الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **
قال الفاضل محمد بن علي بن يوسف بن ميسر: وفي شعبان سنة إحدى وتسعين وأربعمائة خرج الأفضل بن أمير الجيوش بعساكر جمة إلى بيت المقدس وبه: سكان وابلغازي ابنا ارتق في جماعة من أقاربهما ورجالهما وعساكر كثيرة من الأتراك فراسلهما الأفضل يلتمس منهما تسليم القدس إليه بغير حرب فلم يجيباه لذلك فقاتل البلد ونصب عليها المجانيق وهدم منها جانبًا فلم يجدا بدًا من الإذعان له وسلماه إليه فخلع عليهما وأطلقهما وعاد في عسكره وقد ملك القدس فدخل عسقلان. وكان بها مكان دارس فيه رأس الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما فأخرجه وعطره وحمله في سفط إلى أجل دار بها وعمر المشهد فلما تكامل حمل الأفضل الرأس الشريف على صدره وسعى به ماشيًا إلى أن أحله في مقره وقيل: إن المشهد بعسقلان بناه: أمير الجيوش بدر الجمالي وكمله ابنه الأفضل وكان حمل الرأس إلى القاهرة من عسقلان ووصوله إليها في يوم الأحد ثامن جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة وكان الذي وصل بالرأس من عسقلان: الأمير سيف المملكة تميم واليها كان والقاضي المؤتمن بن مسكين مشارفها وحصل في القصر يوم الثلاثاء العاشر من جمادى الآخرة المذكور. ويذكر أن هذا الرأس الشريف لما أخرج من المشهد بعسقلان وجد دمه لم يجف وله ريح كريح المسك فقدم به الأستاذ مكنون في عشاري من عشاريات الخدمة وأنزل به إلى الكافوري ثم حمل في السرداب إلى قصر الزمرذ ثم دفن عند قبة الديلم بباب دهليز الخدمة فكان كل من يدخل الخدمة يقبل الأرض أمام القبر وكانوا ينحرون في يوم عاشوراء عند القبر الإبل والبقر والغنم ويكثرون النوح والبكاء ويسبون من قتل الحسين ولم يزالوا على ذلك حتى وقال ابن عبد الظاهر: مشهد الإمام الحسين صلوات الله عليه قد ذكرنا أن طلائع بن رزيك المنعوت بالصالح كان قد قصد نقل الرأس الشريف من عسقلان لما خاف عليها من الفرنج وبنى جامعه خارج باب زويلة ليدفنه به ويفوز بهذا الفخار فغلبه أهل القصر على ذلك وقالوا: لا يكون ذلك إلا عندنا فعمدوا إلى هذا المكان وبنوه له ونقلوا الرخام إليه وذلك في خلافة الفائز على يد طلائع في سنة تسع وأربعين وخسمائة. وسمعت من يحكي حكاية يستدل بها على بعض شرف هذا الرأس الكريم المبارك وهي أن السلطان الملك الناصر رحمه الله لما أخذ هذا القصر وشى إليه بخادم له قدر في الدولة المصرية وكان زمام القصر وقيل له: إنه يعرف الأموال التي بالقصر والدفائن فأخذ وسئل فلم يجب بشيء وتجاهل فأمر صلاح الدين نوابه بتعذيبه فأخذه متولي العقوبة وجعل على رأسه خافس وشد عليها قرمزية وقيل: إن هذه أشد العقوبات وإن الإنسان لا يطيق الصبر عليها ساعة إلا تنقب دماغه وتقتله ففعل ذلك به مرارًا وهو لا يتأوه وتوجد الخنافس ميتة فعجب من ذلك وأحضره وقال له: هذا سر فيك ولا بد أن تعرفني به فقال: والله ما سبب هذا إلا أني لما وصلت رأس الإمام الحسين حماتها قال: وأي سر أعظم من هذا وراجع في شأنه فعفا عنه. ولما ملك السلطان الملك الناصر جعل به حلقة تدريس وفقهاء وفوضها للفقيه البهاء الدمشقي وكان يجلس للتدريس