فصل: (سورة الزمر: آية 45):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{أَمِ اتخذوا مِن دُونِ الله شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئًا} من الشفاعة {وَلاَ يَعْقِلُونَ} يعني وإن كانوا لايملكون شيئًا من الشفاعة ولايعقلون إنكم تعبدونهم أفتعبدونهم {قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} فمن يشفع فبأذنه يشفع {لَّهُ مُلْكُ السماوات والأرض ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَإِذَا ذُكِرَ الله وَحْدَهُ اشمأزت قُلُوبُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة}.
قال ابن عبّاس ومجاهد ومقاتل: انقبض.
قتادة: كفرت واستكبرت.
الضحاك: نفرت.
الكسائي: انتفضت.
المؤرخ: انكرت، وأصل الاشمئزاز النفور والأزورار.
قال عمرو بن كلثوم:
إذا عضَّ الثقاف بها اشمأزت ** وولتهم عشوزنة زبونا

{وَإِذَا ذُكِرَ الذين مِن دُونِهِ} يعني الأوثان، وذلك حين ألقى الشيطان في أُمنية رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قراءته سورة النجم: تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة تُرتجى {إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} يفرحون {قُلِ اللهم فَاطِرَ السماوات والأرض} أي يا فاطر السماوات والأرض {عَالِمَ الغيب والشهادة أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}.
أخبرنا الحسين بن محمّد بن فنجويه حدثنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان حدثنا عبيد الله بن ثابت حدثنا أبو سعيد الكندي حدثنا ابن فضيل حدثنا سالم بن أبي حفصة عن منذر الثوري قال: كنت عند الربيع بن خيثم فدخل عليه رجل ممّن شهد قتل الحسين ممّن كان يقاتله فقال ابن خيثم يا معلقها. يعني الرؤس، ثم أدخل يده في حنكه تحت لسانه فقال: والله لقد قتلتم صفوة لو أدركهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لقبّل أفواههم وأجلسهم في حجره، ثم قرأ {قُلِ اللهم فَاطِرَ السماوات والأرض عَالِمَ الغيب والشهادة أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}.
{وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} أشركوا {مَا فِي الأرض جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ مِن سواء العذاب يَوْمَ القيامة}.
أخبرنا ابن فنجويه حدثنا عبيد الله بن محمّد بن شنبه حدثنا ابن وهب حدثني محمد بن الوليد القرشي حدثنا محمّد بن جعفر حدثنا شعبة عن ابن عمران الحوني قال: سمعت أنس بن مالك يحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تعالى لأهون أهل النار عذابًا لو أن لك ماعلى الأرض من شيء أكنت مفتديًا به؟ فيقول: نعم. فيقول: قد أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لاتشرك بي شيئًا فأبيت إلاّ أن تشرك بي».
{وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ الله مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ} في الدُّنيا أنه نازل بهم في الآخرة.
قال السدي: ظنّوا أنها حسنات فبدت لهم سيئات.
قال سفيان: وقرأ هذه الآية: ويل لأهل الريا ويل لأهل الريا.
أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه حدثنا عبيد الله بن محمّد بن شنبه حدثنا الفرياني حدثني محمّد ابن عبد الله بن عماد حدثني عقبة بن سالم عن عكرمة بن عمار قال: جزع محمّد بن المنكدر عند الموت فقيل له: تجزع.
فقال: أخشى آية من كتاب الله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ الله مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ} فأنا اخشى أن يبدو لي من الله مالم أحتسب.
{وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ فَإِذَا مَسَّ الإنسان ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ} أعطيناه {نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ} من الله بأني له أهل. قال قتادة: على خير عندي.
{بَلْ هِيَ} يعني النعمة {فِتْنَةٌ}.
وقال الحسين بن الفضل: بل كلمته التي قالها فتنة.
{ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ قَدْ قَالَهَا الذين مِن قَبْلِهِمْ} يعني: قارون إذ قال إنما أوتيته على علم عندي.
{فَمَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ والذين ظَلَمُواْ مِنْ هؤلاء} يعني كفار هذه الأُمة {سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَوَلَمْ يعلموا أَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}. اهـ.

