الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الدروس المهمة لعامة الأمة **
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، صلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فهذه كلمات موجزة في بيان بعض ما يجب أن يعرفه العامة عن دين الإسلام، وسميتها: (الدروس المهمة لعامة الأمة). وأسأل الله أن ينفع بها المسلمين، وأن يتقبلها مني، إنه جواد كريم. عبدالعزيز بن عبدالله بن باز سورة الفاتحة و ما أمكن من قصار السور، من سورة الزلزلة إلى سورة الناس، تلقيناً، و تصحيحاً للقراءة، و تحفيظاً، و شرحاً لما يجب فهمه. بيان أركان الإسلام الخمسة، و أولها و أعظمها: شهادة أن لا إله إلا الله، و أن محمداً رسول الله بشرح معانيها، مع بيان شروط لا إله إلا الله، و معناها: (لا إله) نافياً جميع ما يعبد من دون الله، (إلا الله) مثبتاً العبادة لله وحده لا شريك له. و أما شروط (لا إله إلا الله) فهي: العلم المنافي للجهل، و اليقين المنافي للشك، و الإخلاص المنافي للشرك، و الصدق المنافي للكذب، و المحبة المنافية للبغض، و الانقياد المنافي للترك، و القبول المنافي للرد، و الكفر المنافي بما يعبد من دون الله. و قد جمعت في البيتين الآتيين: علم يقين و إخلاص و صدقك مع محبة و انقياد و القبول لها و زيد ثامنها الكفران منك بما سوى الإله من الأشياء قد ألها مع بيان أن محمداً رسول الله، و مقتضاها: تصديقه فيما أخبر، و طاعته فيما أمر، و اجتناب ما نهى عنه و زجره، و ألا يعبد الله إلا بما شرعه الله عز و جل، و رسوله صلى الله عليه و سلم. ثم يبين للطالب بقية أركان الإسلام الخمسة، و هي: الصلاة، و الزكاة، و صوم رمضان، و حج البيت الحرام لمن استطاع إليه سبيلا. أركان الإيمان، و هي ستة: أن تؤمن بالله و ملائكته، و كتبه، و رسله، و باليوم الآخر، و تؤمن بالقدر خيره و شره. بيان أقسام التوحيد، و هي ثلاثة: توحيد الربوبية، و توحيد الألوهية، و توحيد الأسماء و الصفات. أما توحيد الربوبية: فهو الإيمان بأن الله سبحانه الخالق لكل شيء، و المتصرف في كل شيء، لا شريك له في ذلك. و أما توحيد الألوهية: فهو الإيمان بأن الله سبحانه هو المعبود بحق لا شريك له في ذلك، و هو معنى لا إله إلا الله، فإن معناها: لا معبود حق إلا الله، فجميع العبادات من صلاة و صوم و غير ذلك يجب إخلاصها لله وحده، و لا يجوز صرف شيء منها لغيره. و أما توحيد الأسماء و الصفات: فهو الإيمان بكل ما ورد في القرآن الكريم، و الأحاديث الصحيحة من أسماء الله و صفاته، و إثباتها لله وحده على الوجه اللائق به سبحانه من غير تحريف، و لا تعطيل، و لا تكييف، و لا تمثيل؛ عملاً بقوله تعالى: {قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد} [الصمد: كاملة]، و قوله عز و جل: و أقسام الشرك ثلاثة: شرك أكبر، و شرك أصغر، و شرك خفي. فالشرك الأكبر: يوجب حبوط العمل و الخلود في النار لمن مات عليه، كما قال الله تعالى: و من أنواعه: دعاء الأموات، و الأصنام، و الاستغاثة بهم، و النذر لهم، و الذبح لهم، و نحو ذلك. أما الشرك الأصغر: فهو ما ثبت بالنصوص من الكتاب أو السنة تسميته شركاً، و لكنه ليس من جنس الشرك الأكبر؛ كالرياء في بعض الأعمال، و الحلف بغير الله، و قول: ما شاء الله و شاء فلان، و نحو ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه و سلم: (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر) فسئل