الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة في المصنف واللالكائي في السنة والبيهقي في البعث عن أبي موسى الأشعري قال: تخرج نفس المؤمن وهي أطيب ريحًا من المسك، فيصعد بها الملائكة الذين يتوفونها، فتلقاهم ملائكة دون السماء فيقولون: من هذا معكم؟ فيقولون فلان، ويذكرونه بأحسن عمله، فيقولون: حياكم الله وحيا من معكم، فيفتح له أبواب السماء فيصعد به من الباب الذي كان يصعد عمله منه. فيشرق وجهه فيأتي الرب ولوجهه برهان مثل الشمس. قال: وأما الكافر فتخرج نفسه وهي أنتن من الجيفة، فيصعد بها الملائكة الذين يتوفونها، فتلقاهم ملائكة دون السماء فيقولون: من هذا؟! فيقولون فلان، ويذكرونه باسوأ عمله، فيقولون: ردوه فما ظلمه الله شيئًا. فيرد إلى أسفل الأرضين إلى الثرى، وقرأ أبو موسى {ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط}.وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد وهناد بن السري وعبد بن حميد وأبو داود في سننه وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في كتاب عذاب القبر عن البراء بن عازب قال: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله، وكان على رؤوسنا الطير وفي يده عود ينكث به في الأرض، فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثًا، ثم قال: إنَّ العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأنَّ وجوههم الشمس، معهم أكفان من كفن الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان. فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء وإن كنتم ترون غير ذلك، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها، فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، فيخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون على ملإٍ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟! فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له فيفتح لهم، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي به إلى السماء السابعه، فيقول الله: اكتبوا كتاب عبدي في عليين واعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، فتعاد روحه في جسده.فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإِسلام. فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله. فيقولان له: وما عملك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت. فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابًا إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول: ابشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد. فيقول له: من أنت، فوجهك الوجه يجيء بالخير؟! فيقول: أنا عملك الصالح فيقول: رب أقم الساعة، رب أقم الساعة حتى ارجع إلى أهلي ومالي.قال: وإن العبد الكافر إذا كان في إقبال من الآخرة وانقطاع من الدنيا، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخط من الله وغضب، فتفرق في جسده فينتزعها كما يتنزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملإٍ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟! فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا، فيستفتح فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {لا تفتح لهم أبواب السماء} فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحًا، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {ومن يشرك بالله فكأنما خرّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق} [الحج: 31].فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان، فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه...! فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري...! فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول هاه هاه لا أدري...! فينادي مناد من السماء: إن كذب عبدي فافرشوه من النار وافتحوا له بابًا إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف في أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح، فيقول: ابشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت فوجهك الوجه، يجيء بالشر؟! فيقول: أنا عملك الخبيث. فيقول: رب لا تقم الساعة».وأخرج ابن جرير عن مجاهد {لا تفتح لهم أبواب السماء} قال: لا يصعد لهم كلام ولا عمل.وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير {لا تفتح لهم أبواب السماء} قال: لا يرفع لهم عمل ولا دعاء.وأخرج ابن جرير عن ابن جريج {لا تفتح لهم أبواب السماء} قال: لأرواحهم ولا أعمالهم.وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {لا تفتح لهم أبواب السماء} قال: الكافر إذا أخذ روحه ضربته ملائكة الأرض حتى يرتفع إلى السماء، فإذا بلغ السماء الدنيا ضربته ملائكة السماء فهبط، فضربته ملائكة الأرض فارتفع، فضربته ملائكة السماء الدنيا فهبط إلى أسفل الأرضين، وإذا كان مؤمنًا روّح روحه، وفتحت له أبواب السماء، فلا يمر بملك إلا حياه وسلم عليه حتى ينتهي إلى الله، فيعطيه حاجته ثم يقول الله: ردوا روح عبدي فيه إلى الأرض فإني قضيت من التراب خلقه وإلى التراب يعود ومنه يخرج.قوله تعالى: {حتى يلج الجمل في سم الخياط}.وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {حتى يلج الجمل} قال: ذو القوائم {في سم الخياط} قال: خرق الإِبرة.وأخرج سعيد بن منصور والفريابي وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والطبراني في الكبير عن ابن مسعود في قوله: {حتى يلج الجمل} قال: زوج الناقة.وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن الحسن في قوله: {حتى يلج الجمل} قال: ابن الناقة الذي يقوم في المربد على أربع قوائم.وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس. أنه كان يقرأ {الجمل} يعني بضم الجيم وتشديد الميم، وقال: الجمل الحبل الغليظ، وهو من حبال السفن.وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف وأبو الشيخ عن مجاهد قال: قراءة ابن مسعود {حتى يلج الجمل الأصفر في سم الخياط}.وأخرج ابن المنذر عن مصعب قال: إن قرئت الجمل فإنا نعرف طيرًا يقال له الجمل.وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد حتى {يلج الجمل في سم الخياط} قال: الجمل حبل السفينة، وسم الخياط ثقبة.وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة في الآية قال: الجمل الحبل الذي يصعد به إلى النخل، الميم مرفوعة مشددة.وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن في الآية قال: حتى يدخل البعير في خرق الإِبرة.وأخرج عبد بن حميد عن ابن عمر. أنه سئل عن سم الخياط؟ قال: الجمل في ثقب الإِبرة. اهـ.
