الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***
601- مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رجلا قبل امرأته وهو صائم في رمضان فوجد من ذلك وجدا شديدا فأرسل امرأته تسأل له عن ذلك فدخلت على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك لها فأخبرتها أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم فرجعت فأخبرت زوجها بذلك فزاده ذلك شرا وقال لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم الله يحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء ثم رجعت امرأته إلى أم سلمة فوجدت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لهذه المرأة فأخبرته أم سلمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك فقالت قد أخبرتها فذهبت إلى زوجها فأخبرته فزاده ذلك شرا وقال لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم الله يحل لرسوله صلى الله عليه وسلم ما شاء فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال والله إني لأتقاكم لله وأعلمكم بحدوده قال أبو عمر هذا الحديث مرسل عند جميع رواة الموطأ عن مالك والمعنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم صحيح من حديث عائشة وحديث أم سلمة وحفصة. 602- وحديث عائشة عند مالك مسند من حديث هشام عن أبيه عن عائشة ومرسل أيضا على ما ذكرنا وفيه من الفقه أن القبلة للصائم جائزة في رمضان وغيره شابا كان أو شيخا على عموم الحديث وظاهره لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل للمرأة هل زوجك شيخ أو شاب ولو ورد الشرع بالفرق بينهما لما سكت عنه -عليه السلام- لأنه المنبئ عن الله - عز وجل - مراده من عباده وأظن أن الذي فرق بين الشيخ في القبلة للصائم والشاب ذهب إلى قول عائشة وأيكم أملك لإربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثها عنه أنه كان يقبلها وهو صائم صلى الله عليه وسلم يعني أملك لنفسه وشهوته والدليل أن الشيخ والشاب عندها في ذلك سواء وأن قولها إنما خرج على الإشفاق والاحتياط في ذلك ما ذكره. 603- مالك عن يحيى بن سعيد أن عاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نفيل امرأة عمر بن الخطاب كانت تقبل رأس عمر بن الخطاب وهو صائم فلا ينهاها. 604- مالك عن أبي النضر عن عائشة بنت طلحة أنها كانت عند عائشة أم المؤمنين فدخل عليها زوجها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر وهو صائم فقالت عائشة ما يمنعك أن تدنو من أهلك وتقبلها وتلاعبها فقال أقبلها وأنا صائم فقالت نعم. 605- مالك عن زيد بن أسلم أن أبا هريرة وسعد بن أبي وقاص كانا يرخصان في القبلة للصائم وقد أجمع العلماء على أن من كره القبلة لم يكرهها لنفسها وإنما كرهها خشية ما تحمل إليه من الإنزال وأقل ذلك المذي لم يختلفوا في أن من قبل وسلم من قليل ذلك وكثيره فلا شيء عليه وممن قال بإباحة القبلة للصائم عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص وأبو هريرة وبن عباس وعائشة وبه قال عطاء والشعبي والحسن وهو قول أحمد وإسحاق وداود. وقال أبو حنيفة وأصحابه لا بأس بالقبلة للصائم إذا كان يأمن على نفسه قالوا وإن قبل وأمنى فعليه القضاء ولا كفارة عليه وهو قول الثوري والحسن بن حي والشافعي وكلهم يقول من قبل فأمنى فليس عليه غير القضاء وقال بن علية لا تفسد القبلة الصوم إلا أن ينزل الماء الدافق قال أبو عمر لا أعلم أحدا رخص في القبلة للصائم إلا وهو يشترط السلامة مما يتولد منها وان من يعلم أنه يتولد عليه منها ما يفسد صومه وجب عليه اجتنابها ولو قبل فأمذى لم يكن عليه شيء عند الشافعي وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي وبن علية. وأما أحمد والشافعي فلا يريان الكفارة إلا على من جامع فأولج أو أنزل ناسيا عند أحمد وعند الشافعي عامدا وسيأتي هذا المعنى في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله. وقال مالك لا أحب للصائم أن يقبل فإن قبل في رمضان فأنزل فعليه القضاء والكفارة وإن قبل فأمذى فعليه القضاء ولا كفارة عليه والمتأخرون من أصحاب مالك البغداديون يقولون إن القضاء ها هنا استحباب وقد أوضحنا في التمهيد ما في هذا الحديث من إيجاب العمل بخبر الواحد وهو قوله صلى الله عليه وسلم ألا أخبرتيها وذكرنا الآثار المتصلة في هذا الباب من طرق في التمهيد وهي كلها تبيح القبلة للصائم. 606- ذكر فيه مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت إذا ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم تقول وأيكم أملك لنفسه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر قد ذكرنا هذا الحديث من طرق عن عائشة كلها صحيحة في التمهيد منها ما حدثناه عبد الوارث قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى بن عبيد الله بن عمر قال سمعت القاسم بن محمد يحدث عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلني في رمضان وهو صائم ثم تقول عائشة وأيكم كان أملك لإربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه سفيان بن عيينة والثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عائشة ورواه الأعمش عن إبراهيم عن الأسود وعلقمة عن عائشة ورواه بن شهاب عن عروة وأبي سلمة عن عائشة كلهم بمعنى واحد وقد مر في الباب قبل هذا معناه وذكر مالك في هذا الباب عن هشام بن عروة قال عروة بن الزبير لم أر القبلة للصائم تدعو إلى خير. 607- وعن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن عبد الله بن عباس سئل عن القبلة للصائم فأرخص فيها للشيخ وكرهها للشاب. 608- وذكر عن نافع أن عبد الله بن عمر كان ينهى عن القبلة والمباشرة للصائم قال أبو عمر وممن كره القبلة للصائم بن مسعود وبن عباس روى فضيل بن مرزوق عن عطية عن بن عباس في القبلة للصائم قال إن عروق الخصيتين معلقة بالأنف فإذا وجد الريح تحرك ودعى إلى ما هو أكثر والشيخ أملك لإربه وذكر عبد الرزاق عن معمر عن عاصم بن سليمان الأحول قال جاء رجل شيخ إلى بن عباس يسأله عن القبلة وهو صائم فرخص له وجاءه شاب فنهاه قال عبد الرزاق. وأخبرنا بن عيينة عن عبد الله بن أبي يزيد قال سمعت بن عباس يقول لا بأس بها إذا لم يكن معها غيرها قال أبو عمر لم يأخذ مالك بقول بن عباس في ذلك لأنه كرهها للشيخ والشاب وذهب فيها مذهب بن عمر وهو شأنه في الاحتياط - رضي الله عنه - والأصل أن القبلة لم يكرهها من كرهها إلا لما يخشى أن تولده على الصائم من التطرق إلى الجماع على كل صائم وبالله التوفيق أخبرنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أبو إسماعيل الترمذي قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا همام عن قتادة عن رزين بن كريم عن بن عمر أنه سئل ما للصائم لا يرفث ولا يقبل ولا يلمس وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل قلت لأبي روى يونس بن عبيد عن رزيق بن كريم السلمي عن بن عمر أنه سئل ما للصائم من امرأته قال لا يقبل ولا يلمس ولا يرفث عف صومك فقال نعم رزيق بن كريم هذا رواه عنه يونس بن كريم وسعيد الجريري. 