الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
الوجه الرابع: في الجواب قال الفراء: هذا أصله ذا زيدت الهاء لأن ذا كلمة منقوصة فكملت بالهاء عند التنبيه وزيدت ألفًا للتثنية فصارت هذا إن فاجتمع ساكنان من جنس واحد فاحتيج إلى حذف واحد ولا يمكن حذف ألف الأصل لأن أصل الكلمة منقوصة فلا تجعل أنقص فحذف ألف التثنية لأن النون يدل عليه فلا جرم لم تعمل إن لأن عملها في ألف التثنية، وقال آخرون: الألف الباقي إما ألف الأصل أو ألف التثنية.فإن كان الباقي ألف الأصل لم يجز حذفها لأن العامل الخارجي لا يتصرف في ذات الكلمة، وإن كان الباقي ألف التثنية فلا شك أنهم أنابوها مناب ألف الأصل، وعوض الأصل أصل لا محالة فهذا الألف أصل فلا يجوز حذفه ويرجع حاصل هذا إلى الجواب الأول.الوجه الخامس: في الجواب حكى الزجاج عن قدماء النحويين أن الهاء هاهنا مضمرة والتقدير إنه هذان لساحران، وهذه الهاء كناية عن الأمر والشأن، فهذا ما قيل في هذا الموضع، فأما من خفف فقرأ إن هذان لساحران فهو حسن فإن ما بعد الخفيفة رفع واللام بعدها في الخبر لازمة واجبة وإن كانت في إن الثقيلة جائزة ليظهر الفرق بين إن المؤكدة وإن النافية.قال الشاعر:
وقال آخر: الجامل جمع جمل، ثم من العرب من يعمل إن ناقصة كما يعملها تامة اعتبارًا بكان فإنها تعمل وإن نقصت في قولك: لم يكن لبقاء معنى التأكيد، وإن زال الشبه اللفظي بالفعل لأن العبرة للمعنى، وهذه اللغة تدل على أن العبرة في باب الإعمال الشبه المعنوي بالفعل وهو إثبات التوكيد دون الشبه اللفظي كما أن التعويل في باب كان على المعنى دون اللفظ لكونه فعلًا محضًا، وأما اللغة الظاهرة وهي ترك إعمال إن الخفيفة دالة على أن الشبه اللفظي في إن الثقيلة أحد جزأي العلة في حق عملها وعند الخفة زال الشبه فلم تعمل بخلاف السكون فإنه عامل بمعناه لكونه فعلًا محضًا ولا عبرة للفظه.المسألة الثانية:أنه سبحانه وتعالى لما ذكر ما أسروه من النجوى حكى عنهم ما أظهروه ومجموعه يدل على التنفير عن موسى عليه السلام ومتابعة دينه.فأحدها: قولهم: {هذان لساحران} وهذا طعن منهم في معجزات موسى عليه السلام ثم مبالغة في التنفير عنه لما أن كل طبع سليم يقتضي النفرة عن السحر وكراهة رؤية الساحر، ومن حيث إن الإنسان يعلم أن السحر لا بقاء له فإذا اعتقدوا فيه السحر قالوا: كيف نتبعه فإنه لا بقاء له ولا لدينه ولا لمذهبه.وثانيها: قوله: {يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ} وهذا في نهاية التنفير لأن المفارقة عن المنشأ، والمولد شديدة على القلوب، وهذا هو الذي حكاه الله تعالى عن فرعون في قوله: {أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ ياموسى} [طه: 57] وكأن السحرة تلقفوا هذه الشبهة من فرعون ثم أعادوها.