الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **
ونحو ذلك ذكر في كتاب عجائب الحكايات وغرائب الماجزيات أنه كان بمصر حجر من جمع كفيه عليه تقيأ جميع ما في جوده. قال القضاعي: ذكر الجاحظ وغيره: أنَّ عجائب الدنيا ثلاثون أعجوبة منها بسائر الدنيا عشر أعجوبات وهي مسجد دِمَشْق وكنيسة الرها وقنطرة سنجر وقصر غمدان وكنيسة رومية وصنم الزيتون وإيوان كِسْرى بالمدائن وبيت الريح بتدمر والخورنق والسدير بالحيرة والثلاثة الأحجار ببعلبك وذكر أنها بيت المشتري والزهرة وأنه كان لكل كوكب من السبعة بيت فيها فتهدّمت. ومنها بمصر عشرون أعجوبة فمن ذلك الهرمان وهما أطول بناء وأعجبه ليس على وجه الدنيا بناء باليد حجر على حجر أطول منهما وإذا رأيتهما ظننت أنهما جبلان موضوعان ولذلك قال بعض من رآهما: ليس من شيء إلا وأنا أرحمه من الدهر إلا الهرمين فإني لأرحم الدهر منهما. ومن ذلك صنم الهرمين وهو بلهوية ويقال بلهيت ويقال: إنه طلسم للرمل لئلا يغلب على إبليز الجيزة. ومن ذلك بربا سمنود وهو من أعاجيبها وذكر عن أبي عمرو الكنديّ أنه قال: رأيته وقد خزن فيه بعض عمالها قرظًا فرأيت الجمل إذا عناه من بابه بحمله وأراد أن يدخله سقط كل دبيب في القرظ لم يدخل منه شيء إلى البربا ثم خرب عند الخمسين والثلثمائة. ومن ذلك: بربا اخميم عجب من العجائب بما فيه من الصور وأعاجيب وصور الملوك الذين يملكون مصر وكان ذو النون الإخميمي يقرأ البرابي فرأى فيها حكمًا عظيمة فأفسد أكثرها. ومن ذلك بربا دندره وهو بربا عجيب فيه ثمانون ومائة كوّة تدخل الشمس كل يوم من كوّة منها ثم الثانية حتى تنتهي إلى آخرها ثم تكرّر راجعة إلى موضع بدائها. ومن ذلك حائط العجوز من العريش إلى أسوان يحيط بأرض مصر شرقًا وغربًا. ومن ذلك الإسكندرية وما فيها من العجائب فمن عجائبها المنارة والسواري والملعب الذي كانوا يجتمعون فيه في يوم من السنة ثم يرمون بكرة فلا تقم في حجر أحد إلا ملك مصر وحضر عيدًا من أعيادهم عمرو بن العاص فوقعت الكرة في حجره فملك البلد بعد ذلك في الإسلام ثم يحضر هذا الملعب ألف ألف من الناس فلا يكون فيهم أحد إلا وهو ينظر في وجه صاحبه ثم إن قرئ كتاب سمعوه جميعًا أو لعب نوع من أنواع اللعب رأوه عن آخرهم لا يتطاولون فيه بأكثر من المراتب العلية والسفلية. ومن عجائبها: المسلتان وهما: جبلان قائمان على سرطانات نجاس في أركانها كل ركن على سرطان فلو أراد مريد أن يدخل تحتها شيئًا حتى يعبره من جانبه الآخر لفعل. ومن عجائبها: عمودا الأعيا وهما عمودان ملقيان وراء كل عمود منهما جبل حصبا كصبر الجمار بمنى يقبل المعنى التعب النصب بسبع حصيات حتى يلتقي على أحدهما ثم يرمي وراءه السبع ويقوم ولا يلتفت ويمضي لطيته فكأنما يحمل حملًا لا يحس بشيء من تعبه. ومن عجائبها: القبة الخضراء وهي: أعجب قبة ملبسة نحاسًا كأنه الذهب الإبريز لا يبليه القدم ولا يخلقه الدهر. ومن عجائبها: منية عقبة وقصر فارس وكنيسة أسفل الأرض ثم هي مدينة على مدينة ليس على وجه الأرض مدينة بهذه الصفة سواها ويقال: إنها إرم ذات العماد سميت بذلك لأن عمدها ورخامها من البدنجنا والاصطنيدس المخطط طولًا وعرضًا. ومن عجائب مصر أيضًا: الجبال التي هي بصعيدها على نيلها وهي ثلاثة أجبل فمنها جبل الكهف ويقال: الكف ومنها الطبلمون ومنها جبل زماجيز الساحرة. يقال: إن فيه حلقة من الجبل ظاهرة مشرفة على النيل لا يصل إليها أحد يلوح فيها خط مخلوق باسمك اللهم. ومن عجائبها: شعب البوقيرات بناحية اشمون من أرض الصعيد وهو شعب في جبل فيه صدع تأتيه البوقيرات في يوم من السنة كان معروفًا