عند المحراب الذي الضريح خلفه فلما وزر معين الدين حسين بن شيخ الشيوخ بن حمويه ورد إليه أمر هذا المشهد بعد أخوته جمع من أوقاته ما بنى به إيوان التدريس الآن وبيوت الفقهاء العلوية خاصة واحترق هذا المشهد في الأيام الصالحية في سنة بضع وأربعين وستمائة وكان الأمير جمال الدين بن يعمور نائبًا عن الملك الصالح في القاهرة وسببه أن أحد خزان الشمع دخل ليأخذ شيئًا فسقطت منه شعلة فوقف الأمير جمال الدين المذكور بنفسه حتى طفئ وأنشدته حينئذ فقلت: قالوا تعصب للحسين ولم يزل بالنفس للهول المخوف معرضا حتى انضوى ضوء الحرق وأصبح ال - مسود من تلك المخاوف أبيضا أرضى الإله بما أتى فكأنه بين الأنام بفعله موسى الرضى قال: ولحفظة الآثار وأصحاب الحديث ونقلة الأخبار ما إذا طولع وقف منه على المسطور وعلم منه ما هو غير المشهور وإنما هذه البركات مشاهدة مرئية وهي بصحة الدعوى ملية والعمل بالنية. وقال في كتاب الدر النظيم في أوصاف القاضي الفاضل عبد الرحيم ومن جملة مبانيه الميضأة قريب مشهد الإمام الحسين بالقاهرة والمسجد والساقية ووقف عليها أراضي قريب الخندق في ظاهر القاهرة ووقفها دار جار والانتفاع بهذه المثوبة عظيم ولما هدم المكان الذي بنى موضعه مئذنة وجد فيه شيء من طلسم لم يعلم لأي شيء هو فيه اسم الظاهر بن الحاكم واسم أمه رصد. خبر الحسين: هو الحسين بن علي بن أبي طالب واسمه عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي أبو عبد الله وأمه فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد لخمس خلون من شعبان سنة أربع وقيل: سنة ثلاث وعق عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم سابعه بكبش وحلق رأسه وأمر أن يتصدق بزنته فضة وقال: أروني ابني ما سميتموه فقال علي بن أبي طالب: حربًا فقال: بل هو حسين وكان أشبه الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من صدره وكان فاضلًا دينًا كثير الصوم والصلاة والحج وقتل يوم الجمعة لعشر خلون من المحرم يوم عاشوراء سنة إحدى وستين من الهجرة بموضع يقال له: كربلاء من أرض العراق بناحية الكوفة ويعرف الموضع أيضًا: بالطف قتله سنان بن أنس اليحصبي وقيل: قتله رجل من مذحج وقيل: قتله شمر بن ذي الجوشن وكان أبرص وأجهز عليه خولي بن يزيد الأصبحي من حمير حز رأسه وأتى عبيد الله بن زياد وقال: قتلت خير الناس أمًا وأبًا وخيرهم إذ ينسبون نسبا وقيل: قتله عمرو بن سعد بن أبي وقاص وكان الأمير على الخيل التي أخرجها عبيد الله بن زياد إلى قتل الحسين وأمر عليهم: عمرو بن سعد ووعده أن يوليه الري إن ظفر بالحسين وقتله. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم نصف النهار وهو قائم أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم فقلت: بأبي أنت وأمي ما هذا قال: هذا دم الحسين لم أزل ألتقطه منذ اليوم فوجدته قد قتل في ذلك اليوم وهذا البيت زعموا قديمًا لا يدرى قائله: أترجو أمه قتلت حسينًا شفاعة جده يوم الحساب وقتل مع الحسين: سبعة عشر رجلًا كلهم من ولد فاطمة وقد قتل معه من أهل بيته وأخوته ثلاثة وعشرون رجلًا. وكان سبب قتله أنه لما مات معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في ست ستين وردت ربيعة اليزيد على الوليد بن عقبة بالمدينة ليأخذ البيعة على أهلها فأرسل إلى الحسين بن علي وإلى عبد الله بن الزبير ليلًا فأتى بهما فقال: بايعا فقالا: مثلنا لا يبايع سرًا ولكنا نبايع على رؤوس الناس إذا أصبحنا فرجعا إلى بيوتهما وخرجا من ليلهما إلى مكة وذلك ليلة الأحد لليلتين بقيتا من رجب فأقام الحسين بمكة شعبان ورمضان وشوالًا وذو فلما بلغ عبيد الله بن زياد مسير الحسين من مكة بعث الحصين بن تميم التميمي صاحب شرطته فنزل القادسية ونظم الخيل ما بينهما وبين جبل لعلع فبلغ الحسين الحاجز له عن البلاد فكتب إلى أهل الكوفة يعرفهم بقدومه مع قيس بن مسهر فظفر به الحصين وبعث به إلى ابن زياد فقتله وأقبل الحسين يسير نحو الكوفة فأتاه خبر قتل مسلم بن عقيل وخبر قتل أخيه من الرضاعة فقام حتى أعلم الناس بذلك وقال: قد خذلنا شيعتنا فمن أحب أن يتصرف فليتصرف فليس عليه ذمام منا فتفرقوا حتى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من مكة وسار فأدركته الخيل وهم ألف فارس مع الحر بن زيد التميمي. ونزل الحسين فوقفوا تجاهه وذلك في نحر الظهيرة فسقى الحسين الخيل وحضرت صلاة الظهر فأذن مؤذنه وخرج فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنها معذرة إلى الله وإليكم إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم ورسلكم أن أقدم علينا فليس لنا إمام لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى وقد جئتكم فإن تعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم أقدم مصركم وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه فسكتوا وقال للمؤذن: أقم فأقام وقال الحسين للحر: أتريد أن تصلى أنت بأصحابك قال: بل صل أنت ونصلي بصلاتك فصلى بهم ودخل فاجتمع إليه أصحابه وانصرف الحر إلى مكانه ثم صلى بهم العصر واستقبلهم فحمد الله وأثنى عليه وقال: يا أيها الناس إنكم إن تتقوا الله وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدعين ما ليس لهم السائرين فيكم بالجور والعدوان فإن أنتم كرهتمونا وجهلتم حقنا وكان رأيكم غير ما أتتني به كتبكم انصرفت عنكم فقال الحر: إنا والله ما ندري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر فأخرج خرجين مملوءين صحفًا فنشرها بين أيديهم فقال الحر: إنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك وقد أمرنا إذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد الله بن زياد فقال الحسين: الموت أدنى إليك من ذلك ثم أمر أصحابه لينصرفوا فركبوا فمنعهم الحر من ذلك فقال له الحسين: ثكلتك أمك ما تريد فقال له: والله لو كان غيرك من العرب يقولها ما تركت ذكر أمه بالثكل كائنًا من كان والله ما لي إلى ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما نقدر عليه فقال له الحسين: ما تريد قال: أريد أن أنطلق بك إلى ابن زيادة وتراد الكلام فقال له الحر: إني لم أومر بقتالك وإنما أمرت أن لا أفارقك حتى أدخلك الكوفة فخذ طريقًا لا تدخلك الكوفة ولا تزول إلى المدينة حتى أكتب إلى ابن زياد