الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
شامل لشيئين استيلاء بعضهم على بعض واستيلائهم على أموالنا فقدم الأول. (قوله: سبي الترك الروم وأخذوا أموالهم ملكوها) لأن الاستيلاء قد تحقق في مال مباح وهو السبب لأن الكلام فيما إذا كان الكل في دار الحرب لأن الكافر يملك بمباشرة سبب الملك كالاحتطاب فكذا بهذا السبب وفي القاموس الروم بالضم جيل من ولد الروم بن عيصو رجل رومي والجمع روم والترك بالضم جيل من الناس والجمع أتراك ا هـ. فما في النهاية من أن الترك جمع التركي والروم جمع الرومي ففيه نظر لا يخفى. (قوله: وملكنا ما نجده من ذلك إن غلبنا عليهم) اعتبارا بسائر أملاكهم أطلقه فشمل ما إذا كان بيننا وبين الروم موادعة لأنا لم نغدرهم إنما أخذنا مالا خرج عن ملكهم ولذا حل لنا أن نشتري ما غنمه إحدى الطائفتين من الأخرى لما ذكرنا، وفي الخلاصة والإحراز بدار الحرب شرط أما بدارهم فلا، ولو كان بيننا وبين كل من الطائفتين موادعة واقتتلوا في دارنا لا نشتري من الغالبين شيئا لأنهم لم يملكوه لعدم الإحراز فيكون شراؤنا غدرا بالآخرين فإنه على ملكهم وأما لو اقتتلت طائفتان في بلدة واحدة فهل يجوز شراء المسلم المستأمن من الغالبين نفسا أو مالا ينبغي أن يقال إن كان بين المأخوذ والآخذ قرابة محرمية كالأمية أو كان المأخوذ لا يجوز بيعه للآخذ لم يجز إلا إن دانوا بذلك عند الكرخي وإن لم يكن فإن دانوا بأن من قهر آخر ملكه جاز الشراء وإلا فلا، كذا في فتح القدير. (قوله: وإن غلبوا على أموالنا وأحرزوها بدارهم ملكوها) وقال الشافعي لا يملكونها لأن الاستيلاء محظور ابتداء وانتهاء والمحظور لا ينتهض سببا للملك على ما عرف من قاعدة الخصم ولنا أن الاستيلاء ورد على مال مباح فينعقد سببا للملك دفعا لحاجة المكلف كاستيلائنا على ما لهم، وهذا لأن العصمة ثبتت على منافاة الدليل ضرورة تمكن المالك من الانتفاع، وإذا زالت المكنة عاد مباحا كما كان، غير أن الاستيلاء لا يتحقق إلا بالإحراز بالدار لأنه عبارة عن الاقتدار على المحل حالا ومآلا والمحظور لغيره إذا صلح سببا لكرامة تفوق الملك وهو الثواب الآجل فما ظنك بالملك العاجل قيد بالإحراز لأنهم لو استولوا عليها فظهرنا عليهم قبل الإحراز فإنها تكون لملاكها بغير شيء ولو اقتسموها في دارنا لم يملكوا وفي المحيط يفرض علينا اتباعهم ومقاتلتهم لاستنقاذ الأموال من أيديهم ما داموا في دار الإسلام وإن دخلوا بها دار الحرب لا يفترض علينا اتباعهم والأولى اتباعهم بخلاف الذراري يفترض اتباعهم مطلقا وأفاد المصنف رحمه الله أنهم لو أسلموا فلا سبيل لأربابها عليها كذا في شرح الطحاوي. (قوله: وإن غلبنا عليهم فمن وجد ملكه قبل القسمة أخذه مجانا وبعدها بالقيمة) لقوله عليه السلام فيه إن وجدته قبل القسمة فهو لك بغير شيء وإن وجدته بعد القسمة فهو لك بالقيمة ولأن المالك القديم زال ملكه بغير رضاه فكان له حق الأخذ نظرا له إلا أن في الأخذ بعد القسمة ضررا بالمأخوذ منه بإزالة ملكه الخاص فيأخذه بالقيمة ليعتدل النظر من الجانبين والشركة قبل القسمة عامة فيقل الضرر فيأخذه بغير قيمته أطلقه فشمل ما إذا ترك أخذه بعد العلم به زمانا طويلا بعد الإخراج من دار الحرب كما سيأتي. وأشار بقوله بقيمته إلى أن الكلام في القيمي لأن النقدين والمكيل والموزون لا سبيل له عليه بعد القسمة لأنه لو أخذه أخذه بمثله وذلك لا يفيد وقبل القسمة يأخذه مجانا كذا في المحيط وفي التتارخانية عبد لمسلم سباه أهل الحرب فأعتقه سيده ثم غلب عليه المسلمون أخذه مولاه بغير شيء وذلك العتق باطل ولو أعتقه بعدما أخرجه المسلمون قبل القسمة جاز عتقه عبد لمسلم أسره العدو وأحرزه بدارهم ثم انفلت منهم وأخذ شيئا من أموالهم وخرج هاربا إلى دار الإسلام فأخذه مسلم ثم جاء مولاه لم يأخذه منه إلا بالقيمة في قول محمد وما في يده من المال فهو لمن أخذه ولا سبيل للمولى عليه وأما في قياس قول أبي حنيفة فإن المولى يأخذ العبد بغير شيء لأنه لما دخل دار الإسلام صار فيئا لجماعة المسلمين يأخذه الإمام ويرفع خمسه ويقسم أربعة أخماسه بين الغانمين ثم رجع محمد عن قوله وقال إذا أخذه مسلم فهو غنيمة آخذه وأخمسه إذا لم يحضر المولى وأجعل أربعة أخماس العبد والمال الذي معه للآخذ فإن جاء مولاه بعد ذلك أخذه بالقيمة وإن جاء مولاه قبل أن يخمس أخذه بغير شيء ا هـ. وفي الملتقط عبد أسره أهل الحرب وألحقوه بدارهم ثم أبق منهم يرد إلى سيده وفي رواية يعتق ا هـ. (قوله: وبالثمن لو اشتراه تاجر منهم) أي لو اشترى ما أخذه العدو منهم تاجر وأخرجه إلى دار الإسلام أخذه مالكه القديم بثمنه الذي اشترى به التاجر من العدو لأنه يتضرر