الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وإضافة رجالكم إلى ضمير المخاطبين يخرج من كان من بنيه، لأنهم رجاله، لا رجال المخاطبين.وقرأ الجمهور؛ {ولكن رسول} بتخفيف لكن ونصب رسول على إضمار كان، لدلالة كان المتقدّمة عليه؛ قيل: أو على العطف على {أبا أحد}.وقرأ عبد الوارث، عن أبي عمرو: بالتشديد والنصب على أنه خبر لكن، والخبر محذوف تقديره: {ولكن رسول الله وخاتم النبيين} هو، أي محمد صلى الله عليه وسلم.وحذف خبر لكن واخواتها جائز إذا دل عليه الدليل.ومما جاء في ذلك قول الشاعر:
أي: أنت لا تعرف قرابتي.وقرأ زيد بن علي، وابن أبي عبلة: بالتخفيف، ورفع ورسوله وخاتم، أي ولكن هو رسول الله، كما قال الشاعر: أي: لكن أنا مدرة.وقرأ الجمهور: {خاتم} بكسر التاء، بمعنى أنه ختمهم، أي جاء آخرهم.وروي عنه أنه قال: أنا خاتم نبي، وعنه: أنا خاتم النبيين في حديث واللبنة.وروي عنه، عليه السلام، ألفاظ تقتضي نصًا أنه لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم، والمعنى أن لا يتنبأ أحد بعده، ولا يرد نزول عيسى آخر الزمان، لأنه ممن نبىء قبله، وينزل عاملًا على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم مصليًا إلى قبلته كأنه بعض أمته.قال ابن عطية: وما ذكره القاضي أبو الطيب في كتابه المسمى بالهداية، من تجويز الاحتمال في ألفاظ هذه الآية ضعيف، وما ذكره الغزالي في هذه الآية، وهذا المعنى في كتابه الذي سماه بالاقتصاد، وتطرق إلى ترك تشويش عقيدة المسلمين في ختم محمد صلى الله عليه وسلم النبوة، فالحذر الحذر منه، والله الهادي برحمته.وقرأ الحسن، والشعبي، وزيد بن علي، والأعرج: بخلاف؛ وعاصم: بفتح التاء بمعنى: أنهم به ختموا، فهو كالخاتم والطابع لهم.ومن ذهب إلى أن النبوة مكتسبة لا تنقطع، أو إلى أن الولي أفضل من النبي، فهو زنديق يجب قتله.وقد ادعى النبوة ناس، فقتلهم المسلمون على ذلك.وكان في عصرنا شخص من الفقراء ادعى النبوة بمدينة مالقة، فقتله السلطان بن الأحمر، ملك الأندلس بغرناطة، وصلب إلى أن تناثر لحمه.{وكان الله بكل شيء عليمًا} هذا عام، والقصد هنا علمه تعالى بما رآه الأصلح لرسوله، وبما قدّره في الأمر كله، ثم أمر المؤمنين بذكره بالثناء عليه وتحميده وتقديسه، وتنزيهه عما لا يليق به.والذكر الكثير، قال ابن عباس: أن لا ينساه أبدًا، أو التسبيح مندرج في الذكر، لكنه خص بأنه ينزهه تعالى عما لا يليق به، فهو أفضل، أو من أفضل الأذكار.وعن قتادة: قولوا سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.وعن مجاهد: هذه الكلمات يقولها الطاهر والجنب.و{بكرة وأصيلًا} يقتضيهما اذكروا وسبحوا، والنصب بالثاني على طريق الإعمال، والوقتان كناية عن جميع الزمان، ذكر الطرفين إشعار بالاستغراق.وقال ابن عباس: أي صلوا صلاة الفجر والعشاء.قال الأخفش: ما بين العصر إلى العشاء.وقال قتادة: الإشارة بهذين الوقتين إلى صلاة الغداة وصلاة العصر؛ ويجوز أن يكون الأمر بالذكر وإكثاره تكثير الطاعات والإقبال على الطاعات، فإن كل طاعة وكل خير من جملة الذكر.