الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***
أما الحبوب فقد تقدم في الباب قبل هذا مذاهب العلماء فيها وسنزيد ذلك بيانا عنهم في هذا الباب إن شاء الله. وأما الزيتون فذكر. 566- مالك أنه سأل بن شهاب عن الزيتون فقال فيه العشر قال مالك وإنما يؤخذ من الزيتون العشر بعد أن يعصر ويبلغ زيتونه خمسة أوسق فما لم يبلغ خمسة أوسق فلا زكاة فيه والزيتون بمنزلة النخيل ما كان منه سقته السماء والعيون أو كان بعلا ففيه العشر وما كان يسقى بالنضح ففيه نصف العشر ولا يخرص شيء من الزيتون في شجره قال أبو عمر هذا قوله في موطئه أن الزيتون لا يخرص ولا يخرص من الثمار غير النخل والعنب ولا يخرص شيء من الحبوب ولم يختلف عنده شيء من ذلك إلا رواية شاذة في خرص الزيتون وهو قول الشافعي ببغداد قال يخرص النخل والعنب بالخير ويخرص الزيتون قياسا على النخل والعنب وقال في الكتاب المصري لا زكاة في الزيتون لأنه إدام ليس بقوت وهو قول أبي ثور وأبي يوسف ومحمد. وأما أبو حنيفة فيرى أن الزيتون والرمان وغير ذلك من الثمار على ظاهر قوله عز وجل (وهو الذي أنشأ جنات معروشات) إلى آخر الآية [الأنعام 141]. قال أبو عمر القول في خرص العنب ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو العباس الكديمي. وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قالا جميعا حدثنا عبد العزيز بن السري الحافظ قال حدثنا بشر بن منصور عن عبد العزيز بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أخرص العنب وآخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ زكاة النخل تمرا وقال الأوزاعي مضت الزكاة في التمر أن الزكاة في العنب والزيتون فيما سقت السماء والأنهار فذكر معنى قول مالك سواء وقال الثوري لا زكاة في غير النخل والعنب من الثمار ولا في غير الحنطة والشعير من الحبوب وذكر عنه بن المنذر الزكاة في الزيتون فوهم عليه وكذلك أخطأ في ذلك أيضا على أبي ثور وفي الموطأ وسئل مالك متى يخرج من الزيتون العشر أو نصفه أقبل النفقة أم بعدها فقال لا ينظر إلى النفقة ولكن يسأل عنه أهله كما يسأل أهل الطعام عن الطعام ويصدقون بما قالوا فمن رفع من زيتونه خمسة أوسق فصاعدا أخذ من زيته العشر بعد أن يعصر ومن لم يرفع من زيتونه خمسة أوسق لم تجب عليه في زيته الزكاة وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم تؤخذ زكاة الزيتون من حبه إذا بلغ خمسة أوسق وهو قول الشافعي ببغداد قيل لمحمد إن مالكا يقول إنما تؤخذ زكاته من زيته فقال ما اجتمع الباب على حبه فكيف على زيته قال أبو عمر من أوجب الزكاة على الزيتون فإنما قاله قياسا على النخل والعنب المجتمع على الزكاة فيهما والقائلون في الزيتون بالزكاة بن شهاب الزهري ومالك والأوزاعي والليث بن سعد وهو أحد قولي الشافعي وقياس الزيتون على النخل والعنب غير صحيح عندي والله أعلم لأن التمر والزبيب قوت والزيتون إدام. وقال مالك في الموطأ والسنة عندنا في الحبوب التي يدخرها الناس ويأكلونها أنه يؤخذ مما سقته السماء من ذلك وما سقته العيون وما كان بعلا العشر وما سقي بالنضح نصف العشر إذا بلغ ذلك خمسة أوسق بالصاع الأول صاع النبي صلى الله عليه وسلم وما زاد على خمسة أوسق ففيه الزكاة بحساب ذلك قال مالك والحبوب التي فيها الزكاة الحنطة والشعير والسلت والذرة والدخن والأرز والعدس والجلبان واللوبيا والجلجلان وما أشبه ذلك من الحبوب التي تصير طعاما فالزكاة تؤخذ منها بعد أن تحصد وتصير حبا قال والناس مصدقون في ذلك ويقبل منهم في ذلك ما دفعوا قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء فيما علمت أن الزكاة واجبة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب وقالت طائفة لا زكاة في غيرها روي ذلك عن الحسن وبن سيرين والشعبي وقال به من الكوفيين بن أبي ليلى وسفيان الثوري والحسن بن صالح وبن المبارك ويحيى بن آدم وإليه ذهب أبو عبيد وحجة من ذهب هذا المذهب ما رواه وكيع عن طلحة بن يحيى عن أبي بردة عن أبي موسى أنه كان لا يأخذ الزكاة إلا من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ومثل هذا يبعد أن يكون رأيا منه وقد روي ذلك عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا. وأما الشافعي فقوله في زكاة الحبوب كقول مالك إلا أنها عنده أصناف يعتبر النصاب في كل واحد منها ولا يضم شيئا منها إلى غيره قطنية كانت أو غيرها وهو قول أبي ثور وستأتي مسألة ضم الحبوب في الزكاة من القطنية وغيرها في موضعها إن شاء الله واختلف عن أحمد بن حنبل فروي عنه نحو قول أبي عبيد وروي عنه مثل قول الشافعي وهو قول إسحاق والحجة لمن ذهب مذهبهما القياس على ما اجتمعوا عليه في الحنطة والشعير لأنه ييبس ويؤخذ قوتا قال الشافعي كل ما يزرع الآدميون وييبس ويدخر ثم يقتات مأكولا خبزا وسويقا وطبيخا ففيه الصدقة قال والقول في كل صنف جمع منه رديئا وجيدا انه يعتد بالجيد مع الرديء كما يعتد بذلك في التمر ويؤخذ من كل صنف بقدره والعلس عنده ضرب من الحنطة قال فإن أخرجت من أكمامها اعتبر فيها خمسة أوسق وإلا فإذا بلغت عشرة أوسق أخذت صدقتها لأنها حينئذ خمسة أوسق وقال فخير أهلها في ذلك فأبى ذلك اختاروا وأحملوا عليه ثم قال يسأل عن العلس أهل الحنطة والعلس وقال لا يؤخذ زكاة شيء منه ولا من غيره في سبيله قال ويضم العلس إلى الحنطة إلى أن يخرج من أكمامه وقال إسحاق كل حب يقتات وييبس ويدخر ففيه الصدقة وقال الليث كل ما يقتات ففيه الصدقة وعن الأوزاعي قال الصدقة من الثمار في التمر والعنب والزيتون ومن الحبوب في الحنطة والشعير والسلت وروي عنه مثل قول مالك واختلف العلماء في ضم الحبوب بعضها إلى بعض في الزكاة فمذهب مالك أنه تجمع الحنطة والشعير والسلت بعضها إلى بعض يكمل النصاب في بعضها من بعض وكذلك القطنية كلها صنف واحد يضم بعضها إلى بعض في الزكاة. وقال الشافعي لا تضم حبة عرفت باسم وهي في دون صاحبتها وهي خلافها ثابتة في الخلقة والطعم إلى غيرها ويضم كل صنف بعضه إلى بعض ردي إلى صنفه كالتمر إلى غيره والزبيب أسوده وأحمره والحنطة أنواعها من السمراء وغيرها وقال الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور مثل قول الشافعي وقال الليث تضم الحبوب كلها القطنية وغيرها بعضها إلى بعض في الزكاة وكان أحمد بن حنبل ينهى عن ضم الذهب إلى الورق وضم الحبوب بعضها إلى بعض ثم كان في آخر عمره يقول فيها بقول الشافعي قال مالك ومن باع زرعه وقد صلح ويبس في أكمامه فعليه زكاته وليس على الذي اشتراه زكاة ولا يصلح بيع الزرع حتى ييبس في أكمامه ويستغني عن الماء قال مالك ومن باع أصل حائطه أو أرضه