فتعرض أنفسها على الصدع فكلما أدخل بوقير منها منقاره في الصدع مضى لسبيله فلا يزال يفعل ذلك حتى يلتقي الصدع على بوقير منها فتحبسه وتمضي كلها ولا يزال ذلك الذي يحبسه متعلقًا حتى يتساقط ويتلاشى. ومن عجائبها: عين شمس وهي هيكل الشمس وبها العمودان اللذان لم ير أعجب منهما ولا من شأنهما. طولهما في السماء نحو من خمسين ذراعًا وهما محمولان على وجه الأرض وفيهما صورة إنسان على دابة وعلى رأسهما شبه الصومعتين من نحاس فإذا جاء النيل قطر من رأسهما ماء وتستبينه وتراه منهما واضحًا ينبع حتى يجري في أسفلهما فينبت في أصلهما العوسج وغيره وإذا حلت الشمس دقيقة من الجدي وهو أقصر يوم في السنة انتهت إلى الجنوبيّ منها فطلعت عليه على قمة رأسه وهي منتهى الميلين وخط الاستواء في الواسطة منهما ثم خطرت بينهما ذاهبة وجاثية سائر السنة كذا يقول أهل العلم بذلك. ومن عجائبها: منف وعجائبها وأصنامها وأبنيتها ودفائنها وكنوزها وما يذكر فيها أكثر من أن يُحصى من آثار الملوك والحكماء والأنبياء لا يدفع ذلك. ومن عجائبها: الفرما وهي أكثر عجائبًا وأكثر آثارًا. ومن عجائبها: الفيوم. ومن عجائبها: نيلها. ومن عجائبها: الحجر المعروف بحجر الخل يطفو على الخل ويسبح فيه كأنه سمكة وكان يوجد بها حجر إذا أمسكه الإنسان بكلتا يديه تقيأ كل شيء في بطنه وكان بها خرزة تجعلها المرأة على حقوها فلا تحبل وكان بها حجرة يوضع على حرف التنور فيتساقط خبزه وكان يوجد بصعيدها حجارة رخوة تكسر فتتقد كالمصابيح. ومن عجائبها: حوض كان بدلالات تدور من حجارة يركب فيها الواحد والأربعة ويحرّكون الماء بشيء فيعبرون من جانب إلى جانب لا يعلم من عمله فأخذه كافور الإخشيديّ إلى مصر فنظر إليه ثم أخرج من الماء فألقي في البرّ وكان في أسفله كتابة لا يدري ما هي ثم بطل. ومن عجائبها: أن بصعيدها ضيعة تعرف بدشنى فيها سنطة إذا تهدّدت بالقطع تدبل وتجتمع وتضمر فيقال لها: قد عفونا عنك وتركناك فتتراجع والمشهور وهو الموجود الآن سنطة في الصعيد إذا نزلت اليد عليها دبلت وإذا رفعت عنها تراجعت وقد حملت إلى مصر وشوهدت. وبها نوع من الخشب يرسب في الماء كالأبنوس وبها الخشب السنط الذي يوقد منه القدر الكثير في الزمن الطويل فلا يوجد له رماد. وذكر ابن نصر المصري: أنه كان على باب القصر الكبير الذي يقال له باب الريحان عند الكنيسة المعلقة صنم من نحاس على خلقة الجمل وعليه رجل راكب عليه عمامة منتكب قوسًا عربية وفي رجليه نعلان كانت الروم والقبط وغيرهم إذا تظالموا بينهم واعتدى بعضهم على بعض تجاروا إليه حتى يقفوا بين يدي ذلك الجمل فيقول المظلوم للظالم: انصفني قبل أن يخرج هذا الراكب الجمل فيأخذ الحق لي منك شئت أم أبيت يعنون بالراكب النبيّ محمدًا صلى الله عليه وسلم. فلما قدم عمرو بن العاص غيبت الروم ذلك الجمل لئلا يكون شاهدًا عليهم. قال ابن لهيعة: بلغني أن تلك الصورة في ذلك الموضع قد أتى الآن عليها سنين لا تدرى من عملها. قال القضاعيّ: فهذه عشرون أعجوبة من جملتها ما يتضمن عدة عجائب فلو بسطت لجاء منها عدد كثير ويقال: ليس من بلد فيه شيء غريب إلا وفي مصر مثله أوشبيه به. ثم تفضل مصر على البلدان بعجائبها التي ليست في بلد سواها. وفي كتاب تحفة الألباب: أنه كان بمصر بيت تحت الأرض فيه رهبان من النصارى وفي البيت سرير صغير من خشب تحت صبيّ ميت ملفوف في نطع أديم مشدود بحبل وعلى السرير مثل الباطية فيها أنبوب من نحاس فيه فتيل إذا اشتعل الفتيل بالنار وصار سراجًا خرج من ذلك الأنبوب الزيت الصافي الحسن الفائق حتى تمتلئ تلك الباطية وينطفي السراج بكثرة الزيت فإذا انطفأ لم يخرج من الدهن شيء فإذا خرج الصبي الميت من تحت السرير لم يخرج من الزيت شيء والباطية يريقها الإنسان فلا يرى تحتها شيئًا ولا موضعًا فيه ثقب وأولئك الرهبان يتعيشون من ذلك الزيت يشتريه الناس منهم فينتفعون به. وقال الأستاذ إبراهيم بن وصيف شاه: عديم الملك ابن تقطريم كان جبارًا لا يطاق عظيم الخلق فأمر بقطع الصخور ليعمل هرمًا كما عمل الأولون وكان في وقته الملكان اللذان أهبطا من السماء وكانا في بئر يقال له افتارة وكانا يُعلمان أهل مصر السحر. وكان يقال: إن الملك عديم بن البودشير استكثر من علمهما ثم انتقلا إلى بابل وأهل مصر من القبط يقولون: إنهم شيطانان يقال لهما: مهلة وبهالة وليس هما الملكين والملكان ببابل في بئر هناك يغشاها السحرة إلى أن تقوم الساعة. ومن ذلك الوقت عبدت الأصنام وقال قوم: كان الشيطان يظهر وينصبها لهم. وقال قوم: أوّل من نصبها بدوره وأوّل صنم أقامه صنم الشمس وقال آخرون: بل النمرود الأوّل أمر الملوك بنصبها وعبادتها وعديم أول من صلب وذلك أن امرأة زنت برجل من أهل الصناعات وكان لها زوج من أصحاب الملك فأمر بصلبهما على منارين وجعل ظهر كل واحد منهما إلى ظهر الآخر وزبر على المنارين اسمهما وما فعلاه وتاريخ الوقت الذي عمل ذلك بهما فيه فانتهى الناس عن الزنى وبنى أربع مداين وأودعها صنوفًا كثيرة من عجائب الأعمال والطلسمات وكنز فيها كنوزًا كثيرة وعمل في الشرق منارًا وأقام على رأسه صنمًا موجهًا إلى الشرق مادًّا يديه يمنع دواب البحر والرمال أن تتجاوز حده وزبر في صدره تاريخ الوقت الذي نصبه فيه ويقال: إن هذا المنار قائم إلى وقتنا هذا. ولولا هذا لغلب الماء الملح من البحر الشرقيّ على أرض مصر وعمل على النيل قنطرة في أول بلد النوبة ونصب عليها أربعة أصنام موجهة إلى أربع جهات الدنيا في يدي كل واحد من الأصنام حربتان يضرب بهما إذا أتاهم آت من تلك الجهة فلم تزل بحالها إلى أن هدمها فرعون موسى عليه السلام وعمل البربا على باب النوبة وهو هناك إلى وقتنا هذا وعمل في إحدى المداين الأربع التي ذكرناها حوضًا من صوّان أسود مملوء ماء لا ينقص طول الدهر ولا يتغيَّر ماؤه لأنه اجتلب إليه من رطوبة الهواء وكان أهل تلك الناحية وأهل تلك المدينة يشربون منه ولا ينقص ماؤه وعمل ذلك لبعدهم عن النيل. وذكر بعض كهنة القبط أن ذلك الماء ثم لقربه من البحر الملح فإن الشمس ترفع بحرّها بخار البحر فينحصر من ذلك البخار جزء بالهندسة أو بالسحر وتجعله ينحط ذلك في ذلك الموضع بالجوهر مثل الظل وتمده بالهواء فلا ينقص بذلك ماؤه على الدهر ولو شرب منه العالم وعمل قدحًا لطيفًا على مثل هذا العمل وأهداه حوميل الملك إلى إسكندر اليوناني وملكهم عديم مائة وأربعين سنة ومات وهو ابن سبعمائة وثلاثين سنة ودفن في إحدى المدائن ذات العجائب وذكر بعض القبط أن ناووس عديم عمل في صحراء قفط على وجه الأرض تحت قبة عظيمة من زجاج أخضر برّاق معقود على رأسها كرة من ذهب عليها طائر من ذهب موشح بجوهر منشور الجناحين يمنع من الدخول إلى القبة وكان قطرهما مائة ذراع في مثلها وجعل جسده في وسطها على سرير من ذهب مشبك وهو مكشوف الوجه وعليه ثياب منسوجة بالذهب المغروز بالجوهر المنظوم وطول القبة أربعون ذراعًا وجعل في القبة مائة وسبعين مصحفًا من مصاحف الحكمة وسبع موائد بأوانيها. منها مائدة من درّ رماني أحمر وأوانيها منها ومائدة من ذهب قلموني أوانيها منها ومائدة من حجر الشمس المضيء بآنيتها وهو الزبرجد الذي إذا نظرت إليه الأفاعي سالت أعينها ومادة من كبريت أحمر مدبر بانيتها ومائدة من ملح أبيض مدبر برّاق بانيتها ومائدة