الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وَكُلُّهُمْ ءَاتِيهِ يَوْمَ القيامة فَرْدًا} أي كل واحد منهم يأتيه يوم القيامة فردًا لا ناصر له ولا مال معه، كما قال سبحانه {يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ} [الشعراء: 88].وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} قال: أعوانًا.وأخرج عبد بن حميد عنه {ضِدًّا} قال: حسرة.وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضًا قال: {تَؤُزُّهُمْ أَزًّا}: تغويهم إغواءً.وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضًا: {تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} قال: تحرّض المشركين على محمد وأصحابه.وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: تزعجهم إزعاجًا إلى معاصي الله.وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس: {وَفْدًا} قال: ركبانًا.وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن أبي هريرة {وَفْدًا} قال: على الإبل.وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق: راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا» والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدًا.وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس: {وِرْدًا} قال: عطاشًا.وأخرج ابن المنذر عن أبي هريرة مثله.وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: {إِلاَّ مَنِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْدًا} قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وتبرأ من الحول والقوّة، ولا يرجو إلا الله.وأخرج ابن مردويه عنه في الآية قال: من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة.وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن مسعود أنه قرأ {إِلاَّ مَنِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْدًا} قال: إن الله يقول يوم القيامة: من كان له عندي عهد فليقم، فلا يقوم إلا من قال هذا في الدنيا، قولوا: اللّهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة إني أعهد إليك في الحياة الدنيا أنك إن تكلني إلى عملي تقربني من الشرّ وتباعدني من الخير، وإني لا أثق إلا برحمتك، فاجعله لي عندك عهدًا تؤديه إليّ يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد.وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أدخل على مؤمن سرورًا فقد سرّني، ومن سرّني فقد اتخذ عند الرحمن عهدًا، ومن اتخذ عند الرحمن عهدًا فلا تمسه النار، إن الله لا يخلف الميعاد» وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من جاءنا بالصلوات الخمس يوم القيامة قد حافظ على وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها لم ينقص منها شيئًا جاء وله عند الله عهد أن لا يعذبه، ومن جاء قد انتقص منهم شيئًا فليس له عند الله عهد، إن شاء رحمه وإن شاء عذبه».وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} قال: قولًا عظيمًا، وفي قوله: {يَكَادُ السموات} قال: إن الشرك فزعت منه السموات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين، وكادت تزول منه لعظمة الله سبحانه، وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك، كذلك يرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين، وفي قوله: {وَتَخِرُّ الجبال هَدًّا} قال: هدمًا.وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة، وأحمد في الزهد، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة، والطبراني والبيهقي في الشعب من طريق عون عن ابن مسعود قال: إن الجبل لينادي الجبل باسمه، يا فلان، هل مرّ بك اليوم أحد ذكر الله؟ فإذا قال: نعم، استبشر.قال عون: أفيسمعن الزور إذا قيل ولا يسمعن الخير؟ هنّ للخير أسمع، وقرأ: {وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَدًا} الآيات. اهـ.
.فوائد لغوية وإعرابية: قال السمين:{لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89)}.قوله: {شَيْئًا إِدًَّا}: العامَّةُ على كسر الهمزة مِنْ {إدًَّا} وهو الأمرُ العظيمُ المنكَرُ المتعجَّبُ منه. وقرأ أمير المؤمنين والسلمي بفتحها. وخَرَّجوه على حَذْفِ مضاف، أي: شيئًا أدًَّا، لأنَّ الأدَّ بالفتحِ مصدرٌ يُقال: أدَّه الأمرُ، وأدَّني يَؤُدُّني أدًَّا، أي: أَثْقَلني. وكان الشيخ ذكر أنَّ الأَدَّ والإِدَّ بفتح الهمزةِ وكسرِها هو العَجَبُ. وقيل: هو العظيم المُنْكَر، والإِدَّة: الشِّدَّة. وعلى قوله: (وإن الإِدَّ والأدَّ بمعنى واحد) ينبغي أَنْ لا يُحتاج إلى حَذْفِ مضاف، إلا أَنْ يريدَ أنه أراد بكونِهما بمعنى العَجَب في المعنى لا في المصدرية وعَدَمِها.قوله: {تَكَادُ}:قرأ نافع والكسائي بالياءِ من تحتُ، والباقون بالتاء مِنْ فوقُ، وهما واضحتان إذ التأنيثُ مجازِيٌّ، وكذلك في سورة الشورى.وقرأ أبو عمروٍ وابنُ عامرٍ وأبو بكرٍ عن عاصمٍ وحمزة: {يَنفَطِرْنَ} مضارع انْفَطَرَ. والباقون {يتفطَّرْن} مضارعَ تَفَطَّرَ بالتشديدِ في هذه السورة. وأمَّا التي في الشورى فقرأها حمزة وابنُ عامرٍ بالتاء والياء وتشديد الطاء والباقون على أصولِهم في هذه السورة. فتلَخَّصَ من ذلك أن أبا عمروٍ وأبا بكر يقرآن بالتاء والنون في السورتين، وأن نافعًا وابن كثير والكسائيَّ وحفصًا عن عاصم يقرؤون بالتاء والياء وتشديد الطاء فيهما، وانَّ حمزة وابن عامر في هذه السورةِ بالتاء والنون، وفي الشورى بالتاء والياء وتشديد الطاء.فالانفِطارُ مِنْ (فَطَرَه) إذا شَقَّه، والتفطُّر مِنْ (فطَّره) إذا شَقَّقَه، وكَرَّر فيه الفعلَ. قال أبو البقاء: (وهو هنا أَشْبَهُ بالمعنى). أي: التشديد. و{يَتَفَطَّرْنَ} في محلّ نصب خبرًا ل {تكادُ} وزعم الأخفش أنها هنا بمعنى الإِرادة وأنشد:قوله: {هَدًَّا} فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنه مصدرٌ في موضعِ الحال، أي: مَهْدُودَةً وذلك على أن يكونَ هذا المصدرُ مِنْ هدَّ زيدٌ الحائطَ يَهُدُّه هَدًَّا، أي: هَدَمه. والثاني: وهو قولُ أبي جعفر أنه مصدرٌ على غيرِ الصَّدْرِ لمَّا كان في معناه لأنَّ الخُرورَ السُّقوطُ والهَدْمُ، وهذا على أن يكون مِنْ هَدَّ الحائطُ يَهِدُّ، أي: انهدمَ، فيكون لازمًا. والثالث: أن يكونَ مفعولًا مِنْ أجله. قال الزمخشريُّ: (أي: لأنَّها تُهَدُّ).{أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91)}.قوله: {أَن دَعَوْا}: في محلِّه خمسةُ اوجه، أحدها: أنه في محلِّ نصبٍ على المفعولِ مِنْ أجله. قاله أبو البقاء والحوفي، ولم يُبَيِّنا: ما العاملُ فيه؟ ويجوز أَنْ يكونَ العاملُ (تكاد) أو (تَحِزُّ) أو (هَدًَّا) أي: تَهِدُّ لأَنْ دَعَوْا، ولكنَّ شَرْطَ النصبِ فيها مفقودٌ وهو اتِّحادُ الفاعلِ في المفعولِ له والعاملِ فيه، فإن عَنَيَا أنه على إسقاطِ اللامِ- وسقوطُ اللامِ يَطَّرِدُ مع أنْ- فقريبٌ. وقال الزمخشري: (وأَنْ يكونَ منصوبًا بتقديرِ سقوطِ اللام وأفضاءِ الفعلِ، أي: هدًَّا لأَنْ دَعَوْا، عَلَّلَ الخرورَ بالهدِّ، والهدِّ بدعاءِ الوَلَدِ للرحمن). فهذا تصريحٌ منه بأنَّه على إسقاطِ الخافضِ، وليس مفعولًا له صريحًا.الوجه الثاني: أَنْ يكونَ مجرورًا بعد إسقاطِ الخافض، كما هو مذهبُ الخليلِ والكسائي.والثالث: أنه بدلٌ من الضمير في {مِنْه} كقولِه: بجر (حاتم) الأخير بدلًا من الهاء في (جودِه). قال الشيخ: (وهو بعيدٌ لكثرةِ الفصلِ بين البدلِ والمبدلِ منه بجملتين).الوجه الرابع: أَنْ يكونَ مرفوعًا ب {هَدًَّا}. قال الزمخشري أي: هَدَّها دعاءُ الولدِ للرحمن. قال الشيخ: وفيه بُعْدٌ لأنَّ الظاهرَ في {هَدًَّا} أن يكونَ مصدرًا توكيديًا، والمصدرُ التوكيديُّ لا يعملُ، ولو فَرَضْناه غيرَ توكيديّ لم يَعْمَلْ بقياسٍ إلا إنْ كان أمرًا أو مستفهمًا عنه نحو: (ضَرْبًا زيدًا) و(أضَرْبًا زيدًا) على خلافٍ فيه. وأمَّا إنْ كان خبرًا، كما قدَّره الزمخشري (أي: هَدَّها دعاءُ الوَلَدِ للرحمن) فلا يَنْقاس، بل ما جاءَ من ذلك هو نادرٌ كقولِ امرِئ القيس: أي: وقف صحبي.الخامس: أنه خبرُ مبتدأ محذوفٍ تقديرُه: المٌوْجِبُ لذلك دعاؤهم، كذا قَدَّره أبو البقاء.و(دَعا) يجوزُ أَنْ يكونَ بمعنى سَمَّى فيتعدَّى لاثنين، ويجوز جَرُّ ثانيهما بالباءِ. قال الشاعر: وقول الآخر: وأوَّلُهما في الآية محذوفٌ. قال الزمخشري: طلبًا للعموم والإِحاطة بكلِّ ما يُدْعَى له ولدًا. ويجوز أن يكونَ مِنْ (دعا) بمعنى نَسَبَ الذي مُطاوِعُه ما في قولِه عليه السلام «مَنِ ادَّعَى إلى غير مَوالِيه» وقول الشاعر: أي: لا نَنْتَسِبُ إليه.{وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92)}.و{يَنبَغِي}: مضارع انْبَغَى. وانْبَغَى مطاوعٌ لبَغَى، أي: طَلَبَ، و{أَن يَتَّخِذَ} فاعلُه. وقد عَدَّ ابن مالك {يَنْبَغي} في الأفعالِ التي لا تَتَصَرَّف. وهو مردودٌ عليه، فإنه قد سُمِعَ فيه في الماضي قالوا: انْبَغَى.{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)}.قوله: {مَن فِي السماوات}: يجوز في {مَنْ} أن تكونَ نكرةً موصوفة، وصفتُها الجارُّ بعدها. ولم يذكر أبو البقاء غيرَ ذلك، وكذلك الزمخشري. إلا أنَّ ظاهرَ عبارتِه يقتضي أنه لا يجوز غيرُ ذلك، فإنه قال: مَنْ موصوفةٌ؛ فإنها وقعَتْ بعد كل نكرةٍ وقوعَها بعد (رُبَّ) في قولِه: انتهى. ويجوز أن تكونَ موصولةً. قال الشيخ: أي: ما كلُّ الذي في السماوات، و{كُلٌّ} تدخلُ على {الذي} لأنها تأتي للجنسِ كقولِه تعالى: {والذي جَاءَ بالصدق وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر: 33] ونحوه: يعني أنَّه لابد مِنْ تأويلِ الموصول بالعموم حتى تَصِحَّ إضافةُ {كل} إليه، ومتى أُريد به معهودٌ بعينِه شَخَص واستحال إضافةُ {كل} إليه.و{آتِي الرحمن} خبرُ {كلُّ} جُعِل مفردًا حَمْلًا على لفظِها ولو جُمع لجاز وقد تقدَّم أولَ هذا الموضوعِ أنها متى أُضيفت لمعرفةٍ جاز الوجهان. وقد تكلَّم السهيليُّ في ذلك فقال: {كُلٌّ} إذا ابْتُدِئَتْ، وكانتْ مضافةً لفظًا- يعني لمعرفةٍ- فلا يَحْسُنُ إلا إفرادُ الخبرِ حَمْلًا على المعنى. تقول: كلُّكم ذاهبٌ، أي: كلُّ واحدٍ منكم ذاهبٌ، هكذا هذه المسألة في القرآنِ والحديثِ والكلامِ الفصيح. فإنْ قلت: في قولِه: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ} [مريم: 95] إنما هو حَمْلٌ على اللفظ لأنه اسمٌ مفردٌ. قلنا: بل هو اسم للجمع، واسمُ الجمع لا يُخْبَرُ عنه بإفراد. تقول: (القومُ ذاهبون) ولا تقولُ: ذاهبٌ، وإن كان لفظُ (القوم) لفظَ المفردِ. وإنما حَسُن (كلُّكم ذاهب) لأنهم يقولون: كلُّ واحدٍ منكم ذاهبٌ، فكان الإِفرادُ مراعاةً لهذا المعنى.