليس منها، فإذا ذكر عاد إليها فإن استمر مختارا من قبل نفسه وأعرض عن صلاته بطلت قال: وقال الفقهاء: الذي يقع من الصلاة في حال الخواطر مجز، وقال الزهاد: ليس بمجز، وقد ورد في ذلك أنه - عليه السلام - قال: إن الرجل ليصلي الصلاة فيكتب له نصفها ثلثها ربعها حتى ذكر عشرها. فرع: قال صاحب الطراز: النوافل على قسمين: مقيدة، ومطلقة، فالمقيدة: السنن الخمس: العيدان والكسوف والاستسقاء والوتر وركعتا الفجر، فهذه مقيدة إما بأزمانها أو بأسبابها، فلابد فيها من نية التعيين فمن افتتح الصلاة من حيث الجملة، ثم أراد ردها لهذه لم يجز، وألحق الشافعية بهذه قيام رمضان وليس كذلك؛ لأنه من قيام الليل. والمطلقة ما عدا هذه فيكفي فيها نية الصلاة، وإن كان في الليل فهو قيام الليل أو في قيام رمضان كان منه، أو في أول النهار فهو الضحى، أو عند دخول مسجد فهو تحيته، وكذلك سائر العبادات من صوم أو حج أو عمرة لا يفتقر إلى التعيين في مطلقه بل تكفي نية أصل العبادة. الشرط السابع: ترك الكلام قال صاحب المقدمات: اختلف المذهب في كونه فرضا أو سنة وهو مذهب الأبهري قال: وقال: إن القول بالإعادة إذا تكلم عامدا إنما هو على القول بالإعادة ممن ترك السنن عامدا قال: والأظهر أنه فرض، قال اللخمي: الكلام سبعة أقسام فإن تكلم ساهيا أو عامدا للكلام ساهيا عن الصلاة لم يفسدها، أو عامدا ذاكرا أنه في الصلاة، أو عالما بتحريمه فيفسدها، أو جاهلا بجوازه فقيل تبطل؛ لأنه عامد وقيل تصح؛ لأنه متأول أو عامدا مأموما تكلم لإصلاح الصلاة لسهو دخل على الإمام فقال مالك، وابن القاسم: لا يفسدها، وقال المغيرة: يفسدها أو عامدا تكلم لإنقاذ مسلم من مهلكة أو نحوه، فذلك واجب عليه ويستأنف الصلاة إلا أن يضيق فيكون كالمسابفة فإن خاف على مال له أو لغيره وكان كثيرا، تكلم واستأنف وإن كان يسيرا لم يتكلم، فإن فعل بطلت. وفي الجواهر: كل ما ينطلق عليه اسم كلام من غير تحديد بحروفه ولا تعيين لها مبطل للصلاة تعمده أو أكره عليه أو وجب لإنقاذ من مهلكة أو شبهه، وقال بعض الشفعوية: لا يبطلها؛ لوجوبه عليه - لقوله عليه السلام - لأبي سعيد ما منعك أن تجيب إذ دعوتك؟ فقال: كنت أصلي فقال: ألم تجد فيما أوحي إلي: (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) قال: بلى يا رسول الله لا أعود. قال صاحب الطراز: وهذا يحتمل أنه يجيبه بعد قطع النافلة أو يجيبه بالصلاة عليه، أو بلفظ القرآن، قال في الجواهر: ولا يبطلها سبق اللسان، ولا كلام الناسي، ولا لإصلاح الصلاة، وقال المغيرة: تبطل وتبطل بكلام الجاهل إلحاقا له بالعامد، وقيل لا تبطل إلحاقا بالناسي. قاعدة: يجب على كل مكلف أن يعلم أحكام الله تعالى في كل فعل يقدم عليه فإن لم يتعلم ذلك كان عاصيا، وعلم الإنسان بحالته التي هو فيها فرض العين من العلم، فإذا أقدم على الصلاة ولم يعلم تحريم الكلام فيها فهو عاص مفرط، فلذلك كان المشهور إلحاقه بالعامد المقصر دون الناسي المعذور فتخرج فروع الجاهل في الصلاة على هذه القاعدة. فروع تسعة: الأول التنحنح، قال في الجواهر: إن كان لضرورة فغير مبطل، وإن كان لغير ضرورة فهو مبطل في أحد القولين فإن قصد به الإفهام لغيره لم يبطل عند ابن القاسم، ويبطل عند ابن الحكم. الثاني: قال في الكتاب: النفخ مثل الكلام يبطل الصلاة عمده وجهله، ويسجد بعد السلام للسهو، وكرهه في المجموعة ولم يره كالكلام، وللشافعي قولان، واشترط أبو حنيفة في إبطاله للصلاة أن يسمع. ومنشأ الخلاف هل شبه بالنفس فلا يبطل أو يقال هو مركب من الألف والفاء فهو كلام، قال الله تعالى: (فلا تقل لهما أف). فجعله قولا وهو اسم لوسخ الأظافر، والكاف: اسم لوسخ البراجم، ثم الحروف ليست شرطا فلو ضحك أو نهق كالحمير، أو نعق كالغربان ونحوه، قال صاحب الطراز: تبطل صلاته. الثالث: قال: والأنين كالكلام إلا أن تضطره إليه عند مالك، والبكاء إن كان من باب الخشوع فلا شيء عليه، وإلا فهو كالكلام، وفي حديث الموطأ لما أمر - عليه السلام - أبا بكر أن يصلي بالناس قالت له عائشة رضي الله عنها: إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء. وهو دليل عدم إفساده للصلاة. الرابع: في الكتاب إذا قرأ كتابا ملقى بين يديه عامدا ابتدأ الصلاة فرضا كانت أو نقلا، وسجد لسهوه إن كان ناسيا. قال صاحب الطراز: إن كان قرآنا فلا شيء عليه وهو قول الشافعي خلافا لـ (ح)، وإن كان ليس بقرآن وحرك به لسانه فكما قال في الكتاب: وإن لم يتحرك لسانه فإن قل فلا شيء عليه، وإن تعمد وإن طال مع الذكر أفسد؛ لأنه تلبس بفعل من الصلاة ليس من جنسها كما لو طالت فكرته في شيء بين يديه. الخامس: قال في الكتاب: إذا سلم ساهيا من ركعتين فتكلم يسيرا رجع، وبنى، وسجد لسهوه بعد السلام؛ لحديث ذي اليدين وإن تباعد أعاد، وقيل لابن القاسم: إن إنصرف، وأكل وشرب، ولم يطل ذلك قال: يبتدئ ولم أحفظه عن مالك، وفي مسلم أنه - عليه السلام - صلى العصر فسلم من ثلاث ركعات، ثم دخل منزله فقام إليه رجل يقال له الخرباق، وكان في يديه طول فقال: يا رسول الله فذكر له صنيعه فخرج غضبان يجر رداءه حتى انتهى إلى الناس، فقال: أصدق هذا؟ فقالوا: نعم فصلى ركعة، ثم سلم، ثم سجد سجدتين. ونص الشافعي على مثل قول مالك، واختلف هو وأصحابه في القرب فقال: مقدار ركعة، وقال بعضهم: مقدار الصلاة التي هو فيها، وقيل ما كان في العرف طولا، قال صاحب الطراز: قال بعض أصحابنا: يبني وإن طال وهو قول من يرى أنه ما خرج من الصلاة ولا يحتاج إلى إحرام عنده، قال: وقد نقل البراذعي هذه المسألة نقلا فاسدا لقوله: فإن تباعد وخرج من المسجد، فأوهم أن الجمع بينهما شرط قال مالك: إذا خرج إلى باب المسجد أو قرب مصلاه ابتدأ، وقال أشهب: الخروج من المسجد حد في القطع فإن لم يكن في المسجد فمقدار مجاوزة الصفوف بحيث لا يلصي بصلاتهم. فرع مرتب: قال صاحب الطراز: فلو ذكر بالقرب فتكلم بعد ذلك لم يبن؛ لأنه كلام بغير سهو، وقاله مالك قال: وأما قول ابن القاسم إذا أكل أو شرب يروى بالواو وبأو، وقد قال ابن حبيب: يبني إذا أكل أو شرب ما لم يطل، ووجه قول ابن القاسم أن الأكل والشرب أغلظ من الكلام، ولم يشرع جنسه في الصلاة. السادس: في الجواهر لو قال: ادخلوها بسلام إن قصد التلاوة لم يضره، وإن لم يقصد إلا الإفهام فقال ابن حبيب: لا يضره أيضا، وقال المازري: يتخرج فيها قول بالإبطال من الخلافة في بطلان صلاة من فتح بالقرآن على من ليس معه في الصلاة. السابع: القهقهة في الجواهر يبطل عمدها وسهوها وغلبتها، وقيل هي كالكلام لا يبطل سهوها قاله أصبغ، وقال في الكتاب: إن كان وحده قطع، وإن كان مع إمام مضى وأعاد، قال صاحب الطراز: وهو محمول على الخروج بسلام رفعا للخلاف، ويستأنف الإحرام بيقين وهو سبب التمادي مع الإمام، ولذلك قال ابن القاسم: إذا قهقة الإمام مغلوبا استخلف وأتم معهم، قال أبو الطاهر: لأن غلبة القهقهة كسبق الكلام، وقيل يبطل ما مضى؛ لمنافاة القهقهه الصلاة أكثر من الكلام بسبب الخشوع معها، أو لأنها لم يشرع جنسها في الصلاة بخلافه وهذا هو الفرق على رأي مالك وابن القاسم، ولا تبطل بالتبسم؛ لخفته في رواية ابن القاسم ولا سجود عليه، قال ابن رشد: وهو الصواب قياسا على المرتقب، وعلى العابث بيده، وعلى مسوي الحصباء بنعله وشبه ذلك مما في فعله ترك الخشوع ناسيا كان أو عامدا ولا سجود عليه باتفاق، وفي رواية ابن عبد الحكم يسجد بعد السلام؛ لكونه زيادة في الصلاة، وفي الجلاب: قبل السلام؛ لنقصان الخشوع، وهو ضعيف. الثامن: في الكتاب: كره للمأموم أن يتعوذ إذا قرأ الإمام آية وعيد قال: إن فعل سرا قال صاحب الطراز: لأنه مأمور بالانصات، قال: وهذا متفق عليه وإنما الخلاف في المنفرد فعند الشافعي يتعوذ عند الوعيد ويسئل عند الوعد، وكرهه مالك وأبو حنيفة في الفرض والنفل، ومراده في الكتاب الفريضة. التاسع: في الكتاب: لا يقل الحمد لله إن عطس إلا في نفسه، وتركه أحسن؛ لأنه ليس من أركان الصلاة المعتادة فيها فأشبه الكلام، قال صاحب الطراز: قال ابن حبيب: تكره العطسة العالية في الصلاة، وليحفظها ما قدر ويجعل يده على وجهه، وجوز في الكتاب الدعاء على الظالم لما في أبي داود قال أبو هريرة: كان - عليه السلام - في قنوته يدعو المؤمنين، ويلعن الكافرين قال صاحب النوادر، قال ابن شعبان إن قال: يا فلان فعل الله بك فسدت صلاته بخلاف فعل الله بفلان أو اللهم افعل بفلان قال: ولم أره لغيره من أصحابنا، قال صاحب البيان: إذا مر به إنسان فأخبره بما يسره فقال: الحمد لله عامدا أو بما يضره فتوجع قال ابن القاسم: لا يعجبني، ولا تبطل الصلاة قال: وهو كما قال؛ لأنه أشغل نفسه بغير أمر صلاته من أمر دنياه بخلاف فعل أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - حين رفع يديه في الصلاة، وحمد الله لما أمره - عليه السلام - بالمكث في موضعه وفي الصحيحين قال ابن مسعود: كنا نسلم على النبي - عليه السلام - وهو في الصلاة ويرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا، وقال: إن في الصلاة لشغلا. زاد أبو داود فأخذني ما قدم وما حدث فلما قضى الصلاة قال: إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإنه قد أحدث أن لا تتكلموا في الصلاة. الشرط الثامن: ترك الأفعال الكثيرة، ففي الجواهر يبطلها كل ما يعد به عند الناظر معرضا عن الصلاة لفساد نظامها ومنع اتصالها، ولا يبطلها ما ليس كذلك من تحريك الأصابع للتسبيح أو حكة، وهو مكروه إذا لم يكن لمصلحة الصلاة كسد الفرج، أو الضرورة كقتل ما يحاذره وإنقاذ نفس إذا كان على القرب فإن تباعد تغير النظام فيبطلها وإن كان واجبا. فروع تسعة: الأول: قال في الكتاب: يرد السلام برأسه أو بيده في الفرض والنفل، ووافقه الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يرد مطلقا ولا الإشارة، وقال أبو هريرة وجابر وجماعة من السلف: يرد مطلقا بالإشارة وباللفظ المعتاد في رد السلام، ويروى عن أبي هريرة أنه كان يرفع صوته برد السلام، لما في الترمذي عن صهيب مررت بالنبي - عليه السلام - فسلمت عليه وهو يصلي فرد علي إشارة بإصبعه، وللفقهاء على أبي هريرة وأصحابه حديث ابن مسعود في باب الكلام قد تقدم. الثاني: في الكتاب قال ابن القاسم: إذا عطس فشمته رجل فلا يرد عليه إشارة في فرض ولا نفل، لما في مسلم عن معاوية بن الحكم قال: صليت مع النبي - عليه السلام - فعطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أماه ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم! فعرفت أنهم يصمتوني فسكت، فلما سلم النبي - عليه السلام - بأبي وأمي ما ضربني ولا نهرني ولا سبني، ثم قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس هذا إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن. فما رأيت معلما قط أرفق منه - عليه السلام - ووجه الدليل: أنه - عليه السلام - لم يقره على الكلام، ولم يأمره بالإشارة والفرق بين رد السلام وجواب التشميت: أن جواب التشميت دعاء وهو ما لا يتأتى بالإشارة، ورد السلام تحية وهو يحسن في العادة بالإشارة بالرأس وغيره. الثالث: قال ابن القاسم في الكتاب: مقتضى قول مالك أنه يرد بالإشارة أن للناس أن يسلموا عليه، قال صاحب الطراز: وفي هذا الاستقراء نظر فقد روى ابن وهب عن مالك ذلك وكذلك أبو حنيفة، وللشافعية قولان قال: والأول المشهور وبه قال ابن حنبل. وحجته: عموم التسليم وحديث ابن عمر أنه - عليه السلام - كان يرد بالإشارة ولم ينكر