وفي ذلك زرع أو ثمر لم يبد صلاحه فزكاة ذلك على المبتاع وإن كان قد طاب وحل بيعه فزكاة ذلك على البائع إلا أن يشترطها على المبتاع. وقال مالك في غير الموطأ ليحيى فيمن هلك وخلف زرعا فورثه ورثته إن كان الزرع قد يبس فالزكاة عليه إن كان فيه خمسة أوسق وإن كان الزرع يوم مات أخضر فإن الزكاة عليهم إن كان في حصة كل إنسان منهم خمسة أوسق وإلا فلا زكاة عليهم وحجة مالك في ذلك كله أن المراعاة في الزكاة إنما تجب بطيب أولها فقد باع ماله وحصة المساكين عنده معه فيحيل على أنه ضمن ذلك لهم ويلزمه هذا وجه النظر فيه وقال الأوزاعي في الرجل يبيع إبله أو غنمه بعد وجوب الزكاة فيها قال يقبض المصدق صدقتها ممن وجدها عنده وسع المبتاع البائع بالزكاة. وقال الشافعي إذا باع قبل أن تطيب الثمرة فالبيع جائر والزكاة على المشتري وإن باع بعد ما طابت الثمرة فالزكاة على البائع والبيع مفسوخ إلا أن يبيع تسعة أعشار الثمرة إن كانت تسقى بعين أو كانت بعلا وتسعة أعشارها ونصف عشرها إن كانت تسقى بغرب وهو قول أبي ثور. وقال أبو حنيفة وأصحابه المشتري بالخيار في إنفاذ البيع ورده والعشر مأخوذ من الثمرة من يد المشتري ويرجع المشترى على البائع بقدر ذلك هذا إذا باعه بعد طيبه قال أبو حنيفة من باع زرعه فضلا ففضله المشتري فالعشر على البائع وإن تركه المشتري حتى صار حبا فهو على المشتري وذكر بن سماعة عن محمد بن الحسن قال إذا كان الذي باع ذلك لو تركه بلغ خمسة أوسق فعليه العشر إذا باعه وإن لم يبلغها فلا عشر فيه قال الشافعي إذا قطع التمر قبل أن يحل بيعه لم يكن فيه عشر. وأما قوله لا يصلح بيع الزرع حتى ييبس في أكمامه ويستغني عن الماء فأكثر العلماء على إجازة بيع الزرع في سنبله إذا كان قائما قد يبس واستغنى عن الماء وحجتهم في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحب حتى يشتد وعن بيع العنب حتى يسود حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الحسن بن علي الحلواني قال حدثنا أبو الوليد قال حدثنا حماد بن سلمة عن حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب حتى يسود وعن بيع الحب حتى يشتد. وقال الشافعي لا يجوز بيعه حتى يدرس ويصفى وكذلك عند الشافعي إذا كان قائما ولأصحابه في رفع هذا الحديث كلام سيأتي في البيوع إن شاء الله وقد روى الربيع عن الشافعي أنه رجع إلى الحديث بالقول المذكور وأجاز البيع في الحب إذا يبس قائما والأشهر المعروف من مذهبه أنه لا يجوز بيع الحب حتى يصفى من تبنه ويمكن النظر إليه وحجته أن حديث انس مضموم إليه النهي عن بيع الغرر والمجهول وما لا يتأمل وينظر إليه فدليل النهي عن الملامسة والمنابذة وكل ما لا ينظر إليه ولا يتأمل ولا يستبان فهو من بيوع الأعيان دون السلم الموصوف ومن حجته في رد ظاهر حديث أنس هذا حتى يضم إليه وصفنا قول الله تعالى في المطلقة المبتوتة (حتى تنكح زوجا غيره) [البقرة 230]. وقوله صلى الله عليه وسلم لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض ومعلوم أن المبتوتة لا تحل بنكاح الزوج حتى ينضم إلى ذلك طلاقة والخروج من عدتها وكذلك الحامل والحائض لا توطأ واحدة منهن حتى ينضم إلى الحيض والنفاس الطهر فكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحب حتى يشتد - يعني ويصير حبا مصفى ينظروا إليه وبالله التوفيق قال مالك في قول الله تبارك وتعالى (وءاتوا حقه يوم حصاده) [الأنعام 141]. أن ذلك الزكاة والله أعلم وقد سمعت من يقول ذلك قال أبو عمر اختلف العلماء في تأويل هذه الآية فقالت طائفة هو الزكاة وممن روي ذلك عنه بن عباس ومحمد بن الحنفية وزيد بن أسلم والحسن البصري وسعيد بن المسيب وطاوس وجابر بن زيد وقتادة والضحاك وقال آخرون هو أن يعطى المساكين عند الحصاد والجذاذ مع غير ما تيسر من غير الزكاة روي ذلك عن بن عمر وأبي جعفر محمد بن علي بن حنين وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير والربيع بن أنس وقال النخعي والسدي الآية منسوخة بفرض العشر ونصف العشر. 567- ذكر في هذا الباب معنى ضم الحبوب بعضها إلى بعض من القطنية وغيرها وفسر ذلك واحتج له بما أغنى عن ذكره ها هنا فمن ذلك أنه قد فرق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بين القطنية والحنطة فيما أخذ من النبط ورأى أن القطنية صنف واحد فأخذ منها العشر وأخذ من الحنطة والزبيب نصف العشر قال أبو عمر هذا ما فيه حجة على من جعل القطاني أصنافا مختلفة ولم يضمها وحجتهم أيضا على من جمع بين القطنية والحنطة وهو الليث ومن قال بقوله. وأما من فرق بينهما فلا حجة عليه بهذا وقد تقدم ذكر القائلين بذلك كله في الباب قبل هذا على أنه لا حجة في ذلك على المخالف لأن عمر لو أخذ من الجميع العشر أو من الجميع نصف العشر لم يكن ذلك حجة على من ضم الأجناس والأنواع من الحبوب وغيرها ولا على من لم يضمها وإنما الحجة في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة وقد أجمعوا أنه لا يجمع تمر إلى زبيب فصار أصلا يقاس عليه ما سواه وبالله التوفيق وقد تقدم القول في ضم الحبوب بعضها إلى بعض وما للعلماء في ذلك من التنازع في الباب قبل هذا. وأما قوله في الشريكين في النخل والزرع واعتباره في ملك كل واحد منهما نصابا وأنه لا تجب الزكاة على من لم تبلغ حصته منهما خمسة أوسق وأن من بلغت حصته خمسة أوسق فعليه الزكاة دون صاحبه الذي لم تبلغ حصته خمسة أوسق فهو قول أكثر أهل المدينة وبه قال الكوفيون وأبو ثور وأحمد على اختلاف عنه. وقال الشافعي الشريكان في الذهب والورق والزرع والماشية يزكيان زكاة الواحد فإذا كان لهما خمسة أوسق وجبت عليهما الزكاة في النخل والعنب والحبوب والماشية وله في الذهب والفضة قولان أحدهما هذا وهو الأشهر عنه والآخر اعتداد النصاب لكل واحد منهما واحتج بأن السلف كانوا يأخذون الزكاة من الحوائط الموقوفة على الجماعة وليس في حصة واحد منهما ما تجب فيه الزكاة فالشركاء عنده أولى بهذا المعنى من الخلطاء في الماشية وقد ورد في السنة من الخلطاء في الماشية ما قد تقدم ذكره في باب الماشية والحجة لمالك (رحمه الله) ومن وافقه قوله (عليه السلام) ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة ولا فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة وهو أصح ما قيل في هذا الباب والله الموفق للصواب. وأما قول مالك في هذا الباب السنة عندنا أن كل ما أخرجت زكاته من الحبوب كلها والتمر والزبيب أنه لا زكاة في شيء منه بمرور الحول عليه ولا في ثمنه إذا بيع حتى يحول عليه الحول كسائر العروض إلا أن يكون ذلك للتجارة هذا معنى قوله دون لفظه أمر مجتمع عليه لا خلاف بين