الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **
هذا الجامع أول مسجد أسس بالقاهرة والذي أنشأه القائد جوهر الكاتب الصقلي مولى الإمام أبي تميم معد الخليفة أمير المؤمنين المعز لدين الله لما اختط القاهرة وشرع في بناء هذا الجامع في يوم السبت لست بقين من جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وثلاثمائة وكمل بناؤه لتسع خلون من شهر رمضان سنة إحدى وستين وثلاثمائة وجمع فيه وكتب بدائر القبة في الرواق الأول وهي على يمنة المحراب والمنبر مانصه بعد البسملة: مما أمر ببنائه عبد الله ووليخ أبو تميم معد الإمام المعز لدين الله أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الأكرمين على يد عبده جوهر الكاتب الصقلي وذلك في سنة ستين وثلاثمائة. وأول جمعة جمعت فيه في شهر رمضان لسبع خلون منه سنة إحدى وستين وثلاثمائة. ثم إن العزيز بالله أبا منصور نزار بن يوسف بن كلس الخليفة العزيز بالله في صلة رزق جماعة من الفقهاء فأطلق لهم ما يكفي كل واحد منهم من الرزق الناض وأمر لهم بشراء دار وبنائها فبنيت بجانب الجامع الأزهر فإذا كان يوم الجمعة حضروا إلى الجامع وتحلقوا فيه بعد الصلاة إلى أن تصلى العصر وكان لهم أيضًا من مال الوزير صلة في كل سنة وكانت عدتهم خمسة وثلاثين رجلًا وخلع عليهم العزيز يوم عيد الفطر وحملهم على بغلات. ويقال أن بهذا الجامع طلسمًا فلا يسكنه عصفور ولا يفرخ به وكذا سائر الطيور من الحمام واليمام وغيره وهو صورة ثلاثة طيور منقوشة كل صورة على رأس عمود فمنها صورتان في مقدم الجامع بالرواق الخامس منهما صورة في الجهة الغربية في العمود وصورة في أحد العمودين اللذين على يسار من استقبل سدة المؤذنين والصورة الأخرى في الصحن في الأعمدة القبلية مما يلي الشرقية ثم إن الحاكم بأمر الله جدده ووقف على الجامع الأزهر وجامع المقس والجامع الحاكمي ودار العلم بالقاهرة رباعا بمصر وضمن ذلك كتابًا نسخته: هذا كتاب أشهد قاضي القضاة مالك بن سعيد بن مالك الفارقي على جميع مانسب إليه مما ذكر ووصف فيه من حضر من الشهود في مجلس حكمه وقضائه بفسطاط مصر في شهر رمضان سنة أربعمائة أشهدهم وهو يومئذ قاضي عبد الله ووليه المنصور أبي علي الإمام الحاكم بأمر الله المؤمنين بن الإمام العزيز بالله صلوات الله عليهما على القاهرة المعزية ومصر الإسكندرية والحرمين حرسهما الله وأجناد الشام والرقة والرحبة ونواحي المغرب وسائر أعمالهن وما فتحه الله ويفتحه لأمير المؤمنين من بلاد الشرق والغرب بمحض رجل متكلم أنه صحت عنده معرفة المواضع الكاملة والحصص الشائعة التي يذكر جميع ذلك ويحدد في هذا الكتاب وأنها كانت من أملاك الحاكم إلى أن حبسها على الجامع الأزهر بالقاهرة المحروسة والجامع براشدة والجامع بالمقس اللذين أمر بإنشائهما وتأسيس بنائهما وعل دار الحكمة بالقاهرة المحروسة التي وقفها والكتب التي فيها قبل تاريخ هذا الكتاب ومنها ما يخص الجامع الأزهر والجامع براشدة ودار الحكمة بالقاهرة المحروسة. مشاعًا جميع ذلك غير مقسوم ومنها ما يخص الجامع بالمقس على شرائط يجري ذكرها فمن ذلك ما تصدق به على الجامع الأزهر بالقاهرة المحروسة والجامع براشدة ودار الحكمة بالقاهرة المحروسة جميع الدار المعروفة بدار الضرب وجميع القيسارية المعروفة بقيسارية الصوف وجميع الدار المعروفة بدار الخرق الجديدة الذي كله بفسطاط مصر ومن ذلك ما تصدق به على جامع المقس جميع أربعة الحوانيت والمنازل التي علوها والمخزنين الذي ذلك كله بفسطاط مصر بالراية في جانب المغرب من الدار المعروفة كانت بدار الخرق وهاتان الداران المعروفتان بدار الخرق في الموضع المعروف بحمام الفار ومن ذلك جميع الحصص الشائعة من أربعة الحوانيت المتلاصقة التي بفسطاط مصر بالراية أيضًا بالمواضع المعروف بحمام الفار وتعرف هذه الحوانيت بحصص القيسي بحدود ذلك كله وأرضه وبنائه وسفله وعلوه وغرفه ومرتفقاته وحوانيته وساحاته وطرقه وممراته ومجاري مياهه وكل حق هو له داخل فيه وخارج عنه وجعل ذلك كله صدقة موقوفة محرمة محبسة بتة بته لايجوز بيعها ولاهبتها ولاتمليكها باقية على شروطها جارية على سبلها المعروفة في هذا الكتاب لا يوهنها تقادم السنين ولاتغير بحدوث حدث ولايستثنى فيها ولا يتأول ولايستفتي بتجدد تحبيسها مدى الأوقات وتستمر شروطها على اختلاف الحالات حتى يرث الله الأرض والسموات على أن يؤجر ذلك في كل عصر من ينتهي إليه ولايتها ويرجع إليه أمرها بعد مراقبة الله واجتلاب ما يوفر منفعتها من إشهارها عند ذوي الرغبة في إجازة أمثالها فيبتدأ من ذلك بعمارة ذلك على حسب المصلحة وبقاء العين ومرمته من غير إجحاف بما حبس ذلك عليه. وما فضل كان مقصومًا على ستين سهمًا فمن ذلك للجامع الأزهر بالقاهرة المحروسة المذكورة في هذا الإشهاد الخمس والثمن ونصف السدس ونصف التسع يصرف ذلك فيما فيه عمارة له ومصلحة وهو من العين المعزي الوازن ألف دينار واحدة وسبعة وستون دينارًا وثمن دينار من ذلك للخطيب بهذا الجامع أربعة وثمانون دينارًا ومن ذلك لثمن ألف ذراع حصر عبدانية تكون عدة له بحيث لاينقطع من حصره عند الحاجة إلى ذلك ومن ذلك لثمن ثلاثة عشر ألف ذراع حصر مظفورة لكسوة هذا الجامع في كل سنة عند الحاجة إليها مائة دينار واحدة وثمانية دنانير ومن ذلك لثمن ثلاثة قناطير زجاج وفراخها اثنا عشر دينارًا ونصف وربع دينار ومن ذلك لثمن عود هندي للبخور في شهر رمضان وأيام الجمع مع ثمن الكافور والمسك وأجرة الصانع خمسة عشر دينارًا ومن ذلك لنصف قنطار شمع بالفلفلي سبعة دنانير ومن ذلك لكنس هذا الجامع ونقل التراب وخياطة الحصر وثمن الخيط خمسة دنانير ومن ذلك لثمن مشاقة لسرج القناديل عن خمسة وعشرين رطلًا بالرطل الفلفلي دينار واحد ومن ذلك لثمن فحم للبخور عن قنطار واحد بالفلفلي نصف دينار ومن ذلك لثمن أرد بين ملحقًا للقناديل ربع دينار ومن ذلك ماقدر لمؤنة النحاس والسلاسل والتنانير والقباب التي فوق سطح الجامع أربعة وعشرون دينارًا ومن ذلك لثمن ذلك سلب ليف وأربعة أحبل وست دلاء أدم نصف دينار ومن ذلك قنطارين خرقًا لمسح القناديل نصف دينار ومن ذلك لثمن عشر قفاف للخدمة وعشرة أرطال قنب لتعليق القناديل ولثمن مائتين مكنسة لكنس هذا الجامع دينار واحد وربع دينار ومن ذلك لثمن أزيار