الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
بيان لما يؤخذ من الذمي بعد بيان ما يصير به ذميا وذكر العشر تتميم للوظائف المالية وقدمه لما فيه من معنى العبادة والعشر بضم العين واحد العشرة والخراج اسم لما يخرج من غسلة الأرض أو الغلام ثم سمي ما يأخذه السلطان خراجا يقال فلان أدى خراج أرضه. (قوله: أرض العرب وما أسلم أهله أو فتح عنوة وقسم بين الغانمين عشرية) أما أرض العرب فلأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين لم يأخذوا الخراج من أرض العرب وتعقبه في البناية بأنه ليس له أصل في كتب الحديث ولم يجب عنه وجوابه أن العدم لا يحتاج إلى أصل لأنه لو أخذ منهم الخراج لنقل ولما لم ينقل دل على عدمه ولأنه بمنزلة الفيء فلا يثبت في أراضيهم كما لا يثبت في رقابهم وهذا لأن وضع الخراج من شرطه أن يقر أهلها على الكفر كما في سواد العراق ومشركي العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف وذكر في المغرب معزيا إلى كتاب العشر والخراج أبو يوسف في الأمالي حدود أرض العرب ما وراء حدود أرض الكوفة إلى أقصى صخر باليمن وعن محمد من عدن أبين إلى الشام وما والاها. وفي شرح القدوري قال الكرخي هي أرض الحجاز وتهامة واليمن ومكة والطائف والبرية يعني البادية قال وقال محمد أرض العرب من العذيب إلى مكة وعدن أبين إلى أقصى حجر باليمن بهمزة وهذه العبارات مما لم أجده في كتب اللغة وقد ظهر أن من روى إلى أقصى حجر بالسكون وفسره بالجانب فقد حرف لوقوع صخر موقعه وكأنهما ذكرا ذلك تأكيدا للتحديد وإلا فهو عنه مندوحة ا هـ. ما في المغرب وجزيرة العرب بمعنى أرضها ومحلتها وفي البناية العذيب بضم العين المهملة وفتح الذال المعجمة وبالباء الموحدة ماء لتميم والحجر بفتحتين بمعنى الصخرة ومهرة بفتح الهاء والسكون اسم رجل وقيل اسم قبيلة ينسب إليها الإبل المهرية وسمي ذلك المقام به فيكون بمهرة بدلا من قوله باليمن ا هـ. وأما إذا أسلم أهلها أو فتحت قهرا وقسمت بين الغانمين فلأن الحاجة إلى ابتداء التوظيف على المسلم والعشر أليق به لما فيه من معنى العبادة وكذا هو أحق حيث يتعلق بنفس الخارج والعنوة بالفتح القهر كذا في المغرب. (قوله: والسواد وما فتح عنوة وأقر أهله عليه أو فتح صلحا خراجية) أما السواد فالمراد به سواد العراق فلأن عمر رضي الله عنه وضع عليه الخراج بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم وهو أشهر من أن يتنقل فيه أثر معين وفي البناية المراد بالسواد القرى وبه صرح التمرتاشي وسمي السواد لخضرة أشجاره وزروعه وقال الإترازي المراد من السواد المذكور سواد الكوفة وهو سواد العراق وحده من العذيب إلى عقبة حلوان عرضا ومن العلث إلى عبادان طولا وأما سواد البصرة فالأهواز وفارس ا هـ. وتقدم ضبط العذيب وحلوان بضم الحاء اسم بلد والعلث بفتح العين المهملة وسكون اللام بالثاء المثلثة قرية موقوفة على العلوية على شرقي دجلة وهو أول العراق وعبادان بتشديد الباء الموحدة حصن صغير على شط البحر وفي المثل ما وراء عبادان قرية. وفي شرح الوجيز طول سواد العراق مائة وستون فرسخا وعرضه ثمانون فرسخا ومساحته ستة وثلاثون ألف ألف جريب كذا في البناية وأما ما أقر أهلها عليها سواء فتحت قهرا أو صلحا فلأن الحاجة إلى ابتداء التوظيف على الكافر والخراج أليق به ويلحق بما أقر أهله عليه ما نقل إليها غير أهلها من الكفار فإنها خراجية كما ذكره الإسبيجابي وأطلق المصنف فيما أقر أهله عليه تبعا للقدوري وقيده في الجامع الصغير على ما في الهداية بأن يصل إليها ماء الأنهار لتكون خراجية وما لم يصل إليها ماء الأنهار واستخرج منها عين فهي أرض عشر لأن العشر يتعلق بالأراضي النامية ونماؤها بمائها فيعتبر السقي بماء العشر أو بماء الخراج ا هـ. وهو مشكل لأنا نقطع بأن الأرض التي أقر أهلها عليها لو كانت تسقى بعين أو بماء السماء لم تكن الإخراجية لأن أهلها كفار والكفارة ولو انتقلت إليهم أرض عشرية ومعلوم أن العشرية قد تسقى بعين أو بماء السماء لا تبقى على العشرية بل تصير خراجية في قول أبي حنيفة وأبي يوسف خلافا لمحمد فكيف بدأ الكافر بتوظيف العشر ثم كونها عشرية عند محمد إذا انتقلت إليه كذلك أما في الابتداء فهو أيضا يمنعه والعبارة التي نقلها عن الجامع في غاية البيان ليست كما في الهداية وقد أطال المحقق في فتح القدير في تقريره ثم قال. والحاصل أن التي فتحت عنوة وإن أقر الكفار عليها لا يوظف عليهم إلا الخراج ولو سقيت بماء المطر وإن قسمت بين المسلمين لا يوظف إلا العشر وإن سقيت بماء الأنهار وإذا كان كذلك فالتفصيل في الأرض المحياة التي لم تقسم ولم يقر أهلها عليها بأن أحياها مسلم فإن وصل إليها ماء الأنهار فهي خراجية أو ماء عين ونحوه فعشرية ا هـ. وفي التبيين أن التفصيل في حق المسلم أما الكافر فيجب عليه الخراج من أي ماء سقى لأن الكافر لا يبتدأ بالعشر فلا يتأتى فيه التفصيل في حالة الابتداء إجماعا إلى آخره ومعنى قوله وأقر أهلها عليها أن الإمام أقرهم على ملكهم للأراضي قال في الهداية وأرض السواد مملوكة لأهلها يجوز بيعهم لها وتصرفهم فيها وفي التتارخانية فإن أسلموا سقطت الجزية عن رءوسهم ولا يسقط الخراج عن أراضيهم ا هـ. وإذا باعها انتقلت بوظيفتها من الخراج وكذا إذا مات انتقلت إلى ورثته كذلك وإذا وقفها مالكها بقي الخراج على حاله كما صرحوا بوجوبه في أرض الوقف وأرض الصبي والمجنون وفي الهداية أن عمر رضي الله عنه وضع على مصر الخراج حين افتتحها عمرو بن العاص رضي الله عنه وكذا أجمعت الصحابة رضي الله عنهم على وضع الخراج على الشام ا هـ. وفي فتح القدير المأخوذ الآن من أراضي مصر إنما هو بدل إجارة لا خراج ألا ترى أن الأراضي ليست مملوكة للزراع وهو بعدما قلنا إن أرض مصر خراجية والله أعلم كأنه لموت المالكين شيئا فشيئا من غير اختلاف ورثة فصارت لبيت المال وينبغي على هذا أن لا يصح بيع الإمام ولا شراؤه من وكيل بيت المال لشيء منها لأن نظره في مال المسلمين كنظره في مال اليتيم فلا يجوز له بيع عقاره إلا لضرورة عدم وجود ما ينفقه سواه فلذا كتبت في فتوى رفعت إلي في شراء السلطان الأشرف برسباي الأرض ممن ولاه نظر بيت المال هل يجوز شراؤه منه وهو الذي ولاه فكتبت إذا كان بالمسلمين حاجة والعياذ بالله تعالى جاز ذلك ا هـ. كأنه أجاب لا يجوز كما لا يخفى وهو مبني على قول المتقدمين. أما على قول المتأخرين المفتى به لا ينحصر جواز بيع عقار اليتيم فيما ذكر بل فيه وفيما إذا كان على الميت دين لا وفاء له إلا منه أو رغب فيه بضعف قيمته فكذلك نقول للإمام بيع العقار لغير حاجة إذا رغب فيه بضعف قيمته على المفتى به وهذه مسألة مهمة وقع النزاع فيها في زماننا في تفتيش وقع من نائب