بالأخذ مجانا ألا ترى أنه وقع العوض بمقابلته فكان اعتدال النظر فيما قلنا ولو اختلف المولى والمشتري منهم في قدر الثمن فالقول قول المشتري بيمينه إلا أن يقيم المالك البينة كذا في المحيط وفي التتارخانية وإن أقام أحدهما بينة قبلت وإن أقاما فعلى قولهما البينة بينة المولى القديم وقال أبو يوسف بينة المشتري أراد بالثمن البدل فشمل ما إذا اشتراه بعرض فإنه يأخذه بقيمة العرض ولو كان البيع فاسدا يأخذه بقيمة نفسه ويرد على المصنف ما لو اشتراه التاجر بمثله قدرا ووصفا فإنه لا يأخذه المالك القديم لعدم الفائدة سواء كان البيع صحيحا أو فاسدا بخلاف ما إذا كان بأقل منه قدرا أو بأردأ منه وصفا فإن له أن يأخذه لأنه مفيد ولا يكون ربا لأنه يستخلص ملكه فهو في الحقيقة فداء لا عوض فلو كان اشتراه بمثله نسيئة فليس للمالك أخذه ولو كان اشتراه بخمر أو خنزير لم يكن للمالك أخذه باتفاق الروايات ولو أخذ المشركون ألف درهم نقدا ببيت المال لرجل وأحرزوها فاشتراها التاجر بألف درهم غلة وتفرقوا عن قبض لم يكن للمالك أن يأخذها على الروايات كلها بمثل الغلة التي نقدها كذا في التتارخانية مع أنه في الأخيرة مشكل لأنه بأردأ منه وصفا فينبغي أن يكون للمالك الأخذ. وهاهنا مسائل لا بأس بأبرادها تكثيرا للفوائد منها أن العين المحرزة لو كانت في يد مستأجر أو مودع أو مستعير هل له المخاصمة والاسترداد أم لا؟ قالوا للمستأجر أن يخاصم في المغنوم ويأخذه قبل القسمة بغير شيء، وكذا المستعير والمستودع وإذا أخذه المستأجر عاد العبد إلى الإجارة وسقط عنه الأجر في مدة أسره وإن كان بعد القسمة فللمستأجر أخذه بالقيمة فإن أنكر الذي وقع في سهمه الإجارة فأقام المستأجر البينة قبلت بينته وثبتت الإجارة وليس للمستعير والمستودع المخاصمة بعد القسمة فكانا بمنزلة الأجنبي ومنها لو وهبها العدو لمسلم فأخرجها إلى دار الإسلام أخذها المالك بقيمتها لأنه ثبت له ملك خاص فلا يزال إلا بالقيمة ومنها لو أسر العدو الجارية المبيعة قبل القبض ونقد الثمن ثم اشتراها رجل منهم يأخذها البائع بالثمن ولا يكون متطوعا لأنه يحيي به حقه فيرجع به على المشتري والثمن الثاني واجب على المشتري الثاني بعقده ومنها إذا وقع العبد المأسور في سهم رجل فدبره أو أعتقه جاز ولا يبقى للمولى عليه سبيل لأن المأسور منه لا يملك نقض تصرف المالك في المأسور ولو زوجها وولدت من الزوج له أخذها وولدها لأن التزويج لا يمنع النفل ولا يفسخ النكاح وإن أخذ عقرها أو أرش جناية عليها ليس للمولى عليها سبيل لأن الولد من أجزائها وهي كانت ملكا له، والعقر والأرش لم يكن من أجزائها وإنما وجب في ملك مستأنف للمشتري ولأنهما من ذوات الأمثال فلا تجري فيهما المفاداة لأنها لا تفيد. ومنها أن للوصي أن يأخذ المأسور لليتيم من مشتريه بالثمن ولا يأخذه لنفسه بشرط أن يكون الثمن مثل قيمته ومنها لو رهنه المشتري فليس لمولاه عليه سبيل حتى يفتكه ولا يجبر على الافتكاك إلا أن يتطوع بأداء الدين ثم يعطي الثمن فله ذلك بخلاف ما إذا آجره المشتري فللمولى أخذه وإبطال الإجارة لأنها تنفسخ بالأعذار وهذا عذر بخلاف الرهن. ومنها لو أسروا عبدا في عنقه جناية أو دين فرجع إلى مولاه القديم فالكل في رقبته وإن لم يرجع إليه أو رجع بملك مبتدأ فجناية العمد والدين بحاله وسقطت جناية الخطأ لأن العمد متعلق بروحه والدين بذمته وأما الخطأ فمتعلق بماليته ابتداء فإذا خرج عن ملك المولى إلى ملك من لا يخلفه بطل الكل كما في المحيط. (قوله: وإن فقأ عينيه وأخذ أرشه) وصلية أي للمالك أن يأخذه بالثمن من التاجر وإن كانت عينه فقئت وأخذ التاجر أرشها يعني لا يحط شيئا من الثمن ولا يأخذ المالك الأرش أما الأول فلأن الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن بخلاف الشفعة لأن الصفقة لما تحولت إلى الشفيع صار المشتري في يد المشتري بمنزلة المشتري شراء فاسدا والأوصاف تضمن فيه كما في الغصب أما هنا الملك صحيح فافترقا، وأما الثاني فلأن الملك فيه صحيح فلو أخذه أخذه بمثله وهو لا يفيد وظاهر ما في فتح القدير أن الفاقئ غير التاجر فإنه قال ولو أنه فقأ عينه عند الغازي المقسوم له فأخذ قيمته وسلمه للفاقئ فللمالك الأول أخذه من الفاقئ بقيمته أعمى عند أبي حنيفة وقالا بقيمته سليما وهي التي أعطاها الفاقئ للمولى والفرق لأبي حنيفة أن فوات الطرف هنا بفعل الذي ملكه باختياره فكان بمنزلة ما لو اشتراه سليما ثم قطع طرفه باختياره فكان راضيا بتنقيصه بخلاف مسألة الكتاب لأن الفاقئ غيره بغير رضاه ا هـ. وصرح في المحيط بأن المشتري إذا فقأ عينها فالحكم كذلك وعن محمد أنه تسقط حصته من الثمن وهذا بمنزلة الشفعة إذا هدم