العلماء فيه وقد تقدم القول في حكم العروض للتجارة وحكم الإدارة فيما تقدم من هذا الكتاب. قال مالك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا والذي سمعت من أهل العلم انه ليس في شيء من الفواكه كلها صدقة الرمان والفرسك والتين وما أشبه ذلك وما لم يشبهه إذا كان من الفواكه قال ولا في القضب ولا في البقول كلها صدقة ولا في أثمانها إذا بيعت صدقة حتى يحول على أثمانها الحول من يوم بيعها ويقبض صاحبها ثمنها قال أبو عمر لا أعلم خلافا بين أهل المدينة أنه ليس في البقول صدقة على ما قال مالك (رحمه الله وأما أهل الكوفة فإنهم يوجبون فيها الزكاة على ما قد مضى ذكره عنهم واحتج بعض أتباعهم لهم بحديث صالح بن موسى عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أنبتت الأرض من الخضر الزكاة وهذا حديث لم يروه من ثقات أصحاب منصور واحد هكذا وإنما هو من قول إبراهيم وقد روي عن نافع صاحب مالك قال حدثني إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عمه موسى بن طلحة عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما سقت السماء والبعل والسيل العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر يكون ذلك في التمر والحنطة والحبوب فأما القثاء والبطيخ والرمان والقضب والخضر فعفو عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا حديث أيضا لا يحتج بمثله وإنما أصل هذا الحديث ما رواه الثوري عن عثمان بن عبد الله بن موهب عن موسى بن طلحة أن معاذا لم يأخذ من الخضر صدقة وموسى بن طلحة لم يلق معاذا ولا أدركه ولكنه من الثقات الذين يجوز الاحتجاج بما يرسلونه عند مالك وأصحابه وعند الكوفيين أيضا قال أبو عمر ليس الزيتون عندهم من هذا الباب وأدخل التين في هذا الباب وأظنه والله أعلم بأنه ييبس ويدخر ويقتات ولو علم ذلك ما أدخله في هذا الباب لأنه أشبه بالتمر والزبيب منه بالرمان والفرسك (وهو الخوخ) ولا خلاف عن أصحابه أنه لا زكاة في اللوز ولا الجوز وما كان مثلهما وإن كان ذلك يدخر كما أن لا زكاة عندهم في الانماص ولا في التفاح ولا الكمثري ولا ما كان مثل ذلك كله مما لا ييبس ولا يدخر واختلفوا في التين فالأشهر عند أهل المغرب ممن يذهب مذهب مالك أنه لا زكاة عندهم في التين إلا عبد الله بن حبيب فإنه كان يرى فيه الزكاة على مذهب مالك قياسا على التمر والزبيب وإلى هذا ذهب جماعة من البغداديين المالكيين إسماعيل بن إسحاق ومن اتبعه وقد بلغني عن الأبهري وجماعة من أصحابه أنهم كانوا يفتون به ويرونه مذهب مالك على أصوله عندهم والتين مكيل يراعى فيه الأوسق الخمسة وما كان مثلها وزنا ويحكم في التين عندهم بحكم التمر والزبيب المجتمع عليهما. وأما البقول والخضر والتوابل فلا زكاة في شيء منها عند مالك ولا عند أحد من أصحابه وقال الأوزاعي الفواكه كلها لا تؤخذ الزكاة منها ولكن تؤخذ من أثمانها إذا بيعت بذهب أو فضة. وقال الشافعي لا زكاة في شيء مما تثمره الأشجار إلا النخل والعنب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الصدقة منهما وكانا بالحجاز قوتا يدخر قال وقد يدخر الجوز واللوز ولا زكاة فيهما لأنهما لم يكونا بالحجاز قوتا كما علمت وإنما كانا فاكهة ولا زكاة في الفواكه ولا في البقول كلها ولا في الكرسف ولا القثاء والبطيخ لأنها فاكهة ولا في الرمان والفرسك ولا في شيء من الثمار غير التمر والعنب قال والزيتون إدام مأكول بنفسه فلا زكاة فيه قال أبو عمر هذا قوله بمصر وعليه أكثر أصحابه في الزيتون وله قول آخر قد ذكرناه عنه كان يقوله ببغداد قبل نزوله مصر وقول أبي يوسف ومحمد وأبي ثور في هذا الباب كله مثل قول الشافعي المصري ويراعون فيما يرون فيه الزكاة خمسة أوسق في الحنطة والشعير والسلت والتمر والزبيب والأرز والسمسم وسائر الحبوب. وأما الخضر كلها والفواكه التي ليست لها ثمرة باقية كالبطيخ فإنه لا عشر فيها ولا نصف عشر وذلك بعد أن يرفع في أرض عشر دون أرض خراج وكان محمد بن الحسن يرى الزكاة في القطر وفي الزعفران والورس والعصفر والكتان ويعتبر في العصفر والكتان البذر فإذا بلغ قدرهما من القرطم والكتان خمسة أوسق كان العصفر والكتان تبعا للبذر ما وجد العشر أو نصف العشر. وأما القطن فليس عنده في خمسة أحمال منه شيء والحمل ثلاثمائة من العراقي والورس والزعفران ليس فيما دون خمسة أمنان منهما شيء فإذا بلغ أحدهما خمسة أمنان كانت فيه الصدقة عشرا ونصف عشر. وقال أبو حنيفة الزكاة واجبة في الفواكه كلها الرمان والزيتون والفرسك وكل ثمرة وكذلك كل ما تخرج الأرض وتنبت من البقول والخضر كلها والثمار إلا القصب والحطب والحشيش وحجته قول الله عز وجل (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وءاتوا حقه يوم حصاده) [الأنعام 141]. قال وحقه الزكاة ومن حجته أيضا قوله صلى الله عليه وسلم فيما سقت السماء والبعل العشر الحديث ولا يراعي أبو حنيفة إلا خمسة الأوسق من غير الحبوب والتمر والزبيب بل يرى في كل شيء عشرة حتى في عشر قبضان من البقل قبضة وهو قول إبراهيم النخعي وحماد بن أبي سليمان واختلفوا في العنب الذي لا يزبب والرطب الذي لا يتمر. وقال مالك في عنب مصر لا يتزبب ونخيل مصر لا يتمر وزيتون مصر لا يعصر ينظر إلى ما يرى أنه يبلغ خمسة أوسق وأكثر فيزكى ثمن ما باع من ذلك بذهب أو ورق وبلغ مائتي درهم أو عشرين دينارا أو لم يبلغ إذا بلغ خمسة أوسق قال مالك وكذلك العنب الذي لا يخرص على أهله وإنما يبيعونه عنه كل يوم في السوق حتى يجتمع من ثمن ما باع من ذلك الشيء الكثير فإنه يخرج من ذلك العشر أو نضف العشر إذا كان فيه خمسة أوسق. وقال الشافعي إذا كان النخل يأكله أهله رطبا أو يطعمونه فإن كان خمسة أوسق وأكلوه أو أطعموه ضمنوا عشره أو نصف عشره من وسطه تمرا قال فإن كان النخل لا يكون رطبه تمرا أحببت أن يعلم ذلك الوالي ليأمر من يبيع عشره رطبا فإن لم يفعل خرصه ثم صدق ربه بما بلغ رطبه وأخذ عشر الرطب ثمنا. أجمع العلماء على أن لا زكاة على أحد في رقيقه إلا أن يكون اشتراهم للتجارة فإن اشتراهم للقنية فلا زكاة في شيء منهم وقد مضى القول في زكاة العروض في موضعه من هذا الكتاب والحمد لله. 568- روى مالك عن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عراك بن مالك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة هكذا هذا الحديث لسليمان بن يسار عن عراك بن مالك لا خلاف في ذلك وفي رواية عبيد الله بن يحيى عن أبيه عن مالك وهم وخطأ وهو خطأ غير مشكل لم يلتفت إليه في الرضاع ولا غيره لظهور الوهم فيه وذكر أنه قال فيه وعن عراك بن مالك فأدخل فيه الواو وقد فعل ذلك في حديث الرضاع فلم