فخار تنصب على المصنع ويصب فيها الماء مع الجرة حملها ثلاثة دنانير ومن ذلك لثمن زيت وقود هذا الجامع راتب السنة ألف رطل ومائتا رطل مع أجرة الحمل سبعة وثلاثون دينارًا ونصف ومن ذلك لأرزاق المصلين يعني الأئمة وهم ثلاثة وأربعة قومة ومسة عشر مؤذنًا خمسمائة دينار وستة وخمسون دينارًا ونصف منها للمصلين لكل رجل منهم دينارين وثلثا دينار وثمن دينار في كل شهر من شهور السنة والمؤذنين والقومة لكل رجل منهم دينارين في كل شهر ومن ذلك للمشرف على هذا الجامع في كل سنة أربعة وعشرون دينارًا ومن ذلك لكنس المصنع بهذا الجامع ونقل ما يخرج منه من الطين والوسخ دينار واحد ومن ذلك لمرمة ما يحتاج إليه في هذا الجامع في سطحه وأتربه وحياطنه وغير ذلك مما قدر لكل سنة ستون دينارًا ومن ذلك لثمن مائة وثمانين حمل تبن ونصف حمل جارية لعلف رأسي بقر للمصنع الذي لهذا الجامع ثمانية دنانير ونصف وثلث دينار ومن ذلك للتبن لمخزن يوضع فيه بالقاهرة أربعة دنانير ومن ذلك لثمن فدانين قرط لتربيع رأسي البقر المذكورين في النة سبعة دنانير ومن ذلك لأجرة متولي العلف وأجرة السقاء والحبال والقواديس وما يجري مجرى ذلك خمسة عشر دينارًا ونصف ومن ذلك لأجرة قيم الميضأة إن عملت بهذا الجامع اننا عشر دينارًا. وإلى هنا انقضى حديث الجامع الأزهر وأخذ في ذكر جامع راشدة ودار العلم وجامع المقس ثم ذكر أن تنانير الفضة ثلاثة تنانير وتسعة وثلاثون قنديلًا فضة فالجامع الأزهر تنوران وسبعة وعشرون قنديلًا ومنها لجامع راشدة تنور واثنا عشر قنديلًا وشرط أن تعلق في شهر رمضان وتعاد إلى مكان جرت عادتها أن تحفظ به وشرط شروطًا كثيرة في الأوقاف منها: أنه إذا فضل شيء واجتمع يشترى به ملك فإن عاز شيئًا واستهدم ولم يف الريع بعمارته وعمر به وأشياء كثيرة وحبس فيه أيضًا عدة آدر وقياسر لا فائدة في ذكرها فإنها مما خرجت بمصر. قال ابن عبد الظاهر عن هذا الكتاب: ورأبت منه نسخة وانتقلت إلى قاضي القضاة تقي الدن بن رزين وكان بصدر هذا بصدر هذا الجامع في الجامع في محرابه منطقة كما كان في محراب جامع عمرو بن العاص بوصر قلع ذلك صلاح الدين يوسف بن أيوب في حادي عشر ربيع الأول سنة تسع وستين وخمسمائة لأنه كان فيها انتهاء خلفاء الفاطمين فجاء وزنها خمسة آلاف درهم نقرة وقلع أيضًا المناطق من بقية الجوامع. ثم أن المستنصر جدد هذا الجامع أيضأ وجدده الحافظ لدين الله وأنشأ فيه مقصورة لطيفة تجاور الباب الغربي الذي في مقدم الجامع بداخل الرواقات عرفت بقصورة فاطمة من أجل أن فاطمة الزهراء رضي الله عنها رؤيت بها في المنام ثم أنه جدد في أيام الملك الظاهر بيبرس قال القاضي محي الدين بن عبد الظاهر في كتاب سيرة الملك الظاهر: لما كانت يوم الجمعة الثامن عشر من ربيع الأول سنة خمس وستين وستمائة أقيمت الجمعة بالجامع الأزهر بالقاهرة وسبب ذلك أن الأمير عز الدين أيدمر الحلي كان جار هذا الجامع من مدة سنين فرعى وفقه الله حرمة الجار ورأى أن يكون كما هو جاره في دار الدنيا أنه غدًا يكون ثوابه جاره في تلك الدار ورسم بالنظر في أمره وانتزع له أشياء مغصوبة كان شيء منها في أيدي جماعة وحاط أموره حتى جمع له شيئًا صالحًا وجرى الحديث في ذلك فتبرع الأمير عز الدين له بجملة مستكثرة من المال الجزيل وأطلق له من السلطان جملة من المال وشرع في عمارته فعمر الواهي من أركانه وجدرانه وبيضه وأصلح سقوفه وبلطه وفرشه وكساه حتى عاد حرمًا في وسط المدينة واسجد به مقصورة حسنة وآثر فيه آثارًا صالحة يثيبه الله عليها وعمل الأمير بيلبك الخازندار فيه مقصورة كبيرة رتب فيها جماعة من الفقهاء لقراءة الفقه على مذهب الإمام الشافعي رحمه الله ورتب في هذه المقصورة محدثًا يسمع الحديث النبوي والقائق ووقف على ذلك الأوقاف الدار ورتب به سبعة لقراءة القرآن ورتب به مدرسًا أثابه الله على ذلك ولما تكمل تجديده تحدث في إقامة جمعة فيه فنودي في المدينة بذلك واستخدم له الفقيه زين الدين خطيبًا وأقيمت الجمعة فيه في اليوم المذكور وحضر الأتابك فارس الدين والصاحب بها الدين علي بن حنا وولده الصاحب فخر الدين محمد وجماعة من الأمراء والكبراء وأصناف العالم على اختلافهم وكان يوم جمعة مشهودًا ولما فرغ من الجمعة جلس الأمير عز الدين الحلي والأتابك والصاحب وقرئ القرآن ودعى للسلطان وقام الأمير عز الدين ودخل إلى داره ودخل معه الأمراء فقدم لهم كل ماتشتهي الأنفس وتلذ الأعين وانفصلوا وكان قد جرى الحديث في أمر جواز الجمعة في الجامع وما ورد فيه. من أقاويل العلماء وكتب فيها فتيًا أخذ فيها خطوط العلماء بجواز الجمعة في هذا الجامع وإقامتها فكتب جماعة خطوطهم فيها وأقيمت صلاة الجمعة به واستمرت ووجد الناس به رفقًا وراحة لقربه من الحارات البعيدة من الجامع الحاكمي. قال وكان سقف هذا الجامع قد بني قصيرًا فزيد فيه بعد ذلك وعلى ذراعًا واستمرت الخطبة فيه حتى بني الجامع الحاكمي فانتقلت الخطبة إليه فإن الخليفة كان يخطب فيه خطبة وفي الجامع الأزهر خطبة وفي جامع ابن طولون خطبة وفي جامع مصر خطبة وانقطعت الخطبة من الأزهر لما استبد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بالسلطنة فإنه قلد وظيفة القضاء لقاضي القضاة صدر الدين عبد الملك بن درباس فعمل بمقتضى مذهبه وهو امتناع إقامة الخطبتين للجمعة في بلد واحد كما هو مذهب الإمام الشافعي فأبطل الخطبة من الجامع الأزهر وأقر الخطبة بالجامع الحاكمي من أجل أنه أوسع. فلم يزل الجامع الأزهر معطلًا من إقامة الجمعة فيه مائة عام من حين استولى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى أن أعيدت الخطبة في أيام الملك الظاهر بيبرس كما تقدم ذكره. ثم لما كانت الزلزلة بديار مصر في ذي الحجة سنة اثنتين وسبعمائة سقط الجامع الأزهر والجامع الحاكمي وجامع مصر وغيره فتقاسم أمراء الدولة عمارة الجوامع فتولى الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير عمارة الجامع الحاكمي وتولى الأمير سلار عمارة الجامع الجامع الأزهر وتولى الأمير سيف الدين بكتمر الجوكندار عمارة جامع الصالح فجددوا مبانيها وأعادوا ما تهدم منها. ثم جددت عمارة الجامع الأزهر على يد القاضي نجم الدين محمد بن حسين بن علي الأسعردي محتسب القاهرة في سنة خمس وعشرين وسبعمائة. ثم جددت