وثالثها: قوله: {وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ المثلى} وهذا أيضًا له تأثير شديد في القلب فإن العدو إذا جاء واستولى على جميع المناصب والأشياء التي يرغب فيها فذلك يكون في نهاية المشقة على النفس فهم ذكروا هذه الوجوه للمبالغة في التنفير عن موسى والترغيب في دفعه وإبطال أمره وهاهنا بحثان:البحث الأول: قال الفراء: الطريقة الرجال الأشراف الذين هم قدوة لغيرهم يقال هم طريقة قومهم، ويقال للواحد أيضًا: هو طريقة قومه، وجعل الزجاج الآية من باب حذف المضاف أي ويذهبا بأهل طريقتكم المثلى، وعلى التقديرين، فالمراد أنهم كانوا يحرضون القوم بأن موسى وهارون عليهما السلام يريدان أن يذهبا بأشراف قومكم وأكابركم وهم بنوا اسرائيل لقول موسى عليه السلام: {أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إسرائيل} [الشعراء: 17] وإنما سموا بني إسرائيل بذلك لأنهم كانوا أكثر القوم يومئذ عددًا وأموالًا ومن المفسرين من فسر الطريقة المثلى بالدين سموا دينهم بالطريقة المثلى: {وَكُلٌّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 32] ومنهم من فسرها بالجاه والمنصب والرياسة.البحث الثاني: {المثلى} مؤنثة لتأنيث الطريقة، واختلفوا في أنه لم سمى الأفضل بالأمثل فقال بعضهم: الأمثل: الأشبه بالحق، وقيل: الأمثل الأوضح والأظهر، ثم إنه تعالى لما حكى عنهم مبالغتهم في التنفير عن موسى عليه السلام والترغيب في إبطال أمره حكى عنهم أنهم قالوا: {فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائتوا صَفًّا} قرأ أبو عمرو بوصل الألف وفتح الميم من أجمعوا يعني لا تدعوا شيئًا من كيدهم إلا جئتم به دليله قوله: {فَجَمَعَ كَيْدَهُ} وقرأ الباقون بقطع الألف وكسر الميم وله وجهان: أحدهما: قال الفراء: الإجماع الأحكام والعزيمة على الشيء، يقال: أجمعت على الخروج مثل أزمعت.والثاني: بمعنى الجمع وقد مضى الكلام في هذا عند قوله: {فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ} [يونس: 71] قال الزجاج: ليكن عزمكم كلكم كاليد مجمعًا عليه لا تختلفوا ثم ائتوا صفًا، ذكر أبو عبيدة والزجاج وجهين: أحدهما: أن الصف موضع الجمع والمعنى ائتوا الموضع الذي تجتمعون فيه لعيدكم وصلاتكم، والمعنى: ائتوا مصلى من المصليات أو كان الصف علمًا للمصلى بعينه فأمروا بأن يأتوه.والثاني: أن يكون الصف مصدرًا والمعنى ثم ائتوا مصطفين مجتمعين لكي يكون أنظم لأمركم وأشد لهيبتكم، وهذا قول عامة المفسرين، وقوله: {وَقَدْ أَفْلَحَ اليوم مَنِ استعلى} اعتراض، يعني: وقد فاز من غلب فكانوا يقرون بذلك أنفسهم فيما اجتمعوا عليه من إظهار ما يظهرونه من السحر. اهـ. .قال الماوردي: قوله تعالى: {لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} فيه وجهان:أحدهما: لا تفترواْ على الله كذبًا بسحركم.الثاني: بتكذيبي وقولكم م جئت به سحر.{فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ} فيهلككم ويستأصلكم، قال الفرزدق:فالمسحت: المستأصل، والمجلف: المهلك.{فَتَنَازَعُوآ أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ} فيه وجهان:أحدهما: فيما هيؤوه من الحبال والعصي، قاله الضحاك.والثاني: فيمن يبتدئ بالإِلقاء.{وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى} فيه أربعة أقاويل:أحدها: أن النجوى التي أسروها أن قالوا: إن كان هذا سحرًا فسنغلبه، وإن كان السماء فله أمره، قاله قتادة.الثاني: أنه لما قال لهم {وَيْلَكُمْ} الآية. قالوا: ما هذا بقول ساحر، قاله ابن منبه.الثالث: أنه أسروا النجوى دون موسى وهارون بقولهم، {إنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} الآيات، قاله مقاتل والسدي.