من زئبق معقود وجعل في القبة جواهر كثيرة وبرابي صنعة مدبرة وحوله سبعة أسياف وأتراس من حديد أبيض مدبر وتماثيل أفراس من ذهب عليها سروج من ذهب وسبعة توابيت من دنانير عليها صورته وجعل معه من أصناف العقاقير والسمومات والأدوية في برابي من حجارة وقد ذكر من رأى هذه القبة أنهم أقاموا أيامًا فما قدروا على الوصول إليها وأنهم إذا قصدوها وكانوا منها على ثمانية أذرع دارت القبة عن أيمانهم أو عن شمائلهم. ومن أعجب ما ذكروه أنهم كانوا يحاذون آزاجها أزجًا أزجًا فلا يرون غير الصورة التي يرونها من الأزج الآخر على معنى واحد. وذكروا أنهم رأوا وجه الملك قدر ذراع ونصف بالكبير ولحيته كبيرة مكشوفة وقدّروا طول بدنه عشرة أذرع وزيادة وذكر هؤلاء الذين رأوها أنهم خرجوا لحاجة فوجدوها اتفاقًا. وأنهم سألوا أهل قفط عنها فلم يجدوا أحدًا يعرفها سوى شيخ منهم. وأوصى عديم الملك ابنه شداب بن عديم أن ينصب في كل حيز من أحياز ولايته منارًا ويزبر عليه اسمه فانحدر إلى الأشمونين وعمل مناراتها وزبر عليها اسمه وعمل بها ملاعب وعمل في صحرائها منارًا أقام عليه صنمًا برأسين على اسم كوكبين كانا مقترنين في الوقت الذي خرج فيه إلى اتريب وبنى فيها قبة عظيمة مرتفعة على عمد وأساطين بعضها فوق بعض وعلى رأسها صنمًا صغيرًا من ذهب وعمل هيكلًا للكواكب ومضى إلى حيز صا فعمل فيه منارًا على رأسه مرآة من أخلاط تورى الأقاليم ورجع وعمل شداب بن عديم هيكل ارمنت. وأقام فيه أصنامًا بأسماء الكواكب من جميع المعادن وزينه بأحسن الزينة ونقشه بالجواهر والزجاج الملوّن وكساه الوشي والديباج وعمل في المدائن الداخلة من أنصنا هيكلًا وأقام فيه باتريب وهيكلًا شرقيّ الإسكندرية وأقام صنمًا من صوّان أسود باسم زحل على عبرة النيل من الجانب الغربيّ وبنى في الجانب الشرقيّ مداين في إحداها صورة صنم قائم وله إحليل إذا أتاه المعقود والمسحور ومن لا ينتشر ذكره فمسحه بكلتي يديه انتشر ذكره وقوي على الباه وفي إحداها بقرة لها ضرعان كبيران إذا انعقد لبن امرأة أتتها ومسحتها بيديها فإنه يدر لبنها وجمع التماسيح بطلسم عمله بناحية أسيوط فكانت تنصب من النيل إلى اخميم انصبابًا فيقتلها ويستعملها جلودًا في السفن وغيرها. وعمل منقاوس الملك بيتًا تدور به تماثيل بجميع العلل وكتب على رأس كل تمثال ما يصلح من العلاج فانتفع الناس بها زمانًا إلى أن أفسدها بعض الملوك وعمل صورة امرأة مبتسمة لا يراها مهموم إلا زال همه ونسيه فكان الناس يتناوبونها ويطوفون حولها ثم عبدوها من جملة ما عبدوه بعد ذلك. وعمل تمثالًا من صفر مُذهب بجناحين لا يمرّ به زانٍ ولا زانيةَ إلا كشف عورته بيده وكان الناس يمتحنون به الزناة فامتنعوا من الزنا فرقًا منه. فلما ملك كلكن عشقت حظية عنده رجلًا من خدمه وخافت أن تمتحن بذلك الصنم. فأخذت في ذكر الزواني مع الملك وأكثرت من سبهنّ وذمّهنّ فذكر كلكن ذلك الصنم وما فيه من المنافع. فقالت: صدق الملك غير أن منقاوس لم يصب في أمره لأنه أتعب نفسه وحكماءه فيما جعله لإصلاح العامة دون نفسه وكان حكم هذا أن ينصب في دار الملك حيث يكون نساؤه وجواريه فإن اقترفت إحداهنّ ذنبًا علم بها فيكون رادعًا لهنّ متى عرض بقلوبهنّ شيء من الشهوة فقال: كلكن صدقت وظن أن هذا منها نصح فأمر بنزع الصنم من موضعه ونقله إلى داره فبطل عمله وعملت المرأة ما كانت همت به. وبنى هيكلًا على جبل القصير للسحَرة فكانوا لا يطلقون الرياح للمراكب المقلعة إلا بضريبة يأخذونها منهم للملك. وبنى مناوس بن منقاوص في صحراء الغرب مدينة بالقرب من مدينة السحرة تعرف: بقنطرة ذات عجائب وجعل