يلتفت أحد من أهل الفهم إلى ذلك والحديث صحيح من نقل الأئمة الحفاظ عن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عراك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا رواه الحفاظ الثوري وغيره كما رواه مالك وقد زاد فيه بعض رواته إلا صدقة الفطر وستأتي زكاة الفطر عن العبيد في باب من تجب عليه زكاة الفطر إن شاء الله. 569- وأما حديث مالك عن بن شهاب عن سليمان بن يسار أن أهل الشام قالوا لأبي عبيدة بن الجراح خذ من خيلنا ورقيقنا صدقة فأبى ثم كلموه أيضا فكتب إلى عمر فكتب إليه عمر إن أحبوا فخذها منهم وارددها عليهم وارزق رقيقهم ففي إباء إياه أبي عبيدة وعمر في الأخذ من أهل الشام ما ذكروا عن رقيقهم وخيلهم دلالة واضحة أنه لا زكاة في الرقيق ولا في الخيل ولو كانت الزكاة واجبة في ذلك ما امتنعا من أخذ ما أوجب الله عليهم أخذه لأهله ووضعه فيهم فلما ألحوا على أبي عبيدة في ذلك وألح أبو عبيدة على عمر استشار الناس في أمرها فرأى أن أخذها منهم عمل صالح له ولهم على ما شرط أن يردها عليهم يعني على فقرائهم ومعنى قوله وارزق رقيقهم يعني الفقير منهم والله أعلم وقيل في معنى وارزق رقيقهم عبيدهم وإماءهم أي ارزقهم من بيت المال واحتج قائلو هذا القول بأن أبا بكر الصديق كان يقرض للسيد وعبده من الفيء وكان عمر يقرض للسيد وللعبد وسلك سبيلهما في ذلك الخليفة بعدهما وهذا الحديث يعارض ما روي عن عمر في زكاة الخيل ولا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار أوجب الزكاة في الخيل إلا أبا حنيفة فإنه أوجبها في الخيل السائمة فقال إذا كانت ذكورا وإناثا ففيها الصدقة في كل فرس وإن شاء قومها وأعطى من كل مائتي درهم خمسة دراهم وحجته ما يروى عن عمر في ذلك ذكر عبد الرحمن عن بن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار أن جبير بن يعلى أخبره أنه سمع بن يعلى بن أمية يقول ابتاع عبد الرحمن بن أمية أخو يعلى بن أمية من رجل من أهل اليمن فرسا أنثى بمائة قلوص فندم البائع فلحق بعمر فقال غصبني يعلى وأخوه فرسا لي فكتب عمر إلى يعلى أن الحق بي فأتاه فأخبره الخبر فقال عمر إن الخيل لتبلغ هذا عندكم ! فقال ما علمت فرسا قبل هذا بلغ هذا فقال عمر نأخذ من أربعين شاة شاة ولا نأخذ من الخيل شيئا ! خذ من كل فرس دينارا فضرب على الخيل دينارا دينارا وحديث مالك المتقدم ذكره يرد هذا ويعارضه بسقط الحجة بهما والحجة الثانية عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة ومن حجة أبي حنيفة أيضا ما رواه عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني بن أبي حسين أن بن شهاب أخبره أن عثمان كان يصدق الخيل وأن السائب بن يزيد أخبره أنه كان يأتي عمر بن الخطاب بصدقة الخيل قال بن شهاب لم أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن صدقة الخيل قال أبو عمر قد روى جويرية عن مالك فيه حديثا صحيحا ذكره الدارقطني عن أبي بكر الشافعي عن معاذ بن المثنى عن عبد الله بن محمد بن أسمى عن جويرية عن مالك عن الزهري أن السائب بن يزيد أخبره قال لقد رأيت أبي يقيم الخيل ثم يرفع صدقتها إلى عمر وذكر إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا بن أخي جويرية قال حدثنا جويرية عن مالك عن الزهري أن السائب بن يزيد أخبره قال رأيت أبي يقيم الخيل ثم يرفع صدقتها إلى عمر قال أبو عمر هذا يمكن أن يكون خاصا بالخيل لللتجارة والحجة قائمة لما قدمنا من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة وحديث علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قد عفوت عنكم عن صدقة الخيل والرقيق وقال علي وبن عمر لا صدقة في الخيل وإذا كان الخلاف بين الصحابة في مسألة وكانت السنة في أحد القولين كانت الحجة فيه على أن عمر قد اختلف عنه فيه ولم يختلف عن علي وبن عمر في ذلك وهو قول سعيد بن المسيب. 570- ذكر مالك عن عبد الله بن دينار أنه قال سألت سعيد بن المسيب عن صدقة البراذين فقال وهل في الخيل من صدقة والدليل على ضعف قول أبي حنيفة فيها أنه يرى الزكاة في السائمة منها ثم يقوموها وليست هذه سنة زكاة الماشية السائمة وقد جاء بعده صاحباه في ذلك أبو يوسف ومحمد فقالا لا زكاة في الخيل سائمة وغيرها وهو قول مالك والثوري والأوزاعي والليث والشافعي وسائر العلماء ومن حجة أبي حنيفة ومن رأى الصدقة في الخيل ما رواه بن عيينة عن الزهري عن السائب بن يزيد أن عمر أمر أن يؤخذ عن الفرس شاتان أو عشرون درهما رواه الشافعي وغيره عنه. وأما العسل فالاختلاف في وجوب الزكاة فيه بالمدينة معلوم ذكر إسماعيل بن إسحاق قال حدثني عبد الله بن محمد بن أسماء بن أخي جويرية بن أسماء قال حدثنا جويرية عن مالك عن الزهري أن صدقة العسل العشر وأن صدقة الزيت مثل ذلك وممن قال بإيجاب الزكاة في العسل الأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه وهو قول ربيعة وبن شهاب ويحيى بن سعيد إلا أن الكوفيين لا يرون فيه الزكاة إلا أن يكون في أرض العشر دون أرض الخراج وروى بن وهب عن يونس عن بن شهاب أنه قال بلغني أن في العسل العشر قال وهب. وأخبرني عمر بن الحارث عن يحيى بن سعيد وربيعة بمثل ذلك قال يحيى أنه سمع من أدرك يقول مضت السنة بأن في العسل العشر وهو قول بن وهب. وأما مالك والثوري والحسن بن حي والشافعي فلا زكاة عندهم في شيء من العسل وضعف أحمد بن حنبل الحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ منه العشر قال أبو عمر هو حديث يرويه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه من عشر قرب قربة ويروي أبو سيارة المتعي عن النبي صلى الله عليه وسلم معناه فأما حديث عمرو بن شعيب فهو حديث حسن رواه بن وهب قال أخبرني أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن فقراء من بني سيارة بطن من فهم كانوا يؤدون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحلهم من كل عشرة قرب قربة وجاء هلال - أحد بني متعان - إلى رسول الله بعشر نحل له وسأله أن يحمي واديا له فحماه له فلما ولي عمر بن الخطاب استعمل على ذلك سفيان بن عبد الله الثقفي فأبوا أن يؤدوا إليه شيئا وقالوا إنما كنا نؤديه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب سفيان إلى عمر بذلك فكتب عمر إنما النحل ذباب غيث يسوقه الله عز وجل إلى من شاء فإن أدوا إليك ما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحم لهم بواديهم وإلا فخل بين الناس وبينه قال فأدوا إليه ما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمى لهم بواديهم وذكره أبو داود من رواية عمر بن الحارث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بمعناه. وأما حديث أبي سيارة المتعي فإنه يرويه سليمان بن موسى عن أبي سيارة المتعي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أن يؤخذ من العسل العشر كان حديثا منقطعا لم يسمع سليمان بن موسى من أبي سيارة ولا يعرف أبو سيارة هذا ولا تقوم بمثله حجة. 572- ذكر فيه مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس البحرين وأن عمر أخذها من مجوس فارس وأن عثمان أخذها من البربر هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة رواته وكذلك معمر عن بن شهاب ورواه عبد الرحمن بن مهدي عن مالك عن بن شهاب عن السائب بن يزيد ورواه بن وهب عن يونس عنه بن شهاب عن سعيد بن المسيب وقد ذكرناها بأسانيدها في التمهيد. 