609- ذكر في هذا الباب عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر فأفطر الناس وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. 610- وذكر عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر وقال تقووا لعدوكم وصام رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر قال الذي حدثني لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج يصب الماء على رأسه من العطش أو من الحر ثم قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إن طائفة من الناس قد صاموا حين صمت قال فلما كان رسول الله بالكديد دعا بقدح فشرب فأفطر الناس. 611- وذكر عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أنه قال سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم. 612- وذكر عن هشام بن عروة عن أبيه أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إني رجل أصوم أفأصوم في السفر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئت فصم وإن شئت فأفطر. 613- وذكر عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يصوم في السفر. 614- وذكر عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يسافر في رمضان ونسافر معه فيصوم عروة ونفطر نحن فلا يأمرنا بالصيام قال أبو عمر قوله وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون إنه من كلام بن شهاب وفيه دليل أن في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسخا ومنسوخا واحتج من ذهب إلى أن الفطر أفضل في السفر لأن آخر فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الفطر في السفر ورواه معمر عن الزهري وقال فيه قال الزهري فكان الفطر آخر الأمرين وفي هذا الحديث إباحة السفر في رمضان وفي ذلك رد لقول من قال من دخل عليه رمضان لم يجز له أن يسافر فيه إلا أن يصوم لأنه قد لزمه صومه في الحضر ولو دخل عليه رمضان في سفره كان له أن يفطر في سفره ذلك وقد أوضحنا معنى هذا القول ومن قال به فيما بعد من هذا الكتاب وفي هذا الحديث أيضا رد لقول من زعم أن الصيام في السفر لا يجزئ لأن الفطر عزيمة من الله تعالى روي معنى ذلك عن عمر وبن عمر وأبي هريرة وعبد الرحمن بن عوف وبن عباس على اختلاف عنه وعن الحسن البصري مثله وبه قال قوم من أهل الظاهر وأحاديث هذا الباب تدفع هذا القول وتقضي بجواز الصوم للمسافر إن شاء وأنه مخير إن شاء صام وإن شاء أفطر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام في السفر وأفطر وعلى التخيير في الصوم أو الفطر للمسافر جمهور العلماء وجماعة فقهاء الأمصار وفيه أيضا رد لقول علي - رضوان الله عليه - أنه من استهل عليه رمضان مقيما ثم سافر أنه ليس له أن يفطر لقول الله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) [البقرة 185]. والمعنى عندهم من أدركه رمضان مسافرا أفطر وعليه عدة من أيام أخر ومن أدركه حاضرا فليصمه روى حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه - قال من أدركه رمضان وهو مقيم ثم سافر لزمه الصوم لأن الله تعالى يقول (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) [البقرة 185]. وبه قال عبيدة وسويد بن غفلة وأبو مجلز كذا قال أبو مجلز لا يسافر أحد في رمضان فإن سافر ولا بد فليصم وقوله مردود لسفر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان وإفطاره فيه واختلف العلماء في فطر رسول الله صلى الله عليه وسلم المذكور في هذا الحديث فقال قوم معناه أنه أصبح مفطرا فقدم الفطر في ليلة فتمادى عليه في سفره وهذا جائز للمسافر بإجماع الأمة إن اختار الفطر إن بيته في سفره وقال آخرون معناه أنه أفطر في نهاره بعد أن مضى صدر منه وأن الصائم جائز له أن يفعل ذلك في سفره واحتجوا بما حدثنا أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا حماد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سافر في رمضان فاشتد الصوم على رجل من أصحابه فجعلت ناقته تهيم به تحت الشجر فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأمره فدعا لبنا فلما رآه الناس على يده أفطروا وبحديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس وهم مشاة وركبان فقيل له إن الناس قد شق عليهم الصوم وإنما ينظرون إلى ما فعلت فدعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب فأفطر بعض الناس وصام بعض فقيل للنبي -عليه السلام- إن بعضهم قد صام فقال أولئك العصاة واختلف العلماء في الذي يختار الصوم في السفر فيبيت الصيام ويبيت صائما ثم يفطر نهارا من غير عذر فكان مالك يوجب عليه القضاء والكفارة لأنه كان مخيرا في الصوم والفطر فلما اختار الصوم وبيته لزمه ولم يكن له الفطر فإن أفطر عامدا من غير عذر فعليه القضاء والكفارة وقد روي عنه أنه لا كفارة عليه وهو قول أكثر أصحابه إلا عبد الملك فإنه قال إن أفطر بجماع كفر لأنه لا يقوى بذلك على سفره ولا عذر له لأن المسافر إنما أبيح له الفطر ليقوى بذلك على سفره وقال سائر الفقهاء بالعراق والحجاز إنه لا كفارة عليه منهم الشافعي والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وسائر فقهاء الكوفة وروى البويطي عن الشافعي قال يفطر إن صح حديث كراع الغميم لم أر بأسا أن يفطر المسافر بعد دخوله في الصوم وروى عنه المزني أنه لا يفطر فإن أفطر فلا كفارة عليه قال أبو عمر الحجة في سقوط الكفارة واضحة من جهة الأثر المذكور عن جابر ومن جهة النظر أيضا لأنه متأول غير هاتك لحرمة صومه عند نفسه وهو مسافر قد دخل في عموم إباحة الفطر. وأما حديث سمي فهو مسند صحيح ولا فرق فيه بين أن يسمي التابع الصاحب الذي حدثه أو لا يسميه في جواز العمل بحديثه لأن الصحابة كلهم عدول مرضيون وهذا أمر مجتمع عليه عند أهل العلم بالحديث وقد روى معنى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بن عباس وأبو سعيد الخدري وجابر وفيه أيضا من الفقه أن المسافر جائز له الصوم في السفر بخلاف ما روي فيه عمن قدمنا ذكره. وأما حديث حميد عن أنس فإن بن وضاح زعم أن مالكا لم يتابع على قوله فيه كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنما الحديث عن حميد عن أنس أنه قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسافرون فيصوم بعضهم ويفطر بعضهم فلا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم ليس فيه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أنه كان شاهدهم في حالهم تلك وهذا غلط منه وقلة معرفة بالأثر وقد تابع مالكا على ذلك جماعة من الحفاظ منهم أبو إسحاق الفزاري وأنس بن عياض ومحمد بن عبد الله الأنصاري وعبد الوهاب الثقفي كلهم رووه عن حميد عن أنس بلفظ حديث مالك سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء وقد ذكرنا أسانيد ذلك كله في التمهيد وروى بن عباس وأبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل لفظ حديث أنس وما أعلم أحدا روى حديث أنس على ما حكاه بن وضاح إلا يحيى بن سعيد القطان عن حميد عن أنس قال كنا نسافر مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان منا الصائم ومنا المفطر فلا يعيب هذا على هذا ولا هذا على هذا ومن هنا قال بن وضاح ما قاله مما ذكرنا عنه والله أعلم لأنه قد روى من حديث القطان ثلاثة أجزاء قد كتبناها عن شيوخنا وفيها هذا الحديث كما ذكر وليس بشيء والذي رواه الحفاظ أولى وفي الحديث من الفقه رد قول من زعم أن الصائم في السفر لا يجزئه الصوم وقد ذكرنا القائلين فيما تقدم من هذا الباب ولا حجة لأحد من السنة الثابتة وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صام في السفر ولم يعب على من أفطر ولا على من صام فثبتت حجته ووجب التسليم له وإنما اختلف الفقهاء في الأفضل من الفطر في السفر أو الصوم فيه لمن قدر عليه فروينا عن عثمان بن أبي العاص وأنس بن مالك صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهما قالا الصوم في السفر أفضل لمن قدر عليه وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وهو نحو قول مالك والثوري قالا الصوم في السفر أحب إلينا لمن قدر عليه فاستدللنا أنهم لم يستحسنوه إلا أنه أفضل عندهم. وقال الشافعي وهو مخير ولم يفضل وهو قول بن علية وقد روي عن الشافعي أن الصوم أحب إليه وروي عن بن عمر وبن عباس أن الرخصة أفضل وبه قال سعيد بن المسيب والشعبي وعمر بن عبد العزيز ومجاهد وقتادة والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه كلهم يقول الفطر أفضل لقوله - عز وجل - (يريد الله بكم اليسر) [البقرة 185]. قرأت على عبد الوارث عن قاسم قال حدثنا أحمد بن يزيد قراءة عليه قال حدثنا موسى بن معاوية قال حدثنا وكيع عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس من البر الصوم في السفر عليكم برخصة الله فاقبلوها وقد روي عن بن عباس في المسافر إن شاء صام وإن شاء أفطر وهو الثابت عن النبي -عليه السلام- من حديث أنس وحمزة بن عمرو وبن عباس وأبي سعيد قال أبو عمر كان حذيفة وسعيد بن جبير والشعبي وأبو جعفر محمد بن علي لا يصومون في السفر وكان عمرو بن ميمون والأسود بن يزيد وأبو وائل يصومون في السفر وكان بن عمر يكره الصيام في السفر فإن قال قائل ممن يميل إلى قول أهل الظاهر في هذه المسألة قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ليس من البر الصيام في السفر وما لم يكن من البر فهو من الإثم يذكر ذلك أن صوم رمضان لا يجزئ في السفر فالجواب أن هذا الحديث خرج لفظه على بعض معين وهو رجل رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم قد ظلل عليه وهو يجود بنفسه فقال ذلك القول أي ليس البر أن يبلغ الإنسان بنفسه هذا المبلغ والله قد رخص له في الفطر حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الجهم ومحمد بن أبي العوام قالا حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا شعبة عن محمد بن عبد الرحمن عن محمد بن عمرو بن حسن عن جابر بن عبد الله قال كان نبي الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه فقال ما هذا فقالوا صائم فقال ليس من البر أن تصوموا في السفر قال أبو عمر يعني إذا بلغ الصوم من أحدكم هذا المبلغ -والله أعلم- قال أبو عمر الدليل على صحة هذا التأويل صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر ولو كان الصوم في السفر إثما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبعد الناس منه ويحتمل قوله -عليه السلام- ليس من البر الصيام في السفر هو أبر البر لأنه قد يكون الإفطار أبر منه إذا كان في حج أو جهاد ليقوى عليه وقد يكون الفطر في السفر المباح برا لأن الله تعالى أباحه وقوله ليس من البر وليس البر سواء إلا أن العرب تقول ما جاءني من أحد تريد ما جاءني أحد ونظير هذا من كلامه صلى الله عليه وسلم ليس المسكين بالطواف الذي ترده التمرة والتمرتان قيل فمن المسكين قال الذي سئل ولا عليه وقالت عائشة إن المسكين ليقف على بابي الحديث ومعلوم أن الطواف مسكين وأنه من أهل الصدقة لقوله عز وجل (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) [التوبة 60]. وأجمعوا أن الطواف منهم فعلم أن قوله -عليه السلام- ليس المسكين بالطواف معناه ليس السائل بأشد الناس مسكنة لأن المتعفف الذي لا يسأل الناس أشد مسكنة منه وكذلك قوله -عليه السلام- ليس من البر الصيام في السفر لأن الفطر فيه بر أيضا لمن شاء أن يأخذ برخصة الله تعالى وقد قال صلى الله عليه وسلم إذا وقف المسكين على باب أحدكم فليبره ولو بتمرة فأما من احتج بقوله تعالى (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) [البقرة 185]. وزعم أن ذلك عزمة فلا دليل على ذلك لأن ظاهر الكلام وسياقه يدل على الرخصة والتخيير والدليل على ذلك قوله تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) [البقرة 185]. ودليل آخر أن المريض الحامل على نفسه إذا صام فإن ذلك يجزئ عنه فدل ذلك أنه رخصة له والمسافر في المعنى مثله والله الموفق للصواب. وأما حديث حمزة بن عمرو فإن يحيى رواه عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن حمزة بن عمرو وسائر أصحاب مالك رواه عن هشام عن أبيه عن عائشة كذلك رواه جماعة عن هشام منهم حماد بن سلمة وبن عيينة ومحمد بن عجلان ويحيى القطان وبن نمير وأبو أسامة ووكيع وأبو معاوية والليث بن سعد وأبو حمزة وأبو إسحاق الفزاري كلهم ذكروا فيه عائشة ورواه أبو معشر المدني وجرير بن عبد الحميد والمفضل بن فضالة عن هشام عن أبيه أن حمزة بن عمرو كما رواه يحيى عن مالك ورواه بن وهب عن عمرو بن الحارث عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير عن أبي مراوح عن حمزة بن عمر وأبو الأسود ثبت في عروة وقد خالف هشاما فجعل الحديث عن عروة عن أبي مراوح عن حمزة بن عمرو وعن عروة عن عائشة ورواية أبي الأسود تدل أن رواية يحيى ليست بخطأ وقد روى سليمان بن يسار هذا الحديث عن حمزة بن عمرو الأسلمي وسنه قريب من سن عروة والحديث صحيح لعروة وقد يجوز أن يكون عروة سمعه من عائشة ومن أبي مراوح جميعا عن حمزة فحدث به عن كل واحد منهما وأرسله أحيانا والله أعلم وفي هذا الحديث التخيير للصائم في سفره في الفطر والصيام وهو مذهب جماعة فقهاء الأمصار روى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب قال دعا عمر بن عبد العزيز سالم بن عبد الله وعروة بن الزبير فسألهما عن الصيام في السفر فقال عروة نصوم وقال سالم لا نصوم فقال عروة إنما أحدث عن عائشة وقال سالم إنما أحدث عن عبد الله بن عمر فلما امتريا قال عمر بن عبد العزيز اللهم اغفر أصومه في اليسر وأفطره في العسر. وأما حديثه عن نافع عن بن عمر أنه كان لا يصوم في السفر فيحتمل أن يكون على الاختيار فيكون أحد القائلين بأن الفطر في السفر أفضل وقد مضت الحجة لهذا القول وعليه وكان عروة أحد المختارين للصوم في السفر وقد ذكرنا ذلك كله والحمد لله. 615- مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب كان إذا كان في سفر في رمضان فعلم أنه داخل المدينة من أول يومه دخل وهو صائم قال مالك من كان في سفر فعلم أنه داخل على أهله من أول يومه وطلع له الفجر قبل أن يدخل دخل وهو صائم قال أبو عمر أما ما ذكره مالك عن عمر فهو المستحب عند جماعة العلماء إلا أن بعضهم أشد تشديدا فيه من بعض وما أعلم أحدا دخل مسافرا على أهله مفطرا كفارة. وأما قول مالك في الذي يريد ان يخرج في رمضان مسافرا فطلع له الفجر وهو بأرضه قبل أن يخرج فإنه يصوم ذلك اليوم فإن العلماء اختلفوا في الذي يصبح في الحضر صائما في رمضان ثم يسافر في صبيحة يومه وذلك هل له أن يفطر في ذلك اليوم في سفره أم لا فذهب مالك وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي إلى أنه لا يفطر ذلك اليوم وهو قول الزهري ويحيى بن سعيد والأوزاعي وأبي ثور وكلهم قالوا إن أفطر بعد خروجه ذلك اليوم فليس عليه إلا القضاء وروي عن المخزومي وبن كنانة انه يقضي ويكفر وليس قولهما هذا بشيء ولا له حظ من النظر ولا سلف من جهة الأثر وروي عن بن عمر في هذه المسألة أنه يفطر في يومه ذلك إن شاء إذا خرج مسافرا وهو قول الشعبي وأحمد وإسحاق قال أحمد يفطر إذا برز عن البيوت وقال إسحاق يفطر حين يضع رجله في الرحل وهو قول داود وروي عن الحسن في رواية أنه لا يفطر ذلك اليوم إلا أن يشتد عليه العطش فإن خاف على نفسه أفطر وقال إبراهيم النخعي لا يفطر ذلك اليوم ولم يختلف عن مالك في الذي يريد السفر أنه لا يجوز له أن يفطر في الحضر حتى يخرج واختلف أصحابه فيه إن أفطر قبل أن يخرج فذكر بن سحنون عن بن الماجشون أنه إن سافر فلا شيء عليه من الكفارة وإن لم يسافر فعليه الكفارة واحتج بما روي عن الحسن البصري قال يفطر في بيته إن شاء يوم يريد أن يخرج وقال أشهب لا شيء عليه من الكفارة سافر أو لم يسافر وقال سحنون عليه الكفارة سافر أو لم يسافر وهو بمنزلة المرأة تقول غدا تأتيني حيضتي فتفطر لذلك ثم رجع إلى قول عبد الملك وقال ليس مثل المرأة لأن الرجل يحدث السفر إذا شاء والمرأة لا تحدث الحيضة وقال بن حبيب إن كان قد تأهب لسفره وأخذ في سبب الحركة فلا شيء عليه وحكي ذلك عن أصبغ وبن الماجشون فإن عاقه عن السفر عائق كان عليه الكفارة قال أبو عمر هذا ضعف من الذي قاله لأنه إن كانت حركته لسفر وتأهبه يبيح له الفطر وحكمه في ذلك حكم المسافر وقد وقع أكله مباحا وعذره قائم بالعائق المانع فلا وجه للكفارة هنا ولا معنى وروى عيسى عن بن القاسم أنه لا كفارة عليه لأنه متأول في فطره قال أبو عمر هذا أصح أقاويلهم في هذه المسألة لأنه غير منتهك لحرمة الصوم وإنما هو متأول ولو كان الأكل مع نية السفر يوجب عليه الكفارة لأنه كان قبل خروجه ما أسقطها عنه خروجه وتأمل ذلك تجده كذلك إن شاء الله وقد روى إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا عيسى بن ميناء قالون قال حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير عن زيد بن أسلم عن بن المنكدر عن محمد بن كعب قال أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرا فأكل فقلت له سنة فلا أحسبه إلا قال نعم قال. وحدثنا علي بن المديني قال حدثنا أبي عن زيد بن أسلم بإسناده مثله وقال قلت له سنة قال نعم ثم ركب قال. وحدثنا به علي بن المديني وإبراهيم بن قرة عن الدراوردي عن زيد بن أسلم بإسناده وقال فيه قلت له سنة قال لا ثم ركب واتفقوا في الذي يريد السفر في رمضان أنه لا يجوز له أن يبيت الفطر لأن المسافر لا يكون مسافرا بالنية وإنما يكون مسافرا بالنهوض في سفره أو الأخذ في أهبته وليست النية في السفر كالنية في الإقامة لأن المسافر إذا نوى الإقامة كان مقيما في الحين لأن الإقامة لا تفتقر إلى عمل والمقيم إذا نوى السفر لم يكن مسافرا حتى يأخذ في سفره ويبرز عن الحضر فيجوز له حينئذ تقصير الصلاة وأحكام المسافر إلا من جعل تأهبه للسفر وعمله فيه كالسفر والبروز عن الحضر لزمه أن لا يجب عليه في أكله قبل خروجه وقد أجمعوا أنه لو مشى في سفره حتى تغيب بيوت القرية والمصر فنزل فأكل ثم عاقه عائق عن النهوض في ذلك السفر لم تلزمه كفارة. وأما قول مالك في الذي يقدم من سفره وهو مفطر وامرأته مفطرة حين طهرت من حيضها في رمضان أن لزوجها أن يصيبها إن شاء قال أبو عمر لم يفرق مالك في هذه المسألة بين قدوم المسافر مفطرا في أول النهار أو في آخره وهو يبين لك أن قوله في آخر الباب من علمه في سفره أنه داخل إلى أهله وطلع له الفجر أنه يدخل صائما على الاستحسان وهو قول الثوري والشافعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد والطبري واحتج الثوري بحديث عن جابر بن زيد أنه قدم من سفره في رمضان فوجد امرأته قد طهرت فأصابها قال وقال بن مسعود من أكل أول النهار فليأكل آخره وقال الثوري هو عندي مثل فعل جابر بن زيد. وقال أبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي والأوزاعي في الحائض تطهر والمسافر يقدم أنهما يمسكان عن الأكل في بقية يومهما ويقضيان وقال بن شبرمة في المسافر إذا قدم وقد أكل أنه يصوم يومه ويقضي قال. وأما المرأة فإنها تأكل إذا طهرت نهارا ولا تصوم قال أبو عمر احتج الكوفيون على مالك والشافعي باتفاقهم في الذي ينوي الإفطار في أول يوم من رمضان وهو عنده آخر يوم من شعبان ثم يصح عنده في ذلك اليوم أنه رمضان ولم يأكل أنه يتم صومه ويقضيه قال أبو عمر ليس هذا بلازم والفرق بينهما أن المسافر له الفطر والحاضر الجاهل بدخول الشهر ليس جهله برافع عنه الواجب عليه إذا علمه لزوال جهله بذلك ولم يكن ما فعله كما كان للمسافر فعل ما فعله من فطره والله الموفق للصواب. 616- مالك عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رجلا أفطر في رمضان فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا فقال لا أجد فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق تمر فقال خذ هذا فتصدق به فقال يا رسول الله ما أحد أحوج مني فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال كله. 617- وعن عطاء بن عبد الله الخرساني عن سعيد بن المسيب أنه قال جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب نحره وينتف شعره ويقول هلك الأبعد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذاك فقال أصبت أهلي وأنا صائم في رمضان فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تستطيع أن تعتق رقبة فقال لا فقال هل تستطيع أن تهدي بدنة قال لا قال فاجلس فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق تمر فقال خذ هذا فتصدق به فقال ما أحد أحوج مني فقال كله وصم يوما مكان ما أصبت قال مالك قال عطاء فسألت سعيد بن المسيب كم في ذلك العرق من التمر فقال ما بين خمسة عشر صاعا إلى عشرين قال أبو عمر لم يختلف رواة الموطأ عن مالك في حديث بن شهاب في هذا الباب أنه رواه بلفظ التخيير في العتق والصوم والإطعام ولم يذكر الفطر بأي شيء كان بجماع أو بأكل وتابعه على روايته هذه بن جريج