الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا} تذكير لما ذكره قبل.{قَالَ لا تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ} بالذي نسيته أو بشيء نسيته، يعني وصيته بأن لا يعترض عليه أو بنسياني إياها، وهو اعتذار بالنسيان أخرجه في معرض النهي عن المؤاخذة مع قيام المانع لها. وقيل أراد بالنسيان الترك أي لا تؤاخذني بما تركت من وصيتك أول مرة. وقيل إنه من معاريض الكلام والمراد شيء آخر نسيه. {وَلاَ تُرْهِقْنِى مِنْ أَمْرِى عُسْرًا} ولا تغشني عسرًا من أمري بالمضايقة والمؤاخذة على المنسي، فإن ذلك يعسر على متابعتك و{عُسْرًا} مفعول ثان لترهق فإنه يقال: رهقه إذا غشيه وأرهقه إياه، وقرئ: {عُسُرًا} بضمتين.{فانطلقا} أي بعد ما خرجا من السفينة. {حتى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ} قيل فتل عنقه، وقيل ضرب برأسه الحائط، وقيل أضجعه فذبحه والفاء للدلالة على أنه كما لقيه قتله من غير ترو واستكشاف حال ولذلك: {قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} أي طاهرة من الذنوب، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ورويس عن يعقوب {زاكية} والأول أبلغ، وقال أبو عمرو الزاكية التي لم تذنب قط والزكية التي أذنبت ثم غفرت، ولعله اختار الأول لذلك فإنها كانت صغيرة ولم تبلغ الحلم أو أنه لم يرها قد أذنبت ذنبًا يقتضي قتلها، أو قتلت نفسًا فتقاد بها، نبه به على أن القتل إنما يباح حدًا أو قصاصًا وكلا الأمرين منتف، ولعل تغيير النظم بأن جعل خرقها جزاء، واعتراض موسى عليه الصلاة والسلام مستأنفًا في الأولى وفي الثانية قتله من جملة الشرط واعتراضه جزاء، لأن القتل أقبح والاعتراض عليه أدخل فكان جديرًا بأن يجعل عمدة الكلام ولذلك فصله بقوله: {لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا} أي منكرًا، وقرأ نافع في رواية قالون وورش وابن عامر ويعقوب وأبو بكر {نُّكْرًا} بضمتين.{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا} زاد فيه {لَكَ} مكافحة بالعتاب على رفض الوصية، ووسمًا بقلة الثبات والصبر لما تكرر منه الاشمئزاز والاستنكار ولم يرعو بالتذكير أول مرة حتى زاد في الاستنكار ثاني مرة.{قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شيء بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِى} وإن سألت صحبتك، وعن يعقوب {فلا تصحبني} أي فلا تجعلني صاحبك. {قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنّى عُذْرًا} قد وجدت عذرًا من قبلي لما خالفتك ثلاث مرات.وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله أخي موسى استحيا فقال ذلك لو لبث مع صاحبه لأبصر أعجب الأعاجيب» وقرأ نافع {مِن لَّدُنّي} بتحريك النون والاكتفاء بها عن نون الدعامة كقوله:
وأبو بكر {لَّدُنّى} بتحريك النون وإسكان الضاد من عضد.{فانطلقا حتى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ} أنطاكية وقيل أبلة البصرة.وقيل باجروان أرمينية. {استطعما أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيّفُوهُمَا} وقرئ: {يُضَيّفُوهُمَا} من أضافه يقال ضافه إذا نزل به ضيفًا وأضافه وضيفه أنزله، وأصل التركيب للميل يقال ضاف السهم عن الغرض إذا مال. {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ} يداني أن يسقط فاستعيرت الإِرادة للمشارفة كما استعير لها الهم والعزم قال: وقال: وانقض انفعل من قضضته إذا كسرته، ومنه انقضاض الطير والكواكب لهويه، أو أفعل من النقض. وقرئ: {أَن يَنقَض} و{أن ينقاص} بالصاد المهملة من انقاصت السن إذا انشقت طولًا. {فَأَقَامَهُ} بعمارته أو بعمود عمده به، وقيل مسحه بيده فقام. وقيل نقضه وبناه. {قَالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} تحريضًا على أخذ الجعل لينتعشا به، أو تعريضًا بأنه فضول لما في {لَوْ} من النفي كأنه لما رأى الحرمان ومساس الحاجة واشتغاله بما لا يعنيه لم يتمالك نفسه، واتخذ افتعل من تخذ كاتبع من تبع وليس من الأخذ عند البصريين، وقرأ ابن كثير والبصريان {لتخذت} أي لأخذت وأظهر ابن كثير ويعقوب وحفص الدال وأدغمه الباقون.