بوسطها قبة عليها كالسحابة تمطر شتاءً وصيفًا مطرًا خفيفًا وتحت القبة مطهرة فيها ماء أخضر يداوي به من كل داء فيبريه وعمل في شرقيها بربًا لطيفًا له أربعة أبواب لكل باب عضادتان في كل عضاعة صورة وجه يخاطب كل واحد منهما صاحبه بما يحدث في يومه فمن دخل البربا على غير طهارة نفخا في وجهه فأصابه رعدة فظيعة لا تفارقه حتى يموت. وكانوا يقولون: إن في وسطه مهبط النور في صورة العمود من اعتنقه لم يحتجب عن نظره شيء من الروحانية وسمع كلامهم ورأى ما يعملون وعلى كل باب من أبواب هذه المدينة صورة راهب في يده مصحف فيه علم من العلوم. فمن أحب معرفة ذلك العلم أتى تلك الصورة فمسحها بيديه وأمرّهما على صدره فيثبت ذلك العلم في صدره. ويقال: إن هاتين المدينتين بنيتا على اسم هرمس وهو عطارد وأنهما بحالهما وحكي عن رجل أنه أتى عبد العزيز بن مروان وهو أمير مصر فعرّفه أنه تاه في صحراء الشرق فوقع على مدينة خراب فيها شجرة تحمل كل صنف من الفاكهة وأنه أكل منها وتزوّد فقال له رجل من القبط: هذه إحدى مدينتي هرمس وفيها كنوز كثيرة فوجه عبد العزيز معه جماعة معهم ماء وزاد فأقاموا يطوفون تلك الصحاري شهرًا فلم يقفوا لها على أثر. وعملت أم ميلاطس الملك بركة عظيمة في صحراء الغرب وجعلت في وسطها عمودًا طوله ثلاثون ذراعًا وفي أعلاه قصعة من حجارة يفور منها الماء فلا ينقص أبدًا. وجعلت حول البركة أصنامًا من حجارة ملونة على صور الحيوانات من الوحش والطير والبهائم فكان كل جنس يأتي إلى صورته ويألفها فيؤخذ باليد وينتفع به. وعملت لابنها منتزهًا لأنه كان يحب الصيد فجعلت فيه مجالس مركبة على أساطين من مرمر مصفّح بالذهب مرصع بالجوهر والزجاج الملوّن وزخرفته بالتصاوير العجيبة والنقوش فكان الماء يطلع من فوّارات وينصب إلى أنهار قد صفحت بالفضة تجري إلى حدائق فيها بديع الفروشات وقد أقيم حولها تماثيل تصفر بأنواع اللغات وأرخت على المجلس ستورًا من ديباج واختارت لابنها من حسان بنات عمه وبنات الملوك وأزوجته وحولته إلى هذه الجنة وبنت حول الجنة مجالس للوزراء والكهنة وأشراف أهل الصناعات فكانوا يرفعون إليه جميع ما يعملونه فإذا فرغوا من أعمالهم حمل إليهم الطعام والشراب وكان ميلاطس تقلد الملك بعد أبيه مرقوه وهو صبيّ وكانت أمه مدبرة الملك وهي حازمة مجرّبة فأجرت الأمور على ما كانت عليه في حياة أبيه وأحسنت وعدلت في الرعية ووضعت عنهم بعض الخراج وكانت أيامه سعيدة كلها في الخصب الكثير والسعة للناس والعدل وكان له يوم يخرج فيه إلى الصيد ويرجع إلى جنته فيأمر لكل من معه بالجوائز والأطعمة ويجلس للنظر يومًا في مصالح الناس وقضاء حوائجهم ويخلو يومًا بنسائه. وكان ملكه ثلاث عشرة سنة وجدّر فمات. وعمل فرسون بن قيلمون بن أتريب منارًا على بحر القلزم وعلى رأسه مرآة تجتذب بها المراكب إلى شاطئ البحر فلا يمكنها أن تبرح إلا أن تعشر فإذا عشرت سترت المرآة حتى تجوز المراكب وأقام فرسون مائتي سنة وستين سنة وعمل لنفسه ناووسًا خلف الجبل الأسود الشرقي في وسطه قبة حولها اثنا عشر بيتًا في كل بيت أعجوبة لا تشبه الأخرى وزبر عليها اسمه ومدة ملكه. وكان مرقونس الملك حكيمًا محبًا للنجوم والعلوم والحكمة فعمل في أيامه درهمًا إذا ابتاع به صاحبه شيئًا اشترط أن يزن له ما يبتاعه منه بوزن الدرهم ولا يطلب عليه زيادة فيغترّ البائع بذلك ويقبل الشرط فإذا تم ذلك بينهما وقع في وزن الدرهم أرطال كثيرة تساوي عشرة أضعافه وكان إذا أحب أن يدخل في وزنه أضعاف تلك الأرطال دخل وقد وجد هذا المرهم في كنوزهم ثم في خزائن بني أمية وكان الناس يتعجبون منه ووجدوا دراهم