.قال الزمخشري:

.[سورة الزمر: آية 34]:

{وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)}.
{وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} هو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: جاء بالصدق وآمن به، وأراد به إياه ومن تبعه، كما أراد بموسى إياه وقومه في قوله {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} فلذلك قال {أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} إلا أن هذا في الصفة وذاك في الاسم. ويجوز أن يريد: والفوج أو الفريق الذي جاء بالصدق وصدق به، وهم الرسول الذي جاء بالصدق، وصحابته الذين صدقوا به. وفي قراءة ابن مسعود: {والذين جاءوا بالصدق وصدقوا به} وقرئ: {وصدق به} بالتخفيف، أي: صدق به الناس ولم بكذبهم به، يعنى: أداه إليهم كما نزل عليه من غير تحريف. وقيل: صار صادقا به، أي: بسببه، لأنّ القرآن معجزة، والمعجزة تصديق من الحكيم الذي لا يفعل القبيح لمن يجريها على يده، ولا يجوز أن يصدق إلا الصادق، فيصير لذلك صادقا بالمعجزة، وقرئ: {وصدّق به}. فإن قلت: ما معنى إضافة الأسوإ والأحسن إلى الذي عملوا، وما معنى التفضيل فيهما؟ قلت: أما الإضافة فما هي من إضافة أفعل إلى الجملة التي يفضل عليها، ولكن من إضافة الشيء إلى ما هو بعضه من غير تفضيل، كقولك: الأشج أعدل بنى مروان. وأما التفضيل فإيذان بأن السيء الذي يفرط منهم من الصغائر والزلات المكفرة، هو عندهم الأسوأ لاستعظامهم المعصية، والحسن الذي يعملونه هو عند اللّه الأحسن، لحسن إخلاصهم فيه، فلذلك ذكر سيئهم بالأسوإ وحسنهم بالأحسن. وقرئ: {أسواء الذي عملوا} جمع سوء.

.[سورة الزمر: الآيات 36- 37]:

{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ (37)}.
{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ} أدخلت همزة الإنكار على كلمة النفي، فأفيد معنى إثبات الكفاية وتقريرها. وقرئ: {بكاف عبده} وهو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، و{بكاف عباده} وهم الأنبياء، وذلك أن قريشا قالت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إنا نخاف أن تخبلك آلهتنا، وإنا نخشى عليك معرّتها لعيبك إياها. ويروى: أنه بعث خالدا إلى العزى ليكسرها، فقال له سادنها: أحذركها يا خالد، إن لها لشدّة لا يقوم لها شيء، فعمد خالد إليها فهشم أنفها. فقال اللّه عز وجل: أليس اللّه بكاف نبيه أن يعصمه من كل سوء ويدفع عنه كل بلاء في مواطن الخوف. وفي هذا تهكم بهم، لأنهم خوّفوه ما لا يقدر على نفع ولا ضر. أو أليس اللّه بكاف أنبياءه ولقد قالت أممهم نحو ذلك، فكفاهم اللّه وذلك قول قوم هود {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ} ويجوز أن يريد: العبد والعباد على الإطلاق، لأنه كافيهم في الشدائد وكافل مصالحهم. وقرئ: {بكافى عباده} على الإضافة. و{يكافي عباده} و{يكافي} يحتمل أن يكون غير مهموز مفاعلة من الكفاية، كقولك: يجازى في يجزى، وهو أبلغ من كفى، لبنائه على لفظ المبالغة. والمباراة: أن يكون مهموزا، من المكافأة وهي المجازاة، لما تقدم من قوله {وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ} {بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} أراد: الأوثان التي اتخذوها آلهة من دونه بِعَزِيزٍ بغالب منيع ذِي انْتِقامٍ ينتقم من أعدائه، وفيه وعيد لقريش ووعد للمؤمنين بأنه ينتقم لهم منهم، وينصرهم عليهم.

