الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
المسألة الثالثة:قال صاحب الكشاف: قرئ {قومًا على أصلها}، وفيه وجهان أحدهما: أنه جمع أصل كرهن ورهن، واكتفى فيه بالضمة عن الواو، وقرئ {قائمًا على أصوله}، ذهابًا إلى لفظ ما، وقوله: {فَبِإِذْنِ الله} أي قطعها بإذن الله وبأمره {وَلِيُخْزِىَ الفاسقين} أي ولأجل إخزاء الفاسقين، أي اليهود أذن الله في قطعها.المسألة الرابعة:روي أنه عليه الصلاة والسلام حين أمر أن يقطع نخلهم ويحرق، قالوا: يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد في الأرض فما بال قطع النخل وتحريقها؟ وكان في أنفس المؤمنين من ذلك شيء، فنزلت هذه الآية، والمعنى أن الله إنما أذن في ذلك حتى يزداد غيظ الكفار، وتتضاعف حسرتهم بسبب نفاذ حكم أعدائهم في أعز أموالهم.المسألة الخامسة:احتج العلماء بهذه الآية على أن حصون الكفرة وديارهم لا بأس أن تهدم وتحرق وتغرق وترمى بالمجانيق، وكذلك أشجارهم لا بأس بقلعها مثمرة كانت أو غير مثمرة، وعن ابن مسعود قطعوا منها ما كان موضعًا للقتال.المسألة السادسة:روي أن رجلين كانا يقطعان أحدهما العجوة، والآخر اللون، فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال هذا: تركتها لرسول الله، وقال هذا: قطعتها غيظًا للكفار، فاستدلوا به على جواز الاجتهاد، وعلى جوازه بحضرة الرسول.{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)}قال المبرد: يقال فاء يفيء إذا رجع، وأفاءه الله إذا رده، وقال الأزهري: الفيء ما رده الله على أهل دينه، من أموال من خالف أهل دينه بلا قتال، إما بأن يجلوا عن أوطانهم ويخلوها للمسلمين، أو يصالحوا على جزية يؤدونها عن رؤوسهم، أو مال غير الجزية يفتدون به من سفك دمائهم، كما فعله بنو النضير حين صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لكل ثلاثة منهم حمل بعير مما شاءوا سوى السلاح، ويتركوا الباقي، فهذا المال هو الفيء، وهو ما أفاء الله على المسلمين، أي رده من الكفار إلى المسلمين، وقوله: {مِنْهُمْ} أي من يهود بني النضير، قوله: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ} يقال: وجف الفرس والبعير يجف وجفًا ووجيفًا، وهو سرعة السير، وأوجفه صاحبه، إذا حمله على السير السريع، وقوله: {عَلَيْهِ} أي على ما أفاء الله، وقوله: {مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ} الركاب ما يركب من الإبل، واحدتها راحلة، ولا واحد لها من لفظها، والعرب لا يطلقون لفظ الراكب إلا على راكب البعير، ويسمون راكب الفرس فارسًا، ومعنى الآية أن الصحابة طلبوا من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يقسم الفيء بينهم كما قسم الغنيمة بينهم، فذكر الله الفرق بين الأمرين، وهو أن الغنيمة ما أتعبتم أنفسكم في تحصيلها وأوجفتم عليها الخيل والركاب بخلاف الفيء فإنكم ما تحملتم في تحصيله تعبًا، فكان الأمر فيه مفوضًا إلى الرسول يضعه حيث يشاء.ثم هاهنا سؤال: وهو أن أموال بني النضير أخذت بعد القتال لأنهم حوصروا أيامًا، وقاتلوا وقتلوا ثم صالحوا على الجلاء فوجب أن تكون تلك الأموال من جملة الغنيمة لا من جملة الفيء، ولأجل هذا السؤال ذكر المفسرون هاهنا وجهين الأول: أن هذه الآية ما نزلت في قرى بني النضير لأنهم أوجفوا عليهم بالخيل والركاب وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون بل هو في فدك، وذلك لأن أهل فدك انجلوا عنه فصارت تلك القرى والأموال في يد الرسول عليه السلام من غير حرب فكان عليه الصلاة والسلام يأخذ من غلة فدك نفقته ونفقة من يعوله، ويجعل الباقي في السلاح والكراع، فلما مات ادعت فاطمة عليها السلام أنه كان ينحلها فدكا، فقال أبو بكر: أنت أعز الناس علي فقرأ، وأحبهم إلي غنى، لكني لا أعرف صحة قولك، ولا يجوز أن أحكم بذلك، فشهد لها أم أيمن ومولى للرسول عليه السلام، فطلب منها أبو بكر الشاهد الذي يجوز قبول شهادته في الشرع فلم يكن، فأجرى أبو بكر ذلك على ما كان يجريه الرسول صلى الله عليه وسلم ينفق منه على من كان ينفق عليه الرسول، ويجعل ما يبقى في السلاح والكراع، وكذلك عمر جعله في يد علي ليجريه على هذا المجرى، ورد ذلك في آخر عهد عمر إلى عمر، وقال: إن بنا غنى وبالمسلمين حاجة إليه، وكان عثمان رضي الله عنه يجريه كذلك، ثم صار إلى علي فكان يجريه هذا المجرى فالأئمة الأربعة اتفقوا على ذلك والقول الثاني: أن هذه الآية نزلت في بني النضير وقرأهم، وليس للمسلمين يومئذ كثير خيل ولا ركاب، ولم يقطعوا إليها مسافة كثيرة، وإنما كانوا على ميلين من المدينة فمشوا إليها مشيًا، ولم يركب إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان راكب جمل، فلما كانت المقاتلة قليلة والخيل والركب غير حاصل، أجراه الله تعالى مجرى ما لم يحصل فيه المقاتلة أصلًا فخص رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك الأموال، ثم روى أنه قسمها بين المهاجرين ولم يعط الأنصار منها شيئًا إلا ثلاثة نفر كانت بهم حاجة وهم أبو دجانة وسهل بن حنيف والحرث بن الصمة.