وأبو إدريس عن بن شهاب وكذلك رواه أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن بن شهاب بإسناده مثله ورواه أشهب عن مالك والليث جميعا عن بن شهاب بإسناده مثله وهو خطأ من أشهب على الليث والمعروف فيه عن الليث كرواية بن عيينة ومعمر وإبراهيم بن سعد ومن تابعهم والذي رواه بن عيينة ومعمر وأكثر رواة بن شهاب في هذا الحديث عن بن شهاب عن حميد عن نافع عن أبي هريرة أن رجلا وقع على امرأته في رمضان فذكروا المعنى الذي به أفطر عامدا وذكروا الكفارة على ترتيب كفارة الطهارة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تستطيع أن تعتق رقبة قال لا قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا ثم ذكروا الإطعام إلى آخر الحديث ورواه كما رواه بن عيينة وشعيب بن أبي حمزة والأوزاعي وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر والليث بن سعد وإبراهيم بن سعد والحجاج بن أرطاة ومنصور بن المعتمر وعراك بن مالك كلهم عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة في رجل وقع على امرأته في رمضان على هذا الترتيب وقد رواه قوم عن مالك كرواية هؤلاء على الترتيب وذكر الجماع منهم الوليد بن مسلم وحماد بن مسعدة وإبراهيم بن سعد وقد ذكرنا الأحاديث عنهم وعن أصحاب بن شهاب بذلك في التمهيد والصحيح عن مالك ما في الموطأ وذهب مالك في الموطأ إلى أن المفطر في رمضان بأكل أو شرب أو جماع أن عليه الكفارة المذكورة في هذا الحديث على ظاهره لأنه ليس في روايته فطر مخصوص بشيء دون شيء فكل ما وقع عليه اسم فطر متعمدا فالكفارة لازمة لفاعله على ظاهر الحديث وروي عن الشعبي في المفطر عامدا في رمضان أن عليه عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا أو صيام شهرين متتابعين مع قضاء اليوم وروي مثل ذلك عن الزهري ذكره سعيد قال حدثنا معتمر بن سليمان عن برد بن سفيان عن بن شهاب الزهري في الرجل يقع على امرأته في رمضان قال فيه من الكفارة ما في الطهارة بعتق رقبة أو يطعم ستين مسكينا أو يصوم شهرين متتابعين وفي قول الشعبي والزهري ما يقضي لرواية مالك بالتخيير في هذا الحديث وهو حجة مالك إلا أن مالكا يختار الإطعام لأنه يشبه البدل من الصيام ألا ترى أن الحامل والمرضع والشيخ الكبير والمفرط في رمضان حتى يدخل عليه رمضان آخر لا يؤمر واحد منهم بعتق ولا صيام مع القضاء وإنما يؤمر بالإطعام فالإطعام له مدخل من الصيام ونظائر من الأصول فهذا ما اختاره مالك وأصحابه وقال بن وهب عن مالك الإطعام أحب إلي في ذلك من العتق وغيره وقال بن القاسم عنه إنه لا يعرف إلا الإطعام ولا يأخذ بالعتق لا بالصيام وقد ذكر عن عائشة قصة الواقع على أهله في رمضان في هذا الخبر ولم يذكر فيه الإطعام وذهب الشافعي والثوري وسائر الكوفيين إلى أن كفارة المفطر في رمضان للجماع عامدا ككفارة المظاهر مرتبة وذهبت جماعتهم أيضا إلى أن من كفر بالصيام أن الشهرين متتابعان إلا بن أبي ليلى فقال ليس الشهران متتابعين من ذلك وقد ذكرنا في التمهيد من ذكر التتابع في الشهرين بأسانيد حسان واختلفوا أيضا في قضاء ذلك اليوم مع الكفارة فقال مالك الذي نأخذ به في الذي يصيب أهله في رمضان إطعام ستين مسكينا وصيام ذلك اليوم قال وليس العتق والنحر من كفارة رمضان في شيء وقال الأوزاعي إن كفر بالعتق أو بالطعام صام يوما مكان ذلك اليوم الذي أفطر فإن صام شهرين متتابعين دخل فيهما قضاء يومه ذلك وقال الثوري يقضي اليوم ويكفر مثل كفارة الظهار. وقال الشافعي يحتمل إن كفر أن تكون الكفارة بدلا من الصيام ويحتمل أن يكون الصيام بدلا من الكفارة ولكل وجه وأحب إلي أن يكفر ويصوم مع الكفارة (هذه رواية الربيع) وقال المزني عنه فيمن وطىء امرأته فأولج عامدا كان عليه القضاء والكفارة. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وأبو ثور وأحمد بن حنبل وإسحاق ويقضي يوما مكانه ويكفر مثل كفارة الظهار وقال الأثرم قلت لأبي عبد الله الذي يجامع في رمضان ثم يكفر أليس عليه أن يصوم يوما مكانه قال ولا بد أن يصوم يوما مكانه ومن حجة من لم ير مع الكفارة قضاء أنه ليس في خبر أبي هريرة ولا خبر عائشة ولا في نقل الحفاظ لهما ذكر القضاء وإنما فيهما الكفارة فقط ولو كان القضاء واجبا لذكره مع الكفارة ومن حجة من رأى القضاء مع الكفارة حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أعرابيا جاء ينتف شعره فقال يا رسول الله وقعت على امرأتي في رمضان فذكر مثل حديث أبي هريرة وزاد وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقضي يوما مكانه وقد رواه هشام بن سعد عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رجلا أفطر في رمضان فخالف الحفاظ فيه في موضعين أحدهما أنه جعله عن أبي سلمة وإنما هو عن حميد والآخر أنه زاد فيه ذكر الصوم قال فيه كله أنت وأهل بيتك وصم يوما مكانه وهشام بن سعد لا يحتج به في حديث بن شهاب ومن جهة النظر والقياس أن الكفارة عقوبة للذنب الذي ركبه والقضاء بدل من اليوم الذي أفسده فكما لا يسقط عن المفسد حجة بالوطئ البدل إذا أهدى فكذا قضاء اليوم والله أعلم واختلف العلماء فيمن أفطر يوما في رمضان بأكل أو شرب متعمدا فقال مالك وأصحابه والثوري وأبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي وإسحاق بن راهويه وأبو ثور عليه من الكفارة ما على المجامع كل واحد منهم على أصله الذي قدمنا ذكره عنهم من الترتيب والتخيير وإلى هذا ذهب محمد بن جرير وروي مثل ذلك أيضا عن عطاء في رواية وعن الحسن والزهري. وقال الشافعي وأحمد عليه القضاء ولا كفارة عليه وهو قول سعيد بن جبير وبن سيرين وجابر بن سعد والشعبي وقتادة وروى مغيرة عن إبراهيم مثله ذكر سنيد عن عباد بن العوام عن سعيد بن أبي عروبة عن يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبير قال إذا أفطر يوما من رمضان متعمدا قضى يوما مكانه كما قال. وحدثنا عباد بن هشام بن حسان عن سعيد عن بن سيرين قال يعوذ منه من الذنوب يستغفر الله منه ويتوب ويصوم يوما مكانه قال عباد إنما الكفارة على من واقع. وقال الشافعي عليه مع القضاء العقوبة وانتهاكه حرمة الشهر وسائر من ذكرنا قوله من التابعين قال يقضي يوما مكانه ويستغفر الله ويتوب إليه قال بعضهم ويصنع معروفا ولم يذكر عنهم عقوبة. وقال أحمد والشعبي لا أقول بالكفارة إلا في الفتيان (ذكره الأثرم عنه) وقد روي عن عطاء أن من أفطر يوما من رمضان من غير علة كان عليه تحرير رقبة فإن لم يجد فبقرة أو بدنة أو عشرون صاعا من طعام يطعم المساكين وروى قتادة عن الحسن قال إذا لم يجد المجامع عامدا في رمضان رقبة أهدى بدنة إلى مكة قال ولو أفطر بغير جماع لم يكن عليه إلا قضاء يوم وقد روي عن الحسن أنه سوى بين الآكل والمجامع في الرقبة والبدنة وعن بن عباس قال عليه عتق رقبة أو صوم شهر أو إطعام ثلاثين مسكينا وعن بن المسيب أنه قال عليه صوم شهر وعنه أيضا وهو قول ربيعة أن عليه أن يصوم اثني عشر يوما وكان ربيعة يحتج لقوله هذا بأن شهر رمضان فضل على اثنى عشر شهرا فمن