وتكتب أنت إلى يزيد أو إلى ابن زياد فلعل الله أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلي بشيء من أمرك فتياسر عن طريق العذيب والقادسية والحر يسايره. فلما كان يوم الجمعة الثالث من محرم سنة إحدى وستين قدم عمرو بن سعد بن أبي وقاص من الكوفة في أربعة آلاف وبعث إلى الحسين رسولًا يسأله ما الذي جاء به فقال: كتب إلي أهل مصركم هذا أن أقدم عليهم فإذا كرهوني فأنا أنصرف عنهم فكتب عمرو إلى ابن زياد يعرفه ذلك فكتب إليه أن يعرض على الحسين بيعة يزيد فإن فعل رأينا فيه رأينا وإلا نمنعه ومن معه الماء فأرسل عمرو بن سعد خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين وبين الماء وذلك قبل قتله بثلاثة أيام ونادى مناد: يا حسين ألا تنظر الماء لا ترى منه قطرة حتى تموت عطشًا ثم التقى الحسين بعمرو بن سعد مرارًا يكتب عمرو بن سعد إلى عبيد الله بن زياد: أما بعد فإن الله قد أطفأ الثائرة وجمع الكلمة وقد أعطاني الحسين أن يرجع إلى المكان الذي أتى منه أو أن تسيره إلى أي ثغر من الثغور شاء أو أن يأتي يزيد أمير المؤمنين فيضع يده في يده وفي هذا الكم رضى وللأمة صلاح. فقال ابن زياد لشمر بن ذي الجوشن: اخرج بهذا الكتاب إلى عمرو فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي فإن فعلوا فليبعث بهم وإن أبوا فليقاتلهم فإن فعل فاسمع له وأطع وإن أبى فأنت الأمير عليه وعلى الناس واضرب عنقه وابعث إلي برأسه. وكتب إلى عمرو بن سعد: أما بعد فإني لم أبعثك إلى الحسين لتكف عنه ولا لتنميه ولا لتطاوله ولا لتقعد له عندي شافعًا أنظر فإن نزل حسين وأصحابه على الحكم واستسلموا فابعث بهم إلي سلمًا وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم فإنهم لذلك مستحقون فإن قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره فإنه عاق شاق قاطع ظلوم فإن أنت مضيت لأمرنا جزيناك جزاء السامع المطيع وإن أنت أبيت فاعتزل جندنا وخل بين شمر وبين العسكر والسلام. فلما أتاه الكتاب ركب والناس معه بعد العصر فأرسل إليهم الحسين: ما لكم فقالوا: جاء أمر الأمير بكذا فاستمهلهم إلى غدوة فلما أمسوا قام الحسين ومن معه الليل كله يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون فلما صلى عمرو بن سعد الغداة يوم السبت وقيل: يوم الجمعة يوم عاشوراء خرج فيمن معه وعبئ الحسين أصحابه وكان معه اثنان وثلاثون فارسًا وأربعون راجلًا وركب معه مصحف بين يديه وضعه أمامه واقتتل أصحابه بين يديه وأخذ عمرو بن سعد سهمًا فرمى به وقال: اشهدوا أني أول من رمى الناس وحمل أصحابه فصرعوا رجالًا وأحاطوا بالحسين من كل جانب وهم يقاتلون قتالًا شديدًا حتى انتصف النهار ولا يقدرون أن يأتونهم إلا من وجه واحد وحمل شمر حتى بلغ فسطاط الحسين وحضر وقت الصلاة فسأل الحسين أن يكفوا عن القتال حتى يصلي ففعلوا ثم اقتتلوا بعد الظهر أشد قتال ووصل إلى الحسين وقد صرعت أصحابه ومكث طويلًا من النهار كلما انتهى إليه رجل من الناس رجع عنه وكره أن يتولى قتله. فأقبل عليه رجل من كندة يقال له: مالك فضربه على رأسه بالسيف قطع البرنس وأدماه فأخذ الحسين دمه بيده فصبه