عمارته في سنة إحدى وستين وسبعمائة عندما سكن الأمير الطواشي سعد الدين بشير الجامدار الناصري في دار الأمير فخر الدين أبان الزاهدي الصالحي النجمي بخط الأبارين بجوار الجامع الأزهر بعدما هدمها وعمرها داره التي تعرف هناك إلى اليوم بدار بشير الجامدار فأحب لقربه من الجامع أن يؤثر فيه أثرًا صالحًا فاستأذن السلطان الملك الناصر حسن بن محمد قلاون في عمارة الجامع وكان أثيرًا عنده خصيصًا به فأذن له في ذلك وكان قد استجد بالجامع عدة مقاصير ووضعت فيه صناديق وخزائن حتى ضيقته فأخرج الخزائن والصناديق ونزع المقاصير وتتبع جدرانه وسقوفه بالإصلاح حتى كأنها جديدة وبيض الجامع كله وبلطه ومنع الناس من المرور فيه ورتب فيه مصحفًا وجعل له قارئًا وأنشأ على باب الجامع القبلي حانوتًا لتسبيل الماء العذب في كل يوم وعمل فوقه مكتب سبيل لإقراء أيتام المسلمين كتاب الله العزيز ورتب للفقراء المجاورين طعامًا يطبخ كل يوم وأنزل إليه قدورًا من نحاس جعلها فيه ورتب فيه درسًا للفقهاء من الحنفية يجلس مدرسهم لإلقاء الفقه في المحراب الكبير ووقف على ذلك أوقافًا جليلة باقية إلى يومنا هذا ومؤذنو الجامع يدعون في كل جمعة وبعد كل صلاة للسلطان حسن إلى هذا الوقت الذي نحن فيه. وفي سنة أربع وثمانين وسبعمائة ولي الأمير الطواشي بهادر المقدم على المماليك السلطانية نظر الجامع الأزهر فتنجز مرسوم السلطان الملك الظاهر برقوق بأن من مات من مجاوري الجامع الأزهر عن غير وارث شرعي وترك موجودًا فإنه يأخذه المجاورون بالجامع ونقش ذلك على حجر عند الباب الكبير البحري. وفي سنة ثمانمائة هدمت منارة الجامع وكانت قصيرة وعمرت أطول منها فبلغت النفقة عليها من مال السلطان خمسة عشر ألف درهم نقرة وكملت في ربيع الآخر من السنة المذكورة فعلقت القناديل فيها ليلة الجمعة من هذا الشهر وأوقدت حتى اشتعل الضوء من أعلاها إلى أسفلها واجتمع القراء والوعاظ بالجامع وتلوا ختمة شريفة ودعوا للسلطان فلم تزل هذه المئذنة إلى شوال سنة سبع عشر وثمانمائة فهدمت لميل ظهر فيها وعمل بدلها منارة من حجر على باب الجامع البحري بعدما هدم الباب وأعيد بناؤه بالحجر وركبت المنارة فوق عقده وأخذ الحجر لها من مدرسة الملك الأشرف خليل التي كانت تجاه قلعة الجبل وهدمها الملك الناصر فرج بن برقوق وقام بعمارة ذلك الأمير تاج الدين التاج الشوبكي والي القاهرة ومحتسبها إلى أن تمت في جمادى الآخرة سنة ثمان عشرة وثمانمائة فلم تقم غير قليل ومالت حتى كادت تسقط فهدمت في صفر سنة سبع وعشرين وأعيدت. وفي شوال منها ابتدئ بعمل الصهريج الذي بوسط الجامع فوجد هناك آثار فسقية ماء ووجد أيضًا رمم أموات وتم بناؤه في ربيع الأول وعمل بأعلاه مكان مرتفع له قبة يسبل فيه الماء وغرس بصحن الجامع أربع شجرات فللم تفلح وماتت ولم يكن لهذا الجامع ميضأة عندما بني ثم عملت ميضأته حيث المدرسة الأقبغاوية إلى أن بني الأمير أقبغا عبد الواحد مدرسته المعروفة بالمدرسة الأقبغاوية هناك وأما هذه الميضأة التي بالجامع الآن فإن الأمير بدر الدين جنكل بن البابا بناها ثم زيد فيها بعد سنة عشر وثمانمائة ميضأة المدرسة الأقبغاوية. وفي سنة ثمان عشرة وثمانمائة ولي نظر هذا الجامع الأمير سودب القاضي حاجب الحجاب فجرت في أيام نظرة حواث لم يتفق مثلها وذلك أنه لم يزل في هذا الجامع منذ بني عدة من الفقراء يلازمون الإقامة فيه وبلغت عدتهم في هذه الأيام سبعمائة وخمسين رجلًا ما بين عجم وزيالعة ومن أهل ريف مصر ومغاربه ولكل طائفة رواق يعرف بهم فلا يزال الجامع عامرًا بتلاوة القرآن ودراسته وتلقينه والإشتغال بأنواع العلوم الفقه والحديث والتفسير والنحو ومجالس الوعظ وحلق الذكر فيجد الإنسان إذا دخل هذا الجامع من الإنس بالله والإرتياح وترويح النفس ما لايجده في غيره وصار أرباب الأموال يقصدون هذا الجامع بأنواع البر من الذهب والفضة والفلوس إعانة للمجاورين فيه على عبادة الله تعالى وكل قليل تحمل إليهم أنواع الأطعمة والخبز والحلاوات لاسيما في المواسم فأمر في جمادى الأولى من هذه السنة بإخراج المجاورين من الجامع ومنعهم من الإقامة فيه ولإخراج ما كان لهم فيه من صناديق وخزائن وكرناسي المصاحف زعماَ منه أن هذا العمل مما يثاب عليه وما كان إلا من أعظم الذنوب وأكثرها ضررًا فإنه حل بالفقراء بلاء كبير من تشتت شملهم وتعذر الأماكن عليهم فساروا في القرى وتبذلوا بعد الصيانة وفقد من الجامع أكثر ما كان فيه من تلاوة القرآن ودراسة العلم وذكر الله ثم لم يرضه ذلك حتى زاد في التعدي وأشاع أن أناسًا يبيتون بالجامع ويفعلون فيه منكرات وكانت العادة قد جرت بمبيت كثير من الناس في الجامع ما بين تاجر وفقيه وجندي وغيرهم منهم من يقصد بمبيته البركة ومنهم من لايجد مكانًا يأويه ومنهم من سيروح بمبيته هناك خصوصًا في ليالي الصيف وليالي شهر رمضان فإنه يمتلئ صحنه وأكثر رواقاته. فلما كانت ليلة الأحد الحادي عشر من جمادي الآخرة طرق الأمير سودوب الجامع بعد العشاء الآخرة والوقت صيف وقبض على جماعة وضربهم في الجامع وكان قد جاء معه من الأعوان والغلمانوغوغاء العمة ومن يريد النهب جماعة فحل بمن كان في الجامع أنواع البلاء ووقع فيهم النهب فأخذت فرشهم وعمائمهم وفتشت أوساطهم وسلبوا ما كان مربوطًا عليها من ذهب وفضة وعمل ثوبًا أسود للمنبر وعلمين مزوقين بلغت النفقة على ذلك خمسة عشر ألف درهم على ما بلغني فعاجل الله الأمير سودوب وقبض عليه السلطان في شهر رمضان وسجنه بدمشق. جامع الحاكم هذا الجامع بني خارج باب الفتوح أحد أبواب القاهرة وأول من أسسه أمير المؤمنين العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله معد وخطب فيه وصلى بالناس الجمعة ثم أكمله ابنه الحاكم بأمر الله فما وسع أمير الجيوش بدر الجمالي القاهرة وجعل أبوابها حيث هي اليوم بجامع الحاكم ويقال له الجامع الأنور. قال الأمير مختار عز الملك محمد بن عبيد الله بن أحمد المسبحي في تاريخ مصر وفيه يعني شهر رمضان سنة ثمانين و ثلاثمائة خط أساس الجامع الجديد بالقاهرة مما يلى باب الفتوح من خارجه وبدىء بالبناء فيه وتحلق فيه الفقهاء الذين يتحلقون في جامع القاهرة يعني الجامع الأزهر وخطب فيه العزيز بالله وقال في حوادث سنة إحدى وثمانين و ثلاثمائة لأربع خلون من شهر