الرابع: أنهم أسرواْ النجوى. إن غَلَبَنَا موسى اتبعناه، قاله الكلبي.قوله تعالى: {قَالُواْ إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} هذه قراءة أبي عمرو وهي موافقة للإِعراب مخالفة للمصحف. وقرأ الأكثرون: إن هذان الساحران، فوافقوا المصحف فيها، ثم اختلفوا في تشديد إنّ فخففها ابن كثير وحفص فسلما بتخفيف إن من مخالفة المصحف ومن فساد الإِعراب، ويكون معناها: ما هذان إلا ساحران. وقرأ أُبَيّ: إن ذان إلا ساحران، وقرأ باقي القراء بالتشديد: إنَّ هذان لساحران. فوافقوا المصحف وخالفوا ظاهر الإِعراب. واختلف من قرأ بذلك في إعرابه على أربعة أقاويل:أحدها: أن هذا على لغة بلحارث بن كعب وكنانة بن زيد يجعلون رفع الإِثنين ونصبه وخفضه بالألف، وينشدون: والوجه الثاني: لا يجوز أن يحمل القرآن على ما اعتل من اللغات ويعدل به عن أفصحها وأصحها، ولكن في {إن} هاء مضمرة تقديرها إنّه هذان لساحران، وهو قول متقدمي النحويين.الثالث: أنه بَنَى {هذان} على بناء لا يتغير في الإِعراب كما بَنَى الذين على هذه الصيغة في النصب والرفع.الرابع: أن {إن} المشددة في هذا الموضع بمعنى نعم، كما قال رجل لابن الزبير: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إنّ وصاحبها. وقال عبد الله بن قيس الرقيات: أي نعم.{وَيَذْهَبَا بِطَرِيقتِكُمْ الْمُثْلَى} في قائل هذه ثلاثة أقاويل:أحدها: أنه قول السحرة.الثاني: أنه قول قوم فرعون.الثالث: قول فرعون من بين قومه، وإن أشير به إلى جماعتهم.وفي تأويله خمسة أوجه:أحدها: ويذهبا بأهل العقل والشرف. قاله مجاهد.الثاني: ببني إسرائيل، وكانوا أولي عدد ويسار، قاله قتادة.الثالث: ويذهبا بالطريقة التي أنتم عليها في السيرة قاله ابن زيد.الرابع: ويذهبا بدينكم وعبادتكم لفرعون، قاله الضحاك.الخامس: ويذهبا بأهل طريقتكم المثلى، والمثلى مؤنث الأمثل والمراد بالأمثل الأفضل، قال أبو طالب: قوله تعالى: {فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ} فيه وجهان:أحدهما: جماعتكم على أمرهم في كيد موسى وهارون.الثاني: معناه أحكموا أمركم، قال الراجز: أي محكم.{ثُمَّ ائْتُواْ صَفًّا} أي اصطفواْ ولا تختلطواْ.{مَنِ اسْتَعْلَى} أي غلب. اهـ. .قال ابن عطية: فقال موسى للسحرة {ويلكم} وهذه مخاطبة محذرة ندبهم في هذه الآية إلى قول الحق إذا رأوه وأن لا يباهتوا بكذب وقرأ ابن عباس ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر: {فيَسحتكم} بفتح الياء، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم {فيُسحتكم} بضم الياء وهما لغتان بمعنى يقال سحت وأسحب إذا أهلك وأذهب ومنه قول الفرزدق: الطويل:فهذا من أسحت فلما سمع السحرة هذه المقالة هالهم هذا المنزع ووقع في نفوسهم من مهابته أمر شديد {فتنازعوا} والتنازع يقتضي اختلافًا كان بينهم في السر أي قال بعضهم لبعض هو محق، وقال بعضهم هو مبطل، وقال بعضهم إن كان من عند الله فسيغلبنا ونحو هذا من الأقوال التي تعهد من الجموع الكثيرة في وقت الخوف كالحرب ونحو هذا، ومعلوم أن جميع تناجيهم إنما كان في أمر موسى. وقالت فرقة إنما كان تناجيهم بالآية التي بعد هذا {إن هذان لساحران} ع والأظهر أن تلك قيلت علانية ولو كان تناجيهم ذلك