ثم خص من ذلك التسبيح بكرة وأصيلًا، وهي الصلاة في جميع أوقاتها، تفضل الصلاة غيرها، أو صلاة الفجر والعشاء، لأن أداءهما أشق.ولما أمرهم بالذكر والتسبيح، ذكر إحسانه تعالى بصلاته عليهم هو وملائكته.قال الحسن: {يصلي عليكم} يرحمكم.وقال ابن جبير: يغفر لكم.وقال أبو العالية يثني عليكم.وقيل: يترأف بكم.وصلاة الملائكة الاستغفار، كقوله تعالى: {ويستغفرون للذين آمنوا} وقال مقاتل: الدعاء، والمعنى: هو الذي يترحم عليكم، حيث يدعوكم إلى الخير، ويأمركم بإكثار الذكر والطاعة، ليخرجكم من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة.وقال ابن زيد: من الضلالة إلى الهدى.وقال مقاتل: من الكفر إلى الإيمان.وقيل: من النار إلى الجنة، حكاه الماوردي.وقيل: من القبور إلى البعث.{وملائكته} معطوف على الضمير المرفوع المستكن في {يصلي} فأغنى الفصل بالجار والمجرور عن التأكيد، وصلاة الله غير صلاة الملائكة، فكيف اشتركا في قدر مشترك؟ وهو إرادة وصول الخير إليهم.فالله تعالى يريد برحمته إياهم إيصال الخير إليهم، وملائكته يريدون بالاستغفار ذلك.وقال الزمخشري: جعلوا لكونهم مستجابي الدعوة، كأنهم فاعلون الرحمة والرأفة، ونظيره قولهم: حياك الله: أي أحياك وأبقاك، وحييتك: أي دعوت لك بأن يحييك الله، لأنك لاتكالك على إجابة دعوتك كأنك تبقيه على الحقيقة؛ وكذلك عمرك الله وعمرتك، وسقاك الله وسقيتك، وعليه قوله؛ {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه} أي ادعوا له بأن يصلى عليه.{وكان بالمؤمنين رحيمًا} دليل على أن المراد بالصلاة الرحمة. انتهى.وما ذكره من قوله، كأنهم فاعلون فيه الجمع بين الحقيقة والمجاز، وما ذكرناه من أن الصلاتين اشتركتا في قدر مشترك أولى.{تحيتهم يوم يلقونه} أي يوم القيامة.{سلام} أي تحية الله لهم.يقول للمؤمنين: السلام عليكم، مرحبًا بعبادي الذين أرضوني باتباع أمري، قاله الرقاشي.وقيل: يحييهم الملائكة بالسلامة من كل مكروه.وقال البراء بن عازب: معناه أن ملك الموت لا يقبض روح المؤمن حتى يسلم عليه.وقال ابن مسعود: إذا جاء ملك الموت لقبض روح المؤمن قال: ربك يقرؤك السلام، قيل: فعلى هذا الهاء في قوله: {يلقونه} كناية عن غير مذكور، وقيل: سلام الملائكة عند خروجهم من القبور.وقال قتادة: يوم دخولهم الجنة يحيي بعضهم بعضًا بالسلام، أي سلمنا وسلمت من كل مخوف.وقيل: تحييهم الملائكة يومئذ.وقيل: هو سلام ملك الموت والملائكة معه عليهم، وبشارتهم بالجنة.والتحية مصدر في هذه الأقوال أضيف إلى المفعول، إلا في قول من قال إنه مصدر مضاف للمحيي والمحيا، لا على جهة العمل، لأن الضمير الواحد لا يكون فاعلًا مفعولًا، ولكنه كقوله: {وكنا لحكمهم شاهدين} أي للحكم الذي جرى بينهم، وليبعث إليهم، فكذلك هذه التحية الجارية بينهم هي سلام.وفرق المبرد بين التحية والسلام فقال: التحية يكون ذلك دعاء، والسلام مخصوص، ومنه: {ويلقون فيها تحية وسلامًا} والأجر الكريم: الجنة، {شاهدًا} على من بعثت إليهم، وعلى تكذيبهم وتصديقهم، أي مفعولًا قولك عند الله، وشاهدًا بالتبليغ إليهم، وبتبليغ الأنبياء قولك.