عنه، فقال: (الرياء) رواه الإمام أحمد، و الطبراني، و البهيقي، عن محمود بن لبيد الأنصاري رضي الله عنه بإسناد جيد، و رواه الطبراني بأسانيد جيدة، و عن محمود بن لبيد، عن رافع بن خديج، عن النبي صلى الله عليه و سلم. و قوله صلى الله عليه و سلم: (من حلف بشيء دون الله فقد أشرك) رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، و رواه أبو داود، و الترمذي بإسناد صحيح، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: {لا تقولوا: ما شاء الله و شاء فلان، و لكن قولوا: (ما شاء الله ثم شاء فلان) أخرجه أبو داود بإسناد صحيح، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه. و هذا النوع لا يوجب الردة، و لا يوجب الخلود في النار، و لكنه ينافي كمال التوحيد الواجب. أما النوع الثالث: و هو الشرك الخفي، فدليله قول النبي صلى الله عليه و سلم: (ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (الشرك الخفي، يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه) رواه الإمام أحمد في مسنده، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. و يجوز أن يقسم الشرك إلى نوعين فقط: أكبر و أصغر، أما الشرك الخفي فإنه يعمهما. فيقع في الأكبر، كشرك المنافقين؛ لأنهم يخفون عقائدهم الباطلة، و يتظاهرون بالإسلام رياءً، و خوفاً على أنفسهم. و يكون الشرك الأصغر، كالرياء، كما في حديث محمود بن لبيد الأنصاري المتقدم، و حديث أبي سعيد المذكور، و الله ولي التوفيق. ركن الإحسان، و هو: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. شروط الصلاة، و هي تسعة الإسلام، و العقل، و التمييز، و رفع الحدث، و إزالة النجاسة، و ستر العورة، و دخول الوقت، و استقبال القبلة، و النية. القيام مع القدرة، و تكبيرة الإحرام، و قراءة الفاتحة، و الركوع، و الاعتدال بعد الركوع، و السجود على الأعضاء السبعة، و الرفع منه، و الجلسة بين السجدتين، و الطمأنينة في جميع الأفعال، و الترتيب بين الأركان، و التشهد الأخير، و الجلوس له، و الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم، و التسليمتان. واجبات الصلاة، و هي ثمانية جميع التكبيرات غير تكبيرة الإحرام، و قول : (سمع الله لمن حمده) للإمام و المنفرد، و قول (ربنا و لك الحمد) للكل، و قول: (سبحان ربي العظيم) في الركوع، و قول: (سبحان ربي الأعلى) في السجود، و قول: (ربي اغفر لي) بين السجدتين، و التشهد الأول، و الجلوس له. بيان التشهد، و هو أن يقول: (التحيات لله، و الصلوات، و الطيبات، السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته، السلام علينا و على عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله) ثم يصلي على النبي صلى الله عليه و سلم و يبارك عليه، فيقول: (اللهم صل على محمد، و على آل محمد، كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، و بارك على محمد، و على آل محمد، كما باركت على إبراهيم، و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد). ثم يستعيذ بالله في التشهد الأخير من عذاب جهنم، و من عذاب القبر، و من فتنة المحيا و الممات، و من فتنة المسيح الدجال، ثم يتخير من الدعاء ما شاء، و لا سيما المأثور من ذلك، و منه: (اللهم أعني على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك، اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، و لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي من عندك، و ارحمني إنك أنت الغفور الرحيم). أما في التشهد الأول فيقوم بعد الشهادتين إلى الثالثة في الظهر و العصر و المغرب و العشاء، و إن صلى على النبي صلى الله عليه و سلم فهو أفضل؛ لعموم الأحاديث في ذلك، ثم يقوم إلى الثالثة. سنن الصلاة، و منها: 1- الاستفتاح. 