الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وفي البحر أنه قد اختلف في عددهم وصفاتهم ولم يصح في ذلك شيء. وأعجب ما روي في ذلك قول مكحول الأرض مسيرة مائة عام ثمانون منها يأجوج ومأجوج وهي أمتان كل أمة أربعمائة ألف أمة لا تشبه أمة الأخرى وهو قول باطل، ومثله ما روي عن أبي الشيخ عن أبي أمامة الدنيا سبعة أقاليم فليأجوج ومأجوح ستة وللباقي إقليم واحد وهو كلام من لا يعرف الأرض ولا الأقاليم: نعم أخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه من طريق البكالي عن ابن عمر أن الله تعالى جزأ الإنس عشرة أجزاء فتسعة منهم يأجوج ومأجوج وجزء سائر الناس إلا أني لم أقف على تصحيحه لغير الحاكم وحكم تصحيحه مشهور ويعلم مما تقدم ومما سيأتي إن شاء الله تعالى بطلان ما يزعمه بعض الناس من أنهم التاتار الذين أكثروا الفساد في البلاد وقتلوا الأخبار والأشرار.ولعمري أن ذلك الزعم من الضلالة بمكان وإن كان بين يأجوج ومأجوج وأولئك الكفرة مشابهة تامة لا تخفى على الواقفين على أخبار ما يكون وما كان إبطال ما يزعمه بعض الناس من أنهم التاتار {وَنُفِخَ في الصور} الظاهر أن المراد النفخة الثانية لأنه المناسب لما بعد ولعل عدم التعرض لذكر النفخة الأولى لأنها داهية عامة ليس فيها حالة مختصة بالكفار، وقيل: لئلا يقع الفصل بين ما يقع في النشأة الأولى من الأحوال والأهوال وبين ما يقع منها في النشأة الآخرة والصور قرن جاء في الآثار من وصفه ما يدهش العقول وقد صح عن أبي سعيد الخدري أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن وحنا جبينه وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر فينفخ». وزعم أبو عبيدة أنه جمع صورة وأيد بقراءة الحسن {الصور} بفتح الواو فيكون لسورة وسور ورد ذلك أظهر من أن يخفى، ولذلك قال أبو الهيثم على ما نقل عنه الإمام القرطبي: من أنكر أن يكون الصور قرنًا فهو كمن أنكر العرش والصراط والميزان وطلب لها تأويلات وذكر أن الأمم مجمعة على أن النافخ فيه إسرافيل عليه السلام {فجمعناهم} أي الحلائق بعد ما تفرقت أوصالهم وتمزقت أجسادهم في صعيد واحد للحساب والجزاء {جَمْعًا} أي جمعًا عجيبًا لا يكتنه كنهه.{وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100)}.{وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ} اظهرناها وأبرزناها {يَوْمَئِذٍ} أي يوم إذ جمعنا الخلائق كافة {للكافرين} منهم حيث جعلناها بحيث يرونها ويسمعون لها تغيظًا وزفيرًا {عَرْضًا} أي عرضًا فظيعًا هائلًا لا يقادر قدره وتخصيص العرض بهم مع أنها بمرأى من أهل الجمع قاطبة لأن ذلك لأجلهم خاصة.{الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ} وهم في الدنيا {فِى غِطَاء} كثيف وغشاوة غليظة محاطة بذلك من جميع الجوانب {عَن ذِكْرِى} عن الآيات المؤدية لأولي الأبصار المتدبرين فيها إلى ذكرى بالتوحيد والتمجيد فالذكر مجاز عن الآيات المذكورة من باب إطلاق المسبب وإرادة السبب. وفيه أن من لم ينظر نظرًا يؤدي به إلى ذكر التعظيم كأنه لا نظر له البتة وهذا فائدة التجوز. وقيل: الكلام على حذف مضاف أي عن آيات ذكري وليس بذاك، ويجوز أن يكون المراد بالأعين البصائر القلبية والمعنى كانت بصائرهم في غطاء عن أن يذكروني على وجه يليق بشأني أو عن ذكري الذي أنزلته على الأنبياء عليهم السلام، ويجوز أن يخص بالقرآن الكريم {وَكَانُواْ} مع ذلك {لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} نفى لسماعهم على أتم وجه ولذا عدل عن وكانوا صمًا الا خصر إليه والمراد أنهم مع ذلك كفاقدي حاسة السمع بالكلية وهو مبالغة في تصوير إعراضهم عن سماع ما يرشدهم إلى ما ينفعهم بعد تصوير تعاميهم عن الآيات المشاهدة بالإبصار فلا حاجة إلى تقدير لذكري المراد منه القرآن أو مطلق الشرائع الإلهية فإنه بعد تخصيص الذكر المذكور في النظم الكريم أولًا بالآيات المشاهدة لا يصير قرينة على هذا الحذف.