أفطر فيه يوما كان عليه اثنى عشر يوما وكان الشافعي يعجب من هذا وينتقص فيه ربيعة ولربيعة شذوذ منها في المحرم يقتل جرادة أن عليه صاعا من قمح لأنه أذى الصيد ومنها فيمن طلق امرأة من نسائه الأربع وجهلها بعينها أنه لا يلزمه فيهن شيء ولا يمنع من وطئهن وبه قال داود وروى معمر عن قتادة عن بن المسيب أنه سأله عن رجل أكل في رمضان عامدا قال عليه صيام شهر فقلت يومين قال صيام شهر قال فعددت أياما فقال صيام شهر هكذا قال معمر عن قتادة وهي رواية مفسرة وأظنه ذهب إلى التتابع في الشهر ألا يخلطه بفطر كأنه يقول من أفسده بفطر يوم أو أكثر قضاه كله نسقا لأن الله تعالى فرض شهر رمضان وهو متتابع فإذا تخلله فطر لزمه في القضاء التتابع كمن قدر صوم شهر رمضان متتابعا والله أعلم وقال بن سيرين يقضي يوما ويستغفر الله قال أبو عمر أقاويل التابعين بالعراق والحجاز لا وجه لها عند أهل الفقه لمخالفتها السنة وإنما في المسألة قولان أحدهما قول مالك ومن تابعه والحجة لهم حديث بن شهاب هذا ومن جهة النظر أن الآكل والشارب في القياس كالمجامع سواء لأن الصوم من الشريعة الامتناع من الأكل والشرب والجماع فإذا أثبتت الشريعة من وجه واحد منها شيء سبيل نظيره في الحكم سبيله والنكتة الجامعة بينهما انتهاك حرمة الشهر بما يفسد الصوم عمدا ولفظ حديث مالك يجمع كل فطر والقول الثاني قول الشافعي ومن تابعه والحجة لهم أن الحديث ورد في المجامع وليس الأكل مثله فدليل إجماعهم أن المستقيء عامدا عليه القضاء وليس عليه كفارة وهو مفطر عمدا وكذلك مزدرد الحصاة عمدا عليه القضاء وهو مفطر متعمدا ولأن الذمة بريئة فلا يثبت فيها شيء إلا بيقين وروى أبو المطوس عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أفطر يوما من رمضان قويا متعمدا لم يجزه صيام الدهر وإن صامه وروي عن علي وبن مسعود مثله وهذا يحتمل أن يكون لو صح على التغليظ وهو حديث ضعيف لا يحتج به وقد جاءت الكفارة بأسانيد صحاح واختلف الفقهاء فيما يجزئ من الإطعام عمن يجب أن يكفر فيه عن فساد يوم من شهر رمضان فقال مالك والشافعي وأصحابهما والأوزاعي يطعم ستين مسكينا بمد النبي صلى الله عليه وسلم مدا لكل مسكين وذكر ان العرق كان فيه خمسة عشر صاعا وذلك في حديث مالك عن عطاء الخرساني عن سعيد بن المسيب وهو مذكور أيضا في حديث مجاهد وعطاء عن أبي هريرة وقد ذكرناه في التمهيد إلا أن في حديث أبي هريرة عشرين صاعا وقد روي ذلك من وجوه مرسلة ومسندة ومعلوم أن ذلك غير ما ذهب إليه من قال بنصف صاع لكل مسكين وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه لا يجزئه أقل من مدين بمد النبي صلى الله عليه وسلم وذلك نصف صاع لكل مسكين قياسا على فدية الأذى وقول مالك أولى لأنه نص لا قياس واختلف العلماء أيضا في الواطئ أهله في رمضان إذا وجب عليه التكفير بالإطعام دون غيره ولم يجد ما يطعم وكان في حكم الرجل الذي ورد فيه الحديث فأما مالك فلم أجد عنه في ذلك شيئا منصوصا وكان عيسى بن دينار يقول إنها على المعسر واجبة فإذا أيسر أداها وقد يخرج قول بن شهاب على هذا لأنه جعل إباحة النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الرجل أكل الكفارة لعسرته رخصة له وخصوصا قال بن شهاب ولو أن رجلا فعل ذلك لم يكن له بد من التكفير وقيل للأوزاعي فيمن لم يجد كفارة المفطر ولم يقدر على الصيام أيسأل في الكفارة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رد كفارة المفطر عليه وعلى أهله فليستغفر الله ولا يعد ولم ير عليه شيئا إذا كان معسرا. وقال الشافعي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كله وأطعمه أهلك يحتمل معاني منها أنه لما كان في الوقت الذي أصاب فيه أهله ليس ممن يقدر على واحدة من الكفارات تطوع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن قال له في شيء أتي به كفر به فلما ذكر الحاجة ولم يكن الرجل قبضه قال له كله وأطعمه أهلك وجعل التمليك له حينئذ مع القبض ويحتمل أن يكون لما ملكه وهو محتاج وكان إنما تكون الكفارة عليه إذا كان عنده فضل ولو لم يكن عنده فضل كان له أكله هو وأهله لحاجته ويحتمل في هذا أن تكون الكفارة دينا عليه متى أطاقها أداها وإن كان ذلك ليس في الخبر وكان هذا أحب إلينا وأقرب من الاحتياط قال ويحتمل إذا كان لا يقدر على شيء من الكفارات وكان لغيره أن يكفر عنه كان لغيره أن يتصدق عليه وعلى أهله بتلك الكفارة إذا كانوا محتاجين ويجزئ عنه ويحتمل أن يكون إذا لم يقدر على شيء في حاله تلك أن تكون الكفارة ساقطة عنه إذا كان معسرا كما سقطت الصلاة عن المغمى عليه إذا كان مغلوبا وقال الأثرم قلت لابن حنبل حديث الزهري عن حميد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أطعمه عيالك أتقول به قال نعم إذا كان محتاجا ولكن لا يكون في شيء من الكفارات إلا في الجماع في رمضان وحده لا في كفارة اليمين ولا في كفارة الظهار قيل له أليس في حديث سلمة بن صخر حين ظاهر من امرأته ووقع عليها نحو هذا قال ولمن تقول هذا إنما حديث سلمة بن صخر تصدق بكذا واستعن بسائره على أهلك فإنما أمر له بما بقي قلت فإن كان المجامع محتاجا فأطعمه عياله قال يجزئ عنه قلت ولا يكفر إذا وجد قال لا إلا أنه خاص في الجماع وحده وزعم الطبري أن قياس الثوري وأبي حنيفة وأصحابه وأبي ثور أن الكفارة دين عليه لا يسقطها عنه عسره وعليه أن يأتي بها إذا قدر عليها كسائر الكفارات قال أبو عمر إن احتج محتج في إسقاط الكفارة عن المعسر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له كله أنت وعيالك ولم يقل له تؤديها إذا أيسرت ولو كانت واجبة عليه لم تسقط عنه حتى يبين ذلك له قيل له ولا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها ساقطة عنك لعسرتك بعد أن أخبره بوجوبها عليه وكل ما وجب أداؤه في اليسار لزم الذمة إلى الميسرة والله أعلم واختلفوا في الكفارة على المرأة إذا وطئها زوجها وهي طائعة في رمضان فقال مالك إذا طاوعته فعلى كل واحد منهما كفارة وإذا أكرهها فعليه كفارتان عنه وعنها وكذلك إذا وطىء أمته كفر كفارتين وقال الأوزاعي سواء طاوعته امرأته أو أكرهها فليس عليه إلا كفارة واحدة إن كفر بالعتق أو الإطعام فإن كفر بالصيام فعلى كل واحد منهما صيام شهرين متتابعين. وقال الشافعي الصيام والعتق والإطعام سواء ليس عليهما إلا كفارة واحدة وسواء طاوعته أو أكرهها لأن النبي (عليه السلام) إنما أجاب السائل بكفارة واحدة ولم يسأله طاوعته امرأته أو أكرهها ولو كان الحكم مختلفا لما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم تبيين ذلك وهو قول داود وأهل الظاهر وأجمعوا أن كفارة المظاهر واحدة وإن وطىء قال أبو حنيفة وأصحابه إن طاوعته فعلى كل واحد منهما كفارة وإن أكرهها فعليه كفارة واحدة ولا شيء عليها ومن حجة من رأى الكفارة لازمة عليها إن طاوعته القياس على قضاء ذلك اليوم فوجب عليها قضاء ذلك اليوم وجبت عليها الكفارة وأجمعوا على أن من وطىء في رمضان فكفر عنه ثم وطىء في يوم آخر أن عليه كفارة