2- جعل كف اليد اليمنى على اليسرى فوق الصدر حين القيام، قبل الركوع و بعده. 3- رفع اليدين مضمومتي الأصابع ممدودة حذو المنكبين أو الأذنين عند التكبير الأول، و عند الركوع، و الرفع منه، و عند القيام من التشهد الأول إلى الثالثة. 4- ما زاد عن واحدة في تسبيح الركوع و السجود. 5- ما زاد على قول: (ربنا و لك الحمد) بعد القيام من الركوع، و ما زاد عن واحدة في الدعاء بالمغفرة بين السجدتين. 6- جعل الرأس حيال الظهر في الركوع. 7- مجافاة العضدين عن الجنبين، و البطن عن الفخذين، و الفخذين عن الساقين في السجود. 8- رفع الذراعين عن الأرض حين السجود. 9- جلوس المصلي على رجله اليسرى مفروشة، و نصب اليمنى في التشهد الأول و بين السجدتين. 10- التورك في التشهد الأخير في الرباعية و الثلاثية و هو: الجلوس على مقعدته و جعل رجله اليسرى تحت اليمنى و نصب اليمنى. 11- الإشارة بالسبابة في التشهد الأول و الثاني من حين يجلس إلى نهاية التشهد و تحركيها عند الدعاء. 12- الصلاة و التبريك على محمد، و آل محمد، وعلى إبراهيم، و آل إبراهيم في التشهد الأول. 13- الدعاء في التشهد الأخير. 14- الجهر بالقراءة في صلاة الفجر، و صلاة الجمعة، و صلاة العيدين، و الاستسقاء، و في الركعتين الأوليين من صلاة المغرب و العشاء. 15- الإسرار بالقراءة في الظهر، و العصر، و في الثالثة من المغرب، و الأخيرتين من العشاء. 16- قراءة ما زاد عن الفاتحة من القرآن، مع مراعاة بقية ما ورد من السنن في الصلاة سوى ما ذكرنا، و من ذلك: ما زاد على قول المصلي: (ربنا و لك الحمد)، بعد الرفع من الركوع في حق الإمام، و المأموم، و المنفرد، فإنه سنة، و من ذلك أيضاً: وضع اليدين على الركبتين مفرجتي الأصابع حين الركوع. مبطلات الصلاة، و هي ثمانية: 1- الكلام العمد مع الذكر و العلم، أما الناسي و الجاهل فلا تبطل صلاته بذلك. 2- الضحك. 3- الأكل. 4- الشرب. 5- انكشاف العورة. 6- الانحراف الكثير عن جهة القبلة. 7- العبث الكثير المتوالي في الصلاة. 8- انتقاض الطهارة. شروط الوضوء، و هي عشرة: الإسلام، و العقل، و التمييز، و النية، و استصحاب حكمها بأن لا ينوي قطعها حتى تتم طهارته، و انقطاع موجب الوضوء، و استنجاء أو استجمار قبله، و طهورية ماء و إباحته، و إزالة ما يمنع وصوله إلى البشرة، و دخول وقت الصلاة في حق من حدثه دائم. فروض الوضوء، و هي ستة: غسل الوجه و منه المضمضة و الاستنشاق، و غسل اليدين مع المرفقين، و مسح جميع الرأس و منه الأذنان، و غسل الرجلين مع الكعبين، و الترتيب، و الموالاة. و يستحب تكرار غسل الوجه، و اليدين، و الرجلين ثلاث مرات، و هكذا المضمضة، و الاستنشاق، و الفرض من ذلك مرة واحدة، أما مسح الرأس فلا يستحب تكراره كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة. نواقض الوضوء، و هي ستة: الخارج من السبيلين، و الخارج الفاحش النجس من الجسد، و زوال العقل بنوم أو غيره، و مس الفرج باليد قبلاً كان أو دبراً من غير حائل، و أكل لحم