أخر قيل: إنها عملت في وقته أيضًا فيكون الدرهم منها في ميزان الرجل فإذا أراد أن يبتاع حاجة أخذ ذلك الدرهم وقبله وقال: اذكر العهد وابتاع به ما أراد فإذا أخذ السلعة ومضى إلى بيته وجد الدرهم قد سبقه إلى منزله ويجد البائع موضع ذلك المرهم ورقة آس أو قرطاسًا أو مثل ذلك بدور الدرهم وفي وقته عملت الآنية الزجاج التي توزن فإذا ملئت ماء أو غيره ثم وزنت لم تزد عن وزنها الأوّل شيئًا وعمل في وقته الآنية التي إذا جعل فيها الماء صار خمرًا في لونه ورائحته وفعله وقد وجد من هذه الآنية باطفيح في أمارة هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون شربة جزع بعروة زرقاء ببياض وكان الذي وجدها أبو الحسن الصائغ الخراساني هو ونفر معه فأكلوا على شاطئ النيل وشربوا بها الماء فوجدوه خمرًا سكروا منه وقاموا ليرقصوا فوقعت الشربة فانكسرت عدّة قطع فاغتم الرجل وجاء بها إلى هارون فأسف عليها وقال: لو كانت صحيحة لاشتريتها ببعض ملكي. وأما الآنية النحاسية التي تجعل الماء خمرًا فإنها منسوبة إلى قلوبطرة بنت بطليموس ملكة الإسكندرية فكثير وفي وقته عملت الصور الحيثمية من الضفادع والخنافس والذباب والعقارب وسائر الحشرات وكانت إذا جعلت في موضع اجتمع إليها ذلك الجنس ولا يقدر على مفارقة تلك الصورة حتى يقتل وكأنه يعمل أعماله كلها بصور درج الفلك وأسمائها وطوالعها فيتم له من ذلك ما يريده. وعمل في صحراء الغرب ملعبًا من زجاج ملون في وسطه قبة من زجاج أخضر صافي اللون. فإذا طلعت عليه الشمس ألقت شعاعها على مواضع بعيدة وعمل في جوانبه الأربعة أربعة مجالس عالية من زجاج كل مجلس لون ونقش عليها بغير لونها طلسمات عجيبة ونقوشات غريبة وصورًا بديعة كل ذلك من زجاج مطلق يشف وكان يقيم في هذا الملعب الأيام وعمل له ثلاثة أعياد في كل سنة. فكان الناس يحجون إليه في كل عيد ويذبحون له ويقيمون فيه سبعة أيام ولم يزل هذا الملعب تقصده الأمم فإنه لم يكن له نظير ولا عمل في العالم مثله إلى أن هدمه بعض الملوك لعجزه عن عمل مثله. وكانت أم مرقونس ابنة ملك النوبة وكان أبوها يعبد الكوكب الذي يُقال له السُها ويسميه إلهًا. سألت ابنها أن يعمل لها هيكلًا يفردها به فعمله وصفحه بالذهب والفضة وأقام فيه صنمًا وأرخى عليه الستور الحرير فكانت تدخل إليه بجواريها وحشمها وتسجد له في كل يوم ثلاث مرّات وعملت لكل شهر عيدًا تقرّب له قرابين وتبخره ليله ونهاره ونصبت له كاهنًا من النوبة يقوم به ويقرّب له ويبخره ولم تزل بابنها حتى سجد له ودعي إلى عبادته. فلما رأى الكاهن الأمر في عبادة الكواكب قد تم وأحكم من جهة الملك أحب أن يكون لكوكب السُّها مثالًا في الأرض على صورة حيوان يتعبد له فأقام بعمل الحيلة في ذلك إلى أن اتفق أن العقبان كثرت بمصر وأضرت بالناس فأحضر الملك هذا الكاهن وسأله عن سبب كثرتها فقال: إن إلهك أرسلها لتعمل لها نظيرًا ليسجد له. فقال مرقونس: إن كان يرضيه ذلك فأنا فاعله. فقال: إن ذلك رضاه فأمر بعمل عقاب طوله ذراعان في عرض ذراع من ذهب مسبوك وعمل عينيه من ياقوتتين وعمل له وشاحين من لؤلؤ منظوم على أنابيب جوهر أخضر وفي منقاره درة معلقة وسروله بالحرّ الأحمر وأقامه على قاعدة من فضة منقوشة قد ركبت على قائمة زجاج أزرق وجعله في أزج عن يمين الهيكل وألقى عليه ستور الحرير وجعل له دخنة من جميع الأفاويه والصموغ وقرّب له عجلًا أسود وبكارة الفراريج وباكورة الفواكه والرياحين. فلما تمت له سبعة أيام دعاهم إلى السجود إليه فأجابه الناس ولم يزل الكاهن يجهد نفسه في عبادة العقاب وعمل له عيدًا. فلما تم لذلك أربعون يومًا نطق