رمضان صلى العزيز بالله في جامعه صلاة الجمعة وخطب وكان في مسيرة بين يديه أكثر من ثلاثة آلاف وعليه طيسان وبيده القضب وفي رجله الحذاء وركب لصلاة الجمعة في رمضان سنة ثمانين وثلاثمائة إلى جامعه ومعه ابنه منصور فجعلت المظلة على منصور وسار العزيز بغير مظلة. وقال في حوادث سنة ثلاث وتسعين و ثلاثمائة وأمر الحاكم بأمر الله ن يتم بناء الجامع الذي كان الوزير يعقوب بن كلس بدأ في بنيانه عند باب الفتوح وعلق على سائر أبوابه ستور ديبقية عملت له وعلق فيه تنانير فضة عدتها أرببع و كثير من قناديل فضة وفرش جميعة بالحصر التي عملت له ونصب فيه المنبر وتكامل فرشه وتعليقه وأذن في ليلة الجمعة سادس شهر رمضان سنة ثلاث وأربعمائة لمن بات في الجامع الأزهر أن يمضوا إليه فمضوا وصار الناس ليلتهم يمشون من كل واحد من الجامعين إلى الآخر بغير مانع لهم ولا اعتراض من أحد من عسس القصر ولا أصحاب الطوف إلى الصبح وصلى فيه الحاكم بأمر الله بالناس صلاة الجمعة وهي أول صلاة أقيمت فيه بعد فراغه. وفي ذي القعدة سنة أربع وأربعمائة حبس الحاكم الحاكمي بباب الفتوح قال ابن عبد الظاهر وعلى باب الجامع الحاكمي مكتوب أنه أمر بعمله الحاكم أبو علي المنصور في سنة ثلاث وتسعين و ثلاثمائة وعلى منبره مكتوب أنه أمر بعمل هذا المنبر للجامع الحاكمي المنشأ بظاهر باب الفتوح في سنة ثلاث وأربعمائة ورأيت في سيرة الحاكم وفي يوم الجمعة أقيمت الجمعة في الجامع الذي كان الوزير أنشأه بباب الفتوح ورأيت في سيرة الوزير المذكور في يوم الأحد عاشر رمضان سنة تسع وسبعين و ثلاثمائة خط أساس الجامع الجديد بالقاهرة خارج الطابية مما يلي باب الفتوح قال وكان هذا الجامع خارج القاهرة فجدد بعد ذلك باب الفتوح وعلى البدنة التي تجاور باب الفتوح وبعض البرج مكتوب إن ذلك بني سنة ثلاثين وأربعمائة في زمن المستنصر بالله ووزارة أمير الجيوش فيكون بينهما سبع وثمانون سنة. قال كان والفسقيه وسط الجامع بناها الصاحب عبد الله بن علي بن شكر وأجرى الماء إليها وأزالها القاضي تاج الدين بن شكر وهو وهو قاضي القضاة في سنة ستين وستمائة والزيادة التي إلى جانبه قيل إنها بناء ولده الظاهر علي ولم يكملها وكان قد حبس فيها الفرنج فعملوا فيها كنائس هدمها الملك الناصر صلاح الدين وكان قد تغلب عليها وبنيت إسطبلات وبلغني أنها كانت في الأيام المتقدمة قد جعلت أهراء للغلال. فلما كان في الأيام الصالحية ووزارة معين الدين حسن بن شيخ الشيوخ لملك الصالح أيوب ولد الكامل ثبت عند الحاكم أنها من الجامع وأن بها محرابًا فانتزعت وأخرج الخيل منها وبني فيها ما هو الآن في الأيام المعزية على يد الركن الصيرفي ولم يسقف ثم جدد هذا الجامع في سنة ثلاث وسبعمائة تزلزلت أرض مصر والقاهرة وأعمالها ورجل كل ما عليهما واهتز وسمع للحيطان قعقعة وللسقوف قرقعة ومارت الأرض بما عليها وخرجت عن مكانها وتخيل الناس أن السماء قد انطبقت على الأرض فهربوا من أماكنهم وخرجوا عن مساكنهم وبرزت النساء حاسرات وكثر الصراخ والعويل وانتشرت الخلائق فلم يقدر أحد على السكون والقرار لكثرة ما سقط من الحيطان وخر من السقوف والمآذن وغير ذلك من الأبنية وفاض ماء النيل فيضًا غير المعتاد وألقى ما كان عليه من المراكب التي بالساحل قدر رمية سهم وانحسر عنها فصارت على الأرض بغير ماء واجتمع العالم في الصحراء خارج القاهرة وباتوا ظاهر باب البحر بحرمهم وأولادهم في الخيم وخلت المدينة وتشعثت جميع البيوت حتى لم يسلم ولا بيت من سقوط أو تسقط أو ميل وقام الناس في الجوامع يبتهلون ويسألون الله سبحانه طول يوم الخميس وليلة الجمعة ويوم الجمعة. فكان مما تهدم في هذه الزلزلة الجامع الحاكمي فإنه سقط كثير من البدنات التي فيه وخرب أعالي المئذنتين وتشعثت سقوفه وجدرانه فانتدب لذلك الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير ونزل إليه ومعه القضاة والأمراء فكشفه بنفسه وأمر برم ما تهدم منه و إعادة ما سقط من البدانات. فأعيدت وفي كل بدنة منها طاق وأقام سقوف الجامع وبيضة حتى عاد جديدًا وجعل له عدة أوقاف بناحية الجيزة وفي الصعيد وفي الإسكندرية تغل كل سنة شيئًا كثيرًا ورتب فيه دروسًا أربعة لإقراء الفقه على مذاهب الأئمة الأربعة ودرسًا لإقراء الحديث النبوي وجعل لكل درس مدرسًا وعدة كثيرة من الطلبة فرتب في تدريس الشافعية قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة الشافعي وفي تدريس الحنفية قاضي القضاة شمس الدين أحمد السروجي الحنفي وفي تدريس المالكية قاضي القضاة زين الدين علي بن مخلف المالكي وفي تدريس الحنابلة قاضي القضاة شرف الدين الجواني وفي درس الحديث الشيخ سعد الدين مسعودًا الحارثي وفي درس النحو الشيخ أثير الدين أبا حيان وفي درس القراءات السع الشيخ نور الدين الشطنوفي وفي التصدير لإفادة العلوم علاء الدين علي بن إسماعيل القونوي وفي مشيخة الميعاد المجد عيسى بن الخشاب وعمل فيه خزانة كتب جليلة وجعل فيه عدة متصدرين لتلقين القرآن الكريم وعدة قراء يتناوبون قراءة القرآن ومعلمًا يقريء أيتام المسلمين كتاب الله عز وجل وحفر فيه صهريجًا بصحن الجامع ليملأ في كل سنة من ماء النيل ويسبل منه الماء في كل يوم ويستقي منه الناس يوم الجمعة وأجرى على جميع من قرره فيه معاليم داره وهذه الأوقاف باقية إلى اليوم إلا أن أحوالها اختلت كما اختل غيرها فكان ما أنفق عليه زيادة على أربعين ألف دينار. وجرى في بنائه لهذا الجامع أمر يتعجب منه وهو ما حدثني به شيخنا الشيخ المعروف المسند المعمر أبو عبد الله محمد بن ضرغام بن شكر المقري بمكة في سنة سبع وثمانين وسبعمائة قال: أخبرني من حضر عمارة الأمير بيبرس للجامع الحاكمي عند سقوطه في سنة الزلزلة أنه لما شرع البناة في ترميم ما وهي من المئذنة التي هي من جهة باب الفتوح ظهر لهم صندوق في تضاعيف البنيان فأخرجه الموكل بالعمارة وفتحه فإذا فيه قطن ملفوف على كف إنسان بزنده وعليه أسطر مكتوبة لم يدر ما هي لم يدري ما هي والكف طرية كأنها قريبة عهد بالقطع ثم رأيت هذه الحكاية بخط مؤلف السيرة الناصرية موسى بن محمد بن يحيى أحد مقدمي الحلقة.