قال الشيخ: ويَحتاج (كلُّكم ذاهبون) ونحوُه إلى سَماعٍ ونَقْلٍ عن العرب. يُقَرِّر ما قاله السهيليُّ. قلت: وتسميةُ الإِفرادِ حَمْلًا على المعنى غيرُ الاصطلاحِ، بل ذلك حَمْلٌ على اللفظ، الجمعُ هو الحَمْلُ على المعنى.وقال أبو البقاء: وَوُحِّدَ {آتِيْ} حَمْلًا على لفظ {كل} وقد جُمِعَ في موضعٍ آخرَ حَمْلًا على معناها. قلت: قوله في موضعٍ آخرَ إنْ عَنَى في القرآن فلم يأتِ الجمعُ إلا (وكلٌّ) مقطوعةٌ عن الإِضافة نحو: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: 33] {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النمل: 87] وإنْ عَنَى في غيرِه فيَحْتاج إلى سماعٍ عن العرب كما تقدَّم. والجمهورُ على إضافة {آتِي} إلى {الرحمن}. وقرأ عبد الله بن الزبير وأبو حيوة وطلحة وجماعة بتنوينه ونصبِ {الرحمن}. وانتصبَ {عَبْدًا} و{فَرْدًا} على الحال. اهـ. .من لطائف وفوائد المفسرين: من لطائف القشيري في الآية:قال عليه الرحمة:{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88)}.ما أعظم بهتانَهم في مقالتهم! وما أشدَّ جرأتَهم في قبيح حالتهم! لكنَّ الصمديةَ متقدِّسِةٌ عن عائدٍ يعود إليها من زَيْنٍ بتوحيدِ مُوَحِّد، أو شَيْنٍ بإلحاد مُلْحِد... فما شاهت إِلاَّ وجوهُهم بما خاضوا فيه من مقالهم، وما صاروا إليه من ضلالهم. كما لم يَتَجمَّلْ بما قاله الآخرون إلا القائل، وما عاد إلا القائل مقابلٌ من عاجلٍ أو آجل.{وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92)}.أنَّى بالولد وهو واحد؟! وأَنَّى بالولادة ولا جنسَ له وجوبًا ولا جوازًا؟!{لَّقَدْ أَحْصَاهُم}: لا يَعْزُب عن عِلْمِه معلومٌ، ولا ينفكُّ عن قدرته- مما يصح أن يقال حدوثه- موهوم.{وَكُلُّهُمْ ءَاتيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْدًا} لا خَدَمَ يصحبهم، ولا حَشَمَ يلحقهم، كلَّ بِنَفْسِهِ مشتغِلٌ، وعن غيره منفرد. اهـ..تفسير الآيات (96- 98): قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)}..مناسبة الآية لما قبلها: قال البقاعي:ولما عم بهذا الحكم الطائع والعاصي، وكان ذلك محزنًا لأهل الطاعة باستشعار الذل في الدارين، تحركت النفس إلى معرفة ما أفادتهم الطاعة، واستأنف الجواب لذلك مبشرًا لهم بقوله: {إن الذين آمنوا وعملوا} تصديقًا لادعائهم الإيمان، الأعمال {الصالحات سيجعل} تحقيقًا عما قليل عند بيعة العقبة {لهم الرحمن} الذي خصهم بالرضا بعد أن عمهم بالنعمة، جزاء على انقيادهم له، لأنه كان إما باختيارهم وإما برضاهم {ودًا} أي حبًا عظيمًا في قلوب العباد، دالًا على ما لهم عندهم من الود؛ قال الأصبهاني: من غير تودد منهم ولا تعرض للأسباب التي تكسب بها الناس مودات القلوب من قرابة أو صداقة أو اصطناع غيره أو غير ذلك، وإنما هو اختراع ابتدأ اختصاصًا منه لأوليائه بكرامة خاصة كما قذف في قلوب أعدائهم الرعب والهيبة إعظامًا لهم وإجلالًا لمكانهم- انتهى.
|