.[سورة الزمر: آية 38]:

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38)}.
قرئ: {كاشفات ضرّه} و{ممسكات رحمته} بالتنوين على الأصل، وبالإضافة للتخفيف.
فإن قلت: لم فرض المسألة في نفسه دونهم؟ قلت: لأنهم خوّفوه معرّة الأوثان وتخبيلها، فأمر بأن يقرّرهم أوّلا بأنّ خالق العالم هو اللّه وحده. ثم يقول لهم بعد التقرير: فإذا أرادنى خالق العالم الذي أقررتم به بضرّ من مرض أو فقر أو غير ذلك من النوازل. أو برحمة من صحة أو غنى أو نحوهما، هل هؤلاء اللاتي خوّفتمونى إياهن كاشفات عنى ضره أو ممسكات رحمته، حتى إذا ألقمهم الحجر وقطعهم حتى لا يحيروا ببنت شفة قال حَسْبِيَ اللَّهُ كافيا لمعرّة أوثانكم {عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} وفيه تهكم. ويروى أنّ النبي صلى اللّه عليه وسلم سألهم فسكتوا، فنزل: {قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ}.
فإن قلت: لم قيل: كاشفات، وممسكات، على التأنيث بعد قوله تعالى {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}؟ قلت: أنثهن وكن إناثا وهن اللات والعزى ومناة. قال اللّه تعالى {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى} ليضعفها ويعجزها زيادة تضعيف وتعجيز عما طالبهم به من كشف الضر وإمساك الرحمة، لأنّ الأنوثة من باب للين والرخاوة، كما أنّ الذكورة من باب الشدّة والصلابة، كأنه قال: الإناث اللاتي هنّ اللات والعزى ومناة أضعف مما تدعون لهنّ وأعجز. وفيه تهكم أيضا.

.[سورة الزمر: الآيات 39- 40]:

{قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (40)}.
{عَلى مَكانَتِكُمْ} على حالكم التي أنتم عليها وجهتكم من العداوة التي تمكنتم منها. والمكانة بمعنى المكان، فاستعيرت عن العين للمعنى كما يستعار هنا. وحيث للزمان، وهما للمكان. فإن قلت: حق الكلام: فإنى عامل على مكانتى. فلم حذف؟ قلت: للاختصار، ولما فيه من زيادة الوعيد، والإيذان بأنّ حاله لا تقف، وتزداد كل يوم قوّة وشدّة، لأنّ اللّه ناصره ومعينه ومظهره على الدين كله. ألا ترى إلى قوله {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ} كيف توعدهم بكونه منصورا عليهم غالبا عليهم في الدنيا والآخرة، لأنهم إذا أتاهم الخزي والعذاب فذاك عزه وغلبته، من حيث إن الغلبة تتم له بعز عزيز من أوليائه، وبذل ذليل من أعدائه {يُخْزِيهِ} مثل مقيم في وقوعه صفة للعذاب، أي: عذاب مخز له، وهو يوم بدر، وعذاب دائم وهو عذاب النار. وقرئ: {مكاناتكم}.

.[سورة الزمر: آية 41]:

{إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41)}.
{لِلنَّاسِ} لأجلهم ولأجل حاجتهم إليه، ليبشروا وينذروا، فتقوى دواعيهم إلى اختيار الطاعة على المعصية. ولا حاجة لي إلى ذلك فأنا الغنى، فمن اختار الهدى فقد نفع نفسه، ومن اختار الضلالة فقد ضرها. وما وكلت عليهم لتجبرهم على الهدى، فإنّ التكليف مبنى على الاختيار دون الإجبار.