ثم جدد هذا الجامع وبلط جميعه في أيام الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاون في ولايته الثانية على يد الشيخ قطب الدين محمد الهرماس في سنة ستين وسبعمائة ووقف قطعة أرض على الهرماس وأولاده وعلى زيادة في معلوم الإمام بالجامع وعلى ما يحتاج إليه في زيت الوقود ومرمة في سقفه وجدرانه وجرى في عمارة الجامع على يد الهرمس ما حدثني به الشيخ المعمر شمس الدين محمد بن علي إمام الجامع الطيبرسي بشاطيء النيل قال: أخبرني محمد بن عمر البوصيري قال حدثنا قطب الدين محمد الهرماس أنه رأى بالجامع الحاكمي حجرًا ظهر من مكان منقوش عليه هذه الأبيات الخمسة: إن الذي أسررت مكنون اسمه وكتمته كيما أفوز بوصله مال له جذر تساوى في الهجا طرفاه يضرب بعضه في مثله فيصير لهل ذاك المال إلا أنه في النصف منه تصاب أحرف كله وإذا نطقت بربعه متكلمًا من بعد أوله نطقت بكله قال وهذه الأبيات لغز في الحجر المكرم. وقال العلامة شمس الدين محمد بن النقاش في كتاب العبر في أخبار من مضى وغبر: وفي هذه سنة يعني سنة إحدى وستين وسبعمائة صودر الهرماس وهدمت داره التي بناها أمام الجامع الحاكمي وضرب ونفي هو وولده فلما كان يوم الثلاثاء التاسع والعشرون من ذي القعدة استفتى السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاون في وقف حصة طندتا وهي الأرض التي كان قد سأله الهرماس أن يقفها على مصالح الجامع الحاكمي فعين له خمسمائة وستين فدانًا من طين طندتا وطلب المقعين وأمرهم أن يكتبوا صورة وقفها ويحضروه ليشهدوا عليه به وكان قد تقرر من شروطه في أوقافه ما قيل أنه رواية عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى عليه من أن للواقف أن يشترط في وقفه التغيير والزيادة والنقص وغير ذلك فأحضر الكركي الموقع إليه الكتاب مطويًا فقرأ منه طرته وخطبته وأوله ثم طواه وأعاده إليه مطويًا وقال: اشهدوا بما فيه دون قراءة وتأمل فشهدوا هم بالتفصيل الذي كتبوه وقرروه مع الهرماس ولما اطلع السلطان على ذلك بعد نفي الهرماس طلب الكركي وسأله عن هذه الواقعة فأجاب بما قد ذكرنا والله أعلم بصحة ذلك. غير أن المعلوم المقرر أن السلطان ما قصد إلا مصالح الجامع نعم سأله أزدمر الخازندار هل وقفت حصة لطيفة على أولاد الهرماس فإنه قد ذكر ذلك فقال: نعم أنا وقفت عليهم جزًا يسيرًا لم أعلم مقداره وأما التفصيل المذكور في كتاب الوقف فلم أتحققه ولم أطلع عليه فاستفتى المفتين في هذه الواقعة فأما المفتون كابن عقيل وابن السبكي والبلقيني والبسطامي والهندي وابن شيخ الجبل والبغدادي ونحوهم فأجابوا ببطلان الحكم المترتب على هذه الشهادة الباطلة وبطلان التنفيذ وكان الحنفي حكم والبقية نفذوا وأما الحنفي فقال: إن الوقف إذا صدر صحيحًا على الأوضاع الشرعية فإنه لايبطل بما قاله الشاهد وهو جواب عن نفس الواقعة وأما الشافعي فكتب ما مضمونه: إن الحنفي إن اقتضى مذهبه بطلان ما صححه أولًا نفذ بطلانه وحاصل ذلك أن القضاة اجابوا بالصحة والمفتين أجابوا بالبطلان. فطلب السلطان المفتين والقضاة فلم يحضر من الحكام غير نائب الشافعي وهو تاج الدين محمد بن إسحاق بن المناري والقضاة الثلاثة الشافعي والحنفي والحنبلي وجدوا مرضى لم يمكنهم الحضور إلى سرياقوس فإن السلطان كان قد سرح إليها على العادة في كل سنة فجمعهم السلطان في برج من القصر الذي بميدان سرياقوس عشاء الأخرة وذكر لهم القضية وسألهم عن حكم الله تعالى في الواقعة. فأجاب الجميع بالبطلان غير المناوي فإنه قال: مذهب أبي حنيفة أن الشهادة الباطلة إذا اتصل بها الحكم صح ولزم. فصرخت عليه المفتون شافعيهم وحنفيهم. أما شافعيهم فإنه قال: هذا مذهبك ولا مذهب الجمهور ولا هو الراجح في الدليل والنظر وقال له ابن عقيل: هذا مما ينقض به الحكم لو حكم به حاكم وادعى قيام الإجماع على ذلك. وقال له سراج الدين البلقيني: ليس هذا مذهب أبي حنيفة ومذهبه في العقود والفسوخ ما ذكرت من أن حكم الحاكم يكون هو المعتمد في التحليل والتحريم وأما الأوقاف ونحوها فحكم الحاكم فيها لاأثر له كمذهب الشافعي وادعوا أن الإجماع قائم على ذلك وقاموا على المناوي في ذلك قومه عظيمة فقال: نحن نحكم بالظاهر. قالوا هذا الحديث كذب على النبي صلى الله عليه وسلم وإنما الحديث الصحيح حديث: " إنما أنا بشر ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض الحديث ". قال المناوي: الأحكام ما هي بالفتاوي. قالوا له: فبماذا تكون أفي الوجود حكم شرعي بغير فتوى من الله ورسوله وكان قد قال في مجلس ابن الدريهم: القائم على نفيس اليهودي المدعو برأس الجالوت بين اليهود لايلتفت لقول المفتي. فقيل له: في هذا المجلس ها أنت قد قلت مرتين أن المفتين لايعتبر قولهم وأن الفتاوى لايعتد بها وقد أخطأت في ذلك أشد الخطأ وأنبأت عن غاية الجهل فإن منصب الفتوى أول من قام به رب العالمين إذ قال في كتابه المبين: " وقال يوسف عليه السلام: " وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: " قد أفتاني الله ربي فيما استفتيته " وكل حكم جاء على سؤال سائل تكفل ببيانه قرآن أو سنة فهو فتوى والقائم به مفت فكيف تقول لايلتفت إلى الفتوى أو المفتين فقال سراج الدين الهندي وغيره: هذا كفر ومذهب أبي حنيفة أن من استخف بالفتوى أو المفتين فهو كافر فاستدرك نفسه بعد ذلك وقال: لم أرد إلا أن الفتوى إذا خالفت المذهب فهي باطلة. قالوا له: وأخطأت في ذلك أيضًا لأن الفتوى قد تخالف المذهب المعين ولا تخالف الحق. قالوا: فأطلقت في موضع التقييد وذلك خطأ. فقال السلطان حينئذ: فإذا قدر هذا وادعيت أن الفتوى لاأثر لها فنبطل المفتين والفتوى من الوجود. فتلكأ وحار وقال: كيف أعمل في هذا فتبين لبعض الحاضرين أنه استشكل المسألة ولم يتبين له وجهها. فقال: لاشك أن مولانا السلطان لم ينكر صدور الوقف وإنما أنكر المصارف وأن تكون الجهة التي عينها هي هرماس وشهوده وقضائه وللسلطان أن يحكم فيها بعلمه ويبطل ما قرروه من عند أنفسهم. قال: كيف يحكم لنفسه قيل له: ليس هذا حكمًا لنفسه لأنه مقر بأصول الوقف وهو للمستحقين ليس له فيه شيء وإنما بطل وصف الوقف وهو المصرف الذي قرر على غير جهة الوقف وله أن يوقع الشهادة على نفسه بحكم أن ولم يزالوا يذكرون له أوجهًا تبين بطلان الوقف إما بأصله أو بوصفه إلى أن قال: يبطل بوصفه دون أصله وأذعن لذلك بعد إتعاب من العلماء. وإزعاج شديد من السلطان في بيان وجوه ذكوها تبين وجه