مصر على الرزق في سنة ثمان وخمسين وتسعمائة حتى ادعى بعضهم بأن المبايعات للأراضي من بيت المال غير صحيحة ليتوصل بذلك إلى إبطال الأوقاف والخيرات وهو مردود بما ذكرناه ثم قدم بعد ذلك بيسير شخص ولاه السلطان أمر الأوقاف فطلب أن يحدث على أراضي الأوقاف خراجا متمسكا بأن الخراج واجب في أرض الوقف وهو مردود عليه بما نقلناه عن المحقق ابن الهمام من أن الخراج ارتفع عن أراضي مصر إنما المأخوذ منها أجرة فصارت الأراضي بمنزلة دور السكنى لعدم من يجب عليه الخراج فإذا اشتراها إنسان من الإمام بشرطه شراء صحيحا ملكها ولا خراج عليها فلا يجب عليه الخراج لأن الإمام قد أخذ البدل للمسلمين فإذا وقفها سالمة من المؤن فلا يجب الخراج فيها وتمامه فيما كتبناه في تلك السنة المسمى بالتحفة المرضية في الأراضي المصرية. ا هـ. (قوله: ولو أحيا أرضا مواتا يعتبر قربه) أي لو أحيا المسلم والمراد بالقرب أنها إن كانت بقرب أرض الخراج فهي خراجية وإن كانت بقرب أرض العشر فهي عشرية وهذا عند أبي يوسف لأن ما قرب من الشيء أخذ حكمه كفناء الدار لصاحبها الانتفاع به وإن لم تكن ملكا له ولذا يجوز إحياء ما قرب من العامر واعتبر محمد الماء فإن أحياها بماء الخراج فهي خراجية وإلا فعشرية. قيدنا بالمسلم لأن الكافر يجب عليه الخراج مطلقا كذا في الشرح وقدمناه ا هـ. (قوله: والبصرة عشرية) نص عليها لأن مقتضى ما سبق أن تكون خراجية لأنها من حيز أرض الخراج لكن ترك القياس بإجماع الصحابة رضي الله عنهم على توظيف العشر عليها كذا في غاية البيان وفيه نظر لأن الحيز إنما يعتبر في الأرض المحياة والبصرة لم تكن محياة وإنما فتحت عنوة فقياس ما مضى أن تكون خراجية كما أشار إليه في التبيين كما خرج عن القياس مكة المشرفة فإن القياس وضع الخراج عليها لكونها فتحت عنوة ومع ذلك لم يوظف رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها الخراج تعظيما لها ولأهلها فكما لا رق على العرب فكذلك لا خراج على أراضيهم كذا في البناية. (قوله: وخراج جريب صلح للزارعة صاع ودرهم وفي جريب الرطبة خمسة دراهم وفي جريب الكرم والنخل المتصل عشرة دراهم) بيان للخراج الموظف وهذا هو المنقول عن عمر رضي الله عنه فإنه بعث عثمان بن حنيف حتى يمسح سواد العراق وجعل حذيفة مشرفا فمسح فبلغ ستا وثلاثين ألف ألف جريب ووضع على ذلك ما قلناه وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم من غير نكير فكان إجماعا منهم ولأن المؤن متفاوتة فالكرم أخفها مؤنة والمزارع أكثرها مؤنة والرطاب بينهما والوظيفة تتفاوت بتفاوتها فجعل الواجب في الكرم أعلاها وفي الزرع أدناها وفي الرطبة أوسطها والجريب أرض طولها ستون ذراعا وعرضها كذلك لكن اختلف في الذراع ففي كتب الفقه أنه سبع قبضات وهو ذراع كسرى يزيد على ذراع العامة بقبضة. وفي المغرب أنه ست قبضان والقبضة أربع أصابع ا هـ. وفي الكافي ما قيل الجريب ستون في ستين حكاية عن جريبهم في أراضيهم وليس بتقدير لازم في الأراضي كلها بل جريب الأرض يختلف باختلاف البلدان فيعتبر في كل بلد متعارف أهله ا هـ. وهذا يقتضي أن يعتبر في مصر الفدان فإنهم لا يعرفون غيره لكن ما في الكافي مردود والمعول عليه ما ذكرنا من التقدير كما في فتح القدير وقيد بصلاحيته لأنه لا شيء في غير الصالح لها وأطلقه فشمل ما زرعه صاحبه في السنة مرة أو مرارا أو لم يزرعه ولم يذكرها تقدير الصاع للاكتفاء بما قدمه في صدقة الفطر من أنه ثمانية أرطال وأطلقه فشمل كل مزروع فيه فيؤخذ قفيز مما زرع حنطة أو شعير أو عدسا أو ذرة وهو الصحيح ولم يقدر الدرهم للاكتفاء بما ذكره في الزكاة من أن العشرة منها بوزن سبعة مثاقيل وذكر العيني أنه يعطي الدرهم من أجود النقود الرطبة بفتح الراء الأسفست الرطب والجمع رطاب وفي كتاب العشر البقول غير الرطاب وإنما البقول مثل الكراث والرطاب هو القثاء والبطيخ والباذنجان وما يجري مجراه والأول هو المذكور فيما عندي من كتب اللغة فحسب كذا في المغرب وفي العيني الرطبة البرسيم ا هـ. وينبغي أن يفسر بما في كتاب العشر كما لا يخفى وأفاد المصنف رحمه الله أنه يؤخذ من الرطبة شيء من الخارج وقيد بالاتصال لأنها لو كانت متفرقة في جوانب الأرض ووسطها مزروعة فلا شيء فيها وكذا لو غرس أشجارا غير مثمرة ولو كانت الأشجار ملتفة لا يمكن زراعة أرضها فهي كرم ذكره في الظهيرية وفي شرح الطحاوي ولو أنبت أرضه كرما فعليه خراجها إلى أن تطعم فإذا أطعمت فإن كان ضعف وظيفة الكرم ففيه وظيفة الكرم وإن كان أقل فنصفه إلى أن ينقص عن قفيز ودرهم فإن نقص فعليه درهم وقفيز ا هـ. وفي البناية المتصل ما يتصل بعضه ببعض على وجه تكون كل الأرض مشغولة بها وفي الهداية وفي ديارنا وظفوا من الدراهم في الأراضي كلها وترك كذلك لأن التقدير يجب أن يكون بقدر الطاقة من أي شيء كان ا هـ قلت وكذا في غالب أراضي مصر لا يؤخذ خراجها إلا دراهم بخلاف أراضي الصعيد فإن غالب خراجها القمح ولم يذكر المصنف ما سوى ذلك من الأصناف كالزعفران والبستان وغيره لأنه يوضع عليها بحسب الطاقة لأنه ليس فيه توظيف عمر رضي الله عنه وقد اعتبر في ذلك الطاقة فنعتبرها فيما لا توظيف فيه قالوا أو نهاية الطاقة أن يبلغ الواجب نصف الخارج لا يزاد عليه لأن التنصيف عين الإنصاف لما كان لنا أن نقسم الكل بين الغانمين والبستان كل أرض يحوطها حائط وفيها نخيل متفرقة وأشجار ولم يذكر المصنف خراج المقاسة لظهوره فإذا من الإمام عليهم جعل على أراضيهم نصف الخارج أو ثلثه أو ربعه. قال في السراج الوهاج لا يزاد على النصف ولا ينقص عن الخمس. (قوله: وإن لم تطق ما وظف نقص بخلاف الزيادة) أي وإن لم تطق الأرض ما جعل عليها من الخراج الموظف السابق نقض عنها ما لا تطيقه وجعل عليها ما تطيقه بخلاف الزيادة على ما وظفه عمر رضي الله عنه فإنها لا تجوز وإن طاقتها الأرض لقول عمر رضي الله عنه لعامليه لعلكما حملتما الأرض ما لا تطيق فقالا بل حملناها ما تطيق ولو زدنا لأطاقت وهو دال على ما ذكرناه من الأمرين أطلقه فشمل الأراضي التي صدر التوظيف فيها من عمر رضي الله عنه أو من إمام بمثل وظيفة عمر وهو مجمع عليه وأما إذا أراد الإمام توظيف الخراج على أرض ابتداء وزاد على وظيفة عمر رضي الله عنه فإنه لا يجوز عند أبي حنيفة وهو الصحيح لأن عمر رضي الله عنه لم يزد لما أخبراه بزيادة الطاقة كذا في الكافي ومعناه أن الأرض التي فتحت بعد عمر رضي الله عنه لو كانت تزرع الحنطة فأراد أن يضع عليها درهمين وقفيزا وهي تطيقه ليس له ذلك ومعنى عدم الإطاقة أن الخارج منها لم يبلغ ضعف الخراج الموظف فينقص منه إلى نصف الخارج كذا أفاده في الخلاصة وظاهر ما في الكتاب أن النقصان عند الإطاقة لا يجوز وليس كذلك فقد نقل في البناية عن الكاكي