المشتري البناء سقط عن الشفيع حصة البناء فكذا هذا ا هـ. فعلى رواية محمد لا فرق بين مسألة الكتاب والشفعة إذ الوصف لا يقابله شيء إلا إذا صار مقصودا بالإتلاف وهو موافق لما ذكروه في البيوع لكن ظاهر الهداية الفرق بين مسألة الكتاب والشفعة وهو الحق ولا فرق في الفاقئ بين أن يكون التاجر أو غيره ولهذا قال الشارح الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن في ملك صحيح بعد القبض وإن كانت مقصودة بالإتلاف بخلاف المشفوع لأن شراءه من غير رضا الشفيع مكروه وملكه ينتقض من غير رضاه فأشبه البيع الفاسد ا هـ. ولو أخرجه المشتري من العدو عن ملكه بعوض يأخذه المالك القديم بذلك العوض إن كان مالا وإن كان غير مال كالصلح عن دم أو هبة أخذه بقيمته ولا ينتقض تصرفه بخلاف الشفيع لأن حقه قبل حق المشتري فينتقض تصرف المشتري لأجله والتقييد بالعين اتفاقي لأن اليد لو قطعت فالحكم كذلك ولو ولدت الجارية عند المشتري فأعتق المشتري أحدهما أخذ الباقي منهما بجميع الثمن لأن الفداء لا يتوزع ما بقي شيء من الأصل أو ما تولد منه وعن محمد إن أعتق الأم أخذ الولد بحصته من الثمن وليس الولد كالأرش كذا في المحيط وفي المغرب فقأ العين غارها بأن شق حدقتها والقلع أن ينزع حدقتها بعروقها والأرش دية الجراحات والجمع أروش ا هـ. (قوله: فإن تكرر الأسر والشراء أخذ الأول من الثاني بثمنه ثم القديم بالثمنين) يعني لو أسر العبد مرتين واشتراه في المرة الأولى رجل وفي الثانية رجل آخر كان حق الأخذ من المشتري الثاني للمشتري الأول بما اشترى لأن الأسر ورد على ملكه وأفاد أنه ليس للمالك القديم أن يأخذه من المشتري الثاني ولو كان المشتري الأول غائبا أو كان حاضرا إلا أنه أبى عن أخذه لأن الأسر ما ورد على ملكه فإذا أخذه المشتري الأول من الثاني بثمنه فقد قام عليه بالثمنين فكان للمالك القديم أن يأخذ بالثمنين إن شاء من المشتري الأول لأنه قام عليه بهما وأفاد بتعبيره بالأخذ المفيد للتخليص أن المشتري الأول لو اشتراه من الثاني ليس للقديم أخذه لأن حق الأخذ ثبت للمالك القديم في ضمن عود ملك المشتري الأول ولم يعد ملكه القديم وإنما ملكه بالشراء الجديد منه وقيد بتكرر الشراء لأن المشتري الأول ولو كان وهبه له أخذه مولاه من الموهوب له بقيمته كما لو وهب الكافر لمسلم وقيد بتكرر الأسر لأنه لو لم يتكرر كما إذا باع المشتري من العدو والعبد من غيره أخذه المالك القديم من الثاني بالثمن الذي اشتراه به إن مثليا فبمثله وإن قيميا بأن كان اشتراه مقايضة فبقيمته لأن المشتري الثاني قائم مقام المشتري الأول وليس للقديم أن ينقض العقد الثاني فيأخذه من المشتري الأول بالثمن للمولى إلا رواية ابن سماعة عن محمد وظاهر الرواية الأولى والوجه في المبسوط. (قوله: ولا يملكون حرنا ومدبرنا وأم ولدنا ومكاتبنا ونملك عليهم جميع ذلك) يعني بالغلبة لأن السبب إنما يفيد الملك في محله والمحل المال المباح والحر معصوم بنفسه وكذا من سواه لأنه ثبتت الحرية فيه ومن وجه بخلاف رقابهم لأن الشرع أسقط عصمتهم جزاء على جنايتهم وجعلهم أرقاء ولا جناية من هؤلاء ويتفرع على عدم ملكهم هؤلاء أنهم لو أسروا أم ولد لمسلم أو مكاتبا أو مدبرا ثم ظهر على دراهم أخذه مالكه بعد القسمة بغير شيء وعوض الإمام من وقع في قسمة من بيت المال قيمته ولو اشترى ذلك تاجر منهم أخذه منه بغير ثمن ولا عوض. (قوله: وإن ند إليهم جمل فأخذوه وملكوه) لتحقق الاستيلاء إذ لا يد للعجماء لتظهر عند الخروج من دارنا والتقييد بالجمل اتفاقي وإنما المقصود الدابة كما عبر بها في المحيط وفي المغرب ند البعير نفر ندودا من باب ضرب. (قوله: وإن أبق إليهم قن لا) أي لا يملكونه بالأخذ عند أبي حنيفة وقالا يملكونه لأن العصمة لحق المالك لقيام يده وقد زالت ولهذا لو أخذوه من دار الإسلام ملكوه وله أنه ظهرت يده على نفسه بالخروج من دارنا لأن سقوط اعتباره لتحقق يد المولى عليه تمكينا له من الانتفاع وقد زالت يد المولى فظهرت يده على نفسه وصار معصوما بنفسه فلم يبق محلا للملك بخلاف المتردد في دار الإسلام لأن يد المولى باقية لقيام يد أهل الدار فمنع ظهور يده وإذا لم يثبت الملك لهم عنده يأخذه المالك القديم بغير شيء موهوبا كان أو مشترى أو مغنوما قبل القسمة وبعد القسمة يؤدي عوضه من بيت المال لأنه لا يمكن إعادة القسمة لتفرق الغانمين وتعذر اجتماعهم وليس له على المالك جعل الآبق لأنه عامل لنفسه إذ في زعمه أنه ملكه أطلق في المالك للقن فشمل المسلم والذمي وأطلق القن وهو مقيد بكونه مسلما لأنه لو ارتد فأبق إليهم فأخذوه ملكوه اتفاقا ولو كان كافرا من الأصل فهو ذمي تبع لمولاه وفي العبد الذمي