الإبل، و الردة عن الإسلام، أعاذنا الله و المسلمين من ذلك. تنبيه هام: أما غسل الميت: فالصحيح أنه لا ينقض الوضوء، و هو قول أكثر أهل العلم؛ لعدم الدليل على ذلك، لكن لو أصابت يد الغاسل فرج الميت من غير حائل وجب عليه الوضوء. والواجب عليه ألا يمس فرج الميت إلا من وراء حائل، و هكذا مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً، سواء كان ذلك عن شهوة، أو غير شهوة في أصح قولي العلماء، ما لم يخرج منه شيء؛ لأن النبي صلى الله عليه و سلم قبل بعض نسائه ثم صلى و لم يتوضأ. أما قول الله سبحانه في آيتي النساء، و المائدة: و الله ولي التوفيق. التحلي بالأخلاق المشروعة لكل مسلم، و منها: الصدق، و الأمانة، و العفاف، و الحياء، و الشجاعة، و الكرم، و الوفاء، و النزاهة عن كل ما حرم الله، و حسن الجوار، و مساعدة ذوي الحاجة حسب الطاقة، و غير ذلك من الأخلاق التي دل الكتاب أو السنة على شرعيتها. التأدب بالآداب الإسلامية، و منها: السلام، و البشاشة، و الأكل باليمين و الشرب بها، و التسمية عند الابتداء، و الحمد عن الفراغ، و الحمد بعد العطاس، و تشميت العاطس إذا حمد الله، و عيادة المريض، و اتباع الجنائز للصلاة و الدفن، و الآداب الشرعية عند دخول المسجد، أو المنزل و الخروج منهما، و عند السفر، و مع الوالدين و الأقارب و الجيران، و الكبار و الصغار و التهنئة بالمولود، و التبريك بالزواج، و التعزية في المصاب، و غير ذلك من الآداب الإسلامية في اللبس و الخلع و الانتعال. الحذر و التحذير من الشرك و أنواع المعاصي، و منها: السبع الموبقات (المهلكات) و هي: الشرك بالله، و السحر، و قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، و أكل الربا، و أكل مال اليتيم، و التولي يوم الزحف، و قذف المحصنات الغافلات المؤمنات. و منها: عقوق الوالدين، و قطيعة الرحم، و شهادة الزور، و الأيمان الكاذبة، و إيذاء الجار، و ظلم الناس في الدماء، و الأموال، و الأعراض، و شرب المسكر، و لعب القمار - و هو: الميسر - و الغيبة، و النميمة، و غير ذلك مما نهى الله عز و جل عنه، أو رسوله صلى الله عليه و سلم. وإليك تفصيل ذلك: أولاً: يشرع تلقين المحتضر: (لا إله إلا الله)؛ لقول النبي صلى الله عليه و سلم: (لقنوا موتاكم: لا إله إلا الله) رواه مسلم في صحيحه، و المراد بالموتى في هذا الحديث: المحتضرون، و هم من ظهرت عليهم أمارات الموت. ثانياً: إذا تيقن موته أغمضت عيناه و شد لحياه؛ لورود السنة بذلك. ثالثاً: يجب غسل الميت المسلم، إلا أن يكون شهيداً مات في المعركة فإنه لا يغسل و لا يصلى عليه، بل يدفن في ثيابه؛ لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يغسل قتلى أحد و لم يصلي عليهم. رابعاً: صفة غسل الميت: أنه تستر عورته، ثم يرفع قليلاً و يعصر بطنه عصراً رفيقاً، ثم يلف الغاسل على يده خرقة أو نحوها فينجيه بها، ثم يوضئه وضوء الصلاة، ثم يغسل رأسه و لحيته بماء و سدر أو نحوه، ثم يغسل شقه الأيمن، ثم الأيسر، ثم يغسله كذلك مرة ثانية و ثالثة، يمر في كل مرة يده على بطنه، فإن خرج منه شيء غسله، و سد المحل بقطن أو نحوه، فإن لم يستمسك فبطين حر، أو بوسائل الطب الحديثة؛ كاللزق و نحوه. و يعيد وضوءه، و إن لم ينق بثلاث زيد إلى خمس، أو إلى سبع، ثم ينشفه بثوب، و يجعل الطيب في مغابنه، و مواضع سجوده، و إن طيبه كله كان حسناً، و يجمر أكفانه بالبخور، و إن كان شاربه أو