أنه إذا جاز النقصان عند قيام الطاقة فعند عدم الطاقة بالطريق الأولى. (قوله: ولا خراج إن غلب على أرضه الماء أو انقطع أو أصاب الزرع آفة) لأنه فات التمكن من الزراعة وهو النماء التقديري المعتبر في الخراج وفيما إذا اصطلم الزرع آفة فات النماء التقديري بري في بعض الحول وكونه ناميا في جميع الحول شرط كما في الزكاة أو يدار الحكم على الحقيقة عند خروج الخارج أطلقه فشمل ذهاب كل الخارج أو بعضه وهو مقيد بالأول أما في الثاني قال محمد إن بقي مقدار الخراج ومثله بأن بقي مقدار درهمين وقفيزين يجب الخراج وإن بقي أقل من مقدار الخراج يجب نصفه قال مشايخنا والصواب في هذا أن ينظر أولا إلى ما أنفق هذا الرجل في هذه الأرض ثم ينظر إلى الخارج فيحسب ما أنفق أولا من الخارج فإن فضل منه شيء أخذ منه مقدار ما بينا وما ذكر في الكتاب أن الخراج يسقط بالاصطلام محمول على ما إذا لم يبق من السنة مقدار ما يمكنه أن يزرع الأرض أما إذا بقي ذلك لا يسقط الخراج كذا في الفوائد وأطلق الآفة وهو مقيد بالآفة السماوية التي لا يمكن الاحتراز عنها كالغرق والاحتراق وشدة البرد أما إذا كانت غير سماوية ويمكن الاحتراز عنها كأكل القردة والسباع والأنعام ونحو ذلك لا يسقط الخراج وقال بعضهم يسقط والأول أصح وذكر شيخ الإسلام أن هلاك الخارج قبل الحصاد يسقط كذا في السراج الوهاج ومنه يعلم أن الدودة والفأرة إذا أكلا الزرع لا يقسط الخراج وقيد بالزرع وهو اسم للقائم لأنه لو هلك بعد الحصاد لا يسقط كما أشار إليه شيخ الإسلام. وقيد بالخراج لأن الأجرة تسقط بالأوليين وأما بالثالث فذكر الولوالجي في فتاواه إذا استأجر أرضا للزراعة سنة ثم اصطلم الزرع آفة قبل مضي السنة فما وجب من الأجر قبيل الاصطلام لا يسقط وما وجب بعد الاصطلام يسقط لأن الأجر إنما يجب بإزاء المنفعة شيئا فشيئا فما استوفى من المنفعة وجب عليه الأجر وما لم يستوف انفسخ العقد في حقه وفي بعض الروايات لا يسقط شيء والاعتماد على ما ذكرنا فرق بين هذا وبين الخراج فإنه يسقط ا هـ. قال شمس الأئمة ومما حمد من سير الأكاسرة أنهم إذا أصاب بعض زرع الرعية آفة غرموا له ما أنفق في الزراعة من بيت مالهم وقال: التاجر شريك في الخسران كما هو شريك في الربح فإذا لم يعطه الإمام شيئا فلا أقل من أن لا يغرمه الخراج ا هـ. (قوله: وإن عطلها صاحبها أو أسلم أو اشترى مسلم أرض خراج يجب) أي الخراج أما الأول فلأن التمكن كان ثابتا وهو الذي فوته قالوا من انتقل إلى أحسن الأمرين من غير عذر فعليه خراج الأعلى لأنه هو الذي ضيع الزيادة كما إذا كانت صالحة للزعفران فزرع الشعير وهذا يعرف ولا يفنى به كي لا يتجرأ الظلمة على أخذ أموال الناس لأنا لو أفتينا بذلك يدعي كل ظالم في أرض ليس هذا شأنها أنها كانت تزرع الزعفران فيأخذ خراجه فيكون ظلما وعدوانا. قيد بكونه المعطل لأنه لو منعه إنسان من الزراعة لا يجب عليه الخراج لعدم التمكن وقيد بالخراج الموظف لأن كلامه فيه لأنه لو كان خراج مقاسمة فلا شيء عليه بالتعطيل كذا في السراج الوهاج وأشار بنسبة التعطيل إليه إلى أنه كان متمكنا من الزراعة ولم يزرع فلو عجز المالك عن الزراعة لعدم قوته وأسبابه فللإمام أن يدفعها إلى غيره مزارعة ويأخذ الخراج من نصيب المالك ويمسك الباقي للمالك وإن شاء أجرها وأخذ الخراج من الأجرة وإن شاء زرعها بنفقة من بيت المال فإن لم يتمكن من ذلك ولم يجد من يقبل ذلك باعها وأخذ من ثمنها الخراج وهذا بلا خلاف وعن أبي يوسف يدفع للعاجز كفايته من بيت المال فيعمل فيها قرضا وفي جمع الشهيد باع أرضا خراجية فإن بقي من السنة مقدار ما يتمكن المشتري من الزراعة فالخراج عليه وإلا فعلى البائع كذا في البناية وقد قدمناه أن أرض مصر الآن ليست خراجية إنما هي بالأجرة فلا شيء على الفلاح لو عطلها ولم يكن مستأجرا لها ولا جبر عليه بسببها وبه علم أن بعض المزارعين إذا ترك الزراعة وسكن في مصر فلا شيء عليه فما يفعله الظلمة من الأضرار به فحرام خصوصا إذا أراد الاشتغال بالقرآن والعلم كمجاوري الجامع الأزهر وأما الثاني وهو أن من أسلم من أهل الخراج فإنه يؤخذ منه الخراج على حاله لأن فيه معنى المؤنة فيعتبر مؤنة في حالة البقاء فأمكن إبقاؤه على المسلم وأما الثالث وهو إذا اشترى مسلم من ذمي أرض خراج فلما قلنا وقد صح أن الصحابة رضي الله عنهم اشتروا أراضي الخراج وكانوا يؤدون خراجها فدل على جواز الشراء وأخذ الخراج وأدائه للمسلم من غير كراهية. (قوله: ولا عشر في خارج أرض الخراج) لقوله عليه السلام: «لا يجتمع عشر وخراج في أرض مسلم» كما رواه أبو حنيفة في مسنده ولأن أحدا من أئمة العدل والجور لم يجمع بينهما وكفى بإجماعهم حجة ولأن الخراج يجب في أرض فتحت عنوة وقهرا والعشر يجب في أرض أسلم أهلها طوعا والوصفان لا يجتمعان في أرض واحدة وسبب الحقين واحد وهو الأرض النامية إلا أنه يعتبر في العشر تحقيقا وفي الخراج تقديرا ولهذا يضافان إلى الأرض وعلى هذا الخلاف الزكاة مع أحدهما والحد والعقر والجلد والنفي والرجم وزكاة التجارة وصدقة الفطر والقطع والضمان كذا في السراج الوهاج وكذا التيمم مع الوضوء وكذا الحبل مع الحيض والحيض مع النفاس. (فروع) لا يتكرر الخراج بتكرر الخارج في سنة إذا كان موظفا وإن كان خراج مقاسمة تكرر لتعلقه بالخارج حقيقة كالعشر ولو وهب السلطان لإنسان خراج أرضه ليس له أن يقبل وأن كان مصرفا له أن يقبل ولو ترك السلطان لإنسان خراج أرضه جاز عند أبي يوسف وقال محمد لا يجوز والفتوى على قول أبي يوسف إن كان صاحب الأرض مصرفا له ولو ترك له عشر أرضه لا يجوز بالإجماع ويخرجه بنفسه ويعطيه للفقراء والله أعلم. (الجزية لو وضعت بتراض لا يعدل عنها) لأن الموجب هو التراضي فلا يجوز التعدي إلى غير ما وقع عليه التراضي وقد صالح عليه السلام بني نجران على ألف ومائتي حلة والجزية اسم لما يؤخذ من أهل الذمة والجمع جزى كلحية ولحى لأنها تجزئ عن القتل أي تقضي وتكفي فإذا قبلها سقط عنه القتل. (قوله: وإلا توضع على الفقير في كل سنة اثنا عشر درهما وعلى وسط الحال ضعفه وعلى المكثر ضعفه) أي إن لم توضع بالتراضي وإنما وضعت قهرا بأن غلب الإمام على الكفار وأقرهم على أملاكهم ومذهبنا منقول عن عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ولم ينكر عليهم أحد من المهاجرين والأنصار ولأنه وجب نصرة للمقاتلة فيجب على التفاوت بمنزلة خراج الأرض وهذا لأنه وجب بدلا عن النصرة بالنفس والمال وذلك يتفاوت بكثرة الوفد وقتله فكذا ما هو بدله وظاهر كلامهم أن حد الغنى والمتوسط والفقر لم يذكر في ظاهر الرواية ولذا اختلف المشايخ فيه وأحسن الأقوال ما اختاره في شرح الطحاوي من أن من ملك عشرة آلاف درهم فصاعدا فهو غني والمتوسط من يملك مائتي درهم