قال ابن هشام في المغني: إن الدليل اللفظي لابد من مطابقته للمحذوف معنى فلا يصح زيد ضارب وعمرو أي ضارب على أن الأول بمعناه المعروف والثاني بمعنى مسافر وتقدير ذلك وإرادة معنى الآيات منه مجازًا بعد المجاز أظهر، وقال بعض المحققين: إن تقدير ذلك إنما هو بقرينة قوله تعالى سمعًا وأن الكافرين هذا حالهم لا بقرينة ذكر الذكر قبل ليجىء كلام ابن هشام، ولا يخفى أنه لا كلام في تقدير الذكر بمعنى القرآن أو الشرائع الإلهية إذا أريد من الذكر المذكور ذلك والموصول نعت الكافرين أو بدل منه أو بيان جىء به لذمهم بما في حيز الصلة وللإشعار بعليته لإصابة ما أصابهم من عرض جهنم لهم.{أَفَحَسِبَ الذين كَفَرُواْ} أي كفروا بي كما يعرب عنه قوله تعالى: {عِبَادِى} والحسبان بمعنى الظن، وقد قرأ عبد الله {أفظن} والهمزة للإنكار والتوبيخ على معنى إنكار الواقع واستقباحه والفاء للعطف على مقدر يفصح عنه الصلة على توجيه الإنكار والتوبيخ وإلى المعطوفين جميعًا على ما اختاره شيخ الإسلام والمعنى أكفروا بي مع جلالة شأني فحسبوا {كَفَرُواْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِى} من الملائكة وعيسى ونحوهم عليهم السلام من المقربين كما تشعر به الإضافة إن الأكثر أن تكون في مثل هذا اللفظ لتشريف المضاف واقتصر قتادة في المراد من ذلك على الملائكة؛ والظاهر إرادة ما يعمهم وغيرهم ممن ذكرنا واختاره أبو حيان وغيره، وروي عن ابن عباس أن المراد منه الشياطين وفيه بعد ولعل الرواية لا تصح وعن مقاتل أن المراد الأصنام وهو كما ترى، وجوز بعض المحققين أن يراد ما يعم المذكورين والأصنام وسائر المعبودات الباطلة من الكواكب وغيرها تغليبًا ولعل المقام يقتضي أن لا تكون الإضافة فيه للتشريف أي أفظنوا أن يتخذوا عبادي الذي هم تحت ملكي وسلطاني {مِن دُونِى} أي مجاوزين لي {أَوْلِيَاء} أي معبودين أو أنصارًا لهم من بأسي وما في حيز صلة أن قيل ساد مسد مفعولي حسب أي أفحسبوا أنهم يتخذونهم أولياء وكان مصب الإنكار أنهم يتخذونهم كذلك إلا أنه أقحم الحسبان للمبالغة، وقيل: المراد ما ذكر على معنى أن ذلك ليس من الاتخاذ في شيء لما أنه إنما يكون من الجانبين والمتخذون بمعزل عن ولايتهم لقولهم سبحانك أنت ولينا من دونهم، وقيل: أن وما بعدها في تأويل مصدر مفعول أول لحسب والمفعول الثاني محذوف أي أفحسبوا اتخاذهم نافعهم أو سببًا لرفع العذاب عنهم أو نحو ذلك. وهو مبني على تجويز حذف أحد المفعولين في باب علم وهو مذهب بعض النحاة، وتعقب بأن فيه تسليمًا لنفس الاتخاذ واعتدادًا به في الجملة والأولى ما خلا عن ذلك.هذا وفي الكشف أن التحقيق أن قوله تعالى: {فحسب} معطوف على {كانت وكانوا} [الكهف: 101] دلالة على أن الحسبان ناشىء عن التعامي والتصام وأدخل عليه همزة الإنكار ذمًا على ذم وقطعًا له عن المعطوف عليهما لفظًا لا معنى للإيذان بالاستقلال المؤكد للذم كأنه قيل لا يزيلون ما بهم من مرضى الغشاوة والصمم ويزيدون عليهما الحسبان المترتب عليهما.