لم يكن ثم تنازع، و{النجوى} السرار والمساررة أي كان كل رجل يناجي من يليه، ثم جعلوا ذلك سرًا مخافة فرعون أن يتبين فيهم ضعفًا لأنهم لم يكونوا حينئذ مصممين على غلبة موسى بل كان ظنًا من بعضهم، وقوله تعالى: {إن هذان لساحران} الآية، قرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي: {إنّ} مشددة النون {هذان} بألف ونون مخففة للتثنية. وقرأ أبو عمرو وحده {إن هذين لساحران} وقرأ ابن كثير {إن هذان} بتخفيف نون {إنْ} وتشديد نون {هذان لسحران} وقرأ حفص عن عاصم {إن} بالتخفيف {هذان} خفيفة أيضًا {لساحران} وقرأت فرقة {إن هذان إلا ساحران}، وقرأت فرقة {إن ذان لساحران}، وقرأت فرقة {ما هذان إلا ساحران}، وقرأت فرقة {إن هذان} بتشديد النون من {هذان}. فأما القراءة الأولى فقالت فرقة قوله: {إن} بمعنى نعم كما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته: «إن الحمدُ لله» فرفع الحمد وقال ابن الزبير إن وراكبها حين قال له الرجل فأبعد الله ناقة حملتني إليك ويلحق هذا التأويل أن اللام لا تدخل في خبر الإبتداء وهو مما يجوز في الشعر ومنه قول الشاعر: الرجز: وذهبت فرقة إلى أن هذه الآية على لغة بلحارث وهو إبقاء ألف التثنية في حال النصب والخفض فمن ذلك قول الشاعر هوبر الحارثي: الطويل: وقال الآخر: الطويل: وتعزى هذه اللغة لكنانة وتعزى لخثعم وقال الفراء الألف في {هذان} دعامة وليست بمجلوبة للتثنية وإنما هي ألف هذا تركبت في حال التثنية كما تقول الذي ثم تزيد في الجمع نونًا وتترك الياء في حال الرفع والنصب والخفض وقال الزجاج في الكلام ضمير تقديره إنه هذان لساحران.قال القاضي أبو محمد: وفي هذا التأويل دخول اللام في الخبر وقال بعض النحاة ألف {هذان} مشبهة هنا بألف تفعلان وقال ابن كيسان لما كان هذا بحال واحدة في رفعه ونصبه وخفضه تركت تثنيته هنا كذلك، وقال جماعة، منهم عائشة رضي الله عنها وأبو بكر، هذا مما لحن الكاتب فيه وأقيم بالصواب وهو تخفيف النون من أن ع وهذه الأقوال معترضة إلا ما قيل من أنها لغة، و{إن} بمعنى أجل ونعم أو {إن} في الكلام ضميرًا وأما من قرأ {إن} خفيفة فهي عن سيبويه المخففة من الثقيلة ويرتفع بعدها الأسم ويقول الفراء هي بمعنى ما واللام بمعنى إلا ووجه سائر القراءات بينّ. وعبر كثير عن المفسرين عن الطريقة بالسادة وأنها يراد بها أهل العقل والسن والحجى وحكوا أن العرب تقول فلان طريقة قومه أي سيدهم والأظهر في الطريقة هنا أنها السيرة والمملكة والحال التي هي عليها، و{المثلى} تأنيث أمثل أي الفاضلة الحسنة. وقرأ جمهور القراء {فأجمعوا} بقطع الألف وكسر الميم على معنى أنقذوا وأعزموا، وقرأ أبو عمرو وحده {فاجمعوا} من جمع أي ضموا سحركم بعضه إلى بعض، وقرأ ابن كثير {ثمَّ} بفتح الميم {ايْتوا} بسكون الياء، وقرأ أيضًا في رواية شبل عنه بكسر الميم {ثمِ ايتوا} قال أبو علي وهذا غلط ولا وجه لكسر الميم من {ثم} وقرأ الجمهور: {ثم ائتوا} بفتح الميم وبهمزة بعد الألف، قوله: {صفًا} حال أي مصطفين وتداعوا إلى هذا لأنه أهيب وأظهر لهم، و{أفلح} معناه ظفر ببغيته و{استعلى} معناه طلب العلو في أمره وسعى سعيه. اهـ. .قال ابن الجوزي: {قال لهم موسى} أي: للسحرة.وقد ذكرنا عددهم في [الأعراف: 114].
|