الشيطان من جوفه. وكان أوّل ما دعاهم إليه أن ينجز له في إنصاف الشهور بالمندل ويرش الهيكل بالخمر العتيقة التي تؤخذ من رؤوس الخوابي وعرّفهم أنه قد أزال عنهم العقبان وضررها وكذلك يفعل في غيرها مما يخافون. فسُر الكاهن بذلك وتوجه إلى أمّ الملك يعرّفها ذلك فسارت إلى الهيكل وسمعت كلام العقاب فسَرها ذلك وأعظمته. وبلغ الملك فركب إلى الهيكل حتى خاطبه وأمره ونهاه فسجد له وأقام له سدنة وأمر أن يزين بأصناف الزينة وكان مرقونس يقوم بهذا الهيكل ويسجد لتلك الصورة ويسألها عما يريد فتخبره. وعمل من الكيمياء ما لم يعمله أحد من الملوك فيقال: إنه دفن في صحراء الغرب خمسمائة دفين ويقال: إنه عمل على باب مدينة صا عمودًا عليه صنم في صورة امرأة جالسة وفي يدها مرآة تنظر إليها وكان العليل يأتي إلى هذه المرأة وينظر فيها أو ينظر له أحد فيها فإن كان يموت من علته تلك رؤي مَيتًا وإن كان يعيش رآه حيًا وينظر فيها أيضًا للمسافر فإن رأوه مقبلًا بوجهه علموا أنه راجع وإن رأوه موليًا علموا أنه يتمادى في سفره وإن كان مريضًا أو ميتًا رأوه كذلك في المرآة. وعمل بالإسكندرية صورة راهب جالس على قاعدة وعلى رأسه كالبرنس وفي يده كالعكاز فإذا مرّ به تاجر جعل بين يديه شيئًا من المال على قدر بضاعته فإن تجاوزه ولو عن بعد من غير أن يضع بين يديه المال لم يقدر على الجواز وثبت قائمًا مكانه فكان يجتمع من ذلك مال عظيم يفرّق في الزمنى والضعفاء والفقراء. وعمل في زمنه كل أعجوبة ظريفة وأمر أن يزبر اسمه عليها وعلى كل علم وكل طلسم وكل صنم. وعمل لنفسه ناووسًا في داخل الأرض عند جبل يقال له: سدام وعمل تحته أزجًا يقال: إن طوله مائة ذراع وارتفاعه ثلاثون ذراعًا وعرضه عشرون ذراعًا وصفحه بالمرمر والزجاج الملوّن وسقفه بالحجارة وعمل فيها دائرة مساطب مبلطة بزجاج على كل مسطبة أعجوبة وفي وسط الأزج دكة من زجاج على كل ركن من أركانها صورة تمنع الدنوّ إليها وبين كل صورتين منارة عليها حجر مضيء وفي وسط الدكة حوض من ذهب فيه جسده بعدما ضمده بالأدوية الماسكة ونقل إليه ذخائره من الذهب والجوهر وغيره وسدّ باب الأزج بالصخور والرصاص وهيل عليها الرمال وكان ملكه ثلاثًا وسبعين سنة وعمره مائتين وأربعين سنة وكان جميلًا ذا وفرة حسنة فتنسكت نساؤه ولزمن الهيكل من بعده. وملك بعده ابنه إيساد ثم صا بن إيساد. وقيل: صا بن مرقونس أخو إيساد فعمل مرآة في مدينة منف تُري الأوقات التي تخصب فيها مصر وتجدب وبنى بداخل الواحات مدينة ونصب قرب البحر أعلامًا كثيرة. وعمل خلف المقطم صنمًا يقال له: صنم الحيلة فكان كل من تعذر عليه أمر يأتيه ويبخره فيتيسر ذلك الأمر له وجعل بحافة البحر الملح منارًا يعلم منه أمر البحر وما يحدث فيه من أقصى ما يصل إليه البصر على مسيرة أيام. وهو أوّل من اتخذها ويقال: إنه بنى أكثر مدينة منف وكل بنيان عظيم بالإسكندرية. ولما ملك بدارس بن صا الأحياز كلها بعد أبيه وصفا له ملك مصر بنى في غربي مدينة منف بيتًا عظيمًا لكوكب الزهرة وأقام فيه صنمًا عظيمًا من لازورد مذهب وتوجّه بذهب يلوح بزرقة وسوّره بسوارين من زبرجد أخضر وكان الصنم في صورة امرأة لها ضفيرتان من ذهب أسود مدبر. وفي رجليها خلخالان من حجر أحمر شفاف ونعلان من ذهب وبيدها قضيب مرجان وهي تشير بسبابتها كأنها مسلمة على من في الهيكل وجعل بحذائها تمثال بقرة ذات قرنين وضرعين من نحاس أحمر مموّه بذهب موشحة بحجر اللازورد ووجه البقرة تجاه وجه الزهرة وبينهما مطهرة من أخلاط الأجساد على عمود رخام مجزع وفي المطهرة ماء مدبر يُستنشق به من كل داء وفرش الهيكل بحشيشة الزهرة