الحق وأنه إنما وقفه على مصالح الجامع المذكور. وهذا مما لايشك فيه عاقل ولا يرتاب. فالتفت بعد ذلك وقال للحاضرين: كيف نعمل في إبطال فقالوا: بما قررناه من إشهاد السلطان على نفسه بتفصيل صحيح وأنه لم يزل كذلك منذ صدر منه الوقف إلى هذا الحد وغير ذلك من الجوه. فجعل يوهم السطان أن الشهود الذين شهدوا في هذا الوقف متى بطل هذا الوقف ثبت عليهم التساهل وجرحوا بذلك وقدح ذلك في عدالتهم ومتى جرحوا الآن لزم بطلان شهادتهم في الأوقاف المتقدمة على هذا التاريخ وخيل بذلك للسلطان حتى ذكر له إجماع المسلمين على أن جرح الشاهد لا ينعطف على ما مضى من شهاداته السالفة ولو كفر والعياذ بالله وهذا مما لاخلاف فيه. ثم استقر رأيه على أن يبطله بشاهدين يشهدان أن السلطان لما صدر منه هذا الوقف كان قد اشترط لنفسه التغيير والتبديل والزيادة والنقص وقام على ذلك. قال مؤلفه رحمه الله: انظر تثبت القضاة وقايس بين هذه الواقعة وما كان من تثبت القاضي تاج الدين المناوي وهو يومئذ خليفة الحكم ومصادمته الجبال وبين ما ستقف عليه من التساهل والتناقض في خبر أوقاف مدرسة جمال الدين يوسف الآستادار وميز بعقلك فرق ما بين القضيتين. وهذه الأرض التي ذكرت هي الآن بيد أولاد الهرماس بحكم الكتاب الذي حاول السلطان نقضه فلم يوافق المناوي. والجامع الآن متهدم وسقوفه كلها ما من زمن إلا ويسقط منها الشيء بعد الشيء فلا يعاد وكانت ميضأة هذا الجامع صغيرة بجوار ميضأته الآن فيما بينها وبين باب الجامع وموضعها الآن مخزن تعلوه طبقة عمرها شخص من الباعة يعرف بابن كرسون المراحلي وهذه الميضأة الموجودة الآن أحدثت وأنشأ الفسقية التي فيها ابن كرسون في أعوام بضع وثمانين وسبعمائة وبيض مئذنتي الجامع واستجد المئذنة التي بأعلى الباب المجاور للمنبر رجل من الباعة وكملت في جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وثمانمائة وخرق سقف الجامع حتى صار المؤذنون ينزلون من السطح إلى الدكة التي يكبرون فوقها وراء الإمام. هيئة صلاة الجمعة في أيام الخلفاء الفاطميين: قال المسبحي: وفي يوم الجمعة غرة رمضان سنة ثمانين وثلاثمائة ركب العزيز بالله إلى جامع القاهرة بالمظلة المذهبة وبين يديه نحو خمسة آلاف ماش وبيده القضيب وعليه الطيلسان والسيف. فخطب وصلى صلاة الجمعة وانصرف فأخذ رقاع المتظلمين بيده وقرأ منها عدة في الطريق وكان يومًا عظيمًا ذكرته الشعراء. قال ابن الطوير: إذا انقضى ركوب أول شهر رمضان استراح في أول جمعة فإذا كانت الثانية ركب الخليفة إلى الجامع الأنور الكبير في هيئة المواسم بالمظلة وما تقدم ذكره من الآلات ولباسه فيه ثياب الحرير البيض توقيرًا للصلاة من الذهب والمنديل والطيلسان المقور الشعري فيدخل من باب الخطابة والوزير معه بعد أن يتقدمه في أوائل النهار صاحب بيت المال وهو المقدم ذكره في الأستذين وبين يديه الفرش المختصة بالخليفة إذا صار إليه في هذا اليوم وهو محمول بأيديي الفراشين المميزين وهو ملفوف في العراضي الديبيقية فيفرش في المحراب ثلاث طراحات أما سامان أو ديبيقي أبيض أحسن ما يكون من صنفها كل منهما منقوش بالحمرة. فتجعل الطراحات متطابقات ويعلق ستران يمنة ويسرة وفي الستر الأيمن كتابة مرقومة بالحرير الأحمر واضحة منقوطة أولها البسملة والفاتحة وسورة الجمعة وفي الستر الأيسر مثل ذلك وسورة " فيخرج ماشيًا وحواليه الأستذون المحنكون والوزير وراءه ومن يليهم من الخواص وبأيديهم الأسلحة من صبيان الخاص وهم أمراء وعليهم هذا الإسم فيصعد المنبر إلى أن يصل إلى الذروة تحت تلك القبة المبخرة فإذا استوى جالسًا والوزير على باب المنبر ووجهه إليه فيشير إليه بالصعود إلى أن يصل إليه فيقبل يديه ورجليه بحيث يراه الناس ثم يزر عليه تلك القبة لأنها كالهودج ثم ينزل مستقبلًا فيقف ضابطًا لباب المنبر فإن لم يكن ثم وزير صاحب سيف زر عليه قاضي القضاة كذلك ووقف صاحب الباب ضابطًا للمنبر. فيخطب خطبة قصيرة من مسطورة يحضر إليه من ديوان الإنشاء يقرأ فيها آية من القرآن الكريم ولقد سمعته مرة في خطابته بالجامع الأزهر وقد قرأ في خطبته " فيطلع إليه من زر عليه ويفك ذلك التزرير وينزل القهقرى وسبب التزرير عليهم قراءتهم من مسطور لا كعادة الخطباء فينزل الخليفة ويصير على تلك الطراحات الثلاث في المحراب وحده إمامًا ويقف الوزير وقاضي القضاة صفًا ومن ورائهما الأستاذون المحنكون والأمراء المطوقون وأرباب الرتب من أصحاب السيوف والأقلام والمؤذنون وقوف وظهورهم إلى المقصورة لحفظه فإذا سمع الوزير الخليفة أسمع القاضي فأسمع القاضي المؤذنين وأسمع المؤذنون الناس هذا والجامع مشحون بالعالم للصلاة وراء فيقرأ ما هو مكتوب في الستر الأيمن في الركعة الأولى وفي الركعة الثانية ما هو مكتوب في الستر الأيسر وذلك على طريق التذكار خيفة الإرتجاج فإذا فرغ خرج الناس وركبوا أولًا فأولًا وعاد طالبًا القصر والوزير وراءه وضربت البوقات والطبول في العود فإذا أتت الجمعة الثانية ركب إلى الجامع الأزهر من القشاشين على المنوال الذي ذكرناه والقالب الذي وصفناه فإذا كانت الجمعة الثالثة أعلم بركوبه إلى مصر في جامعها فيزين له من باب القصر أهل القاهرة إلى جامع ابن طولون ويزين له أهل مصر من جامع ابن طولون إلى الجامع بمصر يرتب ذلك والي مصر كل أهل معيشة في مكان فيظهر المختار من الآلت والستور المثمنات ويهتمون بذلك ثلاثة أيام ولياليهن والوالي مار وعائد بينهم وقد ندب من يحفظ الناس ومتاعهم فيركب يوم الجمعة المذكور شاقًا لذلك كله على الشارع الأعظم إلى مسجد عبد الله الخراب اليوم إلى دار الأنماط إلى الجامع بمصر فيدخل إليه من المعونة ومنها باب متصل بقاعة الخطيب بازي الذي تقدم ذكره في خطبة الجامعين بالقاهرة وعلى ترتيبهما. فإذا قضى الصلاة عاد من طريقه بعينها شاقًا بالزينة إلى أن يصل إلى القصر ويعطى أرباب المساجد التي يمر عليها كل واحد دينارًا. وقال ابن المأمون: ووصل من الطراز الكسوة المختصة بغرة شهر رمضان وجمعتيه برسم الخليفة للغرة بدلة كبيرة موكبية مكملة مذهبة وبرسم الجامع الأزهر للجمعة الأولى من الشهر بدلة موكبية حرير مكملة منديلها وطيلسانها بياض وبرسم الجامع الأنور للجمعة الثانية بدلة منديلها وطيلسانها شعري وما هو برسم أخي الخليفة للغرة خاصة بدلة