على من يسلم عليه، واستحب الشافعي التصفيق لما في الصحيحين قال عليه السلام: يسبح الرجال، وليصفق النساء والعمل على خلافه والمعنى أيضا فإن التسبيح يناسب الصلاة بخلاف التصفيق. فرع مرتب: قال صاحب الطراز: لفظ التسبيح سبحان الله، قال ابن حبيب: فإن قال: سبحانه فقد أخطأ، ولا يصل إلى الإعادة، وإن قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، أو كبر، أو هلل فلا حرج. الرابع: قال ابن القاسم في الكتاب: رأيت مالكا إذا أصابه التثاؤب يضع يده على فيه وينفث في غير الصلاة، ولا أدري ما يفعله في الصلاة؟ لما في أبي داود أنه - عليه السلام - قال: إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، ولا يقل ها، ها فإنما ذلك من الشيطان يضحك منه. وفي رواية فليمسك على فيه؛ فإن الشيطان يدخل. قال صاحب الطراز: وأما النفث فليس من أحكام التثاؤب بل ربما اجتمع الريق في فم الإنسان فينفثه ولو ابتلعه جاز، وينبغي أن ينفثه إذا كان صائما، وقال مالك في الواضحة: يسد فاه بيده في الصلاة حتى ينقطع تثاؤبه قال: فإن قرأ حال تثاؤبه فإن كان يفهم ما يقول فمكروه ويجزيه، وإن لم يفهم فليعد ما قرأ، فإن لم يعد فإن كان في الفاتحة لم يجزه، وإلا أجزأه. الخامس: قال في الكتاب: فإذا انفلتت دابته وطلبها على القرب بنى، وإلا طلبها وابتدأ، قال عبد الحق: إن كان الوقت ضيقا، قال ابن القاسم: يتمادى في طلب دابته وهو في الصلاة كالمسابفة، وقال صاحب الطراز: هذا متجه إلا أن يكون لا يؤيس أمر الدابة فيشتغل بصلاته، وفي البخاري عن الأزرق بن قيس قال: كنا بالأهواز نقاتل الحرورية فبينما أنا على حرف نهر إذ جاء رجل فصلى فإذا لجام دابته في يده فجعلت الدابة تنازعه وجعل يتبعها، قال شعبة هو أبو هريرة الأسلمي فجعل الرجل من الخوارج يقول: اللهم افعل بهذا الشيخ! فلما انصرف الشيخ قال أبي: سمعت قولكم، وإني غزوت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ست غزوات أو سبع غزوات أو ثماني غزوات، وشهدت مسيره، وإني إن كنت أرجع مع دابتي أحب إلي من أن أدعها ترجع إلى مألفها، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - وفي أبي داود عن عائشة - رضي الله عنها: أنه عليه السلام كان يصلي والباب عليه مغلق، فجئت فاستفتحت فمشى يفتح لي، ثم رجع وذكر في الحديث أن الباب في قبلة البيت. السادس: قال صاحب الطراز: لو خاف على صبي بقرب النار قال مالك: ينجيه، فإن انحرف عن القبلة ابتدأ، وإن لم ينحرف بنى قال: وإن خاف فوات الوقت إن قطع لم يقطع. السابع: قال: من قرب منه صبي في الصلاة فلينه عنه في المكتوبة ولا بأس به في النافلة؛ لما في الموطأ عن عبادة قال: رأيته - عليه السلام - يصلي وأمامة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عنقه فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها. زاد مسلم يؤم الناس، وتأوله مالك في النوافل، وروى عنه حمله على الضرورة، ولم يفرق بين فرض ونفل خلاف ما في الكتاب، وقد زاد أبو داود بينا نحن عنده - عليه السلام - في الظهر أو العصر وقد دعاه بلال للصلاة فقام في مصلاه وقمنا خلفه وهي في مكانها، فكبر حتى إذا أراد أن يركع أخذها، ثم وضعها، ثم ركع وسجد حتى إذا فرغ من سجوده، أخذها وردها في مكانها فما زال يصنع بها كذلك في كل ركعة حتى فرغ من صلاته. وقال ابن القاسم في العتبية: في حمل المرأة ولدها في الفرض تركع به وتسجد لا ينبغي، فإن لم يشغلها عن الصلاة لم تعد، والذي قاله إنما يتصور إذا كان مشدودا لا يسقط إذا ركعت أو سجدت، وإلا فتضعه في الركوع والسجود، وتأخذه عند ابن القاسم ويكون ذلك العمل من حيز القليل الذي لا يعطل الصلاة. الثامن: قال في الكتاب: إذا ابتلع طعاما بين أسنانه لم يقطع ذلك صلاته، وكذلك إذا التفت في الصلاة قال صاحب