في الأرض ثم قال: اللهم إن كنت حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير وانتقم من هؤلاء الظالمين واشتد عطشه فدنا ليشرب فرمان حصين بن تميم بسهم فوقع في فمه فتلقى الدم بيده ورمى به إلى السماء ثم قال بعد حمد الله والثناء عليه: اللهم إني أشكو إليك ما يصنع بابن بنت نبيك اللهم أحصهم عددًا واقتلهم بددًا ولا تبقى منهم أحدًا فأقبل شمر في نحو عشرة إلى منزل الحسين وحالوا بينه وبين رحله وأقدم عليه وهو يحمل عليهم وقد بقي في ثلاثة ومكث طويلًا من النهار ولو شاءوا أن يقتلوه لقتلوه ولكنهم كان يتقي بعضهم ببعض ويحب هؤلاء أن يكفيهم هؤلاء. فنادى شمر في الناس: ويحكم ما تنتظرون بالرجل اقتلوه ثكلتكم أمكم! فحملوا عليه من كل جانب فضرب زرعة بن شريك التميمي كفه الأيسر وضرب عنقه وهو يقوم ويكبو فحمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس النخعي فطعنه بالرمح فوقع وقال لخولي بن يزيد الأصبحي: احتز رأسه فأرعد وضعف فنزل عليه وذبحه وأخذ رأسه فدفعه إلى خولي وسلب ووجد بالحسين: ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وأربعون ضربة ونادى عمرو بن سعد في أصحابه: من ينتدب للحسين فيوطئه فرسه فانتدى عشر فداسوا الحسين بخيولهم حتى رضوا ظهره وصدره وكان عدة من قتل معه: اثنين وسبعين رجلاص ومن أصحاب عمرو بن سعد: ثمانية وثمانين رجلًا غير الجرحى ودفن أهل الغاضرية من بني أسد الحسين بعد قتله بيوم وبعد أن أخذ عمرو بن سعد رأسه ورؤوس أصحابه بعث بها إلى ابن زياد فأحضر الرؤوس بين يديه وجعل ينكث بقضيب ثنايا الحسين وزيد بن أرقم حاضر وأقام ابن سعد بعد قتل الحسين يومين ثم رحل إلى الكوفة ومعه ثياب الحسين وإخوانه ومن كان معه من الصبيان وعلي بن الحسين مريض فأدخلهم على زياد ولما مرت زينب بالحسين صريعًا صاحت: يا محمداه هذا حسين بالعراء! مزمل بالدماء! مقطع الأعضاء! يا محمد بناتك سبايا وذريتك مقتلة فأبكت كل عدو وصديق وطيف برأسه بالكوفة على خشبة ثم أرسل بها إلى يزيد بن معاوية وأرسل النساء والصبيان وفي عنق علي بن الحيسن ويديه الغل وحملوا على الأقتاب فدخل بعض بني أمة على يزيد فقال: أبشر يا أمير المؤمنين فقد أمكنك الله من عدو الله وعدوك قد قتل ووجه برأسه إليك فلم يلبث إلا أيامًا حتى جيء برأس الحسين فوضع بين يدي يزيد في طشت فأمر الغلام فرفع الثوب الذي كان عليه فحين رآه خمر وجهه بكمه كأنه شم منه رائحة وقال: الحمد الله الذي كفانا المؤنة بغير مؤنة كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأ الله قالت ريا حاضنة يزيد فدنوت منه فنظرت إليه وبه ردغ من حناء والذي أذهب نفسه وهو قادر على أن يغفر له لقد رأيته يقرع ثناياه بقضيب في يده ويقول أبياتًا من شعر ابن الزبعري ومكث الرأس مصلوبًا بدمشق ثلاثة أيام ثم أنزل في خزائن السلاح حتى ولي سليمان بن عبد الملك الملك فبعث إليه فجيء به وقد محل وبقي عظمًا أبيض فجعله في سفط وطيبه وجعل عليه ثوبًا ودفنه في مقابر المسلمين. فلما ولي عمر بن عبد العزيز بعث إلى خازن بيت السلاح أن وجه إلي برأس الحسين ابن علي فكتب إليه: إن سليمان أخذه وجعله في سفط وصلى