.فوائد لغوية وإعرابية: قال ابن عادل:قوله: {لا تُفَتَّحُ}.قرأ أبُو عمر: {لا تُفْتَح} بضمِّ التَّاء من فوق والتَّخفيف والأخوان بالياء من تحت والتخفيف أيضًا، والباقون: بالتَّأنيث والتشديد.فالتَّأنْيِثُ والتَّذكير باعتبار الجمع والجماعة، والتخَّفيف والتضعيف باعتبار التكثير وعدمه، والتضعيف هنا أوْضَحُ لكثرة المتعلق، وهو في هذه القراءات مبني للمفعول.وقرأ أبُو حَيْوَةَ، وأبو البرهسم {تَفَتَّح} بفتح التَّاء مِنْ فوق والتضعيف، والأصل: لا تتفتح بتاءَيْن فحُذِفت إحداهما، وقد تقدَّم في {تَتَذَكَّرُونَ} [الأنعام: 152].ونحوه، في {أبواب} على قراءة أبي حيوة فاعل، وعلى ما تقدَّم مفعول لم يُسمَّ فاعله.وقرئ: {لا تفتح} بالتاء، ونصب الأبْواب على أن الفعل للآيات وبالياء على أن الفعل للَّه ذكره الزمخشري.قوله: {حتى يَلِجَ الجمل}.الولوج: الدُّخُول بشدّة، ولذلك يقالك هو الدُّخول في مضيق، فهو أخصُّ من الدُّخول، والوليجة: كلُّ ما يعتمده الإنسان، والوليجة الدَّاخِلُ في قوم ليس منهم.و{الجَمَلُ} قراءة العامة، وهو الحيوانُ المعروف، ولا يقال للبعير جملًا إلا إذا بَزَل، ولا يقال له ذلك إلا إذا بَلَغَ أربع سنين وأول ما يخرج ولد النَّاقة، ولم تعرف ذُكُوريَّتُهُ وأنوثته يقالُ لَهُ: سَلِيلٌ، فإن كان ذكرًا فهو سَقْبٌ، وإن كان أنثى حَائِلٌ، ثم هو حُوار إلى الفطام، وبعده فَصِيل إلى سنة، وفي الثانية: ابْن مَخَاض وبِنْت مَخَاض، وفي الثالثة: ابْن لَبون وبنت لبون، وفي الرابعة: حِقٌّ وحِقَّة، وفي الخامسة: جَذَع وجَذَعة، وفي السَّادسة: ثَنِيُّ وثَنِيَّة، وفي السَّابعة: رَباع ورَباعية مخففة، وفي الثامنة: سِديسٌ لهما.وقيل: سَديسةٌ للأنثى، وفي التَّاسعة: بَازِلٌ، وبَازِلَةٌ، وفي العاشرة: مُخْلِفٌ ومُخْلِفةٌ، وليس بعد البُزُول والإخلاف سنٌّ بل يقال: بازل عام، أو عامين، ومُخْلِف عام، أو عامين حتى يهرم، فيقال له: فَوْد.ورد التَّشبيه في الآية الكريمة في غاية الحسن، وذلك أنَّ الجمل أعظم حيوانٍ عند العربِ، وأكبره جثَّة حتى قال: [البسيط]وقوله: [الوافر] وسم الإبرة في غايةِ الضِّيقِ، فلما كان المثلُ يُضْرَبُ بعظم هذا وكبره، وبضيق ذلك حتَّى قيل: أضْيقُ من خُرْت إبرة، ومنه الخِرِّيْتُ وهو البصير بمضايق الطُّرُقِ قيل: لا يدخلون الجنة حتى يتقحّم أعظم الأشياء وأكبرها عند العرب في أضيق الأِياء وأصغرها فكأنه لا يدخلون حتى يُوجدَ هذا المستَحِيلُ، ومثله في المعنى قول الشاعر: [الوافر] وقر ابن عبَّاسِ في رواية ابْنِ حَوْشَبٍ، ومجاهد، وابن يعمر، وأبو مجلزٍ والشعبيُّ، ومالك بن الشِّخِّير، وابن محيصنٍ، وأبُو رجاءَ، وأبو رزين، وأبان عن عاصمٍ: {الجُمَّل} بضمِّ الجيمِ وفتح الميم مشددة وهو القَلْسُ، والقَلْس: حبلٌ غليظ، يجمع من حبال كثيرة فيفتل، وهو حَبْلُ السَّفِينة.