الطراز: نقله البراذعي لا يلتفت، ولم يقل مالك ذلك وإنما قال: إذا التفت والالتفات على ضربين لحاجة وهو مباح بحديث أبي بكر - رضي الله عنه - حيث التفت في الصلاة فرأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فتأخر، وفي أبي داود ثوب بصلاة الصبح فجعل - عليه السلام - يصلي وهو يلتفت إلى الشعب، وكان أرسل فارسا إليه من الليل يحرس ولغير حاجة مكروه، لما في البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سألنا النبي - عليه السلام - عن الالتفات في الصلاة فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد، وقال مالك في المختصر: لا بأس أن يتصفح بجسده، وقال ابن القاسم في الكتاب: إن التفت بجميع جسده لم أسأل ملكا عنه وذلك كله سواء يعني؛ لأن رجليه مع نصفه الأول يكون مستقبلا فهو مستقبل عادة وهو قول الشافعي. قال صاحب الطراز: إذا حول رجليه عن جهة الكعبة بطل توجهه. التاسع: أعاب في الكتاب تفريق القدمين أو يكون في فيه درهم، أو في كمه خبز أو شيء يحشو كمه أو يفرقع أصابعه وغيره؛ لأنه من فعل الفتيان، وكرهه ابن القاسم في المسجد؛ لأنه من العبث الذي تنزه المساجد عنه، ولم يكره أن يحرك رجليه، ولا أن يمسح التراب عن جبهته أو كفيه، وأجاز مالك الصلاة في الغزو والجهاد والثغور ومواضع الرباط بالسيف وبالقوس، وقال: ليس كالسيف، وكرهه ابن القاسم واستحب أن يجعل على عاتقه عمامته، وأجاز ابن حبيب الصلاة بهما جميعا، ولم ير بأسا بترك العمامة، ورأى أن السيف والقوس عدل الرداء، وأما في الحضر فيكره ذلك قال ابن حبيب: إلا أن يأمر به السلطان لأمر ينوب فلا بأس، وليطرح على السيف ما يستره قال صاحب الطراز: تفريق القدمين قلة وقار وإلصاقهما زيادة تنطع فيكره، وقد قال مالك في المختصر: ذلك واسع وكره ما في الفم؛ لأنه يمنع القراءة، وهو يختلف باختلاف الناس فمنهم من يمنعه الدرهم مخارج الحروف ومنهم من لا يمنعه ذلك، فمن خشي ذلك تجنبه وحشو الكم يمنع هيئة السجود من مرفقيه، وكره مالك في المجموعة أن يكون في كمه صحيفة فيها شعر فإن كان ثمينا يخشى عليه حمله، ولو كان حيوانا نجس الروث كالغراب لم يضره؛ لأن ظاهر وباطن الحيوان لا عبرة به، وكذلك الحيوان المذكى إذا غسل ظاهره من الدم ولا يضر ما في باطنه من الدم، خلافا للشافعية في اعتبارهم إياه كدن الخمر، وقارورة ملئت نجاسة، والفرق طهارته بخلافهما. وأما فرقعة الأصابع فلما ورد أن مولى ابن عباس قال: صليت خلف ابن عباس ففرقعت أصابعي فلما صلى قال لي: لا أم لك تفرقع أصابعك وأنت في الصلاة؟ وقد ورد النهي عن التشبيك وهو أخف منه، وكرهه مالك في الصلاة دون المسجد، وفي أبي داود سئل نافع عن الرجل يصلي مشبكا يده قال: قال ابن عمر: تلك صلاة المغضوب عليهم، وفيه عنه عليه السلام: إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه، ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبك يديه؛ فإنه في صلاة، وقال به الشافعي، وكذلك ينهى عن جعل اليد على الخاصرة؛ لنهيه - عليه السلام - في مسلم أن يصلي الرجل مختصرا، وأما مسح التراب إن كان من باب الترفه فمسحه مكروه، وله أن يوطن موضع سجوده، وروى عنه الكراهة ولم يكره تحويل الخاتم في الأصابع لضبط عدد الركعات، وكرهه أبو حنيفة والشافعي؛ لأنه عمل في الصلاة ليس منها ولاحظ مالك عونه على الصلاة، وكره الترويح من الحر في المكتوبة وخففه في النافلة، وكره المراويح في المسجد، وكره قتل العقرب والحية والطير يرميه، وروي عنه عدم كراهة قتل العقرب، وفي أبي داود أمرنا - عليه السلام - بقتل الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب. الشرط التاسع: قال في التلقين: ترتيب الأداء فيجب أن يكون الإحرام قبل القراءة، والركوع قبل السجود، والسجود قبل السلام، وترتيب