وانتصب {شاهدًا} على أنه حال مقدّرة، إذا كان قولك عند الله وقت الإرسال لم يكن شاهدًا عليهم، وإنما يكون شاهدًا عند تحمل الشهادة وعند أدائها، أو لأنه أقرب زمان البعثة، وإيمان من آمن وتكذيب من كذب كان ذلك وقع في زمان واحد.{وداعيًا إلى الله} قال ابن عباس: شهادة أن لا إله إلا الله.وقال ابن عيسى: إلى الطاعة.{بإذنه} أي بتسهيله وتيسيره، ولا يراد به حقيقة الإذن، لأنه قد فهم في قوله: إنا أرسلناك داعيًا أنه مأذون له في الدعاء.ولما كان دعاء المشرك إلى التوحيد صعبًا جدًا، قيل: بإذنه، أي بتسهيله تعالى.و{سراجًا منيرًا} جلي من ظلمات الشرك، واهتدى به الضالون، كما يجلى ظلام الليل بالسراج المنير.ويهتدى به إذا مد الله بنور نبوته نور البصائر، كما يمد بنور السراج نور الأبصار.ووصفه بالإنارة، لأن من السراج ما لا يضيء إذا قل سليطه ودقت فتيلته.وقال الزجاج: هو معطوف على {شاهدًا} أي وذا سراج منير، أي كتاب نير.قال الفراء: إن شئت كان نصبًا على معنى: وتاليًا سراجًا منيرًا.وقال الزمخشري؛ ويجوز على هذا التفسير أن يعطف على كاف {أرسلناك}. انتهى.ولا يتضح هذا الذي قاله، إذ يصير المعنى: أرسلنا ذا سراج منير، وهو القرآن.ولا يوصف بالإرسال القرآن، إنما يوصف بالإنزال.وكذلك أيضًا إذا كان التقدير: وتاليًا، يصير المعنى: أرسلنا تاليًا سراجًا منيرًا، ففيه عطف الصفة التي للذات على الذات، كقولك: رأيت زيدًا والعالم.إذا كان العالم صفة لزيد، والعطف مشعر بالتغاير، لا يحسن مثل هذا التخريج في كلام الله، وثم حمل على ما تقتضيه الفصاحة والبلاغة.ولما ذكر تعالى أنه أرسل نبيه {شاهدًا} إلى آخره، تضمن ذلك الأمر بتلك الأحوال، فكأنه قال؛ فاشهد وبشر وأنذر وادع وانه، ثم قال؛ {وبشر المؤمنين}؛ فهذا متصل بما قبله من جهة المعنى، وإن كان يظهر أنه منقطع من الذي قبله.والفضل الكبير الثواب من قولهم: للعطايا فضول وفواضل، أو المزيد على الثواب.وإذا ذكر المتفضل به وكبره، فما ظنك بالثواب؟ أو ما فضلوا به على سائر الأمم، وذلك من جهته تعالى، أو الجنة وما أوتوا فيها، ويفسره: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير} {ولا تطع الكافرين والمنافقين} نهي له عليه السلام عن السماع منهم في أشياء كانوا يطلبونها مما لا يجب، وفي أشياء ينتصحون بها وهي غش.{ودع أذاهم} الظاهر إضافته إلى المفعول.لما نهى عن طاعتهم، أمر بتركه إذايتهم وعقوبتهم، ونسخ منه ما يخص الكافرين بآية السيف.{وتوكل على الله} فإنه ينصرك ويخذلهم.ويجوز أن يكون مصدرًا مضافًا للفاعل، أي ودع إذايتهم إياك، أي مجازاة الإذاية من عقاب وغيره حتى تؤمر، وهذا تأويل مجاهد. اهـ. .قال الشوكاني في الآيات السابقة: قوله: {إِنَّ المسلمين} بدأ سبحانه بذكر الإسلام الذي هو مجرّد الدخول في الدين والانقياد له مع العمل، كما ثبت في الحديث الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عن الإسلام قال: «هو أن تشهد أن لا إله إلا الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت، وتصوم رمضان» ثم عطف على المسلمين {المسلمات} تشريفًا لهنّ بالذكر، وهكذا فيما بعد وإن كنّ داخلات في لفظ المسلمين والمؤمنين ونحو ذلك.