عليه ودفنه فلما دخلت المسودة سألوا عن موضع الرأس الكريمة الشريفة فنبشوه وأخذوه والله أعلم ما صنع به. وقال السري: لما قتل الحسين بن علي بكت السماء عليه وبكاؤها حمرتها وعن عطاء في قوله تعالى: " فما بكت عليهم السماء والأرض " قال: بكاؤها حمرة أطرافها. وعن علي بن مسهر قال: حدثتني جدتي قال: كنت أيام الحسين جارية شابة فكانت السماء أيامًا كأنها علقة. وعن الزهري بلغني: أنه لم يقلب حجر من أحجار بيت المقدس يوم قتلالحسين إلا وجدته تحت دم عبيط. ويقال: إن الدنيا أظلمت يوم قتل ثلاثًا ولم يمس أخحد من زعفرانهم شيئًا فجعله على وجهه إلا احترق وأنهم أصابوا إبلًا في عسكر الحسين يوم قتل فنحروها وطبخوها فصارت مثل العلقم فما استطاعوا أن يسيغوا منها شيئًا وروي: أن السماء أمطرت دمًا فأصبح كل شيء لهم ملآن دمًا. ما كان يعمل في يوم عاشوراء قال ابن زولاق في كتاب سيرة المعز لدين الله في يوم عاشوراء من سنة ثلاث وستين وثلثمائة انصرف خلق من الشيعة وأشيعهم إلى المشهدين: قبر كلثوم ونفيسة ومعهم جماعة من فرسان المغاربة ورجالتهم بالنياحة والبكاء على الحسين عليه السلام وكسروا أواني السقائين في الأسواق وشققوا الروايا وسبوا من ينفق في هذا اليوم ونزلوا حتى بلغوا مسجد الريح وثارت عليهم جماعة من رعية أسفل فخرج أبو محمد الحسين بن عمار وكان يسكن هناك في دار محمد بن أبي بكر وأغلق الدرب ومنع الفريقين ورجع الجميع فحسن موقع ذلك عند المعز ولولا ذلك لعظمت الفتنة لأن الناس قد غلقوا الدكاكين وأبواب الدور وعطلوا الأسواق وإنما قويت أنفس الشيعة بكون المعز بمصر وقد كانت مصر لا تخلو منهم في أيام الأخشيدية والكافورية في يوم عاشوراء عند قبر كلثوم وقبر نفيسة وكان السودان وكافور يتعصبون على الشيعة وتتعلق السودان في الطرقات بالناس ويقولون للرجل: من خالك فإن قال: معاوية أكرموه وإن سكت لقب المكروه وأخذت ثيابه وما معه حتى كان كافور قد وكل بالصحراء ومنع الناس من الخروج. وقال المسبحي: وفي يوم عاشوراء يعني من سنة ست وتسعين وثلثمائة جرى الأمر فيه على ما يجري كل سنة من تعطيل الأسواق وخروج المنشدين إلى جامع القاهرة ونزولهم مجتمعين بالنوح والنشيد ثم جمع بعد هذا اليوم قاضي القضاة عبد العزيز بن النعمان سائر المنشدين الذين يتكسبون بالنوح والنشيد وقال لهم: لا تلزموا الناس أخذ شيء منهم إذا وقفتم على حوانيتهم ولا تؤذوهم ولا تتكسبوا بالنوح والنشيد ومن أراد شيء منهم إذا وقفتم على حوانيتهم ولا تؤذوهم ولا تتكسبوا بالنوح والنشيد ومن أراد ذلك فعليه بالصحراء ثم اجتمع بعد ذلك طائفة منهم يوم الجمعة في الجامع العتيق بعد الصلاة وأنشدوا وخرجوا على الشارع بجمعهم وسبوا السلف فقبضوا على رجل ونودي عليه: هذا جزءا من سب عائشة وزوجها صلى الله عليه وسلم وقدم الرجل بعد النداء وضرب عنقه. وقال ابن المأمون: وفي يوم عاشوراء يعني من سنة خمس عشرة وخمسمائة عبئ السماط بمجلس العطايا من دار الملك بمصر التي كان يسكنها الأفصل بن أمير الجيوش وهو السماط المختص بعاشوراء وهو يعبئ في غير المكان الجاري به العادة في الأعياد ولا يعمل مدورة خشب بل سفرة كبيرة من أدم والسماط