الصلاة لا أعلم فيه خلافا بخلاف ترتيب الطهارة. الشرط العاشر: الموالاة فيجب إيقاع أجزاء الصلاة وأركانها يلي بعضها بعضا من غير تفريق، واستثنى من ذلك لأجل الضرورة الرعاف، وصلاة الخوف في حق الإمام فإنه ينتظر الطائفة الثانية، والمسبوق ينتظر الإمام فيما لا يعتد به من صلاته حتى يسلم، ثم يقوم يصلي لنفسه، والساهي عن بعض صلاته يبني ما لم يطل، وقال ربيعة: يبني وإن طال ما لم يحدث فجعل الموالاة واجبة مع الذكر ساقطة مع النسيان كالوضوء. لا حق بالشروط وليس منها وهي السترة؛ فإنها يجب تقديمها قبل الصلاة في بعض الصور، ولا يلزم من عدمها بطلان الصلاة وهي من محاسن الصلاة وفائدتها قبض الخواطر عن الانتشار، وكف البصر عن الاسترسال حتى يكون العبد مجتمعا لمناجاة ربه، ولهذا السر شرعت الصلاة إلى جهة واحدة مع الصمت، وترك الأفعال العادية ومنع من الجري إليها، وإن فاتت الجماعة وفضيلة الاقتداء، ومن إقامتها مع الجوع المبرح أو غيره من المشوشات إن أمكن استدراك ذلك قبل خروج الوقت تحصيلا لأدب القلب مع الرب أعاننا الله على ذلك في سائر الأحوال بمنه وكرمه، ثم المار يأثم إن كانت له مندوحة لما في الموطأ أنه - عليه السلام - قال: لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان له أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه. قال أبو النضر: لا أدري أقال أربعين يوما أو شهرا أو سنة؟ وشاركه المصلي في الإثم إن تعرض للمرور؛ لقوله - عليه السلام - في الموطأ: إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه، وليدرأه ما استطاع، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان. قال صاحب الطراز: إلا أن يضطر إلى ذلك، فقد كانت عائشة - رضي الله عنها - تبسط رجليها بين يديه - عليه السلام - وهو يصلي. وإن لم يكن للمار مندوحة عن المرور أثم المصلي وحده، ونحوه إن تعرض للمرور بعذر إذا لم يقصر. والحالات أربع: فاثنان لا يأثمان، يأثم المار وحده، يأثم المصلي وحده، واختلف في قوله عليه السلام: فليقاتله، فقيل: إذا فرغ من الصلاة يغلظ عليه، وقيل يدعو عليه ومنه قوله تعالى: (قاتلهم الله أنى يوفكون) أي: لعنهم الله، وقيل يدفعه دفعا شديدا أشد من الدرأة ولا ينتهي إلى ما يفسد الصلاة وهو المشهور، وقال أشهب في المجموعة: إن قرب منه يدرأه ولا ينازعه، فإن مشى له ونازعه لم تبطل صلاته، وروى ابن القاسم في المجموعة: إذا تجاوزه لا يرده من حيث جاء؛ لأنه مروران قال صاحب الطراز: يدرأه حالة القيام، وروى ابن القاسم لا يدرأه في حالة السجود لمنافاة السجود لذلك، وإن مر به ما لا تؤثر فيه الإشارة كالهر دفعه برجله أو يلصقه إلى السترة؛ لما في أبي داود أنه - عليه السلام - لم يزل يدرأ بهيمة أرادت أن تمر بين يديه حتى لصق بطنه بالجدار، قال أبو الطاهر: لو دفعه فمات كانت ديته على العاقلة عند أهل المذهب قال: وأجرى عبد الحق هذا على الخلاف فيمن عض إنسانا فأخرج المعضوض يده فكسر سن العاض، والخلاف جار في كل من أذن له أذن خاص فأدى إلى التلف، هل يسقط الأذن عنه أثر الجنابة أم لا؟ فائدة: قال سيبويه: الشيطان في اللغة كل متمرد عات من الجن، والإنس، والدواب وليس هذا الاسم خاصا بالجن، ولما كان المار فعل ما لا يليق وخرق حرمة الصلاة وأبهتها، كان ذلك نوعا من التمرد فسماه - عليه السلام - شيطانا ولا حاجة إلى قول من يتكلف المجاز في الحديث، قال صاحب القبس: فإن صلى إلى غير سترة فقد خلط بعض الناس، فقال: لا يمر أحد بين يديه بمقدار رمية السهم، وقيل رمية الحجر، وقيل رمية الرمح، وقيل بمقدار المطاعنة، وقيل بمقدار المضاربة بالسيف؛ مغترين بقوله عليه السلام: فليقاتله فحملوه على أنواع القتال وليس يستحق المصلي سواء وضع سترة أو لم يضعها سوى مقدار ما يحتاجه لقيامه وركوعه