والتذكير إنما هو لتغليب الذكور على الإناث كما في جميع ما ورد في الكتاب العزيز من ذلك.ثم ذكر {المؤمنين والمؤمنات} وهم من يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشرّه كما ثبت ذلك في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.والقانت: العابد المطيع، وكذا القانتة.وقيل: المداومين على العبادة والطاعة.والصادق والصادقة هما من يتكلم بالصدق، ويتجنب الكذب ويفي بما عوهد عليه.والصابر والصابرة هما من يصبر عن الشهوات وعلى مشاق التكليف، والخاشع والخاشعة هما المتواضعان لله الخائفان منه الخاضعان في عباداتهم لله.والمتصدّق والمتصدّقة هما من تصدّق من ماله بما أوجبه الله عليه.وقيل: ذلك أعمّ من صدقة الفرض والنفل، وكذلك الصائم والصائمة، قيل: ذلك مختصّ بالفرض، وقيل: هو أعمّ.والحافظ والحافظة لفرجيهما عن الحرام بالتعفف والتنزّه، والاقتصار على الحلال.والذاكر والذاكرة هما من يذكر الله على أحواله، وفي ذكر الكثرة دليل على مشروعية الاستكثار من ذكر الله سبحانه بالقلب واللسان، واكتفى في الحافظات بما تقدّم في الحافظين من ذكر الفروج، والتقدير: والحافظين فروجهم والحافظات فروجهن، وكذا في الذاكرات، والتقدير: والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات الله كثيرًا، والخبر لجميع ما تقدّم هو قوله: {أَعَدَّ الله لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} أي مغفرة لذنوبهم التي أذنبوها، وأجرًا عظيمًا على طاعاتهم التي فعلوها من الإسلام والإيمان، والقنوت، والصدق والصبر والخشوع، والتصدق والصوم والعفاف والذكر.ووصف الأجر بالعظم للدلالة على أنه بالغ غاية المبالغ، ولا شيء أعظم من أجر هو الجنة ونعيمها الدائم الذي لا ينقطع ولا ينفد، اللهم اغفر ذنوبنا وأعظم أجورنا.{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيرة مِنْ أَمْرِهِمْ} أي ما صحّ ولا استقام لرجل ولا امرأة من المؤمنين، ولفظ ما كان وما ينبغي ونحوهما معناها: المنع والحظر من الشيء والإخبار بأنه لا يحل أن يكون شرعًا، وقد يكون لما يمتنع عقلًا كقوله: {مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا} [النمل: 60] ومعنى الآية: أنه لا يحلّ لمن يؤمن بالله إذا قضى الله أمرًا أن يختار من أمر نفسه ما شاء، بل يجب عليه أن يذعن للقضاء، ويوقف نفسه تحت ما قضاه الله عليه واختاره له، وجمع الضميرين في قوله: {لهم} و{من أمرهم} لأن مؤمن ومؤمنة وقعا في سياق النفي فهما يعمان كل مؤمن ومؤمنة.قرأ الكوفيون: {أن يكون} بالتحتية، واختار هذه القراءة أبو عبيد لأنه قد فرّق بين الفعل وفاعله المؤنث بقوله: {لهم} مع كون التأنيث غير حقيقي، وقرأ الباقون بالفوقية لكونه مسندًا إلى الخيرة وهي مؤنثة لفظًا.والخيرة مصدر بمعنى الاختيار.وقرأ ابن السميفع {الخيرة} بسكون التحتية، والباقون بتحريكها.
|