الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وأيضًا يُصلِّي عليكم الملائكة {وَمَلاَئِكَتُهُ} [الأحزاب: 43] وقد أخبرنا سبحانه عنهم أنهم {عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 27].وقال: {لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].والملائكة أقسام: منهم المكلفون بخدمتنا ومنافعنا في الأرض، ومنهم مَنْ يحفظنا من الأحداث التي قد تفاجئنا بإقدار الله لهم عليها، ومنهم الحفظة والكرام الكاتبون، وهؤلاء الملائكة المتعلقون بنا هم الذين أُمروا بالسجود لآدم عليه السلام في قوله تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 29].وهذا دليل على أنهم سيكونون في خدمته.وكأن الله تعالى قال لإبليس: طلبتُ منك أنْ تسجد لآدم، وطلبت من الملائكة وأنت معهم، فإنْ كنتَ من الملائكة فينبغي أن تستجيب، وإنْ لم تكُنْ من الملائكة وحشرتك بطاعتك في زمرتهم كان يجب عليك أنْ تطيع لأن الأعلى منك سجد.وقد أوضحنا هذه المسألة بمثَل، ولله تعالى المثل الأعلى قُلْنا: إذا أعلن في أحد الدواوين الحكومية أن الرئيس سيزور هذ الديوان يوم كذا، وعلى الوزراء أنْ يصطفُّوا لتحيته، ألم يشمل هذا الأمر وكلاء الوزارة من باب أَوْلى؟فإذا قال الله للملائكة: اسجدوا لآدم وكان معهم إبليس وهو أقلّ منهم، فكان عليه أنْ يسجد. ثم إنْ كنتَ يا إبليسُ أخذتَ منزلة أعلى من الملائكة بالطاعة، فلابد أنْ تكون طاعتك لله على هذه المنزلة، فأنت مَلُوم على أيِّ حال، إلا أنه كان من الجن، والجن مختار، ففسق عن أمر ربه.وهناك نوع آخر من الملائكة لا دخلَ لهم بالإنسان ولا بدنياه، وهم الملائكة العالون أو المهيَّمون، وهم الذين قال الله فيهم لما أبى إبليس أنْ يسجد قال له ربه: {أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ العالين} [ص: 75].وهؤلاء العالون لم يشملهم الأمر بالسجود؛ لأنهم لا يدرون شيئًا عن آدم، وليس لهم علاقة به، وأخصُّهم حَمَلة العرش وهم أكرم الملائكة، وهؤلاء هم الذين يُصلُّون عليكم بعد أنْ صلَّى الله عليكم؛ لذلك يُبيِّن لنا الحق سبحانه هؤلاء الملائكة ودورهم في الصلاة علينا والاستغفار لنا، فيقول سبحانه: {الذين يَحْمِلُونَ العرش وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ} [غافر: 7].فهؤلاء هم أخصُّ الملائكة وأكرمهم يُسبِّحون بحمد ربهم ويؤمنون به، لكن ما فائدة يؤمنون به بعد أن سبَّحوه؟ قالوا: لأن التسبيح قد يكون عن خوف ورهبة، أما تسبيح هؤلاء فتسبيح عن حبٍّ وعن إيمان، وأنه سبحانه وتعالى يستحق أنْ يُسبَّح، ومن مهام هؤلاء أيضًا أنهم يستغفرون للذين آمنوا، وإنْ لم تكن لهم علاقة بالناس وليسوا في خدمتهم، إلا أنهم يُصَلُّون عليهم ويستغفرون لهم.إذن: نقول الصلاة من مالك الدعوة القادر على الإجابة رحمة وعطف وحنان، والصلاة ممَّنْ دونه دعاء للقادر المالك للخير، فهم يدعون الله للمؤمنين ويستغفرون الله لهم، بل ويبالغون في الدعاء ويتعطَّفون فيه: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فاغفر لِلَّذِينَ تَابُواْ واتبعوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجحيم} [غافر: 7].بل لم يقفوا عند حَدِّ طلب النجاة للمؤمنين من النار، إنما يطلبون لهم الجنة {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم} [غافر: 8].ثم يزيدون على ذلك: {وَقِهِمُ السيئات وَمَن تَقِ السيئات يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم} [غافر: 9].