وسجوده. فروع سبعة: الأول: قال في الكتاب: الخط باطل وهو قول جمهور الفقهاء، وجوزه ابن حنبل إذا لم يجد غيره، وأشهب في العتبية، وللشافعي قولان لما في أبي داود قال عليه السلام: إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصاه، فإن لم يكن معه فليخطط خطا، ثم لا يضره ما مر أمامه، وهو مطعون عليه جدا، والنظر يرده؛ لأنه لا يسمى سترة ولا يراه المار فيتحرز بسببه. قال صاحب النوادر: والحفرة والنهر وكل ما لا ينصب قائما كالخط ليس بسترة. واختلف في صورة الخط: فقيل من القبلة إلى دبرها، وقيل بالضد وهو قول أحمد، وقيل قوس كهيئة المحاريب. الثاني: قال في الكتاب: لا بأس أن يصلي المسافر إلى غير سترة، وأما في الحضر فلا، قال ابن القاسم: إلا أن يأمن المرور، وروى أشهب في العتبية الاستتار مع الأمن. حجة الأول: ما في الصحيحين أنه - عليه السلام - قال: إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبالي ما يمر وراء ذلك. وهو يدل على أن السترة لأجل المرور فحيث لا مرور لا يشرع. حجة الثاني: ما في أبي داود أنه - عليه السلام - قال: إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته. والشيطان في كل موضع. والحديث مضطرب الإسناد، واختلف في هذا الشيطان فقيل: هو الموسوس فيمنعه القرب من السترة كما يمنعه غلق الباب من الدخول، والعوذ من الأواني، والبسملة من الطعام، وقيل هو المار ويعضد الأول ما في البخاري صلى - عليه السلام - بالناس بمنى إلى غير جدار. فرع: روى ابن القاسم في المجموعة: إذا صلى على مكان عال، فإن غابت عنه رؤوس المارين، وإلا عمل سترة في السطوح. الثالث: قال في الكتاب: يجوز للمسبوق أن يتقدم أو يتأخر ويتيامن ويتياسر لسارية يستتر بها؛ لأن ذلك أخف من مدافعته للناس، قال صاحب الطراز: ذلك إذا كانت قريبة. الرابع: قال في الكتاب: السترة قدر مؤخرة الرحل في جلة الرمح والحربة نحو عظم الذراع، وجلة الرمح أحب إلي. واستحب طول الرمح أو الحربة لما في البخاري كان - عليه السلام - إذا خرج يوم العيد يأمر بالحربة توضع بين يديه فيصلي إليها والناس خلفه، وكان يفعل ذلك في السفر، وفي الفيافي قال ابن حبيب: لا بأس لها دون مؤخرة الرحل في الطول ودون جلة الرمح في الغلظ، وقد كانت العنزة التي كانت تركز له - عليه السلام - دون الرمح في الغلظ وإنما يكره من ذلك ما كان رقيقا جدا. وفي التنبيهات مؤخرة الرحل بفتح الخاء وبالواو، ويقال آخره الرحل وهو العود الذي خلف الراكب، وجلة الرمح بكسر الجيم وتشديد اللام أي: غلظة، والعنزة: الرمح القصير قال صاحب الطراز: إذا سقطت الحربة، قال مالك: يقيمها إن كان ذلك خفيفا كان جالسا أو قائما فينحط لها كما ينحط للحجر؛ ليقتل العقرب، وكره السوط في الكتاب؛ لأنه إن كان مطروحا فليس بسترة كالخط أو قائما فلا يؤبه له، بخلاف القلنسوة العالية والوسادة، قاله مالك، وكذلك الحيوان الطاهر الروث جوزه في العتبية بخلاف الخيل والبغال والحمير، وجوز أيضا الاستتار بظهر الرجل، وتردد قوله في جنبه ومنع وجهه، وجوز السترة بالصبي إذا استقر بخلاف المرأة ولو كانت أمه أو أخته، وفي الجلاب لا يستتر بامرأة إلا أن تكون من محارمه، قال أبو الطاهر: لا يستتر بمرحاض ونحوه، ولا بنائم، ولا بمجنون، ولا مأيون في دبره. وحكاه المازري عن ابن القاسم وزاد الكافر، قال: ويختلف إذا كان وراء السترة رجل يتحدث، ومنع في الكتاب من الصلاة الحجر المنفرد بخلاف الحجارة المجتمعة لشبهه بالصنم والمنع من القيام لاحتمال الانكشاف، وفي الجلاب المنع من حلق المتكلمين في الفقه وغيره؛ لما فيه من شغل البال بخلاف الطائفين بالبيت، لما في أبي داود أنه - عليه السلام - صلى مما يلي باب بني سهم فالناس يمرون بين يديه، ولأن الطواف بالبيت صلاة، قال صاحب القبس: ولا يجعل السترة