573- وذكر مالك عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه أن عمر بن الخطاب ذكر المجوس فقال ما أدري كيف أصنع في أمرهم فقال عبد الرحمن بن عوف أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سنوا بهم سنة أهل الكتاب وهذا الحديث قد رواه أبو علي الحنفي عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده وهو أيضا منقطع والصحيح عن مالك ما في الموطأ وفي حديث جعفر من الفقه أن الخبر العالم قد يجهل ما يجد عند من هو دونه في العلم وفيه انقياد العالم إلى العلم حيث كان وفيه إيجاب العمل بخبر الواحد. وأما قوله سنوا فيهم سنة أهل الكتاب فهو من الكلام الخارج مخرج العموم والمراد منه الخصوص لأنه إنما أراد سنوا بهم سنة أهل الكتاب في الجزية لا في نكاح نسائهم ولا في أكل ذبائحهم وهذا لا خلاف فيه بين العلماء إلا شيء يروى عن سعيد بن المسيب أنه لم ير بذبح المجوس لشاة المسلم إذا أمره المسلم بذبحا بأسا والناس على خلافه والمعنى عند طائفة من الفقهاء في ذلك أن أخذ الجزية صغار لهم وذلة لكفرهم وقد ساووا أهل الكتاب في الكفر بل هم أشد كفرا فوجب أن يجروا مجراهم في الذل والصغار لأن الجزية لم تؤخذ من الكتابيين رفقا بهم وإنما منهم تقوية للمسلمين وذلا للكافرين وليس نكاح نسائهم ولا أكل ذبائحهم من هذا الباب لأن ذلك مكرمة بالكتابيين لموضع كتابهم واتباعهم الرسل - عليهم السلام - فلم يجز أن يحلق بهم من لا كتاب له في هذه المكرمة هذه جملة اعتل بها أصحاب مالك وغيرهم ولا خلاف بين علماء المسلمين أن الجزية تؤخذ من المجوس لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس أهل البحرين ومن مجوس هجر وفعله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي (رضي الله عنهم) واختلف الفقهاء في مشركي العرب ومن لا كتاب له هل تؤخذ منهم الجزية أم لا فقال مالك تقبل الجزية من جميع الكفار عربا كانوا أو عجما لقوله الله عز وجل (من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) [التوبة 29]. قال وتقبل من المجوس بالسنة وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه وأبي ثور وأحمد وداود وإليه ذهب عبد الله بن وهب وقال الأوزاعي ومالك وسعد بن عبد العزيز إن الفرازنة ومن لا دين له من أجناس الرتك والهند وعبدة النيران والأوثان وكل جاحد ومكذب بدين الله عز وجل يقاتلون حتى يسلموا أو يعطوا الجزية فإن بذلوا الجزية قبلت منهم وكانوا كالمجوس في تحريم مناكحهم وذبائحهم وسائر أمورهم قال أبو عبيد كل عجمي تقبل منه الجزية إن بذلها ولا تقبل من العرب إلا من كتابهم وحجة من رأى الجزية القياس على المجوس لأنهم في معناهم في أن لا كتاب لهم وقد تقدمت حجة الشافعي ومن قال بقوله وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم سنوا بهم سنة أهل الكتاب دليل على أنهم ليسوا أهل كتاب وعلى ذلك جمهور العلماء ومما احتجوا به قول الله تعالى (إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) [الأنعام 156]. يعني اليهود والنصارى وقوله عز وجل (يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل) [المائدة 68]. قالوا فلا أهل كتاب إلا أهل التوراة والإنجيل وقد روي عن الشافعي أنهم كانوا أهل كتاب فبدلوه وأظنه ذهب في ذلك إلى ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من وجه فيه ضعف يدور على أبي سعد البقال واسمه سعيد بن المرزبان وليس بقوي عندهم وقد سئل عنه أبو زرعة الرازي عنه فقال صدوق مدلس وقال مرة لين الحديث فيه ضعف قيل هو صدوق قال نعم كان لا يكذب وقد ذكرنا ذلك الحديث في التمهيد ومن ذهب إلى أن المجوس أهل كتاب قال في قوله صلى الله عليه وسلم سنوا بهم سنة أهل الكتاب يحتمل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد سنوا بهم سنة أهل الكتاب الذين يعلم كتابهم على ظهور واستفاضة. وأما المجوس فعلم كتابهم على خصوص وقد أنزل الله تعالى كتبا وصحفا على جماعة من أنبيائه منها زبور داود وصحف إبراهيم وأي الأمرين كان فلا خلاف بين العلماء أن المجوس تؤخذ منهم الجزية والآثار في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم متصلة ومرسلة من المتصلة حديث شهاب ذكره موسى بن عقبة عنه حدثني عروة عن المسور بن مخرمة أنه أخبره أن عمرو بن عوف وهو حليف لبني عامر بن لؤي وكان قد شهد بدرا أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها وكان قد صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي وذكر الحديث والدليل على أن أهل البحرين مجوس ما رواه قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى مجوس البحرين يدعوهم إلى الإسلام فمن أسلم منهم قبل منه ومن أبى وجبت عليه الجزية ولا تؤكل لهم ذبيحة ولا تنكح لهم امرأة وقد ذكرنا الآثار بهذا المعنى في التمهيد مسندة ومرسلة واختلف العلماء في مقدار الجزية فروي. 574- مالك عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير وعلى أهل الورق أربعين درهما مع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام وذهب إلى ذلك وقال عطاء بن أبي رباح التوقيت في ذلك إنما هو على ما صولحوا عليه وكذلك قاله يحيى بن آدم وأبو عبيد والطبري إلا أن الطبري قال أقله دينار وأكثره لا حد له إلا الإجحاف والاحتمال قالوا الجزية على قدر الاحتمال بغير توقيت يجتهد في ذلك الإمام ولا يكلفهم ما لا يطيقون هذا معنى قولهم وأظن من ذهب إلى هذا القول يحتج بحديث عمرو بن عوف الذي قدمنا ذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح أهل البحرين على الجزية وبما رواه محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة فأخذوه وأتي به فحقن له دمه وصالحه على الجزية وبحديث السدي عن بن عباس في مصالحة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل نجران ولما رواه معمر عن بن شهاب ان النبي صلى الله عليه وسلم صالح عبدة الأوثان على الجزية إلا ما كان من العرب ولا نعلم أحدا روى هذا الحديث بهذا اللفظ عن بن شهاب إلا معمرا وقد جعلوه وهما منه. وقال الشافعي المقدار في الجزية دينار دينار على الغني والفقير من الأحرار والبالغين وحجته في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل حالم دينارا أو عدله معافر وهي ثياب باليمن وهو المبين عن الله عز وجل مراده في قوله تعالى (حتى يعطوا الجزية) [التوبة 29]. فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدار ما يؤخذ من كل واحد منهم بحديث معاذ هذا ومن أحسن أسانيده ما حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا النفيلي حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي وائل عن معاذ الحديث قال الشافعي وإن صولحوا على أكثر من دينار جاز إذا طابت بذلك أنفسهم قال وإن صولحوا على ضيافة ثلاثة أيام جاز إذا كانت الضيافة معلومة في الخبز والشعير والتبن والإدام وذكر ما على الوسط من ذلك وما على الموسر وذكر موضع النزول والكن من البرد والحر قال أبو عمر هذا تفسير لقول عمر ومع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام ومعنى قوله أرزاق المسلمين يريد رفد أبناء السبيل وعدتهم ثم أخبرهم أن الضيافة ثلاثة أيام لا زيادة والله أعلم. وقال مالك لا يزاد على ما فرض عمر عليهم ولا ينقص إلا أن مذهبه ومذهب غيره من العلماء فيمن لا يقدر على الجزية لشدة فقره وضع عنه أو خفف ولا يكلف ما لا يطيق. وقال أبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي وأحمد بن حنبل الجزية اثنا عشر وأربعة وعشرون وستة وأربعون يعنون أن على الفقير اثنا عشر وعلى الوسط أربعة وعشرون وعلى الغني ستة وأربعون روى السدي وشعبة وإسرائيل عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب أن عمر بن الخطاب بعث عثمان بن حنيف فوضع الجزية على أهل السواد ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين واثنا عشر يعني درهما وقال الثوري جاء عن عمر بن الخطاب في ذلك ضرائب مختلفة فللوالي أن يأخذ بأيها شاء إذا كانوا ذمة. وأما أهل الذمة فما صولحوا عليه لا غير ذكره الأشجعي والفريابي وعبد الرزاق عن الثوري وزاد عبد الرزاق وذلك إلى الوالي يزيد عليهم بقدر يدهم ويضع بقدر حاجتهم وليس لذلك وقت. 575- مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال لعمر بن الخطاب إن في الظهر ناقة عمياء فقال عمر ادفعها إلى أهل بيت ينتفعون بها قال فقلت وهي عمياء فقال عمر يقطرونها بالإبل قال فقلت كيف تأكل من الأرض قال فقال عمر أمن نعم الجزية هي أم من نعم الصدقة فقلت بل من نعم الجزية فقال عمر أردتم والله أكلها فقلت إن عليها وسم الجزية فأمر بها عمر فنحرت وكان عنده صحاف تسع فلا تكون فاكهة ولا طريفة إلا جعل منها في تلك الصحاف فبعث به إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ويكون الذي يبعث به إلى حفصة ابنته من آخر ذلك فإن كان فيه نقصان كان في حظ حفصة قال فجعل في تلك الصحاف من لحم تلك الجزور فبعث به إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بما بقي من لحم تلك الجزور فصنع فدعا عليه المهاجرين والأنصار قال مالك لا أرى أن تؤخذ النعم من أهل الجزية إلا في جزيتهم أما قوله إن في الظهر ناقة عمياء فإنه يعني أن في الإبل التي من مال الله وهي التي جاءت من الصدقة ناقة عمياء كلمة (عميت) معلومة أنها عمياء إذا أخذها من له أخذها فظن عمر أنها من نعم الصدقة وأمر أن يعطاها أهل بيت فقراء ينتفعون بلبنها وتحميلها إن شاؤوا لأن الصدقة وجد فيها أسنان الإبل في فرائضها فلا يوجد في الجزية إلا كما يوجد العروض بالغنيمة فلما علم عمر رضي الله عنه أنها من نعم الجزية حمله الإشفاق والحذر على أن قال ما قال وعلم أسلم فحوى كلامه ومعناه فلم ينل ذلك فقال له إن عليها وسم الجزية كأنه زاده تعريفا واستظهارا عن جوابه في تبيين أنهم أرادوا أكلها ويحتمل أن يكون فيه حرجا على عادة العرب في روح كلامها لا والله وبلى والله وهو المتبع عند أكثر أهل العلم وفي قوله كيف تأكل من الأرض يعني وهي عمياء لا ترعى دليل على أنها مما لا بد من نحرها وأنه لا ينتفع في غير ذلك بها وأمر بها عمر فنحرت وقسمها قسمته العادلة على الأغنياء وأهل السابقة على المعروف من مذهبه في تفضيلهم في قسمته الفيء عليهم وعلى ذلك كان عثمان رضي الله عنه وكان تفضيله لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم تفضيلا نبيلا لموضعهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم من سائر المسلمين لأنهن أمهاتهم. وأما علي فذهب في قسمة الفيء إلى التسوية إلى أهل السابقة وغيرهم على ما كان عليه أبو بكر في ذلك روى معن بن عيسى قال حدثني أسامة بن زيد عن زيد بن أسلم عن عروة عن عائشة قالت قسم أبو بكر رضي الله عنه للرجل عشرة ولزوجه عشرة ولعبده عشرة ولخادم زوجته عشرة ثم قسم السنة المقبلة لكل واحد منهم عشرين عشرين وروي عن بن أبي ذئب عن خالد بن الحارث بن عبد الرحمن بن مرة مولى عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال قسم لي أبو بكر مثل ما قسم لسيدي والأحاديث عن أبي بكر في تسويته في قسمة الفيء بين العبد والحر والشريف والمضروب والرفيع والوضيع كثيرة لا تختلف عنه في ذلك وكذلك سيرة علي رضي الله عنه والآثار عنه أيضا بذلك كثيرة لا تختلف ذكر أبو زيد عمر بن شبة قال حدثنا حيان بن بشر قال حدثنا يحيى قال حدثنا قيس عن أبي إسحاق قال كان عمر يفضل في العطاء وكان علي لا يفضل قال عمر بن شبة. وحدثني محمد بن جبير قال حدثنا إبراهيم بن المختار قال حدثنا عنبة بن الأزهر عن يحيى بن عقيل الخزاعي عن أبي يحيى قال قال علي رضي الله عنه إني لم أعن بتدوين عمر الدواوين ولا تفضيله ولكني أفعل كما كان خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كان يقسم ما جاءه بين المسلمين ثم يأمر ببيت المال فينضح ويصلي فيه قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا خالد بن أبي عمرو قال حدثنا أنس بن سيرين أن عليا رضي الله عنه كان يقسم الأموال حتى يفرغ بيت المال فيرش له فيجلس فيه قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا سليمان بن مسلم العجلي قال سمعت أبي يذكر أنه شهد عليا أعطى أربعة أعطيات في سنة واحدة ثم نضح بيت المال فصلى فيه ركعتين. وأما عمر وعثمان رضي الله عنهما فكانا يفضلان وكان عمر أول من دون الدواوين ففضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على الناس أجمعين ففرض لهن اثني