أظفاره طويلة أخذ منها، و إن ترك ذلك فلا حرج، و لا يسرح شعره، و لا يحلق عانته، و لا يختنه؛ لعدم الدليل على ذلك، و المرأة يظفر شعرها ثلاث قرون، و يسدل من ورائها. خامساً: تكفين الميت: الأفضل أن يكفن الرجل في ثلاث أثواب بيض ليس فيها قميص و لا عمامة، كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم، يدرج فيها إدراجاً، و إن كفن قميص و إزار و لفافة فلا بأس. و المرأة تكفن في خمسة أثواب: درع، و خمار، و إزار، و لفافتين. و يكفن الصبي في ثوب واحد إلى ثلاثة أثواب، و تكفن الصغيرة في قميص و لفافتين. و الواجب في حق الجميع ثوب واحد يستر جميع الميت، و لكن إذا كان الميت محرماً فإنه يغسل بماء و سدر، و يكفن في إزاره و ردائه أو في غيرهما، و لا يغطى رأسه و لا وجهه، و لا يطيب؛ لأنه يبعث يوم القيامة ملبياً، كما صح بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم، و إن كان المحرم امرأة كفنت كغيرها، و لكن لا تطيب، و لا يغطى وجهها بنقاب، و لا يداها بقفازين، و لكن يغطى وجهها و يداها بالكفن الذي كفنت فيه، كما تقدم بيان صفة تكفين المرأة. سادساً: أحق الناس بغسله و الصلاة عليه و دفنه: وصيه في ذلك، ثم الأب، ثم الجد، ثم الأقرب فالأقرب من العصبات في حق الرجل. و الأولى بغسل المرأة: وصيتها، ثم الأم، ثم الجدة، ثم الأقرب فالأقرب من نسائها، و للزوجين أن يغسل أحدهما الآخر؛ لأن الصديق رضي الله عنه غسلته زوجته، و لأن علياً رضي الله عنه غسل زوجته فاطمة رضي الله عنها. سابعاً: صفة الصلاة على الميت: يكبر أربعاً، و يقرأ بعد الأولى: الفاتحة، و إن قرأ معها سورة قصيرة أو آية أو آيتين فحسن؛ للحديث الصحيح الوارد عن ابن عباس رضي الله عنهما، ثم يكبر الثانية و يصلي على النبي صلى الله عليه و سلم كصلاته في التشهد، ثم يكبر الثالثة، و يقول: (اللهم اغفر لحينا و ميتنا، و شاهدنا و غائبنا، و صغيرنا و كبيرنا، و ذكرنا و أنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، و من توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم اغفر له، و ارحمه، و عافه، و اعف عنه، و أكرم نزله، و وسع مدخله، و اغسله بالماء و الثلج و البرد، و نقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، و أبدله داراً خيراً من داره، و أهلاً خيراً من أهله، و أدخله الجنة، و أعذه من عذاب القبر، و عذاب النار، و افسح له في قبره، و نور له فيه، اللهم لا تحرمنا أجره و لا تضلنا بعده)، ثم يكبر الرابعة، و يسلم تسليمة واحدة عن يمينه. و يستحب أن يرفع يديه مع كل تكبيرة، و إذا كان الميت امرأة يقال: (اللهم اغفر لها...) إلخ، و إذا كانت الجنائز اثنتين يقال: (اللهم اغفر لهما...) إلخ، و إن كانت الجنائز أكثر من ذلك قال: (اللهم اغفر لهم...) إلخ، أما إذا كان فرطاً فيقال بدل الدعاء له بالمغفرة: (اللهم اجعله فرطاً و ذخراً لوالديه، و شفيعاً مجاباً، اللهم ثقل به موازينهما، و أعظم به أجورهما، و ألحقه بصالح سلف المؤمنين، و اجعله في كفالة إبراهيم عليه الصلاة و السلام، و قه برحمتك عذاب جهنم). و السنة أن يقف الإمام حذاء رأس الرجل، و وسط المرأة، و أن يكون الرجل مما يلي الإمام إذا اجتمعت الجنائز، و المرأة مما يلي القبلة، و إن كان معهم أطفال قدم الصبي على المرأة، ثم المرأة، ثم الطفلة، و يكون رأس الصبي حيال رأس الرجل، و وسط المرأة حيال رأس الرجل، و هكذا الطفلة