قبالة وجهه؛ لحديث المقداد ما رأيته - عليه السلام - صلى إلى شيء يصمد إليه صمدا إنما كان يجعله على يمينه أو على يساره، قال: ولا يتقدم من سترته كثيرا حتى إذا أراد أن يسجد تأخر، وقد رأيت بعض الغافلين ممن ينتصب للتعليم يفعله وهو جهالة؛ لأنه عمل في الصلاة، وقال أبو الطاهر: اختلفت الأحاديث في الذي كان بينه - عليه السلام - وبين سترته فروى بلال ثلاثة أذرع، وروى سهل بن سعد ممر الشاة، واختلف في الجمع فحمل أكثر الأشياخ الأول على حالة القيام، والثاني على مقدار ما يتقى حالة السجود، وروى أبو الطيب بن خلدون أنه يحمل على أنه - عليه السلام - كان إذا وقف قرب من سترته بالمقدار الثاني، فإذا أراد الركوع بعد منها بالمقدار الأول، وكان أبو الطيب هذا يفعله، ويرى أنه عمل يسير للإصلاح؛ لأن الدنو من السترة أجمع للقلب، قال صاحب الطراز: لا حد للقرب من السترة لكنه مأمور به وحده الشافعي، وابن حنبل ثلاثة أذرع؛ لأنه - عليه السلام - لما صلى في الكعبة كان بينه، وبين الجدار ثلاثة أذرع، قال: وليس فيه دليل؛ لأن الصلاة في الكعبة لا تحتاج إلى سترة، قال: وكان مالك يصلي يوما بعيدا من سترته فمر به رجل لا يعرفه فقال: أيها المصلي ادن من سترتك فجعل مالك يتقدم، ويقول: (وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما). الخامس: قال في الكتاب: لا أكره المرور بين الصفوف والإمام يصلي؛ لأنه سترة لهم، قال: وكان سعد بن أبي وقاص يمشي بين الصفوف عرضا حتى يصل إلى الصلاة، وكذلك كل من عرض له عارض يمشي عرضا لما في الموطأ، قال ابن عباس: أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس بمنى فمررت بين يدي بعض الصفوف، فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي أحد. ويؤكده وجهان أحدهما: أن المأموم لا يوجب سهوه سجودا، فكذلك خلل المأموم إذا اختص به لا يوجب خللا في الصلاة. وثانيهما: أن الجماعة لا تحتاج كل واحد منهم إلى سترة إجماعا فكانت سترة الإمام سترة لهم، فإن لم يمر أحد بين الإمام وسترته كانت سترتهم سالمة عن الخلل فلا يضرهم ذلك، مع أن أبا الطاهر قد حكى الخلاف في سترة الجماعة: هل هي سترة للإمام؟ فإذا وقع فيها خلل وقع في سترتهم، أو هي للإمام فلا يضرهم الخلل في سترته؟ ولفظ الكتاب كما سمعته: والإمام سترة لهم. السادس: قال في الكتاب: لا يقطع الصلاة شيء يمر بين يدي المصلي. وهو قول (ش) و(ح) وجمهور الفقهاء، وقال ابن حنبل: يقطعها الكلب الأسود وفي نفسي من المرأة والحمار شيء، محتجا بما في مسلم: إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل مؤخرة الرحل، فإن لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود، قال أبو ذر: سألت النبي - عليه السلام - فقال: الكلب الأسود شيطان. وزاد أبو داود الخنزير واليهودي والمجوسي. لنا ما في الصحيحين أن عائشة - رضي الله عنها - قالت: شبهتمونا بالحمير والكلاب، لقد رأيته - عليه السلام - يصلي وأنا على السرير بينه وبين القبلة منضجعة فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس فأوذيه - عليه السلام - فأنسل من عند رجليه. وفي الموطأ قال علي بن أبي طالب، وابن عمر رضي الله عنهم: لا يقطع الصلاة شيء. فيترجح ما ذكرناه بعمل الصحابة، وبالقياس على الهوام والطيور أو يجمع بحمل القطع على قطع الإقبال على الصلاة بسبب الفكرة في المار، لا على الإبطال. السابع: قال في الكتاب: لا يتناول أحد شيئا من بين يدي المصلي؛ لأنه بمنزلة المرور لاشتراكهما في قلة احترام الصلاة، أو في اشتغال المصلي عنها، وكره في المجموعة أن يتكلم رجل عن يمينه مع رجل عن يساره لما فيه من قلة الاحترام، قال في الكتاب: فإن كان المصلي هو المناول لغيره منع أيضا؛ لأن العين المتناولة تمر بين يديه وتشغله عن الصلاة.
|