يبدلونها في كل سبعة أيام وجعل في الهيكل كراسي للكهنة قد صفحت بالذهب والفضة وقرّب لهذا الصنم ألف رأس من الضأن والمعز والوحش والطير وكان يحضر يوم الزهرة ويطوف به وفرش الهيكل وستره وجعل فيه ولم يزل هذا الهيكل إلى أن هدمه بخت نصر في أيام ماليق بن تدارس وكان موحدًا على دين قبطيم ومصرايم خرج في جيش عظيم في البر والبحر فغزا البربر وأرض إفريقية وبلاد الأندلس وأرض الإفرنج إلى البحر وعمل في البحر أعلا ما زبر عليها اسمه ومسيره ورجع فهابه ملوك الأرض وكان في غربي مصر مدينة يقال لها: قرميدة بها قوم قد ملكوا عليهم امرأة ساحرة فغزاهم فلم ينل منهم قصدًا ورجع فأرادت ملكتهم إفساد مصر فعملت من سحرها وأمرت فألقي في النيل ففاض الماء على المزارع حتى أفسدها وكثرت التماسيح والضفادع وفشت الأمراض في الناس وانبثت فيهم الثعابين والعقارب فأحضر ماليق الكهنة والحكماء في دار حكمتهم وألزمهم بالنظر لذلك.فنظروا في نجومهم فرأوا أن هذه الآفة أتتهم من ناحية الغرب وإنَّ امرأة عملته وألقته في النيل فعلموا حينئذٍ أنه من فعل تلك الساحرة واجتهدوا في دفع ذلك بما عندهم من العلم حتى انكشف عنهم الماء الفاسد وهلكت الدواب المضرة وجهزوا قائدًا في جيش إلى المدينة فلم يجدوا بها غير رجل واحد فأخذوا من الأموال والجواهر والأصنام ما لا يحصى. فمن ذلك صورة كاهن من زبرجد أخضر على قائمة من حجر الأسباديم وصورة روحانيّ من ذهب رأسه من جوهر أحمر وله جناحان من دور في يده مصحف فيه كثير من علومهم في دفتين مرصعتين بجوهر ومطهرة من ياقوت أزرق على قاعدة زجاج أخضر فيها ماء لدفع الأسقام وفرس من فضة إذا عزم عليه بعزائمه ودخن بدخنته وركبه أحد طار به فأحضر ذلك وغيره من عجائب السحرة وأصنامهم والأموال والجواهر إلى مصر ومعهم الرجل فسأله الملك عن أعجب أعمالهم قال: قصدهم بعض ملوك البربر بجمع كثيف وتخاييل هائلة. فأغلق أهل مدينتنا حصنهم ولجوا إلى الأصنام فأتى الكاهن إلى بركة عظيمة بعيدة القعر كانوا يشربون منها فجلس على حافتها وأحاط رؤساء الكهنة بها. وأخذ يزمزم على الماء حتى فار وخرج من وسطه نار في وسطها وجه كدارة الشمس لها ضوء فخرّ الجماعة لها سجودًا وتلك الصورة تعظم حتى صعدت وخرقت القبة وسمع منها قد كفيتم شرّ عدوّكم فقاموا وإذا بعدوّهم قد هلك وسائر من معه وذلك أن صورة الشمس التي ظهرت من الماء مرّت فصاحت عليهم صيحة هلكوا بها. ولما ملك كلكن مصر بعد أبيه خريبا كان النمرود في وقته فاتصل بنمرود خبر حكمته وسحره فاستزاره ووجه إليه أن يلقاه وكان النمرود يسكن سواد العراق وغلب على كثير من الأمم فأقبل كلكن على أربعة أفراس تحمله لها أجنحة قد أحاطب به كالنار وحوله صور هائلة فدخل بها وهو متوشح بثعبان ومحزم ببعضه وذلك التنين فأغرفاه ومعه قضيب آس أخضر كلما حرك التنين رأسه ضربه بالقضيب فلما رأى النمرود ذلك هاله واعترف له بجليل الحكم. وتقول القبط: إن كلكن كان يرتفع فيجلس على الهرم الغربيّ في قبة تلوح على رأسه وكان أهل البلد إذا دهمهم أمر اجتمعوا حول الهرم ويقولون: إنه ربما أقام على رأس الهرم أيامًا لا يأكل ولا يشرب ثم إنه استتر مدّة حتى توهموا أنه هلك فطمع الملوك في مصر. وقصدها ملك من المغرب. يقال له: سادوم في جيش عظيم إلى أن بلغ وادي هيبب فأقبل كلكن وجللهم من سحره بشيء كالغمام شديد الحرارة وهم تحته أيامًا لا يدرون أين يتوجهون ثم ارتفع وصار. بمصر يعرّفهم ما عمل وأمرهم فخرجوا. فإذا بالقوم ودوابهم قد ماتوا فهابه جميع الكهنة وصوّروه في سائر الهياكل وبنى هيكلًا لزحل من صوان أسود في ناحية الغرب وجعل له عيدًا. وفي
|