ووالله، لو أراد المؤمن أنْ يدعو لنفسه ما وجد أعمَّ ولا أشمل من دعاء الملائكة له، فبعد أنْ طلبوا له المغفرة والنجاة من النار لم يتركوه هكذا في أهل الأعراف، لا هُمْ في الجنة، ولا هُمْ في النار، إنما سألوا الله لهم الجنة عملًا بقوله تعالى: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185].وهذه المسألة من المسائل التي وقف أمامها المستشرقون، فقالوا: إنها تتناقض مع الحديث النبوي: «ما من يوم تطلع شمسه إلا وينادي ملكان يقول أحدهما: اللهم أَعْط مُنفقًا خَلَفًا، ويقول الآخر: اللهم أعْط مُمسكًا تَلَفًا»، فكيف تقولون: إن الملائكة يدعون للناس بالخير وهم يدعون عليهم بالشر؟وهم معذورون في اعتراضهم؛ لأن ملكاتهم لا تستطيع فَهْم المعاني في الحديث الشريف، والتناقض في نظرهم في قوله صلى الله عليه وسلم: «ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا»، فالأولى واضحة لا تناقض فيها؛ لأنها دعوة بالخير، أما الثانية فهي دعوة بالشر. «اللهم أعْط ممسكًا تلفًا».ولو تأملوا نصَّ هذه العبارة لوجدوا فيها الجواب، فالتلف يُعطي أم يؤخذ؟ المفروض أنه يُؤخذ، فحين يقول رسول الله: «اللهم أعط ممسكًا تلفًا» فاعلم أنه عطاء لا أَخْذٌ وإن كان في ظاهره تلفًا، والمعنى أن شيئًا شغلك، وفتنك فتصيبك فيه مصيبة تخلصك منه فتعود إلى ربك، إذن: هو أَخْذ في الظاهر عطاء في الحقيقة.ثم يبيّن لنا الحق سبحانه العلَّة في صلاة الله وصلاة الملائكة على المؤمنين، فيقول: {لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ الظلمات إِلَى النور} [الأحزاب: 43] فكأن منهج الله بافعل ولا تفعل هو أول صلاة الله علينا؛ لأنه الوسيلة التي تُخرجنا من الظلمات إلى النور، وجاء هنا بالشيء الحسِّيِّ لنقيس عليه المعنوي، فأنت في النور ترى طريقك وتهتدي إلى غايتك بلا معاطب، أمَّا في الظلام فتتخبط خُطَاك وتضلّ الطريق في الظلام، تسير على غير هُدى، وعلى غير بصيرة، فتحطم الأضعف منك، ويُحطِّمك الأقوى منك.والنبي صلى الله عليه وسلم يُوجِّهنا حين ننام بالليل أنْ نطفيء المصابيح فيقول: «واطفئوا المصابيح إذا رقدتم» وقد أثبت العلم أن للأنوار المضاءة أثناء النوم تأثيرًا ضارًا على صحة الإنسان، وأنه لا يرتاح في الضوء الراحة التامة لما يصيبه أثناء النوم من إشعاع الضوء، كما حذرونا أيضًا من التعرُّض لأضواء التليفزيون مثلًا.إذن: للنور مهمة، وللظلمة مهمة- هذا في الحسِّيات.كذلك منهج الله بافعل ولا تفعل هو النور المعنوي الذي يقيك العطب، ويمنحك الإشراقات التي تهتدي بها في دروب الحياة، لذلك قال تعالى بعدها: {وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيمًا} [الأحزاب: 43].لكن إنْ كان سبحانه رحيمًا بالمؤمنين، فما بال الكافرين؟ قالوا: هو سبحانه بالكافرين رحمن، فالله تعالى رحمن الدنيا ورحيم الآخرة؛ لأن رحمن الدنيا يعني أن خيره يعُمُّ الجميع المؤمن والكافر، والطائع والعاصي، أما في الآخرة فتتجلَّى صفة الرحيم؛ لأن رحمته في الآخرة تخصُّ المؤمنين دون غيرهم.والحق سبحانه حين يقول: {الله نُورُ السموات والأرض} [النور: 35] لا يعني هذا وَصْفًا لذاته سبحانه، إنما يعني أنه سبحانه نور السماوات والأرض أي: مُنوِّرهما كما نقول: المصباح نور المسجد.وسبق أنْ أوضحنا هذه المسألة بقول أبي تمام في مدح المعتصم:
وعمرو مضرب المثل عند العرب في الشجاعة، وحاتم في الكرم، وأحنف بن قيس في الحِلْم، وإياس بن معاوية في الذكاء، فقام إليه أحد الحاضرين وقال له- وكان حاقدًا عليه-: أمير المؤمنين فوق ما تقول، أتُشبِّهه بأجلاف العرب؟ وأنشأ يقول: عندها أطرق أبو تمام هُنيهة، ثم قال: إذن: فالنور المعنوي يُجنّبك العطب المعنوي، كما أن النور الحسيَّ يُجنَّبك العطب الحسِّيَّ؛ لذلك قال سبحانه عن نوره {نُّورٌ على نُورٍ} [النور: 35] يعني: نور حِسّيّ يقيكم المعاطب الحسية، ونور معنوي يقيكم المعاطب المعنوية {يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ} [النور: 35] والمراد به هنا النور المعنوي الذي يهتدي به المؤمن ويسير عليه، أما الكافر فهو لا يعرف إلا النور الحسيَّ فقط.فإنْ سألت: فأين نجد هذا النور يا رب؟ يُجيبك ربك: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسمه يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بالغدو والآصال رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله} [النور: 36-37].فإنْ أردتَ النور الحق فهو في خَلْوتك مع ربك وفي بيته، حيث تتجلَّى عليك إشراقاته ويغمرك نوره.وقبل أن نترك مسألة صلاة الله وصلاة الملائكة على المؤمنين نذكر صلاتنا نحن على النبي صلى الله عليه وسلم، عملًا بقوله تعالى: {إِنَّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي يا أيها الذين آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].فالصلاة من الله تعالى تعني الحنان والرحمة والعطف، والصلاة من الملائكة تعني الدعاء والطلب من الذي يملك، أما الصلاة منا نحن على سيدنا رسول الله، فلبعض يظن أنها دعاء منا لرسول الله، وهي ليست كذلك؛ لأنك تقول في الصلاة على رسول الله: اللهم صَلِّ على محمد، فأنت لا تصلي عليه صلى الله عليه وسلم، إنما تطلب من الله تعالى أنْ يصلي عليه، لكن كيف تطلب من الله أن يصلي على رسوله؟ قالوا: لأن كل خير ينال الرسول منثور على أمته.والحق سبحانه وتعالى لم يدع محمدًا يصلي عليه كل مَنْ آمن به، ثم لا يرد رسول الله عليه هذه التحية بصلاة مثلها، فقال سبحانه: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صلاوتك سَكَنٌ لَّهُمْ} [التوبة: 103] وكأنها رَدٌّ للتحية ولصلاة المؤمنين على رسول الله صلى الله عليه وسلم.ثم يقول الحق سبحانه: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ}.الكلام هنا عن الآخرة، وهذه التحية، وهذا السلام ليس منا، ولكن من الله، كما قال في موضع آخر {سَلاَمٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ} [يس: 58].فالرحمة التي ننالها، والعطف والحنان من الله لنا في الدنيا يعني: سدادًا في حركة الحياة، واستقامة في السلوك، وراحةَ للبال، واطمئنانًا للنفس، لكن مع هذا لا تخلو الدنيا من مُنغِّصات وأحداث تُصيبك، أما رحمة الله في الآخرة فهي سلام تام لا يُنغِّصه شيء، والإنسان أيضًا يتمتع بنعم الله في الدنيا، لكن يُنغِّصها عليه خشية فواتها.أما في الآخرة فيتمتع متعة خالصة، لا ينغصها شيء، فالنعمة دائمة باقية لا يفوتها ولا تفوته، لقد كان في الدنيا في عالم الأسباب وهو الآن في الآخرة مع المسبِّب سبحانه الذي يقول: {لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار} [غافر: 16].