ثم إنه تعالى ذكر حكم الفيء فقال: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى}قال صاحب الكشاف: لم يدخل العاطف على هذه الجملة لأنها بيان للأولى فهي منها وغير أجنبية عنها، واعلم أنهم أجمعوا على أن المراد من قوله: {وَلِذِي القربى} بنو هاشم وبنو المطلب.قال الواحدي: كان الفيء في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم مقسومًا على خمسة أسهم أربعة منها لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة وكان الخمس الباقي يقسم على خمسة أسهم، سهم منها لرسول الله أيضًا، والأسهم الأربعة لذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، وأما بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام فللشافعي فيما كان من الفيء لرسول الله قولان أحدهما: أنه للمجاهدين المرصدين للقتال في الثغور لأنهم قاموا مقام رسول الله في رباط الثغور والقول الثاني: أنه يصرف إلى مصالح المسلمين من سد الثغور وحفر الأنهار وبناء القناطر، يبدأ بالأهم فالأهم، هذا في الأربعة أخماس التي كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما السهم الذي كان له من خمس الفيء فإنه لمصالح المسلمين بلا خلاف، وقوله تعالى: {كَي لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغنياء مِنكُمْ} فيه مسائل:المسألة الأولى:قال المبرد: الدولة اسم للشيء الذي يتداوله القوم بينهم يكون كذا مرة وكذا مرة، والدولة بالفتح انتقال حال سارة إلى قوم عن قوم، فالدولة بالضم اسم ما يتداول، وبالفتح مصدر من هذا، ويستعمل في الحالة السارة التي تحدث للإنسان، فيقال: هذه دولة فلان أي تداوله، فالدولة اسم لما يتداول من المال، والدولة اسم لما ينتقل من الحال، ومعنى الآية كي لا يكون الفيء الذي حقه أن يعطى للفقراء ليكون لهم بلغة يعيشون بها واقعًا في يد الأغنياء ودولة لهم.المسألة الثانية:قرئ: {دولة} و{دولة} بفتح الدال وضمها، وقرأ أبو جعفر: {دولة} مرفوعة الدال والهاء، قال أبو الفتح: {يَكُونَ} هاهنا هي التامة كقوله: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ} [البقرة: 280] يعني كي لا يقع دولة جاهلية، ثم قال: {وَمَا ءاتاكم الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنْهُ فانتهوا} يعني ما أعطاكم الرسول من الفيء فخذوه فهو لكم حلال وما نهاكم عن أخذه فانتهوا {واتقوا الله} في أمر الفيء {أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب} على ما نهاكم عنه الرسول، والأجود أن تكون هذه الآية عامة في كل ما آتى رسول الله ونهى عنه وأمر الفيء داخل في عمومه. اهـ.
.قال القرطبي: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)} فيه خمس مسائل:الأولى: قوله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ} {ما} في محل نصب ب {قَطَعْتُمْ}؛ كأنه قال: أي شيء قطعتم.وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل على حصون بني النضير وهي البُوَيْرة حين نقضوا العهد بمعونة قريش عليه يوم أُحُد، أمر بقطع نخيلهم وإحراقها.واختلفوا في عدد ذلك؛ فقال قتادة والضحاك: إنهم قطعوا من نخيلهم وأحرقوا ست نخلات.وقال محمد بن إسحاق: إنهم قطعوا نخلة وأحرقوا نخلة.وكان ذلك عن إقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بأمره؛ إمّا لإضعافهم بها وإما لسعة المكان بقطعها.فشقّ ذلك عليهم فقالوا وهم يهود أهل الكتاب: يا محمد، ألست تزعم أنك نبيّ تريد الصلاح، أفمن الصلاح قطع النخل وحرق الشجر؟ وهل وجدت فيما أنزل الله عليك إباحة الفساد في الأرض!؟ فشقّ ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم.ووجد المؤمنون في أنفسهم حتى اختلفوا؛ فقال بعضهم: لا تقطعوا مما أفاء الله علينا.وقال بعضهم: اقطعوا لنغيظهم بذلك.فنزلت الآية بتصديق من نهى عن القطع وتحليل من قطع من الإثم، وأخبر أن قطعه وتركه بإذن الله.وقال شاعرهم سماك اليهودي في ذلك:فأجابه حسان بن ثابت: فأجابه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب: الثانية: كان خروج النبي صلى الله عليه وسلم في ربيع الأوّل أوّل السنة الرابعة من الهجرة، وتحصَّنوا منه في الحصون، وأمر بقطع النخل وإحراقها، وحينئذ نزل تحريم الخمر.ودسّ عبد الله بن أُبَيّ بن سَلُول ومن معه من المنافقين إلى بني النضير: إنا معكم، وإن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم؛ فاغترُّوا بذلك.فلما جاءت الحقيقة خذلوهم وأسلموهم وألقوا بأيديهم، وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكف عن دمائهم ويُجْلِيهم؛ على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا السلاح، فاحتملوا كذلك إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام.وكان ممن سار منهم إلى خَيْبَر أكابرهم؛ كُحَيِّ بن أَخْطَب، وسَلاّم بن أبي الحُقيْق، وكنانة بن الربيع.فدانت لهم خَيبر.الثالثة: ثبت في صحيح مسلم وغيره عن ابن عمر أن رسول صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النَّضير وَحرَّق.
|