إذا أبق قولان ذكره مجد الأئمة كذا في فتح القدير وفي شرح الوقاية الخلاف فيما إذا أخذوه قهرا وقيدوه وأما إذا لم يكن قهرا فلا يملكونه اتفاقا ا هـ. (قوله: ولو أبق بفرس أو متاع فاشترى رجل كله منهم أخذ العبد مجانا وغيره بالثمن) يعني عند الإمام رضي الله عنه وقالا يأخذ العبد وما معه بالثمن اعتبارا لحالة الاجتماع بحالة الانفراد وقد بينا الحكم في كل فرد ولا تكون يده على نفسه مانعة من استيلاء الكفار على ما معه لقيام الرق المانع للملك بالاستيلاء كغيره وفي القاموس المتاع المنفعة والسلعة والأداة وما تمتعت به من الحوائج ا هـ. والمراد الثاني هنا. (قوله: وإن ابتاع مستأمن عبدا مؤمنا وأدخله دارهم أو أمن عبد ثمة فجاءنا أو ظهرنا عليهم عتق) بيان لمسألتين الأولى أن الحربي إذا دخل دارنا بأمان واشترى عبدا مسلما وأدخله دار الحرب عتق عند أبي حنيفة وقالا لا يعتق لأن الإزالة كانت مستحقة بطريق معين وهو البيع وقد انقطعت ولاية الجبر عليه فبقي في يده عبدا ولأبي حنيفة رحمه الله أن تخليص المسلم عن ذل الكافر واجب فيقام الشرط وهو تباين الدارين مقام العلة وهو الإعتاق تخليصا له كما يقام مضي ثلاث حيض مقام التفريق فيما إذا أسلمت المرأة في دار الحرب قيد بكون الحربي ملكه في دار الإسلام لأن العبد المسلم إذا أسره الحربي من دار الإسلام وأدخله داره لا يعتق عليه اتفاقا أما عندهما فظاهر وأما عنده فللمانع من عمل المقتضى عمله وهو حق استرداد المسلم. وعلى الخلاف السابق لو أسلم عبد الحربي ولم يهرب إلى دار الإسلام حتى اشتراه مسلم أو ذمي أو حربي في دار الحرب يعتق عنده خلافا لهما لأن العتق في دار الحرب يعتمد زوال القهر الخاص وقد عدم إذ زال قهره إلى المشتري فصار كما لو كان في يده وله وأن قهره زال حقيقة بالبيع وكان إسلامه يوجب إزالة قهره عنه إلا أنه تعذر الخطاب بالإزالة فأقيم ماله أثر في زوال الملك مقام الإزالة وهو البيع والتقييد بإيمان العبد اتفاقي إذ لو كان ذميا فالحكم كذلك لأنه يجير على بيعه ولا يمكن من إدخاله دار الحرب كما في النهاية الثانية لو أسلم عبد لحربي ثم خرج إلينا أو ظهر على الدار فهو حر وكذا إذا خرج عبيدهم إلى عسكر المسلمين فهم أحرار لما روي أن عبيدا من عبيد الطائف أسلموا وخرجوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى بعتقهم وقال هم عتقاء الله تعالى وقيد بخروجه أو ظهورنا لأنه إذا أسلم ولم يوجدا فهو رقيق إلى أن يشتريه مسلم أو ذمي فيعتق وفي شرح الطحاوي إذا لم يوجد لم يعتق إلا إذا عرضه المولى على البيع من مسلم أو كافر فحينئذ يعتق العبد قبل المشتري البيع أو لم يقبل لأنه لما عرضه فقد رضي بزوال ملكه والتقييد بإيمانه في دار الحرب اتفاقي إذ لو خرج مراغما لمولاه فآمن في دار الإسلام فالحكم كذلك بخلاف ما إذا خرج بإذن مولاه أو بأمره لحاجته فأسلم في دارنا فإن حكمه أن يبيعه الإمام ويحفظ ثمنه لمولاه الحربي لأنه لما دخل بأمان صارت رقبته داخلة فيه كما لو دخل سيده به وبما معه من المال وفي شرح الطحاوي ولا يثبت ولاء العبد الخارج إلينا مسلما لأحد لأن هذا عتق حكمي والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب. أخره عن الاستيلاء لأن الاستيلاء يكون بالقهر والاستئمان يكون بعد القهر. (قوله: دخل تاجرنا ثم حرم تعرضه لشيء منهم) أي دخل المسلم دار الحرب بأمان وعبر عنه بالتاجر لأنه لا يدخل دارهم إلا بأمان حفظا لما له وإنما حرم عليه لأنه ضمن بالاستئمان أن لا يتعرض لهم فالتعرض بعد ذلك يكون غدرا والغدر حرام إلا إذا غدر به ملكهم فأخذ ماله أو حبسه أو فعل غيره بعلم الملك ولم يمنعه لأنهم هم الذين نقضوا العهد قيد بالتاجر لأن الأسير يباح له التعرض وإن أطلقوه طوعا لأنه غير مستأمن فهو كالمتلصص فيجوز له أخذ المال وقتل النفس دون استباحة الفرج لأنه لا يحل إلا بالملك ولا ملك قبل الإحراز بدارنا إلا إذا وجد من لم يملكه أهل الحرب ومن امرأته وأم ولده ومدبرته فيباح له وطؤهن إلا إذا وطئهن أهل الحرب فتجب العدة للشبهة فلا يجوز وطؤهن حتى تنقضي عدتهن بخلاف أمته المأسورة لا يحل وطؤها مطلقا لأنها مملوكة لهم وأطلق الشيء فشمل النفوس والأموال حتى أمة التاجر المأسورة لأنها من أملاكهم ولا يدخل تحته زوجته وأم ولده ومدبرته لأنهن غير مملوكات لهم فيجوز للتاجر التعرض لهن، وكذا لو أغار أهل الحرب الذين فيهم مسلمون مستأمنون على طائفة من المسلمين فأسروا ذراريهم فمروا بهم على أولئك المستأمنين وجب عليهم أن ينقضوا عهودهم ويقاتلوهم إذا كانوا يقدرون عليه لأنهم لا يملكون رقابهم فتقريرهم في أيديهم تقرير على الظلم ولم يضمنوا ذلك لهم بخلاف الأموال لأنهم