لكن، ما المراد بقوله تعالى: {يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ} [الأحزاب: 44] أيوم القيامة للثواب، أَمْ يوم يلقوْنَهُ بالموت وبانتهاء الحياة، كما نقول مثلًا في الموت: فلان لقي ربه؟ قالوا: المؤمن لا يأتيه مَلَك الموت إلا إذا سلَّم عليه أولًا قبل أن يقبض روحه، فإذا سلم عليه فهذا يعني أنه من أهل السلام، وهذه أول مراتبه. وقد يكون المراد السلام التام الذي يَلْقاه المؤمن يوم القيامة حيث يجد سلامًا لا مُنغِّصات بعده.لذلك نجد أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعاني سكرات الموت تقول له السيدة فاطمة لما رأتْ ما يعانيه: واكرباه يا أبتاه، فيقول لها «لا كرب على أبيك بعد اليوم» فأيُّ كرب على رسول الله بعد أن ينتقل إلى جوار ربه، إلى السلام النهائي الذي لا خوفَ بعده.ثم يقول سبحانه: {وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا} [الأحزاب: 44] فوصف الأجر نفسه بأنه كريم، والذي يُوصَف بالكرم الذي أعدَّ الأجر، فوصف الأجر بأنه كريم يعني أن الكرم تعدَّى من الرب سبحانه الذي أعده إلى الأجر نفسه، حتى صار هو أيضًا كريمًا.ومثال ذلك قوله تعالى: {وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} [الأحزاب: 31] فتعدَّى الكرم من الرازق إلى الرزق؛ لأن الرزق في الدنيا له أسباب بأيدي الخَلْق، لكن الرزق في الآخرة يأتيك بلا أسباب، وليس لأحد فيه شيء، ولماذ لا يُوصَف بالكرم وهو يأتيك دون سَعْي منك، وبمجرد الخاطر تستدعيه فتراه بين يديك. اهـ. .قال ابن عطية في الآيات السابقة: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ}.هذه مخاطبة من الله تعالى لجميع الأمة، أعلمهم أنه لا حرج على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نيل ما فرض الله له وأباحه من تزويج زينب بعد زيد، ثم اعلم أن هذا ونحوه هو السنن الأقدم في الأنبياء من أن ينالوا ما أحل الله لهم، وحكى الثعلبي عن مقاتل وابن الكلبي أن الإشارة إلى داود عليه السلام حيث جمع الله بينه وبين من فتن بها، و{سنة} نصب على المصدر أو على إضمار فعل تقديره الزم أو نحوه. أو على الإغراء كأنه قال فعليه سنة الله، و{الذين خلوا} هم الأنبياء بدليل وصفهم بعد بقوله: {الذين يبلغون رسالات الله} و{أمر الله} في الآية أي مأمورات الله والكائنات عن أمره فهي مقدورة، وقوله: {قدرًا} فيه حذف مضاف، أي ذا قدر، وقرأ ابن مسعود {الذين بلغوا رسالات الله} وقوله: {ولا يخشون أحدًا إلا الله} تعريض بالعتاب الأول في خشية النبي عليه السلام الناس، ثم رد الأمَر كله إلى الله وأنه المحاسب على جميع الأعمال والمعتقدات {وكفى} به لا إله إلا هو، ويحتمل أن يكون {حسيبًا} بمعنى محسب أي كافيًا، وقوله تعالى: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم} إلى قوله تعالى: {كريمًا} أذهب الله تعالى في هذه الآية ما وقع في نفوس منافقين وغيرهم من نقد تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب زوجة دعيه زيد بن حارثة لأنهم كانوا استعظموا أن تزوج زوجة ابنه، فنفى القرآن تلك النبوة وأعلم أن محمدًا لم يكن في حقيقة أمره أبا أحد من رجال المعاصرين له، ولم يقصد بهذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له ولد فيحتاج إلى الاحتجاج بأمر بنيه بأنهم كانوا ماتوا، ولا في أمر الحسن والحسين بأنهما كانا طفلين ومن احتج بذلك فإنه تأول نفي البنوة عنه بهذه الآية على غير ما قصد بها وقرأ ابن أبي عبلة وبعض الناس {ولكن رسولُ الله} بالرفع على معنى هو رسول الله، وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم والأعرج وعيسى {رسولَ الله} بالنصب على العطف على {أبا} وهؤلاء قرءوا {ولكن} بالتخفيف، وقرأت فرقة {ولكنّ} بشد النون ونصب {رسولَ} على أنه اسم {لكنّ} والخبر محذوف، وقرأ عاصم وحده والحسن والشعبي والأعرج بخلاف {وخاتَم} بفتح التاء بمعنى أنهم به ختموا فهو كالخاتم والطابع لهم، وقرأ الباقون والجمهور {خاتِم} بكسر التاء بمعنى أنه ختمهم أي جاء آخرهم، وروت عائشة أنه عليه السلام قال: «أنا خاتَم الأنبياء» بفتح التاء، وروي عنه عليه السلام أنه قال: «أنا خاتم ألف نبي»، وهذه الألفاظ عند جماعة علماء الأمة خلفًا وسلفًا متلقاة على العموم التام مقتضية نصًا أنه لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم، وما ذكره القاضي ابن الطيب في كتابه المسمى بالهداية من تجويز الاحتمال في ألفاظ هذه الآية ضعيف، وما ذكره الغزالي في هذه الآية وهذا المعنى في كتابه الذي سماه بالاقتصاد إلحاد عندي وتطرق خبيث إلى تشويش عقيدة المسلمين في ختم محمد صلى الله عليه وسلم النبوءة، فالحذر الحذر منه والله الهادي برحمته، وقرأ ابن مسعود {من رجالكم ولكن نبينا ختم النبيين} قال الرماني ختم به عليه السلام الاستصلاح فمن لم يصلح به فميئوس من صلاحه، وقوله تعالى: {وكان الله بكل شيء عليمًا} والمقصد به هنا علمه تعالى بما رآه الأصلح بمحمد وبما قدره في الأمر كله، ثم أمر تعالى عباده بأن يذكروه {ذكرًا كثيرًا} وجعل تعالى ذلك دون حد ولا تقدير لسهولته على العبد ولعظم الأجر فيه، قال ابن عباس لم يعذر أحد في ترك ذكر الله إلا من غلب على عقله، وقال الكثير أن لا تنساه أبدًا، وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون»، وقوله تعالى: {وسبحوه بكرة وأصيلًا} أراد في كل الأوقات مجدد الزمان بطرفي نهاره وليله، وقال قتادة والطبري وغيره الإشارة إلى صلاة الغداة وصلاة العصر.قال الفقيه الإمام القاضي: وهذه الآية مدنية فلا تعلق بها لمن زعم أن الصلاة إنما فرضت أولًا صلاتين في طرفي النهار، والرواية بذلك ضعيفة، والأصيل من العصر إلى الليل، ثم عدد تعالى على عباده نعمته في الصلاة عليهم وصلاة الله تعالى على العبد هي رحمته له وبركته لديه ونشره عليه الثناء الجميل، وصلاة الملائكة هي دعاؤهم للمؤمنين، وروت فرقة أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: يا رسول الله كيف صلاة الله على عباده؟ قال: «سبوح قدوس رحمتي سبقت غضبي».قال الفقيه الإمام القاضي: واختلف في تأويل هذا القول، فقيل إن هذا كله من كلام الله وهي صلاته على عباده، وقيل سبوح قدوس هو من كلام محمد تقدمت بين يدي نقطة باللفظ الذي هو صلاة الله وهو رحمتي سبقت غضبي، وقدم عليه السلام هذا من حيث فهم من السائل أنه توهم في صلاة الله تعالى على عباده وجهًا لا يليق بالله عز وجل، فقدم التنزيه لله والتعظيم بين يدي أخباره، وقوله: {ليخرجكم} أي صلاته وصلاة ملائكته لكي يهديكم وينقذكم من الكفر إلى الإيمان، ثم أخبر تعالى برحمته بالمؤمنين تأنيسًا لهم، وقوله: {يوم يلقونه} قيل يوم القيامة المؤمن تحييه الملائكة ب السلام ومعناه السلامة من كل مكروه، وقال قتادة يوم دخولهم الجنة يحيي بعضهم بعضًا بالسلام، أي سلمنا وسلمت من كل مخوف، وقيل تحييهم الملائكة يومئذ، والأجر الكريم، جنة الخلد في جواره تبارك وتعالى. اهـ.
|