مذهبة وبرسم أربع جهات للخليفة أربع حلل مذهبات وبرسم الوزير للغرة خلعة مذهبة مكملة موكبية وبرسم الجمعتين بدلتان حريريتان ولم يكن لغير الخليفة وأخيه والوزير في ذلك شيء فنذكره. جامع راشدة هذا الجامع عرف بجامع راشدة لأنه في خطة راشدة. قال القضاعي: خطة راشدة بن جديلة من لخم هي متاخمة للخطة التي قبلها إلى الدير المعروف كان بأبي تكموس ثم وهو الجامع الكبير الذي براشدة وقد دثرت هذه الخطة ومنها المقبرة المعروفة بمقبرة راشدة والجنان التي كانت تعرف بكهمس بن معر ثم عرفت بالمارداني وهي اليوم تعرف بالأمير تميم. وقال المسبحي في حوادث سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة وابتدئ بناء جامع راشدة في سابع عشر ربيع الآخر وكان مكانه كنيسة حولها مقابر لليهود والنصارى فبني بالطوب ثم هدم وزيد فيه وبنى بالحجر وأقيمت به الجمعة وقال: في سنة خمس وتسعين وثلاثمائة وفيه يعني شهر رمضان فرش جامع راشدة وتكامل فرشه وتعليق قناديله وما يحتاج إليه وركب الحاكم بأمر الله عشية يوم الجمعة الخامس عشر منه وأشرف عليه. وقال: في سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة وفيه يعني شهر رمضان صلى الحاكم بجامعه الذي أنشأه براشدة صلاة الجمعة وخطب. وفي شهر رمضان سنة أربعمائة أنزل بقناديل وتنور من فضة زنتها ألوف كثيرة فعلقت بجامع راشدة. هدم وابتدئ في عمارته من صفر وفي شهر رمضان سنة ثلاث وأربعمائة صلى الحاكم في جامع راشدة صلاة الجمعة وعليه عمامة بغير جوهر وسيف محلى بفضة بيضاء دقيقة والناس يمشون بركابه من غير أن يمنع أحد منه وكان يأخذ قصصهم ويقف وقوفًا طويلًا لكل منهم واتفق يوم الجمعة حادي عشر جمادى الآخرة سنة أربع عشر وأربعمائة أن خطب فيه خطبتان معًا على المنبر وذلك أن أبا طالب علي بن عبد السميع العباسي استقر في خطابته بإذن الله أبي الحسن علي بن الحاكم بأمر الله أن يخطب. فصعدا جميعًا المنبر ووقف أحدهما دون الأخر وخطبا معًا ثم بعد ذلك استقر أبو طالب خطيبًا وأن يكون ابن عصفورة يخلفه. وقال ابن المتوج: هذا الجامع فيما بين دير راشدة كان جامعًا قديم البناء بجوار هذا الجامع عمر في زمن الفتح عمرته راشدة وهي قبيلة من القبائل كقبيلة تجيب ومهرة نزلت في هذا المكان وعمروا فيه جامعًا أدركت أنا بعضه ومحرابه وكان فيه نخل كثير من نخل المقل ومن جملة ما رأيت فيه نخلة من المقل عددت لها سبعة رؤوس مفرعة منها فذاك الجامع هو المعروف بجامع راشدة وأما هذا الموجود الآن فمن عمارة الحاكم ولم يكن في بناء الجوامع أحسن من بنائه وقيل عمرته حظية الخليفة وكان اسمها راشدة وليس بصحيح والأول هو الصحيح. وفيه الآن نخل وسدر وبئر وساقية رجل وهو مكان خلوة وانقطاع ومحل عبادة وفراغ من تعلقات الدنيا. قال مؤلفه: هذا وهم من ابن المتوج في موضعين: أولهما أن راشدة عمرت هذا الجامع في زمن فتح مصر وهذا قول لم يقله أحد من مؤرخي مصر فهذا الكندي ثم القضاعي وعليهما يعول في معرفة خطط مصر. ومن قبلهما ابن عبد الحكم لم يقل أحد منهم أن راشدة عمرت زمن الفتح مسجدًا ولايعرف من هذا السلف رحمهم الله في مسجد واحد وقد حكينا ما تقدم عن المسبحي وهو مشاهد مانقله من بناء الجامع المذكور في موضع الكنيسة بأمر الحاكم بأمر الله وتغييره لبنائه غير مرة وتبعه القضاعي على ذلك وقد عد القضاعي والكندي في كتابيهما المذكور فيها جامعًا اختطته راشدة وذكرا هذا الدير وعين القضاعي اسمه هدم وبني في مكانه جامع راشدة وناهيك بهما معرفة لآثار مصر وخططها. والوهم الثاني: الاستدلال على الوهم الأول بمشاهدة بقايا مسجد قديم ولا أدري كيف يستدل بذلك فمن أنكر أن يكون قد كان هناك نسجد بل المدعي أنه كان لراشدة مساجد لكن كونها اختطت جامعًا هذا غير صحيح. وقال ابن أبي طي في أخبار سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة في كتابه تاريخ حلب: كانت النصارى اليعقوبية قد شرعوا في إنشاء كنيسة كانت قد اندرست لهم بظاهر مصر في الموضع المعروف براشدة فثار قوم من المسلمين وهدموا مابنى النصارى إنها كانت قبل الإسلام فأمر الحاكم الحسين بن جوهر بالنظر في حال الفريقين فمال في الحكم مع النصارى وأنهي إلى الحاكم ذلك قيل له إن النصارى ابتدئوا بناءها وقال النصارى إنها كانت قبل الإسلام فأمر أن تبنى تلك الكنيسة مسجدًا جامعًا فبنى في أسرع وقت وهو جامع راشدة. وراشدة اسم للكنيسة وكان بجواره كنيستان أحداهما لليعقوبية والأخرى للنسطورية فهدمتا أيضًا وحول الروم إلى الموضع المعروف بالحمراء وأسس الروم ثلاث كنائس عوضًا عما هدم لهم وهذا أيضًا مصرح بأن جامع راشدة أسسه الحاكم وفيه وهم لكونه جعل راشدة اسمًا للكنيسة وإنما راشدة اسم لقبيلة من العرب نزلوا عند الفتح هناك فعرفت تلك البقاع بخطة راشدة وقد جدد جامع راشدة مرارًا وأدركته عامرًا تقام فيه الجمعة ويمتلئ بالناس لكثرة من حوله من السكان وإنما تعطل من إقامة الجمعة بعد حوادث سنة ست وثمانمائة. وقال الشريف محمد بن أسعد الجواني النسابة: راشدة بطن من لخم وهم ولد راشدة بن الحارث بن أد بن جديلة من لخم بن عدي بن الحارث بن مرة بن آد وقيل راشدة بن أدوب ويقال لراشدة خالفة ولهم خطة بمصر بالجبل المعروف بالرصد المطل على بركة الحبش وقد دثرت الخطة ولم يبق في موضعها إلا الجامع الحاكمي المعروف بجامع راشدة. جامع المقس هذا الجامع أنشأه الحاكم بأمر الله على شاطئ النيل بالمقس في لآن المقس كان خطة كبيرة وهي بلد قديم من قبل الفتح كما تقدم ذكر ذلك في هذا الكتاب. وقال في الكتاب الذي تضمن وقف الحاكم بأمر الله الأماكن بمصر على الجوامع كما ذكر في خبر الجامع الأزهر ما نصه: ويكون جميع ما بقي مما تصدق به على هذه المواضع يصرف في جميع ما يحتاج إليه في جامع المقس المذكور من عمارته ومن تمن الحصر العبدانية والمظفورة وثمن العود للبخور وغيره على ما شرح من الوظائف في الذي تقدم وكان لهذا الجامع نخل كثير في الدولة الفاطمية ويركب الخليفة إلى منظرة كانت بجانبه عند عرض الأسطول فيجلس بها لمشاهدة ذلك كما ذكر في موضعه من هذا الكتاب عند ذكر المناظر وفي سنة سبع وثمانين وخمسمائة انشقت زريبة من هذا الجامع السقوط فأمر بعمارتها. ولما بنى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب هذا