ملكوها بالإحراز وقد ضمنوا لهم أن لا يتعرضوا لأموالهم، وكذا لو كان المأخوذ ذراري الخوارج لأنهم مسلمون. ومن الفروع النفيسة ما في المبسوط لو أغار قوم من أهل الحرب على أهل الدار التي فيهم المسلم المستأمن لا يحل له قتال هؤلاء الكفار إلا إن خاف على نفسه لأن القتال لما كان تعريضا لنفسه على الهلاك لا يحل إلا لذلك أو لإعلاء كلمة الله وهو إذا لم يخف على نفسه ليس قتال هؤلاء إلا إعلاء كلمة الكفر ا هـ. وفي المحيط مسلم دخل دار الحرب بأمان فجاء رجل من أهل الحرب بأمه أو بأم ولده أو بعمته أو بخالته قد قهرها ببيعها من المسلم المستأمن لا يشتريها منه لأن الحربي إن ملكها بالقهر فقد صارت حرة فإذا باعها فقد باع الحرة ولو قهر حربي بعض أحرارهم ثم جاء بهم إلى المسلم المستأمن فباعهم منه ينظر إن كان الحكم عندهم أن من قهر منهم صاحبه فقد صار ملكه جاز الشراء لأنه باع المملوك وإن لم يملكه لا يجوز لأنه باع الحر. (قوله: فلو أخرج شيئا ملكه ملكا محظورا فيتصدق به) لورود الاستيلاء على مال مباح إلا أنه حصل بسبب الغدر فأوجب ذلك خبثا فيه فيؤمر بالتصدق به وهذا لأن الحظر فيه لا يمنع انعقاد السبب على ما بيناه أفاد بالخطر مع وجوب التصدق أنه لو كان المأخوذ غدرا جارية لا يحل له وطؤها ولا للمشتري منه بخلاف المشتراة شراء فاسدا فإن حرمة وطئها على المشتري خاصة وتحل للمشترى منه لأن المنع منه لثبوت حق البائع في حق الاسترداد وببيع المشتري انقطع حقه ذلك لأنه باع بيعا صحيا فلم يثبت له حق الاسترداد وهناك الكراهة للغدر والمشتري الثاني كالأول فيه. وفي الولوالجية مسلم تزوج امرأة في دار الحرب وكانت كافرة فأعطى للأب صداقها فأضمر في قلبه أنه يبيعها فخرج بها إلى دار الإسلام فأراد بيعها فالبيع باطل وهي حرة يريد به إذا خرجت معه طوعا لأن أهل الحرب إنما يملكون بالقهر في دار الحرب فإذا لم يقهر في دار الحرب وخرجت معه إلى دار الإسلام بغير قهر لا تصير ملكا له ا هـ. وفي فتح القدير واعلم أنهم أخذوا في تصويرها ما إذا أضمر في نفسه أنه يخرجها ليبيعها ولا بد منه لأنه لو أخرجها كرها لا لهذا الغرض بل لاعتقاده أن له أن يذهب زوجته حيث شاء إذا أوفاها معجل مهرها ينبغي أن لا يملكها ا هـ. وقيد بالإخراج لأنه إذا غصب شيئا في دار الحرب وجب عليه التوبة وهي لا تحصل إلا بالرد عليهم فأشبه المشتري شراء فاسدا كذا في المحيط. (قوله: فإن أدانه حربي أو أدان حربيا أو غصب أحدهما صاحبه وخرج إلينا لم يقض بشيء) أما الإدانة فلأن القضاء يعتمد الولاية ولا ولاية وقت الإدانة أصلا ولا وقت القضاء على المستأمن لأنه ما التزم حكم الإسلام فيما مضى من أفعاله وإنما التزم ذلك في المستقبل وأما الغصب فلأنه صار ملكا للذي غصبه واستولى عليه لمصادفته مالا غير معصوم على ما بينا قيد بالقضاء لأن المسلم يفتي برد المغصوب وإن كان لا يحكم عليه به لأنه غدر كذا ذكره الشارح وسكت عن الإفتاء بقضاء الدين. وفي فتح القدير يفتي بأنه يجب عليه قضاء الدين فيما بينه وبين الله تعالى وذكر الشارحون أن الإدانة البيع بالدين والاستدانة الابتياع بالدين والظاهر عدم تخصيصه بالبيع وأنه لا يشمل القرض لما في القاموس أدان واستدان وتدين أخذ دينا والدين ما له أجل وما لا أجل له فقرض وأدان اشترى بالدين أو باع بالدين ضد ا هـ. مع أنه في الحكم هنا لا فرق بينهما لأن أحدهما لو أقرض الآخر في دار الحرب شيئا ثم خرجا لم يقض بشيء. (قوله: وكذلك لو كانا حربيين وفعلا ذلك ثم استأمنا) أي الإدانة والغصب ثم دخلا دارنا بأمان لم يقض بشيء لما بيناه وفي المحيط خرج حربي مع مسلم إلى العسكر وادعى المسلم أنه أسير وقال كنت مستأمنا فالقول للحربي إلا إذا قامت قرينة ككونه مكتوفا أو مغلولا أو كان مع عدد من المسلمين. (قوله: وإن خرجا مسلمين قضي بالدين بينهما لا بالغصب) أي أسلم الحربيان في دار الحرب ثم خرجا مسلمين بعد الإدانة أو الغصب لأن المداينة وقعت صحيحة لوقوعها بالتراضي والولاية ثانية حالة القضاء لالتزامهما الأحكام بالإسلام وأما الغصب فلما بيناه أنه ملكه ولا خبث في ملك الحربي حتى يؤمر بالرد وقد قدمنا أن المسلم إذا دخل دراهم بأمان فأدانه حربي أو غصب منهم شيئا يفتي بالرد وإن لم يقض عليه. (قوله: مسلمان مستأمنان قتل أحدهما صاحبه تجب الدية في ماله والكفارة في الخطأ) أي تجب الدية في مال القاتل لا على العاقلة سواء كان القتل عمدا أو خطأ أما الكفارة فلإطلاق الكتاب به والدية لأن العصمة الثابتة بالإحراز بدار الإسلام لا تبطل بعارض الدخول بالأمان وإنما لا يجب القصاص لأنه لا يمكنه استيفاؤه إلا بمنعة ولا منعة بدون الإمام وجماعة المسلمين ولم يوجد ذلك