أخرى وأجمعوا على أن ليس على من وطىء مرارا في يوم واحد إلا كفارة واحدة واختلفوا فيمن وطىء في يوم من رمضان فلم يكفر حتى وطىء في يوم آخر فقال مالك والشافعي وأبو ثور وأحمد عليه لكل يوم كفارة كفر أو لم يكفر. وقال أبو حنيفة وأصحابه إن كفر ثم وطىء فعليه كفارة أخرى وإن وطىء قبل أن يكفر فكفارة واحدة قياسا على حد الزاني والسارق وقال الثوري أحب إلي أن يكفر عن كل يوم وأرجو أن تجزئه كفارة واحدة ما لم يكفر واختلفوا فيمن جامع ناسيا في صومه فقال الشافعي والثوري في رواية الأشجعي وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي وأبو ثور وإسحاق بن راهويه ليس عليه شيء لا قضاء ولا كفارة بمنزلة من أكل ناسيا عندهم وهو قول الحسن وعطاء ومجاهد وإبراهيم. وقال مالك والليث والأوزاعي والثوري في رواية عليه القضاء ولا كفارة وروي مثل ذلك عن عطاء وقد روي عن عطاء أن عليه الكفارة مع القضاء وقال مثل هذا لا ينسى وقال قوم من أهل الظاهر سواء وطىء ناسيا أو عامدا عليه القضاء والكفارة وهو قول عبد الملك بن الماجشون وإليه ذهب أحمد بن حنبل لأن الحديث الموجب للكفارة لم يفرق فيه بين الناسي والعامد قال أحمد بن حنبل وظاهر قول الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم وقعت على امرأتي النسيان والجهالة فلم يسأله أنسيت أم تعمدت وأفتاه على ظاهر الفعل واختلفوا أيضا فيمن أكل أو شرب ناسيا فقال الثوري وبن أبي ذئب والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وإسحاق وأحمد وأبو حنيفة وأصحابه وداود لا شيء عليه ويتم صومه وهو قول جمهور التابعين قال ربيعة ومالك عليه القضاء وقال الأثرم سمعت أحمد بن حنبل يسأل عمن أكل ناسيا في رمضان فقال ليس عليه شيء على حديث أبي هريرة الله أطعمه وسقاه ثم قال أبو عبد الله مالك - زعموا أنه يقول عليه القضاء وضحك وروي عن علي بن أبي طالب وبن عمر وعلقمة وإبراهيم وبن سيرين وجابر بن زيد من أكل ناسيا لا قضاء عليه. وأما حديثه عن عطاء الخرساني عن سعيد بن المسيب فلم يختلف على مالك في إرساله وكذلك رواه بن جريج عن عطاء كما قال مالك سواء ولا يحفظ عن سعيد بن المسيب ذكر البدنة إلا من رواية عطاء الخرساني وهو ثقة وروي عن أيوب عن القاسم بن عاصم أنه قال لسعيد بن المسيب إن عطاء الخرساني يحدث عنك في الرجل الذي وقع على أهله في رمضان أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بعتق رقبة قال لا أجد فقال انحر جزورا فقال لا أجد قال فتصدق بعشرين صاعا من تمر فقال سعيد كذب الخرساني إنما بلغني أن النبي (عليه السلام) قال له تصدق فتصدق قال أبو عمر قد ذكرنا هذا الحديث في التمهيد اضطراب فيه على القاسم بن عاصم ولا يجرح بمثله عطاء الخرساني بفضله وشهرته في العلم والخبر أكثر من شهرة القاسم بن عاصم وإن كان البخاري ذكر عطاء الخرساني بهذا الخبر في كتاب الضعفاء له ولم يتابعه أحد على ذلك وعطاء مشهور الفضل وقد روى عنه الأئمة وله فضائل جمة. وأما ذكر البدنة في هذا الخبر فلا أعلمه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا إلا من رواية ليث عن مجاهد وعطاء جميعا عن أبي هريرة عن النبي (عليه السلام) ذكره البخاري في التاريخ عن بن شريك عن أبيه عن ليث عن عطاء ومجاهد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أعتق رقبة ثم قال انحر بدنة قال البخاري ولا يتابع عليه قال أبو عمر أحسن طرق هذا الحديث عندي والله أعلم ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن يزيد المعلم قال حدثني موسى بن معاوية قال حدثنا جرير عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ! إني وقعت على امرأتي في رمضان قال بئس ما صنعت ! أعتق رقبة قال لا أجد قال انحر بدنة قال لا أجدها قال اذهب فتصدق بعشرين صاعا قال لا أجد قال فجئني أتصدق عنك قال ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه مني قال اذهب فكله أنت وأهلك قال أبو عمر قد وجدنا ذكر البدنة في هذا الحديث من غير رواية عطاء الخرساني فلا وجه لإنكار من أنكر ذلك عليه والله أعلم إلا أن العمل عند أهل العلم بالحجاز والعراق الذين تدور عليهم الفتوى على ما في حديث بن شهاب عن حميد عن أبي هريرة المذكور عنه في هذا الباب ليس فيه نحر البدنة وما أعلم أحدا أفتى في هذه المسألة بنحر بدنة إلا عطاء والحسن البصري على ما تقدم قال أبو عمر روى قتادة عن سعيد بن المسيب أن الرجل الذي وقع على امرأته في رمضان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم سلمان بن صخر البياضي وهذا وهم من قتادة وممن رواه عن قتادة وليس في أصحاب النبي (عليه السلام) من يسمى سلمان إلا سلمان الفارسي وسلمان بن عامر الضبي والحديث الصحيح إنما فيه سلمة بن صخر ولو صح سلمان لأمكن أن يكون أخا سلمة بن صخر البياضي وقد ذكرنا الخبر بإسناده في التمهيد وقد قيل إن سلمة بن صخر كان يقال له سلمان فالله أعلم قال مالك سمعت أهل العلم يقولون ليس على من أفطر يوما في قضاء رمضان بإصابة أهله نهارا أو غير ذلك الكفارة التي تذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن أصاب أهله نهارا في رمضان وإنما عليه قضاء ذلك اليوم قال مالك وهذا أحب ما سمعت فيه إلي قال أبو عمر على ما ذكره مالك جمهور العلماء أن المجامع في قضاء رمضان لا كفارة عليه حاشا قتادة وحده وعليه الكفارة وكذلك جمهور العلماء يقولون إن المفطر في قضاء رمضان لا يقضيه وإنما عليه ذلك اليوم الذي كان عليه من رمضان لا غير إلا بن وهب ورواية عن بن القاسم فإنهما جعلا عليه يومان قياسا على الحج وقوله بعرق تمر فأكثرهم يرويه بسكون الراء والصواب عند أهل اللغة فتح الراء وزعم بن حبيب أنه رواه مطرف عن مالك بتحريك الراء قال والعرق (بفتح الراء) المكتل العظيم الذي يسع قدر خمسة عشر صاعا وهي ستون مدا كذلك سمعت مطرفا وبن الماجشون يقولان وقال الأخفش أحمد بن عمران المكتل العظيم وإنما سمي عرقا لأنه يعمل عرقة عرقه ثم يضم والعرقة الطريقة العريضة ولذلك سميت درة المكتب عرقة يقال عرقة وعرق كما يقال علقة وعلق قال أبو كبير الهذلي (نغدو فنترك في المزاحف من ثوى... ونقر في العرقات من لم يقتل. 618- وذكر فيه عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يحتجم وهو صائم قال ثم ترك ذلك بعد فكان إذا صام لم يحتجم حتى يفطر. 619- وذكر عن بن شهاب أن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر كانا يحتجمان وهما صائمان. 620- وعن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يحتجم وهو صائم ثم لا يفطر قال وما رأيته احتجم قط إلا وهو صائم قال أبو عمر أما بن عمر فإنما ترك الحجامة صائما لما بلغه فيها -والله أعلم- ومن الورع بالموضع المعلوم. وأما عروة بن الزبير فإنه كان يوصل الصوم فمن هنا قال ابنه ما احتجم إلا وهو صائم. وأما سعد فإن حديثه في الموطأ منقطع ورواه عفان عن عبد الواحد بن زياد عن عثمان بن حكيم عن عامر بن سعد قال كان أبي يحتجم وهو صائم قال أبو عمر هذا الخبر عن سعد يضعف حديث سعد المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أفطر الحاجم والمحجوم وقد أنكروه على من رواه عن سعد لما جاء عنه من طريق بن شهاب وغيره أنه كان يحتجم وهو صائم وحديثه في أفطر الحاجم والمحجوم انفرد به داود بن الزبرقان وهو متروك الحديث عن محمد بن جحادة عن مصعب بن سعد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي عن النبي (عليه السلام) أنه قال أفطر الحاجم والمحجوم من طرق يصحح بعضها أهل العلم بالحديث منها حديث رافع بن خديج وحديث ثوبان وحديث شداد بن أوس وهذه أحسن ما روي في هذا المعنى قال أبو داود قلت لأحمد بن حنبل أي حديث أصح في أفطر الحاجم والمحجوم قال حديث ثوبان قال أبو عمر لم يخرج أبو داود غيره وخرج حديث بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم صائما. وأما حديث أسامة بن زيد وحديث معقل بن سنان وحديث أبي هريرة فمعلولة لا يثبت شيء منها من جهة النقل وقد جاء عن عائشة وبن عباس في ذلك ما لا يصح عندهما بل الصحيح عنها وعن بن عباس خلاف ذلك أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أبو معمر قال حدثنا عبد الوارث عن أيوب عن عكرمة عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم ورواه وهب عن أيوب بإسناده مثله وزاد وهو محرم ورواه هشام بن حسان عن عكرمة عن بن عباس ورواه مقسم عن بن عباس قال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما محرما فحديث بن عباس صحيح لا مدفع فيه ولا يختلف في صحته وثبوته وقد صحح أحمد بن حنبل حديث ثوبان وحديث شداد بن أوس وحديث رافع بن خديج في أفطر الحاجم والمحجوم قال علي بن المديني حديث رافع بن خديج صحيح قال أبو عمر رواه جماعة منهم معمر عن يحيى بن أبي كثير عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ عن السائب بن يزيد عن رافع بن خديج قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر الحاجم والمحجوم والقول عندي في هذه الأحاديث أن حديث بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم صائما محرما ناسخ لقوله صلى الله عليه وسلم أفطر الحاجم والمحجوم لأن في حديث شداد بن أوس وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عام الفتح على رجل يحتجم لثماني عشر ليلة خلت من رمضان فقال أفطر الحاجم والمحجوم فابن عباس شهد معه حجة الوداع وشهد حجامته يومئذ محرم صائم فإذا كانت حجامته (عليه السلام) عام حجة الوداع فهي ناسخة لا محالة لأنه لم يدرك بعد ذلك رمضان لأنه توفي في ربيع الأول صلى الله عليه وسلم وإنما وجه النظر والقياس في ذلك بأن الأحاديث متعارضة متدافعة في إفساد صوم من احتجم فأقل أحوالها أن يسقط الاحتجاج بها والأصل أن الصائم لا يقضى بأنه مفطر إذا سلم من الأكل والشرب والجماع إلا بسنة لا معارض له ووجه آخر من القياس وهو ما قال بن عباس الفطر مما دخل لا مما خرج وقد أجمعوا على ألا يقال للخارجة من جميع البدن - نجاسة كانت أو غيرها - أنها لا تفطر الصائم لخروجها من بدنه فكذلك الدم في الحجامة وغيرها فإن احتج محتج بحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من ذرعه القيء فلا شيء عليه ومن استقاء فعليه القضاء وبحديث أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر قيل له هذه حجة لنا لأنه لما لم يكن على من ذرعه القيء شيء دل على أن ما خرج من نجس وغيره من الإنسان لا يفطره وكان المستقيء بخلاف ذلك لأنه لا يرى منه رجوع بعض القيء في حلقه لتردد ذلك وتصعده ورجوعه. وأما الحديث عنه (عليه السلام) أنه قاء فأفطر فليس بالقوي ومعنى قاء استقاء والمعنى فيه ما ذكرنا وقد روي عن النبي عليه السلام بمثل هذه الأسانيد من حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثلاث لا يفطرن الصائم القيء والحجامة والاحتلام ومن حديث حميد الطويل عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبلة وفي الحجامة للصائم ومن حديث أبي سعيد أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه احتجم وهو صائم وحسبك بحديث بن عباس في ذلك فإنه لا مدفع فيه عند جماعة أهل العلم بالحديث وهذا بيان تهذيب هذه المسألة من طريق الأثر ومن طريق القياس والنظر وهذه المقايسة إنما تصح في المحجوم لا الحاجم ويرجع ذلك إلى أنها من العبادات التي لا يوقف على عللها وأنها مسألة أثرية لا نظرية ولهذا ما قدمنا الآثار في الواردة بها وقد اضطربت وصح النسخ فيها لأن حجامته صلى الله عليه وسلم صحت عنه وهو صائم محرم عام حجة الوداع وقوله أفطر الحاجم والمحجوم كان منه عام الفتح في صحيح الأثر بذلك. وأما الحاجم فقد أجمعت الأمة أن رجلا لو سقى رجلا ماء وأطعمه خبزا طائعا أو مكرها لم يكن بفعله ذلك لغيره مفطرا فدل ذلك على أن الحديث ليس على ظاهره في حكم الفطر وإنما هو في ذهاب الأجر لما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك كما روي من لغى يوم الجمعة فلا جمعة له يريد ذهاب أجر جمعته باللغو وقد قيل إنهما كانا يغتابان غيرهما أو قاذفين فبطل أجرهما لا حكم صومهما والله أعلم وما ذكرناه هو أصح من هذا وأولى بذوي العلم إن شاء الله. وأما اختلاف العلماء فيها فمعلوم من الصحابة ومن بعدهم روينا عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كرهوا الحجامة للصائم وقال منهم جماعة لا بأس بها للصائم ويحتمل أن يكون كرهها من كرهها منهم لما يخشى على فاعلها من الضعف عن تمام صومه من أجلها حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا القعنبي قال حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال ما كنا ندع الحجامة للصائم إلا مخافة الجهد. وأما اختلاف فقهاء الأمصار في ذلك فقال مالك في الموطأ لا تكره الحجامة للصائم إلا خشية أن يضعف ولو أن رجلا احتجم وسلم من أن يفطر لم أر عليه قضاء وهو قول الثوري. وقال أبو حنيفة وأصحابه إن احتجم الصائم لم يضره شيء. وقال أبو ثور أحب إلي أن لا يحتجم أحد صائما فإن فعل لم يفطر وهو باق على صومه وهذا معنى قول الشافعي لأنه قال في بعض كتبه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أفطر الحاجم والمحجوم وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه احتجم وهو صائم محرم وقال لا أعلم واحدا من الحديثين ثابتا ولو توقى رجل الحجامة صائما كان أحب إلي إن احتجم صائما لم أر ذلك يفطره. وأما أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه فقالا لا يجوز لأحد أن يحتجم صائما فإن فعل فعليه القضاء وبه قال داود والأوزاعي وعطاء إلا أن عطاء قال إن احتجم ساهيا لصومه أو جاهلا فعليه القضاء وإن احتجم متعمدا فعليه القضاء والكفارة قال أبو عمر شذ عطاء عن جماعة العلماء في إيجابه الكفارة في ذلك وقوله أيضا خلاف السنة فيمن استقاء عامدا فعليه القضاء والكفارة وقال بن المبارك من احتجم قضى ذلك اليوم وقال عبد الرحمن بن مهدي من احتجم وهو صائم فعليه القضاء قال أبو عمر لا قضاء عليه لما قدمنا وهو الصحيح وبالله التوفيق.
|