فصاعدا والفقير الذي يملك ما دون المائتين أو لا يملك شيئا وأشار بقوله في كل سنة إلى أن وجوبها في أول الحول وإنما الحول تخفيف وتسهيل وفي الهداية أنه يؤخذ من الغني في كل شهر أربعة دراهم ومن المتوسط درهمان ومن الفقير درهم وهذا الأجل التسهيل عليه لا بيان للوجوب لأنه بأول الحول كما ذكرنا كذا في البناية. وأطلق الفقير هنا اكتفاء بما ذكره بعده من أن الفقير غير المعتمل لا جزية عليه والمعتمل هو القادر على العمل وإن لم يحسن حرفة وفي السراج المعتمل القادر على تحصيل الدراهم والدنانير بأي وجه كان وإن لم يحسن الحرفة وقال الكاكي والمعتمل هو المكتسب والاعتمال الاضطراب في العمل وهو الاكتساب فلو كان مريضا في السنة كلها أو نصفها أو أكثرها لا تجب عليه ولو ترك العمل مع القدرة عليه فهو كالمعتمل كمن قدر على الزراعة ولم يزرع وظاهر كلام المختصر أن القدرة على العمل شرط في حق الفقير فقط لقوله وفقير غير معتمل وليس كذلك بل هو شرط في حق الكل ولذا قال في البناية وغيرها لا يلزم الزمن منهم وإن كان مفرطا في اليسار وكذا لو مرض نصفها كما في الشرح فلو حذف الفقير لكان أولى وفي فتح القدير ويعتبر وجود هذه الصفات في آخر السنة ا هـ. وينبغي اعتبارها في أولها لأنه وقت الوجوب. (قوله: وتوضع على كتابي ومجوسي ووثني عجمي) لقوله تعالى: {من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد} الآية ووضع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية على المجوس وأما عبدة الأوثان من العجم فلأنه يجوز استرقاقهم فيجوز ضرب الجزية عليهم إذ كل واحد منهما يشتمل على سلب النفس منهم فإنه يكتسب ويؤدي إلى المسلمين ونفقته في كسبه وإن ظهر عليهم قبل وضع الجزية فهم ونساؤهم وصبيانهم فيء لجواز استرقاقهم لا فرق في ذلك بين الأنواع الثلاثة كما في العناية وأشار بتقييد الوثني بالعجمي دون الأولين إلى أن الكتابي والمجوسي لا فرق فيهما بين العرب والعجم كما في العناية أيضا والكتابي شامل لليهود والنصارى. ويدخل في اليهود السامرة لأنهم يدينون بشريعة موسى صلوات الله وسلامه عليه إلا أنهم يخالفونهم في فروع ويدخل في النصارى الفرنج والأرمن وفي الخانية وتؤخذ الجزية من الصابئة عند أبي حنيفة رحمه الله خلافا لهما والمجوس عبدة النار والوثن ما له جثة من خشب أو حجر أو فضة أو جوهر ينحت والجمع أوثان وكانت العرب تنصبها وتعبدها والعجم جمع العجمي وهو خلاف العربي وإن كان فصيحا والأعجمي الذي في لسانه عجمة أي عدم إفصاح بالعربية وإن كان عربيا كذا في المغرب وفي السراج الوثن ما كان منقوشا في حائط ولا شخص له والصنم اسم لما كان على صورة الإنسان والصليب ما لا نقش فيه ولا صورة تعبد. (قوله: لا عربي ومرتد وصبي وامرأة وعبد ومكاتب وزمن وأعمى وفقير غير معتمل وراهب لا يخالط) أي لا توضع الجزية على هؤلاء أما مشركو العرب فلأن النبي صلى الله عليه وسلم نشأ بين أظهرهم والقرآن نزل بلغتهم فالمعجزة في حقهم أظهر والمراد بالعربي في عبارته عربي الأصل وهم عبدة الأوثان وأنهم أميون كما وصفهم الله تبارك وتعالى في كتابه فخرج الكتابي كما قدمناه فأهل الكتاب وإن سكنوا فيما بين العرب وتوالدوا فهم ليسوا بعربي الأصل وأما المرتد عربيا كان أو أعجميا فلأنه كفر بربه بعدما هدي إلى الإسلام ووقف على محاسنه فلا يقبل من الفريقين إلا الإسلام أو السيف زيادة في العقوبة وإذا ظهر عليهم فنساؤهم وصبيانهم فيء لأن أبا بكر رضي الله عنه استرق نساء بني حنيفة وصبيانهم لما ارتدوا وقسمهم بين الغانمين إلا أن نساءهم وذراريهم يجبرون على الإسلام بخلاف ذراري عبدة الأوثان ونسائهم ومن لم يسلم من رجالهم قتل لما ذكرنا وأما عدم وضعها على الصبي والمرأة فلأنها وجبت بدلا عن القتل أو القتال وهما لا يقتلان ولا يقاتلان لعدم الأهلية. وأما عدم وضعها على المملوك فلأنها بدل عن القتل في حقهم وعن النصرة في حقنا وعلى اعتبار الثاني لا يجب فلا يجب بالشك وشمل العبد المدبر وأم الولد وقد وقع في الهداية ذكر أم الولد ولا ينبغي فإن من المعلوم أن لا جزية على النساء الأحرار فكيف بأم الولد وإنما المراد ابن أم الولد وأفاد أنه لا يؤدي عنهم المولى لأنهم تحملوا الزيادة بسببهم لأنهم صاروا أغنياء به فلو أدوا عنهم لكان وجوبها مرتين بسبب شيء واحد وأما عدمها على العاجز فلأنها وجبت بدلا عن القتال كما ذكرنا فدخل المفلوج والشيخ الكبير ولو كان له مال ولذا لم تجب على الراهب الذي لا يخالط الناس ولو كان قادرا على العمل لأنه لا يقتل والجزية لإسقاطه وفي البناية الزمن من زمن الرجل يزمن زمانة وهو عدم بعض أعضائه أو تعطيل قواه ا هـ. وأما عدم وضعها عن الفقير الذي لا يعمل فلأن عثمان رضي الله عنه لم يوظفها عليه وذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم كالأرض التي لا طاقة لها فإن الخراج ساقط عنها وغير المعتمل هو الذي لا يقدر على العمل والمعتمل المكتسب الذي يقدر على العمل وإن لم يحسن حرفة ويكتفي بصحته في أكثر السنة فإن مرض نصفها فلا جزية عليه ولو أدرك الصبي أو أفاق المجنون أو عتق العبد أو برئ المريض قبل وضع الإمام الجزية وضع عليهم وبعد وضع الجزية لا يوضع عليهم لأن المعتبر أهليتهم وقت الوضع بخلاف الفقير إذا أيسر بعد الوضع حيث توضع عليه لأنه أهل للجزية وإنما سقطت عنه لعجزه وقد زال كذا في الاختيار. (قوله: وتسقط بالإسلام والموت والتكرر) لأنها عقوبة على الكفر وعقوبة الكفر تسقط بالإسلام ولا تقام بعد الموت ولا فرق في المسقط بين أن يكون بعد تمام السنة أو في بعضها وكذا تسقط إذا عمي أو زمن أو أقعد أو صار شيخا كبيرا لا يستطيع العمل أو افتقر بحيث لا يقدر على شيء والعقوبات إذا اجتمعت تداخلت كالحدود فلذا إذا اجتمعت عليه حولان تداخلت واختلف في معنى التكرار والأصح أنه إذا دخلت السنة الثانية سقطت جزية السنة الأولى لأن الوجوب بابتداء الحول بخلاف خراج الأرض فإنه بآخره لسلامة الانتفاع وفي الجوهرة الجزية تجب في أول الحول عند الإمام إلا أنها تؤخذ في آخره قبل تمامه بحيث يبقى منه يوم أو يومان وقال أبو يوسف تؤخذ الجزية حين تدخل السنة ويمضي شهران منها قيد بالجزية لأن الديون والأجرة والخراج لا يسقط بإسلام الذمي وموته اتفاقا واختلف في الخراج هل يسقط بالتداخل فقيل على الخلاف فعند الإمام يسقط وعندهما لا وقيل لا تداخل فيه بالاتفاق كالعشر لأنها مؤنة الأرض وينبغي ترجيح الأول لأن الخراج عقوبة بخلاف العشر. (فروع) في الجزية صرح في الهداية بأنها لا تقبل من الذمي لو بعثها على يد نائبه في أصح الروايات بل يكلف أن يأتي بنفسه فيعطي قائما والقابض منه قاعدا وفي رواية يأخذ بتلبيبه ويهزه هزا ويقول أعط الجزية يا ذمي ا هـ. أو يقول يا