في دار الحرب وإنما تجب الدية في ماله في العمد لأن العواقل لا تعقل العمد وفي الخطأ لأنه لا قدرة لهم على الصيانة مع تباين الدارين والوجوب عليهم على اعتبار تركها. (قوله: ولا شيء في الأسيرين سوى الكفارة في الخطأ كقتل مسلم مسلما أسلم ثمة) وهذا عند أبي حنيفة وقالا في الأسيرين الدية في الخطأ والعمد لأن العصمة لا تبطل بعارض الأسر كما لا تبطل بعارض الاستئمان وامتناع القصاص لعدم المنعة وتجب الدية في ماله لما قلنا ولأبي حنيفة أن بالأسر صار تبعا لهم لصيرورته مقهورا في أيديهم ولهذا يصير مقيما بإقامتهم ومسافرا بسفرهم فبطل الإحراز أصلا كالمسلم الذي لم يهاجر إلينا وهو المشبه به في المختصر وخص الخطأ بالكفارة لأنه لا كفارة في العمد عندنا والله أعلم. تأخير استئمان الكافر عن المسلم ظاهر. (قوله: لا يمكن مستأمن أن يقيم فينا سنة وقيل له إن أقمت سنة وضع عليك الجزية) لأن الحربي لا يمكن من إقامة دائمة في دارنا إلا باسترقاق أو جزية لأنه يصير عينا لهم وعونا علينا تلتحق الضمرة بالمسلمين ويمكن من الإقامة اليسيرة لأن في منعها قطع الميرة والجلب وسد باب التجارة ففصلنا بينهما بسنة لأنها مدة تجب فيها الجزية فتكون الإقامة لمصلحة الجزية قيد بالمستأمن لأنه لو دخل دارنا بلا أمان فهو وما معه فيء فإن قال دخلت بأمان لم يصدق وأخذ ولو قال أنا رسول فإن وجد معه كتاب يعرف أنه كتاب ملكهم بعلامة تعرف ذلك كان آمنا فإن الرسول لا يحتاج إلى أمان خاص بل بكونه رسولا يأمن وإن لم يعرف فهو زور فيكون هو وما معه فيئا. وإن دخل دار الإسلام بلا أمان فأخذه واحد من المسلمين لا يختص به عند أبي حنيفة بل يكون فيئا لجماعة المسلمين وظاهر قولهما أنه يختص به ولو دخل الحرم قبل أن يؤخذ فعند أبي حنيفة يؤخذ ويكون فيئا للمسلمين وعلى قولهما لا ولكن لا يطعم ولا يسقى ولا يؤذى ولا يخرج كذا في فتح القدير وفي المحيط إذا دخل دارنا بلا أمان فهو فيء عند الإمام أخذ قبل الإسلام أو بعده وعندهما إن أسلم قبل الأخذ فهو حر ولو رجع هذا الحربي إلى دار الحرب خرج من أن يكون فيئا وعاد حرا ولو قال رجل من المسلمين أنا أمنته لم يصدق إلا أن يشهد رجلان غيره أنه أمنه. (قوله: فإن مكث سنة فهو ذمي) إن مكث المدة المضروبة فهو ذمي لأنه لما أقامها بعد تقدم الإمام إليه صار ملتزما للجزية فيصير ذميا فمراده من السنة وما وقته الإمام له سواء كانت سنة أو أقل كالشهر والشهرين وظاهر ما في الكتاب أن قول الإمام له ما ذكر شرط لكونه ذميا فلو مكث سنة قبل مقال الإمام له لا يكون ذميا وبه صرح العتابي فقال لو أقام سنين من غير أن يتقدم الإمام إليه فله الرجوع وقيل ولفظ المبسوط يدل على خلافه والأوجه الأول كما في فتح القدير ودل كلامه على أنه لا جزية عليه في حول المكث لأنه إنما صار ذميا بعده فتجب في الحول الثاني إلا أن يكون شرط عليه أنه إن مكث سنة أخذها منه وقد ذكروا أن من أحكام الذمي جريان القصاص بينه وبين المسلم وضمان المسلم قيمة خمره وخنزيره إذا أتلفه ووجوب الدية عليه إذا قتله خطأ ووجوب كف الأذى عنه حتى قال في فتح القدير تحرم غيبته كما تحرم غيبة المسلم وفي فتح القدير وإذا رجع إلى دار الحرب لا يمكن أن يرجع معه بسلاح اشتراه من دار الإسلام بل بالذي دخل به فإن باع سيفه واشترى به قوسا ونشابا أو رمحا لا يمكن منه وكذا لو اشترى سيفا أحسن منه فإن كان مثل الأول أو دونه يمكن ولو مات المستأمن في دارنا وقف ماله لورثته فإذا قدموا وبرهنوا أخذوه ولو كان الشهود أهل ذمة أخذ منهم كفيلا ولا يقبل كتاب ملكهم. (قوله: فلم يترك أن يرجع إليهم) أي لا يمكن المستأمن بعد الحول من الرجوع إلى أهل الحرب لأن عقد الذمة لا ينقض لكونه خلفا عن الإسلام كيف وإن فيه قطع الجزية وجعل ولده حربا علينا وفيه مضرة بالمسلمين وظاهره أنه لا يمكن من العود إلى دار الحرب للتجارة أو لقضاء حاجة ولو بعدت المدة وهو يقتضي منع الذمي من دخول دار الحرب. (قوله: كما لو وضع عليه الخراج) أي فلا يمكن من العود إلى دار الحرب لأن خراج الأرض بمنزلة خراج الرأس فإذا التزمه صار ملتزما المقام في دارنا قيد بوضعه لأن بمجرد الشراء لا يصير ذميا لأنه قد يشتريها للتجارة وصححه الشارح وهو ظاهر الراوية كما في السراج الوهاج وفسر في البناية وضعه بالتوظيف عليه وفي فتح القدير والمراد بوضعه إلزامه به وأخذه منه عند حلول وقته وهو بمباشرة السبب وهو زراعتها أو تعطيلها مع التمكن منها إذا كانت في ملكه أو زراعتها بالإجارة وهي في ملك غيره إذا كان خراج مقاسمة فإنه يؤخذ منه لا من المالك فيصير به ذميا بخلاف ما إذا كان على المالك ولا يظن بوضع الإمام وتوظيفه أن يقول وظفت على هذه