.[سورة الزمر: آية 42]:

{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)}.
{الْأَنْفُسَ} الجمل كما هي. وتوفيها: إماتتها، وهو أن يسلب ما هي به حية حساسة درّاكة:
من صحة أجزائها وسلامتها، لأنها عند سلب الصحة كأن ذاتها قد سلبت {وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها} يريد ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها، أي: يتوفاها حين تنام، تشبيها للنائمين بالموتى.
ومنه قوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ} حيث لا يميزون ولا يتصرفون، كما أنّ الموتى كذلك {فَيُمْسِكُ} الأنفس {الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} الحقيقي، أي: لا يردّها في وقتها حية {وَيُرْسِلُ الْأُخْرى} النائمة {إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} إلى وقت ضربه لموتها. وقيل: يتوفى الأنفس يستوفيها ويقضيها، وهي الأنفس التي تكون معها الحياة والحركة، ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها، وهي أنفس التمييز. قالوا: فالتي تتوفى في النوم هي نفس التمييز لا نفس الحياة، لأنّ نفس الحياة إذا زالت زال معها النفس، والنائم يتنفس. ورووا عن ابن عباس رضى اللّه عنهما في ابن آدم نفس وروح بينهما مثل شعاع الشمس، فالنفس التي بها العقل والتمييز والروح التي بها النفس والتحرك، فإذا نام العبد قبض اللّه نفسه ولم يقبض روحه والصحيح ما ذكرت أوّلا، لأنّ اللّه عز وعلا علق التوفي والموت والمنام جميعا بالأنفس، وما عنوا بنفس الحياة والحركة ونفس العقل والتمييز غير متصف بالموت والنوم، وإنما الجملة هي التي تموت وهي التي تنام إِنَّ فِي ذلِكَ إن في توفى الأنفس مائتة ونائمة وإمساكها وإرسالها إلى أجل لآيات على قدرة اللّه وعلمه، لقوم يجيلون فيه أفكارهم ويعتبرون. وقرئ: {قضى عليها الموت} على البناء للمفعول.

.[سورة الزمر: الآيات 43- 44]:

{أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَ لَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44)}.
{أَمِ اتَّخَذُوا} بل اتخذ قريش، والهمزة للإنكار {مِنْ دُونِ اللَّهِ} من دون إذنه {شُفَعاءَ} حين قالوا: {هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ} ولا يشفع عنده أحد إلا بإذنه. ألا ترى إلى قوله تعالى {قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعًا} أي هو مالكها، فلا يستطيع أحد شفاعة إلا بشرطين: أن يكون المشفوع له مرتضى، وأن يكون الشفيع مأذونا له. وهاهنا الشرطان مفقودان جميعا أَوَ لَوْ كانُوا معناه: أيشفعون ولو {كانوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ} أي: ولو كانوا على هذه الصفة لا يملكون شيأ قط، حتى يملكوا الشفاعة ولا عقل لهم {لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} تقرير لقوله تعالى {لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعًا} لأنه إذا كان له الملك كله والشفاعة من الملك، كان مالكا لها. فإن قلت: بم يتصل قوله {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}؟ قلت: بما يليه، معناه: له ملك السماوات والأرض اليوم ثم إليه ترجعون يوم القيامة، فلا يكون الملك في ذلك اليوم إلا له. فله ملك الدنيا والآخرة.

.[سورة الزمر: آية 45]:

{وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)} مدار المعنى على قوله وحده، أي: إذا أفرد اللّه بالذكر ولم يذكر معه آلهتهم اشمأزوا، أى: نفروا وانقبضوا {وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} وهم آلهتهم ذكر اللّه معهم أو لم يذكر استبشروا، لافتتانهم بها ونسيانهم حق اللّه إلى هو أهم فيها. وقيل: إذا قيل لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له نفروا، لأن فيه نفيا لآلهتهم. وقيل: أراد استبشارهم بما سبق إليه لسان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من ذكر آلهتهم حين قرأ: {والنجم} عند باب الكعبة، فسجدوا معه لفرحهم، ولقد تقابل الاستبشار والاشمئزاز، إذ كل واحد منهما غاية في بابه، لأنّ الاستبشار أن يمتلئ قلبه سرورا حتى تنبسط له بشرة وجهه ويتهلل. والاشمئزاز: أن يمتلئ غما وغيظا حتى يظهر الانقباض في أديم وجهه. فإن قلت: ما العامل في إِذا ذُكِرَ؟ قلت: العامل في إذا المفاجأة، تقديره وقت ذكر الذين من دونه، فاجئوا وقت الاستبشار.