{قَالَ هذا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ} الإِشارة إلى الفراق الموعود بقوله: {فَلاَ تُصَاحِبْنِى} أو إلى الاعتراض الثالث، أو الوقت أي هذا الاعتراض سبب فراقنا أو هذا الوقت وقته، وإضافة الفراق إلى البين إضافة المصدر إلى الظرف على الاتساع، وقد قرئ على الأصل. {سَأُنَبّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا} بالخبر الباطن فيما لم تستطع الصبر عليه لكونه منكرًا من حيث الظاهر. اهـ. .قال ابن جزي: {مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ}.الضمير للشياطين على وجه التحقير لهم أو للكفار أو لجميع الخلق، فيكون فيه ردّ على المنجمين وأهل الطبائع وسائر الطوائف المتخرصة {وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المضلين عَضُدًا} أي معينًا ومعنى المضلين: الذين يضلون العباد وذلك يقوّي أن المراد الشياطين {وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ} يقول هذا للكفار على وجه التوبيخ لهم، وأضاف تعالى الشركاء إلى نفسه على زعمهم، وقد بين هذا بقوله: الذين زعمتم {مَّوْبِقًا} أي مهلكًا، وهو اسم موضع أو مصدر من: وبق الرجل إذا هلك، وقد قيل: إنه واد من أودية جهنم، والضمير في بينهم للمشركين وشركائهم {فظنوا أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا} الظن هنا بمعنى اليقين {مَصْرِفًا} أي معدلًا ينصرفون إليه {جَدَلًا} أي مخاصمة ومدافعة بالقول ويقتضي سياق الكلام ذم الجدل، وسببها فيما قيل مجالة النضر بن الحارث، على أن الإنسان هنا يراد به الجنس.{وَمَا مَنَعَ الناس أَن يؤمنوا} الآية: معناها أن المانع للناس من الإيمان والاستغفار هو القضاء عليهم بأن يأتيهم سنة الأمم المتقدمة، وهي الإهلاك في الدنيا، أو يأتيهم العذاب يعني عذاب الآخرة، ومعنى {قبلا} معاينة وقرئ بضمتين وهو جمع قبيل: أي أنواعًا من العذاب.{لِيُدْحِضُواْ} أي ليبطلوا {وَمَا أُنْذِرُواْ هُزُوًا} يعني العذاب وما موصلة، والضمير محذوف تقديره: أنذروه أو مصدرية {إِنَّا جَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} هذه عقوبة على الإعراض المحكي عنهم، أو تعليل لهم والأكنة جمع كنان وهو الغطاء، والوقر الصمم وهما على وجه الاستعارة، في قلة فهمهم للقرآن وعدم استجابتهم للإيمان {فَلَنْ يهتدوا إِذًا أَبَدًا} يريد به من قضى الله أنه لا يؤمن {لَوْ يُؤَاخِذُهُم} الضمير لكفار قريش أو لسائر الناس لقوله: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس} [النحل: 61] والجملة خبر المبتدأ والغفور ذو الرحمة صفتان اعترضتا بين المبتدأ والخبر توطئة لما ذكر بعد من ترك المؤاخذة، ويحتمل أن يكون الغفور هو الخبر، ويؤاخذهم بيان لمغفرته ورحمته، والأول أظهر {بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ} قيل: هو الموت وقيل: عذاب الآخرة وقيل: يوم بدر {مَوْئِلًا} أي ملجأ يقال: وئل الرجل إذا لجأ.{وَتِلْكَ القرى} يعني: عادا وثمود وغيرهم من المتقدمين، والمراد هنا: أهل القرى ولذلك قال: أهلكناهم وفي ضمن هذا الإخبار تهديد لكفار قريش {وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا} أي وقتًا معلومًا، والمهلك هنا بضم الميم وفتح اللام اسم مصدر من أهلك، فالمصدر على هذا مضاف للفاعل.{وَإِذْ قَالَ موسى لِفَتَاهُ} هذا ابتداء قصة موسى مع الخضر، وهو موسى بن عمران نبي الله، وفتاه هو يوشع بن نون وهو ابن أخت موسى وهو من ذرية يوسف عليه السلام، والفتى هنا بمعنى الخديم وسبب القصة فيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «أن موسى عليه السلام خطب يومًا في بني إسرائيل فقيل له: هل تعلم أحدًا أعلم منك؟ فقال لا: فأوحى الله إليه أن بل عبدنا الخضر أعلم منك فقال: يا رب دلني على السبيل إلى لقائه فأوحى الله إليه أن يحمل حوتًا في مكتل ويسير بطول سيف البحر حتى يبلغ مجمع البحرين، فإذا فقد الحوت فإن الخضر هناك، ففعل موسى ذلك حتى لقيه» {لا أَبْرَحُ حتى أَبْلُغَ مَجْمَعَ البحرين} قال موسى هذا الكلام وهو سائر أي: لا أبرح أسير حتى أبلغ مجمع البحرين، فحذف خبر لا أبرح اختصارًا لدلالة المعنى عليه، ومعنى لا أبرح هنا لا أزال، لأن حقيقة لا أبرح تقتضي الإقامة في الموضع، وكان موسى حين قالها على سفر لا يريد إقامة، ومجمع البحرين: عند طنجة حيث يجتمع البحر المحيط والبحر الخارج منه، وهو بحر الأندلس وقيل: هو مجمع بحر فارس وبحر الروم في المشرق {أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} أي زمانًا طويلًا، والحقب بضم القاف وإسكانها ثمانون سنة، وقيل زمان غير محدود وقيل: هي جمع حقبة وهي السنة {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا} الضمير في بلغا لموسى وفتاه والضمير في بينهما للبحرين {نَسِيَا حُوتَهُمَا} نسب النسيان إليهما، وإنما كان النسيان من الفتى وحده كما تقول فعل بنو فلان كذا: إذا فعله واحد منهم وقيل: نسي الفتى أن يقدمه ونسي موسى أن يأمره فيه بشيء {فاتخذ سَبِيلَهُ فِي البحر سَرَبًا} فاعل اتخذ الحوت، والمعنى أنه سار في البحر فقيل: إن الحوت كان ميتًا مملوحًا ثم صار حيًا بإذن الله، ووقع في الماء فسار فيه.وقال ابن عباس: إنما حيي الحوت لأنه مسه ماء عين يقال لها عين الحياة ما مست قط شيئًا إلا حيي، وفي الحديث أن الله أمسك جرية الماء عن الحوت فصار مثل السراب، وهو المسلك في جوف الأرض، وذلك معجزة لموسى عليه السلام وقيل: اتخذ الحوت سبيله في البحر سربًا حتى وصل إلى البحر فعام على العادة، ويريد هذا ما ورد في الحديث.{فَلَمَّا جَاوَزَا} أي جاوزا الموضع الذي وصف له، وهو الصخرة التي نام عندها فسار الحوت في البحر، بينما كان موسى نائمًا وكان ذهاب الحوت أمارة لقائه للخضر، فلما استيقظ موسى أصابه الجوع، فقال لفتاه: آتنا غداءنا {نَصَبًا} أي تعبًا {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى الصخرة} قال الزمخشري: أرأيت هنا بمعنى أخبرني ثم قال، فإن قلت ما وجه التئام هذا الكلام، فإن كل واحد من أرأيت وإذ أوينا بمعنى أخبرني ثم قال، فإن قلت ما وجه التئام هذا الكلام، فإن كل واحد من أرأيت وإذ أوينا وفإني نسيت الحوت لا متعلق له؟ فالجواب أنه لما طلب موسى الحوت ذكر يوشع ما رأى منه، وما اعتراه ومن نسيانه، فدهش فطفق يسأل موسى عن سبب ذلك فكأنه قال: أرأيت ما دهاني إذ أوينا إلى الصخرة، فإني نسيت الحوت فحذف بعض الكلام {نَسِيتُ الحوت} أي نسيت أن أذكر لك ما رأيت من ذهابه في البحر وتقديره: نسيت ذكر الحوت {أَنْ أَذْكُرَهُ} بدل من الهاء في أنسانيه وهو بدل اشتمال.{واتخذ سَبِيلَهُ فِي البحر عَجَبًا} يحتمل أن يكون هذا من كلام يوشع، أي اتخذ الحوت سبيله في البحر عجبًا للناس أو اتخذ موسى سبيل الحوت عجبًا أي تعجب هو منه وإعراب عجبًا مفعول ثان لاتخذ مثل سربًا وقيل: إن الكلام تم عند قوله في البحر ثم ابتدأ التعجب فقال عجبًا وذلك بعيد {قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} أي فقد الحوت هو ما كنا نطلب؛ لأنه أمارة على وجدان الرجل {فارتدا على آثَارِهِمَا قَصَصًا} أي رجعا في طريقهما يقصان أثرهما الأول لئلا يخرجا عن الطريق {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَآ} هو الخضر {آتيناه رَحْمَةً} يعني النبوة على قول من قال: إن الخضر نبيّ. وقيل: إنه ليس بنبّي ولكنه وليّّ، وتظهر نبوته من هذه القصة أنه فعل أشياء لا يعملها إلا بوحي، واختلف أيضًا هل مات أو هو حيّ إلى الآن؟ ويذكر كثير من الصلحاء أنهم يرونه ويكلمهم {وعلمناه مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} في الحديث أن موسى وجد الخضر مسجّى بثوبه فقال له: السلام عليك فرفع رأسه وقال: وأنى بأرضك السلام قال له: من أنت؟ قال: أنا موسى قال قال: بلى. ولكني أحببت لقاءك وأن أتعلم منك. قال: إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علم من علم الله علمكه لا أعلمه أنا {قَالَ لَهُ موسى هَلْ أَتَّبِعُكَ} الآية: مخاطبة فيها ملاطفة وتواضع وكذلك ينبغي أن يكون الإنسان مع من يريد أن يتعلم منه {رُشْدًا} قرئ بضم الراء وإسكان الشين وبفتحها والمعنى واحد، وانتصب على أنه مفعول ثانٍ بتعلمني أو حال من الضمير في أتبعك.{فانطلقا} الضمير لموسى والخضر. وفي الحديث أنهما انطلقا ماشيين على سيف البحر، حتى مرت بهما سفينة فعرفها الخضر فحمل فيها بغير نوال أي بغير أجرة {خَرَقَهَا} روي أن الخضر أزال لوحين من ألواحها {شَيْئًا إِمْرًا} أي عظيمًا وقيل: منكرًا {فانطلقا} يعني بعد نزولهما من السفينة فمرا بغلمان يلعبون، وفيهم غلام وضيء الصورة فاقتلع الخضر رأسه، وروي أن اسم الغلام جيسورا بالجيم، وقيل بالحاء المهملة قال الزمخشري: إن قلت لم قال خرقها بغير فاء، وقال فقتله بالفاء؛ والجواب أن خرقها جواب الشرط، وقتله من جملة الشرط معطوف عليه والخبر: قال أقتلت نفسًا، فإن قيل: لم خولف بينهما؟ فالجواب: أن خرق السفينة لم يتعقب الركوب وقد تعقب القتل لقاء الغلام {نَفْسًا زَكِيَّةً} قيل: إنه كان لم يبلغ، فمعنى زكية ليس له ذنب وقيل: إنه كان بالغًا، ولكنه لم ير له الخضر ذنبًا {بِغَيْرِ نَفْسٍ} يقتضي أنه لو كان قد قتل نفسًا لم يكن بقتله بأس على وجه القصاص، وهذا يدل على أن الغلام كان بالغًا فإن غير البالغ لا يقتل وإن قتل نفسًا {شَيْئًا نُّكْرًا} أي منكرًا وهو أبلغ من قوله: إمرًا ويجوز ضم الكاف وإسكانها {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ} بزيادة لك فيه من الزجر والإغلاط ما ليس في قوله أولًا: ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرًا {بَعْدَهَا} الضمير للقصة وإن لم يتقدم لها ذكر، ولكن سياق الكلام يدل عليها {قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا} أي قد أعذرت إليّ فأنت معذور عندي، وفي الحديث كانت الأولى من موسى نسيانًا.{أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ} قيل: هي أنطاكية، وقيل برقة.وقال أبو هريرة وغيره: هي بالأندلس ويذكر أنها الجزيرة الخضراء ولك على قول أن مجمع البحرين عند طنجة وسبتة {استطعمآ أَهْلَهَا} أي طلبا منهم طعامًا {جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ} أن يسقط وإسناده الإرادة إلى الجدار مجاز، ومثل ذلك كثير في كلام العرب، وحقيقته أنه قارب أن ينقضّ ووزن ينقضّ ينفعل وقيل: يفعلّ بالتشديد كيحمرّ {فَأَقَامَهُ} قيل: إنه هدمه ثم بناه وقيل مسحه بيده وأقامه فقام {لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} أي قال موسى للخضر: لو شئت لاتخذت عليه أجرًا أي طعامًا نأكله {قَالَ هذا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} إنما قال له هذا لأجل شرطه في قوله: {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني} على أن قوله: {لو شئت لاتخذت عليه أجرًا} ليس بسؤال ولكن في ضمنه أمر بأخذ الأجرة عليه لأنهما كانا محتاجين إلى الطعام، والبين هنا ليس بظرف وإنما معناه الوصلة والقرب، وقال الزمخشري: الأصل هذا فراق بيني وبينك بتنوين فراق ونصب بيني على الظرفية، ثم أضيف المصدر إلى الظرف والإشارة بقوله هذا إلى السؤال الثالث، الذي أوجب الفراق. اهـ.
|