يهودي أو يا نصراني أو يا عدو الله كما في غاية البيان ولا يقال له يا كافر ويأثم القائل إن آذاه به كما في القنية وفي بعض الكتب أنه يصفع في عنقه حين أداء الجزية. (قوله: ولا تحدث بيعة ولا كنيسة في دارنا) أي لا يجوز إحداثهما في دار الإسلام لقوله عليه السلام: «لا إخصاء في الإسلام ولا كنيسة» والمراد إحداثهما وفي البناية يقال كنيسة اليهود والنصارى لمتعبدهم وكذلك البيعة كان مطلقا في الأصل ثم غلب استعمال الكنيسة لمتعبد اليهود والبيعة لمتعبد النصارى وفي فتح القدير وفي ديار مصر لا يستعمل لفظ البيعة بل الكنيسة لمتعبد الفريقين ولفظ الدير للنصارى خاصة والبيع بكسر الباء أطلق عموم دار الإسلام فشمل الأمصار والقرى وهو المختار كما في فتح القدير وقيده في الهداية بالأمصار دون القرى لأن الأمصار هي التي تقام فيها الشعائر فلا يعارض بإظهار ما يخالفها وقيل في ديارنا يمنعون من ذلك في القرى أيضا لأن فيها بعض الشعائر والمروي عن صاحب المذهب في قرى الكوفة لأن أكثر أهلها أهل الذمة وفي أرض العرب يمنعون من ذلك في أمصارها وقراها لقوله عليه السلام: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب» ا هـ. وشمل كلامه المواضع كلها وفي البناية قبل أمصار المسلمين ثلاثة أحدها ما مصره المسلمون منها كالكوفة والبصرة وبغداد وواسط فلا يجوز فيها إحداث بيعة ولا كنيسة ولا مجتمع لصلاتهم ولا صومعة بإجماع العلماء ولا يمكنون فيه من شرب الخمر واتخاذ الخنزير وضرب الناقوس وثانيها ما فتحه المسلمون عنوة فلا يجوز إحداث شيء فيها بالإجماع وثالثها ما فتح صلحا فإن صالحهم على أن الأرض لهم ولنا الخراج جاز إحداثهم وإن صالحهم على أن الدار لنا ويؤدون الجزية فالحكم في الكنائس على ما يوقع عليه الصلح فإن صالحهم على شرط تمكين الإحداث لا نمنعهم والأولى أن لا يصالحهم عليه وإن وقع الصلح مطلقا لا يجوز الإحداث ولا يتعرض للقديمة ا هـ. والحاصل أنهم يمنعون من الإحداث مطلقا إلا إذا وقع الصلح على الإحداث أو على أن الأرض لهم على هذا القول ولا استثناء في ظاهر الرواية وأشار إلى أنهم يمنعون من إحداث بيت النار بالأولى والصومعة كالكنيسة لأنها تبتنى للتخلي للعبادة بخلاف موضع الصلاة في البيت لأنه تبع للسكنى والصومعة بيت مبني برأس طويل ليتعبد فيها بالانقطاع عن الناس. (قوله: ويعاد المنهدم) مفيد لشيئين الأول عدم التعرض للقديمة لأنه قد جرى التوارث من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا بترك البيع والكنائس في دارنا والمراد بالقديمة ما كانت قبل فتح الإمام بلدهم ومصالحتهم على إقرارهم على بلدهم وأراضيهم ولا يشترط أن تكون في زمن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم لا محالة كذا في البناية وفي المحيط لو ضربوا الناقوس في جوف كنائسهم لا يمنعون. الثاني جواز بناء ما انهدم من القديمة لأن الأبنية لا تبقى دائما ولما أقرهم الإمام فقد عهد إليهم الإعادة وأشار إلى أنه لا تجوز الزيادة على البناء الأول كما في الخانية وإلى أنهم لا يمكنون من نقلها لأنه إحداث في الحقيقة وفي فتح القدير. واعلم أن البيع والكنائس القديمة في السواد لا تهدم على الراويات كلها وأما في الأمصار فاختلف كلام محمد فذكر في العشر والخراج تهدم القديمة وذكر في الإجارة أنها لا تهدم وعمل الناس عن هذا فإنا رأينا كثيرا منها تولت عليها أئمة وأزمان وهي باقية لم يأمر إمام بهدمها فكان متوارثا من عهد الصحابة رضي الله عنهم وعلى هذا لو مصرنا برية فيها دير أو كنيسة فوقع داخل السور ينبغي أن لا يهدم لأنه كان مستحقا للأمان قبل وضع السور فيحمل ما في جوف القاهرة من الكنائس على ذلك فإنها كانت فضاء فأدار العبيديون عليها السور ثم فيها الآن كنائس ويبعد من إمام تمكين الكفار من إحداثها جهارا في جوف المدن الإسلامية فالظاهر أنها كانت في الضواحي فأدير السور فأحاط بها وعلى هذا أيضا فالكنائس الموجودة الآن في دار الإسلام غير جزيرة العرب كلها ينبغي أن لا تهدم لأنها إن كانت في الأمصار قديمة فلا شك أن الصحابة أو التابعين رضي الله عنهم أجمعين حين فتحوا المدينة علموا بها وبقوها وبعد ذلك ينظر فإن كانت البلدة فتحت عنوة حكمنا بأنهم بقوها مساكن لا معابد فلا تهدم ولكن يمنعون من الاجتماع فيها للتقرب وإن عرف أنها فتحت صلحا حكمنا بأنهم أقروها معابد فلا يمنعون من ذلك فيها بل من الإظهار وانظر إلى قول الكرخي إذا حضر لهم عيد يخرجون فيه صلبانهم وغير ذلك فليصنعوا في كنائسهم القديمة من ذلك ما أحبوا فأما أن يخرجوا ذلك من الكنائس حتى يظهر في المصر فليس لهم ذلك ولكن ليخرجوا خفية من كنائسهم ا هـ. وصحح في التتارخانية رواية كتاب الإجازة من عدم هدم القديمة. (قوله: ويميز الذمي في الزي والمركب والسرج فلا يركب خيلا ولا يعمل بالسلاح ويظهر الكستيج ويركب سرجا كالأكف) إظهارا للصغار عليهم وصيانة لضعفة المسلمين ولأن المسلم يكرم والذمي يهان فلا يبتدأ بالسلام ويضيق عليه في الطريق فلو لم تكن علامة مميزة فلعله يعامل معاملة المسلمين وذلك لا يجوز بخلاف يهود المدينة لم يأمرهم عليه الصلاة والسلام بذلك لأنهم كانوا معروفين بأعيانهم لجميع أهل المدينة ولم يكن لهم زي عال عن المسلمين وإذا وجب التمييز وجب بما فيه صغار لا إعزاز لأن إذلالهم لازم بغير أذى من ضرب أو صفع بلا سبب يكون منه بل المراد اتصافه بهيئة وضيعة والزي بالكسر اللباس والهيئة وأصله زوي كذا في الصحاح وفي الديوان الزي الزينة والكستيج عن أبي يوسف خيط غليظ بقدر الأصبع يشده الذمي فوق ثيابه دون ما يتزينون به من الزنانير المتخذة من الإبريسم كذا في المغرب وقيده في المجمع بالصوف وقيد بالخيل لأن لهم أن يركبوا الحمر عند المتقدمين على سروج كهيئة الأكف وهو جمع إكاف وهو معروف والسرج الذي على هيئته هو ما يجعل على مقدمه شبه الرمانة والوكاف لغة ومنه أوكف الحمار كذا في المغرب والإكاف البرذعة ذكره العيني واختار المتأخرون أن لا يركبوا أصلا إلا إذا خرجوا إلى قرية ونحوها أو كان مريضا وحاصله أنه لا يركب إلا لضرورة فيركب ثم ينزل في مجامع المسلمين إذا مر بهم كذا في فتح القدير وفيه وإذا عرف أن المقصود العلامة فلا يتعين ما ذكر بل يعتبر في كل بلدة ما يتعارفه أهله. وفي بلادنا جعلت العلامة في العمامة فألزموا النصارى العمامة الزرقاء واليهود بالعمامة الصفراء واختص المسلمون بالبيضاء ا هـ. لكن في الظهيرية ما يفيد منع العمامة لهم فإنه قال وكستيجان النصارى قلنسوة سوداء من اللبد مضربة وزنار من الصوف وأما لبس العمامة وزنار الإبريسم فجفاء في حق أهل الإسلام ومكسرة لقلوبهم ا هـ. أطلق الذمي فشمل الذكر والأنثى ولذا قال في الهداية ويجب أن تتميز نساؤهم عن نسائنا في