الأرض الخراج ونحوه لأن الإمام قط لا يقوله بل الخراج من حين استقر وظيفة للأرض استمر على كل من صارت إليه واستمرت في يده ا هـ. وأطلق في وضع الخراج فشمل جميع أسباب التزامه فلو استعارها المستأمن من ذمي صار المستعير ذميا وفي التتارخانية إذا اشترى المستأمن أرض خراج فغصبت منه فإن زرعها الغاصب لا يصير المستأمن ذميا وإلا فهو ذمي لوجوبه عليه والصحيح أنه يصير ذميا في الوجهين وفي السراج لو زرع الحربي أرضه الخراجية فأصاب الزرع آفة لا يصير ذميا لعدم وجوب الخراج وفي الهداية وإذا لزمه خراج الأرض فبعد ذلك تلزمه الجزية لسنة مستقبلة لأنه يصير ذميا بلزوم الخراج فتعتبر المدة من وقت وجوبه. (قوله: أو نكحت ذميا) يعني فلا تمكن من الرجوع إليهم لأنها التزمت المقام تبعا للزوج فتكون ذمية فيوضع الخراج على أرضها وتقييد الزوج بالذمي ليفيد أنها تصير ذمية إذا نكحت مسلما بالأولى كما في فتح القدير لأن الكلام فيما إذا كانت كتابية كما في التتارخانية وأفاد بإضافة النكاح إليها أنه بمعنى العقد فتصير ذمية بمجرده من غير توقف على الدخول كما أشار إليه الشارح وظاهر كلام المصنف أن النكاح حادث بعد دخولها دارنا وهو ليس بشرط فلو قال أو صار لها زوج مسلم أو ذمي لكان أولى ليشمل ما إذا دخل المستأمن بامرأته دارنا ثم صار الزوج ذميا فليس لها الرجوع وكذا لو أسلم وهي كتابية بخلاف ما إذا أسلم وهي مجوسية وليشمل ما إذا تزوج مستأمن مستأمنة في دارنا ثم صار الرجل ذميا ولو أسلم وهي كتابية ثم أنكرت أصل النكاح فأقام الزوج بينة من المسلمين أو من أهل الذمة على أصل النكاح أو إقرارها به في دار الحرب لم يلتفت القاضي إلى هذه البينة وإن برهن على إقرارها به في دارنا قبلت ومنعت من اللحاق كما لو أقرت بين يدي القاضي كذا ذكره السرخسي وذكر الهندواني أنها تقبل مطلقا كذا في التتارخانية. (قوله: لا عكسه) أي لا يصير المستأمن ذميا إذا نكح ذمية لأنه يمكنه أن يطلقها فيرجع إلى بلده فلم يكن ملتزما المقام وكذا لو دخلا إلينا بأمان فأسلمت فله أن يرجع إلى دار الحرب وفي التتارخانية لو طالبته بصداقها فإن كان تزوجها في دار الإسلام فلها أن تمنعه الرجوع حتى يوفيها مهرها وإن كان تزوجها في دار الحرب فليس لها ذلك ا هـ. ويعلم منه حكم الدين الحادث في دارنا الأولى وظاهره أنها إذا منعته للمهر فلم يقدر على وفائه حتى مضى حول كان ذميا وفي التتارخانية لو أن جندا من أهل الشرك أو قوما من أهل الحصن استأمنوا وهم في معمعة القتال فأمنوهم وصاروا في أيدي المسلمين فأرادوا أن ينصرفوا إلى مأمنهم في دار الحرب لم يتركوا وصاروا ذمة ا هـ. وقد تقدم في الهداية في آخر كتاب الطلاق أنه جعل الحربي بالتزوج في دار الإسلام ذميا فهو مناقض لما ذكره هنا وقدمنا جوابه. (قوله: فإن رجع إليهم وله وديعة عند مسلم أو ذمي أو دين حل دمه) أي فإن رجع المستأمن إلى دار الحرب فقد جاز قتله لأنه أبطل أمانه بالعود إليها وظاهره أنه لا فرق بين كونه قبل الحكم بكونه ذميا أو بعده لأن الذمي إذا لحق بدار الحرب صار حربيا كما سيأتي وجواز قتله بعوده ليس موقوفا على كونه له دين أو وديعة فلو أسقطه لكان أولى. (قوله: فإن أسر أو ظهر عليهم سقط دينه وصارت وديعته فيئا وإن قتل ولم يظهر أو مات فقرضه ووديعته لورثته) بيان الحكم أمواله المتروكة في دار الإسلام إذا رجع إلى دار الحرب فإن أمانه بطل في حق نفسه فقط وأما في حق أمواله التي في دارنا فباق ولهذا يرد عليه ماله وعلى ورثته من بعده. وفي السراج لو بعث من يأخذ الوديعة والقرض وجب التسليم إليه وحاصل المسألة خمسة أوجه ففي ثلاثة يسقط دينه وتصير وديعته غنيمة الأول أن يظهروا على الدار ويأخذوه، الثاني أن يظهروا ويقتلوه، الثالث أن يأخذوه مسببا من غير ظهور فقوله فإن أسر بيان للثالث وقوله أو ظهر عليهم بيان للأولين لأنه أعم من أن يقتلوه أولا لكن شامل لما إذا ظهر عليهم وهرب وأن ماله يبقى له كما سيأتي فلا بد من التقييد في الظهور عليهم بأن يأخذوه أو يقتلوه وإنما صارت وديعته غنيمة لأنها في يده تقديرا لأن يد المودع كيده فيصير فيئا تبعا لنفسه وإنما سقط الدين لأن إثبات اليد عليه بواسطة المطالبة وقد سقطت ويد من عليه أسبق إليه من يد العامة فتختص به فيسقط وينبغي أن تكون العين المغصوبة منه كدينه لعدم المطالبة وليست يد الغاصب كيده ولم يذكره المصنف حكم الرهن قالوا والرهن للمرتهن بدينه عند أبي يوسف وعند محمد يباع ويستوفى دينه والزيادة فيء للمسلمين وينبغي ترجيحه لأن ما زاد على قدر الدين في حكم الوديعة وهي فيء فلو قال المصنف وصار ماله فيئا لكان أولى لأنه يخص الوديعة لأن ما عند شريكه ومضاربه وما في بيته في