عشر ألف درهم وفرض لأهل بدر المهاجرين خمسة آلاف درهم وللأنصار البدريين أربعة آلاف وقد روي عنه من وجوه أيضا أنه فضل العباس وعليا والحق الحسن والحسين في أربعة آلاف وقيل إنه الحق أسامة بن زيد ومحمد بن عبد الله بن جحش وعمر بن أبي سلمة بهما وجعل عبد الله بن عمر في ثلاثة آلاف فكلمه في ذلك وقال شهدت ما لم يشهد أسامة وما شهد مشهدا إلا شهدته فلم فضلته علي فقال كان أبوه أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك وكان أسامة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك وقد روي أنه لم يفرد لأسامة ومحمد بن عبد الله بن جحش وعمر بن أبي سلمة إلا ألفين والآثار عنه في قسمته وسيرته في الفيء وتفضيله كثيرة لم تختلف في التفضيل ولكنها اختلفت في مبلغ العطاء ولم تختلف الآثار عنه فيما علمت أنه فرض لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم اثنى عشر ألفا ولكنه لم يلحق بهن أحدا وروي عنه أنه جعل العباس في عشرة آلاف وذكر عمر قال حدثنا محمد بن حاتم قال حدثنا علي بن ثابت قال حدثني موسى بن ثابت بن عيينة عن إسماعيل بن عمر قال لما فرض عمر بن الخطاب الديوان جاءه طلحة بن عبيد الله بنفر من بني تميم ليفرض لهم وجاءه رجل من الأنصار بغلام مصفر سقيم فقال عمر للأنصار من هذا الغلام قالوا هذا بن أخيك هذا بن أنس بن النضر قال عمر مرحبا وأهلا وضمه إليه وفرض له ألفا فقال له طلحة يا أمير المؤمنين انظر في أصحابي هؤلاء قال نعم يفرض له في ستمائة ستمائة فقال طلحة والله ما رأيتك كاليوم أي شيء هذا ! فقال عمر أنت يا طلحة تظنن أني أنزل هؤلاء منزلة هذا هذا بن من جاءنا يوم أحد أنا وأبو بكر وقد أشيع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل فقال يا أبا بكر ويا عمر ما لي أراكما واجفان إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل فإن الله حي لا يموت ثم ولى بسيفه فضرب عشرين ضربة عدها في وجهه ثم قتل شهيدا وهؤلاء قتل آباؤهم على تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف أجعل بن من قاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كابن من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ الله أن نجعله بمنزلة سواء قال أبو عمر كان يفضل أهل السوابق ومن له من رسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة ومنزلة في العطاء وكان أبو بكر يقول أجر أولئك على الله. وأما ما جاء في تفضيله أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الناقة العمياء وأنه لم يطبخ للمهاجرين والأنصار منها إلا ما فضل عنهن فهذه كانت سيرته في قسمته المال على أهله والجزية ركن من أركان الفيء والفيء حلال للأغنياء بإجماع من العلماء. 576- وأما حديث مالك في هذا الباب أنه بلغه عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عماله أن يضعوا الجزية عمن أسلم من أهل الجزية حين يسلمون فأجمع العلماء على أن الذمي إذا أسلم فلا جزية عليه فيما يستقبل واختلفوا فيه إذا أسلم في بعض الحول أو مات قبل أن يتم حوله فقال مالك إذا أسلم الذمي أو مات سقط عنه كل ما لزمه من الجزية لما مضى وسواء اجتمع عليه محول أو أحوال وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وعبيد الله بن الحسن. وقال الشافعي وبن شبرمة إذا أسلم في بعض السنة أخذ منه بحساب. وقال الشافعي إن أفلس غريم من الغرماء وقول أحمد بن حنبل في هذه المسألة كقول مالك وهو الصواب إن شاء الله على عموم قوله صلى الله عليه وسلم ليس على المسلم جزية وعلى ظاهر قول عمر ضعوا الجزية عمن أسلم لأنه لا يوضع عنه إلا ما مضى. وأما قوله في هذا الباب مضت السنة أن لا جزية على نساء أهل الكتاب ولا على صبيانهم وأن الجزية لا تؤخذ إلا من الرجال الذين قد بلغوا الحلم فهذا إجماع من علماء المسلمين لا خلاف بينهم فيه أن الجزية إنما تضرب على البالغين من الرجال دون النساء والصبيان وكذلك قول مالك وليس على أهل الذمة ولا المجوس في نخلهم ولا كرومهم ولا زروعهم ولا مواشيهم صدقة لأن الصدقة إنما وضعت على المسلمين تطهيرا لهم وردءا على فقرائهم ووضعت الجزية على أهل الكتاب صغارا لهم فهذا أيضا إجماع من العلماء إلا أن منهم من رأى تضعيف الصدقة على بني تغلب دون جزية وهو فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما روى عنه أهل الكوفة وممن ذهب إلى تضعيف الصدقة على بني تغلب دون جزية الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل قالوا يؤخذ منهم كل ما يؤخذ من المسلم مثلاها حتى في الركاز ويؤخذ منهم فيه الخمسان ومما يؤخذ من المسلم فيه العشر أخذ فيه عشران وما أخذ من المسلمين ربع العشر أخذ منهم نصف العشر ويجري ذلك على أموالهم وعلى نسائهم بخلاف الجزية وقال زفر لا شيء على نساء بني تغلب في أموالهم وليس عن مالك في بني تغلب شيء منصوص وبني تغلب عند جماعة أصحابه وغيرهم من النصارى سواء في أخذ الجزية منهم وقد جاء عن عمر بن الخطاب أنه إنما فعل ذلك لهم لئلا ينظروا أجناسهم قد فعلوا ذلك فلا عهد لهم كذلك قال داود بن كردوس وهو راوية عمر في بني تغلب وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني خلاد أن عمرو بن شعيب أخبره أن عمر بن الخطاب كان لا يدع يهوديا ولا نصرانيا ينصر ولده ولا يهوده في بلاد العرب وعن بن التيمي عن أبي عوانة عن الكلبي عن الأصبغ بن نباتة عن علي قال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صالح نصراني بني تغلب على أن لا ينصروا الأبناء فإن فعلوا فلا عهد لهم قال وقال علي لو قد عرفت لقاتلتهم قال عبد الرزاق. وأخبرنا معمر عن أيوب عن بن سيرين عن عبيدة السلماني أن عليا كان يكره ذبائح نصارى بني تغلب وهو لأنهم لم يتمسكوا من النصرانية إلا بشرب الخمر قال أبو عمر فدعا الله عز وجل أهل الكتاب في أخذ الجزية منهم فلا وجه لإخراج بني تغلب. وأما قول مالك في هذا الباب في تجار أهل الذمة من خرج منهم من بلادهم إلى غير بلادهم من مصر إلى الشام إلى العراق فإنهم يؤخذ منهم العشر في ذلك مما بأيديهم في تجاراتهم وقد مضى القول في هذه المسألة في باب زكاة العروض لما ذكره مالك هناك عن عمر بن عبد العزيز (رحمهما الله). 577- ذكر فيه مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن عمر بن الخطاب كان يأخذ من النبط من الحنطة والزيت نصف العشر يريد بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة ويأخذ من القطنية العشر. 578- وعن بن شهاب عن السائب بن يزيد أنه قال كنت غلاما عاملا مع عبد الله بن عتبة بن مسعود على سوق المدينة في زمان عمر بن الخطاب فكنا نأخذ من النبط العشر. 