الطرقات والحمامات ويجعل على دورهم علامات كي لا يقف عليها سائل يدعو لهم بالمغفرة ويمنعون عن لباس يختص به أهل العلم والزهد والشرف ا هـ. وصرح في فتح القدير بمنعهم من الثياب الفاخرة حريرا أو غيره كالصوف المربع والجوخ الرفيع والأبراد الرفيعة قال ولا شك في وقوع خلاف هذا في هذه الديار ولا شك في منع استكتابهم وإدخالهم في المباشرة التي يكون بها معظما عند المسلمين بل ربما يقف بعض المسلمين خدمة له خوفا من أن يتغير خاطره منه فيسعى به عند مستكتبه سعاية توجب له منه الضرر ا هـ. وفي الحاوي القدسي وينبغي أن يلازم الذمي الصغار فيما يكون بينه وبين المسلم في كل شيء ا هـ. فعلى هذا يمنع من القعود حال قيام المسلم عنده واختار في فتح القدير بحثا أنه إذا استعلى على المسلمين حل للإمام قتله واستثنى في الذخيرة من منع الخيل ما إذا وقعت الحاجة إلى ذلك بأن استعان بهم الإمام في المحاربة والذب عن المسلمين وألحق في التتارخانية البغل بالحمار في جواز ركوبه لهم وصرح بمنعهم من القلانس الصغار وإنما تكون طويلة من كرباس مصبوغة بالسواد مضربة مبطنة ويجب تمييزهم في النعال أيضا فيلبسون المكاعب الخشنة الفاسدة اللون تحقيرا لهم وشرط في الخيط الذي يعقده على وسطه أن يكون غليظا غير منقوش وأن لا يجعل له حلقة وإنما يعقده على اليمين أو الشمال وشرط في القميص أيضا أن يكون ذيله قصيرا وأن يكون جيبه على صدره كما يكون للنساء وفي الخانية لا يؤخذ عبيد أهل الذمة بالكستيجان وفي التتارخانية وهذا كله إذا وقع الظهور عليهم. فأما إذا وقع معهم الصلح للمسلمين على بعض هذه الأشياء فإنهم يتركون على ذلك واختلف المشايخ بعد هذا أن المخالفة بيننا وبينهم تشترط بعلامة واحدة أو بعلامتين أو بالثلاث قال بعضهم بعلامة واحدة أما على الرأس كالقلنسوة الطويلة المضربة أو على الوسط كالكستيج أو على الرجل كالنعل والمكعب على خلاف نعالنا أو مكاعبنا وقال بعضهم لا بد من الثلاث ومنهم من قال في النصراني يكتفي بعلامة واحدة وفي اليهودي بعلامتين وفي المجوس بالثلاث وإليه مال الشيخ أبو بكر محمد بن الفضل وفي الذخيرة وبه كان يفتي بعضهم قال شيخ الإسلام والأحسن أن يكون في الكل ثلاث علامات وكان الحاكم الإمام أبو محمد يقول إن صالحهم الإمام وأعطاهم الذمة بعلامة واحدة لا يزاد عليها وأما إذا فتح بلدا عنوة وقهرا كان للإمام أن يلزمهم العلامات وهو الصحيح ا هـ. وإذا وجب عليهم إظهار الذل والصغار مع المسلمين وجب على المسلمين عدم تعظيمهم لكن قال في الذخيرة إذا دخل يهودي الحمام هل يباح للخادم المسلم أن يخدمه إن خدمه طمعا في فلوسه فلا بأس به وإن فعل ذلك تعظيما له إن كان لميل قلبه إلى الإسلام فلا بأس به وإن فعل ذلك تعظيما له من غير أن ينوي شيئا مما ذكرناه كره له ذلك وكذا أدخل ذمي على مسلم فقام له إن قام طمعا في ميله إلى الإسلام فلا بأس وبه وإن فعل ذلك تعظيما له من غير أن ينوي ما ذكرنا أو قام تعظيما لغناه كره له ذلك ا هـ. قال الطرسوسي إن قام تعظيما لذاته وما هو عليه كفر لأن الرضا بالكفر كفر فكيف يتعظم الكفر ا هـ كذا في شرح المنظومة وفي الخانية الذمي إذا اشترى دارا في المصر ذكر في العشر والخراج أنه لا ينبغي أن يباع منه وإن اشتراها يجبر على بيعها من المسلم وذكر في الإجارات أنه يجوز الشراء ولا يجبر على البيع ولا يترك الذمي أن يتخذ بيته صومعة في المصر يصلي فيه ا هـ. وفي الصغرى وذكر في الإجارات أنه لا يجبر على البيع إلا إذا كثر فحينئذ يجبر ا هـ. وفي التتارخانية يمكنون من المقام في دار الإسلام على رواية عامة الكتب إلا أن يكون من أمصار العرب كأرض الحجاز وعلى رواية العشر كما يجبر على بيع داره يخرجون من المصر وبه أخذ الحسن بن زياد وفي الذخيرة وإذا تكارى أهل الذمة دورا فيما بين المسلمين ليسكنوا فيها جاز لأنهم إذا أسكنوا بين المسلمين رأوا معالم الإسلام ومحاسنه وشرط الحلواني قلتهم بحيث يمكنون من المقام في دار الإسلام إلا في أمصار العرب كأرض الحجاز أما إذا كثروا بحيث تعطل بسبب سكناهم بعض المسلمين أو تقللوا يمنعون من السكنى فيما بين المسلمين ويأمرون بأن يسكنوا ناحية ليس فيها المسلمون وهو محفوظ عن أبي يوسف ا هـ. وفي المحيط يمكنون أن يسكنوا في أمصار المسلمين يبيعون ويشترون وفي أسواقهم لأن منفعة ذلك تعود إلى المسلمين ا هـ. (قوله: ولا ينتقض عهده بالإباء عن الجزية والزنا بمسلمة وقتل مسلم وسب النبي صلى الله عليه وسلم) لأن الغاية التي ينتهي بها القتال التزام الجزية لا أداؤها والالتزام باق فيأخذها الإمام منه جبرا والإباء الامتناع وأما الزنا فيقيم الحد عليه وفي القتل يستوفى القصاص منه وأما السب فكفر والمقارن له لا يمنعه فالطارئ لا يرفعه وأشار إلى أنه لا ينتقض إذا نكح مسلمة ولو وقع ذلك فالنكاح باطل ويعزران وكذا الساعي بينهما ولو أسلم بعد ذلك لا يجوز النكاح لوقوعه باطلا كذا في المعراج من باب نكاح الكافر وذكر العيني وفي رواية مذكورة وفي واقعات حسام أن أهل الذمة امتنعوا عن أداء الجزية ينتقض العهد ويقاتلون وهو قول الثلاثة ا هـ. ولا يخفى ضعفها رواية ودراية كما أن قول العيني واختياري أن يقتل بسب النبي صلى الله عليه وسلم لا أصل له في الرواية وكذا وقع لابن الهمام بحث هنا خالف فيه أهل المذهب وقد أفاد العلامة قاسم في فتاويه أنه لا يعمل بأبحاث شيخه ابن الهمام المخالفة للمذهب نعم نفس المؤمن تميل إلى قول المخالف في مسألة السب لكن اتباعنا للمذهب واجب وفي الحاوي القدسي ويؤدب الذمي ويعاقب على سبه دين الإسلام أو النبي أو القرآن ا هـ. (قوله: بل باللحاق ثمة أو بالغلبة على موضع للحراب) أي بل ينتقض عهده باللحاق بدار الحرب ونحوه لأنهم صاروا حربا علينا فيعرى عقد الذمة عن الفائدة وهو دفع شر الحراب وظاهر كلامهم أنه لا ينتقض إلا بأحد الأمرين وقد ذكر في فتح القدير من باب نكاح المشرك أن الذمي لو جعل نفسه طليعة للمشركين فإنه يقتل لأنه محارب معنى فحينئذ هي ثلاث لكن في المحيط هنا الذمي إذا وقف منه على أنه يخبر المشركين بعيوب المسلمين أو يقاتل رجلا من المسلمين فيقتله لا يكون نقضا للعهد لما روي: «أن حاطب بن أبي بلتعة كتب إلى مكة أن النبي صلى الله عليه وسلم يريد حربكم فخذوا حذركم وجعل الكتاب في قرن امرأة لتذهب به إلى مكة فنزل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة} فبعث عليا رضي الله عنه فأخذه وجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لحاطب ما حملك على هذا فقال: إن لي عيالات وقرابات بمكة فأردت أن يكون لي عندهم عهد وإني أعلم أن الله تعالى ناصرك وممكنك ولا يضرك ما صنعت فقال عمر رضي الله عنه ائذن لي حتى أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلا يا عمر لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فإني غفرت لكم» لأنه لو فعله المسلم لا يكون نقضا للإسلام فكذلك إذا فعله الذمي غير أنه يعاقب ويحبس لأنه ارتكب محظورا ا هـ. إلا أن يفرق بين الطليعة وبين ما في المحيط لما في المغرب الطليعة واحدة الطلائع في الحرب وهم الذين يبعثون ليطلعوا على أخبار العدو ويتعرفونها قال صاحب العين وقد يسمى الرجل الواحد في ذلك طليعة والجميع أيضا إذا كانوا معا وفي كلام محمد الطليعة الثلاثة والأربعة وهي فوق السرية ا هـ. فيحمل ما في المحيط على أنه لم يبعثه أهل الحرب ليطلع على أخبار المسلمين وما في الفتح ظاهر فيما إذا بعثوه لذلك واستدلاله في المحيط بواقعة حاطب بعيد لأن كلامه في الذمي وحاطب كان مؤمنا ولذا قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} إلخ وقال تعالى: {ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل} ولذا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقت وأفاد المصنف رحمه الله أن العهد لا ينقض بالقول ولذا قال في المحيط عقد الذمة ينتقض بالفعل وهو الالتحاق ولا ينتقض بالقول وأمان الحربي ينتقض بالقول ا هـ. (قوله: وصاروا كالمرتدين) أي صار أهل الذمة بالالتحاق أو بالغلبة كالمرتدين في قتلهم ودفع ما لهم لورثتهم لأنه التحق بالأموات لتباين الدار قيدنا التشبيه في الشين لأن بينهما فرقا من جهة أخرى وهو أن الذمي بعد الالتحاق يسترق ولا يجبر على قبول الذمة ذكرا كان أو أنثى كما في المحيط بخلاف المرتد حيث لا يسترق ويجبر على الإسلام لأن كفر المرتد أغلظ وسيأتي أن المرتدة تسترق بعد اللحاق رواية واحدة وقبله في رواية وأفاد بالتشبيه أن المال الذي ألحق به بدار الحرب فيء كالمرتد ليس لورثتهما أخذه بخلاف ما إذا رجع إلى دار الإسلام بعد اللحاق وأخذ شيئا من ماله ولحق بدار الحرب فإنه يكون لورثته لأنه ما لهم باللحاق الأول والأحسن أن لا يقيد التشبيه بالشين فقط كما فعل الشارحون وإنما يبقى على إطلاقه ويستثنى منه مسألة الاسترقاق وعدم الجبر لما علمت من مسألة المال الذي لحق به دار الحرب ولما في المحيط أن أهل الذمة إذا انتقض عهدهم ثم عادوا إلى الذمة أخذوا بحقوق كانت قبل النقض من القصاص والمال لأنه حق التزمه بعقد الذمة فلا يسقط بصيرورته حربا علينا ولم يؤخذوا بما أصابوا في المحاربة وكذلك المرتدون لأنهم بنقض العهد والردة التحقوا بسائر أهل الحرب وما أصاب أهل الحرب من دمائنا وأموالنا لا يؤاخذون بذلك متى أسلموا كذا هذا ا هـ. ولما في فتح القدير أنه كالمرتد في الحكم بموته باللحاق وإذا تاب تقبل توبته وتعود ذمته ولا يبطل أمان ذريته بنقض عهده وتبين منه زوجته الذمية التي خلفها في دار الإسلام إجماعا ويقسم ماله بين ورثته ا هـ. والحاصل أنه إذا أخذ أسيرا بعد الظهور فقد استرق ولا يتصور منه جزية كما صرح به في فتح القدير آخرا وإذا جاء من نفسه نائبا عادت ذمته كما أفاده أولا وفي فتح القدير أيضا فإن عاد بعد الحكم باللحاق ففي رواية يكون فيئا وفي رواية لا ا هـ. ويحمل على ما إذا لم يعد تائبا فقد علمت أن التشبيه في سبعة أشياء كما لا يخفى. (قوله: ويؤخذ من تغلبي وتغلبية ضعف زكاتنا) أي المسلمين وتغلب بن وائل من العرب ومن ربيعة تنصروا في الجاهلية فلما جاء الإسلام ثم زمن عمر رضي الله عنه دعاهم عمر إلى الجزية فأبوا وأنفوا وقالوا نحن عرب خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض الصدقة فقال لا آخذ من مشرك صدقة فلحق بعضهم بالروم فقال النعمان بن زرعة يا أمير المؤمنين إن القوم لهم بأس شديد وهم عرب يأنفون من الجزية فلا تعن عليك عدوا بهم وخذ منهم الجزية باسم الصدقة فبعث عمر رضي الله عنه في طلبهم وضعف عليهم فأجمعت الصحابة رضي الله عنهم على ذلك ثم الفقهاء ففي كل أربعين شاة شاتان ولا زيادة حتى تبلغ مائة وعشرين ففيها أربع شياه وعلى هذا في البقر والإبل كذا في فتح القدير أفاد بتسويته بين الذكر والأنثى إلى أن المأخوذ وإن كان جزية في المعنى فهو واجب بشرائط الزكاة وأسبابها إذ الصلح وقع على ذلك فلا يراعى فيه شرائط الجزية من وصف اللقطات فتقبل من النائب ويعطي جالسا إن شاء ولا يؤخذ بتلبيبه ولا يهز والمصرف مصالح المسلمين لأنه مال بيت المال وذلك لا يخص الجزية وخرج الصبي والمجنون لا يؤخذ من مواشيهم وأموالهم لعدم وجوب الزكاة عليهم عندنا بخلاف أرضهم فيؤخذ خراجها لأنها وظيفة الأرض وليست عبادة. وفي التتارخانية معزيا إلى الحجة لو حدث ولد ذكر بين نجراني وبين تغلبي من جارية بينهما وادعياه جميعا معا فمات الأبوان وكبر الولد لم تؤخذ منه الجزية وذكر في السير إن مات التغلبي أولا تؤخذ منه جزية أهل نجران وإن مات النجراني أولا تؤخذ منه جزية بني تغلب وإن ماتا معا يؤخذ النصف من هذا والنصف من ذاك ا هـ. واقتصر في الخانية على ما في السير والتغلبي بالتاء المثناة الفوقية والغين المعجمة وفي كتاب الخراج لأبي يوسف أن عمر رضي الله عنه حين صالحهم شرط عليهم أن لا يغمسوا أحدا من أولادهم في النصرانية. (قوله: ومولاه كمولى القرشي) أي ومعتق التغلبي ومعتق القرشي واحد في عدم التبعية للأصل فيوضع الخراج والجزية على معتقهما لأن الصدقة لمضاعفة تخفيف والمعتق لا يلحق بالأصل فيه ألا ترى أن الإسلام أعلى أسباب التخفيف ولا تبعية فيه. قيد بهما لأن مولى الهاشمي كالهاشمي في حرمة الصدقة عليه لأنه ليس تخفيفا بل تحريم والحرمات تثبت بالشبهات فالحق مولى الهاشمي به وبه بطل قياس زفر مولى التغلبي على مولى الهاشمي لكن نقض بمولى الغني تحرم الصدقة عليه ولم تنفذ إلى مولاه الفقير ودفع بأن الغني أهل للصدقة في الجملة وإنما الغني مانع عن الإسقاط عن المعطي ولم يتحقق المانع في حق مولاه فخص السيد أما الهاشمي فليس أهلا لهذه الصدقة أصلا لشرفه ولذا لا يعطى لو كان عاملا بخلاف الغني فالحق مولاه به لأن التكريم أن لا تنسب إليه الأوساخ بنسبة وأما قوله عليه السلام مولى القوم منهم فإنما هو في حكم خاص وهو عدم الزكاة إليه بدليل الإجماع على أن مولى الهاشمي لا ينزل منزله في الكفاءة للهاشمية والإمامة. (قوله: والجزية والخراج ومال التغلبي وهدية أهل الحرب وما أخذنا منهم بلا قتال يصرف في مصالحنا كسد الثغور وبناء القناطر والجسور وكفاية القضاة والعلماء والعمال والمقاتلة وذراريهم) لأنه مال بيت المال فإنه وصل للمسلمين بغير قتال وهو معد لمصالح المسلمين وهؤلاء عملتهم ونفقة الذراري على الآباء فلو لم يعطوا كفايتهم لاحتاجوا إلى الاكتساب وفائدة ذلك أنه لا يخمس ولا يقسم بين الغانمين كذا في الجوهرة وفيها معزيا إلى الذخيرة إنما يقبل الإمام هدية أهل الحرب إذا غلب على ظنه أن المشرك وقع عنده أن