وقيل: الحَبْلُ الذي يُصعد به إلى النّخل.ويروى عن ابن عباس أنه قال: «إن الله أحسن تشبيهًا أن يشبه بالحبل من أن يشبه بالجَمَلِ» كأنَّهُ رأى- إن صحَّ عنه- أن المناسب لسم الإبرة شيءٌ يناسب الخيط المسلوك فيها.وقال الكِسَائي: الرَّاوي ذلك عن ابن عباس أعجمي فَشَدَّ الميم.وضفَّف ابن عطية قول الكسائي بكثرة رواتها عن ابن عباس قراءة.قال شهابُ الدِّين: ولذلك هي قراءةٌ مشهورة بين النَّاس.وروى مجاهدٌ عن ابن عباس ضمّ الجيم وفتح الميمِ خفيفة، وهي قراءة ابن جبير، وقتادة، وسالم الأفطس.وقرأ ابْنُ عبَّاسِ أيضًا في رواية عطاء: {الجُمُل} بضم الجيم والميم مخففة، وبها قرأ الضحاكُ الجحدري.وقرأ عِكْرِمة، وابن جبير بضمِّ الجيم، وسكون الميم.وقرأ المتوكل، وأبُو الجوزاء بالفتح والسُّكون، وكلُّها لغات في القَلْس المذكور.وسئل ابن مسعود عن الجمل في الآية فقال: زَوْج النَّاقَةِ، كأنه فهم ما أراد السّائل واستغباه.قوله: {فِي سَمِّ الخياط} متعلق بـ {يلج}، و{سمّ الخِيَاطِ} ثقب الإبرة، وهو الخُرْتُ، وسينه مثلثة، وكلّ ثُقب ضيق فهو سَمٌّ، وكلُّ ثقب في البدن؛ وقيل: كلُّ ثُقْبٍ في أنف أو أذن فهو سَمٌّ وجمعه سموم.قال الفَرَزْدَقُ: [الطويل] والسُّمُّ: القاتل، وسمي بذلك للطفه وتأثيره في مسامّ البدنِ حتى يصل إلى القلب، وهو في الأصل مصدرٌ ثم أُريد به معنى الفاعل لدخوله باطن البدن، وقد سمَّه إذا أدخله فيه، ومنه السَّمَّة للخاصة الذين يدخلون بَوَاطِنَ الأمور ومَسَامَّها، ولذلك يقال لهم: الدّخلُل.والسموم الريح الحادة؛ لأنَّها تؤثر تأثير السّم القاتل.والخياط والمخيط الآلة التي خاطُ بها فِعال ومِفْعَل، كإزار ومئزر، ولحافٍ ومِلْحَفٍ، وقناعٍ ومِقْنَعٍ.وقرأ عبد الله، وقتادة، وأبُو رزين، وطلحةُ {سُمِّ} بضمِّ السِّين، وأبو عمران الجوني، وأبُو نهيكٍ، والأصمعيُّ عن نافع {سِمّ} بالكسر، وقد تقدَّم أنَّها لغات.وقرأ عَبْدُ الله، وأبُو رزين، وأبو مجلزٍ: {المِخْيَط} بكسر الميم وسكون الخاء، وفتح الياء.وطلحةُ بفتح الميم، وهذه مخالفة للسَّوادِ.قوله: {وَكَذِلِكَ} أي: ومثل ذلك الجزاء نجزي المجرمين، فالكاف نعت لمصدر محذوف. اهـ. باختصار.
|