دارنا كذلك وفي وجهين يبقى ماله على حاله فيأخذه إن كان حيا أو ورثته إن مات الأول أن يظهروا على الدار فيهرب الثاني أن يقتلوه ولم يظهروا على الدار أو يموت لأن نفسه لم تصر مغنومة فكذلك ماله ولو عبر بالدين بدل القرض لكان أولى ليشمل سائر الديون ثم اعلم أن ماله وإن كان غنيمة لا خمس فيه وإنما يصرف كما يصرف الخراج والجزية لأنه مأخوذ بقوة المسلمين من غير قتال بخلاف الغنيمة لأنه مملوك بمباشرة الغانمين وبقوة المسلمين وفي التتارخانية وديعته فيء لجماعة المسلمين عند أبي يوسف وقال محمد تكون فيئا للسرية التي أسرت الرجل ويعتق مدبره الذي دبره في دارنا وأم ولده بأسره وفي المغرب ظهر عليه غلب وظهر على اللص غلب ا هـ. فينبغي ضبط المختصر بالبناء للمجهول كما لا يخفى ولم أر حكم ما إذا كان على المستأمن دين لمسلم أو ذمي أدانه في دارنا ثم رجع ولا يخفى أنه باق لبقاء المطالبة وينبغي أو يوفي من ماله المتروك ولو صارت وديعته فيئا ا هـ. (قوله: وإن جاءنا حربي بأمان وله زوجة ثم وولد ومال عند مسلم أو ذمي أو حربي فأسلم هنا ثم ظهر عليهم فالكل فيء) بيان لحكم ما تركه المستأمن في دار الحرب ثم صار من أهل دارنا إما بإسلامه أو بصيرورته ذميا فتقييده بإسلامه في المختصر ليفهم منه حكم الآخر بالأولى أما المرأة وأولاده الكبار فلأنهم حربيون كبار وليسوا بأتباع وكذلك ما في بطنها لو كانت حاملا لما قلنا أنه جزؤها وأما أولاده الصغار فلأن الصغير إنما يتبع أباه في الإسلام عند اتحاد الدار ومع تباين الدارين لا يتحقق ولذا أطلق في الولد ليشمل الكبير والصغير والجنين ولو سبي الصبي في هذه المسألة وصار في دار الإسلام فهو مسلم تبعا لأبيه لأنهما اجتمعا في دار واحدة بخلاف ما قبل إخراجه وهو فيء على كل حال وأما أمواله فإنها لا تصير محرزة بإحراز نفسه لاختلاف الدارين فبقي الكل غنيمة وعمم المودع لعدم الفرق فإن قلت قوله عليه السلام: «عصموا مني دماءهم وأموالهم» يخالفه قلت هذا باعتبار الغلبة يعني المال الذي في يده وما هو في معناه بالعرف لأن من دأب الشرع بناء الحكم على الغلبة كذا في البناية. (قوله: وإن أسلم ثمة فجاءنا فظهر عليهم فولده الصغير حر مسلم وما أودعه عند مسلم أو ذمي فهو له وغيره فيء) بيان لحكم متروك الحربي إذا أسلم في دار الحرب وجاء إلينا مسلما وترك أمواله وأولاده ثم ظهرنا على أهل الحرب أما الولد الصغير فهو تبع لأبيه حين أسلم إذ الدار واحدة فكان حرا ملما وما كان من وديعة له عند مسلم أو ذمي فهو له لأنه في يد محترمة ويده كيده وما سوى ذلك فهو فيء فأما المرأة وأولاده الكبار فلما قلنا وأما المال الذي في يد الحربي فلأنه لم يصر معصوما لأن يد الحربي ليست يدا محترمة وشمل غيره العين المغصوبة في يد المسلم أو الذمي فيكون فيئا لعدم النيابة كذا في فتح القدير. (قوله: ومن قتل مؤمنا خطأ الأولى له أو حربيا جاءنا بأمان فأسلم فديته على عاقلته للإمام) لأنه قتل نفسا معصومة خطأ فيعتبر بسائر النفوس المعصومة ومعنى قوله للإمام أن حق الأخذ له لأنه لا وارث له لا أنه يملكه الإمام بل يوضع في بيت المال وهو المقصود من ذكره هاهنا وإلا فحكم القتل الخطأ معلوم ولذا لم ينص على الكفارة لما سيأتي في الجنايات فإنه لا ولي له ولو اقتصر على المسألة الأولى لشملت الثانية لأن الحربي إذا أسلم في دارنا ولم يكن معه وارث فإنه لا ولي له وإن كان له أولاد في دار الحرب. (قوله: وفي العمد القتل أو الدية لا العفو) أي لو قتل من لا ولي له عمدا خير الإمام إن شاء قتله وإن شاء أخذ الدية لبيت المال لأن النفس معصومة والقتل عمد والولي معلوم وهو السلطان لأنه ولي من لا ولي له كما في الحديث وأخذه الدية بطريق الصلح برضا القاتل لأن موجب العمد هو القود عينا وهذا لأن الدية وإن كانت أنفع للمسلمين من قتله لكن قد يعود عليهم من قتله منفعة أخرى هو أن ينزجر أمثاله عن قتل المسلمين وليس للإمام العفو لأن الحق للعامة وولايته نظرية وليس من النظر إسقاط حقهم من غير عوض وشمل كلامه اللقيط فإن قتل خطأ فالدية للإمام قتله الملتقط أو غيره وإن قتل عمدا خير كما في الكتاب وهو قولهما وقال أبو يوسف ليس له القصاص لأنه لا يخلو عن الوارث غالبا أو هو محتمل فكان فيه شبهة وهو يسقط بها ولهما أن المجهول الذي لا يمكن الوصول إليه ليس بولي لأن الميت لا ينتفع به فصار كالعدم فتنتقل الولاية إلى السلطان كما في الإرث كذا ذكره الشارح وهو يفيد أن من لا وارث له معلوم فإرثه لبيت المال وإن احتمل أن يكون له وارث وكذا من لا وارث له ظاهرا إذا أوصى بجميع ماله لأجنبي فإنه يعطي كل ماله وإن احتمل مجيء وارث لكن بعد التأني كما لا يخفى والله أعلم.
|