وقوله تعالى: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ} من وضع الظاهر مقام المضمر زيادة للذم انتهى. وفي إرشاد العقل السليم بعد نقل ما ذكر إلى قوله كأنه قيل.. إلخ. أنه يأبى ذلك ترك الإضمار والتعرض لوصف آخر غير التعامي والتصام على أنهما أخرجا مخرج الأحوال الجبلية لهم ولم يذكرا من حيث أنهما من أفعالهم الاختيارية الحادثة كحسبانهم ليحسن تفريعه عليهما وأيضًا فإنه دين قديم لهم لا يمكن جعله ناشئًا عن تصامهم عن كلام الله عز وجل. وتخصيص الإنكار بحسبانهم المتأخر عن ذلك تعسف لا يخفى انتهى، ولا يخلو عن بحث فتأمل. وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه. وزيد بن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهم. والشافعي عليه الرحمة. ويحيى بن يعمر ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، ونعيم بن ميسرة، والضحاك، وابن أبي ليلى، وابن محيصن، وأبو حيوة، ومسعود بن صالح، وابن كثير. ويعقوب بخلاف عنهما {أَفَحَسِبَ} بإسكان السين وضم الباء مضافًا إلى الذين وخرج ذلك على أن حسب مبتدأ وهو بمعنى محسب أي كافي {وَأَنْ يَتَّخِذُواْ} خبره أي أفكافيهم اتخاذهم عبادي من دوني أولياء وفيه دلالة على غاية الذم لأنه جعل ذلك مجموع عدتهم يوم الحساب وما يكتفون به عن سائر العقائد والفضائل التي لابد منها للفائز في ذلك اليوم، وجعل الزمخشري المصدر المتحصل من أن والفعل فاعلًا لحسب لأنه اعتمد على الهمزة واسم الفاعل إذا اعتمد ساوى الفعل في العمل، واعترض عليه أبو حيان بأن حسب مؤول باسم الفاعل وما ذكر مخصوص بالوصف الصريح ثم أشار إلى جوابه بأن سيبويه أجاز في مررت برجل خير منه أبوه وبرجل سواء عليه الخير والشر وبرجل أب له صاحبه وبرجل إنما رجل هو وبرجل حسبك من رجل الرفع بالصفات المؤولة، وذكر أنهم أجازوا في مررت برجل أبي عشرة أبوه ارتفاع أبوه بأبي عشرة لأنه في معنى والد عشرة وحينئذٍ فلا كلام فيما ذكر الزمخشري {إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ} أي هيأناها وهو ظاهر في أنها مخلوقة اليوم {للكافرين} المعهودين عدل عن ازضمار ذمًا لهم وإشعارًا بأن ذلك الاعتداد بسبب كفرهم المتضمن لحسبانهم الباطل {نُزُلًا} أي شيئًا يتمتعون به عند ورودهم وهو ما يقام به للنزيل أي الضيف مما حضر من الطعام واختار هذا جماعة من المفسرين.وفي ذلك على ما قيل تخطئة لهم في حسبانهم وتهكم به حيث كان اتخاذهم إياهم أولياء من قبيل اعتاد العتاد وإعداد الزاد ليوم المعاد فكأنه قيل أنا أعتدنا لهم مكان ما أعدوا لأنفسهم من العدة والذخر جهنم عدة، وفي إيراد النزل إيماءً إلى أن لهم وراء جهنم من العذاب ما هي أنموذج له، ولا يأبى ذلك قوله تعالى: {جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ} [الكهف: 106] لأن المراد هناك أنها جزاؤهم بما فيها فافهم، وقال الزجاج: النزل موضع النزول، وروي ذلك عن ابن عباس، وقيل: هو جمع نازل ونصبه على الحال. وقرأ أبو حيوة، وأبو عمرو بخلاف عنه {نُزُلًا} بسكون الزاي. اهـ.
.قال القاسمي: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} أي: نفخ فيه للبعث في النشأة الثانية. فجمعناهم للجزاء والحساب جمعًا عجيبًا لا يكتنه كنهه.قال إمام: النفخ في الصور تمثيل لبعث الله الناس يوم القيامة بسرعة لا يمثلها إلا نفخة في بوق، فإذا هم قيام ينظرون. وعلينا أن نؤمن بما ورد من النفخ في الصور، وليس علينا أن نعلم ما هي حقيقة ذلك الصور. والبحثُ وراء هذا عبث لا يسوغ للمسلم. أي: لأنه من عالم الغيب، أي: الأمور المغيّبة عنا، التي لم نكلف بالبحث عن حقائقها.{وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ} أي: أظهرناها وأبرزناها: {يَوْمَئِذٍ} أي: يوم إذْ جمعنا الخلائق كافة: {لِلْكَافِرِينَ} أي: منهم. حيث جعلناهم بحيث يرونها ويسمعون لها تغيظًا وزفيرًا: {عَرْضًا} أي: فظيعًا هائلًا لا يقادر قدره. قال أبو السعود: وتخصيص العرض بهم، مع أنها بمرأى من أهل الجمع قاطبة، لأن ذلك لأجلهم خاصة. وفي عرضها وإراءتهم ما فيها من العذاب والنكال، قبل دخولها، مزيد غضب عليهم ونكاية. لكونه أبلغ في تعجيل الهم والحزن.{الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} تمثيل لتعاميهم عن الآيات الدالة على توحيده، أو عن القرآن وتأمل معانيه وتبصرها. ولتصامِّهم عن الحق واتباع الهدى. وقوله تعالى: {وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} أبلغ من وكانوا صمًّا لأن الأصم قد يستطيع السمع إذا صيح به. وهؤلاء كأنهم أصميت أسماعهم فلا استطاعة بهم للسمع. أفاده الزمخشريّ. وفي توصيفهم بالجملتين نكتة أخرى، بها تعلم أنه لا يستغنى بالثانية عن الأولى، كما زعم، وذلك- كما حققه الشهاب- إن قوله تعالى: {لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} لما أفاد أنهم كفاقدي حاسة السمع، ومن هو كذلك إنما يعرف الذكر بإشارة أو كتابة أو نحوهما، مما يدرك بالنظر، وذكر أن أعينهم محجوبة عن النظر فيما يدل عليه أيضًا. فهم لا سبيل لهم إلى معرفة ذكره أصلًا. وهذا من البلاغة بمكان.قال أبو السعود: والموصول يعني: الذين نعت {للكافرين}، أو بدل أو بيان جيءَ به لذمهم بما في حيز الصلة، وللإشعار بعليته لإصابة ما أصابهم من عرض جهنم لهم. فإن ذلك إنما هو لعدم استعمال مشاعرهم فيما عرض لهم في الدنيا من الآيات، وإعراضهم عنها، مع كونها أسبابًا منجية عما ابتلوا به في الآخرة.{أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} هذا رجوع إلى طليعة السورة في قوله تعالى: {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} [الكهف: 4]، فهو من باب رد العجز على الصدر المقرر في البديع، جيء بالاستفهام الإنكاريّ، إنكارًا لما وقع منهم وتوبيخًا لهم. ومفعول حسب الثاني محذوف. أي: أفحسبوا اتخاذهم نافعًا لهم؟: {كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} [مريم: 82]، كما قالوا: {سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ} [سبأ: 41]، {إِنَّا أَعْتَدْنَا} أي: هيأنا: {جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا} أي: شيئًا يتمتعون به عند ورودهم. والنزل ما يقام للنزيل أي: الضعيف. وفيه استعارة تهكمية. إذ جعل ما يعذبون به في جهنم كالزقوم والغسلين، ضيافة لهم.وقال أبو السعود: وفيه تخطئة لهم في حسبانهم، وتهكم بهم. حيث كان اتخاذهم إياهم أولياء، من قبيل إعتاد العتاد، وإعداد الزاد، ليوم المعاد. فكأنه قيل: إنا أعتدنا لهم، مكان ما أعدوا لأنفسهم، من العدة والذخر، جهنم عدة. وفي إيراد النزل إيماء إلى أن لهم وراء جهنم من العذاب ما هو أنموذج له. أي: لأن الضيف لا يستقر في منزل الضيافة. وينتقل إلى ما هو إهناء له في دار إقامته. فكان تنبيهًا على أنهم سيذوقون ما هو أشد. اهـ..قال ابن عاشور: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ في بَعْضٍ}.الترك: حقيقته مفارقة شيء شيئًا كان بقربه، ويطلق مجازًا على جعل الشيء بحالة مخالفة لحالة سابقة تمثيلًا لحال إلفائه على حالة، ثم تغييرها بحال من كان قرب شيء ثم ذهب عنه، وإنما يكون هذا المجاز مقيدًا بحالة كان عليها مفعول تَرك، فيفيد أن ذلك آخر العهد، وذلك يستتبع أنه يدوم على ذلك الحال الذي تركه عليها بالقرينة.والجملة عطف على الجملة التي قبلها ابتداء من قوله: {حتى إذا بلغ بين السدين} فهذه الجملة لذكر صنع الله تعالى في هذه القصة الثالثة من قصص ذي القرنين إذ ألهمه دفع فساد ياجوج وماجوج، بمنزلة جملة {قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب} في القصة الأولى، وجملة {كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرًا} فجاء أسلوب حكاية هذه القصص الثلاث على نسق واحد.و{يومئذ} هو يوم إتمام بناء السد المستفاد من قوله: {فما اسطاعوا أن يظهروه} الآية.
|