يكون رأسها حيال رأس المرأة، و يكون وسطها حيال رأس الرجل، و يكون المصلون جميعاً خلف الإمام، إلا أن يكون واحداً لم يجد مكاناً خلف الإمام فإنه يقف عن يمينه. ثامناً: صفة دفن الميت: المشروع تعميق القبر إلى وسط الرجل، و أن يكون قيه لحد من جهة القبلة، و أن يوضع الميت في اللحد على جنبه الأيمن، و تحل عقد الكفن، و لا تنزع بل تترك، و لا يكشف وجهه سواء كان الميت رجلاً أو امرأة، ثم ينصب عليه اللبن، و يطين حتى يثبت و يقيه التراب، فإن لم يتيسر اللبن فبغير ذلك من الألواح، أو أحجار، أو خشب يقيه التراب، ثم يهال عليه التراب، و يستحب أن يقال عند ذلك: (باسم الله، و على ملة رسول الله)، و يرفع القبر قدر شبر، و يوضع عليه حصباء إن تيسر ذلك، و يرش بالماء. و يشرع للمشيعين أن يقفوا عند القبر و يدعوا للميت؛ لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، و قال: (استغفروا لأخيكم، و اسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل). تاسعاً: و يشرع لمن لم يصل عليه أن يصلي عليه بعد الدفن؛ لأن النبي صلى الله عليه و سلم فعل ذلك، على أن يكون ذلك في حدود شهر فأقل، فإن كانت المدة أكثر من ذلك لم تشرع الصلاة على القبر؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه صلى على قبر بعد شهر من دفن الميت. عاشراً: لا يجوز لأهل الميت أن يصنعوا طعاماً للناس؛ لقول جرير بن عبدالله البجلي الصحابي الجليل رضي الله عنه: (كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت و صنعة الطعام بعد الدفن من النياحة) رواه الإمام أحمد بسند حسن، أما صنع الطعام لهم، أو لضيوفهم فلا بأس، و يشرع لأقاربه و جيرانه أن يصنعوا لهم الطعام؛ لأن النبي صلى الله عليه و سلم لما جاءه الخبر بموت جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في الشام أمر أهله أن يصنعوا طعاماً لأهل جعفر، و قال: (إنه أتاهم ما يشغلهم). و لا حرج على أهل الميت أن يدعوا جيرانهم، أو غيرهم للأكل من الطعام المهدى إليهم، و ليس لذلك وقت محدود فيما نعلم من الشرع. حادي عشر: لا يجوز للمرأة الإحداد على ميت أكثر من ثلاثة أيام إلا على زوجها فإنه يجب عليها أن تحد عليه أربعة أشهر و عشراً، إلا أن تكون حاملاً فإلى وضع الحمل؛ لثبوت السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه و سلم بذلك. أما الرجل فلا يجوز له أن يحد على أحد من الأقارب أو غيرهم. ثاني عشر: يشرع للرجال زيارة القبور بين وقت و آخر للدعاء لهم، و الترحم عليهم، و تذكر الموت و ما بعده؛ لقول النبي صلى الله عليه و سلم: (زوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة) خرّجه الإمام مسلم في صحيحه، و كان صلى الله عليه و سلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين و المسلمين، و إنا إن شاء الله بكم لاحقون، و نسأل الله لنا و لكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا و المستأخرين). أما النساء فليس لهن زيارة القبور؛ لأن الرسول صلى الله عليه و سلم لعن زائرات القبور، و لأنهن يخشى من زيارتهن الفتنة و قلة الصبر، و هكذا لا يجوز لهن اتباع الجنائز إلى المقبرة؛ لأن الرسول صلى الله عليه و سلم نهاهن عن ذلك، أما الصلاة على الميت في المسجد، أو في المصلى فهي مشروعة للرجال و للنساء جميعاً. هذا آخر ما تيسر جمعه. و صلى الله و سلم على نبينا محمد، و آله و صحبه.
|