السور الذي على القاهرة وأراد أن يوصله بسور مصر من خارج باب البحر إلى الكوم الأحمر حيث منشأه المهراني اليوم وكان المتولي لعمارة ذلك الأمير بهاء الدين قراقوش الأسدي أنشأ بجوار جامع المقس برجًا كبيرًا عرف بقلعة المقس في مكان المنظرة التي كانت للخلفاء فلما كان في سنة سبعين وسبعمائة جدد بناء هذا الجامع الوزير الصاحب شمس الدين عبد الله المقسي وهدم القلعة وجعل مكانها جنينة واتهمه الناس بأنه وجد هنالك مالًا كثيرًا وأنه عمر منه الجامع المذكور فصار العامة اليوم يقولون جامع المقسي ويظن من لاعلم عنده أن هذا الجامع من إنشائه وليس كذلك بل إنما جدده وبيضه وقد انحسر ماء النيل عن تجاه هذا الجامع كما ذكر في خبر بولاق في غاية العمارة وقد تلاشت المساكن التي هناك وبها إلى اليوم بقية يسيرة ونظر هذا الجامع اليوم بيد أولاد الوزير المقسي فإنه جدده وجعل عليه أوقافًا لمدرس وخطيب وقومة ومؤذنين وغير ذلك. وقال جامع السيرة الصلاحية: وهذا المقسم على شاطئ النيل يزار وهناك مسجد يتبرك به الأبرار وهو المكان الذي قسمت فيه الغنيمة عند استيلاء الصحابة رضي الله عنهم على مصر فلما أمر السلطان صلاح الدين بإدارة السور على مصر والقاهرة تولى ذلك بهاء الدين قراقوش وجعل نهايته التي تلي القاهرة عند المقس وبنى فيه برجًا يشرف على النيل وبنى مسجده جامعًا واتصلت العمارة منه إلى البلد وصار تقام فيه الجمع والجماعات. العزيز بالله: أبو النصر نزار بن المعز لدين الله أبي تميم معد ولد بالمهدية من بلاد أفريقية في يوم الخميس الرابع عشر من المحرم سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وقدم مع أبيه إلى القاهرة وولي العهد. فلما مات المعز لدين الله أقيم من بعده في الخلافة يوم الرابع عشر من شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين وثلاثمائة فأذعن له سائر عساكر أبيه واجتمعوا عليه وسير بذهب إلى بلاد المغرب فرق في الناس وأقر يوسف بن ملكين على ولاية إفريقية وخطب له بمكة ووافى الشام عسكر القرامطة فصاروا مع أفتكين التركي وقوي بهم وساروا إلى الرملة وقاتلوا عساكر العزيز بيافا فبعث العزيز جوهر القائد بعساكر كثيرة وملك الرملة وحاصر دمشق مدة ثم خلص من تحت سيوف افتكين وسار إلى العزيز فوافاه وقد برز من القاهرة فسار معه ودخل العزيز إلى الرملة وأسر أفتكين في المحرم سنة ثمان وستين وثلاثمائة فأحسن إليه وأكرمه إكرامًا زائدًا. فكتب إليه الشريف أبو إسماعيل إبراهيم الرئيس يقول: يامولانا لقد استحق هذا الكافر كل عذاب والعجب من الإحسان إليه فلما لقيه قال: ياإبراهيم قرأت كتابك في أمر أفتكين وأنا أخبرك. اعلم أنا قد وعدناه الإحسان والولاية فلما قبل وجاء إلينا نصب فازاته وخيامه حذاءنا وأردنا منه الإنصراف فلج وقاتل فلما ولى منهزمًا وسرت إلى فازاته ودخلتها سجدت لله شكرًا وسألته أن يفتح لي بالظفر به فجيء به بعد ساعة أسيرًا أترى يليق بي غير الوفاء. ولما وصل العزيز إلى القاهرة اصطنع افتكين وواصله بالعطايا والخلع حتى قال لقد احتشمت من ركوبي مع الخليفة مولانا العزيز باله ونظري إليه بما غمرني من فضله وإحسانه فلما بلغ الزيز ذلك قال لعنه حيدرة: ياعم أحب أن أرى النعم عند الناس ظاهرة وأرى عليهم الذهب والفضة والجواهر ولهم الخيل واللباس والضياع والعقار وأن يكون ذلك كله من عندي. ومات بمدينة بلبيس من مرض طويل بالقولنج والحصاة في اليوم الثامن والعشرين من شهر رمضان سنة ست وثمانين وثلاثمائة فحمل إلى القاهرة ودفن بتربة القصر مع آبائه. وكانت مدة خلافته بعد أبيه المعز إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ونصفًا ومات وعمره اثنتان وأربعون سنة وثمانية أشهر وأربعة عشر يومًا. وكان نقش خاتمة: بنصر العزيز الجبار ينتصر الإمام نزار. ولما مات وحضر الناس إلى القصر للتعزية أفحموا عن أن يوردوا في ذلك المقام شيئًا ومكثوا مطرقين لاينبسون فقام صبي من أولاد الأمراء الكنانين وفتح باب التعزية وأنشد: أنظر إلى العلياء كيف تضام ومآتم الأحساب كيف تقام خبرنني ركب الركاب ولم يدع للسفر وجه ترحل فأقاموا فاستحسن الناس إيراده وكأنه طرق لهم كيف يوردون المراثي فنهض الشعراء والخطباء حينئذ وعزوا وأنشد كل واحد ما عمل في التعزية وخلف من الأولاد ابنه المنصور وولي الخلافة من بعده وابنة تدعى سيدة الملك وكان أسمر طوالا أصهب الشعر أعين أشهل عريض المنكبين شجاعًا كريمًا حسن العفو والقدرة لايعرف سفك الدماء البتة مع حسن الخلق والقرب من الناس والمعرفة بالخيل وجوارح الطير وكان محبًا للصيد مغرى به حريصًا على صيد السباع ووزر له يعقوب بن كلس اثنتي عشرة سنة وشهرين وتسعة عشر يومًا ثم من بعده علي بن عمر العداس سنة واحدة ثم أبو الفضل جعفر بن الفرات سنة ثم أبو عبد الله الحسين بن الحسن البازيار سنة وثلاثة أشهر ثم أبو محمد بن عمار شهرين ثم الفضل بن صالح الوزيري أيامًا ثم عيسى بن نسطورس سنة وعشرة أشهر. وكانت قضاته: أبو طاهر محمد بن أحمد أبو الحسن علي بن النعمان ثم أبو عبد الله محمد بن النعمان. وخرج إلى السفر أولًا في صفر سنة سبع وستين وعاد من العباسية وخرج ثانيًا وظفر بأفتكين وخرج ثالثًا في صفر سنة اثنتين وسبعين ورجع بعد شهر إلى قصره بالقاهرة وخرج رابعًا في ربيع الأول سنة أربع وستين فنزل منية الأصبغ وعاد بعد ثمانية أشهر واثني عشر يومًا وخرج خامسًا في عاشر ربيع الآخر سنة خمس وثمانين فأقام مبرزًا أربعة عشر شهرًا وعشرين يومًا ومات في هذه الخرجة ببليس. وهو أول من اتخذ من أهل بيته وزيرًا أثبت اسمه على الطرز وقرن اسمه باسمه وأول من لبس منهم الخفين والمنطقة وأول من اتخذ منهم الأتراك واصطنعهم وجعل منه القواد وأول من رمى منهم بالنشاب وأول من ركب منهم بالذؤابة الطويلة والحنك وضرب الصوالجة ولعب بالرمح وأول من عمل مائدة في الشرطة السفلى في شهر رمضان يفطر عليها أهل الجامع العتيق وأقام طعامًا في جامع القاهرة لمن يحضر في رجب وشعبان ورمضان واتخذ الحمير لركوبه إياها وكانت أمه أم ولد اسمها درزارة وكان يضرب بأيامه المثل في الحسن فإنها كانت كلها أعيادًا وأعراسًا لكثرة كرمه ومحبته للعفو واستعماله لذلك ولاأعلم له بمصر من الآثار غير الجامع الحاكمي وما عدا ذلك فذهب اسمه ومحي رسمه.
|