يعلوها من غير مرافع نحاس وجميع الزبادي أجبان وسلائط ومخللات وجميع الخبز من شعير وخرج الأفضل من باب فردالكم وجلس على بساط صوف من غير مشورة واستفتح المقرئون واستعدى الأشراف على طبقاتهم وحمل السماط لهم وقد عمل في الصحن الأول الذي بين يدي الأفضل إلى آخر السماط عدس أسود ثم بعده عدس مصفى إلى آخر السماط ثم رفع وقدمت صحون جميعها عسل نحل. ولما كان يوم عاشوراء من سنة ست عشرة وخمسمائة جلس الخليفة الآمر بأحكام الله على باب الباذهنج يعني من القصر بعد قتل الأفضل وعود الأسمطة إلى القصر على كرسي جريد بغير مخدة متلثمًا هو وجميع حاشيته فسلم عليه الوزير المأمون وجميع الأمراء الكبار والصغار بالقيراميز وأذن للقاضي والداعي والأشراف والأمراء بالسلام عليه وهم بغير مناديل ملثمون حفاة وعبئ السماط في غير موضعه المعتاد وجميع ما عليه خبز الشعير والحواضر على ما كان في الأيام الأفضلية وتقدم إلى والي مصر والقاهرة بأن لا يمكنا أحدًا من جمع ولا قراءة مصرع الحسين وخرج الرسم المطلق للمتصدرين والقراء الخاص والوعاظ قال: وفي ليلة عاشوراء من سنة سبع عشرة وخمسمائة: اعتمد الأجل الوزير المأمون على السنة الأفضلية من المضي فيها إلى التربة الجيوشية وحضور جميع المتصدرين والوعاظ وقراء القرآن إلى آخر الليل وعوده إلى داره واعتمد في صبيحة الليلة المذكورة مثل ذلك وجلس الخليفة على الأرض متلثمًا يرى به الحزن وحضر من شرف بالسلام عليه والجلوس على السماط بما جرت به العادة. قال ابن الطوير: إذا كان اليوم العاشر من المحرم: احتجب الخليفة عن الناس فإذا علا النهار ركب قاضي القضاة والشهود وقد غيروا زيهم فيكونون كما هم اليوم ثم صاروا إلى المشهد الحسيني وكان قبل ذلك يعمل في الجامع الأزهر فإذا جلسوا فيه ومن معهم من قراء الحضرة والمتصدرين في الجوامع جاء الوزير فجلس صدرًا والقاضي والداعي من جانبيه والقراء يقرؤون نوبة بنوبة وينشد قوم من الشعراء غير شعراء الخليفة شعرًا يرثون به أهل البيت عليهم السلام فإن كان الوزير فضيًا تغالوا وإن كان سنيًا اقتصدوا ولا يزالون كذلك إلى أن تمضي ثلاث ساعات فيستدعون إلى القصر بنقباء الرسائل فيركب الوزير وهو بمنديل صغير إلى داره ويدخل قاضي القضاة والداعي ومن معهما إلى باب الذهب فيجدون الدهاليز قد فرشت مصاطبها بالحصر بدل البسط وينصب في الأماكن الخالية من المصاطب دكك لتلحق بالمصاطب لتفرش ويجدون صاحب الباب جالسًا هناك فيجلس القاضي والداعي إلى جانبه والناس على اختلاف طبقاتهم فيقرأ القراء وينشد المنشدون أيضًا ثم يفرش عليهم سماط الحزن مقدار ألف زبدية من العدس والملوحات والمخللات والأجبان والألبان الساذجة والأعسال النحل والفطير والخبز المغير لونه فإذا قرب الظهر وقف صاحب الباب وصاحب المائدة وأدخل الناس للأكل منه فيدخل القاضي والداعي ويجلس صاحب الباب نيابة عن الوزير والمذكوران إلى جانبه وفي الناس من لا يدخل ولا يلزم أحد بذلك فإذا فرغ القوم انفصلوا إلى أماكنهم ركبانًا بذلك الزي الذي ظهروا فيه وطاف النواح بالقاهرة ذلك اليوم وأغلق البياعون حوانيتهم إلى جواز العصر فيفتح الناس بعد ذلك أو يتصرفون.
|