المسلمين يقاتلون لإعلاء كلمة الله وإعزاز الدين لا لطلب الدنيا أما من كان من المشركين يغلب على الظن أنه يظن أن المسلمين يقاتلون طمعا لا يقبل هديته وإنما يقبل من شخص لا يطمع في إيمانه لو ردت هديته أما من طمع في إيمانه إذا ردت هديته لا يقبل منه ا هـ. ثم اعلم أن ظاهر المتون أن الذراري يعطون بعد موت آبائهم كما يعطون في حياتهم وتعليل المشايخ يدل على أنه مخصوص بحياة آبائهم ولم أر نقلا صريحا في الإعطاء بعد موت آبائهم حالة الصغر. والثغور جمع ثغر وهو موضع بحافة البلدان والقنطرة ما لا يرفع والجسر ما يرفع كذا في العناية والضمير في قوله منهم يعود إلى الكفار فيشمل ما يأخذه العاشر من أهل الحرب وأهل الذمة إذا مروا عليه ومال نجران وما صولح عليه أهل الحرب على ترك القتال قبل نزول العسكر بساحتهم وأفاد بالتمثيل إلى أنه يصرف أيضا هذا النوع لنحو الكراع والسلاح والعدة للعدو وحفر أنهار العامة وبناء المساجد والنفقة عليها ذكره قاضي خان في فتاويه من كتاب الزكاة فقد أفاد من أن المصالح بناء المساجد والنفقة عليها فيدخل فيه الصرف على إقامة شعائرها من وظائف الإمامة والأذان ونحوهما وفي المحيط أن هذا النوع يصرف إلى أرزاق الولاة وأعوانهم وأرزاق القضاة والمفتين والمحتسبين والمسلمين وكل من تقلد شيئا من أمور المسلمين وإلى ما فيه صلاح المسلمين ا هـ. وفي التجنيس ذكر من المصارف المعلمين والمتعلمين فقال في فتح القدير وبهذا يدخل طلبة العلم بخلاف المذكورين هنا لأنه قبل أن يتأهل عامل لنفسه لكن ليعمل بعده للمسلمين ا هـ. وفي فتاوى قاضي خان من الخطر والإباحة سئل علي الرازي عن بيت المال هل للأغنياء فيه نصيب قال لا إلا أن يكون عاملا أو قاضيا وليس للفقهاء فيه نصيب إلا فقيه فرغ نفسه لتعليم الناس الفقه أو القرآن ا هـ. فيحمل ما في التجنيس على ما إذا فرغ نفسه لذلك بأن صرف غالب أوقاته في العلم وليس مراد الرازي الاقتصار على العامل أو القاضي بل أشار بهما إلى كل من فرغ نفسه لعمل المسلمين فيدخل الجندي والمفتي فيستحقان الكفاية مع الغني وفي الظهيرية من كتاب الزكاة ويبدأ من الخراج بأرزاق المقاتلة وأرزاق عيالهم فإذا فضل شيء يجوز أن يصرف إلى الفقراء ويجوز صرف الخراج إلى نفقة الكعبة وفي المنتقى أن تركة أهل الذمة كالخراج ا هـ. والضمير في قوله وذراريهم يعود إلى الكل من القضاة والعلماء والمقاتلة لأن العلة تشمل الكل كما ذكره مسكين وفي عبارة الهداية ما يوهم اختصاصه بالمقاتلة وليس كذلك وفي المحيط من الزكاة والرأي إلى الإمام من تفضيل وتسوية من غير أن يميل في ذلك إلى هوى ولا يحل لهم إلا ما يكفيهم ويكفي أعوانهم بالمعروف وإن فضل من المال شيء بعد إيصال الحقوق إلى أربابها قسموه بين المسلمين فإن قصروا في ذلك وقعدوا عنه كان الله حسيبا عليهم ا هـ. وفي مآل الفتاوى لكل قارئ في كل سنة مائتا دينار أو ألفا درهم إن أخذها في الدنيا وإلا يأخذها في الآخرة ا هـ. والمراد بالقارئ المفتي لما في الحاوي القدسي ولم يقدر في ظاهر الرواية قدر الأرزاق والأعطية سوى قوله ما يكفيهم وذراريهم وسلاحهم وأهاليهم وما ذكر في الحديث لحافظ القرآن وهو المفتي اليوم مائتا دينار وعن عمر رضي الله عنه أنه زاد فيه دليل على قدر الكفاية ا هـ. وفي القنية ومن كتاب الوقف كان أبو بكر رضي الله عنه يسوي في العطاء من بيت المال وكان عمر رضي الله عنه يعطيهم على قدر الحاجة والفقه والفضل والأخذ بما فعله عمر رضي الله عنه في زماننا أحسن فتعتبر الأمور الثلاثة ا هـ. وفي موضع آخر منها له حظ في بيت المال ظفر بما هو وجه لبيت المال فله أن يأخذه ديانة وللإمام الخيار في المنع والإعطاء في الحكم ا هـ. وفي الظهيرية السلطان إذا جعل خراج الأرض لصاحب الأرض وتركه له جاز في قول أبي يوسف خلافا لمحمد والفتوى على قول أبي يوسف إذا كان صاحب الأرض من أهل الخراج وعلى هذا التسويغ للقضاة والفقهاء ولو جعل العشر لصاحب الأرض لم يجز في قولهم وفي الحاوي القدسي ما يخالفه وأنه قال وإذا ترك الإمام خراج أرض رجل أو كرمه أو بستانه ولم يكن أهلا لصرف الخراج إليه عند أبي يوسف يحل له وعليه الفتوى وعند محمد لا يحل له وعليه رده وهذا يدل على أن الجاهل إذا أخذ من الجوالي شيئا يجب عليه رده لقول محمد رحمه الله لا يحل وعليه أن يرده إلى بيت المال أو إلى من هو لذلك كالمفتي والقاضي والجندي وإن لم يفعل إثم ا هـ. ومن هنا يعلم حكم الإقطاعات من أراضي بيت المال فإن حاصلها أن الرقبة لبيت المال والخراج لمن أقطع له فلا ملك للمقطع فلا يصح بيعه ووقفه وإخراجه عن الملك وقد صرح به العلامة قاسم في فتاويه وأن له الإجارة تخريجا على إجارة المستأجر وإجارة العبد الذي صولح على خدمته مدة معلومة وإجارة الموقوف عليه الغلة وإجارة العبد المأذون وإن لم يملكوا الرقبة لملك المنفعة وصرح بأنه إذا مات الجندي أو أخرج السلطان الإقطاع عنه تنفسخ الإجارة ا هـ. ثم اعلم أن أموال بيت المال أربعة أحدها ما ذكرناه الثاني والعشر ومصرفهما ما بين في باب المصرف من الزكاة الثالث خمس الغنائم وقد تقدم مصرفه في كتاب السير والرابع اللقطات والتركات التي لا وارث لها وديات مقتول لا ولي له ولم يذكره المصنف قالوا مصرفه اللقيط الفقير والفقراء الذين لا أولياء لهم يعطون منه نفقتهم وأدويتهم ويكفن به موتاهم ويعقل به جنايتهم وعلى الإمام أن يجعل لكل نوع من هذه الأنواع بيتا يخصه فلا يخلط بعضه ببعض لأن لكل نوع حكما يختص به فإن لم يكن في بعضها شيء فللإمام أن يستقرض عليه من النوع الآخر ويصرفه إلى أهل ذلك ثم إذا حصل من ذلك النوع شيء رده إلى المستقرض منه إلا أن يكون المصروف من الصدقات أو من خمس الغنيمة على أهل الخراج وهم فقراء فإنه لا يرد فيه شيئا لأنهم مستحقون للصدقات بالفقر وكذا في غيره إذا صرفه للمستحق ويجب على الإمام أن يتقي الله تعالى ويصرف إلى كل مستحق قدر حاجته من غير زيادة فإن قصر في ذلك كان الله عليه حسيبا كذا في التبيين وفي الحاوي القدسي والمحيط ولا شيء لأهل الذمة في بيت مال المسلمين إلا أن يكون ذميا يهلك لضعفه فيعطيه الإمام منه قدر ما يسد جوعته ا هـ. (قوله: ومن مات في نصف السنة حرم عن العطاء) لأنه نوع صلة وليس بدين فلهذا يسمى عطاء فلا يملك قبل القبض ويسقط بالموت وأهل العطاء في زماننا مثل القاضي والمدرس والمفتي والمراد بالحرمان عدم الإعطاء له وجوبا واستحبابا وقيد بنصف السنة لأنه لو مات في آخرها يستحب الصرف إلى قريبه لأنه قد أوفى تعبه فيستحب له الوفاء ثم قيل رزق القاضي ومن في معناه يعطى في آخر السنة واختلفوا فيما إذا أخذه أولها ثم مات أو عزل قبل مضيها قيل يجب رد ما بقي وقيل لا يجب عند هما كالنفقة المعجلة إلا عند محمد والله تعالى أعلم.
|