579- وأنه سأل بن شهاب على أي وجه كان يأخذ عمر بن الخطاب من النبط العشر فقال بن شهاب كان ذلك يؤخذ منهم في الجاهلية فألزمهم ذلك عمر قال أبو عمر روى جويرية عن مالك عن الزهري عن السائب بن يزيد أن عمر بن الخطاب أخذ من النبط العشور بالجابية ولا أعلم أحدا ذكر في حديث مالك هذا بالجابية غير جويرية وحديث السائب بن يزيد عام فخصه بالنبط وحديث سالم عن أبيه في الحنطة والزيت أنه كان يأخذ منهما خاصة نصف العشر وقد بين العلة وهي ليكثروا حمل ذلك إلى المدينة لأنهما لا يشهدان غيرها في شدة الحاجة إليه في القوت والإدام. وأما أقاويل الفقهاء وتنازعهم في هذا الباب فقال مالك في الباب قبل هذا في موطئه وليس على أهل الذمة ولا على المجوس في نخيلهم ولا كرومهم ولا زروعهم ولا مواشيهم صدقة لأن الصدقة إنما وضعت على المسلمين تطهيرا لهم وردا على فقرائهم ووضعت الجزية على أهل الكتاب صغارا لهم فهم ما كانوا ببلدهم الذين صالحوا عليه ليس عليهم شيء سوى الجزية في شيء من أموالهم إلا أن يتجروا في بلاد المسلمين ويختلفوا فيها فيؤخذ منهم العشر فيما يديرون من التجارات وذلك أنهم إنما وضعت عليهم الجزية وصالحوا عليها على أن يقروا ببلادهم ويقاتل عنهم عدوهم فمن خرج منهم من بلاده إلى غيرها يتجر إليها فعليه العشر من تجر منهم من أهل مصر إلى الشام ومن أهل الشام إلى العراق ومن أهل العراق إلى المدينة أو اليمن أو ما أشبه هذا من البلاد فعليه العشر ولا صدقة على أهل الكتاب ولا المجوس في شيء من أموالهم ولا من مواشيهم ولا ثمارهم ولا زروعهم مضت بذلك السنة ويقرون على دينهم ويكونون على ما كانوا عليه وإن اختلفوا في العام الواحد مرارا في بلاد المسلمين فعليهم كلما اختلفوا العشر لأن ذلك ليس مما صالحوا عليه ولا مما شرط لهم وهذا الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا قال أبو عمر لم يسم ها هنا حنطة ولا دينا بمكة ولا بالمدينة وقد ذكره عنه بن عبد الحكم وغيره اتباعا لعمر رضي الله عنه في ذلك ويؤخذ منهم عند مالك في قليل التجارة وكثيرها ولا يكتب لهم فيما يؤخذ منهم كتاب ويؤخذ منهم كلما تجروا واختلفوا وقال بن وهب في موطئه سألت مالكا عن العبيد النصارى العشر إذا قدموا التجارة فقال نعم قلت متى يعشرون أقبل أن يبيعوا أو بعد قال بعد أن يبيعوا فقلت أرأيت إن كسد عليهم ما قدموا به فلم يبيعوه قال لا يؤخذ منهم شيء حتى يبيعوا قلت فإن أرادوا الرجوع بمتاعهم إذا لم يوافقهم السوق قال ذلك لهم وقال الثوري إذا مر أهل الذمة بشيء للتجارة أخذ منهم نصف العشر إذا كان معه ما يبلغ مائتي درهم وإن كان أقل من مائتي درهم فلا شيء عليه والذمي والمسلم في ذلك سواء إلا أنه لا يؤخذ من المسلم إلا ربع العشر وإذا أعسر المسلم والذمي لم يؤخذ منه شيء إلى تمام الحول ويوضع ما يؤخذ من المسلم موضع الزكاة وما أخذ من الذمي موضع الخراج وهذا كله قول أبي حنيفة وأصحابه إلا أن أبا حنيفة لا يرى على الذمي إذا حمل فاكهة رطبة وما لا يتبقى بأيدي الناس شيئا وقال أبو يوسف ومحمد ذلك وغيره سواء وقال يؤخذ من الحربي العشر في كل ما يؤخذ فيه من الذمي نصف العشر وهذا كله في الذمي والحربي قول أبي ثور قال الشافعي لا أحب أن يدع الوالي أحدا من أهل الذمة في صلح إلا مكشوفا مشهودا عليه وأحب أن يسأل أهل الذمة عما صالحوا عليه مما يؤخذ منهم إذا اختلفوا في بلاد المسلمين فإن أنكرت منهم طائفة أن تكون صالحت على شيء يؤخذ منها سوى الجزية لم يلزمها ما أنكرت وعرض عليها إحدى خصلتين أن لا تأتي الحجاز بحال أو تأتي الحجاز على أنها متى أتت الحجاز أخذ منها ما صالحها عليه عمر وزيادة إن رضيت به وإنما قلنا لا تأتي الحجاز لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلاها من الحجاز وقلنا تأتيه على ما أخذ عمر أن ليس في إجلائها من الحجاز أمر يبين أن يحرم أن تأتي الحجاز منتابة وإن رضيت بإتيان الحجاز على شيء مثل ما أخذ عمر أو أكثر منه أذن لها أن تأتيه منتابة لا تقيم ببلد منه أكثر من ثلاث فإن لم ترض منعها منه وإن دخلته بلا أذن لم يؤخذ من مالها لشيء وأخرجها منه وعاقبها إن علمت منعه إياها ولم يعاقبها إن لم تعلم منعه إياها وتقدم إليها فإن عادت عاقبها ويقدم إلى ولاته أن لا يجيزوا بلاد الحجاز إلا بالرضا والإقرار بأن يؤخذ منهم ما أخذ عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وإن زادوه عليها شيئا لم يحرم عليه فكان أحب إلي وإن عرضوا عليه أقل منه لم احب أن يقبله وإن قبله لخلة بالمسلمين رجوت أن يسعه ذلك لأنه إذا لم يحرم أن يأتوا الحجاز مجتازين لم يحل إتيانهم الحجاز كثير يؤخذ منهم ويحرمه قليل وإذا قالوا نأتيها بغير شيء لم يكن ذلك للوالي ولا لهم ويجتهد أن يجعل هذا عليهم في كل بلد انتابوه فإن منعوا منه في البلدان فلا يبين لي أن له أن يمنعهم بلدا غير الحجاز ولا يأخذ من أموالهم وإن اتجروا في بلد غير الحجاز شيئا ولا يحل أن يؤذن لهم في مكة بحال وإن أتوها على الحجاز أخذ منهم ذلك وإن جاءوها على غير شرط لم يكن له أن يأخذ منهم شيئا وعاقبهم إن علموا نهيه عن إتيان مكة ولم يعاقبهم إن لم يعلموا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وينبغي أن يبتدئ صلحهم على البيان من جميع ما وصفت ثم يلزمهم ما صالحوا عليه فإن أغفلهم منعهم الحجاز كله فإن دخلوه بغير صلح لم يأخذ منهم شيئا ولا يبين لي أن يمنعهم غير الحجاز من البلدان قال ولا أحسب عمر بن الخطاب ولا عمر بن عبد العزيز أخذ ذلك منهم إلا عن رضا منهم بما أخذ منهم فأخذه منهم كما تؤخذ الجزية فأما أن يكون ألزموه بغير رضا منهم فلا أحسبه وكذلك أهل الحرب يمنعون الإتيان إلى بلاد المسلمين بتجارة بكل حال إلا بصلح فما صالحوا عليه جاز لمن أخذه وإن دخلوا بأمان وغير صلح مقرين به لم يؤخذ منهم شيء من أموالهم وردوا إلى مأمنهم إلا أن يقولوا إنما دخلنا على أن يؤخذ منا فيؤخذ منهم وإن دخلوا بغير أمان غنموا وإذا لم يكن لهم دعوى أمان ولا رسالة كانوا فيئا وقتل رجالهم إلا أن يسلموا أو يؤدوا الجزية قبل أن نظفر بهم إن كانوا ممن يجوز أن تؤخذ منهم الجزية وإن دخل رجل من أهل الذمة بلدا أو دخلها حربي بأمان فأدى عن ماله شيئا ثم دخل بعد لم يؤخذ ذلك منه إلا بأن يصالح عليه قبل الدخول أو يرضى به بعد الدخول فأما الرسل ومن ارتاد الإسلام فلا يمنعون الحجاز لأن الله عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) [التوبة 6]. وإن أراد أحد من الرسل الإمام وهو بالحرم فعلى الإمام أن يخرج إليه ولا يدخله إلا أن يكون يغني الإمام فيه الرسالة والجواب فيكتفي بهما فلا يترك يدخل الحرم بحال.
|